الفصل الثاني عشر
صرخة جوليا صدحت بعد صوت إطلاق النار..لقد كان الأمر مرعب..مخيف.. جعلها تدفن رأسها في حضن ستيف المتجمد من بشاعة المنظر..يهتز جسده كما تهتز هي مرتعشة...بينما يسمعون صوت الحقير يأمر بأخذ الجثة..
لقد حدث الأمر في ثواني..عندما ضغط الرجل الزناد ولم تمر رصاصة..بل صوت وكأنه يحمل لعبة أطفال.. في الثانية الاخرى كان فريدو يرفع مسدسه ويصوب مباشرةً لرأس الرجل.. فيخر صريعاً في مشهد.. لن ينسياه أبداً..
خرجوا جميعاً.. وتبقت دماء الرجل..بكت جوليا والمشهد لا يفارق عقلها.. أما ستيف فقد هدوءه..فسألها بإنفعال "أريد توضيحاً الأن لما يحدث؟..ما صلة قرابتك بالتؤمين.. وكيف حدث الأمر؟..الأمر مربك.. هل أنتي.. قريبتي ايضاً..؟".
قال الأخيرة بصوت مهتز من الصدمة.. فنظرت له.. لا تتوقف عن البكاء.. قلبها يخفق بسرعة.. وشعوراً غريب يتسلل لها.. فتقول محاولة التحكم بصوتها " حدث..قبل سنوات.. عندما كانت أمي في عمر 23..بينما ذاك المجنون في عمر 27.. أمي كانت غنية.. أغراها بمشاعره المزيفة.. لتقع في حبه بسذاجة.. كان لديها أخ أكبر..رفض زواجها منه لانه كان يرى أنه غريب الأطوار.. كما قالت أمي في مذكراتها..لكنها عاندت وهربت معه وتزوجته.. وعندما حملت.. طلقها وزوجها لأحد رجاله.. والذي كنت أظنه والدي.. حتي.. حدث ذاك الحادث.. "
أخذت نفساً..وعادت تبكي وهي تكمل بألم لا يحتمل " مات خالي..فورثته أمي وزوجها. . لانه لم يكن متزوجاً ولم ينجب أطفالاً.. عشنا في بيته..وصرف بماله على اشياء تافهة وعلى حفلاته..وسبب كرهي للحفلات كان بسبب أنه في أحد المرات أجبرني أن أرتدي ملابس مهرج..وقدمني لأصدقاءه مهيناً إياي أمام الجميع..أتذكر جيداً أنني بكيت وأصوات ضحكهم تصليني وأنا أركض لغرفة أمي.. لاجدها تبكي..قلت لها لماذا أبي يكرهني لهذا الحد؟..فضمتني.. وبكينا تلك الليلة معاً حتى نمنا برغم الصخب الذي يصلنا من الأسفل.. "
نظرت لوجه ستيف المتأثر والغاضب جداً مما عانته على آيديهم جميعاً...فأردفت بشحوب" قبل ذلك امي بدأت تحسن علاقتها بقريبها الوحيد.. إبن عمها بارتن.. جدك.. قبل أن أولد تحديداً فترة حملها بي..في ذلك اليوم.. رأت أمي فريدو والذي كان خطيب عمتك ذلك الوقت.. والتي أصرت عليه بجنون حتى قبل عمي بارتن علي مضض.. بالرغم من سني عمرها التي لم تكمل السادسة عشر..ثم بدأ جنون أمي لتزور جدك شبه يومي في نفس ساعة قدومه..لكي تراه..وبعد أن عرفت بقرب زواجه منها.. أخبرت عمي بارتن بكل شيئ.. فثار غاضباً وطرد فريدو من المنزل رافضاً زواجه من إبنته. . وزوج العمة صوفيا بالأجبار بعدها بشهرين من العقيد الذي كان يكبرها بعشر سنوات..أنجبت منه تيا.. والي هنا تقف مذكرات أمي.. "
أخذت نفساً مجدداً وعادت تنظر لوجه ستيف الذي لم يكن مقروءاً بينما يفكر في كلامها بتركيز شديد " بارتن أخبرني بالباقي.. أن أمي وزوجها وقعت سيارتهم من الجبل.. وماتا.. لقد ظننت هذا.. حتي أخبرني فريدو عكس ما قاله بارتن.. أمي لم تكن في الحادث.. كانت معه إمرأة أخرى.. وماتا معاً في الحادث.. أمي كانت في المشفى بعد أن سأت حالتها.. وتم أختطافها من هناك.. و... وتعذيبها حتى الموت... "
ثم أنزلت رأسها تبكي بقهر.. وصوت صراخ والدتها وتوسلها لذاك الحقير المجنون مازال في أذنيها "أنا كنت في الثالثة عشر من عمري.. وكنت أدرس في مدرسة داخلية وضعني فيها ذلك الرجل الذي اعتقدته أبي وكنت اظن أنه من يصرف علي المدرسة ولكن الحقيقة ان عمي بارتن من فعل وأصر عليه ليقبل.. سعيداً بتخلصه مني.. لم أعرف أي شيئ.. سوى أنه لم يزرني أحد او يسأل علي.. حتى أتي بارتن وأنا في عمر الخامسة عشر وساعدني كثيراً في تخطي ألمي لفقدان أمي بعد أن عرفت بالامر من مديرة مدرستي قبلها.. عمتك صوفيا كانت تعرف كل هذا.. "
توقفت.. قال ستيف وشعور بالقلق ينتابه للوقت الطويل الذي لم يدخل في أحد أو يُسمع منهم شيئ.. "أعرف أن عمتي تزوجت بعد وفاة العقيد في ظروف غامضة..من فريدو.. ثم أنجبت التؤام منه وتركتهم لدى عمتي ماريا..لما برأيك تخلت عمتي عنهم وبقيت برغم معرفتها لكل هذا.. كل ذاك الوقت معه حتى ماتت غرقاً؟.."
