عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 04-21-2018, 04:12 AM
 
“لقد كان الجليد الذي يلف قلب ميكا هو ما دفعه لإشعال النيران.طوال حياته كان غير مرغوب فيه، منبوذ من كل التجمعات سواء كانت العائلية أو تجمعات السمر مع الأصدقاء.و في يوم شتوي قاسي البرودة إكتشف ما غير له حياته،إكتشف أنه قادر على إحراق الأشياء بل هو قادر على تدميرها و تحويلها لمجرد رماد.في البداية كان يحتفظ بعلبة أعواد ثقاب في جيبه و يُشعل بعضا منها كلما سنحت له الفرصة أثناء قضاء وقته وحيدا على أرجوحته خشبية اللون و المُطلة على كامل الحي،يُمضي وقته يراقب ألسنتها المتراقصة مع النسيم العليل لينتهي بها وميضا يشعل بضع حطيبات تتحول في لحظات إلى قطع من الفحم الخالص.إبتسامة شيطانية تعلو محياه في كل مرة تخمد فيها النيران دون أن تطال أعين أي أحد.سريعا تطورت حالته المرضية ليبدأ في حرق ممتلكات كل من حقد عليهم في يوم من الأيام،في هذه الحالة أصبح اللهب مختلفا قليلا فكثيرا ما خلٓف وراءه أمواجا من الدخان الأسود الخانق“.

صمت لبضع دقائق و ترشف فنجان القهوة بتلذذ و من ثم واصل حديثه:“في مدة لا تتجاوز بضع أسابيع،دخل مرحلة جديدة في هوسه بالنيران من خلال وضع مزيل طلاء الأظافر على كل ما شاء قلبه أن يحرقه لأنه أدرك أن ذلك يُسرِع من عملية الإحتراق.في تلك الثواني القلائل التي تصاحب إنتشار النار لتحرق الأخضر و اليابس يصل هو وقتها لحالة الإسترخاء التام.منظر بقايا ما خلفته يداه يمنحه السكينة لهنيهة و من ثم تتجدد فيه الرغبة في إضرام حريق جديد و ذلك ما حمل لنا أولى الشكاوي الموجهة ضده و التي إنتهت بإطلاق سراحه لعدم توفر الأدلة الكافية التي يمكن أن تُدينه و لكن مرضه كان واضحا للغاية فأرسلنا في طلب للموافقة على مراقبته من قبل السلطات العليا إلا إن ما سعينا خلفه للأسف تمت الموافقة عليه بعد فوات الأوان.بعد أن سقطت أولى ضحاياه البشرية“.

حمل علبة السجائر و أشعل سيجارته الأولى طوال جلسة الإستماع اليوم.سحب الدخان مباشرة إلى رئتيه و حبسه فيهما قليلا و من ثم نفثه مسترجعا مجريات القضية و باشر في الحديث عنها بالتفصيل:“في العاشر من ماي على الساعة الثامنة صباحا جاءنا بلاغ من الدورية الحادية و العشرين بعد المائة مفاده إيجاد جثة متفحمة في إحدى أزقة المدينة،توجهت إلى العنوان مباشرة بما أنني كنت المحقق المسؤول عن ذلك الحي السكني.أوقفت دراجتي النارية على حافة الطريق محاذية لعلامة ”ممنوع الإقتراب - شرطة” و توجهت إلى مكان الجثة.صدقا ما كان أهول من بشاعة رائحة اللحم المحترق و الجلد المتصلب المسود هو تلك الورقة المعلقة على جدار الزقاق و التي كان فحواها “ إسمي ميكا أبلغ من العمر الحادية و العشرين،فهمت النار كما لم يفهمها أحد و هي بادلتني نفس الشعور لهذا قررت أن ألتحم بها للأبد و أترككم جميعا لتذهبوا للجحيم،أخيرا وجدت من فهمني و أخرجني من وحدتي،شكرا يا ألسنة اللهب أما أنتم فأتمنى لكم حريقا مؤلما في عيد القديسين،أضمن لكم ذلك فهو كان مخطط حياتي “ مع وجه ضاحك.إنها أكثر رسالة إنتحار مرضية رأيتها طوال حياتي المهنية و السبب هو أنني واثق من أن كلامه ليس بتهديد كاذب.لم يبقى على الموعد الذي أعلنه سوى أيام معدودات و لا فكرة لنا عن ما خططه لنا قبل إنتحاره.
رد مع اقتباس