الفصل الثامن : هل قتلت أختي ؟
حدقت ليجي بالرسالة مصدومة غير مصدقة ، وقالت هامسة وهي تحس بالدم يتجمد في عروقها :
- أنت ! أين وجدتها ؟
قبل أن يرد دفعها أمامه على السلم إلى الأعلى ، وجرها إلى غرفة الجلوس فتهاوت ووقعت فوق مقعد بذراعين ووقف فوفقها :
- وجدتها في حقيبتك وقرأتها وأنت في مكتب البريد وأنت تشترين الطوابع البريدية !
أحست وكأنها وقعت رأسا على عقب وتجد نفسها في كابوس !!
سألته بوهن :
- وأي حق لك في أن تعبث بحقيبتي ، وتقرأ رسائلي الخاصة ؟
أطلق شخرة جمدت الدم في عروقها ، وانكمشت في مقعدها :
- أتجرؤين عن السؤال عن أي حق لي ؟ لست أنا من يخضع للاستجواب ! بل أنت من يجب أن تقدم التفسير!
ضمت قدميها تحت تنوره فستانها وقالت ببؤس :
- لم أكن سأرسلها ، أقسم لك ، لقد غيرت رأيي
لم يصدقها تكورت شفتاه في تعبير خشن مخيف ثم تقدم منها وكأنما ليمسك بها ، وانعقد حاجباه :
- ما أريد أن أعرفه ، هو لماذا تفعلين هذا ؟ ومن أنت بحق الله على أي حال ؟
تصاعد التوتر داخلها وابتلعت ريقها :
- من أنا ؟
_ من أنت عزيزتي سؤالي بسيط بما يكفي ! هل ستجيبين أم أجبرك على الإجابة ؟
لم يعد دماغها قادراً على تشكيل الكلمات
- سألتك سؤالا ! وأنا أنتظر الرد !
كانت أصابع كالفولاذ تطبق عليها ، وتجعلها تجفل ذعراً وألماً ، وتشهق لتتنفس :
- أنا منتظر أن تخبريني من أنت !
حاولت الخلاص منه لكنه شد قبضته وصاح بنفاذ صبر :
_- انطقي ! من أنت ؟
أغمضت عينيها ، لا تجرؤ على النظر إليه
وتمتمت :
- أنا شقيقة اليانور
هبط سكون وصمت رهيبين ، وكأنه يحاول استيعاب ما قالته ، ثم مع فتحها لعينيها ، سألها :
- أتغنين اليانور وايت ؟
- أجل أنت تذكرها إذاً؟
- بالطبع أذكرها ! لكنني لا أفهم لماذا تتورط شقيقة اليانور بحملة لتدميري أعتقد أن هذا ما كنت تحاولين فعله
أحست بموجة عارمة من الخجل ثم أبعدتها عن نفسها إنه يستحق ! نظرت إليه بثبات قائلة :
- أردت الانتقام منك لموت اليانور
- موت اليانور ؟ وما دخلي بموتها ؟ لقد ماتت بمحض اختيارها كما عرفت وبعد سنة من عودتها لانكلترا
- والفضل لك ، ولما فعلته بها !
لقد آمنت بهذا لمدة طويلة حتى أنها الآن تقوله دون تفكير مع ذلك كان هناك شك في أعماقها بدا يتعاظم في الحقيقة لم تعد متأكدة مائة بالمائة وقف أمامها جامداً ثم سأل :
- وماذا فعلت بها ؟
- حطمت قلبها هذا ما فعلت ! ربما لم تكن موجود ساعة موتها ، لكنك أنت من دفعها لتنهي حياتها !
رد بلهجة مريرة تبلغ حد القسوة :
- أشك في هذا كثيراً في الواقع فإذا لم أكن أنا ، فهناك أحد ،أو شيء ما ، كان سيوصلها إلى هذا المصير في النهاية فشقيقتك ، كما لابد تعرفين لم تكن ثابتة عاطفياً فقد حدث في حياتها طلاق وسلسلة من العلاقات التي تحطمت ، قبل أن تلتقي بي
ثار غضبها أنه يدافع عن نفسه بتشويه سمعة اليانور !