" عمتك..لم تترك أطفالها لانها لا تريدهم.. لقد تركتهم.. لتحميهم"
نظرت للصدمة التي علت ملامح ستيف وهو يهتف مستنكراً " كيف ؟.."
تنهدت قائلة بهدوء " وضعت الطفلين عند أختها التؤام..وأخبرته أنهم سيبقون عندها فترة الصيف فقط..وصدقها في البداية.. حتى إستمع لتسجيل صوتي وضعه للهاتف دون أن تعلم..وهي تتحدث لاختها أن الطفلين يجب أن يكونا عندها لفترة طويلة.. وترجوها أن تضع حراسة عليهما..ولا تعطيهم لفريدو مهما حدث.. وأيضاً إمتلاكها لوثائق تدين فريدو في جرائم بشعة.. كانت صور قديمة وعمليات سطو وسرقة.. فقتلها بطريقة غير مباشرة.. اوهمها أنهم سيخرجون في رحلة على المركب.. ثم جعل المركب يغرق.. وقتلها.. بينما نجى هو بخطة مدروسة.. "
الصدمة شلته تماماً.. بينما يسأل بصوت خافت مذهول " كيف عرفتِ كل هذا؟.."
اطرقت تنظر للأرض بشرود " هو أخبرني.. مازال فرحاً بإنتصاراته.. ليخبرني بها متتالية..والشر لا يزال فيه يبحث عن أخرين ليحرقهم ايضاً ليزيد من لذة هذه الأنتصارات.. "
بقيا صامتين.. كلاً في أفكاره الخاصة يشرد.. حتى قال ستيف والهدوء من حوله يربكه " لقد مر وقت طويل ولم نسمع شيئاً.. أذهبي جوليا للباب وأرهفي السمع.. أنا متوجس من هذا الهدوء.."
أدركت جوليا أنها ليست مكبلة مثله وقد نسيوا فعل ذلك أو فعلوا عمداً..فوقفت وذهبت للباب لترهف السمع.. فلم تسمع شيئاً.. فأدارت المقبض في حركة عفوية فتحرك الباب وفُتح..فذهلا لينظرا لبعضهما بتسأل.. وتوجس..
"""''''''""""
قبل نصف ساعة..
بكت تينا وهي تستأمنه على أخويها..اللذين شاركا أختهم بكاءها وخوفها.. وعدها..ولكن قلبه كان خائفاً جداً وقلقاً مما قد يحدث..تحرك بالسيارة للموقع الذي بعثه إليهم فريدو في رسالة من رقم مجهول لم يتبينوا مكانه.. تشيعه النظرات الغاضبة والقلقة.. يذرعون المكان يبحث كلاً منهم عن حل لتوتره في تلك اللحظة دون جدوي.. والعجز ينسج خيوطه حولهم.
أوقف السيارة في المكان..وجال بنظريه في أرجاء الغابة القاتمة.. سأله آسو بإنبهار طفولي " خالي..ما هذا المكان؟.."
همس مارك داخله وهو يخرج من السيارة " لا تنبهر يا صغيري..فهذا المكان يحمل الثعالب أكثر من حيوانات لطيفة تلعب معها.. "
مرات دقائق طويلة.. وهو واقف قرب السيارة منتظراً.. خائفاً ولكن مطمأناً..ووقاره يبرز في رفعة رأسها ذي الشيب الواضح..منتظراً.. حتي..
