قصة كشف الوجه والكفين لاسماء بنت ابى بكر
قصة كشف الوجه والكفين لأسماء بنت ابى بكر الصديق
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم، حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة أصحاب السفور ليتخذوها دليلاً على كشف وجوه نساء المؤمنين، وإلى القارئ الكريم بيان حقيقة هذه القصة الواهية بجميع طرقها
أولاً المتن
رُوِيَ عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله ، وقال «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يُرَى منها إلا هذا وهذا»، وأشار إلى وجهه وكفيه اه
ثانيًا التخريج
هذه القصة أخرج حديثها الإمام أبو داود في «السنن» كتاب «اللباس»، باب «فيما تبدي المرأة من زينتها» قال حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي، ومؤمل بن الفضل الحراني قالا حدثنا الوليد عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن خالد، قال يعقوب ابن دريك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رِقاق القصة
وأخرج الحديث أيضًا الإمام البيهقي في «السنن الكبرى» قال أخبرنا أبو علي الروذباري، أنبأنا أبو بكر محمد بن بكر، حدثنا أبو داود، حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي، ومؤمل بن الفضل الحراني قالا حدثنا الوليد هو ابن مسلم
وأخرجه الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني في «الكامل في ضعفاء الرجال» قال حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبدوس، حدثنا موسى بن أيوب النصيبي، حدثنا الوليد
وأخرجه أيضًا الإمام البيهقي في «السنن» من طريق أبي أحمد بن عدي حيث قال «أخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبدوس »
ثالثًا التحقيق
أولاً هذا الحديث الذي جاءت به هذه القصة الواهية حديثٌ غريب
حيث قال الإمام ابن عدي في «الكامل» «ولا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير»
ثانيًا هذا الحديث الغريب مسلسل بالعلل
قال أبو داود في «السنن» عقب هذا الحديث«هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها»
قتادة هو ابن دِعامة السدوسي البصري، روى عن خالد بن دريك وغيره، وروى عنه سعيد بن بشير وغيره، كذا في «تهذيب الكمال» للإمام المزي
وقد أورده الإمام الحافظ ابن حجر في كتابه «طبقات المدلسين» في «المرتبة الثالثة» رقم قال «قتادة بن دعامة السدوسي البصري هو مشهور بالتدليس»
وهذه المرتبة الثالثة بيّنها الإمام الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه «طبقات المدلسين» قال «الثالثة من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع»
قلتُ وهذا الحديث لم يصرح فيه قتادة بالسماع، بل عنعن، فلا يقبل حديثه، وكذا في «الميزان» للإمام الذهبي
الوليد بن مسلم مدلس، وقد عنعن فلا يقبل حديثه، أورده الحافظ ابن حجر في «طبقات المدلسين» في الرابعة رقم
تلك المرتبة قال فيها الحافظ في المقدمة «الرابعة من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل»
سعيد بن بشير
أورده الحافظ ابن حجر في «التهذيب» ، ونقل أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه
أ قال ابن معين سعيد بن بشير ليس بشيء
ب وقال علي بن المديني كان ضعيفًا
ج وقال محمد بن عبد الله بن نمير منكر الحديث ليس بشيء ليس بقوي الحديث، يروي عن قتادة المنكرات
د وقال الساجي حَدَّث عن قتادة بمناكير
ه وقال الآجري عن أبي داود «ضعيف»
قُلْتُ وأورده الإمام ابن حبان في «المجروحين» قال «سعيد بن بشير كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يروي عن قتادة ما لا يتابع عليه» اه
وقال الحافظ العراقي في «شرح ألفيته» رقم
«من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك، وإن كان عدلًا» اه
قلت وبتطبيق هذه القاعدة على أقوال أئمة الجرح والتعديل التي أوردناها آنفًا نجد أن الحديث الذي جاءت به هذه القصة حديث متروك لا يصلح للمتابعات ولا الشواهد
وهذه العلة الخامسة «الاضطراب»
قال الإمام الحافظ ابن عدي في «الكامل» «ولا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير، وقال مرة فيه عن خالد بن دريك عن أم سلمة بدل عائشة» اه
قلت وبهذا يتبين أن القصة واهية بهذا الإسناد التالف من حديث عائشة
رابعًا شاهد تالف للقصة من حديث أسماء بنت عميس
المتن