- شقيقتي لم تكن غير مستقرة عاطفياً ! كانت ببساطة قليلة الحظ حكمها سيء على الرجال وبما أنك تقول أنك تعرف ماضيها ! ألم يكن هذا سبباً كافياً لأن تعاملها ببعض الحنان والمراعاة ؟ أم رجلاً مثلك ينظر إلى المرأة الضعيفة ، كلعبة تسلية ؟
لم يرد لكن صمته كان راعداً ملأ الغرفة بترقب رهيب سارعت ليجي تكمل :
- لماذا لم تتركها وشأنها إذا كنت لا تريدها ؟ لماذا استمريت في إغوائها ؟
ضاقت العينان الزرقاوان :
- أهذا ما قالته لك ؟
- وهل تنكر ؟
استدار فجأة لينظر إلى الشرفة في الخارج
مديراً ظهره نحو المقعد الذي تجلس عليه وقفت ليجي متمايلة ، وخائفة أن يوقف الحديث ويتركها قبل أن تنهي ما تريد فبالرغم من الهجوم المرير الذي أطلقته ، كان جزء معذب منها يتوق لإنكار الذي سينهي في النهاية كل ما آمنت به سابقاً
كان صوتها يرتجف وهي تسأل :
- هل تقول أنك لم تعدها بشيء أبداً وأنك لم تطلبها للزواج وأنها اخترعت كل هذا ؟
استدار ينظر إليها :
- أنكر هذا بكل تأكيد !الفكرة بحد ذاتها منافية للعقل !
خفق قلبها ، وشدت على قبضتها بقوة :
- أيمكنك إثبات هذا ؟
فجأة وقف أمامها شامخاً وبخطوتين غطى المسافة بينهما :
- أثبته ؟ إذا كان لأحد أن يثبت شيئاً فهو أنت ، وليس أنا !
انتزع الرسالة مرة أخرى ، ومدها إليها :
- أنت من يوزع الاتهامات وعبء إثبات الأكاذيب يقع على عاتقك !
قال بلهجة قاسية لا ترحم :
- وما هي القصص الأخرى التي سربتها ( للبوغل ) هيا قوليها ماذا قلت بعد ؟
- إنك دفعت أختي للموت ولا شيء غيره أقسم لك ! فقط هذا !
أطلق من فمه سباباً ، ثم قال :
- هذا فقط !! يا إلهي ! لقد كان يومك فعلاً مشهوداً ! إذن أخبريني متى خططت لكل هذا ؟ هل جئت للمؤتمر وخطتك جاهزة ؟
- بالطبع لا ! لم أكن أعرف أنك ستكون هناك ! قررت أن أفعل هذا حين أخبرتني عن الذين يلاحقونك ، وأجبرتني على الاشتراك في هذه المهزلة الغبية
ضاقت عيناه ، غير مصدق :
- لماذا سرقت مسجلتي إذاً ؟
نظرت إليه ببؤس كانت قد نسيت ذلك التصرف الغبي الذي كان البداية المهلكة التي قادت إلى هذا المأزق :
- لم يكن لذلك علاقة بهذا ، أخذتها فقط لأزعجك ولم أكن أفكر بأي شيء آخر في تلك المرحلة أرجوك صدقني أنت نفسك أعطيتني الفكرة .
- فهمت
يبدو ، والشكر لله أنه صدقها وابتعد عنها
- إذاً ، وبعد أن أعطيتك الفكرة بكل كرم ، قررت الاتصال بالمرأة في ( البوغل ) وعرضت عليها أن تكوني أنت الواشية ؟ وإذا لم يستطع البقية النيل مني فستفعلين هذا أنت ؟
- شيء مثل هذا
الطريقة التي وصف بها الأمر تبدو شريرة وقاسية تراجع عنها ببطء ونظر إليها :
- أتعلمين بدأ كل شيء يعود إلى ذاكرتي أنت ( ليلي )
أجفلت لذكره اسم طفولتها ، فابتسم بمرارة
- من كان يظن أن طفلة بريئة التقيتها منذ سنوات في كورسيكا ، ستنقلب لتصبح نموذج شرير مخادع ،؟ أنت تلعبين دور العميل المزدوج ؟ لا بد أنك تشعرين بالاعتزاز بنفسك !
