الموضوع: وريث الظلام
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 02-17-2018, 02:50 PM
 
{ صدمة متأخرة }

صدمة متأخرة



شعرت بيده تهزني و بصوته القلق يقول :
_ كلآرا .. عزيزتي , استيقظي فالوقت ظهيرة !!. كلآرا ؟!
تمتمت بتعب بداخلي : أشعر بأن عظامي متفتتة , لماذا يجب علي الاستيقاظ ..؟!
وضعت يد باردة على جبيني فانتفضت أنا .. سمعت تأوه ثم حركة قلقة ..
_ يا ألهي كان يجب أن أعرف , حرارتك مرتفعة جداً .. كلارآ صغيرتي قولي شيئا ..
همست بتعب : أنا ... عطشى ...
_ سأجلب لك الماء حالاً و سأتصل بالطبيب . لا تتحركي...
سمعت صوت خطواته خارجاً . فتأوهت بعمق ... ظهري صدري و رأسي و ساقاي و كل شيء يؤلمني .. تباً لهذا الجسد الضعيف ... مالذي يجري لي ؟! ..
وآه .. أريد التحدث لأمي فقط .. أين هي ؟!
استندت لمرفقي و ناديت بصوت مبحوح عالي : أمــــــــــي ؟!... أمـي ؟!.
ثم نهضت بتعب بالغ و ظننت بأني سأسقط لكني تحاملت على نفسي ملتصقة بالجدار .. أصبح الجدار صديقي... مشيت خطوات بطيئة و ناديت أمي مجدداً ... ترى كم الساعة الآن ... هل هي بالعمل و تركت جيني بالحضانة ؟!. ومالذي يفعله والدي عندي .. أليس لديه عمل أيضاً... آه لا صحيح , لقد لكم مديره و استقال .. ربما هذا من حسن حظي .. أشعر بأني مريضة !.
_ ياااربي !!!... كلآرا !!!.
فتحت عيناي جيداً لأراه يهرع نحوي و يمسك بي جيداً... صرخ بي : مالذي تفعلينه يا فتاة ! هل أنتِ بوعيك ؟!.
قلت متذمرة : لا أريد العودة للسرير , لكن بما أننا متفرغان أنا وأنت , أجلب جيني من الحضانة لنهتم بها...
حدق بي مصدوماً ... : حبيبتي أنتِ تهذين ...!
نظرت إليه و قلت ببرود : حسنا ربما أنت لم تجد عملاً بعد .. لكنك جيد جداً بالعناية بالأطفال أبي , سوف ترى .. اتصل بأمي و أخبرها ... آه اتركني قليلا لأجلب كنزتي حتى أذهب معك ...
لا أدري لمَ شحب وجهه بشدة وكأنه رأى شبحاً .. حملني فجأة و عاد بي للسرير...
قاومت معترضة : لماذا تحملني !! أبـــي !! أنزلني .. هل اتصلت مديرة المدرسة بك وأنت غاضب مني ؟!.
_ يا ألهي ساعدني ! , حبيبتي أبقي هنا لدقائق فقط... أنت محمومة .. سيأتي لوك فوراً...
حدقت به باستخفاف .. أنا محمومة .. آه أبي مالذي يجري له ... ثم من يكون لوك هذا ؟!..
قال مجدداً برعب وهو متردد بمغادرة الغرفة : لا تتحركي سأعود حالاً ..
_ ماذا ؟ هل تخشى أن أقفز من النافذة مثلا !!. سأنتظر هنا أبي و أين عساي أذهب....
هز رأسه مرعوباً و عيناه واسعتان بلونهما الأزرق الفاتح ... ثم اختفى ... بقيت ادندن لنفسي و أفكر بما سأتناوله على الغداء , ربما أمي ستجلب معها شيئا لذيذا كما تفعل دوماً ... اممم سأخمن . من المطعم الفرنسي , فهي تحبه جداً...
دخل فجأة رجل طويل , خيل لي رؤيته بمكان ما ... حدق بي بريبة ثم اقترب خطوتين و والدي خلفه يهمس له بشيء ما ..
_ مرحباً كلآرا , تبدين مرهقة .. دعيني أقيس حرارتك...
بينما هو يضع المقياس بفمي , نظرت لأبي و ابتسمت له ففزع هو !! أهذا ما تسببه ابتساماتي ؟!. من الأفضل أن أصمت فقط !
قال الطبيب بعبوس : حرارتها شديدة , يجب أن أعطيها حقنة ثم تتناول الدواء و الماء لتعود للنوم والراحة.
اقترب مني أبي و مددت له يدي الأخرى خائفة من الأبرة التي أخرجها الطبيب من حقيبته .. أمسك والدي بيدي يدعمني ..
قلت له بتوتر : أنا أكره الإبر .. أريد الحديث عن أي شيء .. >< .. ما رأيك , مالذي ستجلبه أمي معها اليوم... أنا أراهن أنه المطعم الفرنسي وأنت...
تمتم والدي بشيء ما و انحنى ليقبل رأسي ... مابه ؟! يبدو خائفاً جداً و حساساً...
حدق بي الطبيب بغرابة , و سألني بهدوء : كلآرا , أتعرفين من أكون ؟!
بادلته التحديق و قلت مخمنة : صديق لـ والدي ...!
_ حسنا... تخمين جيد... لكني أقصد .. ما اسمي ؟!.
ضيقت جبيني اتفرس به , ثم هززت كتفي و قلت ببرود : لا , لم اتشرف بعد ..
رأيت عيناه يتوسعان صدمة ... ثم وقف ليشير لأبي ... خرجا معاً و تحدثا طويلا في الممر اسمع همهمتهما ... ثم عاد الطبيب بينما لمحت أبي يذهب باتجاه الردهة...
