[mark=#beeb6c]الفَصْلْ التَمْهِيدِي: لَمْ تَعُدْ أُسْطُورَة![/mark]
عندما تمتزج المفاهيم في خلطة سحرية، وتعرج العقول إلى ابطالها، عدم تصديقها ونكرانها تماما
تلك هي النقطة الأساسية، بؤرة بداية الولادة، عند تلك الحافة، المليئة بالتوتر، الخوف والرهبة، يسيطر
على العقل اشتباه واحد لا غير، لا يمكن الجزم في صحته.. وتخطيئه سيكون اجحافا، بل غباء مطلق.
في تلك اللحظة، ستتقرر أحقية الأمر، وعند تلك النقطة ستتولد الأسطورة التي تجمع متناقضين لا يجوز
تقليل صحة أحدهما على الأخر، فهناك حتما من يصدق في وجود ذلك المكان، العالم حيث يجتمع الأبطال
حول مأدبة لا نهاية لها، تحت أسقف مرصوفة بالدروع، ولمسها يعتبر تسلية للقاطنين فيها لشدة علوها.
لكن ما هو أكثر ابهارا من طرقها المتصلة بجسور من رماح، أو شلالات الدماء الحمراء التي تتفرع على طول
المكان وعرضه، أو حتى الزوار الوحشيون الذين لا يجدون أفضل من الصراع ببربرية كتمضية عادية للوقت
هم ساكنيها المتجسدين هنا، فأشكالهم شابهت البشر، لكنهم تميزوا عنهم.. بأكثر من طريقة.
التحام السيفين الذي دوى في ساحة التدريب أخرجها من أحلام يقظتها، وفجأة وباتزان. شدت الشقراء قبضتها
على مقبض السيف وهوت بكل براعة متقصدة نصل غريمها في ثوان قليلة عجز الأخر عن مواكبتها فيها.
وعلى النصل المنكسر المتطاير في الهواء انعكس وجهها الجامد المرتاح المبلل بالعرق. وبرضى تام أحست
بالراحة ذلك انّ توتر أعصابها وتفاجأها لسرحانه الذي لا يغتفر لم يظهر جليا على قسماتها.
تنهدت بهدوء وأعادت السيف إلى غمده، ثم أعطت بعض النصائح للجندي المتدرب قبل أن تترك الساحة
معلقة العينين في القمر الفضي العملاق الذي أضاء المكان من فوقها.
{ المشعوذون هم من يقودون المحاربين إلى عدنهم، جدتك تتساءل أيّ الجانبين ستختارين أنت..}
أخر كلمات جدتها عندما روت لها حكاية قبل النوم تلك في صغرها، لا تزال واضحة جلية، تتردد في إيقاع بطيء
في كينونتها، تستطيع تذكر كل كلمة، كل حركة، وعدد كل تجعيدة ظهرت على وجه جدتها، في تلك الليلة داخل غرفتها
الحجرية المربعة، منعزلتين في عالمها، تحت ضوء شموع الشمعدان الثلاثة.
وبعمق أكثر وأكثر غاصت في سراديب ذكرياتها التي تفيض وكما العادة بلا توقف. وبقوة مبالغ فيها، سحبت حبل البئر
الموجود بجانب ساحة التدريب ثم أمسكت بالدلو بقسوة، وكي تطفئ هيجانها، وعدم استقرارها الداخلي، ارتشفت
المياه بسرعة دفعة واحدة، فانسكب معظمها للخارج، أين تشربتهم الأرض الترابية الجافة.
-موجودون أو لا، الاساطير وجدت لتربكنا، ومهما نفى الناس وجودهم فهناك حقيقة واحدة أكيدة في عالم
الانس المتناقص هذا، هو أن السحر واللعنات موجودة. مشعوذ جيد، أو سيء، حقيقي أو مجرد وهم
ضغطت بقوة على شفتيها وهي تصرح بعزم في قرارة نفسها: ذلك لا شأن له بي، انا سأجد فردوسي
سأرتقي وأبدأ من ومع اللا شيء!
***
-كانت البداية من اللا شيء، فقط مع الفراغ المتثائب غينونغاغاب، لا سماء، لا تراب، لا خضرة
لا شيء سوى هاوية صامتة مظلمة، أحاطتها مجرات جليدية ومذنبات بركانية. وبعد ملايين السنين، حدث أن
التقت قطع جليد تسللت من المجرات مع ألسنة نيران المذنبات، ومع هسهسة ذوبان الجليد وطقطقة النيران
تشكلت كتلة ضخمة أحاطتها بيضة عملاقة من المياه. مع مرور الوقت وتحت تأثير الضغط تشوه شكلها
فتجلت كرتان مختلفتان في الحجم يربط بينهما نفق أفعواني. توقف عن الكلام وكأنه يبحث عن كلمات بسيطة
تستطيع عقولهم الرثة فهمها، ليردف بعدها بسلاسة وهو يطفو في الهواء: عالمان متناظران هما ما تشكلا، أكبرهما
هو عالم الانس مدغارد، أما الثاني فهو عالمنا فالهالا.
