تزوج محمد بن هارون الرشيد لبانة بنت زيطة بن علي, وكانت من أجمل النساء, فقتل محمد عنها ولم يبن بها, فقالت ترثيه:
أبكيك لا للنعيم والأنس=بل للمعالي والرمح والفرس
يا فارسا بالعراء مطرحا=خانته قواده مع الفرس
أبكي على سيد فجعت به=أرملني قبل ليلة العرس
وقالت أعرابية ترثي زوجها:
كنا كغصنين في جرثومة بسقا=حينا على خير ما تنمى به الشجر
حتى إذا قيل طالت فروعهما=وطاب قنواهما واستمطر الثمر
أخنى على واحد ريب الزمان وما=يبقى الزمان على شيء ولا يذر
كنا كأنجم ليل بينهما قمر=يجلو الدجى فهوى بينهما قمر
قال الأصمعي: دخلت بعض مقابر الأعراب ومعي صاحب لي, فإذا جارية على قبر كأنها لؤلؤة وعليها من الحلي والحلل ما لم أر مثله, وهي تبكي بعين غزيرة وصوت شجي, فالتفت إلى صاحبي فقلت: هل رأيت أعجب من هذه؟ قال: لا والله ولا أحسبني أراه.
ثم قلت لها: ياهذه إني أراك حزينة وما عليك زي الحزن؟ فأنشأت تقول: فإن تسألاني فيم حزني فإنني=رهينة هذا القبر يا فتيان
وإني لأستجيبه والترب بيننا=كما كنت أستجيبه حين يراني
أهابك إجلالا وإن كنت في الثرى مخافة يوم أن يسؤك لساني
ثم اندفعت في البكاء وجعلت تقول:
يا صاحب القبر يا من كان ينعم بي=بالا ويكثر في الدنيا مواساتي
قد زرت قبرك في حلي وفي حلل=كأنني لست من أهل المصيبات
أردت آتيك فيما كنت أعرفه=أن قد تسر به من بعض هيأتـــــــــي
فمن رأني رأى عبرة مولهة=عجيبة الزي تبكي بين أموات
وقد رأى رجل بصحراء جارية قد ألصقت خدها بقبر وهي تبكي وتقول:
خدي تقيك خشونة اللحد=وقليلة لك سيدي خدي
يا ساكن القبر الذي بوفاته=عميت علي مسالك الرشد
إسمع أبثك علتي فلعلني=أطفي بدلك حرقة الوجد