ضحك لؤي بصوت عال ثم نظر لحسناء بسخرية قائلا:
- هكذا اذا... التقى خطيبك السابق بخطيبك الحالي و... حدث ما حدث
نظرت اليه بضيق وقالت معترضة:
- كف عن ضحكك هذا فالامر ليس مسليا
- حسنا... وماذا تريدين مني؟ لا اظنك تريدين ان اتحدث لشادي ليتناسى ما حدث
- لن يحدث ذلك ابدا... في الواقع لقد قررت الانفصال عنه كليا...
نظر اليها لؤي مليا ثم نكس نظره متفكرا وقال بجدية:
- اذا؟
- ماذا؟
- ما الخطوة التالية؟
اخفضت كتفاها بيأس لتقول بشيء من البؤس:
- وما ادراني... فكما ترى حظي في هذه الامور عثر جدا
نظر اليها لؤي مترثبا وعندما وجدها اكتفت بتلك الجملة تنهد ليعدل جلسته وقال:
- حسنا... اظن ان... الوقت قد حان اخيرا...
نظرت اليه مستفسرة باستغراب فقال:
- تعلمين... اننا نحب بعضنا منذ كنا اطفالا...
تلألئت عيناها لرؤية نظراته الحانية ولسماع كلامه واظهرت ابتسامة لطيفة فاردف:
- اظنك جربت حظك مع اثنين غيري، آن لك ان تقتنعي اننا خلقنا لبعضنا...
استرجعت ذكرياتها مع جواد وشادي، في كل العلاقتين كان هناك اوقات سعيدة واوقات مقرفة، عادت لتفكر بذكرياتها مع لؤي، الطفولة كانت رائعة حقا، والحب بينهما مخفيا كان رائعا، لكن ما ان ظهر للعيان حتى بدأ يصبح مؤلما ومهينا، تذكرت اخر مرة اعترف لها لؤي بمشاعره وترجاها لتترك جواد وترتبط به، كانت سعيدة جدا ودون تفكير تركت جواد، لكن ما ان اصدرت موافقتها عليه حتى صدمها حين تخب ها انه خدعها بكل بساطة
اغمضت حسناء عيناها بقهر ثم نظرت لوجه لؤي، انه نفس تلك النظرات القديمة التي تحولت في دقائق، هل يا ترى لو انه اعاد الكرة ستحتمل ذلك
زفرت بتعب ثم قالت معتذرة:
- اسفة لؤي... لكن لا نحمل لبعضنا الا مشاعر صداقة وإيخاء
نظر اليها بضيق ساخر ليقول:
- صداقة وايخاء!... منذ متى... اننا نحب بعضنا منذ ايام الطفولة، الجميع شاهد على ذلك...
- عما تتحدث لؤي... لقد كان الكلام بيننا واضح في الماضي... ربما انا ظننتك تحبني وانت ظننتني احبك وهذا سبب لنا بعض تأنيب الضمير لاننا لا نبادل هذا الشعور، ولكن بعد اعتراف كلينا بالحقيقة التي هي اننا نعتبر بعضنا مجرد اخوة ارتحنا وعدنا كما كنا
نظر اليها بحمق ثم قال:
- كذب الكذبة ثم صدقها
ابعدت نظرها عنه لانها تعلم انه محق، وان لم تصدق الكذبة على الاقل تحاول تصديقها فهي لا تريد ان تعاني مجددا ما عانته في الماضي فقالت:
- مهما يكن... لا اظن انه يمكن ان تنجح علاقة حب بيننا...
- لماذا؟
- اخبرتك... لن ينجح فحسب
- ولما لا؟... ان كنا نحب بعضنا
- لؤي!... عن اذنك كف عم تكرار تلك الجملة، اصبح طنينها مزعجا على الاذن
- حقا!...
- حقا
نهض لؤي قائلا:
- ربما علينا ان نعود... وحين تنفردين فكري جيدا في حديثنا...
نهضت بتعال وقالت:
- لست احتاج للتفكير
- لا تتسرعي، سنتحدث بالامر مجددا وحينها اخبريني بما توصلت اليه...
---
جلس جواد مقطبا في سريره، تلك الغبية في كل مرة تصبح اكثر ازعاجا، الان بسببها فقد سلسلته الغالية، اكان يجب ان تعلق في شعرها؟ ما كان عليه ان يوضح لها موقفه منها، ولم يكن عليه ان يسدي اليها اي نصيحة، افعل خيرا تلق شرا
اطلق زفرة مشحونة بالقهر ثم فتح باب المنزل ليخرج ويدخن لكن الطقس كان باردا جدا ففضل ان يعود ادراجه، نظر للشرفة مقررا ان يدخن هناك، سيكون مجنونا ان فكر بالتدخين بالخارج، وكذلك ستكون اخته مجنونة ان لم تسمح له بالتدخين في الداخل...