صمت مرة أخرى يتأمل وجوههم المتململة، ليقول بعد تنهيدة طويلة:وتقليصا لعدد المفاهيم التي تشرح ما نحن
قاطني فالهالا نكون عليه أبقيت ثلاثة رئيسية: نحن من تخطينا الإنس، نحن من نساعد الإنس ونحن من نتغذى
على موت الإنس.
-نحن بالفعل نعلم كل هذا أيها القزم. تمتم بكلماته بلا اهتمام، ليقف بعدها بقوة ملتفتا ومشيرا إلى رفيقه الأشقر الجالس
في أبعد بقعة عنه: هيا لنتقاتل، بلايك. امتعضت معالم أزرق العينين، وتمازجت الألوان على وجهه الممتقع انزعاجا
ليتنهد: لا أريد أيها المخبول! أيها الرئيس ابعده عني. طلب العون باستخفاف وهو يمسد جبهته. ليتنهد من اصطبغت
بعض خصلاته السوداء بلون أخضر قبل أن يفرقع أصابعه، فانبثقت من الأرض جذور خضراء تمايلت كثعابين
حية ملتفة حول شيكي الذي ظل يقاوم باستماتة وهو يصرخ بأنه سيقتل جميع من يتجرأ على الوقوف أمامه وخصمه
المقدر الذي ظل مكانه يراقب بتعب وانزعاج.
جلس ماجي فوق مكتبه الخشبي، ساقا على ساق، محدقا بأسى في وجه أحمر العينين والشعر الذي
فقد عقله بالكامل، أشار بإصبعه السبابة، فتحرك النبات بطاعة جاذبا معه شيكي الذي لا يزال يحاول فك أسره.
كتف قصير القامة ذراعيه وهو يقول بحدة: ألا تزال مخبولا كحالك قبل عشر سنوات؟
-وانت لا تزال قصيرا كما كنت قبل عقد من الزمن. أجابه، وهو لا يزال يتمايل لعله يتمكن من قطع الأفرع.
صر ماجي على أسنانه محاولا كبح جام غضبه، فزاد ضغط النبات على جسد شيكي.
-كيف تجرأ على جعلي أتألم أيها الشيء اللعين؟ سأله، محدقا نحوه بازدراء، ثم انقض عليه جاذبا خصلات شعره.
صرخ ماجي بألم، ومد يده نحو رأس شيكي الدموي وسحب خصلات شعره بقوة، ليتحول عقاب المعلم إلى
شجار بين طفليين صغيرين غبيين.
-عليك أن تتعلم الآداب أيها المخبول.
-لا أسمح لعقلة إصبع أن يأمرني!
-من عقلة الإصبع؟
-أنت!
-بل أنت
-كلا، انت.
تقاذفا الحديث بينما يجذبان خصلات وملابس بعضهما، ليقوم شيكي بقطع دور ماجي عندما أبعده بقدمه محدقا فيه
بسخرية. أغمض عينيه وضحك على نحو عجيب فخورا بنفسه.
-ما رأيك بلايك؟ أنا على حق صحيح؟ لم ينل أيّ إجابة، فالتفت مقطبا ليجد مكان خصمه فارغا!
أظلمت معالمه، حين جال بنظره في الغرفة المربعة الخضراء الصغيرة ولم يجده، ثم فجأة، ارتخت عضلاته وسكن نظره
على الشخص القابع في ثالث طاولة موجودة في الغرفة، فارغ المعالم ضائعا في خياله، وبحركة خبيرة
على نحو سريع رمى عليه حذائه بقوة، فاصطدم بجبهته تاركا بقعة حمراء ساخنة. تفحص باهت النظرات الحذاء
الذي استقر على طاولته الخشبية المربعة، قبل أن تستقر نظراته الضائعة المتسائلة على شيكي.
صر أحمر الشعر على أسنانه، وجذب شعر ماجي الطويل إلى الخلف بقوة مبعدا إياه عنه، قبل أن يعيد
اهتمامه إلى غولم: أين ذهب عزيزي بلايك؟
حدق فيه رمادي العينين بسكون لثوان، ليتكلم بعدها بصوت كسول متعب: هرب قبل مدة.
-إلى أين؟!
حك غولم شعره وبقي صامتا لبعض الوقت يتأمل معالم شيكي الصارخة، وملابسه المتناسقة الملكية التي
يعلوها معطف أبيض مطرز بالذهب. ومع رنين شبيه بزقزقة العصافير تنبهت أحاسيسه الضائعة، وعاد إلى واقعه
أمام الوحش الدموي التي ينتظر إجابته، تنهد بقلة حيلة ثم قال: أعتقد أنه ذهبــ.. إلا أنّ إجابته قد شنقتها حركة ماجي
السريعة حينما أفلت من القدم التي تضغط على بطنه، وارتمى على شعر شيكي يجدبه بكلتا يديه: اترك غولم وشأنه
ستعديه بغبائك! أيها الهمجي الذي لا عقل له.
