همست الروح " وصلنا "
تنهدت إيليا عندما توقفت أمام الباب المطلوب " ماذا يأتيني من وراءكم ! "
أخذت نفساً عميقاً لتكمل " حان دوركِ "
فتحت الباب وأغلقته خلفها حتى لا يقاطعها أحد ناثرةً حوله القليل من سحر أنفاسها الثلجية
التفتت ناحيتهم ؛ المذنبين عائلة هايستون هؤلاء إن لم تضع حداً له سيقضي عليهم تيم ما إن يصلوا إلى الخارج ..
خمس أفراد منشغلين بالتجهز ، رجل كان أصغرهم كما لو في أواخر الثلاثين يقرأ الخطاب للمرة الأخيرة كـ تحضير منسجم في أسطره
نطقت بإسمه " موريس "
ثم حولت عيناها إلى إمرأة وقورة طويلة القامة ونحيلة بشعر مصبوغ تعيش عمرها خافية التجاعيد الخفيفة رغم انها بمنتصف الأربعين تعطي الجميع ظهرها
" مارلين "
ثم إلى الاختين اللواتي تجلسن قرب بعضهن في استجمام وتحضر للمسة الأخيرة من المكياج لكبار السن !
لا يتبين منهم سوى تصفيفات شعرهن الأسود
" ڤيرونكا و سونيا "
التفت إليها بإستغراب كل من نادته ما عدا ذاك الأخير الذي كان جالساً يراقبها منذ ان دخلت وهو أكبرهم بعيونه الزرقاء التي لن تنساها ابداً
" وريكارد اللعين ؛ لقد غيرتك التجاعيد قليلاً ولكن لن أتوه عنك "
الجميع كان بفكره من هذه الشابة التي تنادي بأسماءهم دون أي ألقاب او احترام !
" لم أرى أفراد هايستون مجتمعين هكذا منذ وفاتي "
انهت كلامها وهي تتحرك ناحية الطاولة لتركن قناع العينين عليها كاشفة عن غرابة عيناها التي تختلف عن آخر تلبس لها فهذه المرة ليست كلتاهما حمراء اللون بل اليسرى خضراء كما عين إيليا والأخرى حمراء العدسة كما لو انه اندماج الروح مع صحو كلتاهما ، هذه أكبر تقنية أرهبتهم
فرقعت أصبعيها لتغمض الرؤية عن الكاميرا في زاوية الغرفة
" نستطيع الأن ان نتكلم "
سونيا : ماذا يحصل هنا !!
موريس : من تكونين ؟
دلكت إيليا جبينها بأرق تنطق بصوتها
" سيطول شرح هذا "
قالت ڤيرونكا وقد بان عليها التردد في صوتها " ماذا يعني منذ وفاتي ؟ "
هزت إيليا رأسها لتتخذ الروح الكلام مجدداً من داخلها
" لقد احترق جسدي فعلاً لا أنكر ذلك ؛ ولكن هل أحترقت من ذاكرتكم أيضاً ؟ أنا ... انجيلا ، روح انجيلا زوجة أخيكم المتوفي ، لدي ما أقوله لكم "
شهقت مارلين ، وقال ريكارد:
- هذا مستحيل أنتي ميتة.
بعدما انها قوله وجد الكرسي الذي يجلس عليه يرتفع قليلاً عن الأرض حاول النهوض بإرتباك ولكن يجد جسده مثبتاً لا يقوى على تحريك إصبع ، وأكمل الكرسي ارتفاعه مع كل كلمة تنطقها إيليا
" صحيح لقد تأكدت من هذا بعينيك حينما احرقت هذا القصر بنا وهرولت عند اختيك ليخفوا اثار الوقود عنك "
" وثم ماذا ؟ "
ضغطت على اسنانها بقهر وهي ترفع الكرسي به أكثر حتى وصل إلى السقف
" أخذت طفلي ووضعته عبداً عند بحار ظناً منك انه من المستحيل ان يعود حياً حتى لا يكون هناك وريث "
أرخت يدها بغضب راغبةً في رؤيته يهوي من ارتفاعه ويتحطم أمام ناظريها
ولكن تدخلت إيليا باللحظة الأخيرة في إيقاف اصطدامه بالأرض
همست إيليا " لم آتي لقتل أحد ، إهدأي. "
كان ريكارد شاحب اللون ولكن لم يفتح فمه في كلمة ، ظن بأن الموت قد لامسه ولم يستوعب ما حدث بينما البقية كانوا واقفين بدهشة وذعر
موريس : يعني هذا بأنكم ...