اعطاني الطبيب الدواء بصمت ... ثم تبسم بوهن و قال بخوف : أنتِ تعانين صدمة عزيزتي... بعد النوم المريح سوف تتذكرين كل شيء...
_ حقا ؟!. حقيقة أشعر بالنعاس , مالذي وضعته بالحقنة هاه...
ابتسمت له بمزاح فتوتر قليلا لكنه ابتسم , ورتب على رأسي ثم غادر... وضعت رأسي على الوسادة و نمت بعمق ..~
فتحت عيني بعد وقت ما , و رأيت ظل شخص واقف في زاوية الغرفة يراقبني ... ركزت النظر ولم أرى من ظلامه شيء سوى عيناه الزرقاء المنطفئة الهادئة ..
تساءلت من يكون .. اشار بيده بملل وكأنه يقول عودي للنوم .. التفتُ على جانبي وقد اعطيته ظهري ثم عدت للنوم ... ياله من حلم غريب !.
_ كلآرا حبيبتي ..
همهمت بسعادة و همست : نعم أبي..
_ ألن تستيقظي ؟ , أنه وقت العشاء ..
فتحت عيني بدهشة , عشاء !. والدي يعاني مشكلة جدية بالنظر للوقت , رفعت جسدي قليلا و شاهدته يمسك بـ جيني واقف عند طرف السرير ... قلت بهدوء :
_ ماذا ؟!.
رفع حاجبيه و قال بهمس بينما يبعد قبضة جيني الصغيرة عن فمها : الساعة السابعة ليلاً .
نظرت ببطء إلى النافذة , الجو مظلم بالخارج .. قلت بتوتر طفيف : أعطني بعض الوقت ..
لكنه بقي واقفاً بتوتر ينقل ثقله من ساق لأخرى .. سألني بخفوت و عيناه ترتجفان علي :
_ هل ... هل تدركين .. أين أنتِ ؟!.
صمتُ وحدقت به بتركيز , قلت بهمس وأنا ألف شعري بربطة صغيرة : ما شأن هذا السؤال ؟!.
رد بصوت متوتر حقاً : قولي فقط كلآرا ...!
_ في منزل جدي أبي... أهناك خطب ما...
حدقت به بتوجس وأنا أشعر ببرودة غريبة داهمتني , لاحظت مرور نظرة رعب في عينيه ثم هدأ و قال بهدوء شديد :
_ منزل جدك , من ؟!.
كنت ألعب بأصابعي وعيناي مركزتان بعينيه , قلت وأنا اخفي ارتجافه : جدي براين .. هل أنت مرهق أبي ؟!.
أجابني بابتسامه مضطربة : لا .. سننتظرك بالمطبخ .. كوني حذرة حبيبتي .. آه هذا مقعدك قرب السرير...
كانت عيناه متوسعتين بشكل غريب وهو يراقبني ,بينما أنا ضيقت جبيني و جعدت أنفي عدم رضى وأنا أحدق بالكرسي المتحرك الذي نسيت أمره .. بدا وكأني لم أره من دهور... !
_ أجل أبي " همست له ثم جهزت ابتسامه خلال ثانية وأنا التفتُ إليه..
قال بهدوء وهو يبعد يد جيني عن فمها المتلهف مجدداً : حسنا , يبدو بأن جيني لن تنتظرك حتى تنضمي إلينا .. لكني سأفعل , أرجوك لا تتعجلي.
ثم التفت و خرج بصمت , ظللت أحدق بظله الذي اختفى , ترى مالأمر .. لمَ يبدو مرعوباً جدا وكأنه حدث أ.........
و قطعت أفكاري سلسلة من الأحداث الرهيبة و الآلام .. الركض على الدرج ... ظل طويل بعيون حمراء ... طرت لاصطدم بالجدار و أهوي .. شخصين يتجادلان في الظلام ....!!
شهقت وأنا أحاول التنفس جيداً... ما كان هذا ..؟! ومالذي حدث بحق الآله...؟! هذا ليس حلماً... لا أنا واثقة .. وعندما... وعندما يحدث شيء مجدداً بل لن أجعله
يحدث وسأصمد بقوة نعم... نعم .. ثم أن قدمي بخير , أشعر بها جيدة....
لكن ما أن وضعتها على الأرض لمستها فقط ارتفع منها الألم بشكل رهيب فشهقت مجدداً و رفعتها وأنا أمسح عليها شبة باكية من شدة غيضي ..

تمالكت نفسي و أخذت أنفاس كثيرة عميقة و مرتجفة ... ثم جلست على المقعد المتحرك و ذهبت إلى المطبخ....
بعد العشاء و في الردهة الدافئة بالطبع لاحظت نظرات والدي الغريبة المتوترة إلي .. و قال طالباً مني ألا أذهب غداً للمدرسة , فوافقت بلا مبالاة حقيقية ...
وفكرت بنفسي أنني سوف أكون في أسوأ وضع لتأخر دراستي أكثر وأكثر... طلب والدي هذا لم يأتي إلا من قلقه علي.
بما لم يتبقى على الاختبارات الفصلية سوى شهرين ... لم انتبه إلا عندنا نهض والدي وبين ذراعيه جيني النائمة ليصعد للأعلى ..
ذهبت لغرفتي ثم بدلت ثيابي بصعوبة لأن قدمي كانت تؤلمني , تناولت الدواء و تجهزت للنوم من شدة التعب
حتى عقلي لم يكن يعمل جيداً لأجل التفكير بتلك الأمور الغامضة ... دخل والدي اطمئن علي و غادر بتردد ..

