الترهيب مِن ترك الصلاة وتأخيرها عن أوقاتها والتخلُّف عن جماعتها الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــ الحمدُ لله الذي وفقَّ مَن اختاره مِن عباده لطاعته،
وأهَّلَ مَن ارتضاه منهم لعبادته، وهدَى مَن أحبَّه للمسارعة إلى مرضاته،
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريكَ له في ألوهيته،
ولا مُقاوِمَ له في جبروته وعِزَّته، وأشهد أنَّ سيّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه،
أرسَلَه إلى كافَّة خلقه بشيرًا ونذيرًا، وجعَلَه شاهدَ حقٍّ، وأمينَ صدقٍ،
اللهمَّ فصلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله الذين فرضتَ على الأمة محبتَهم،
وعلى أصحابه مصابيحِ المُقتدين به، ومتحمِّلين أمانَتَه. أما بعدُ، فيا عبادَ الله: اتقوا الله – عزَّ وجلَّ – فيما فرض عليكم مِن صلاة بالليل والنهار،
فلا تتركوها، أو تدعوا فريضة منها، أو تؤخروها عن وقتها، أو تتخلَّفوا عن أدائها في جماعة،
فإنها ركنُ الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، وأوَّلُ أعمالكم محاسبة يوم القيامة،
إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ،
فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ )). واعلموا أنه لا حظ في الإسلام لِمَن تركها، إذ صحَّ عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: (( أَمَا إِنَّهُ لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ تَرَكَ الصَّلَاةَ ))، وثبت عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: (( مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا دِينَ لَهُ )). فهي الفارقة بين الكفر والإيمان، وبها يُعرف أهل الإسلام مِن أهل الكفر
إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ))، وصحَّ عن ابن شَقيقٍ – رحمه الله – أنه قال:
(( كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ )) وصحَّ عن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ،
فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ )) بل قال الإمام ابنُ قيِّم الجوزية – رحمه الله -: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا مِن أعظم الذنوب،
وأكبر الكبائر، وأن إثمَه عند الله أعظمُ مِن إثم قتل النفس،
وأخذ الأموال، ومِن إثم الزنا، والسَّرقة، وشُرب الخمر،
وأنه مُتعرِّض لعقوبة الله وسَخطه وخِزيه في الدنيا والآخرة.اهـ بل إن أهل النار لمَّا سُئلوا: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } لم يبدؤوا بشيء غير ترك الصلاة،
فقالوا: { لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ }. وإنهم ليُعاقَبون في الدَّار الآخرة فيُحال بينهم وبين السجود لربهم تبارك وتعالى
فلا يستطيعون، عقوبة لهم على تركهم السجود له مع المصلِّين في دار الدنيا
حيث قال الله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } فاستجيبوا لله ربكم في دنياكم، وكونوا مِن عباده المصلِّين الساجدين له والراكعين،
امتثالًا لأمره، وطمعًا في جنته، فقد أمركم بذلك،
فقال سبحانه: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ }. وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس في خُطبةٍ في حجة الوداع: (( اعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ،
وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ )). وإن ترْكَ العبد لِصلاة واحدة كصلاة العصر يُوقعه في خسارة كبيرة، وإثم عظيم،
حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ))، وجاء في حديث نصَّ على ثبوته الإمام الألباني – رحمه الله –
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( لَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ )) عباد الله: إن الصلاة أكثر الفروض ذكرًا في القرآن، وآخِر عُرى الإسلام نقضًا وفقدًا وتشبُّثًا،
فلا تُفرِّطوا فيها أو تتهاونوا بشيء منها، وإن قُطِّعتم أو حُرِّقتم،
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا،
وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ )) بل إن الصلاة لَمِن الركائز الكبرى التي يُعصم بها دم العبد، فلا يُهراق،
حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ،
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ )) والصلاة أيضًا مِن الأمور المُحَرِّمَة على الرَّعية الخروجَ على حاكمها ومُقاتَلتِه،
حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ،
وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»،
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا»)). ومَن تركها، فلم يكُن مِن المصلِّين، فقد اختلف الفقهاء – رحمهم الله –
فيما يجب على الحاكم جهته إذا ثبت عنده أنه تارك للصلاة، فقال مالكٌ والشافعيُّ وأحمد وأكثرُ الفقهاء: يُدعى إلى الصلاة، ويُطلبُ مِنه أن يتوب مِن تركها، فإن أبَى واستمرَّ على تركها قُتِل وقال أبوحنيفة وآخرون: يُحبس حتى يموت أو يتوب ويصلِّي. عباد الله: إياكم وتأخيرَ الصلاة المفروضة عمدًا وتهاونًا وتكاسلًا حتى يخرج وقتها،
ولو كانت صلاة واحدة،
فقد توعَّد ربكم مَن فوَّت الصلاة عن وقتها بوعيد شديد،
فقال سبحانه: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ }، وقد فسَّر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم السَّهو عن الصلاة في هذه الآية بأنه:
تأخيرها عن وقتها، وقد جَعل الله لكل صلاة وقتًا، وأوجب أن تؤدَّى فيه، ولا يجوز تأخيرها عنه
فقال تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا }، وسبحان ربك، ربِّ العِزَّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين. الخطبة الثانية:ـــــــــــــــــ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين،
سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الميامين. أما بعد، فيا عباد الله: فإنكم تعرفون جميعًا أن المساجد إنما بُنِيَتِ لأجل أن تُقام فيها الصلاة،
ويَعْمُرَها الناس بالصلاة والعبادة، وتُشْغَلَ بِذِكر الله، كما قال – عزَّ جلَّ -:
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }. فأقيموا الفرائض الخمس في المساجد، كما كان يفعل نبيكم صلى الله عليه وسلم
، وأصحابه – رضي الله عنهم -، والمسلمون بعدهم ويا لله! كم في المساجد مِن المصلِّين إذا أقيمت الصلاة، وكم في الأسواق،
وكم في البيوت، وكم في الطرقات، وكم في أماكن العمل، وكم في الملاعب،
وكم في المقاهي، وكم عند الفضائيات، وكم على الإنترنت، وهل تتوقف حركة السيارات،
وتقِلُّ الطُّرق مِن الناس؟ فاحذروا – يا رعاكم الله – مخالفة ما جاء في شرع ربكم، والتزموا طاعته
فقد قال سبحانه محذِّرًا ومتوعِّدًا: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. هذا وأسأل الله أن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته،
اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأوقاتنا وأهلينا وأموالنا يا جواد يا كريم،
واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا غفور يا رحيم،
اللهم ارفع الضُّر عن عبادك المتضررين مِن المؤمنين،
وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن يا قويُّ ياعزيز،
ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لكل ما يرضيك يا سميع الدعاء،
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. |
التعديل الأخير تم بواسطة ذكريات باقية ; 02-23-2018 الساعة 11:38 PM |