قاطعته مارلين : لما لا يشرح أحد ما يحدث هنا
نظرت روح انجيلا إليهما تشرح ببرود
" لقد كنتما صغيران عند الحادثة ؛ يتوجب على هؤلاء الثلاثة إخباركما بسرهم المدفون "
حولت مارلين وموريس أنظارهما ناحية المتهمين اللذين لم يجدوا كلمة يدافعون بها عن أنفسهم وعلى ما يبدو بأنهما في صدمة عارمة بسبب الاحداث الغير متوقعة التي صادفت يومهم
نطقت سونيا بوقاحة تصطنع القوة
" مالذي تتفوهين به أيتها المشعوذة ؟ "
ضحكت روح انجيلا لتجيبها فوراً
" ما سأتفوه به أيضاً يا عزيزتي هو خيانتكِ لزوجك مع مدرب الخيل خاصتكِ .. تعشقين شاب بعمر أولادكِ ، ولو علم أحد ماذا سيكون مصيرك ؟ "
وبما ان ريكارد الذي تشتهي قتله لا يزيحه نظره عنها حولت الحديث إليه قائلة " استطيع إحضار ادلة لتسببك الحريق ومقتلنا وتشردي ولدي ، واستطيع ايضاً دخول جسد المدعي ثم القاضي ثم الوزير العام واحكم بك إما سجن مؤبد أو إعدام شنقاً ! "
وضعت يدها اسفل ذقنها تفكر ملياً ونظرها بعيد وما دام صمتها ثواني حتى عادت تقول
" صحيح هذا لا يحتاج حتى لجلب آدلة عن دفنك لعمال شركتك خلسة .. أولئك اللذين قتلوا بتسرت الغاز السام المخزن عندك ، وما زال يوجد ضحايا إلى هذا اليوم "
ابتلع ريقه الجاف كما جفت الدماء في عروقه من معرفتها لكل هذا ، ومصيبتهم بأنها ليست حية حتى يقتلوها او يتخلصوا منها .. إنها لعنة قائمة على حياتهم وتنذر بتدميرها
هرولت ڤيرونكا سريعاً ناحية الباب خوفاً من ان يأتي دورها ، ولكن قُفل الباب كان مجمد كما لو ان عاصفة ثلجية سيطرت عليه
التفتت بذعر تصرخ
" لما روحكِ هنا ؟ لما جئتِ في هذا اليوم ! ماذا تريدين ؟ "
أمسكت إيليا قبعتها تداعب اطرافها وهي تنطق بصوت روح انجيلا
" طفلي الغالي لقد دخل قصره اليوم ، إنه هناك في قاعة الاحتفالات ؛ تعلمون ما المطلوب منكم صحيح ؟ "
تكلمت مارلين اخيراً بتلهف بعدما كانت تراقب جانباً لمدة طويلة وهي تشير لنفسها بتأكيد
- انا سأعتني به ، سأضمن عودة جميع أملاكه له .. سألبي كل ما يحتاجه.
تكلم موريس يوافقها " انا سأفعل ذلك ايضاً "
أعادت القناع عينيها تخفي اختلافهما
امام الانظار اللذين يخشوا أي حركة مفاجئة منها
" إن لم يستلم تيم القصر هذه الليلة تأكدوا بأني سأكون هنا غداً وبعده ولطيلة حياتكم .. لعنة لا تفارقكم. "
جحظت عيون الجميع لكمية البرود وجدية التهديد في صوتها ؛ تحركت ناحية الباب وأذابت ما عليه لتفتحه وقبل ان تهم بالذهاب أعطت إنذارها الأخير ..
" ريكارد إياك ومحاولة إيذاء تيم ، وإلا سأجعل أحشاءك تزين جدران القصر ، وتذكر لا شيء يقتل الموتى. "
|