جلس في غرفته واشعل سيجارة، لم تمر دقيقة حتى تعالت صيحة شيماء:
- جواد! اني اشم رائحة تدخين في منزلي
اجابها جواد يصيح:
- لا اظنك ستجبرينني على ان اخرج للتدخين، انت ترين المناخ، مطر وصقيع
اقبلت اليه لتكمل جدالها معه:
- صحتة طفلي اهم عندي من صحتك
- كفى شيماء، انها مرة واحدة
- يمكنك ان تترك التدخين ولو لمرة واحدة، لاجل طفلي على الاقل
زفر باستياء ليخرج من المنزل غاضبا، وقف عند مدخل البناية متأملا المكان في الخارج، السماء تبرق وترعد، اخرج سيجارته واخذ يدخن ولمع برق قوي مجددا فجمد مكانه،
كأنه لمح شيئا غريبا، اخرج هاتفه من جيبه واضاء بالكاشف، احكم لف معطفه على نفسه وسار تحت المطر الى ان وصل الى شجرة مقابلة لبيت اخته قرب البرية ففغر فاهه،
هل هذه جثة ام ماذا؟!... حسنا لا تكن غبيا جواد، القاتل لن يترك جثة على جنب الطريق، على الاقل سيخفيها داخل البرية
اقترب موجها الكاشف على ذلك الشيء الغريب حتى عاد ليفغر فاهه، اليست هذه اريج؟... لكن ما الذي تفعله هنا؟... هل جلست تحت شجرة لتكتب في مذكراتها فراودها النعاس فجاة؟... حسنا الان ليس وقت التحليل
انحنى بالقرب منها، ناداها وهو يهزها ليوقظها لكنها لم تستجب، توقف لوهلة متفكرا ثم وضع اصبعا على رقبتها فوجد فيها نبض، حاول ايقاظها مجددا دون جدوى، اصيب بالذعر، سرعان ما رمى سيجارته وحملها الى بيت اخته،
طرق الباب بعنف حتى اتت اخته شاكية وفتحت الباب وقبل ان تعاتبه دخل مع اريج ليضعها على اول اريكة ظهرت امامه، تبعته اخته مستفسرة حتى فوجئت بما رأت، سألت:
- ماذا حدث لها!
قال بارتباك وعصبية:
- لست ادري، وجدتها نائمة تحت شجرة مقابل منزلك
فغرت فاهها:
- نائمة!... في هذا الجو العاصف!... منذ متى؟
- لست ادري
- يا اللهي ولما اتيت بها الى هنا! لما لم تأخذها الى المستشفى؟
- نظر اليها باستهبال وقال ساخرا:
- وهل احملها واركض بها؟ ثم ما ادراني اين اجد مستشفى هنا
نظرت حولها محتارة فقالت:
- سأرتدي معطفي واوصلكما
نظر اليها ساخرا:
- ولما توصلينا؟ اذهبا لوحدكما
- تمزح معي؟ اولا انت ستحملها من هنا الى السيارة ثم من السيارة الى الطوارئ، ثانيا انت من وجدها، سيترتب عليك ان تخبرهم بكل ما رأيت
- وما الذي رأيته، لقد كانت تحت الشجرة نائمة، هذا كل ما رأيته اكثر منك، لما تشعرينني اننا ذاهبان الى مخفر بدلا من مستشفى
- ستأتي معنا وانتهينا
راحت اخته لترتدي معطفها بينما ضرب هو على جبهته منزعجا ثم نظر الى اريج قائلا:
- كم اكره الاغبياء
---
وقفا قرب الطبيب وهو يعاينها وما ان انتهى حتى اخبرهما انها تعاني من التهاب في الرئة، تنهد جواد بانزعاج فلكشته شيماء، طلب الطبيب من ممرضة ان تجري لها بعض الفحوصات للتأكد من سلامتها، توجهت شيماء الى جواد قائلة:
- لا املك رقم هاتف عائلتها ولا اعلم متى تستيقظ، لكن كما تعلم قريبا يصل زوجي للمنزل ولا اريد ان يقلق علي اذ لم اخبره بخروجي، ابق هنا معها الى ان تستيقظ وانا...
- كان هذا مخططتك منذ البداية... ان تجعليي ابقى الى ان تستيقظ بدلا منك
- اسفة عزيزي ولكن امامي مسؤوليات اهم من التدخين، لذا ابق معها انت، سأدفع الحساب في حال لا تحفظ رقم بيتها
فغر فاهه وقال:
- لا اظنها غبية لتلك الدرجة
- علينا ان نحطاط على كل حال، وان صدق انها لم تحفظه بالطبع ستتكرم لتوصلها للمنزل
- اذا ستتركين لي السيارة
نظرت اليه باستهزاء وقالت:
- انها تعود يوميا سيرا على الاقدام لا بد ان منزلها ليس بعيدا
- لكنها ستكون مريضة وربما غير قادرة على السير
تنهدت بانزعاج وقالت:
- في حال حدث شيء من هذا القبيل اتصل بي لاتي لاصطحابكما، اياك ان تتململ من السير وتتصل دون ضرورة
- انت اخت قاسية، تريدين جعلي امشي تحت العواصف
ابتسمت له بشقاوى ثم انصرفت وبقي هو ينتظر استيقاظها، بعد برهة خرج من غرفتها ليسأل عن نتائج الفحوصات فاخبروه ان كل شيء يسير على ما يرام الا ان معدل السكر منخفض، ربما يعود الامر الى انها لم تأكل شيئا اليوم
اخذ جواد الفحوصات وعاد الى غرفتها ليجدها استيقظت، بانزعاج قال لها:
- اخيرا استيقظت!... اني انتظر منذ ساعة فلا يمكنني ان اذهب واتركك هنا وحيدة، ولا املك رقم هاتف اهلك ليأت احد ويقلك
نظرت اليه مستغربة وقالت:
- وما الذي تفعله انت هنا؟ او بالاحرى ما الذي افعله انا هنا؟
- وجهي هذا السؤال لنفسك، ما الذي كنت تفعلينه نائمة في البرية؟ ثم متى كانت اخر مرة تناولت الطعام اليوم؟...