كنت غارقة بظلام النوم .. حتى سمعت صوتاً .. شخص ما يهمس .. و همس آخر يرد عليه... كانت الأصوات الخافتة و البعيدة تأتي من الممر خارجاً... فتحت عيني بثقل شديد و حاولت النظر بتعب الى الباب .. الممر مضاء و هناك ظل... بل ظلين متوقفين يقطعان الضوء القادم من أسفل باب غرفتي...
حاولت التركيز على الهمس .. لكن صمتا فجأة ... كنت مرهقة لحد الموت .. لذا عدت للنوم سريعاً جداً ...
ايقظني والدي مجدداً , وقال بأن الطبيب "لوك" هنا يريد رؤيتي .. عبست لكن قلت بتهذيب : سأكون حاضرة خلال دقائق...
كانت قدمي مخدرة هذا الصباح , فارتديت بنطال واسع أسود وقميص أبيض من فوقه كنزة حمراء اللون ثم قصعةُ شعري الداكن المتناثر و الذي كان في حالة رهيبة ...عندما نظرت في المرآة كدت اشهق , توسعت عيناي ... يااه وجهي مرعب .. أبيض رمادي شديد الشحوب وكأنه رخام . وعيناي حولها هالات من السواد كما أن لونها مخضر بشكل غريب !!...
بالتفكير قليلا .. لون عيناي لا يفتح بهذا الشكل إلا عند الهلع .. أو أن المصيبة التي حدثت هي قوية جداً لواقعي ..!!
بينما شعري الداكن لا أريد التحدث عنه... أغمضت عيني لثوان طويلة ...لم أنتبه سوى طرقات لباب غرفتي ..
قلت بصوت عالي : قادمة أبي...
في الردهة , وبعد تناول بعض القهوة .. أخذ الطبيب "لـوك" كل وقته في التحديق بي .. ثم سألني بضع أسئلة سخيفة لا أدري ما علاقتها بوضعي ... كـ... متى تنامين وهل تستيقظين لفترات في الليل ؟! , وماذا تأكلين ؟! , وهي تشربين الحليب يومياً وكم الكمية ؟! , ما رأيك بالمدرسة ؟! , و سألني عن دوائي وغضب قليلا عندما رأى أن بعض الحبوب يفترض أن لا توجد بسبب نظامي .. مما يعني أنني فوتها !!.
بعد فترة صمت و راحة جلب والدي العصير لهم , ولي كأس ضخمة من الحليب الدافئ ... قبلته على مضض ><" لأجله فقط .. ثم جلب جيني من كرسيها لتجلس على حجره .. كانت جيني مفتونة بالطبيب ولأن والدي يجلس على المقعد المجاور له فأخذت تحاول بهمة لمسه و الضحك معه .. يالا الفتاة الجريئة هذا وهي طفلة ..
لكني مسرورة لأن هذا الطبيب حول انتباهه لها وأخذ يداعبها قليلا و يريح والدي منها ..
قال "جاك" بعد ثوان من تأمل شكلي : امم .. كلآرا , أريد أخبارك بأنني ..و لوك وجدنا آحم مُدرسة خاصة سوف تقوم بتعليمك بعض الوقت في المنزل...
توسعت عيناي و شعرت بهما تحترقان من شدة دهشتي "مدرسة" ؟؟!! ... قال "جاك" بسرعة قبل أن أنطق النيران التي تكوني بداخلي :
_بالطبع سوف تذهبين للمدرسة .. لكن أنتِ تدركين حقاً بأنك متأخرة كثيراً جداً .. وهذه السيدة سوف تساعدك في دروسك السابقة...
تحدث "لوك" قبل أن استوعب ما قاله أبي : أنها ممتازة جداً و طيبة للغاية كما أنها ستخفف عن والدك حمل جيني .. هي آمم مدرسة و مربية ماهرة... .
قاطعته بصوت يرتجف لا أدري لمَ : مهلكما كلاكما !.. أني لا أعاني مشاكل بالدارسة لأنني .. لم أبدأ حتى !!!
قلت الكلمتين الاخيرتين بصوت حاد ثم أكملت بسرعة : ..و جيني !! من أخبرك بأنها تحتاج لمربية ؟! , وكيف اتفقتم على هذا دون أخباري .. أبي ؟! , أنظر إلي هل أنا طفلة ؟!.
رد علي والدي بضيق : لا لست كذلك , بل أنتِ معـ...مصابة !! وتحتاجين للمساعدة شئتِ أم أبيتِ .. كفي عن هذا الكبرياء الأحمق...
قبل أن يكمل كان قد صدمني بقوله وكأنني تحت عجلات سيارة , اهتج صوتي ببكاء وغضب وأنا أقول مقاطعة : أنا أعرف تماماً ما ترمي إليه ... لكن أعطني بعض الوقت... كي .. اعتاد .. أقسم لك بأنني سأكون جيدة كفاية ولأساعدك...
_ بربك كلآرا !! كيف تساعدينني ؟! ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ؟!, أنا من يجب عليه أن يهتم بكما ..! أنت قادرة بالفعل على الكثير , لكن... يجب عليك تقبل الواقع أرجوك...
كتمت دموعي بقسوة وحاولت بجهد ألا أنظر بحده نحو الطبيب الصامت الذي يحتضن جيني يهدئها ... قلت بجرأة وقحة :
_ وبالطبع هذه السيدة ذات المواصفات الطيبة حد الشفقة علينا لم تكن سوى اختيارك هاه ؟!.
_ كلآرا....!! " صرخ أبي مستنكراً .
بينما رد الطبيب بكل هدوء أعصاب : أنها فقط مرشحة و الخيار الآن يعود إليك...!
_ أخرسس !! ..." لآ أدري و أقسم بهذا كيف نطقت بهذه الكلمات .. أنا لست عادة من النوع المتفجر هكذا ...
