الفصل السابع : قلب الجاسوسية
هذا كله جنون طبعاً وتعرف ليجي هذا !
بسماحها لنفسها أن تشعر نحو فيكتور بما تشعر به ، كانت تحضر نفسها لخيبة أمل كبيرة فهي لم تخدع نفسها لحظة في أنها بالنسبة له ليست أكثر من تسلية عابرة
إنه ذلك الدافع الماسوشي لنساء عائلة دايلي في الوقوع في حب الرجل الخاطئ ، يتصاعد في داخلها ويجرها إلى الأسفل مجدداً
لكنها هذه المرة تستحق ميدالية ذهبية ! فهي تعلم مقدماً كم هو خطير فيكتور ، مع هذا اعتقدت نفسها منيعة ضده ، محمية بغضبها !!
تلك الليلة في السهرة أقنعت نفسها ان فيكتور بريء ، وأن اليانور كانت كاذبة ، وأن العالم أساء الحكم عليه لكن في وضح النهار البارد ، اعترفت أن جدالها مع نفسها كان أساسه الحدس والتخمين ، وطالب دماغها العلمي المدرب طالبها بالاعتماد على حقائق أكثر صلابة بإمكانها ما إن تحصل على هذه الوقائع السير وراء قلبها إلى دماره المحتم
ضحكت بمرارة ، وتذكرت كيف بدأت تبحث عن دليل تستخدمه ضده ، وهاهي الآن وبعد أسبوع قصير تأمل بيأس أن تكشف شيئاً يمكن أن يبرئه في النهاية !
بقيت خطتها على أي حال نفسها بطريقة ما ، يجب عليها انتزاع الأسرار منه قد تكون الأسرار هذه المرة بطبيعة مختلفة ثم وبعد أن رضيت بهذا القرار ، وعدت نفسها بأن تتصل بديانا ايفرارد وأن تسحب قصتها التي قالتها لها ، وتقطع صلتها بصحيفة ( البوغل ) نهائياً
في البداية ، حين لم تكن تعرف عما تبحث ، قامت بمبادرات كانت للأسف خاطئة وقت العشاء تلك الليلة ، وهي تمطر فيكتور أسئلة عن عائلته ، وتأمل أن تستخلص منه معلومات قد تفيدها ، توقف عن تناول الطعام ونظر إليها بعينين ضيقتين
- أنت فضولية جداً ربما يجب أن أزودك بتاريخ مكتوب لعائلة دوما رشيه ظننت أن التجسس الصناعي هو مجالك ؟ لربما قررت أن توسعي نشاطك قليلاً ؟
شتمت ليجي نفسها ، وحاولت تغيير الموضوع :
- آسفة كل مافي الأمر أنكم عائلة تثير الاهتمام اضافة إلى هذا ، أنت تعلم أنني لست جاسوسة صناعية لا يمكنك الاستمرار في تصديق شي كهذا عني بكل تأكيد
نظر إلى عينيها مباشرة وقال :
- كلي عزيزتي ، ولا تطرحي أسئلة كثيرة
لم يكن بالرجل السهل انتزاع الثقة منه هكذا فكرت وهي مستلقية في السرير يجب عليها أن تكون صبورة ن وأن تتحرك بحذر فعاجلاً أو أجلاً لابد أن يكشف لها شيئاً
في الصباح التالي ، على الشاطئ ، كادت أن ترتكب هفوة أخرى مرت لحظة سريعة بدا أن عينيه أسودتا ، وعرفت أنها عادت لطرح الأسئلة الكثيرة غيرت الموضوع بلباقة ، قبل أن ينتقدها
وهما يتناولان الغداء معاً في الفيلا جاءت الفرصة التي كانت تنتظرها
