الموضوع: فضية:بلا أجنحة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-03-2018, 11:45 PM
 
فضية:بلا أجنحة







بلا أجنحة


تحطم القمر , وتناثرت النجوم , وتكسرت أجنحتي , في طريق عودة من حلم , وهناك هويت نحو أعماق الظلال ,أتذكر كم كان مؤلما ذالك إحساس شاهدتها تفارقني , شاهدتها تتلاشى وفي أعماق الديجور غرقت , لحظات بدت كالسنوات عذاب لم ألقى له مثيلا , وهناك بين الصرخة وأخرى أفقد أنفاسي , وبين شهقة وأخرى أفقد حواسي , وبين ذكرى وأخرى أفقد روحي , لم أعرف كم طال بي ذاك اوجع ...
فتحت عيني وأنا ملقاة على صحراء قاحلة , أحرقتني شمسها فتجرعت عذاب على عذاب , وقفت وأخذت أسير , أتذكر أني سرت لعدة أيام , حافية القدمين, هائمة على وجهي لا غاية لي غير العودة من الحلم , ربما كنت أبحث عن قطرة ماء تروي ضمأ الأيام , أو طريقة لأمحو تلك الذكريات , فقط كنت أسير ومرت أيام أخرى , أتذكر أني إنهرت على الرمال الساخنة لتلفح حرارتها وجهي , كنت قد فقدت الأمل في نيل هدفي , تقوقعت على ذاتي وإكفهرت الدنيا بوجهي , وأغمضت عيني كنت قد إستسلمت للذكريات لتفعل بي ما تشاء ,
كنت قد إعتدت الهروب من الذكريات نحو الحلم والعودة بأجنحتي لكنها تكسرت لم أعد قادرة على الطيران ولا حتى على رفرفة , تركت لأموت بفعل ذكرى , وياليتها كانت لتقتلني كي أرتاح من ذلك العذاب

فجأة من غياهب الموت , شعرت ببرودة ماء وهي تجوب منعطفات فمي, و شعرت بها تسير وتندلع كأمواج البحر الهائجة داخل حلقي , كم كان جميل ذاك الشعور , لا أتذكر أن عشت مثل ذاك إحساس في أي ذكرى , فتحت عيني ببطء فقد بدا وكأنني تلذذت بإكسير الأمل

أول ما رأيته هو أعينها قرنفلية , ثم إبتسامتها الجميلة , وإمتد بصري نحو تلك السنابل المتراقصة مع النسيم

بعد عدت أيام أمضيتها في كوخ تلك الفتاة , كنت قد أدركت أنني فقدت صوتي ولم يكن بوسعي الحديث معها , كنت أتبع قمحية الشعر أينما ذهبت , كنت قد أحببتها فعلا , كانت كالوردة المزهرة في بستان قلبي الميت , و كأحجية نسيها الزمان , طير بلا أجنحة يحتضر في النسيان بين جدران ذلك كوخ البارد , غريب أمر ذلك الثغر الباسم على وجهها الشاحب ,

أمضيت أيام أتبعها كانت تكلمني وكأنني كنت أرد عليها , بدت وكأنها تستطيع قراءة عيناي , كانت بنظرة واحدة تسأل وتجيب دون حرف ولا إيماءة مني , لم أستغرب فهذا عالم آخر , كل شيئ هنا ممكن لأن كل شيئ هنا حلم , وهم , سراب , ضرب من خيال ... حتى هي قد تكون كذلك ,


وفي ذلك اليوم كنت أنظر إلى تلك السماء الباردة , عندها تذكرت شيئ أجبرني الموقف على الوقوف على ذكراه " إن غرقت في أوهام فلن ينقذكي شيء . ستظلين تغرقين وتغوصين هناك للأبد ", شخص ما عرفني به القدر حذرني من أوهام لم أصدقه رغم أنني لم أكن مهتمة بالأحلام , لكن لم صرت مهتمة بها وبالهروب إليها , لا أذكر فقط ما أذكره هو أن حياتي صارت جحيما بفعل ذكرى , وربما بسبب تلك الذكرى أهرب من ذلك الجحيم نحو عالم أحلام وأعود ولكن لم أنا مهتمة بالعودة إلى ذلك الجحيم , أنا لا أعرف !!

قاطع تفكيري صوت قرنفلية العينان , قائلة : " إتبعيني ! " , تبعتها بصمت , فما كان لي أن أنطق ولا أن أفكر , فهمت من عيني تساؤلي فأجابتني بجواب رفضت بوح به قبل عدة أيام

- قبل زمن طويل نسيت عده !! ربما ألاف العقود وربما ألاف القرون , لا أعرف وربما كان البارحة فقط , فجأة وجدت نفسي في مكان غريب ... أجل فجأة .. فقط فجأة , لا أعرف كيف أو لماذا أو أين ... فقط فجأة كنت كورقة بيضاء نبضت بها الحياة , نهضت وسرت وحدث الكثير .. لا أستطيع ذكر لكِ ما حدث لي لأني تعمدت أن أنساه , وفي أحد أيام وجدت نفسي بين سنابل القمح بين يدي فتاة أكبر مني سنا , عشت معها مدة طويلة بدت وكأنها لحظات و كانت أسعد لحظات في حياتي ويا ليتني أدركت ذلك حينها , أخبرتني أنني ربما غارقة في أوهام ... ربما أنا مثلك !! , صحيح .. أنت غارقة في الأوهام , ولن تستطيعي الخروج ثانية , أنا أيضا لم أصدق ذلك أردت العودة إلى ذلك الجحيم مهما حصل مع أنني لا أذكره , وبالفعل إكتشفت طريقة للخروج ولكن حينها لن أستطيع العودة لهذا العالم ثانية , أتريدين أن أخبرك بها , آسفة , أعرف مدى رغبتك لكن لا أستطيع أن ... "