في الواقع ، هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة حست بالحقارة والوضاعة فقالت محتجة :
- لم أكن سأرسل الرسالة قلت لك هذا لقد غيرت رأيي
سخر منها :
- بالطبع غيرت رأيك ! لهذا كنت مصممة على أن آخذك لمكتب البريد
ثم وبحركة شرسة متعمدة ، رماها بالرسالة لتستقر لحظات على كتفها ، ثم تقع أرضاً:
- لكن أخشى يا عزيزتي ، أن لا تكوني صالحة لان تكوني جاسوسة فالطريقة التي استمريت فيها بطرح الأسئلة علي فيها ، جعلتني أرتاب بأنك تنوين شيئاً مع أنني أعترف أنه لم يخطر ببالي شيء كريه مثير للاشمئزاز كهذا
صمت ليتفرس فيها بعينين كخطافين من فولاذ :
- على فكرة القصة التي رويتها لك محض خيال ابتكرتها لأرضي فضولك تلك الحادثة المزعجة ، حدثت وكما أخبرتها لك لكنني لم أكن متورط بها ، ولم تجر في الشاليه الذي أملكه
ضحك بخشونة وبلا مرح :
- ابحثي عن القصة لو شئت أو أرسليها إلى أصدقائك في ( البوغل ) وليتأكدوا منها
دس قبضتي يده في جيبي بنطلونه ، كأنما يفضل أن يبقيهما تحت سيطرته ، ونظر إليها كما ينظر المرء إلى لطخة فوق سجادة :
- ظننت شقيقتك كاذبة وقحة ، لكن أنت في طبقة مميزة وحدك !
ثم وكأنه لم يعد يستطيع تنفس الهواء استدار باحتقار ، وخرج من الغرفة وسمعت ليجي وقع خطواته تنزل السلم وبعد لحظة كانت السيارة تدوس الحصى تحت إطاراتها
بعد أن رحل جلست لوقت طويل تحدق ببلاهة إلى الرسالة كم كانت غبية بلهاء عندما اعتقدت أنها تستطيع هزيمته ! لقد عرف مقاسها وصنفها من اللحظة الأولى
لم يكن فيكتور شخصية ضعيفة ليتورط في مثل هذه العلاقات القذرة بالرغم من عيوبه لو أنها توقفت للتفكير بهذا وبتعقل ، للحظة ، لأدركت دون شك هذا بنفسها
عبست لنفسها : كم كانت ستبدو بلهاء لو أرسلت القصة إلى ( البوغل ) !
أقل ما يقال بعد أن يتأكدوا من صحتها أولا ، أنها مهوسة حقودة!!
مررت يدها في شعرها ماذا الآن عن ذنب فيكتور بالنسبة لاليانور ؟ هل تبت لها خطأها في هذا أيضا ؟
تذكرت غضبه البارد :- عبء إيجاد الدليل يقع على عاتقك أنت ! فأنت من ترمين الاتهامات !
إنه محق طبعاً وأي دليل لديها عدا كلمات أختها المشكوك فيها ؟ من إن كذبتين لا يمكن اعتبارهما دليل على كذب قصتها كلها ، إلا أنها على الأقل ترميان ظلال الشك وأدركت ليجي بمشاعر مختلطة أنها أنما تحاول تبرير مشاعرها الممتلئة ذنباً وبغض النظر عما تشعر به نحو فيكتور ، لم تعد قادرة على اتهامه
وقفت في مقعدها مصممة وتقدمت من الهاتف في الردهة ، التقطت السماعة ، وطلبت رقم مركز الهاتف في المدينة
- آلو ! أريد أن أرسل برقية دولية
بعد دقائق وهي تعيد السماعة مكانها ، أحست وكأن عبئا ضخماً ارتفع عن كاهلها البرقية موجهة للآنسة ديانا ايفرارد في صحيفة البوغل تسحب فيها كل كلمة من قصتها حول اليانور وفيكتور ، وتصرح بشكل نهائي لا رجعة فيه أنها لن تعطي أي معلومات ضد فيكتور
حينما يعود فيكتور ستخبره أنها أرسلت البرقية ، وما عليها إلا أن تدعو الله ليجد في قلبه فسحة ويغفر لها وإذا رأى أنها نادمة تمامتً ربما يسنح لها بفرصة أخرى
فرصة أخرى لماذا؟فرصة في استرجاع أي أمل قد يكون لها في إقامة نوع من العلاقة التي لا معنى لها ؟
لم يكن لهذا الأمر سوى أمل ضئيل منذ البداية فأي أمل بقي لها الآن ؟