اغمضت عينيها بتعب دون ان تجيبه فاقترب منها ليلمس جبينها وقال:
- لقد انخفضت حرارتك، هل تستطيعين النهوض؟
هزت رأسها نفيا فقال:
- اعطني رقم هاتف منزلكم لاتصل كي يأت احد لاصطحابك
اعطته الرقم فاتصل ثم سأل عن اهل اريج لكن الطرف الاخر اجابه بالنكران، اغلق الخط مصدوما، هذا الصوت مألوفا جدا... وليس لاحد محبب، عاد لينظر الى اريج بصدمة ثم قال بغضب:
- اريج هذا ليس رقم منزلك
- بلى انه هو
- لقد قال انه لم يسمع باسمك بحياته
تأففت اريج بانزعاج وقالت:
- هذا جيد... اذا فلنبقى هنا
- نبقى هنا!... وكأن لدي الكثير من الوقت لاضيعه عليك... اعطني الرقم الصحيح لاتصل بسرعة
- لقد اخبرتك انه هو نفسه الرقم، لكن هذا ابن عمي دمه ثقيل ودائما يمزح هكذا على الهاتف، ومن حسن حظي انني هنا واتمنى ان يرحل قبل ان اعود للمنزل
نظر اليها بلؤم ثم قال:
- انتم كلكم في العائلة ملطوشين
فغرت فاهها فابعد وجهه عنها حين تهربت منه ابتسامة لردة فعلها، بعد قليل عاد واتصل على الرقم نفسه وهذه المرة اجاب تامر فنادى والدته، اخبرها جواد عما حصل، وبعد الف ويل وحسرة واطمئنان شكرته على المساعدة واخبرته انهم سيأتون لاحضارها
جلس يتحدث مع اريج حتى اقبل ابن عمها لاصطحابها، بينما كان يسأل عنها في الاستقبال التفت اليه جواد فجحظ عيناه، نظر اليه بحقد من اعلى للاسفل ثم انصرف قبل ان يلاحظه لؤي
حين وصل للخارج اتكأ على حائط المستشفى واخرج سيجارة جديدة وبدأ بتدخينها، لم تمر دقيقة حتى سمع صوت لؤي يناديه مرحبا فاتحا ذراعيه كما يفعل الاصدقاء القدامى، تعانقا وبدأ لؤي يسأله عن سفرته وعن مدى بقائه هنا حتى اقبلت اريج اليهما مستغربة فقطع لؤي اسئلته السخيفة ليعانق اريج بذراعه اليمنى قائلا:
- اتعرف من هذه؟ انها ابنة عمي التي كنت احدثك عنها انها تشبه حسناء
قالها بابتسامة شامتة ثم سرعان ما تركها ليكمل كلامه مصدوما:
- يا رجل... سمعت انك وحسناء انفصلتما... لما ذلك؟...
صمت جواد اذ يعلم ان لؤي لم يقصد الاستفسار بل قصد تذكيره بتحذير مسبق له ان علاقته مع حسناء لن تنجح لانها لا تحبه، لكن اتت رفسة من اريج على ساق لؤي قائلة:
- ايها الاحمق!... الا ترى انني مبللة وسيتفاقم علي المرض ان بقيت هنا وسط العواصف، هيا اعدني للمنزل...
نظر لؤي اليها باستهزاء ليقول:
- ليس ذنبي انك تخرجين بلا مظلة
سحبته من ذراعه نحو السيارة بينما نكس جواد نظره بحقد، الم تجد بين الخلق اجمع الا لؤي ليكون ابن عمها، لكن نظرا لهذا الحال فالاستنتاج انها هي نفسها المحجوزة لصالح
هه من كان ليتوقع، تلك الغبية محجوزة لذلك الشاب المثالي... توقف قليلا حين تذكر شيئا، لكن الا تحب اريج ايمن؟ كيف تحب شخصا وهي مرتبطة باخر!... نظر اليهما بازدراء وهما يركبان السيارة:
- انها بالفعل ناكرة للجميل... لقد كانا صالح وليلى ثنائيا رائعا... ترك ليلى لاجلها وهي تحب غيره... لن استغرب ان تمط بقرابة للؤي...
حاول تناسي الموضوع وعاد سيرا للمنزل وقبل ان يمشى مسافة طويلة اوقفه بوق سيارة لؤي ثم اطل لؤي من النافذة قائلا:
- اصعد لنوصلك
رفض جواد لكن لؤي اصر عليه فصعد معهما اخيرا، ما ان نزل جواد من السيارة حتى نظر لؤي الى اريج بحقد:
- من اين تعرفان بعضكما؟
- انه معلم الفيزياء
- مجرد معلم؟
- وهل ترى غير ذلك
شغل محرك السيارة ليقول:
- لا اعلم، لكن تذكري جيدا انك محجوزة لاخي...
---
دخل جواد بيت اخته متجهما، سألته عن حالة اريج فرد عليها باختصار وراح يجلس في اريكة شاردا، سلم عليه صهره فنظر اليه شاردا سرعان ما ابتسم ليلقي التحية قائلا:
- اعذرني كان عقلي منشغلا فلم انتبه لوجودك
- اجل اخبرتني شيماء... كيف حالها؟
هز كتفيه قائلا:
- لا شيء مهم، ستأخذ دواءا وتتعافى...
- هذا جيد...الحمدلله...
