خطى أولا خطواته تغمره نشوة الانتصار ورأسه مرفوعا بكبرياء ينبعث شررا من عينيه الذهبيتين، انبثقت من جوفه
صيحة سعادة وسخرية، فها هو ذا أول من يحط على هذه الأرض المليئة بالخضرة، هو ولا أحد منهم!
ارتاحت أساريره واعتلت ابتسامة راضية ثغره، نظر أمامه إلى السهول الشاسعة بنوع من الانزعاج والترفع.
فكيف يمكن مقارنة هذه الأرض السخيفة بكوكبه؟ سيكون مجنون كل من يحاول ذلك! فلا وجه تشابه بينهما
إلا في احتوائهما على نفس الغازات في الغلاف الجوي، فأرضه أرض العزة والقوة، ليس فيها أراض لينة تنبعث
منها روائح تسبب الحكة، ولا رطوبة تافهة تجعل شعره الأحمر -الذي دائما ما كان لامعا- يبهت ويفقد رونقه منسدلا
بفوضوية على ظهره فاقدا للحياة.
الآن وقد وصل، سيجد ما أتى لأجله ويعود بطلا إلى موطنه، فهذا ما يستحقه هو ولا أحد غيره، كما كان دائما يكرر.
أغمض عينيه واستنشق الهواء البارد الذي يلفه، ومن خلفه قعقعت أوراق متيبسة فالتفت بسرعة وإذا به يقابل
زوجين من الأعين الخضراء الفضولية، كشر ونفخ صدره بكل اعتزاز كما يفعل الملك الأسد، مرسلا بذلك دلالات
لمدى قوته على هذا البشري الهزيل ذي الثياب الرديئة والتي تفوح منه رائحة الأغنام -وان لم تكن لهذه الطريقة
أي تأثير على راعي الماشية الشاب- بدأ البطل المزعوم يحس بالقلق، الرعشة والرهبة من هذا الفتى الذي لم يتأثر
بنظراته القاتمة، أتراه يكون الملك؟ هكذا تساءل مع نفسه وهو يرمش بخوف. سارع يبحث في جرابه الذهبي المكعب
عن أداته السحرية، والتي حصل عليها بصعوبة وكاد يقتل في سبيل اتمامها، لكنها تستحق فهي كنزه الذي يشي بمدى عظمته.
انفرجت أساريره وقد قبض عليها أخيرا، ثم وبحركة خاطفة أشار بها نحو الفتى البشري، على بعد ميليمترات قليلة
من أنفه. بدى الفتى أحول وهو ينظر بغباء إلى الشيء السخيف الذهبي الذي يوجه نحوه. وان كان مقتنعا من الأساس أن هذا الزائر
غريب الطباع بثيابه المصفحة الذهبية التي تشبه دروع الفرسان القدامى، فزاد يقينه هذا عندما وجده يلوح أمامه بأداة
الكتابة التافهة هذه. غمغم بسخرية وهو يبعدها عنه بحركة كسولة: قلم رصاص؟
أحس الغريب بالقلق وتقهقر إلى الخلف يراقب بتوجس هذا الغول الذي لم يرتعب من سلاحه، فحتى أعتى
وحوش موطنه كانت تتدافع فيما بينما هاربة إلى بر الأمان كلما أشهره. وان كان بالفعل سلاحه الذهبي
شبيها بقلم الرصاص العادي بامتداده الاسطواني ومقدمته السوداء التي تنحني متجمعة كهرم صغير.
-إنّ سلاحي هذا عجيب فريد، حصلت عليه بعد إذابة مادة خام -نادرة للغاية- بلهب الأسد حارس بوابة غبار
النجوم -وهي مخزن ممتلئ بمصدر الطاقة الذي نستهلك- وهذا ما يوصلني لسبب وجودي هنا أيها الغلام الملك
هلا تقودني لمكان تواجد مصدر غذائنا الاحتياطي، والذي تسمونه خبز.
وجد أن أسهل وسيلة هي أن ينطق بالحق لعله ينجو بلا خسائر، أمال الفتى البشري رأسه وهو يرى
مدى الارتعاش والرعب اللذان يعبقان في الجو، وأحس بتفاهة الموقف، خصوصا أن هذا الزائر ليس الوحيد من نوعه.
حرك كتفيه بلا مبالاة ثم قال وهو يعود ادراجه إلى غنمه: أسف، لكن كل خبزنا لهذا الموسم قد تم أخده منذ أيام.
-أخدوه، من؟ تساءل بخشية مما سيسمعه، ومع أنه قد أدرك فحوى الحديث إلا أنّ ذلك لم يمنعه من التحطم لقطع
عندما صرخ الراعي ليسمعه وقد ابتعد: واحد من طينتك.
استدار الفارس، ثم عاد أدراجه بكرب وقد أضنته الحقيقة، فها هو ذا قد فقد كل شيء، لا هو بطل ولا هو يمتلك
الخبز لينقد شعبه من الهلاك، هو فقط سيعود ليتكنى مثل بقية أقرانه بالحمقى الخاسرين ويراقبون بتحسر
البطل الجديد الذي أنقذ شعبهم.
{ تمت }
تحدي لافندر