عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 04-12-2018, 09:44 PM
 
مناجم الأسرار في فضل الإستغفار *


.

* مناجم الأسرار في فضل الاستغفار -
- كَتبَه : محمد مهدي بن نذير قشلان -

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعين به ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، مَن يهده اللهُ فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ...

وأشهد أن لا إله إلا الله ، يقول الله تعالَى في حديثٍ قُدسيّ : " يَا عِبَادِي إَنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُوني أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً ، يَا عِبَادي إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاّ نَفْسَهُ " [ رواهُ مُسلم ] ،

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً رسول الله : يقول مبشراً ومذكراً : «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا » [ قال الحافظ المنذري : رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والبيهقيّ ]

وطوبى أي : فرحةٌ وقرة عين لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا يوم القيامة ، وقد سُئل أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن معنى طوبى ، فقال : طوبى شجرة في الجنة لها غصن في كل دار منها [ الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي 9/ 316 . ]


- أما بعد : كلما اشتدت الكروب وتعاظمت الخطوب في الأمة ، وكلما اشتدت المحن والبلايا وحلّت بنا الأزمات والرزايا ، كلما كانت حاجتنا إلى التوبة والاستغفار أشد وأعظم .. فما نزل البلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة واستغفار .. حقيقة قد نغفل عنها..
نعم ، فما من مصيبة تقع في الأمة على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي إلا بسبب الذنوب والمعاصي بداية من كبائرها إلى صغائرها.. أما الدليل على ذلك فأَرْعِنِي سمع قلبك وأذنيك واسمع قول الله تعالى : ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41] ، وقال جل مِن قائل : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى : 30 ] وقال الله عز وجل : ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران : 11]
والباء هنا للسببية أي : أخذهم بسبب ما اجترحوه من ذنوب ومعاصي ومن ترك للأوامر وارتكاب للمناهي ..
ما أوضح وما أصرح هذه الآيات في دلالاتها وتوجيهاتها فقد كفتنا مؤنة البحث عن تفسيرها وبيانها ... وخلاصة مرادها : أن البلاء لا يقع إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة وأوبة واستغفار إلى الله جل وعلا .

- ومعنى الاستغفار : طلب المغفرة من الله بالمقال والفعال ، فالسين والتاء في اللغة للطلب ، فإذا قال العبد : أستغفر الله ، أي :
أطلب منك يا ربِّ المغفرة بستر العيب ومحو الذنب . فكأن المستغفر يدعو الله أولاً : أن بستر ذنبه ثم بمحوه ويغفِره ، ولذلك كان من أسمائه تعالى ( الغفور ) أي: الذي يستر عيوب عباده فلا يفضحهم ويَتجاوز عن ذنوبهم ..

- إن ملازمة الاستغفار من أجل العبادات والقربات إلى المتعال جل جلاله ، فمهما جدَّ المؤمنُ فينا واجتهدَ، لا بدَّ أن يُلَّم بذنبٍ صغير أو كبير فالمعاصي تحيطُ بنا، والمغرياتُ تتجاذُبنا، وعواملُ الشرورِ ودواعيهِ عنا يمينةً ويسرةً، إن سلمت من الأعيُن، وقعت الآذانُ، وإن نجتِ الآذانُ أو العينُ، وقعت اليدُ أو وقع اللسانُ، ولا ملاذَ لنا نلوذُ به، ولا حصنَ نلتجئُ إليه ونعتمدُ عليه في تطهيرنَا مما قد نقعُ فيه من الذنوبِ والآثام إلا الاستغفار والتوبة النصوح ..





- أيها الأحبة : وسريعاً نُوجز لكم أهم ثمار الاستغفار وفوائده العظيمة الجمة على الفرد والمجتمع :

أولاً : في المداومة على الاستغفار "مغفرة للذنوب ، وتكفير للسيئات " قال تعالى : ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [النساء : 110]


إذن الاستغفار هو دواؤك الناجع وعلاجك الناجح من الذنوب والخطايا ، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار دائماً وأبداً بقوله : « يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة» أخرجه ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والطبراني ، وغيرهِم .
و كلما وقعت في ذنب بادر إلى التوبة والاستغفار واجعل لنفسك ورداً يومياً أقله في اليوم مائة مرة ..