في الصباح التالي ، كان فيكتور لا زال غائباً بعد الثامنة بقليل ، كانت ليجي تسير نحو مائدة الفطور ، شاعرة بالإرهاق بعد ليلة بلا نوم ، منتظرة عودته أحست بمارولا تراقبها ، خلسة من طرف عينها ثم أخيراً أجبرت ليجي نفسها أن تسأل :
- لا أعتقد أنك سمعت شيئاً من السيد دوما رشيه ؟
التقت عيناها بعيني مارولا :
- لا آنسة ، لم أسمع شيء
ثم تقدمت لتقف أمام ليجي وتابعت :
- أرى أنك قلقة لذا أعتقد أن الوقت حان لأخبرك بأن رجلك هذا ينوي أمراً وهناك شيء أظن أن عليك معرفته
سألتها وكلها اهتمام :
- أخبريني
- حسناً .. يجب أن أشرح لك أمراً حول ما حدث صباح أمس ، كبداية ذلك الجدل الحاد حول المرطبات ، حين أخذ السيد فيكتور يصيح في وجهي
لدهشة ليجي تهلل وجه المرأة بابتسامة :
- لست أدري إذا كنت أدركت هذا ، كانت كلها تمثيلاً
سألتها مجفلة :
- أتعنين أنها كانت محضرة ؟ لماذا ؟
هزت مارولا كتفيها :
- لست واثقة آنسة لم يقل لي أي تفاصيل
كل ما قاله أنه يظن أن هناك أشخاص يراقبون المنزل ، وإنه إذا دفعهم إلى الظن أن بيننا خلاف فعلى الأرجح سيأتون ليدقوا الباب ، ويقنعوني بأن انتقم وأتجسس عليك وعلى السيد فيكتور ، وأخبرهم أية فضحية ممكنة ، أتوصل إليها
تجهم وجه المرأة وهي تؤكد لمستمعتها
- بالطبع أنا لن أفعل مثل هذا أبداً فسيكون هذا خيانة مني لكن السيد فيكتور أخبرني أن أقول لهم إذا تبين أنه على حق واتصلوا بي
- وهل اتصلوا بك ؟ هل جاء أحد وقرع بابك
- بكل تأكيد بينما كنتما في رحلة الصيد ، جاءت امرأة حمراء الشعر ، وشاب نحيل جداً
نفس الشخصين من نادي ( هامنغ بيرد ) اللذين قال لها فيكتور أنه شاهدهما !
- وماذا قال لك فيكتور أن تقولي لهما ؟
جلست مارولا :
- حسناً طلب مني القول أنني قادرة على بيعهما شيئاً أكثر إثارة من إشاعة ، صور سرية يبقيها السيد فيكتور في صندوق لوحة السيارة
وضحكت هازة رأسها استطاعت ليجي أن تتصور كم لعبت دورها بإتقان :
- قلت لهم أنني استطيع الحصول على الصور وأنا أنظف السيارة ، بعد عودتكما من رحلة الصيد وأعطيت لهما موعد للقائهما مساء أمس ، في فندق صغير في ( بريد جتاون ) لتسليمهما الصور وبالطبع ، عرضا علي المال ، لكنني لم أكن أنوي أن أقابلهما ، ولا إن أسرق الصور من السيارة قال السيد فيكتور إنه سيذهب إلى الموعد بدلا مني وهذا آنسة كل ما أعرف طلب مني أن أبقي الأمر سراً لكنني فكرت ، وقد اختفى هكذا أن من الأفضل أن أخبرك
ابتسمت ليجي لها :
_ أنا مسرورة لأنك أخبرتني
أولا أحست بالراحة لوجود تفسير لغيابه فهي كانت أكثر من قلقة لأنه غادر المنزل في مزاج رهيب جدا ، حتى أنها خشيت أن يكون قد حصل له حادث
ثانياً من المطمئن لها أن تعرف أن ذلك الجدل مع مارولا يوم أمي لم يكن إلا تمثيلية لقد أزعجها أن تصدق بأنه قادر أن يعامل الخادمة بهذا السوء
أغمضت عينيها وكبحت دموعها غفرانه لها هو ما يجب أن تسعى إليه وبهذا وحده يمكن أن ترتاح وتقنع
كان الوقت بعد الظهر عندما سمعت الكاديلاك تدخل الممر الداخلي للفيلا
توقف قلبها ستأتي الآن لحظة الحقيقة !مع إقفال باب السيارة ، وتصاعد صوت وقع الأقدام على السلم الخشبي ، كتمت أنفاسها وانتظرت ، مع تقدم وقع الأقدام على الشرفة
وما هي إلا لحظة حتى كان يقف أمامها ولجزء من الثانية أشتعل قلبها بسعادة حقيقية لمجرد رؤيته
تمكنت من إخفاء الألم وهو يقول
- إذن ، لا زلت هنا ؟
وإين يتوقع أن تكون ؟ هل كان يأمل أن ترحل ؟ لن تسمح لنفسها أن تحبط عزيمتها هذه البداية السيئة !