كانا قد أمضيا معظم الصباح في التزلج على الماء على الأقل هذا ما فعله فيكتور ، وأمضت ليجي الوقت تقع وتجر نفسها في الماء
قال فيكتور وهو يضع قطع ( الكركتو ) في طبقها :
- لا تقلقي لقد كانت محاولاتك جيدة كبداية وأشعر واثقاً ، أنك في الغد ستتمكنين من التزلج جيداً
- أتمنى لو أستطيع التزلج مثلك .. أنت حقاً تجعل الأمر يبدو سهلاً
غمزها قائلاً:
- لا تكوني نافذة الصبر وتذكري أنني أمارس التزلج منذ سنوات كنت أتزلج على الثلج وعلى الماء منذ تمكنت من السير تقريباً
- أعتقد أن هذا صحيح
تذكرت في تلك اللحظة الحديث تلك الليلة في النادي حين سألته نادين عن الشاليه وانتهى بها الأمر إلى التلميح إلى نوع من الفضيحة ذلك الوقت تسألت ليجي عما إذا كانت تلك القصة التي تسعى إليها ، لكنها سرعان ما تمنعت عن متابعتها الآن ساورتها نفس الفكرة ، لكن بدوافع مختلفة
فكرت أن تستخدم نفس الأسلوب الذي كانت ستستخدمه ضده ، لتثبت أن لا وجود لشيء يخجل منه ، وإن كان هناك فضيحة فهو لا شك أن دوره فيها كان دور البريء وإذا كان الأمر كذلك فهي مستعدة للقبول بهذا كدليل أخير أحست بإثارة داخلها ، فلو استطاعت الوصول لقلب القصة فإن عذابها سينتهي هذه فرصتك فلا تضيعيها !! انطلقي خلفها! واكشفي الحقيقة !!
أخذت نفس عميق ، وأكملت :
- أنت محظوظ جداً لحصولك على كل هذه الفرص الرائعة لممارسة الرياضة أعتقد إنكم في كورسيكا تمارسون التزلج على الماء طوال السنة تقريباً ! وبامتلاكك الشاليه الألبي في ( هوت سافوا ) فبإمكانك التزلج على الثلج طوال الشتاء كما تشتهي أخبرني عن شاليه اللب يبدو لي مثالياً حقاً
ابتسمت لها عيناه الزرقاوان :
- هذا صحيح أنه يقع على ارتفاع ما يزيد عن ألفي متر نحصل هناك على أفضل موسم ثلج ومناظر رائعة
- أراهن على هذا وأستطيع تصوره وأراهن أن كل أصدقاؤك يطالبون صاخبين باستخدامه
هز كتفيه قليلاً :
- إنه مشهور جداً ولحسن الحظ كبير بما يكفي لاحتواء بضع ضيوف
كتمت أنفاسها لحظة ، وسألته مبتسمة :
- أعتقد أنك تقيم حفلات كثيرة ؟
- ليس الكثير مرة أو مرتين في السنة
اخذ قلبها يخفق بجنون :
- لا بد أن هذا أمر مرح وأظن أن هذه الحفلات تصبح مجنونة أحياناً ؟
رفع حاجبيه :
- ولماذا تظنين هذا ؟
أحست بقلبها يعتصر لهفة كان في صوته لمحة من التأنيب رمته بنظرة متوسلة ، وتظاهرت بالفضول :
- ذكرت نادين شيء عن حفلة صاخبة ، شملت زوجة وزير بارز وأنا واثقة أن الأمر لم يكن فضيحة كما صورته لكنني لم استطع إلا أن أتسأل
نظر إليها مباشرة :
- ربما كانت أسوأ بكثير مما صورته نادين أو كادت تكون بالفعل فضيحة كبيرة لكن لحسن الحظ تمكنا من تلافيها في الوقت المناسب
ضحكت بتوتر ، لابد أنها الآن أمام شيء ما!