تصلب جسد شيكي، من دون أيّة ردة فعل. وغريزيا أرخى ماجي قبضته وقد توتر جسده. فجأة.
توهجت عينا شيكي بلون احمر فاتح، وسكنت قسماته، فرفع غولم حاجبه مندهشا وبسرعة اختفى في سحابة
ضباب رمادية من الغرفة التي امتلأت بدوائر سحرية قرمزية، والتي سرعان ما سببت انفجارا مهولا نسف هدوء المكان.
ومن دون اهتماما لما سببه قفز شيكي من بين الحطام مفجرا كل ما يقترب من لمسه ثم اختفى وسط سحابة عملاقة
من الغبار.
ومن وسط التجمع الغفير، انسل ماجي متمتما لنفسه بانزعاج، لاعنا شيكي بكل جوارحه، وبجانبه سار غولم
ينظر إلى السماء البيضاء الشاسعة هائم المعالم.
-ألا يمكنك على الأقل أن تسألني عن حالي؟
حدق فيه، في ملابسه المتجانسة ما بين أخضر عشبي وبنفسجي، بتطريزها الشبيه بالملابس العثمانية والتي أصبحت
ممزقة في حالة يرثى لها، ليجيبه ببساطة: شيكي قوي لكن غير متمرس، سيلحق العار بك ان تأذيت بشدة بسببه.
-يا رجل هذا هو الأسوء، لقد انطلق من بين الحطام كالصاروخ.
-الأمر لا يهم، فكرة اليشم تقرر وجهتنا بعد كل شيء.
-ذلك الفتى مجنون، حتى لو أرسل إلى أبعد مكان عن بلايك، فسيجد طريقة لعمل المشاكل.. إنه الأسوء.
-من الممتع مراقبته.
ركل ماجي قطعة حطب مدورة صغيرة بصمت، ثم التفت بسرعة إلى رفيقه يدقق فيه بعيون شبه مغمضة
-أنت تكرهني صحيح غولم؟
رفع غولم حاجبه باستغراب، وحرك كتفيه بلا اهتمام: ليس فعلا.
-إذن أنت تحبني؟ سأله بمكر، وابتسامة الانتصار بادية على وجهه وقبل أن يعلق غولم بادر إلى الحديث
-بعيدا عن هذا الموضوع إنك في حالة مزرية، وأنا لا أقصد بها ملابسك الكئيبة الشبيهة بالرعاع أو أقراطك
الفضية المستديرة. أنظر لهذه الهالات السوداء تحت عينيك! ألا تنظر أبدا إلى المرآة؟
تنهد وهو يحرك رأسه بتعب، ليردف بنوع من الانهيار: طبعا ألا تنظر، هل تعرف حتى ما هي المرايا؟
أكمل حديثه بعدها بنبرة جدية:على أي حال، أعبر الجسر الثالث، ستجد المعبد الخشبي يتربع فوق الجبل
الأبيض وداخل غرفته الواحدة اتجه إلى كرة اليشم فهي ستنقلك إلى وجهتك.
-أنا أعلم المكان لا داعي لكل هذه التفصيلات، و.. أيجب عليّ حقا الذهاب، أنا لا أريد.
التفت ماجي عنه موليا إياه ظهره، وقال بابتسامة حين لوح مودعا: هذا غريب، فغولم لا يحب ولا يكره. حظا
طيبا يا رفيقي.
{المراقبة لا تعني المشاركة في الأمر ماجي...} فكر. ثم اختفى ليظهر أمام المعبد الخشبي في قمة الجبل
وبإكراه سار ناحية الكرة العملاقة الخضراء، وتلمسها، فظهرت على يده علامة شبيهة بوجه تنين، وعلى الكرة
بانت قرية صغيرة، بيوتها الخشبية متباعدة، وفلاحيها البسطاء.
{لتكن مهمتي سهلة} دعا وهو يقفز داخل الكرة التي تحولت إلى نفق أفعواني بدا وكأن لا نهاية له..
هاي مينا سان، كيفكم؟
ان شاء الله طيبين وما تشتكون من شيء
الرواية مشاركتي في مسابقة ميار ولولو
فقررت أخليها بعيدة عن المعتادة، فالحبكة رح تكون
بسيطة، وعلاقة الشخصيات مش متشابكة لدرجة رهيبة
والأسلوب وكما هو واضح كسول وغير متعوب عليه.
فبما أني شخص يحب تكبير الأمور وطول الوقت أفكاري
البسيطة تصير جموع أفكار.. لقيت أنو الرواية دي رح تكون
متنفس، أبسط شيء كتبته
دمتم بود [/ALIGN]