- قالت مارولا أنك خرجت وراء ذانك الشخصين اللذين كانا يلحقان بك فهل حصلت على مبتغاك ؟ هل تمكنت من إلقاء القبض عليهما ؟
وضع يديه في جيبي بنطلونه ، واستند للسياج :
- وماذا لو فعلت ؟ ماذا يمكن أن يهمك في هذا كله
قالت بإصرار:
- أنا مهتمة حقاً ، وأمل أن تكون لحقت بهما
- هل أنت متأكدة أنك لم تكوني تأملين أن أفشل ؟ أظنك نسيت إلى صف من كنت تقفين ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة إنه قاسي القلب لا يرحم :
- قلت لك من قبل لقد غيرت رأيي أرسلت برقية للبوغل وأنت غائب سحبت فيها كل كلمة قلتها لهم أقول لك الحقيقة يجب أن تصدقني
ضحك ساخراً :
- ولماذا أصدقك ؟ لماذا أصدق من لم يفعل شيء سوى خداعي منذ اللحظة الأولى التي التقينا فيها ؟
ارتجف صوتها :
- إنني لا أحاول خداعك بعد الآن بل أحاول أن أعوض عما فعلت أقسم على ذلك
ثنت عينيه عليها وقال :
- ما الذي سبب هذا الانقلاب المفاجئ إذا كان حقاً انقلاب ؟
إذا هو في منتصف الطريق لتصديقها وارتاحت قليلاً :
- لقد أدركت أن ما قلته صحيح وليس لدي دليل على أي شيء إنها ببساطة ، مسألة كلمتك ضد كلمة أختي
ضحك ساخراً:
- كم أن هذا مؤثر ! ظننت أن كلمة أختك مقدسة ؟.
أشاحت بنظرها عنه تخفي ارتباكها ، ثم أعادت النظر إليه متعمدة :
- لقد قلت لك صدقاً إنني لم أعد ضدك فلماذا لا تعطيني على الأقل فرصة الاستفادة من الشك ؟
بتنهيده حادة تنم عن نفاذ صبره أبعد نفسه عن السياج ، وتقدم نحوها ليجلس في مواجهتها ، وينظر إليها بعينين غير مقرؤتين :
- حسنا جدا بما أنك مهتمة لهذا الحد ، سأخبرك بما حدث ، بالرغم أنك خططت أساسا أن تفعلي العكس ، إلا أنك ساهمت في نجاح خطتي
مالت إلى الأمام :
- أتعني أنك تمكنت من النيل منهما ؟
هز رأسه :
- كان الأمر سهلا جداً في النهاية ولم يكونا ذكيين جداً على فكرة كنت أعرف أن مارولا ستبوح بحقيقة مؤامرتنا الصغيرة إنها امرأة طيبة القلب ، ولن ترغب في أن تتركك متوترة
نظرت بعيداً ، لا تستطيع احتواء الأمل الذي أخذ ينبعث إلى الحياة داخلها إذن بالرغم من إيمانه أنها خانته ، لا زال بكل كرم أخلاق يفكر بها ربما لم يضع كل شيء بعد
- ليلة أمس ، بعد أن غادرت المنزل ، ذهبت إلى الموعد الذي قطعته مارولا في فندق صغير مغمور وسط ( بريد جتاون ) حيث كان الشخصان يتوقعان استلام الصور ذهبت باكراً ، وحجزت غرفة باسم مارولا ، طلبت من موظف الحجز أن يقول لهما إن مارولا تنتظر في الغرفة
سمح لنفسه بابتسامة انتصار صغيرة
- كان فخاً بسيطاً لكنهما سارا إليه مباشرة
- وهل ( كانا ) هم ؟ ذانك الشخصان اللذان رأيتهما في النادي