- تلافيها ؟ إذا كان يجب تلافيها فلا بد أنها كانت جدية ماذا حدث بالضبط ؟
نظر للبعيد :
- لم تكن قصة جيدة ، وأظن من الأفضل نسيانها
لا يمكنها التراجع ، قالت محاولة الممازحة :
- لماذا تتكتم لهذه الدرجة ؟ هيا أخبرني عنها لن أخبر أحد
نظر إليها بحدة :
- أتريدين حقاً أن تعرفي ؟
شيء في أعماقها طلب منها أن تقول لالكنها هزت رأسها إيجاباً ، وفات وقت التراجع ث
- حسن جدا إذا كنت تريدين أن تعرفي ، سأقول لك لم أخبر أحد من قبل بأي شيء من هذا ربما لن يكون الأمر سيئاً في أن أخرجه من نفسي وكما سبق وحذرتك ، إنها قصة غير لطيفة أواثقة أنت أنك تريدين سماعها ؟
تمتمت مع أنا لم تكن واثقة :
- أجل
- حسناً جدا ً ، هكذا كانت
تراجع في كرسيه :
- السيدة التي تتركز القصة عليها ، زوجة الوزير ، كانت صديقة مقربة مني تقيم في الشاليه وفي أحدى الأمسيات أقمت حفلة
صمت ثم أكمل بنفس اللهجة الباردة :
- لسوء الحظ ، والحفلة في أوجها ، داهمتنا الشرطة ، ودون توقع ، اكتشفوا مواد ممنوعة ، وارتكبنا غلطة محاولة رشوة الشرطة ، وكادت المسألة تتفجر في فضيحة رئيسية ولحسن حظنا جميعاً ، ولأن مستقبل الوزير كان في خطر ، تدخل شخص في مركز مرموق ، ولم توجه أي اتهامات إلينا وهكذا خمدت القصة
ابتسم لها ابتسامة متجهمة :
- وكانت هذه أسوأ الأخطار التي تعرضت لها في حياتي كادت تكون بالفعل نهاية لحياتي العملية لو أن تلك المسألة وصلت للمحاكم
نظرت ليجي إليه ، أحست بالدوار والصدمة ، وصارت تراه فجأة كشخص غريب لقد حصلت على قصتها ، وأمامها الدليل ، لكنه لم يكن الدليل الذي تبحث عنه
فجأة أحست برغبة في أن تخسر كل ما تملك بدلا من سماعها كلمة واحدة من هذه القصة !!
******************** **************
بالطبع كانت هذه نهاية كل خيالاتها المضللة أحست بالغثيان والصدمة لاعتراف فيكتور أغلقت على نفسها باب الحمام ، وكتبت بغضب لنصف ساعة لم يعد هنا أي شك في ما هو واجبها وما عرفته نوت أن تمرره إلى ( البوغل )
استلقت تلك الليلة تصغي إلى تنفس فيكتور المطمئن روح هذا الرجل مفتوحة الشهية مثل بركة وحل في مزرعة ثيران ، ولا يزيد ضميره عن سماكة شريحة لحم رقيقة!! ابتلعت دموع الاحباط بفتنته خدعها ، كما خدع اليانور ، وهي لم تصدقه فقط بل أرادت أن تثق به مما أثار سخطها
مع كل هذا ، وبالرغم من الرسالة الموجهة لديانا في حقيبتها ، كان جزء منها لا يزال يرحب بدليل ولو صغير على أنه في الواقع ليس سيئاً إلى هذا الحد لكن يا للأسف كل الدلائل تشير إلى العكس
كان الاتفاق أن يلتقيا مع نادين وكينيث في الصباح الباكر على أن ينطلقوا من الميناء الملحق بفندق الصديقين
قالت نادين حين اتصلت لتأكيد الاتفاق :
- أجلبا معكما سلة الطعام بعض أفخاذ الدجاج السندويشات وعلب المرطبات
كلف فيكتور الخادمة مارولا ، مسؤولية تحضير سلة الطعام ، وهما يستعدان للرحيل قبل الثامنة بقليل تقدمت مارولا إلى السيارة تحمل السلة ، فقال فيكتور بخشونة :
- سأضعها في الصندوق ، أعطني إياها
انتزعها منها بقسوة أجفلت ليجي فهذا تصرف ليس من طبيعة فيكتور ، فهو عادة مثال للأخلاق الطيبة لكنها لاحظت أنه متوتر وأن توتره يزداد
بدلا من أن يفتح الصندوق ليضع السلة ، فتح غطاء السلة وصاح :
- ماهذا ؟ قلت لك أن تضعي علب المرطبات ، وليس إبريقاً من العصير أيتها المرأة الغبية ! ألا يمكنك فعل شيء صحيح ؟
راقبت ليجي وجه مارولا ينكمش :
- أنا آسفة يا سيدي ظننت
- ظننت ! ظننت ! لا تقولي لي ما ظننت ! أفعلي فقط ما أقول ! فأنت لا تقبضين أجرك لتظني !