ثانياً :
في المداومة على الاستغفار بِصدق أمان من العقوبة والعذاب ، وسبب لدفع البلاء والنقم عن العباد والبلاد ، ورفع الفتن والمحن عن الأمم والأفراد ، لاسيما إذا صدر ذلك من قلوب موقنة مؤمنة . مخلصة خالصة ألم يقل الله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [ الأنفال : 33 ] قال أَبو مُوسَى الأشعري رضي الله عنه: " أَمَانَانِ كَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رُفِعَ أَحَدُهُمَا - وهو النبي صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ وَبَقِي الآخَرُ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ .

ثالثاً :
في المداومة على الاستغفار : تفريج للهموم ، وجلب للأرزاق وخروج من الضوائق والعوارض . مِن أينَ لك ذلك ؟! اسمع معي إلى قول رسول الله في الحديث الذي رواه الإمام أبو داود وابن ماجة وأحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » . يا من يعاني عدم البركة في رزقه هلا جربت الحلول التي وضعها رسول الله بين يديك... لذا قال لقمان الحكيم لابنه ذات يوم: " يا بُنيَّ؛ عوِّد لسانَكَ: اللهَمَّ اغفرْ لِي، فإنَّ للَّهِ ساعاتٍ لا يَردُّ فيهنَّ سائلاً " .

- رابِعًا :
من ثمار المداومة الاستغفار : أن المستغفرين يمتحهم ربهم متاعاً حسناً ، فيبدِّل خوفهم أمناً ، وفقرهم غنىً ، وشقاءهم سعادةً ، فيهنئون بطيب العيش ، وينعمون بالسعادة في الحياة ، ويسبغ عليهم سبحانه المزيدَ المزيد من خيره وإنعامه .
اقرأ معي قول الله تعالى : ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]
ووصف المتاع بالحسن ؛ ليدل على أنه عطاء ليس مشوباً بالمكدرات والمنغصات التي تقلق الإنسان في دنياه، وإنما هو عطاء يجعل المؤمن يتمتع بنعم الله التي أسبغها عليه، مع المداومة على شكره- سبحانه - على هذه النعم .
- وكان مِن وصايا الحسن البصري - رحمه الله - : " لا تملُّوا من الاستغفارِ . واكثِرُوا مِنه في بُيُوتِكم ، وعَلَى موائِدِكم ، وفي طُرُقِكم ، وفي أسواقِكُم، فإنَّكم ما تدرُون متى تَنْزِلُ المغفرةُ ". وقال التابعي الجليل بكر المُزَنيُّ : "إنَّ أعمال بني آدمَ ترفعُ فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رُفعت بيضاءُ، وإذا رُفعتْ ليس فيها استغفارٌ رفعت سوداء " . وَقِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ : " كَيْفَ أَنْتَ فِي دِينِك ؟ قَالَ : أُمَزِّقُهُ بِالْمَعَاصِي وَأُرَقِّعُهُ بِالِاسْتِغْفَارِ " .
- وننبه هنا إلى مسألة في غاية الأهمية : وهي أن الاستغفار باللسان لابد أن يصاحبه استشعار بالقلب . فمَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، وَقَلْبُهُ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَاسْتِغْفَارُهُ هذا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ ، وتوبَته تحتاجُ إلى تَوبة .. وَصَغِيرَتُهُ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ !
كما نقل الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره . ونقل الإمام ابن رجب الحنبلي عن بعض العارفينَ أنه قال : " من لم يكنْ ثمرة استغفاره تصحيحَ توبتِهِ ، فهوَ كاذب في استغفاره " .
.



__________________
𝗷𝘂𝘀𝘁 𝗯𝗲 𝗮 𝗿𝗼𝗰𝗸

التعديل الأخير تم بواسطة ذكريات باقية ; 04-13-2018 الساعة 01:10 PM سبب آخر: حذف فقرة
رد مع اقتباس