الموضوع
:
زمردة الماسية // أسطورة باندورا بين الفضول والهوس...
عرض مشاركة واحدة
#
2
01-29-2018, 05:31 AM
باندورا
قصة
صندوق باندورا
:
تزوج إبيميثيوس من باندورا وكانت زوجة صالحة تعتني بشؤون البيت وتتولّى الغزل والخبيز والاعتناء بنباتات الحديقة. وحين يعود زوجها تسليه بالرقص والغناء. كانت تعتقد أنها وزوجها أسعد زوجين على وجه الأرض. لكنّ أمراً واحداً كان يعكر مزاجها ويشغل تفكيرها ليل نهار هو الصندوق الذهبي. كانت تضعه على المنضدة وتنظّفه وتلّمعه يوميّاً كي يعجب به كل من يراه. تسقط أشعة الشمس على سطحه يتوهج ويبرق بألوان الطيف المختلفة التي تزيده جمالا على جمال، وتضفي على نقوشه روعة على روعة.
راحت باندورا تتساءل: لماذا أهداها هيرميس الصندوق مغلقاً وطلب منها عدم فتحه وقد أصبح ملكاً لها؟ لا بد أنه يمزح. أنا أعرفه جيداً وأعرف أنه يحب المزاح والفكاهة وتوضيب المقالب. جميع الناس والآلهة تعرف ذلك.
بلى، إنه يمزح. عندما يعطيني هدية، ثم يقول لي لا تفتحيها تحت أي ظرف. هذا كلام غير معقول على الإطلاق. إذا كان الصندوق الذهبي بهذا الجمال والروعة من الخارج فكيف يكون ما بداخله؟
لا بد أن هيرميس جعل ما في داخل الصندوق مفاجأة لي. جواهر وحلى جميلة بالتأكيد لم تر مثلها عين من قبل. لا شك في ذلك. إذا كان الصندوق من الذهب الخالص، غنيّاً بالنقوش ومطعّماً بالجواهر من الخارج، فلا بد من أن يكون ما في داخله شيء رائع أيضاً، وإلا ما كان يصلح لأن يقدم كهدية.
ربما يتوقع هيرميس أن أفتح الصندوق بنفسي، لكي أفاجأ بما فيه من روائع، فأشكره. لكن باندورا كانت تعلم أنها يجب ألاّ تفتح الصندوق. تم تحذيرها، بالإضافة إلى أنها وعدت بذلك.
حملت باندورا الصندوق عن المنضدة أمام النافذة ورمته في غرفة الخزين المظلمة بعيداً عن عينيها وتفكيرها. لكن ذلك لم يفعل شيئاً سوى زيادة نار شعلة حب الاستطلاع الموقدة داخلها. الرغبة في معرفة ما في داخل الصندوق تكاد تقتلها. تسيطر على عقلها وتملك لبها أينما تذهب. كانت تخلق الحجج والأعذار لكي تدخل الغرفة حتى تلمس الصندوق بيديها. لكنها كانت تلقيه وتفر هاربة وتغلق باب الغرفة على الصندوق، أخذت الصندوق الذهبي ووضعته في صندوق خشبي. ومن ثم وضعته في حفرة عميقة وأهالت فوقه التراب.
لدى عودة زوجها أبيميثيوس تلك الليلة، كان شعرها منكوشاً ويداها داميتين وسترتها ممزقة. لكنها لم تقل سوى أنها كانت تعمل في الحديقة.
ليلاً أضاءت أشعة القمر الغرفة. لم تستطع باندورا النوم. جلست على السرير وظلت تتلفت حولها. أرجاء الغرفة كلّها كانت تستحم في ضوء القمر. كل شيء كان مختلفاً. كانت ثمة ظلال عميقة وبقع ضوء فضية. خرجت باندورا من الغرفة ومشت على أطراف أصابعها. ذهبت إلى الحديقة. الزهور والأشجار كانت تتمايل. الدنيا كلها كانت ترقص في ضوء القمر. أخذت باندورا الجاروف وحفرت الأرض لتخرج الصندوق الخشب. أخرجت منه الصندوق الذهبي. كان الصندوق بارداً جداً. كانت باندورا ترتجف خوفاً. لكن الرغبة في معرفة ما في داخل الصندوق كانت أقوى من خوفها. ما في داخل الصندوق، بالنسبة إليها، هو سر الحياة. ستموت حتماً إن لم تعرف ما هو.
تناولت باندورا مفتاح الصندوق الذهب من سترتها، وفتحت به الغطاء ببطء. سمعت صوت احتكاء أجساد محشورة في الصندوق، وشمت رائحة كريهة. ثم خرجت من الصندوق مخلوقات أشبه بالسحالي ذات أجنحة مثل الخفافيش، وعيون تطلق شراراً. طارت تلك المخلوقات وحامت حول رأس باندورا مرفرفة بأجنحتها وصائحة بأصوات حادة. ثم اختفت من المشهد في جنح الليل مصدرة أصوات نقنقة مثل أصوات الدجاج.