كان هذا تصرف مشين لا يغتفر ولو أنها أحست بمعنوياتها مرتفعة أكثر لتدخلت لكنها استدارت ، أحست بالغثيان والقرف في معدتها لو كان لديها أدنى تردد فيما نوت أن تفعله لقوت هذه الحادثة غبر اللطيفة من عزيمتها
ما أن أصبحا في السيارة حتى سألته :
- هل بإمكانك التوقف عند مكتب البريد ، لأتمكن من إرسال المزيد من البطاقات ؟
لم ينظر إليها وهو يرد :
- وما هو الملح في بطاقتين بريديتين ؟ هل هناك سبب محدد لإرسالهما الآن ؟
- لا سبب أبداً وبالطبع لا داعي للعجلة إذا كنت تصر بإمكاني إرسالهما بعد الظهر
لكن حمل الرسالة معها طوال الوقت ، أشبه بالقنبلة الموقوتة ! لكن لو جادلته أكثر من هذا سيجعله يشك ، وهو في مزاج صعب وخطير لحسن الحظ بدا أن مزاجه قد لان قليلاً بعد أن خرجوا في عرض البحر فقد كان نادين وكينيث رفيقان رائعان ، وصيد السمك بحد ذاته كان طريقة مسلية لقضاء الوقت
أخذهم صاحب المركب المدعو ماك جيل إلى المياه السوداء الأعمق في المحيط :
- هناك الكثير من سمك ( البركودا ) ربما يحالفكم الحظ وتصطادون شيء منها !
ضحكت نادين وهي تنظر لزوجها :
- إنهم لا يكبرون أبداً مهما بلغ سنهم ، فقلوبهم تبقى صغيرة
نظرت ليجي للرجل الجالس في المقعد الثابت المخصص للصيد ، يتصرف مع القصبة الثقيلة بحنكة خبير ، بدا لها أنه فعلا يملك جواً من الطفولة حوله والذي قد يبدو ساحراً لكل من ينظر إليه ببراءة لكنها وهي ترد ابتسامة نادين في موافقة لبقة ، كانت تحس بخيبة أمل عميقة من المؤسف أن يكون رجل بمثل هذا الكمال ، دون أساس أخلاقي متين
دعا ماك جيل إلى استراحة بعد وقت قصير ، وقال :
- بإمكانكم تناول الغداء بينما أتجه إلى الأعماقاجتمع الأربعة حول سلتي الطعام ، وكان من الواضح أن هواء البحر قد زاد من شهيتهم
أخرج فيكتور بعض أفخاذ الدجاج المحمرة ، وقبل أطراف أصابعه على الطريقة الفرنسية لإظهار إعجابه ، وقال بحماس :
- رائع!
وحث نادين وكينيث على تناول بعضها :
- إنها تبدو لذيذة جداً
رمقته ليجي من تحت رموشها بسخط متذكرة ما فعله بمارولا من أجل علب المرطبات بدا أنه نسي تماماً تلك الحادثة المزعجة الصغيرة ، وهو يأخذ العلب الباردة ويفتحها ويصب منها في الأكواب ، وبابتسامة تذيب العظام ، قدم الكوب الأول لليجي
كرهت ليجي تحرك أحاسيسها نتيجة ملامسة أصابعه ليدها برقة كيف يمكن أن تشعر بهذا العجز فيما يقف قلبها ضده تماماً ، تمنت لو تنتهي هذه العطلة فكل دقيقة تجبر نفسها فيها على البقاء معه ، ستكون عقوبة ذاتية لها
لكن نادين قرأت الموقف يشكل مختلف حين عاد الرجلان على الصيد فيما بعد وتمددت المرأتان مجددا في الشمس ، نظرت إلى ليجي وقالت :
لو لم أكن امرأة متزوجة وسعيدة ن لحسدتك كلاكما تبدوان رائعين معاً إحرصي على التمسك به ، إنه رجل فريد من نوعه
يا لنادين المسكينة المخدوعة ابتسمت ليجي لها :
- لا أظن أن أحد منا جاد تماما تجاه الآخر فما بيننا لايعدو كونه مجرد عطلة رومانسية
- أمر مؤسف كانت لدي آمال كبيرة في فيكتور لكنني أعتقد أنني قابلته في وقت غير مناسب كان هذا بعد وقت قصير من موت والده واضطراره لاستلام إدارة المؤسسة ، وكان لديه مشاغل كثيرة
بدت الدهشة على ليجي :
- أتعرفينه منذ ذلك الوقت ؟ لم يكن لدي فكرة أنكما صديقان منذ زمن بعيد
ابتسمت نادين :
منذ ثماني سنوات تقريبا ، وأعتقد أن هذا وقت طويل
ثماني سنوات لا يمكن أن يكون هذا صحيحا؟
- لكنه تولى إدارة الشركة وهو في 21 ، وهذا يعني 15 سنة !!