لم أطلب منها إخباري عن طريقة هرب ثانية , إذا كانت لا تريد إخباري بها فهي لن تفعل ربما عندما يحين الوقت لذلك ستخبرني ! , لكن لم أتوقف عن تفكير في ذلك قط متناسية شيئ أهم من ذلك كله , إنتهى تفكيري بسماع صوتها يتردد مشيرة ألي أن أنظر , إندهشت من جمال إنقطعت أنفاسي لرؤيته ,

ليل إمتد على مرمى البصر نقش في كبد إسوداده حطام ثرى وأنين الجفون, وواقع الحلم , جمال الوهم , وسراب كالضباب يحوم بي , أطلال أحلام على ضفاف القلب , وبريق أرواح المنكسرة نهر يتدفق وسط بستان إمتلئ ورودا زجاجية , وفراشات ترفرف على الآمال الميتة لتعيد أحياءها ,وسور أحاط بتلك الجنة سور خشبي بالي وقد إنهار معظمه , وطئ مسمعي صوت غناء عذب أطبق أغلاله على عقلي , و شذى ورود عطر ملئ صدري برونقه , فجذبني أليه .. فترنحت جثتي ذات اليمين و ذات الشمال , تقدمت دون وعي مني , كنت قد فقدت إدراكي لما يحدث حولي , وفجأة أحسست ببرودة إندلعت جراء إمساك تلك اليدان لذراعي

- لا تقتربي , تلك أحزانهم !!

نظرت نحوها فرأيت عينيها وقد جحظتا , وامتلأتا دموعا فياضة , تدفقت على وجنتيها محمرتين على وجهها الشاحب , وشفاهها المرتجفة .. فوجئت فعلا , فقد كانت تلك المرة الأولى التي أحس فيها بتلك البرودة التي سرت في كياني , أثلج صدري وهدأت روحي المتزعزعة ,
لحظات وإرتمت في أحضاني وزادت صدمتي , شعرت بدفئ غريب , سمعت شهقات بكاها وأحسست بروحها المحطمة

- أتسمعين صوتها ؟ ... أنا لم أعد أسمعه !!

من أعماق قلبي , إنتفض الغراب وإستفاقت الروح وصعد كل مكبوتاتي لتتجلى للعيان في شكل دموع إنهمرت كمطر في ليلة حزينة , حضنتها بقوة , وخانتنا عزيمتنا فجثونا على أرض , وكل من تبكي بكاء الرضيع

-----------

في ليلة شتوية باردة , غطى الثلج فيها كل شيئ حتى قبور الأحزان , وحجبت السماء خلف غشاء السحب المتراكمة , وهاجت الرياح هيجان الأمواج فأخذت تضرب في كل ناحية , وانتشر الزمهرير في زوايا الكوخ يلفح أجسادنا , كنا جالستين وكل منا هادئة هدوء الهجيع تاركين المجال لعصف الريح ليحكي لنا قصته , كسرت ما كنا فيه بتمتمتها الغريبة

- إنها الليلة المناسبة مجددا ...

وما إن قالت كلماتها , حتى قفزت واقفة , ظهرت علامات إستغراب على وجهي , وعرفت عندما لم ترد لي جوابا أنها لن تطلعني على شيئ , تقدمت باتجاه الطاولة الصغيرة وحملت تلك المزهرية وأفرغتها من ورود توليب الميتة العجفاء , وبحركة مفاجئة رمتها نحو النافذة , فكسرت الزجاج فتطايرت الشظايا وأصابت خدي بجرح سالت منه الدماء , وضعت خدي على الجرح , ولم أنتبه حتى وجدتها تبعد يدي , لتضع يدها المضرجة على خدي متمتمة بعبارات أشد غرابة , وكنت منذهلة لا أدرك ما يجري

- عندما تمتزج الدماء وتعصف الريح من جرحي الزجاجي , وتبكي الغيوم , سأفتح قلبي لينجو الغارق , ويموت الطيف ...

لا أعرف ما حصل لكن في تلك اللحظة رأيت عينيها رأيت فيهما كل شيئ - لقد قتلتها - أرادت النجاة , أرادت العودة للجحيم , لكنها لم تستطع لأنها أحبتها , فصارت طيف كأطياف هذا العالم اللعين , عدت لوعي فوجدت الدموع تنبثق من عينيها , لأراها تتلاشى كشظايا نجمية , حاولت إمساكها , حاولت إيقافها عن الرحيل , لكنها رحلت مبتسمة ,

- هذا الكوخ .. إنه حي

وصار الجدار خلفي بلون أسود , لقد فتحت البوابة

- لم أعد أسمع صوتها , لم أعد أراها , أين هي ؟

سواد قاتم , تلاشى ما إن فتحت عيني , فرأيت وهجا قويا , أغلقتهما لكنني سرعان ما إشتقت للضوء فأعدت فتحهما , رأيت سقفا أبيض فوقي , أملت رأسي فرأيت كيس المغذي المعلق قريبا مني , وخيطه الملتصق بذراعي , وعلى المنضدة صورة لفتاة كانت أنا , لكنها لم تعد أنا لأنني جثة فارقتها الحياة

- النهاية -



__________________


رغم كل شيئ

التعديل الأخير تم بواسطة لون السحاب ; 03-04-2018 الساعة 07:54 AM
رد مع اقتباس