عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-23-2018, 01:10 AM
 
ذهبية : صمتٌ مطبق






يا لهُم من مجرمين! يجعلونني أسير هذا السجن الذي صنعوه من أجلي خصيصاً حتى يسلبوا حريتي
وتلذذي بالعالم الخارجي.
إنهم أوغاد وبلا أي شعور، يمرون عليّ من حينٍ لآخر لإعطائي طعاماً بلا أي طعم وكأنهم بذلك قد
تصدّقوا عليّ بأقل ما يمتلكون قيمةً مُقابل امتلاك حريتي العزيزة عليّ، وإبقائي حبيس هذه القُضبان
الحديدية.
هم لن يهتموا لنكرةٍ مثلي، لشيءٍ قيمته كجدران هذه الغرفة، معدومة. كلا،فالجدران ذات قيمة إذ أنها
تفصل الغُرف عن بعضها فتحفظ خُصوصيات الآخرين من الضياع.
تباً لأمثالهم، يستمتعون بحياة الرفاهية المُشبّعة بالسعادة كقلوبهم المُشبَّعة بالحُريةِ الأبدية، ولأنهم قد
أضِلُّوا بهذه النعمة، نسوا معنى أن تبقى حبيساً مسكيناً لا حول له ولا قوة كما أنهم أيضاً لن يتخيلوا
أنفسهم مكاني، لأن فكرةً كهذه لن يُسمح لها بدخول بوابة عقلهم التي تُحرس من قِبَل أفكارهم
السوداء البشعة.
أنا حبيسٌ لا أهلَ معي ولا أصدقاء، جُلُ ما أفعله هو الأكل والنوم، وكلما حاولتُ الوقوف ضد هذه
القُضبان بعزم، أسقطُ مهزوماً ومتألماً أمام جبروتها وقوتها.
أجل، هكذا هم، لن يتغيروا ولن يستشعروا ما يملئ قلبي من ألمٍ وحزنٍ وضيقٍ و ...

- إيدْوين! أيها الوغد الصغير! ، ما زلتَ تُحدق بهذا العصفور! ادرس رجاءً!
اهتزَّ جسدُ إيدْوين على صُراخ أمه الحاد والتفتَ بذعرٍ ليُواجِه الموت، هكذا وصفها في تلك اللحظة
المُخيفة.

- لكن أمي، إنّني أدرس !
ازدادت نبرة صوتها علواً وحِدة:
- بالطبع، تدرس بتحديقك لهذا العصفور الذي ما توقفت عن التحديق فيه منذ أن جاء به والدك هذا
المساء!

- إن الدرس يتحدث عن العصافير وحُريتها، لذلك وجب عليّ تخيّل نفسي مكان هذا العصفور الصغير
حتى أفهم الدرس جيداً، عليَّ أن أستشعر أحاسيسه بقلبي جيداً ثم ..


هرَب فزعاً عندما رأى والدته وهي تتجه نحوه بخطواتٍ تهزُ الأرض خلفها.
لو كان عالمه خيالياً كما الحالُ بالأفلام لاستطاع رؤيةَ مُربعات البلاط تحترق بعدما مشت عليها بينما
صرخت هيَ عليه إثر توقفها عن الحركة فجأةً .. وكأنها أرادت فحسب أن تجعله يهرب ناحية غُرفته:

- سأجعلك تستشعرُ ألم الضرب جيداً إن كانت درجتك سيئةً بامتحان الغد، وحينها فليُفدك العصفور أيها
المُهمل البائس!

بعد عدةِ ثوانٍ، قررت والدته العودة للمطبخ حتى تُنهي طبخ العشاء بينما توقف إيدْوين بجانب باب
غُرفته يُحدق إلى ذلك العصفور الأبيض الصغير الذي كان ينظر للفراغ بصمت مُطبق لا يدري ما الذي
يجري حولَهُ بالضبط ثم تنهد بصمتٍ هو الآخر و دخلَ غرفته.


__________________

سُبحان الله، الحمدلله، لا إلهَ إلا الله.

رد مع اقتباس