- حسنا انا سأدخل لارتاح فقد كانت المهمة متعبة
حينها تدخلت شيماء:
- لما هل حملتها الى بيتها؟
نظر جواد لاخته باستهزاء ثم قال:
- لقد اوصلها ابن عمها
قالها وقد عاد اليه تجهمه حين تذكر لؤي، عاد لينظر الى اخته قائلا:
- سمعت ان استاذ الفيزياء السابق قد تعافى بالكامل
- هذا صحيح
- هذا جيد، اخبري المدير ان يطلب اليه ان يسترجع مكانه فانا سأعود الى فرنسا باقرب فرصة
نظرت اليه مصدومة وقالت:
- كيف حدث، هل هي اريج اقنعتك؟
نظر الى شيماء صامتا، اهي اريج حقا التي اقنعته؟ او يمكنه القول انها اجبرته، فهو لم يعد يطيق البقاء عند شيماء كي لا يراها مجددا، ففقط فكرة انها قريبة لؤي يشعره بالغثيان، ناهيك عن كل المشاكل التي تسببت له بها بينما كان كل همه ان يساعدها لتتجاوز محنة ايمن،
ورغم عدم قدرته على البقاء عند شيماء الا انه لا يستطيع العودة الى بيته فلا يريد ان يلتقي مجددا بحسناء كي لا يتجدد جراحه، اذا لا مكان يهرب اليه الا لفرنسا
استيقظ من شروده على صوت شيماء فقال دون ان يسألها ان تعيد كلامها الذي لم يسمع منه شيء: "اخبريه ان يأت غدا مباشرة فلن اعود للمدرسة مجددا ابدا..."
فغرت فاهها مصدومة لتتبعه الى الغرفة تصيح:
- لا يمكنك ان تترك العمل هكذا فجأة، عليك ان تخبرنا قبل وقت لنرتب مع الاستاذ الاخر
نظر اليها بضيق ليقول:
- ترتبون ماذا؟ الرجل تعافى وانتهت فترة نقاهته، يمكنه العودة في اي وقت، وان استلزم الامر يمكنك ان تأخذي مكاني انت او الدكتاتور فكلاكما درستما الفزياء
- حسنا ما الذي جرى فجاة حتى تقرر الانسحاب بهذه الطريقة
- لم يحدث شيء، لكننا اتفقنا منذ البداية انني ساعمل حتى يتعافى، وهذا ما حدث، ثم اني رسبت بمادة، هل علي ان ارسب بالباقي ايضا؟
- كنت قد نسيت المواد كلها
- بل كنت امر بازمة فتناسيتها، انتهت الازمة وعلي ان اعود للدراسة، اخبري المدير ان يجد بديلا عني باسرع وقت
ارتمى في سريره مقطبا حاجبيه يفكر:
- ان كان كل هذا الشبه الكبير بينها وبين حسناء فلما لم يشك بالامر مسبقا، لقد وصفها له لؤي مسبقا وهي بالضبط كما قال، نفس حسناء لكن تسريحة الشعر تختلف وكذلك اللون، ابتسم يسخر من نفسه، لطالما تمنى ان يتعرف عليها وها هو بعد ان تعرف عليا كرهها، لكن لما؟ اكل ذلك لانها قريبة لؤي؟ ام لانها تذكره بحسناء؟ ام ماذا هناك؟
---
وصلا للمنزل وسرعان ما اقبلت ام اريج لتطمئن على ابنتها لكن اريج تهربت بانها تريد تغيير ملابسها كي لا تفتح والدتها معها نقاشا، فسبق ان حذرتها من الخروج مع ذلك الاستاذ
اسرعت لغرفتها بينما تبعها لؤي بنظرات حاقدة ثم قال لوالدتها:
- انك ترخين لها الحبل كثيرا... لا تسالينها اين كانت او مع من حتى، لا اظن ان عمي سيقبل بذلك
نظرت اليه فاغرة فمها ثم قالت:
- اين كانت ومع من! لقد كانت في المستشفى... ثم اني سأسمع قصتها حين تبدل ملابسها
- وما ادراك انهما كانا هناك حقا!... ربما قضيا طوال النهار مع بعضهما ثم مثلا انها كانت مريضة في المستشفى...
صمتت الام تفكر بكلام لؤي ثم قالت حائرة:
- ما الذي تقصده انها كانت معه؟ من هو؟
- استاذها... وحين اقول استاذها لا اقصد رجلا عجوزا اصلعا محترما، بل شابا من عمري بهي الطعلة لديه سمعة ملطخة صدرت عنه اشاعات رهيبة مؤخرا...
فغرت الام فاهها مصدومة ثم اسرعت الى غرفة اريج، فتحتها وهي تصيح باسمها بعصبية، التفتت اريج الى امها لترى لؤي معها فعلمت انها واقعة في مشكلة
---
لعبت حسناء بطعامها بالملعقة شاردة بينما ايقظتها امها من شرودها:
- حسناء... هيا كلي طعامك سيبرد
نظرت الي امها ثم الى طعامها بملل وقالت:
- لا رغبة لي بالاكل
نهضت عن المائدة لتتوجه الى غرفتها، نظرت الام الى ابيها بحزن فقال ابيها:
- لا تقلقي، ستجد يوما ما رجلا يقدرها كما تستحق
اغلقت باب غرفتها واستندت عليه بعد ان سمعت كلام والدها، كان جواد طيبا حقا، عاملها افضل مما عاملها شادي بألف مرة، وكيف ردته له؟ اتهمته زورا
ارتمت في فراشها لتبدا موجة من البكاء، ربما عليها ان تعتذر اليه ولكن باي شكل، انها خجلة منه بعدما فعلت به
نظرت للهاتف شاردة ثم نهضت وتوجهت اليه، اتصلت برقم وانتظرت الرد:
- الو
- ليلى!