صرخ بي أبي مجدداً وهو يقف : كلآرا !! , هذا يكفي ... لقد أرعبتني ليلة الأمس بما يكفي طوال عمري!! , لقد فقدتِ ذاكرتك لفترة و ظننت بأننا في العاصمة !. لقد أفزعتني !, أنتِ تعانين من مشاكل عدة وهذا بسبب عنادك و تكبرك على الحقيقة , الآن فقط عيشي كفتاة عادية و تقبلي ماحدث لك... و سوف تأتي المربية رغما عنك... وسوف تفتح عينيك ...
درات بي الغرفة و أبيض الجو فجأة ... لا , لن يغشى علي ... لأول مرة في حياتي كلها... سبعة عشر عاماً لم يصرخ بي قط ... لم أكن أسمع سوى صوته الناعم الهادئ... و لكن الآن .... أبي ..... أنه... يكرهني.... أو... الأقل يكره ما صرتُ عليه.....
لا ... رباه.... هذا لم يحدث ....تباً !, الأمور التي لا تعجبني أنكرها... أنه محق !! .... آآه آه يجب أن أخرج من هنا ...قبل أن....
حركت الكرسي المتحرك و خرجت سريعاً جداً أكاد أطير من سرعتي...
_ آه كلآرا.... مهلا .. عزيزتي !!!
_ تحتاج أن تكون وحدها ,جاك...
...بالكاد رأيت باب غرفتي , دخلتها بسرعة و أقفلت الباب بهدوء ألا يصد صوت ... حتى لا يظنني مجنونة تضرب الأبواب ...! ... بقيت ثانية فقط خلفه ... ثم أخذت أشهق ... و سالت دموعي ... وضعت يداي بقوة على فمي المحتقن أكتم الشهقات لا أريد أحد أن يعرف أو يسمع صوت بكائي... ظللت أشهق طويلا و دموعي المالحة ملئت وجهي .. بينما عيناي محمرتان جداً كما شعرت و حرارتهما تحرقني كليّ...
مالذي أخطأت به ..؟! أني أحاول أن أكون جيدة كفاية ...؟! أقسم بأنني أحاول جهدي أن أعيد نفسي القديمة.... آه أريد أمي ... تراءت لي صورتها مشوشة جداً.... لكن بشكل ما حاولت الشعور بها فبكيت أكثر و أكثر... حتى مر وقت طويل ربما ساعة ...كان الوقت لا يزال صباحاً .. وفكرت بأن حمام طويل سوف يهدئني فأنا لا أزل حانقة و أن رأيت أحداً فسأعود لغضبي و صراخي....!
فتحت باب غرفتي و انصت ... لم أسمع شيئا... هل غادر ذلك الأحمق الطبيب ؟!... لا يهم....
كان الحمام قرب غرفتي لا يفصل سوى أربعة أمتار ... قطعتها بسرعة و ملابسي بحجري... دخلته و أقفلت الباب و قربت الكرسي الصغير البلاستيكي الذي وضعه لي والدي هنا – تحت الدوش ...
بعد عشرون دقيقة أو أكثر خرجت و شممت رائحة طعام طيبة .. بالرغم من هدوئي بعد الحمام لم أرغب بتناول الطعام الآن ... أريد قرآءة كتاب ما .. أو النوم طويلاً ....
بسرعة تسللت لغرفتي و أقفلت الباب خلفي.... آوه !!
كانت هناك صينية طعام ساخن لذيذ فوق الطاولة قرب سريري.... شعرت بالغصة وبعيوني تبدأ الاختراق... لكني تماسكت بقوة فأنا لا أريد العودة لأخذ حمام آخر... اقتربت من الطاولة .. و وجدت , رز أبيض لذيذ , ستيك لحم مشوي , بعض الحساء الأبيض الذيذ بالفطر و قطع خبر محمص وعصير فاكهة بارد , وعصير برتقال طازج , و كأس ما و طبق صغير به فاكهة صغيرة ....
طرفت بعيني كثيراً .. قلت بصدمة : هذا جديد ...! حسنا .. هل يحاول أن يهدئني ؟! .
حملت الصينية الكبيرة بحذر بالغ و ضيق لأنها ثقيلة , ثم فتحت الباب لأخرج ... بعدها بثانية وقبل أن أقطع الممر بعربتي هذه ظهر والدي من طريق المطبخ .. أولاً فزع وهو يحدق بي.... تباً دائما أفزعه ... من عذره فوجهي مرعب وشكلي بائس...!!
_ لا يا ألهي...!
" آووه" قلت بقلبي وأنا أكشر بلا قصد .. اقترب مني بسرعة و أخذ الصينيه بينما هو يحدق بي بصدمة طفيفة ... كنت لا أنظر إليه بل إلى الأسفل ... عما ما أقول و كيف اعتذر....
لكن لساني نطق شيء مختلف تماما وبصوت خافت شبة مبحوح : دعنا نأكل معاً ...
_ أجل. بالطبع حبيبتي... .
دخلت المطبخ بعربتي هذه التي أكرهها كره ال... من الأفضل ألا تعرفوا ... و اصطدمت !!
بأول كرسي طراخ ! , لكني بسرعة ابتعدت بتوتر بينما سمعت صوت تأوه والدي القلق... قلت بتعثر : آوه لا مشكلة !.
و توقفت قرب الطاولة التي كانت مرتفعة قليلا بالنسبة للكرسي الذي أجلس عليه .. وضع والدي الطعام أمامي بهدوء ثم مشى قرب الفرن ليسكب له بعض الشاي... أخذت المعلقة وبدأت الأكل بلا شهية فقط لأجله ... بينما هو يتكأ يراقبني للحظات ..