- وقائعك مخطئة قليلا، كان صغير حين استلم الإدارة لكن ليس بهذا القدر كان يقارب 28عاما
قطبت ليجي حاجباها كم هذا غريب اليانور قالت انه كان في 21 فهل كذبت أيضا ؟ أم أخطأت ؟ قاطع حديث المرأتين صيحة انتصار من كينيث :
- هاي لقد التقطت شيئاً
كان ماك جيل قربه :
- تبدو كبيرة من الأفضل أن ترتدي الرباط
أشار برأسه لحزام أمان جلدي ، متصل بكرسي كينيث
- بعض هذه الأسماك قوية جدا ويمكنها المقاومة بشراسة
استدار كينيث مبتسماً ومتجاهلا الخطر ، ومخففا قبضته على القصبة كان هذا لمجرد لحظة ، لكنها كافية وأمام رعب ليجي اشتد الخيط بشراسة منتزعاً كينيث من مقعده وجره معه فوق سطح المركب ما كان سيصيبه أي ضرر لو ترك القصبة من يده ، لكنه استمر متمسكا بها ليرميه الخيط المشدود على جانب المركب هب فيكتور مادا ذراعيه ليمسك بصديقه ، لكن قبضته كانت أقصر بسنتمتر واحد ن ثم طار كينيث من فوق المركب بحركة رهيبة ساد صمت فوري ، وكأن الزمن توقف ، ثم وفي لمح البصر وقبل أن يستعيد الباقون وعيهم ، كان فيكتور يقفز من فوق سياج المركب خلف صديقه
وقفت ليجي مذعورة 0ونظرت لنادين التي بادلتها النظر وعرفت كل منهما ما تفكر به الأخرى كان هذا مكتوب في الخوف الصارم الذي يشع من وجهيهما كلمة واحدة رهيبة البراكودا المفترسة !
أسرع ماك جيل ، ليخفف من سرعة المركب ويصيح في نفس الوقت :
- أمسكا حزام الأمان !
رمت المرأتان بنفسيهما على مقدمة المركب ووصلت ليجي لهناك أولا لتميل فوق السياج وتنظر للأمواج
لم تجد أثر للرجلين وكأن الأعماق ابتلعتهما معاً
أخذت ليجي تدعو
- أوه ياإلهي ياإلهي !رحمتك
كانت تحس بموجة من الرعب غمرتها وشلت تفكيرها
- راقنا الميمنة !
استدارت ليجي وهناك على بعد 50 ياردة من المركب ظهر رأس أسود إنه فيكتور وكان يلوح لهم أنها لا تكاد تصدق المحيط لم يبتلعه !!
لحظة بعدها ظهر رأس آخر لكينيث الذي كان فاقد للوعي تقدم ماك جيل يحمل إطار نجاة رماه للرجلين على الفور سبح فيكتور بقوة نحوه وهو ممسك بكينث بالذراع الأخرى وأخذ ماك جيل يسحبهما للمركب
ما بدا كأنه أبدي لا ينتهي لم يكن في الواقع سوى بضع دقائق جُر كينيث للمركب ولحق به فيكتور الذي رفع نفسه بسهولة للسطح
وقفت ليجي تنظر إليه مشلولة المشاعر تحاول استيعاب أنه لم يصب بأذى وأنها لم تشعر بهذه البهجة أبدا في حياتها ثم وهو ينظر إليها بتلك الابتسامة التي تعودت عليها شيء في داخلها أنفجر متحررا ، ورمت بنفسها عبر السطح إليه يكاد قلبها يتوقف وهو يدنو منها
وهي تذرف دموع الارتياح ، سمعت نفسها تقول :
- أوه أحممد الله على سلامتك لا تفعل شيء كهذا مرة أخرى! سأموت لو حدث شيء لك !