قالتها بصوت شجي وانصابت دموعها مدرارا، قالت ليلى:
- ما بك؟ لما تبكين؟
- لقد ارتكبت امرا فظيعا
- ماذا فعلت؟
- لقد انفصلت عن جواد
- حسنا اعلم، وانا من اوصل اليه خاتم خطوبتك مع السلسلة
- لكن ما لا تدرينه ان كل ما وصلك عنه من اخبار كان كذبا، لم يكن يلتهي مع غيري ولم يكن ينتظر طفلا ولا شيء من هذا القبيل
-... (سكوت)
- لقد كنت من الفقت عنه هذا الكلام لانفصل عنه باي طريقة
- انت! الفقت عنه!... ولكن لما؟ لما اردت الانفصال عنه بهذه الشدة ان لم بكن مخطئا
- لقد كنت غبية وتلاعب اصدقائي بعقلي، الان اعاني من عقدة الذنب ولا استطيع ان ارتاح ابدا
- انت حقا غبية، اخبرتك انه لا يقدر بثمن، اعتذري اليه وحاولي ان تعيديه اليك مهما حدث...
- لا تكوني سخيفة، انا استبعد ان يسامحني ونعود اصدقاء فكيف ان نعود خطابا
- جدي واجتهدي ولا ترتكبي غلطتي، تزوجت اول من طلبني بعد صالح انتقاما منه وحصدت النتائج
قالت مستغربة:
- حصدت النتائج؟ اي نتائج!
- حسنا زواجي لا يبشر بالخير، علاقتي بزوجي تتدهور، حتى تامر لم يعد له الاثر في الجمع بيننا
صمتت حسناء مصدومة فاردفت ليلى:
- افعلي كما قلت لك ولا تتركيه يفلت من يدك
---
في اليوم التالي:
فتحت ام اريج باب المنزل لتجد لؤي اتى لزيارتهم، سلمت عليه مرحبة مستغربة، قالت:
- ليست من عاداتك ان تأتي في مثل هذا اليوم من الاسبوع
- في الواقع اتيت لاطمئن على اريج
- اه اريج، هي لم تعد من الثانوية بعد
نظر لساعته قائلا:
- لقد تأخرت نصف ساعة
نظرت الام للساعة وقالت:
- تعلم ان اريج لا تأت للمنزل مباشرة، عادة تمر بالبرية اولا
تنهد بانزعاج قائلا:
- انها فعلا غبية، هل من احد يذهب للبرية في يوم ماطر!...
دخل لغرفة الجلوس ينتظر قدومها شاردا مهددا جواد في سره:
"لن تحلم بالنظر لابنة عمي حتى، لطالما رغبت بالتعرف عليها مسبقا، حسنا تعرفت عليها الان واكتفي بذلك، يكفي سرقت مني حبي الاول، انت لن تسرق خطيبة اخي ايضا... لا تحلم بذاك حتى، حسناء كانت مخيرة، لكن ليس لاريج ان تختار، طالما عمي يريد تزويجها من اخي، فهنا انا املك السلطة العليا وسأفعل المستحيل لامنعك من ذلك..."
قطع تفكيره رنين الهاتف، اجابت والدتها وما ان سمع اسم اريج حتى نهض ليقف قرب والدتها يستمع للمحادثة ثم وقبل ان تفصل امها الخط طلب اليها ان يسلمها الهاتف ليتحدث الى اريج:
اخذ السماعة وقال:
- اذا كيف حالك اليوم يابنة العم
صعقت اريج لسماع صوته وقبل ان تجيب قال:
- اذا انت عند صديقتك
اجابت ساخرة:
- لا اظن ان ابي يمانع ايضا ان اقابل صديقاتي
- لا لا اظن ذلك... طالما انك صادقة بقولك، لكن اعلمي انك لو كنتي تكذبين فانت لن تسلمي
وضع سماعة الهاتف غاضبا وهو يفكر:
- تبا لها، الا يكفي اني اكرهها اصلا كي تحب عدوي اللدود
نظر الى امها ليراها تضع الاطباق على الطاولة وهي تقول بحسرة:
- كم هذا مؤسف، ان اريج تحب هذا الطعام كثيرا، لن يكون لذيذا ان اكلته عند عودتها كما لو اكلته الان طازجا
ابتسم بخبث ثم انطلق الى امها ليقول:
- ان اردت يمكنني ان اخذ اليها حصتها، ضعي القليل في مرطبان واعطيني عنوان صديقتها
ابتسمت الام مرحبة بالفكرة وذهبت لتجهز مرطبانا لاريج بينما ابتسم لؤي لفكرته هو قائلا:
- اذا لنرى ان كنت حقا صادقة في مكان وجودك
اخذ الطعام من ام اريج والعنوان وانطلق وتأكد انها حقا عند صديقتها حقا، لكنه لم يطمئن، ربما شكت انه سيفعل ذلك وقررت البقاء عند صديقتها الى ان يعود، او ربما كان جواد معها عند صديقتها، اطلق تنهيدة مثقلة ثم فكر:
"لا سبيل لاتأكد الا بطريقة واحدة"
توجه مباشرة الى بيت شيماء فوجد جواد يدخن عند مدخل البناية، تقدم اليه ملقيا التحية مطمئنا الى انه ليس عند اريج، لكن ماذا لو انه كان ينتظر منها اتصالا ليذهب اليها؟
اذا لا سبيل لمنعه عن ذلك الا بان يلازمه طوال الوقت ولن يجرؤ على الذهاب اليها امامه، وان تجرأ يخبر عمه بكل بساطة ليتصرف بنفسه
جواد: اذا ماذا تفعل هنا؟
فكر قليلا ثم قال:
- كما تعلم، الحمقاء الغبية تسكن بالقرب من هنا
هز جواد رأسه كأنه يقول "فهمت قصدك" ثم نفث دخان سيجارته فاخرج لؤي سيجارة واخذ يدخن معه كما كانا يفعلان ايام زمان ثم سأل لؤي:
- لطالما كنت متحمسا للتعرف على الحمقاء الغبية، اذا كيف وجدتها؟
ابتسم جواد بانزعاج وقال:
- كما وصفتها بالضبط... حمقاء غبية
- الم تعجبك؟ لطالما اعجبتك حسناء لولا شعرها الاشعث
نظر جواد الى لؤي بسخرية وقال:
- وهل تحاول ان تبعدني عن حسناء بالقاء غبية العائلة علي؟
- معاذ الله... لقد ابتلي اخي بها قبلك ولا يمكن التراجع عن ذلك الان
- هه... لكن يبدو انك نسيت ذلك في لحظة ضعفك امام حسناء... امازلت تريدها؟ سمعت انها خطبت لرجل اخر
- أتقصد شادي؟... لقد انفصلت عنه مؤخرا
- حقا!... ارى انها كل يوم مع احد
نظر اليه لؤي بحقد بينما لم يبدي جواد الا البرود، مضيا وقتا في الحديث وبينما هما يتحدثان فغر لؤي فاهه وقال مدهوشا:
- ماذا تفعل تلك الغبية مع حسناء؟!
