03-03-2018, 01:54 AM
|
|
إن ضربتك الحياة بسوطها المرير من خلالِ مواقفَ مشابهة فلن يشكلَ ذلك فرقاً ,
سيصبحُ اعتيادياً لديك في الظاهر وكأنما هوَ مجردُ روتين قد عايشته من قبل وليسَ غريباً .
سيكون ذلك كذباً إن مر كشيء اعتيادي دونَ أيّ تأثير .. ففي العمق حيثُ النفس والقلب يكمنُ الجرحُ الخفي .
كما الحال مع ما يعيشه وأجبرْ نفسه على الاستسلام .. جُلّ ما يصبرُ به نفسه جراء كل ما يتعرضُ له هو أنه كما يظنّ بسببِ خطيئة ارتكبها .. لذا ليستقبل سمعه كل ما يُقال وليتقبل كل يصير له . ••
فئات من المال انهمرت عليه واستقرت بقربه في موقفِ لم يتمناهً أبداُ.. و بركان الغضب الذي خلفه لا زال يرمي بحممه الحارقة.
لم يتمنى أن تكونَ عودته على هذا المشهد الذي سيرسم له صورةً
بأنه مجرد شخص لا قيمة له .
بعدما عاشَ فترة عصيبة بسببِ المال هوَ لم يعد يهمه إن كان يمتلكُ بعضاً منه ، ولم يتطلعْ إليه كشجعِ من قد قابلهم .
ولكن من أمامه لن يفهم أبداً و منسوبُ الغضب في دمه قد ارتفع . ـ التقط مالك الذي ستجوع مالم تأخذه .
قالها ساخطاً صارخاً .. فما يراه منه يصحصحُ أقواليل الناس وإشاعاتهم التي تدور حوله ،
يعامل الخدم الذي يعلمونَ تحت يديه بجفاء وقسوة حتى أنّه لا يكفُ عن ضربهم وتذليلهم بل ويحرمهم من الطعام والنوم ! .
صمتٌ مهيب حل بينَ الثلاثة.. لا يسمعُ فيه إلا صوتُ تنفسه الحارق
أعين من بجانبه قد شخصت من توتر المكان حتى أن جبينه بدأ بالتعرق وهوَ يرى لأول عِرقَ من أمامه المشتعل ...
صحيحْ أنه قد زاره مراراً, قد رأى استياءه وامتعاضه التي تظهر في ملامحه .. ولكن مثل ما يحدث الآن .. هي المرة الأولى .
أسرع بخطواته نحو الباب ليغلقه حتى لا يصلَ إلى مسامع الجميع المشاحنة الرهيبة التي تحدث أمامه ..
ولم يتردد من إظهار ابتسامه قبيحة بيّنتْ كثيراً خباثةَ نفسه رغم دقات قلبه التي تنبض بتوتر .
بكلِ صبر وهدوء يخيمُ على رولند أخذ يجمع النقود المتناثرة من حوله أمامَ نظرات من خلفه التي يشعرُ بها .
لن يبرر لن يفسر .. بل ولن يرد عليه ،
يكفي ما فعله في السابق من تبريرات .. لا زالَ أثر ذلك مطبوعاً كجرحِ لم يلتئم , فكم من المرات قد صدحَ بصوته حتى يبرر أفعاله , أن يُبيّنَ خلافَ الناظرِ إليه .
ولكن هيهات .. لم يجني عليه فعله ذاك إلا شدّة البؤس ولو أنّه تعلمَ لغة الصمت آنذاك لسلمَ ورضىَ .
وما الموقف الآن إلا شيء بسيط من صغائر الحياة ومن مواقفَ عصيبة قد مرتْ به فماذا إن ظنّ به ما يريد !؟ .
في أثناء ذلك الصمت الثقيل أراد الغاضبُ أن يرد عليه أن يزيد النارَ حطباً حتى يبرد حرّته.. لكنْ لم يحصل أي شيء ! ..وبقي الصمتُ سيدَ المكان .
هل جربَ أحدكم يوماً أن يكون في قمة العصبية وأنه الصحيح فيما يقوله ثم في لحظة يهوي ويَسكنْ لأنّه تذكرْ شيئا كان هو السبب في فعلِ من أمامه ! .
هذا ما حصل معه في تلك اللحظة فقبلَ أن يقدمَ على خطوة أخرى مغفلةُ بشعوره الكاسح .. حتى استرجعت ذاكرته أول يومِ قدمَ فيها ومرت كشريط أعيد في ثواني قليلة .
تقدم نحوه ما إن استحضر ما قاله له حينها .. وكأنما كلٌ غضبه قد امتصَُ جميعه وَ خُتِم .
