-
صوت خطوات سريعة لحذاء رياضي وردي اللون ،صاحبته تركض على البلاط الأبيض لاهثة ،وقفت في ممرٍ مملوء بالغُرف المُرقمة أبوابها .
نطقت مُتَلَفِتة : ماذا كان الرقم الذي أخبرتنيه المُمرضة مُجددًا ؟!
هرعت بعدها إلى أحد الأبواب لتفتحه دون أن تطرق ، من هذا ؟!
بإحراج قالت وهىّ تُعيد إغلاقه : آسِفة !
أتجهت للغُرفة المُجاوِرة ،طرقت بتردد : سيرين ؟
آتاها صوتٌ أنثوي : ادخلي رين !
فُتِح الباب وسارت "رين" صاحبة الشعر الكستنائي لصديقتها زرقاء العيون ، كانت الساق اليُسرى للأخيرة مُعلقة في جَبيرة ، ضمتها قبل أن تجذب كُرسيًا لتجلس عليه .
- أخبرتني أُمِك أنكِ أُصِبتِ بِمُهِمة !
ابتسمت سيرين ببلاهتها المُعتادة : هذا صحيح !
صاحت الأخرى : كيف بحق الجحيم ! أنتِ مُتدربة !
حركت اللازوردية كتفيها : كان لدينا عجز في الأعداد !
ثم أضافت بحماس : كانت أول مهمة لي ! كنت سعيدة للغاية ظننت أن قلبي سيقف عندما علمت ! لم يكن هذا متوقعًا البتة ! كان من المفترض أن أبدأ بعد عامٍ من الآن على الأقل !
ضربت "رين" جبهتها : كدتِ تموتين !
رفعت "سيرين" سبابتها اليُسرى : لكن الرائد أنقذني كالفارس بالزي اللامعة ! كان الأمر خياليًا وكأننا بِفيلمٍ ما ،فيلم أكشن بالطبع ! مُغادرين مُنتصرين بعد أن تم القبض على معظم أعضاء العِصابة وإذا فجأة بصوت رصاصة تأتي من -الله يعلم أين- تسمرت في مكاني كالتمثال وقد نسيت كل تدريبي ،ظننت أنني سأموت حتى شعرت بجسد يدفعني للأرض ،كان عليكِ رؤية وجهه !
قلدت صوته الغاضب : هل أنتِ غبية ؟!
- أشار بعدها للفرقة الثانية ليمسكوا بمُطلق النار ثم ارتخى كتفاه للخلف زافرًا براحة ، في الواقع لم أهتم به كثيرًا في هذه اللحظة فالوجع في فخذي كان لا يُحتمل لكنني لا استطيع البُكاء الآن وإلا سأبدو ضعيفة أمام هذا المغرور ، أنا لست طبيبة مع ذلك فقد خشيت أن أؤذي أنسجة فخذي أكثر إذا سِرت فأثرت الزَحف على الرُكبة السليمة حتى أصل لمكان التجمُع والذي كان قريبًا .
أغمضت "رين" عينيها : هذا مثير للشفقة !
حركت اللازوردية كفها بلا مُبالاة : أعلم ، شُكرًا لك !
تابعت قصتها : لم يكُن صبورًا ، حملني وبدأ بالسير ، دائمًا في الأفلام يُغشي على البطلة في تلك اللحظة لكن هذا ليس ما يحدُث في الحقيقة ! بحق الجحيم كنت مازلت مُستيقظة وهم يُخرجون الرصاصة من فخذي بالمشفى بعد أن خدروها ، كان منظرًا مقززًا ،كدت أتقيأ ، أتظنين أن هذه الوظيفة تُناسبني فعلًا ؟ بدأت أفقد ثِقتي ..
فاجئت الكستنائية صديقتها : هل هوَ وسيم ؟!
سَخِرت "سيرين" : من ؟ الرائِد ؟! نعم ، جدًا وقد وقعت في حُبه وأصبحنا مخطوبين الآن !
شَهِقت "رين" : تمزحين !
حركت الضابطة المُصابة يديها : بالطبع ! أنا أراه لأول مرة اليوم ولا أعلم اسمه حتى لذلك استمريت في مناداته ب"حضرة القائد" ولم يُحاوِل تصحيحي ولم أُرِد سؤاله عن اسمه كي لا أبدو مهتمة تعلمين !
ضَحِكت الكستنائية : أنتِ وتصرفاتك الطفولية تلك !
سَمِعتا دقًا على الباب لترد اللازوردية تلقائيًا : ادخل !
كان شابًا وسيمًا واسِع العينين ،بدت بنيته قوية تحت قميصه ،يحمل بيده باقة زهور بيضاء ملفوفةً بِغُلافٍ أزرق كعيني "سيرين" ، لم يكن مُبتسمًا ، كان عابسًا ، بدا كطفل أجبرته أمه على الاعتذار لطفلٍ أخر .
كانت عينا المعنية مُتوسعتان : حضرة الرائِد !
نقل باقة الزهور البيضاء إلى يده الأخرى بإحراج : آسِف لِنعتي إياكِ بالغبية !
تنحنحت "رين" وهىّ تقترب ضامة صديقتها بسُرعة لتهمس بأذنها : إحداهُن أصبحت محظوظة أخيرًا !
ابتعدت قليلًا لتنطق : لا أريد أن أتأخر !
كانت يد "سيرين" ممدودة بالهواء وكأنها تحاول أن توقفها لكن الأخرى لم تلتفت ، ابتسمت وهىّ تُغلِق الباب بعد نظرة أخيرة ، قد جلس "الأمير" على الكرسي مكانها لتتورد وجنتا اللازوردية مُعيدة خُصلة شعر سوداء خلف أذنها .
نطق بحنان في عينيه مادًا كفه : اسمي "جون"