التفت جواد الى حيث اريج تمشي مع حسناء فالقى عليها نظرات حاقدة الى ان وصلتا الى جوارهما فابتسم جواد ساخرا ليقول:
- الطيور على اشكالها تقع
نظرت كل من اريج وحسناء لجواد ثم تبادلا نظرات متوترة فهمست اريج شيئا لحسناء لم يسمعاه جواد ولؤي، تقدمت حسناء اليهما بحرج وبينما هي تمشي تعرث وكادت ان تقع فتأهب كل من جواد ولؤي لمساعدتها لكنهما بقيا في اماكنهما حين لاحظا انها تخطت الامر بسلامة
وصلت حسناء اليهما، القت نظرة على جواد لتلاحظ انه خلع سلسلتهما التي كان ما يزال يرتديها يوم اوصلهم شادي بسيارته، مما جعل ثقتها تتزعزع، لكنها كانت مصرة على ترميم ما هدمت فقالت:
- ايمكنني ان احدثك جانبا؟
- لا
قالها ببرود فعضت شفتها بقهر، التفتت الى اريج مستغيثة بنظراتها، اقتربت اريج قائلة:
- لدى خطيبتك امر مهم تريد ان تحدثك به
هز كتفيه بلامبالاة قائلا:
- فلتتحدث، لم يمنعها احد
نظرت حسناء الى كل من اريج ولؤي لكن المعلومة لم تصل للؤي فسحبته اريج من ذراعه وما ان ابتعدا حتى اخذت حسناء نفسا مستعدة للتحدث ثم قالت:
- حسنا انا اعترف... لقد ظلمتك حينها، واخطأت بحقك وانا اعتذر
- هل يفترض ان اسامحك بعد كل ما قلته عني وشوهتي سمعتي؟
- ساخبر الجميع انني كذبت بشأنك، فقط دعنا نعود كما كنا
- لقد تأخرتي... لا يمكن لذلك ان يحدث ابدا
- جواد ارجوك...
- سأعود بعد ايام لفرنسا وسأقضي وقتا اطول بالدراسة مما كنت اقضيه
- لن امانع ولن اعارضك، سأحتمل الى ان...
- حسناء... لا مجال لان نعود لبعضنا ابدا... ليس بعد ما فعلته...
رمقها بازدراء ثم رمى سيجارته للشارع وصعد الى بيت اخته، اسرع لؤي اليها فتبعته حسناء ليلفها كي يكلمها لكنه فوجئ بها تبكي، ابعد نظره عنها يسك على اسنانه فقالت اريج:
- ما الذي حدث؟
- اجابت باكية: قال انه سيعود لفرنسا، وانه لا يريد ان نعود لبعضنا ابدا
نظر لؤي اليها مليا ثم قال لها:
- تعالي لاوصلك الى البيت، نتحدث عما جرى في الطريق
عاد لينظر الى اريج وقال محذرا:
- وانت عودي الى المنزل فقد تأخرتي كثيرا، اخي ينتظرك منذ سنة
انطلق يمشي مع حسناء فقالت:
- أهذه ابنة عمك التي كنت تحدثنا عنها؟ التي ترك صالح ليلى لاجلها؟
- انها هي
- لم تبدو لي شريرة وغبية كما وصفتها
- انت لا تعرفينها حق المعرفة مثلي، ها هو جواد اكد لي اليوم انها بالضبط كما وصفتها لكما
هزت كتفيها لتقول:
- بدت لي لطيفة
نظر اليها بلؤم ثم قال ساخرا:
- بالتأكيد، لانها ارادت مساعدتك لتعودي الى جواد، ايمكنني ان افهم ما الذي خطر لك حتى فعلتي ما فعلته؟ لما تريدين ان تعودي اليه بعد كل ما عانيتي معه
تجهمت ملامحها ثم قالت:
- في الواقع كنت على وفاق تام مع جواد الى ان تدخل اصدقائي بحياتي الشخصية، كنا ايام الجامعة انا ادرس وهو يدرس وايام الصيف نلهو سوية، لكنهم لعبو بعقلي واقنعوني ان ما يحدث خطأ ويجب ان يهتم بي اكثر
- لكنه خانك مع اخرى وهي حامل منه
- ذلك غير صحيح... لقد كذبت بشأن ذلك كي اقنع ابي ليفسخ خطوبي به
صدم لؤي عند سماعه كلامها ثم قال:
- انت الان تكذبين لتدافعي عن سمعته وتعودا سوية
- انا الان لا اكذب، لا اقول الا الحقيقة
زفر لؤي ثم قال:
- لكنه على كل حال لا يستحقك
- تقصد انني لا استحقه
- عما تتحدثين، حسنا لا يهمني ان كان هو من لا يستحقك او انت من لا تستحقينه، او كلاكما لا تستحقان بعضكما، ما يهمني انني لست موافق على عودتكما لبعضكما، على كل حال هو رفض الامر
- ربما... لكني لن استسلم، سأبقى الاحقه الى ان يسامحني، فهو بكل حال يحبني
عض على شفته محاولا كبت غضبه ثم قال:
- لو انه بامكانك مسامحتي لانك تحبينني لكان بامكانه ان يسامحك لانه يحبك، الحب ليس معيارا للمسامحة
قطبت جبينها منزعجة من كلامه وما لبثت ان نظرت اليه ببراءة قائلة:
- اسامحك!... على ما؟
- انت تعرفين قصدي... على ما جرى في الماضي
- لا اذكر انه حدث شيء ما...