قلت بعد دقيقة وأنا أنظر بحثا عن آوانٍ أو فوضى في المغسلة كما تعلمون... فوالدي لا يمكنه طبخ كل هذا خلال ساعة :
_ ممم .. هذا لذيذ , هل صنعت كل هذا ؟!.
رد بهدوء شديد : آوه لا .. جلبت سلطة الفاكهة و الرز واللحم من الخارج .. هل , اعجبتك الشوربا والعصير ؟!.
قلت بسرعة وأنا أنظر له نظرة خاطفة : آوووه لذيذ جداً , أعرف بأنك تجيد هذا أكثر مني .. حقا...
كنت أعرف بأنه الرز والستيك اللحم من الخارج كما هو واضح لذا من البداية ركزت على تناول الشوربا كثيراً حتى يسعد هذا أبي مع أنني فاقدة لشهيتي وأفكر بالنوم...
بعد دقائق سريعة انتهيت فتناولت العصير و الفاكهة بسرعة كبيرة كدت أغص , بينما أشعر بالتخمة ~~" .. بعدها استرخيت بالكرسي الغبي و انتظرت بهدوء مراقبة نقاط العصير في كأسي ..
مرت ثوان ثم تحرك والدي وسحب كرسيا لقربي .. جلست عليه و قال هامسا بلطف : هيه حبيبتي كلآرا أنتِ تعلمين بأنك و جيني أغلى وجودي أليس كذلك ؟!.
التفتُ إليه و هززت كتفي برقة أي معلومة قديمة ... كان يحدق بعيني بغرابة و تركيز .. ثم أمسك بيدي يلاعبها وهو ينظر للأسفل ... قال مجددا بهدوء : يقول لوك بأنه عرض حالتك على بروفسور في طب الأربطة و العظام يعرفه ماهر جداً و يعمل بالمدينة .. قال هذا الرجل بأن هنالك أمل ما بعودتك إلى طبيعتك بعد الفحوصات .. سيأتي لرؤيتك بعد أيام.. آمم ما أريك أنتِ ؟!.
طرفت بعيني و قلت بجمود : لا بأس بالتأكيد من المحاولة...
قال مبتسما بشكل واهن : أنها ليست محاولة صغيرتي , أنا واثق بأنك ستشفين كلياً .. لا تضعي قط في عقلك بأني أنا سأظل هكذا طوال حياتي ..!
قلت بنفسي "فات الآوان فقد تركزت الفكرة ببواطن عقلي ! " ... ابتسمت ابتسامه غريبة و قلت بهدوء : لست أدري لكني واثقة بأفكارك أبي .. وعندما تقول شيئا ما أشعر بأنه سيحدث .
اتسعت ابتسامته بينما برقت عيناه بدموع خفية ثم مال نحوي و ضمني بقوة وهو يقول بسعادة :
_ آوووه فتاتي القوية الحبيبة , أنا أحبك يا صغيرتي وسامحيني على صراخي عليك...
ضمته بقوة لأني شعرت بأنه بحاجة هو أيضا للدعم , آه والدي العزيز ... قلت اتمالك دموعي :
_ لا يوجد شيء أسامحك عليه , أنا بلهاء أبي اعذرني .. أني لا أفقد أعصابي هكذا .. فقط كنت متوترة...
تركني وهو يكاد يضحك , قال وهو يقرص أنفي : أنتِ لستِ بلهاء , هذه إهانة لي أيضاً لأنك تشبهينني وتفكرين بكل المصائب التي لا يتخيلها أحد .. أنا أعرف بأن خيالك جامح عكس شكلك !.
ثم أخذ يقهقه ... خيالي جامح عكس شكلي ... طيب يا أبي .. !
قلت ببرود : تذكر بأني اشبهك ...
_ ليس في الأفكار...!
_ و ما أدراك ! , أنت مخيف و غامض و تفعل ما يحلو لك... لا أدري كيف لكنك تعتني بنا بشكل ممتاز !.
حدق بي غير مصدق وهو يكتم ضحكة قال : طيب ما رأيك بهذا , أنت شريرة مع أنك تبدين بريئة ..! هاه تغلبي على هذا...
هززت رأسي وقلت مصدومة : أنا لستُ كذلك ..
_ بلى ! أنت ترعبيننا و خاصة لوك يخاف منك ! آوبس لا تقولي له هذا !.
ثم ضحك بسعادة , قلت بعبوس : وكأنك تقول أنني أشبة الوحوش ! , ثم أن الطبيب لوك طيب جداً وأنا لا أكرهه ...
_ آوه هذا تحسن جيد ..^^ هو صديق طيب ..
_ أجل....
ثم أخذنا نثرثر كثيراً ولم يجلب أبي سيرة المدرسة الخاصة أو المربية مهما كانت ارتحت لهذا لأني أريد التفكير بهذا لاحقاً وحدي ..
ثم خرجنا للحديقة , عاد والدي ليوقظ جيني من غفوتها ويجلبها هنا لنلعب .. و ظللنا نلعب و نضحك حتى غربت الشمس ... فعدنا للداخل و بدأت أنا ووالدي بتحضير عشاء بسيط ..
قلت لوالدي بأني أريد الذهاب غداً للمدرسة , فوافق هو بعد تردد طفيف .. ثم غادرت للنوم باكرة بعد أن جهزت حقيبتي , كان الليلة ساكنة على نحو غريب ولم أعد اسمع همسات غريبة أو أي شيء... هذا جيد يبدو بأنني اتحسن من الهلوسة و التخبط في الظلام ..!
استيقظت فجراً قبل ظهور الضوء , فاغتسلت بأسرع وقت قدرت عليه , ولبست جينز مناسب وكنزة رمادية , تناولت المسكن ثم أعدتُ ربط الضمادات حول كلا قدمي .. جففت شعري سريعاً و عندما دخلت ممر المطبخ المقابل للردهة خيل لي سماع صوتٍ ما في الردهة .