كان الاهتمام منصب على كينيث المصدوم المنقلب على وجهه للنصف ساعة التي تلت
ما إن أصبح فوق المركب حتى استعاد وعيه لفوه ببطانية ونقلوه للأسفل وأعد له ماك قهوة حلوة ساخنة
قال كينيث بحرج :
- أنا بخير الآن لا تقلقوا علي ! أنا فقط لآسف لأنني كنت أحمق غير مكترث ، وانتهى بي الأمر بتعريض فيكتور أيضا للخطر
رد فيكتور بتواضع :
- أحداث كهذه تحصل لأي كان ربما في يوم ما ستبادلني الشيء نفسه
بالطبع كانت هذه نهاية لرحلة الصيد لم يعد لأي منهم مزاج للمتابعة ، وبتعليمات من فيكتور عاد المركب نحو باربادوس كان الوقت لا يزال مبكراً نسبياً فالساعة لم تتجاوز الخامسة عندما رسى المركب في ميناء الفندق أصرت نادين على دعوتهما :
- ابقيا هنا لتناول القهوة قبل عودتكما للفيلا لكن فيكتور رفض :
- كينيث بحاجة للراحة كلاكما يجب أن يرتاح لقد تلقينا صدمة مزعجة جدا ، لا تقلقي سنراكما قبل أن نغادر
صعد ليجي وفيكتور السيارة عائدان إلى ( الخليج الفضي )
مزاج غريب خيم على ليجي ما أن مرت لحظات التخلي عن الأمل فوق المركب ، لقد آمنت وهي بجانبه دون تحفظ بأنها تحبه
وكانت فكرة رهيبة ، مع ذلك وفي تلك اللحظة العنيفة اشتعل قلبها ولم تستطع أطلاقاً مقاومة المشاعر التي غمرتها ، ممتلئة بشوق يائس أن تحول عاطفتها لكلمات
ولقد قالت كثيراً ذكرى الكلمات التي قالتها أخجلتها كن لم تقل كلمات أكثر حسماً لم تقل ( أحبك ) وبدا لها أن قلبها أصبح بلا كرامة أو تعقل كيف يمكن أن تحب رجلا كهذا؟
تستطيع الآن تصور كم سيستجيب بسخرية لإظهارها المعيب لعاطفتها لكن لو كان يفكر باستغلال هذا الموقف فلسوف تصحح له وهمه فاجأها قائلاً :
- هاي ، ألم ننس شيئاً ؟ الأفضل أن نمر على مكتب البريد قبل أن يقفل
قطبت ليجي ناسية :
- مكتب البريد ؟
- لبطاقاتك البريدية التي كنت متلهفة على إرسالها هذا الصباح
- أوه أجل بالطبع
الرسالة التي كتبتها ( للبوغل ) كانت لا تزال في حقيبتها :
- لقد نسيتها
وأحست بارتباك :
- ألا زلت ترغبين في إرسالها ؟
- أجل بالطبع
خارج مكتب البريد ، شد فيكتور المكبح اليدوي :
- سأنتظر هنا ، أدخلي وانهي ما جئت من أجله
ما إن وقفت على الرصيف ، حتى تملكتها الشكوك فجأة بدا لها ما تنوي فعله كريهاً لا أخلاقياً كيف يمكنها وبدم بارد أن تخون الرجل الذي ومنذ ساعات قصار، أمنت بأنها تحبه ؟!
لأنها لا تحبه ولأنها لا تستطيع أن تحبه
وبإرسالها الرسالة ستبرهن لنفسها على هذا
دخلت وبتصميم لمكتب البريد فكري باليانور
فكري بمارولا
فكري بتلك القصة التي سمعتها منه ليلة أمس !