- حقا!... الم نتشاجر
- لم نتشاجر، انت وجدت لنفسك اصدقاء جدد بينما بقيت انا مع جواد
نظرت اليه بحقد ثم قالت:
- وهناك بدأت رحلتي معه
تنهد منزعجا ثم قال:
- دعينا نغيير الموضوع لانك تجعليني اشعر برغبة عارمة بقتل جواد
ابعدت وجهها عنه منزعجة واكملا طريقهما بصمت
---
اليوم التالي:
دخلت شيماء المنزل مسرعة تنادي جواد فوجدته يوضب اغراضه في حقيبة فقالت له:
- اترك كل ما في يدك وبدل ملابسك بسرعة لنخرج
نظر اليها مستغربا:
- نخرج؟ الى اين؟ ولما كل هذه العجلة؟
- بدل ملابسك الان اخبرك في طريقنا
نظر اليها بشك فقالت:
- هيا بسرعة، لا وقت لدينا
تنهد بانزعاج ليرمي ثوب كان في يده داخل حقيبته واخذ الملابس الذي كان قد خصصها للذهاب الى المطار ليرتديهم، خرجا سوية وركبا السيارة ثم انطلقا، نظر اخيرا جواد الى شيماء ليقول بنفاذ صبر:
- ها قد اصبحنا في الطريق، هلا اخبرتني الى اين؟
ابتسمت بشقاوة وقالت:
- احزر
- وما ادراني، هلا اخبرتني الان
عرضت ابتسامتها لتقول:
- اليوم عيد ميلاد اريج واصدقائها جهزوا لها حفلة مفاجئة، وطبعا انا مدعوة لاني كأخت كبرى لصفي، اما انت فتشملك الحفلة كوداع لك بما انك استاذ احبوك واحترموك
نظر اليها ساخرا ثم قال:
- اصدقاء اريج احبوني واحتراموني! انهم اكثر صف بغضوني وبالاخص شلتها وخاصة هي، فلا اظن انني مرحب بي في حفلة عيد ميلادها
قالت وعرض ابتسامتها مستمرة:
- في الواقع... هي عكس ما تبدي لك
- حقا!
قالها ساخرا فهزت رأسها بحماس وقالت:
- اخبرك بسر لكن لا تخبر احدا اني اخبرتك، انها تحبك
نظر اليها بسخرية ثم قال:
- انت لم تسمعي هذا الخبر منها اليس كذلك
- حسنا ليس بشكل مباشر، هي اخبرت اصدقائها وهم اخبروني
- هه... يا لغبائك، خدعت كما خدعوا
ارادت ان تلتفت اليه لتضربه لكنها امتنعت لتبقى مركزة في القيادة فاردف جواد:
- لقد اخبرت اصدقائها انها تحبني كي تكف صديقتها نوال عن الشك بانها تحب ايمن ويكملان سوية دون قلق
هذه المرة التفتت اليه ناسية امر قيادتها للسيارة وقالت:
- من اين اتيت بهذا الخبر!...
- اولا اعيدي نظرك للطريق امامك، ثم لدي مصادري الخاصة، فبعكس ما يظن الجميع انا واريج نكره بعضنا
- تبا... لما لم تخبرني بذلك قبلا، اخشى ان نفسد حفلة عيد مولدها
- لا بأس، اعيديني للبيت
- اتمزح معي!... الجميع سبقنا الى هناك وينتظرنا، ثم بما اخبرهم، لقد فعلوا كل هذا ليفرحوا قلبها لانها كانت حزينة البارحة لانك لم تعد تعلمهم، واليوم غابت من المدرسة بسببك، هل انت متأكد انها لا تحبك؟
- شيماء!... اصمتي واعيديني للمنزل، انك تضيعين وقتي ثم انك ستفسدين الحفلة باحضاري لهناك
- اسفة لكني وعدتهم باحضارك، سيشعرون ان الحفلة كلها بلا معنى فهم يريدون ان يجمعوكما لاخر مرة قبل سفرك كي يفرحوا قلبها
- وهكذا اكون انا كبش المحرقة
- لا داعي لكل هذا الجدال، لن نطيل المكوث هناك، ستأكل حلوة عيد الميلاد وتعود، ارأيت؟ سيعود الامر لك بالمصلحة على كل حال
- قطعة حلوة مقابل ساعة من الازعاج، يا لها من صفقة رابحة
وجدا الاصدقاء مجتمعين تحت بناء يلوحون لهم فركنت شيماء السيارة تحت البناء ونزلت مع جواد في حين كانت نوال قد سبقتهم للاعلى لتتفق مع ام اريج ليفاجئوها، دخل الجميع المنزل ورتبوا كل شيء ثم انطلقت الام لتوقظ اريج
نظرت شيماء لنوال وقالت:
- اهي نايمة الان؟
قالت نوال بحزن:
- قالت امها انها امضت البارحة باكية وكذلك كانت تبكي صباحا
ما ان انهت كلامها حتى رمقت جواد بنظرة سريعة لترى تأثير كلامها عليه لكنه حين رآها تنظر اليه علم ما يجول في خاطرها فابعد وجهه عنها غاضبا، همست نوال لشيماء:
- لا يبدو انه مهتم ابدا
نظرت اليه شيماء لتقول:
- في الواقع لا استطيع ان اخمن ما يدور في رأس اخي، احيانا اشعر انه يحبها، واحيانا اشعر انه يكرهها... لم اعد افهم عليه...
