كانت تقف أمام المدير بإستقامة وهو يشرح للفريق الخطة الجديدة التي سيعملون على بثها من خلال محطتهم تركز بحماس إلى الجزء الذي سيصل إليها أين ستذهب وعلى من تتجسس ومع من تجري المقابلة التفت المدير إليها وكأن دورها قد حان لإستلام مهمتها ، عيناه البنيتان مصوبتان نحوها حرك فاهه يتكلم ... ولكن ولسبب ما لم يعد يصدر أي صوت من حولها او بالأحرى ان الموسيقى التي تجول حولها قد أخذت كل تركيزها واخذ بصرها نحو النافذة حيث حبة الثلج الألماسية تتساقط ببطء البرد قد لفح قلبها وشرودها بات طويلاً حتى انها لم تسمع مناداة المدير لإسمها تكراراً إلا متأخراً نظرت له تشعر بالضياع مما جعل القلق يطغي على ملامحه سكب زميلها بعض الماء يقدمه لها " مَي " - ناداها بهدوء - تمتمت لنفسها " انه هنا حتماً " تجاهلت كل من يناديها وخرجت من المكتب سريعاً ، أخذت طريق السلالم ركضاً وتجاوزت الطوابق المهجورة حتى وصلت إلى السقف تلتفت حولها وتبحث بنظرها هنا وهناك " انت هنا صحيح ؟ " " لن أخبر أحداً انك اتيت ، اظهر رجاءاً " أيضاً لا يوجد استجابة ولا احد حولها ، خلعت وشاحها ولفته حول عينيها تنادي " هكذا لن استطيع رؤيتك لذا هل يمكنك الظهور وسماعي ؟ " أخذت نفساً مرتجفاً وأكملت : " انت لا تظهر إلا عندما أغمض عيناي .. على الرغم ان ذلك كان منذ زمن بعيد " " ولكن لما اختفيت فجأةً ؟ أو لما لا أستطيع تذكر أي شيء ؟ " " لما يقول جدي عني أنني مجنونة وان كل شيء يخصك قد احترق ؟ " " لما لم تعد تظهر بعد طقوس يوم ميلادي ؟ انت لم تفتعل شيئاً متهوراً يجعل جدنا ينفيك صحيح ؟" لم تتلقى إجابة على أي سؤال لها وكأنها وحدها تتمتم كالمجنونة ، ولم تشعر بأي حركة حولها " هل انت حقيقي حقاً ؟ " يأست بعد سؤالها الأخير ، قررت ان تخلع الوشاح وتغادر السطح ولكن عندما حركت ذراعها لامست شيئاً أمامها لتتجمد مكانها لثواني ! حركت أناملها تتحسس ما أمامها إنها سترة لشخص ما " انت ... هنا " أتاها همسه القريب " فرشاتي أسقطتها .. في بئر الحديقة " " وجدائلي الشقراء عبث بها الهواء " نطقت بتردد :- هذه الأغنية ... مألوفة لي " من بعيد تناديني أمي إلى العشاء " - امي ؟ صمت عن ترديد الكلمات يراقب دوامة الذكريات امامها ، الدوامة التي تبعثر عقلها وتبحث عن الجزء المفقود تراجعت خطواتها بتردد وأكملت له ببطء " تاه الطريق عن منزلي .. من بعيد تناديني أمي .. " تتالى إلى ذهنها ذكريات ، حفلٌ وقالب حلوى في الغرفة الدافئة ثم صوته " جدي قد طلبني الأن " " سأعود انتظريني حسناً ؟ " نار .. دماء .. واجنحة سوداء في السماء " تنين ؟ " تهاوى الوشاح عن عينيها وتجد المكان خالٍ حولها ، وكأنها وقفت مع الماضي لبضع ثوانٍ لقد كان هنا وسمعت صوته واستطاعت لمسه .. ولكن لما يختفي الأمر وكأنه وهماً !
التعديل الأخير تم بواسطة مَنفىّ ❝ ; 01-26-2019 الساعة 12:48 PM |