كادت باندورا تصاب بالإغماء. وفي تلك الحالة تمكنت آخر لحظة من غلق الصندوق الذهب بكامل قوتها على آخر مخلوق صغير لم يتمكن من الهرب. صرخ وعضها في يدها وخربشها بمخالبه محاولاً الهرب. لكنها تمكنت من إرجاعه إلى الصندوق وإحكام الغطاء عليه. ثم أغمي عليها وسقط الصندوق من يدها.
المخلوقات التي كانت في الصندوق وهربت عندما فتحته باندورا، هي الأمراض التي بُلي بها الإنسان. الأمراض في أشكالها المختلفة وتحصى بالآلاف. هي الشيخوخة والمجاعة والجنون واليأس والفشل والحرب والخيانة والغدر وباقي عائلة الشر.
بعدما طارت تلك المخلوقات من الصندوق انتشرت في البقاع كافة ودخلت كل بيت. عندما يأتـي أوانها تطير وتلدغ وتسبب الآلام الممكنة والأسى والموت.
ربما كان الأمر أسوأ من ذلك لو هرب المخلوق الذي نجحت باندورا في إبقائه محبوساً داخل الصندوق. لو هرب هذا المخلوق لعرف كل منا ما سوف يصيبه من شر ومتى سيموت.
إنه أمر لا يستطيع الإنسان تحمله. أطلقت باندورا قوى الشر كلها من الصندوق الذهب، لكن يا لحسن الحظ، لا تزال تحتفظ بالمخلوق الأخير وهو اليأس. حبس اليأس ونجا الإنسان من شره. من ثم، ظل الأمل وصديقنا الوفي.
ما أصل كلمة صندوق ؟
صندوق باندورا هو قطعة أثرية في الأساطير الإغريقية ، ولهذا الصندوق صلة بأسطورة خلق (باندورا) والمذكورة في كتاب هيسيود " أعمال وأيام هيسيود "، والصندوق يأخذ فعلياً شكل جرة كبيرة والتي تدعى (
بيثوس
) في اللغة اليونانية. لكن أسيء ترجمتها كما سنكتشف لاحقاً ،
والكلمة
تعني جرة كبيرة الحجم ، وقد تكون أحياناً كبيرة إلى درجة أنها تكون بحجم شخص صغير ، ويقال أن (ديوجين) من (سينوب) وهو أحد فلاسفة الإغريق قد نام فيها مرة، وكانت هذه الجرة تستخدم لتخزين الخمور والزيوت ومحصول الحبوب وغيره ، كما كانت تستخدم في الطقوس كوعاء يوضع فيه جسم من أجل دفنه، أما في حالة باندورا فقد تكون الجرة مصنوعة من الصلصال من اجل تخزين الأمور الإعتيادية أو أن تكون مصنوعة من معدن البرونز مثل خزانة غير قابلة للكسر.
وقد حدث خطأ في ترجمة كلمة بيصوس لاحقا في القرن 16، حيث ترجم إيراسموس من روتدرام قصة هيسيود عن باندورا من اليونانية إلى اللأثينية فترجم كلمة بيثوس كمثل كلمة بيكسيس التي تعني الصندوق. ومنذ ذلك الوقت أصبحت معروفة بصندوق باندورا.
ما هي وجهة نظر العلماء بشأن الفضول ؟
في دراسة تم إجراؤها في جامعة شيكاغو الأمريكية و تم نشرها في مجلة جمعية علم النفس، اكد الباحثون أن الفضول يعتبر نقمة مشيرين أن هذه الخصلة قد تكون سببا في المشكلات و تجعل الإنسان يتصرف بطريقة غير صحيحة. حيث قام الباحثون بإجراء 4 تجارب متنوعة استنتجوا منها أن الفضول يمكن أن يدفع الإنسان إلى تعرض نفسه للخطر الغير مرغوب، مثل الصدمة الكهربائية بدون فائدة متوقعة من هذه الخطوة.
إن الإنسان يملك خاصية فطرية تجعلهم يرغبون في اكتشاف الغموض. و هذه الخاصية مستقلة تماما عن التفكير في نتائج الأمور. مما يعني أن الشخص الفضولي يمكنه أن يدخل في مغامرة من أجل معرفة شيء يبدو له غامضا بدون هدف سوى المعرفة و الإطلاع عليه. و الأخطر من هذا أن الإنسان عندما يصادف أمرا غامضا و يحس بالفضول اتجاهه، فإنه يعمل على حل هذا اللغز رغم معرفته بالعواقب الوخيمة من وراء تصرفاته. و قد سلطت الدراسة الضوء على الأضرار المتوقعة للفضول خاصة في هذا العصر المعروف بانتشار المعرفة، و لكن هذا لا يعني ان يتوقف الإنسان عن الفضول و لكن ان يبدأ بالتعرف على نفسه و يفهمها قبل كل شيء.
__________________
شكرا لكِ
يُونا .
على الطقم الأكثر من رائع
باندورا
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى باندورا
البحث عن المشاركات التي كتبها باندورا