دفعتُ نفسي بسرعة إليها وحدقت بالمكان المظلم الهادئ ... ركزت بصري بتوتر وقلبي يخفق خوفاً .. لكن لم يكن هنالك من شيء.... هلوسة مجدداً , تباً .. لكن قلبي يقول شيئا آخر .. هناك شيء مريب وخطير يجري في زوايا الظلام حيث لا يشعر أحد .. أقفلت عقلي سريعاً عن التفكير في ذلك الحدث الذي جعلني أركض على الدرج...!!
أني لن أفكر فيه و تمنيت لو محيَ من ذاكرتي الغبية هذه التي تحتفظ بأشياء لا معنى لها ... أنه حلم و هلوسة ممزوجة بأصاباتي العديدة ونفسيتي الغريبة و أظهرت لي تلك الأمور ...لخوفي الفضيع على جيني و والدي... آمممم سأذهب للمطبخ الآن...!
صنعت لي بعض القهوة وشربتها بسرعة قبل أن يفيق والدي و يعاتبني عليها , ثم صنعت الشاي و بعض الخبر المحمص والبيض .... وبينما أنا منهمك بوضع الجبنة فوق الخبر شعرت بشيء خفي يمر من ورائي فلتفتُ بسرعة ولم أرى سوى الممر!!
ذو الأضاءة الخافتة والسكون المريب ..!
ارتفعت ضربات قلبي بقوة , هناك أشياء بالمنزل !!! ... أشباح !! , شياطين .. وحوش مهما كانت فهي ليست جيدة !!!
هززت رأسي و تنفسي ينقطع من التوتر .... هلوسات ..... هلوسات ..... هلوسات !!!
_ كلآرا ؟!
_ آآه !! , شهقت بقوة وأنا ألتفت بسرعة لأجد والدي يحدق بي مصدوماً قليلا واضح بأنه للتو يستيقظ من بدلة نومه الداكنة وشعره المتناثر ..
_ حبيبتي ! ماذا تفعلين في هذا الوقت الباكر؟!.
قلت بعد أن تنفست جيداً : لقد اكتفيت من النوم , أفضل أن أكون باكرة ..
_ اوه . طيب صغيرتي انتظريني سأعود بسرعة...
اختفى والدي بسرعة و تابعت أنا تناول فطوري بصعوبة من شدة توتري .. و رأيت خطوط الفجر تظهر بوضوح مع أصوات العصافير ..
أوصلني والدي للمدرسة وبالطبع جلبنا جيني النعسة معنا... ظل يدفعني حتى أدخلني المبنى متجاهلاً كلياً نظرات الطلاب المندهشة ... حدثني قليلا يمطئنني بينما هو قلق على جيني في السيارة وحدها .. و ارتاح عندما رأى تلك الآنسة "ماري" التي اعطتني الجدول تتعرف علي من بعيد و تأتي نحوي للمساعدة ..
حيت والدي سريعاً و قالت بأنها ستهتم بي وليس هنالك داعٍ للقلق... أومأ والدي و غادر بسرعة بعد أن وعدني بالحضور لأصطحابي باكراً...
مر الصف الأول بهدوء ولم يزعجني أحد وهذا اراحني كثيراً... ثم كان هناك صف الحساب لكنه بعد عشرة دقائق يبتدئ ... فتوقفت أنا في الممر الكبير أو "البهو" الذي يمرون من عنده حشود الطلاب و الاستاذة نحو الدرج الكبير أو الممرات الأخرى الصغيرة ...
وبينما أنا اشرب الماء وأتأمل جدولي المعقد شعرت بوخزة في قدمي المصابة جعلتني ارتجف لثانية , آه مالأمر لقد تناولت الدواء قبل ساعتين !!
رفع عيني وأنا أنظر بعيداً إلى لا شيء... لكن ... كان هناك شيء.... وشيء ملفت للنظر و مرعب...!!!
انقطعت حشود الطلاب لفترة ورأيت ذلك الظل المتكأ بعيداً جداً في أول المدخل , لكني لم أخطئ عيناه .. كان هو ... لقد عرفته .. في تلك الليلة التي أحاول محوها من الذاكرة ... صاحب العينين الغريبتين الحادتين وكأنه على وشك الدخول بصراع ما ..
لكن هذه المرة كان هناك هدوء ما به ... ليته يقترب من الضوء قليلا ... عيناه المنطفئتان هذه المرة تحدقان بي .. حسنا !. نحن نتبادل التحديق من أكثر من عشرة ثوان وهو بلا شك يعلم بأنني أراه يحدق بي , لكنه كما يبدو لا يهتم سوى انتبهت أم لا لنظرته ..
ياله من وقح .. !! آوووه لقد تحرك قليلا اخيراً. .. . اقترب من الضوء و ... آه !!.
فتحت فمي بلا قصد ثم سرعة ضممت شفتي بقوة ... غريب... غريب جداً .. أنه و تبا لهذا جيد المظهر... آه لاعترف بالحقيقة أنه ذو وسامة مذهلة , غريبة , فريدة , لا معقولة و.... تبدو خطيرة ... بالتأكيد أي عقل موجود بهذا الجسد الطويل الممشوق ...
ملامحه حادة الأطراف , عضلات ذراعيه و صدره بارزة من التيشيرت المناسب الذي يرتديه , يرتدي الرمادي بنفس لون عينيه الداكنة في هذه اللحظة و بنطالة الجينز الأسود .. بينما لآ أثر لـ ... حقيبة مدرسة , أو جاكت معه بالرغم من بروده الصباح !!.