رُوِي عن أسماء بنت عميس أنها قالت دخل رسول الله على عائشة وعندها أختها أسماء، وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام، فلما نظر إليها رسول الله قام فخرج، فقالت لها عائشة تَنَحَّيْ، فقد رأى رسول الله أمرًا كرهه، فتنحت، فدخل رسول الله ، فسألته عائشة رضي الله عنها لِمَ قام ؟ فقال «أولم تَرَيْ إلى هيئتها ؟ إنه ليس للمرأةِ المسلمةِ أن يبدو منها إلا هذا وهذا» وأخذ بكُميه فغطى بهما كفَّيه حتى لم يَبْدُ من كفيه إلا أصابعه، ونصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه
التخريج
هذا السند أيضًا الذي جاءت به هذه القصة الواهية
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» حدثنا أبو الزنباغ روح بن الفرج، حدثنا عمرو بن خالد الحراني، حدثنا ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه عن أسماء بنت عميس أنها قالت دخل رسول الله القصة
وأخرجه الإمام الطبراني أيضًا في «المعجم الأوسط» قال حدثنا موسى بن سهل، قال حدثنا محمد بن رمح، قال حدثنا ابن لهيعة، عن عياض بن عبد الله، به
وأخرجه الإمام البيهقي في «السنن الكبرى» قال أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا أبو عمران الجوني به
فائدة
قلت نلاحظ أن شيخ شيخ البيهقي اجتمع مع الطبراني في شيخه أبي عمران الجوني، فشيخ الطبراني في الأوسط هو موسى بن سهل، هو أبو عمران الجوني، حتى لا يظن من لا دراية له بالكنى أنهما اثنان
وقد جعله علماء هذا الفن نوعًا من أنواع علوم الحديث، ولذلك قال الإمام السيوطي في «التدريب»
النوع الخمسون في «الأسماء والكنى أي معرفة أسماء من اشتهر بكنيته، وكنى من اشتهر باسمه، وينبغي العناية بذلك لئلا يذكر مرة الراوي باسمه، ومرة بكنيته فينظمها من لا معرفة له رجلين» اه
قلت فيظن من لا معرفة له أن موسى بن سهل شيخ الطبراني متابع لأبي عمران الجوني عند البيهقي، فيتوهم أن الاسم والكنية رجلان
لذلك قال الإمام المزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة محمد بن رمح روى عنه موسى بن سهل بن عبد الحميد أبو عمران الجوني البصري
التحقيق
أ قصة كشف الوجه والكفين لأسماء بنت أبي بكر من حديث أسماء بنت عميس حديث غريب، حيث قال الإمام الطبراني في «الأوسط» «لا يُروى هذا الحديث عن أسماء بنت عميس إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة» اه
قلت وتفرد ابن لهيعة بتلك الرواية يجعلها رواية منكرة
وذلك لقول الإمام ابن الصلاح في «علوم الحديث» النوع الرابع عشر «معرفة المنكر من الحديث من الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده» اه
فالتفرد إنما يحتمل من الثقات الحفاظ لا من الضعفاء والمجروحين
ب قال الإمام ابن حبان في «المجروحين» عبد الله بن لهيعة كان يدلس عن الضعفاء قبل احتراق كتبه، ثم احترقت كتبه في سنة سبعين ومائة قبل موته بأربع سنين، وكان أصحابنا يقولون إن سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة فسماعهم صحيح، ومن سمع منه بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشيء» اه
وفي «الجرح والتعديل» قال عمرو بن علي الفلاس «عبد الله بن لهيعة، احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقرئ أصح من الذين كتبوا بعدما احترقت الكتب، وهو ضعيف الحديث»
قلت قوله «وهو ضعيف الحديث» أي أنه في نفسه ضعيف بصرف النظر عن الرواة عنه، ولذلك ضعف الإمام البيهقي هذا السند الذي جاءت به هذه القصة فقال في «السنن الكبرى» «إسناده ضعيف»، ولا يوجد في الصحيحين في مسند أسماء بنت عميس حديث واحد بهذا الإسناد، بل ولا في الكتب الستة
وبهذا يتبين أن حديث ابن لهيعة في قصة كشف الوجه واليدين حديث منكر، فهو حديث غريب فرد تفرد به ابن لهيعة ولا يروى إلا بهذا الإسناد كما بينا آنفًا من قول الإمام الطبراني في «الأوسط»
وقول الإمام الطبراني «لا يروى إلا بهذا الإسناد» يدل على أنه لا يروي أحد هذا الخبر عن عياض الفهري إلا ابن لهيعة، فلا يعرف له أصل من حديث عياض الفهري، كذلك لا يروي أحد هذا الخبر عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة غير عياض الفهري، وبهذا يتبين أن لا أصل له من حديث إبراهيم كذلك، ولا أصل له يعرف من حديث أبيه، ولا من حديث أسماء
