الملك أوديب ورحلة البحث عن الذات - د. زياد الحكيم تعد مسرحية (الملك أوديب) للمسرحي الاغريقي سوفوكليس تحفة فريدة في الأدب العالمي، وربما تكون أهم مسرحية وصلت إلينا من التراجيديات الإغريقية. وصفها أرسطو بأنها بلغت حد الكمال. وكانت قد عرضت اول مرة عام 425 قبل الميلاد، وكانت أثينا قد عانت من الطاعون قبل ذلك التاريخ بسنوات.
تدور أحداث المسرحية في مدينة طيبة التي دمرتها كارثة مشابهة. يناشد أهالي المدينة الملك أوديب أن يعمل لإنقاذ مدينتهم من وباء الطاعون. ويكلف أوديب أخ زوجته كريون بالتوجه إلى المعبد لمعرفة نبوءة الإله ابولو. ويبلغ الملك أوديب أن الكارثة ستستمر إلى أن يقبض على قاتل الملك السابق ويقدم للمحاكمة. ويعلن أوديب انه لن يهدأ له بال حتى يقبض على القاتل الشرير ويعاقبه، غير مدرك انه هو القاتل نفسه. ويطالب العراف تايريسيوس بان يكشف عما يعرفه من أمر ما تواجهه المدينة. فيرفض العراف. ويستشيط أوديب غضبا. ويتهم العراف بأنه متآمر مع كريون لإزالته من الحكم. ويعلن تايريسيوس أن أوديب سيصاب بالهلع عندما يكتشف حقيقة أبيه وزوجته.
وتحاول جوكاستا، زوجة أوديب، أن تخفف عن زوجها بأن تقول له إن النبوءات لا أساس لها. وتقص عليه أن نبوءة ظهرت في الماضي البعيد بأن ابنها سيقتل أباه ويتزوجها. وقالت إنها صرفت هذا الابن بان طلبت من احد الخدم القضاء عليه منعا لتحقق النبوءة. وتحاول طمأنته بان النبوءة لم يتحقق منها شيء. ولا تدرك جوكاستا أنها فتحت بذلك بابا للحقيقة الرهيبة. يقول أوديب انه كان يظن انه ابن بوليبوبس وميروبي إلى أن أبلغه أحد السكارى أنه ابن أناس آخرين. فتوجه إلى معبد دلفي ليعرف حقيقة أبيه وأمه. ولكنه لم يتمكن من ذلك. بدلا من ذلك عرف انه سيقتل أباه ويتزوجه أمه. فأصيب بالهلع فيمم وجهه شطر كورينث. وعلى الطريق حدثت مواجهة مع رجل فقتله دون أن يعلم من هو.
وشيئا فشيئا تتكشف الحقيقة. يستدعى الخادم الذي طلبت منه جوكاستا أن يقتل ابنها. ويعترف الخادم في آخر الأمر بأنه لم يقتله عطفا عليه وانه أعطاه لرجل في منطقة نائية. ويكتشف أوديب الحقيقة الرهيبة بأنه كان هو ذلك الصبي وبانه قاتل أبيه وزوج أمه. فما كان منه إلا ان فقأ عينيه لئلا يتمكن من رؤية أبيه في العالم الآخر.
كان سوفوكليس قد أخذ القصة من أسطورة معروفة، فكثف ما فيها من خصائص اعتبرها رواد المسرح في عصره أثيرة لديهم مثل الشجاعة والاعتداد بالنفس والعدالة. وفي هذه المسرحية التي يقف فيها الإنسان مقابل القدر يستعمل سوفوكليس المفارقة الدرامية باللعب على الكلام التي يقوله أشخاص المسرحية ويفهم منه المتفرجون أكثر مما يفهم منه الأشخاص أنفسهم نظرا إلى أن المتفرجون يعرفون القصة.
ويقول أرسطو في كتابه (الشعر) إن مسرحية (الملك أوديب) هي مأساة نموذجية، ويحلل في كتابه الفن الدرامي والشخصيات فيها . يضاف إلى ذلك أن المسرحية نالت الكثير من الاهتمام في العصر الحديث على أيدي مثقفين أفذاذ من أمثال سيغموند فرويد الذي أثارت المسرحية فيه العديد من الأفكار المهمة إلى درجة أنها كانت وراء اكتشافه ما يسمى بعقدة أوديب. ومازالت المسرحية مثار إعجاب جمهور واسع من المشاهدين والدارسين.
تنطوي المسرحية على العديد من الأفكار والقضايا الفكرية والفلسفية. فهي تبحث في الأخطار التي يواجهها المرء في رحلته الطويلة على طريق البحث عن الذات. وتبحث في مشاعر الذنب والبراءة. وتكشف عن طبيعة القدر. ويقول النقاد انه ليس من مسرحية أخرى درست بشكل أفضل العلاقة ما بين شخصية الفرد وقدره. فحرص أوديب على البحث عن الذات وثقته التي لا تعرف الحدود بنفسه وسرعة غضبه – وكلها خصائص تتميز بها شخصيته – هي السبب وراء المواجهة مع قدره وهي الحافز في تحقق النبوءات.
كان سوفوكليس واحدا من أهم ثلاثة من التراجيديين الإغريق – الآخران هما أسكيليس ويوروبيديس. ولا يختلف النقاد في أن (الملك أوديب) هي رائعة سوفوكليس. وهم يركزون في أبحاثهم على تفسير المسرحية والتعليق على أفكارها وما تثيره من قضايا. تبحث فرانسيس فيرغسون، مثلا، في علاقة الجمهور بالمسرحية وتصوراته وتوقعاته. ويقول ايريك هافلوك إن الفترة التي وضعت فيها المسرحية تميزت بولادة أساليب جديدة في الكتابة المسرحية. ويقول درو غريفيث إن الجمهور القديم كان يختلف عن الجمهور الحديث في تفسير مفهوم الذنب. فأوديب لم يكن يعرف أن الرجل الذي قتله كان أباه، ومع ذلك فانه اعتبر مذنبا بقتل أبيه. ومهما يكن فان النقاد متفقون عموما على أن المسرحية تبين بشكل آسر دور السماء في حياة الإنسان وتحذر الإنسان من المغالاة في الاعتداد بنفسه.
وماتزال المسرحية تنقل إلى لغات العالم في ترجمات متجددة دائما، وتعرض في مختلف أنحاء المعمورة، وتثير من الاهتمام النقدي ما قل نظيره. انها بحق درة في المسرح العالمي. قصة امتعتني جدا فنقلتها لكم .. هايدووو ...
__________________ ماأصابك لم يكن ليخطئك ..وما أخطأك لم يكن ليصيبك |