- كانا فعلا مدام كيم مومزي ، زوجة موظف سابق عندي ، ومصور مأجور ، ريشار غانسيا وما إن أحسا أنهما علقا حتى أصبحا يثيران الإشفاق وباحا بكل شيء دون انزعاج كل القصة المؤسفة ، كما تبين لي ، كما كنت توقعت تماماً
مال للخلف ووضع يديه على ذراعي المقعد :
- كيم مومزي كان يعمل للمؤسسة كان رجل جيد ومواظب على عمله ، لكنه لسوء الحظ كان جشع وورط نفسه بكل أنواع العبث وجمع ما لا بأس به فبل أن يكتشف أمره ويطرد آخر ما سمعت عنه أنه في مونتريال ، لكنه يبدو أنه انتقل إلى هيوستن منذ ثلاث سنواتفي هذه الأثناء أسس لنفسه حياة جديدة ، بما فيها زوجة من تكساس
ابتسم بسخرية وتنهد :
- كان من الحكمة أكثر لو ترك الأمور على ما هي عليه لكن ومن المؤسف ، كان ينوي الانتقام فهو لم يسامحني على طردي له ، حين سمع بمسألة شرائي لتلك الشركة ، لم يستطع مقاومة تعقيد الأمور لي لكن للانتقام عادة سيئة بأن تسير أموره في اتجاه خاطئ خاصة حين لا يكون له أسباب موجبة
أحست ليجي أن التأنيب موجه لها لكن ألم تتعلم هذا بالطريقة الصعبة المريرة ؟
فجأة غيرت الموضوع :
- إذا كان هو وراء كل هذا ؟ ودفع بزوجته والمصور للحاق بك
- وعلى أمال أن يفاجئاني في لحظة حرجة في هذا الوقت كان هو واثنان من أصدقائه مشغولين بجمع كل ما كتب عني عبر السنوات على أمل نبش شيء قد يضر بي وأنا سعيد أن أقول إنهم لم ينجحوا
- بعدما اعترفا ماذا حصل ؟
- حرصت على تسجيل كل الاعترافات ، دون علمهما طبعا ثم بعد إجبار زوجته على إعطائي عنوانهما في هيوستن أخذت أول طائرة إلى أمريكا وذهبت فوراً لزيارة مومزي شخصياً وسأوفر عليك سماع تفاصيل ما جرى بيننا فلم يكن ماجرى لطيفا يكفي القول أن المسألة كلها وضعت بيد الشرطة
أنزل يديه عن ذراعي المقعد وقال بلهجة انتصار :
- كل شيء كانت خاتمته مرضية إضافة إلى كل هذا تلقيت ليلة أمس أخباراً أن مسألة البيع أخذت الموافقة
أحست بالسعادة لأجله بل حتى قليل من العزاء لنفسها على الأقل لم تضره مؤامرتها كانت على وشك التعبير عن أفكارها حين وقف :
- هكذا كل شيء جيد سوف تكون نهايته جيدة كما يقال وأعتقد أن علينا وضع خلافاتنا وراءنا فلا داعي أبداً لنحمل الأضغان ضد بعضنا
قفزت واقفة :
- أتعني هذا حقاً ؟ أتعني أنك تسامحني ؟
ابتسامة خفيفة لامست شفتيه :
- أسامحك أجل ، لكن على أي حال هناك شيء يجب أن أصر عليه
حبست ليجي أنفاسها ، ثم أحست بالدنيا تتشتت من حولها وهو يتابع بلهجة باردة :
- في هذه الظروف لن يكون مناسباً لنا أن نستمر في مشاركة هذه الفيلا لذا أصر على أن تنتقلي منها فوراًُ ، وهذا المساء بالتحديد وأنا واثق أن مارولا ستساعدك على توضيب حقائبك
ثم استدار على عقبيه ، وابتعد عنها ليدخل غرفة الجلوس دون أن ينظر إليها مجدداً