حتى ضرب جسده طلق ناري.. صرخ على إثره والوجع ينخر في ذراعه بقوة.. هنا.. خرج عشرة رجال يرتدون ملابس عادية وملابس شرطة.. أحدهم صرخ قائلاً " إذهبوا للطرف الأخر بسرعة.. أحدكم يطلب الإسعاف.. "
كز مارك على اسنانه وهو يضغط في موضع جرحه النازف.. قائلاً بغضب " لقد كان فخاً..هؤلاء الرجال يعرفون اننا طلبنا الشرطة.. ايها الضابط أهتم بالطفلين قد يتم أخطافهم بشكل ما.. "
هز الضابط رأسه قائلاً بهدوء " أنهما مع أحد رجالنا لا تقلق.. "
مرت دقائق طويلة.. قبل أن يأتي أحد الرجال قائلاً بأنفعال وغضب " سيدي..لقد أخطف الطفلين..أحدهم تنكر في زي رجالنا وسار بهما حتي مكان سيارة كانت متوقفة بمحازاة الغابة.. رجالنا يتبعوهم الأن.. "
همس مارك والصدمة شلته " يا إلهي.. "
رن هاتفه فنظر لإسم والده.. ثم للفراغ قائلاً بخفوت ومرارة " ماذا أقول ؟.."
""""""""
"""""""""""
هب الشرطي واقفاً..وأمسك هاتفه ليتصل برئيسه قائلاً بلهجة عملية " الإشارة عادت لتظهر.. عرفنا أمكانهم.. إنهم في مستودع بقرب شارع (........)"
جرى الجميع للسيارات.. وأتصلوا بالدورية الأخرى...وما هي إلا 25دقائق حتى وصلوا..
تقدم الضابط من الرئيس بعد تفتيش المكان " سيدي.. عثرنا على رجلين مقتولين.. وغرفة بها سريرين فارغين وأصفاد معلقة بها.. وأثار دماء في الغرفة.. ولا أثر لاي أحد..ولم نبحث بعد في الكراج.. رجالنا يحاولون فتحه"
عقد الرجل حاجبيه قلقاً " لقد حصل المجرم علي ما يريده.. ماالذي يمنعه من قتلهما.. لندعو ألا يكون قد حدث هذا .."
""""""""
ما أحتاجته هو 15 دقيقة..
فما ان فتحت الباب رأت تلك القنبلة الموضوعة علي طاولة..ومكتوب علي عريضة كبيرة.."عليكِ الخروج من المكان والتوغل في الغابة حتي تجدين مصنع قديم..التؤمان معي.. إما أن تتخلي عنهما او عن ستيف.. إختاري.. "
أطبقت شفتيها بغضب.. ثم فكرت..وسارت تبحث في المبني.. لعلها تجد ما يفيد.. ووجدت.. كانت طائرة هليكوبتر كبيرة في كراج المبني..ففكرت..واتتها فكرة مجنونة..لكنها الوحيدة..
ركضت عائدة لستيف الذي جمد وجهه وقبل أن يسألها..أظهرت السكين في كفها.. وأقتربت منه.. تقول بتوتر " وجدت هذه في طبق.. ولم أجد أحداً.. لا أدري أين ذهبوا.. "
أقتربت منه وأدخلت السكين في مكان الأصفاد..قال ستيف بدهشة " هل تعرفين كيف تفعلينها ؟.."
أقتربت بوجهها منه وأرتفع حاجبها بشقاوة لذيذة.. وقالت " لستم أنتم وحدكم من تعلمتم هذه الخدع.. حرص جدك علي أن أتعلمها أيضاً.. لانها قد تفيد..وهاقد أتى الوقت المفيد.. "
أبتلع ريقه ووجهها القريب يوتر نبضاته..رأها تبتعد لتكمل عملها في 5 دقائق..تذكر أنها الساعة التي يحددها دائماً جده لهم ليفتحوا الأصفاد فيها..
وقف اخيراً.. وشعر بحاجة للمسها.. فأدخل يده في شعرها.. أحمرت..ويده تتوغل في شعرها وبدا.. محموماً..
قالت له بإرتباك "ستيف.. هيا قبل ان يعودوا.."
لم يكن يستمع لها يده أرتفعت لخصرها وقربها منه.. للتوسد صدره..همس بحرارة " يا إلهي.. أنا أحبك جداً جوليا.. جداً.. "
قالت بتوتر وخجل وهي تحاول إبعاده" ستيف.. لا وقت.."
تنهد وهو يتركها.. ثم قال محاولاً السيطرة علي تنفسه" حسناً هيا.. "
مدهش حقاً.. عندما خرجا لم يجدوا أي أحداً..ستيف أرتبك وهو ينظر حوله خارج المبنى حيث كانوا مخطفين ومقيدين..
أقترب من الغابة الهادئة.. تحدث لجوليا التي تتحرك خلفه " جوليا..أمسكي بيدي.. "
وقبل أن يدرك ما يجري.. تلقى ضربة قوية علي رأسه.. لم تكن قوية لتقتله.. بل بما يكفي لتفقده الوعي.. إستدار جاحظ العينين.. لينظر لوجهها الباكي المعتذر.. ثم يفقد الوعي وعينيه تقع علي العصا التي ضربته بها على رأسه..
""""""""
إنتهى