كان يضع أحد يديه على حزامه و يده الأخرى مستريحة بجانبه .. عندما رفعت بصري إلى وجهه مجدداً .. آوه مبيّض البشرة بشكل مميز وكأن الشمس مسلطة على وجهه الجامد هذا شعره حالك السواد وناعم كما يبدو من استرساله حول وجهه وجبينه .. أنفه مستقيم جميل وشفتين مطبقة بصمت ولكن بلا عبوس... و آخ ..
كان لا يزال يحدق بي .. آوه لم اعتقد بأن شخص مقعداً مثلي ملفت جدا لانتباهه !!
ضيقت جبيني و ارتجف قلبي وأنا ألقي بنظرة خاطفة حولي , أهناك من أحد لـ... ربما النجدة في حالة ما قرر هذا المجهول مهاجمتي ...! لا أدري ما السبب لكنه لا يبدو لطيفاً... أبداً...
عدتُ بالنظر إليه و كأنني لمحت شبح ابتسامه هازئة ! , هل لاحظ توتري...؟! ولما يحدق بي هكذا هذا المعتوة الوسيم ؟!
قلت برعب وأنا أحسب المسافة نحو المدخل إلى الصفوف : ماذا تريد ؟!.
نظرت إليه بتوتر و صدمت برعب عندما دقق النظر بي بعبوس شديد وهز بكتفيه وكأنه يجيبني من تلك المسافة البعيدة... حرك رأسه بخفه بلا مبالاة وتحرك شعره الداكن ... بينما ومضت عيناه بلون ذهبي خطير وكأن أفكاره تغيرت...!
لكني أجفلت وحاولت التحرك بسرعة غير أن أوراقي التي بحجري سقطت متناثر على الأرض , عظيم !!... عظيم للغاية !!.
شخص ما تحرك من جانبي وانحنى ليلتقطها كلها بحركة واحد .. ثم استقام ...
نظرت لعينين زرقاوين فاتحتين جداً كلون سماء الفجر... كان هذا الآخر ... اللعنة أني لا استيقظ من الكوابيس بسهولة والهلاوس بدأت تتحقق .... كان هو الشاب الآخر في الظلام أنا واثقة... هو الذي كان يشاجر ذلك الآخر..
قلت بسرعة وبخوف شديد وكأنني محاصرة : ماذا تريد ؟!!!
تراجع خطوة عني لأنه كان قريب جدا ... وبدا هو أيضا واضح الوسامة والهالة المخيفة التي تحيطه , بشرته البيضاء و تقاسيمه الحادة و شعره ... مهلاً... شعره بني ذهبي فاتح قليلا ... وملابسه كان أيضا تيشيرت خفيف أزرق داكن وبنطال جينز أسود .. !!
مد لي بأوراقي بينما أنا أشعر بأنني محاصرة وعلى وشك الدخول بمعركة ..
سمعت صوته يقول شيئا .. وتأكدت بأنه نفس الصوت الحاد الذي كان يزمجر بالظلام .. أريد أن أتحرك وأن أهرب لست واثقة مما , لكن لا أريد من تلك الهلوسة كما أظنها أن تكون حقيقية ..!! لم أكن مرعوبة منه لكني خائفة مما حدث أن يكون حقيقياً جداً...
شعرت بالبؤس .. كم أنا جبانة مرعوبة لا استطيع مواجهة ما حدث ..
_ هيه ؟!
سرت كهرباء قوية بجسدي , فحدقت به مجدداً , يبدو ألطف قليلا , بالرغم من عبوسه هذا الغريب... مد لي بأوراقي وهو يراقب وجهي بنظرات دقيقة ..
خطفتها منه بسرعة و أخيراً تحرك دمي بذراعيّ وبدأت أو خطوات الهروب للنجاة ... وحاولت تحريك العربة لكنها لم تتحرك أنش واحداً حتى ... تبا ما الخطب ؟!.
انتبهت أنني أما عتبات صغيرة للمدخل الآخر .. أنه ليس الممر الذي جئت منه...!
_ تماسكِ سأرفعك..
_ ممـ... ماذا ؟!.
شهقت وأنا أشعر به خلفي يمسك بالعربة , قلت برعب : لا .. لا .. اتركني... مهلاً...
صعد بي الدرجات وأنا مسحوبة الانفاس خوفاً كأنه لا وزن لي... وضعني أرضاً بهدوء ثم جاء أمامي ليقف. ..
_ استرخي فقط , أنا لا أعض .. حالياً.
أضاف كلماته ببرود مع ابتسامة ساخرة للغاية اضافت لوسامته كماً رهيباً . رغم هذا لم يكن مرعباً كذلك الآخر ذو العيون المميتة , نظرت إليه بتوتر أولاً ثم عدلت نظرتي سريعاً للحده , كان هناك بعض الطلاب يسيرون بعيداً ولم ينتبه أحد لهذا الشخص الغريب...
حسنا أن حاول فعل شيء فسوف أصرخ إلى أن أسمع أصوات تحطم الزجاج !!
_ نصيحة إياك أن تفعلي ما تفكرين به مهما كان .
وذكرني هذا بصوت غريب أتى من الغابة في ظلام الليل ... أكان هو ... قلت بخوف وأنا أتراجع عنه قليلا : ماذا ؟!.
_ تراجعي أكثر وستسقطين على رأسك !.
توقفت بسرعة , الدرج خلفي...!! , اقترب خطوة وبدا طويلاً جداً .. قال وهو ينحنى قليلا نحوي :
_ اعتمدي علي , سأوصلك بسلام لصفك ..
هززت رأسي خوفاً وأنا أشهق : لا .. ابتعد .. سأذهب بنفسي .
_ مشكلتك هي .. عدم الثقة بأي شيء... حتى نفسك .