أول ما فعله هو أن أمسك بشعيراتِ رأسِه حتى يجعله يلتفُ نحوه وينظرُ إليه يريد أن يتأكد إن كانْ له سببٌ في فعله .. وقلبه يتمنى ألف مرة أنْ يكونَ مخطئاً .
نظراتٌ باردة كان أول ما رأها في عينيِه الزرقاوين الداكنة ..
نظرَ إلى هيئته .. ملامحه الجامدة التي لا تبالي بغضبه ولا يظهر بها أي تأثر بما هوَ فيه .
نطق بصوتٍ جهوري وكأنما يقومُ باستجوابه . ـ هل حقاً لم تمسَ المال الذي دفعتُ به في تلك البطاقة وأبقيتها لتلك الحشرتين ! .
نظرة صامدة وصادقة هي كل ما رأى انعكاسها فعرفَ من خلالها أنه أوفى بوعده ..
لم يتوقع ذلك .. لقد كانَ مجردَ هراء تفوه به حتى يضيق عليه الخناق في تلك المقابلة حتى أنّه نسي الأمر برمته .
لم يجعله ذلك يتأثر حتى وإن كان فعل ما قال له وصدقَ به ،
فقد اشترط عليه في أول يوم كنوعٍ من الضغط والتحدي أن يعمل لديه وأن يكونَ المال للطفلين الصغيرين اللذينَ جاؤوا معه ولن تمسَ يده منه شيء .
أرخى أصابعه يديه التي كان تشدّ عليه .. ونطقَ وهو ينظرُ لحالته المزرية والتي لا تزال تحافظ بكل صلابة على هدوئها . ـ لتجمع مالك أيها الحثالة .
رفع رولند أصابع يديه يخلخل بها شعره حيثُ المنطقة التي شعرَ بأنها ستنتزع وتابع التقاط بقية المال الذي تناثر .
فما أجمل الصمت في حرمِ الجدال .. ستقي نفسك من مساوئ الكلام وسيجعلَ كل مشاحنة .. تختفي تدريجياً .
ما إن انتهى من ذلك تحت نظراتِ من أمامه حتى أخذ بكل حكمة يعدّ المال و يقدرَّ مستحقه خلالَ الأيام المنصرمة .. مستعيناً بما أخبره العامل الآخر من مستحقات مرتبه التي يحصل عليها .. وبما أنه لم يمر شهر كامل على عمله هنا لذا فمرتبه سيكون أقل بكثير ..
أخذ وريقات قليلة من فئات المال ووضعها في يده اليمنى استقام واقفاً والتفت إلى حيثُ سيده .
أظهر له مستحقه وأخبره بنبرة لا يشوبها شيء . - هذه مستحقاتي أما البقية ..فهي ليست لي ولا أملك حقاً في امتلاكها.
وضع بقية المال الوفير التي رمى بها وأعادها بإدخالها في جيبِ بنطاله قائلاً بنبرة رخيمة . - لم أنسى أنك تكره أن يلمسك أحدهم لذا لم أضعها في يدك .
شدَّ قبضة يديه بعد جملته تلك وهو يحاولُ بأقصى ما يملك ألا ينفجر الآن ويبرحه ضرباً حتى يثلجَ صدره من تصرفه هذا .
لا يريد رؤية أحدهم يعمل تحت يديه لديه مثل تلك النظرة ! .
كل ما يريده هو نظره مهزوزة تخشى النظر إليه ..
تخافُ من صوته الغاضب ،
ترتعد من هيئته أن تحدث بجدية .. تتذلل لنيل رضاه , لا يريدُ سماعَ رد يخرسه .. - سحقاً لك .
تمتم بها ومن كل جوارحه يتمنى لو أنه لم يتذكر تلك المحادثة وبقيّ على هيجان غضبه حتى يكسرَ هذا الثبات الذي فيه .
ابتعد رولند عنِ الاثنان حتى غابَ عن ناظريهما فإن بقي فسيجذبُ كالمغناطيس للشجار والذي سيكونُ نهايتها محاضرة طويلة مليئة بالسخط وتصرفاتٍ هوجاء من سيده .
ذهبَ إلى الدرج الخاص بالموظفين أخرجَ مغلفاً ورقياً كان فيه المال الذي جمعه .. ابتسم ما إن رآه وحمد الله أنه جلبه معه ..
أضاف المال الذي حصل عليه وبذلك اكتمل دينُ تلك العجوز ليسَ ذلك فقط بل زاد عليه مبلغاً لا بأس به .