غرابة حديث ابن لهيعة تدل على عدم اشتهار مخرجه، حيث إن مخرجه مدني يرويه إبراهيم بن عبيد عن أبيه وهما مدنيان، ومع هذا فلم يشتهر في المدينة، وإنما رواه إبراهيم بن عياض الفهري فقط، وهو مدني نزل مصر ولم يشتهر عن عياض أيضًا، وإنما تفرد به ابن لهيعة
ولم يروه عن ابن لهيعة إلا عمرو بن خالد الحراني ومحمد بن رمح وهما ليسا ممن كان يأخذ من أصول ابن لهيعة مثل العبادلة الثلاثة ولم يروه عنه واحد من هؤلاء العبادلة الثلاثة كما بينا آنفًا، وهذا ما بينه الإمام الطبراني في «المعجم الأوسط» وموضوعه الغرائب، وقد تقرر أن أغلب الاحاديث الغرائب مناكير وأخطاء
كما قال الإمام أحمد وغيره من أهل العلم، كذا في «تدريب الراوي»
فالحديث الذي جاءت به هذه القصة ضعيف جدًا لا يصلح للاعتبار والاستشهاد
خامسًا مرسل قتادة
أخرج أبو داود في «المراسيل» قال حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي صاحب المسند حدثنا هشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة، أن رسول الله قال «إن الجارية إذا حاضت لم يَصْلُح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل»
قُلْتُ نلاحظ أن هشاماً الدستوائي عن قتادة أن رسول الله قال
إسقاط خالد بن دريك وعائشة، فلا يمتنع أن يكون قتادة أسقط خالدًا وعائشة، وذكر الحديث مرسلاً، لأنه مدلس، فحينئذ يرجع إلى حديث خالد عن عائشة، والذي بينا أنه حديث واهٍ
مراسيل قتادة من أضعف المراسيل، قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» رقم «حدثنا أحمد بن سنان، قال كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا ويقول هو بمنزلة الريح ويقول هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه»
وفي «تهذيب الكمال» قال جرير عن مغيرة عن الشَّعبي «قتادة حاطب ليل»
وقال معتمر بن سليمان عن أبي عمرو بن العلاء «كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغث عليهما شيء يأخذان عن كل واحد» قلت وبهذا يسقط مرسل قتادة لأنه قد عرف عنه الرواية عن غير مقبول الرواية من مجهول ومجروح
وقتادة لم يكن من كبار التابعين ولا من الطبقة الوسطى من التابعين، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في «التقريب» ، وهذا يسقط مرسل قتادة أيضًا، ولا يصح له عاضد، فإن حديث سعيد بن بشير متروك لا يصلح للمتابعات ولا الشواهد، وكذلك حديث ابن لهيعة فهو ضعيف جدًا
سادسًا «حديث ابن جريج»
قال ابن جرير الطبري في «التفسير» «حدثنا القاسم، قال حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال قالت عائشة دَخَلَتْ عَلَيَّ ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مُزَيَّنة، فدخل النبي ، فأعرض، فقالت عائشة يا رسول الله، إنها ابنة أخي وجارية، فقال إذا عركت المرأة لم يحل أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا» وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى» اه
قلت وهذه رواية منكرة متنًا لكشف الذراع إلى النصف، ثم إن ابن جريج وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي قال فيه الحافظ ابن حجر في «التقريب» «كان يدلس ويرسل من السادسة»
والسادسة كما بين الحافظ في «مقدمة التقريب»«طبقة لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة» اه
قلت وبهذا يتبين أن هذا سند تالف، كما بين ذلك الإمام أحمد، حيث قال عبد الله بن أحمد في «العلل» «قال أبي وبعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذه، يعني قوله أخبرت وحدثت عن فلان» اه
وابن جريج لم يسمع من عائشة رضي الله عنها أصلاً، بل لم يدركها وروايته عنها معضلة، بل لم يثبت له لقاء أحد من الصحابة، كما بينا آنفًا، فهو ليس من التابعين، وإذا كان ابن جريج إذا دلس عن الزهري ويحيى بن سعيد وصفوان بن سليم أسقط بينهما ضعفاء وهلكى وأتى عنهم بأحاديث موضوعة، كما بينا من قول الإمام أحمد آنفًا، فكيف إذا روى عمن لم يسمع منه أصلاً كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإن أسقاطه للضعفاء والهلكى وإتيانه بالأباطيل والموضوعات يكون أكثر
بهذا التحقيق يتضح أن القصة واهية وليس لها شاهد معتبر، بل يزيد بعضها بعضًا وهنًا على وهن، وحفظ الله نساء المؤمنين، من افتراءات الضعفاء والمجروحين، والمجلة لا تتسع صفحاتها لبيان بحثنا «القول المبين لجمهور المفسرين بتغطيه وجوه نساء المؤمنين»
هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد
__________________ لا قرت اعين الجبناء |