المُغامِرُ الحقيقيّ؛ هو من يعيَ تماماً عواقِبَ رحلتِه، قبلَ المُضيّ بها.
استمرَّت الأجواءُ ساكنةً فقط كما اعتادها الاثنان.
السَّماءُ الملبَّدةُ بالغيوم، وتلاطُمُ الأمواجِ العنيفةِ بينَما تضْرِبُ أركانَ السّفينةِ الشّراعيّةِ أمرٌ لطالما استهواهُ كلاهُما،
وأشبَعَ في نفسَيْهما شهوَةَ المُغامرةِ والخوضَ في اللامعلوم.
كلاهُما معاً، كوجهيّ قطعةٍ نقديَّةٍ، مختَلفانِ لكن متلاصقانِ ظَهْراً إلى ظهْر.
لا صوتُ الأمواجِ ولا هزيمُ الرَّعدِ كانا قادِران على إبعادِ فكرِ بيتر عن صديقه إدغار الّذي يجلِسُ قبالَته بهدوءٍ مُشعِلاً سيجارهُ الكبير،
وصوتُ اشتعالِ التّبغِ فيه يتخلَّلُ سواهُ من الأصوات.
يسحَبُ إدغار منه نَفَساً ثُمّ يُعاوِدُ نفثَهُ بهدوء، ليرسِمَ بدورِهِ غمامةً تعكّرُ ذهنَ بيتر!
انصبَّ تفكيرُه على أمرين..
أوّلُهما؛ أن يُحكِمَ قبضَتَهُ على كأسِ الشّرابِ في محاولةٍ لإخفاء ارتعاشةِ يده.
وثانيهما؛ أنْ كيفَ لمَنْ بادَرَ بالخيانةِ أن يكونَ الأكثَرَ قلقاً وتوتُّراً؟!
استمرَّ يراقبُ صديقَه بحذرٍ شديدٍ، فما هيَ إلّا لحظاتٍ ويصلونَ إلى ''جزيرة الموت'' حيثُ ''ماسةُ المحيط''،
الشيء الّذي لأجله خانَ بيتر إدغار.
تحدَّثَ إدغار بنبرة واثقة: ما الأمر؟ تعلم! لمْ يَعُد هُناكَ فرصةٌ للتراجع.
ونَفَثَ الدَّخان من فمه وأنفه.
- أجل أعلم! لن أعودَ إلا و''ماسةُ المحيط''ِ بحوزتي.
- ما بالُ شرودِكَ وارتعاشةِ عودِكَ إذن؟!
أجاب بيتر بلا تردد: إنّها المتعة..
وكشفت شفتاهُ عن ابتسامةٍ عريضةٍ غير مصطنعةٍ وفيها لذة، وأردف:
شعورُ أيِّ قرصانٍ يخوضُ مغامرةً مماثلة.
رَشَفَ من كأسِ الشَّرابِ القرمزيِّ والمعكَّرِ بظلالٍ غريبة وأردف:
ألا توافقُني الرأي؟!
ردَّ إدغار مع ابتسامةٍ حادة وواثقة: كلّا!
أعقَبَ قلولَه أنْ سَقَطَ كأسُ الشَّرابِ من يد بيتر أرضاً فانكسرَ وتناثَرَ رذاذُ الشّرابِ وشكّل جنيَّةً صغيرة من تلك القطراتِ مجتمعةً؛
حمراءَ برأسٍ ابيض وقرنين أسودين كبيرين وجناحين اسودين صغيرين،
وفور خروجها حلّقت باتجاهِ إدغار واستقرّت على كتفه وهي تبتسمُ ذاتَ الابتِسامة الماكرة.
قال إدغار: جنيَّةُ الماء هذه هي الّتي وَشتْ بك، وفضحت مكرك.. أَوَ هل صدّقتَ أنَّ هناك ماسة حقاً؟! أو حتى جزيرة الموت؟!
الأسرارُ لم تُخلق ليتمَّ كشفُها!