نسيَّ الجلبة التي كان فيها قبل قليل .. بل وشعرَ براحة تامة تغلفُ قلبه وتشعره بالطمأنينة والسعادة هوَ يظنُّ أن كل من كان في شاكلته سيعيشُ نفسَ الحياة التي عاشها .
لذا بذل كل طاقته وراحته حتى يتأكد من عدمِ حصوله لذلك الطفل .
حمل المغلف والتفت حوله ليرى الموظف الذي معه قد شدّته تلك الضجة وها هو يحاولٌ اختلاس النظر حتى يعرف ما يحصل .. تقدم نحوه وسلمه ذلك المظروف . ـ إنها أمانه لديك .. إن لمحت تلك العجوز فأعطها المال وأخبرها أن الباقي لطفلها .
هوَ من أخبره أنها دائما ما تأتي لتطلب تأجيل دفع الدينَ لذا لا ضيرَ إن وضعْ ثقته به .
أومأ برأسه موافقاً وخبأه عنده .. لم يعلم أنّه استجاب لطلبها بأن قامَ هو بدفعِ باقي دينها رغمَ أنه لم يكن بالمبلغ الكبير إلا أنّه كافِ بشكل كبير .
فحتى وإن كانَ الوقت الذي سنقضيه قليلاً فسنمضي في الحياة عابرين ونقابلُ بعضُ الأشخاص العاديين ولكن ببعضِ أفعالهم قد نرى أنهم بالفعل مختلفين عن الصورة التي وضعناها لهم .. ،
هذا ما راه جلياً وهو يعود لمكانه ليخبأ الأمانه التي كلفْ بها .. رغمَ أنها كانت فترة قصيرة التي قضاها معه .. ولكنه جعلته يتطلعُ لبذلِ الخير .
أما في الداخل فقد كان جايد يحاولُ بكل استمالته أن يقنعَ ميلان بأن يبقى ذلك الشاب عنده ..عرضَ عليه مالاً .. حاولَ استلطافه ... ألحَّ عليه .. كاد يبكي أمامه !
هو يراه نعمةً ساقاها الله إليه ليثمر محله الذي كاد يذبل ويخسر .. متناسٍ بالفعل تصرفاته السيئة معه ولسانه الذي لم يكفِ بالصراخ عليه في كل وقت بل وضربته التي كادت أن تعميّ إحدى عينيه .
ولكن لم يتلقى سوى الرفض , فميلان لا زال لم يُطفأ ما يشعر به ، يريدُ رؤية انكسارِ عينيه , يشعرُ بأنّه تساهل معهُ كثيراً .. عطلة تعطى له منذُ بداية عمله ! , وأخرها يحصل على إجازة خلال ذهابه للعمل .
ـ لأ ضيّقنَّ عليه حياته حتى يكرهها .
هذا همسَ به وهو يراه ينتظره في الخارج , ولم يعلم أنّ من أمامه قد نالَ من الحياة والصعوبات ما جعلَ شوكته ثابتةْ .
تقابلا وجهاُ لوجه بالخارج حيثُ نسيم الهواء اللطيف و يا ليته يلطفُ الأجواء بينهما ويتخلخل إلى أعماقهما .
هوَ شارد الذهن يفكر بداخله بأنه ربما لن يستطيع رؤية أصدقائه ،
أما الآخر فقد شعرَ بالعودة لروتينه ..
لا يعلم لماذا يشعرُ بانجذابه للغضب من أتفه الأشياء والسخط .. كذلك رغبته في إظهار النعمٍِ أمامَ ذلك الشاب .
بعيداً عن شعوره بالكره والخيانة منهم والتي لا زالت متأصلة فيه .
فهل ربما لأنهما قريبين في السن ! ، أم لأنه عاد من السفر ولم يصرخ على أحدهم منذُ فترة ..
أم بسبب ردوده الواثقة التي يخرسه بها !؟
بينما الحقيقة التي لم يعلمها بعد وهو يمد يده لوجهه لينتزع تلك اللصقة الطبية ويبعدها حتى يظهر جرحه الذي أصابه
أن القدر قد تشابك بينهما في لحظة ما ...
أغمضَ عينيه للألم الطفيف الذي شعر به للحظة ووصل إلى مسامع صوته . ـ لا أريد أن يراها أحدٌ وأنتَ تمشي معي فيقالُ أني من ضربتك .
وضعَ يده يغطي بها على جرحه الصغير وخطى بخطواته خلف سيده ولم يعملا كليهما أن كلاُ منهما يستغلُ الآخر
ميلان لمحاولته نسيانِ ما تعرضَ له
ورولند لمحاولته التكفير عما فعله !! .[/CENTER] نهاية الفصل التاسع عشر •• |