قام بدفعي برفق وسهولة إلى الأمام بينما تشنج كل جسدي , قلت بصوت يرتجف : ما شأنك ! , أتركني قلت لك...!
_ صدقيني أنتِ لن تواجهي كل هذا وحدك كلآرا.
تنفست بصعوبة من كل نبراته الباردة والواثقة , اعتصرت دماغي استرجع اللحظات المخيفة التي أحاول قتلها منذ زمن ... لقد ذكرت اسماء في تلك المحادثات القاسية .. اسم... آه ... كان هناك "دانييل"....! لكنه ليس هو ... "ليونارد"... هذا الذي خلفي .
وهم يعرفون اسمي .. وكانوا بمنزلي ... مع.... شيء آخر ...!
_ آآووه , تنهدت بضيق وخوف .. كل شيء حقيقي ! . والآن مالعمل ؟؟!.
_ ما كانت هذه ؟, استسلام للحقيقة .
سمعت نبرته الساخرة فرددت بحده : أنا لا استسلم لشيء .
دخلنا الممر الكبير الذي به عدد كبير من الطلاب والفصول , ولاحظت بأن أغلبهم التفت ليحدق , ليس إلي أنما... إليه هو...
همس بشيء ما وكأنه يحدث نفسه ثم عاد الجميع للانشغال بأنفسهم... وكأنه لا وجود لنا .. هذا يعجبني...!
توقف أمام أحد الفصول و مشى من جانبي بكل ثقة وكبرياء ليفتح الباب , كانت حركاته سلسة رشيقة وجميلة مثل وجهه ..
نظر نحوي وقال بهدوء بينما أنا أدفع نفسي للدخول : نحن في نفس الصف...
اوقفني هذا رغماً عني وحدق به بتعب لطوله الشديد , قلت بحده : ماذا ؟!.
_ دعينا نجلس و سأحدثك عن نفسي ..
_ لا التحدث إليكم ولا رؤيتكم , فقط ابتعدوا عنا .. فقط هذا كل شيء.
لمعت عيناه بشكل مخيف وتحرك أمامي للصف توقف جانباً و لزم الصمت وعيناه تراقبانني بتركيز يرعب .. تحركت بضيق و صرتُ خلف أحد الطاولات الخشبية وحاولت أن أتأكد من أوراقي ... لكنه تحرك بعد سكونه الغريب و جاء ليجلس إلى جانبي..!!!
نظرت إليه بخوف أولا ثم تمالكتُ نفسي... قلت بتوتر وكأني أخشى أن ينقض علي ويقتلني : ألم أقل ابتعد عني ؟!.
_ قلتها حتى الآن ثلاث مرات , وكان من الواضح أنني اتجاهل ما تطلبين يا آنسة .. فعندي واجب أقوم به .. لذا اهدئي.
فجأة تملكني فضول مريع لكل شيء... قلت بتلعثم : مالأمر ؟!.
نظر في عيني بتأمل غريب وعبوس , فهمس : أمور .. وليست أمر واحد .. لكن المهم الآن أن تهدئي اتفقنا.
لكني عدتُ وقلت : لقد .. رأيتكم من قبل . أنت تعرف أين ..
كنت أريد التأكد من تلك الفضاعة التي حدثت , وضع يديه فوق الطاولة و قال بهمس طفيف : جيد وسيء بنفس الوقت .
قلت بسرعة : ما كان اسمك ؟!.
_ ليونارد , يمكنك مناداتي بـ ليون فقط ان احببت .
هززت رأسي مستنكرة وهمست وأنا أرى طلاباً يدخلون : نحن لسنا اصدقاء , كما أني أشكر لك اهتمامك الغريب لكن...
قاطعني ببرود وسخرية : هذا ليس المطلوب . و لا يمكنني تركك قريباً .. سواءً اعتدتِ على وجودي أم لا ..
قلت بغيض : يمكنني جعل والدي يلكمك بقوة ..
_ لست اوافقك الرأي , في الواقع أظنه سيكون إلى جانبي عندما يعلم السبب... لكن....
نظر إلي بجدية اخافتني ... وأكمل : لكن .. يمكنك أن تكوني أكثر تكتماً إلى أن نحل المشكلة.
بلعت ريقي وقلت : أنت و رفيقك ذاك ..!
_ رفيقي ذاك يدعى دانييـل .. وهو لا يحب أن تخرج الأمور عن السيطرة.
قلت برعب وقلبي يضرب بقوة : أنا خائفة على والدي وأختى الصغيرة ..أنـ...
قاطعني بلطف غريب هذه المرة : قلت قبلاً ألا تقلقي بشأنهما أبداً أنهما أكثر حظاً منك .
نظرت إليه بشكل كسير بائس , كنت أعلم هذا .. لمَ عليهم تذكيري بأن حظي لعين ؟! ..
تابع فجأة برقه أكثر وهو يميل برأسه : أعلمي بأني هنا للمساعدة , أنا لستُ العدو !.
ضاق جبيني قليلاً , وللبرهة نتبادل النظرات ... في الواقع هو لا يبدو شخصاً سيئا .. مع أنهم أخافوني حد الموت في البداية !!
دخلت معلمة الحساب وهي تحيي الصف بمرح شديد قاطع الجو الغريب الذي يحيطنا .. فنظرت نحو هذا الفتى الغريب الذي يبدو أكبر من عمره بكثير , والوسيم بشكل يخيف أيضاً .. بادلني نظرة نهائية ثم اسند ظهره لمقعده ... حاولت الاسترخاء طوال الصف لكني لم أقدر ... كنت أمسك القلم ويدي ترتجف وعلمت بأن حياتي لن تعود قط.... قط إلى ما كانت عليه...!
أنا لن أكون بخير , يا ألهي ساعدني...!
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس