عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-03-2006, 01:19 AM
 
آثر على نفسه...فأكرمه الله

وضاعت لفافة اللحم !!



















استيقظ من نومه لصلاة الفجر‏..‏ توضأ وأيقظ أم الأولاد لتعد إفطاره وكوب الشاي المضبوط ولقيمات يقمن أوده أثناء النهار خلال مناوبته الصباحية في مصنع الحديد والصلب‏..‏ لا تعرف الشكوى طريقا لقلبه بالرغم من ضيق الحال‏،‏ فهو في المنطقة الوسطى بين الستر والفقر‏..‏ أربعة أبناء هم نور حياته وزهرة عمره‏..‏ يكفيه النظر إليهم ليشبع‏..‏ والاستماع إلى ضحكاتهم تملأ البيت الصغير ليرتوي‏..‏ زوجته من النساء اللائي يصدق عليهن الحديث الشريف "إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه"..‏ سيدة من أسرة طيبة اكتفت من التعليم بفك الخط‏..‏ نظيفة حتى بأقل القليل مما تملكه من ملابس‏..‏ بيتها تفوح منه رائحة الصابون العطرة والأكلات الطيبة‏..‏ لا يعرف اللحم طريقه إلى بيتهم إلا مرة ليلة كل خميس بينما تتفنن الأم طوال أيام الأسبوع في إعداد الوجبات البديلة الرخيصة والشهية في آن واحد‏..‏ الأب في المصنع أمام الفرن الكبير يصهر الحديد وينصهر معه يوما بعد يوم‏..‏ يعمل طوال مناوبته بجد وإخلاص ولا يستريح إلا للصلاة‏..‏ لم يغب عن عمله يوما واحدا فهو دائما حاضر‏،‏ لا يدعي المرض ولا التعب المفاجئ‏..‏

يغتسل بعد انتهاء العمل ويرتدي ملابسه النظيفة التي تعدها زوجته بمهارتها وعنايتها الفائقة به وبمظهره رغم رقة حالهما‏..‏ لا يستدين من أحد ولكنه دائما يهب لنجدة معارفه وأصدقائه وجيرانه من جنيهاته القليلة المعدودة‏..‏ محبوب من الجميع‏..‏ هادئ الطباع‏..‏ خجول‏..‏ يعرف معنى الحفاظ على العهد وحرمة لقمة العيش‏..‏ يعود إلى بيته كالطائر الملهوف ويستقبله أبناؤه بالصياح والعناق والقبلات‏..‏

اليوم ليلة الخميس‏..‏ سيعود إليهم محملا بلفائف اللحم ليتناولوا عشاءهم الأسبوعي ويخططون معا لنزهة يوم الجمعة‏..‏ أعد له العامل الشواء وحمل لفائفه سعيدا فرحا‏..‏ تخيل ابنته الصغرى ذات الأعوام الخمسة وهي تحتضن ساقيه بينما إخوتها يهرعون إليه يحملون أكياس ولفائف الطعام ويسارعون بإعداد المائدة بفرحة غامرة‏..‏ أراد اختصار الطريق فقرر المرور بشارع جانبي مظلم دائما لا يعرف النور له سبيلا صيفا أو شتاء‏..‏ سار بضع خطوات وتوقف مرتعشا من شبح ينبش في الظلام بصندوق القمامة‏..‏ دقق النظر فوجدها عجوزا متهالكة تبحث عما تسد به جوعها بين المخلفات‏..‏ رق قلبه لمظهرها البائس‏..‏ طرد من مخيلته صورة أبنائه الذين ينتظرون عودته بفارغ الصبر ودون تفكير مد يده بلفة الطعام ووضعها بين يديها‏..‏ سار في طريقه‏..‏ ظل الشارع مظلما على حاله إلا من عينيها اللتين أشرقتا بالدموع‏،‏ وقلبه الذي فاض بالرحمة‏.‏

وصل إلى بيته متوجسا من خيبة أمل الصغار‏..‏ فتحوا الباب وهم يتصايحون بسعادة‏..‏ جذبته ابنته الصغرى لمائدة الطعام‏..‏ وجد مائدة عامرة بكل أنواع اللحوم والطيور‏..‏ نظر إلى زوجته مندهشا‏..‏ بادرته قائله‏: "ياخويا‏..‏ ده رزق ربنا بعتهولنا‏..‏ أم محمود عملت ليلة لله علشان ابنها نجح في الثانوية العامة‏..‏ عقبال أولادنا‏..‏ قادر يا كريم‏".



__________________
عاشركريماً اذا جار الزمان يجود