الرجل لا يستحق مشاعرك المجنونة
أظهري قليل من الشجاعة وعامليه بما يستحق !
كانت هناك أفكار كثيرة لا يمكنها جمعها كتلة ضخمة من الارتباك لا يمكنها فهمها مثل تلك القصة التي روتها نادين اليوم والتي لا تنطبق مع الصورة التي رسمتها اليانور كل هذا ذكرها بشكوكها في مسألة الأوبرا
نظر إليها موظف البريد :
- كيف أستطيع أن أخدمك آنسة ؟
كادت ليجي أن تبكي فهل تبحث بهذا عن سبيل للتراجع بسماحها لأحاسيسها الغبية أن تقع رهينة عواطفها ؟
تنفست بعمق:
- أريد بعض الطوابع
في لمحة تفكير بسيطة قررت أن لا ترسل الرسالة اليوم، وستنام لتفكر بالمشكلة ، وربما سترسلها في الغد
وأكملت مبتسمة :
- طوابع لانكلترا ، أرجوك
ثم بإحساس بالارتياح ، أخرجت من حقيبتها بضع البطاقات البريدية لكنها وهي تخرجها تجمد الدم في عروقها !! فالرسالة التي تسببت لها في كل هذا العذاب ، لم تكن هناك !!
كانت صدمة الاكتشاف كضربة جسدية لأحاسيسها ، أين ذهبت الرسالة ؟ تجمد فكرها من الرعب دفعت ثمن الطوابع وتمكنت بطريقة ما من إلصاقها على البطاقات البريدية لا شك أنها وقعت منها وهي على المركب أو الفندق راجع عقلها كل الاحتمالات بنوع من العذاب المبرح لكن دون جدوى لقد اختفت الرسالة ، وانتهى الأمر خرجت من مكتب البريد إلى الشارع ، وأحست بالبرد رغم حرارة الجو ، لو أنها أوقعتها في الفندق فلا خطر في ذلك ، فلا يوجد على المغلف ما يربطها بها لكن إن وجدها ماك جيل على مركبه ، فسيعرف أنها لواحد من ركاب اليوم
وسيتصل بنادين وكينيث وهما سيعلمان أنها أما لها أو لفيكتور
وصلت السيارة وقلبها ثقيل كالرصاص فتح لها فيكتور الباب ودخلت مترددة ، سألها بلطف :
- أنهيت كل شيء ؟
- هزت رأسها دون أن تنظر إليه
- أجل شكراً
وفي طريق العودة كانت ممتنة طوال الطريق أنه لم يكلمها ، لأن كل زاوية في دماغها كانت تتركز على الرعب الذي سيحصل لو عرف محتويات الرسالة
عليها التفكير بطريقة تتجنب فيها حدوث مثل هذه الكارثة ولا بد من وجود طريقة آه لو أن دماغها يستطيع الوصول إليها
كانت خلاياها الرمادية تتمخض في غضب مجنون وهما يدخلان بوابات الفيلا الحديدية الكبيرة ويتجهان بسرعة للممر الداخلي لو أنها فقط تستطيع الحصول على ساعة من الهدوء والسكينة ، فلربما استطاعت الخروج بفكرة من الممكن أن تنفذها
أصبح فيكتور وراءها تماما ، وهي تسرع صاعدة السلم إلى الشرفة :
- إلى أين أنت ذاهبة ؟ تبدين مستعجلة ؟
استدارت بنفاذ صبر وقالت بحدة :
- أنا ذاهبة لأستحم ، وسأستلقي في المغطس لوقت طويل
- فكرة جيدة
لكنه لم يتركها ، وأصبحت عيناه كقطعتي ماس ، ومد يده لجيب بنطلونه الخلفي ، وبحركة سريعة أخرج منه شيئاً وقال بحدة :
- ستحصلين على حمامك عزيزتي بعد أن تتاح لنا فرصة للكلام معاً
- كلام ؟ حول ماذا ؟
لكنها تصلبت رعباً عندما قال بلهجة جمدت كل عصب فيها :
- حول هذا عزيزتي
ومد يده أمامها بالرسالة المفقودة متجعدة مفتوحة