قطع كلامهم هتاف "مفاجئة" كان الاصدقاء قد هتفوا بالكلمة مرحبين باريج وسرعان ما اطفئت جلنار النور وبدؤوا يغنون "سنة حلوة يا جميل"
ما ان انتهوا الغناء حتى اسرعت نوال الى اريج تمثل تهنئتها بينما طلبت منها ان تخفي حقيقة ان اليوم ليس عيد مولدها واخبرتها بالخطة،
اما جواد فما ان وقع نظره عليها حتى تجهمت ملامحه بضيق لمنظرها، كانت عيناها مورمتان لكثرة البكاء، ولو انه لا يعرفها لظنها صينية او يابانية، ابعد عنها نظره بضيق وراح يفكر:
"هل حقا وجودي هنا يفرحها ام يزعجها! ربما لم يكن سبب بكائها الا كلامي لها البارحة، لكنها الملامة بعد كل شيء، من طلب منها التدخل بحياتي؟ ثم ذلك الوصف المهين الذي وصفتني به، لا اظن ان احد اذلني بوصفه لي يوما كما فعلت هي البارحة حتى كدت اضربها لولا اني تحكمت بغضبي..."
عاد لينظر اليها فوجدها تنظر اليه، تبادلا نظرات احتقار ثم ابعدا نظرهما عن بعضهما، اقبلت شيماء لتعانق اريج ثم قربت اليها بطنها قائلة:
- الان دور طفلي... القي التحية على اريج
نظرت اليها اريج مصدومة:
- هل انت حامل!...
- الم تكوني تعلمين!... لقد اخبرتكم ذلك اليوم في الصف
نظر اليها جواد مستهزئا ليقول:
- ولما الاستغراب؟ من علاماتها يمكنك ان تخمني انها لا تركز في الصف شيئا
حدجته اريج بحقد بينما قمر الليل الذي لطالما كان يوقعها بمقالبه قرر اخيرا ان يكون شهما وتدخل ليربت على كتف اريج قائلا:
- اساسا اريج ذكية ولا تحتاج لتركز في الصف لتنجح
نظر جواد اليه بسخرية لكنه لاحظ تأثر اريج بكلام ايمن وما لبثت حتى ادمعت عيناها، ابعدت يد ايمن عنها بعنف وركضت للداخل، وجه جواد حقده لايمن بنظراته بينما اخذ الرفاق يلومون جواد على طريقته في الكلام مع اريج "حسنا جيد جدا... ايمن يؤذيها بكلامه وهو من يعاتب، لطالما تسآئلت عن سلبيات الكذب الابيض واليوم اظهرت لي ذلك، فعلا ان اصدقائها عميان... على كل حال انا لا ذنب لي، بكت لاجلي او لاجل قمر الليل فنهايتها لصالح، لقد كان يكررها لؤي منذ سنوات، والدها لن يزوجها من غيره..."
رأى صديقاتها التي دخلن خلف اريج لمواساتها قد عدن بعدما دخلت اخته شيماء، يبدو ان الدفعة الاولى فشلت في مهمتها، اذا لنأمل ان تنجح الدفعة الثانية، عادت اخته فسالها عن حالتها، اخبرته:
- انها تمثل السعادة بافضل ما لديها، ستعود الينا بعد ان تغسل وجهها
تنهدت بانزعاج ثم قالت:
- في الواقع اظن لو انهم لم يقوموا بهذه الحفلة لاجلها لكان افضل لها، انها تعيسة وتحاول ان تبدو سعيدة كي لا تخذلهم...
- ارأيتي؟... اخبرتك انه ما كان علي ان احضر
ضربته لتقول:
- اولست سعيدا لما يجري
بصدمة قال:
- انا سعيد؟ وهل تظنينني وحشا؟
- منذ ان قدمت الى هنا واشعر انك منزعج من وجودها وترمقها بتلك النظرات المتعالية، ارفق بحالها، ان كنت تكرهها لاي سبب فليس الوقت المناسب الان لتظهر لها ذلك
- من اين اتيت بتلك الافكار السخيفة؟
- انظر الى نفسك وانت تنظر اليها ستعلم من اين
ابتعدت عنه لتنضم الى بقية الاصدقاءتطمئنهم ان اريج تحسن وضعها قليلا بينما دخل جواد خلسة الى غرفة اريج، وقف عند عتبة الغرفة فاغرا فاهه:
- تبا هل حدث هنا انفجار! ما هذه الفوضى!
دخل الغرفة ليجدها فارغة من اريج، لكن بالطبع ستدخل الغرفة لتضع بعض المكياج قبل ان تعود الى غرفة الضيوف، فهذه عادة الفتيات، وخاصة ان قمر الليل هناك، اخذ الوسادة ليضعها على الحائط ليسند ظهره عند جلوسه علة السرير لكنه وجد تحتها مذكرات اريج، اخذهم وهو يلتفت حوله ليتأكد ان احد لن يأت، فتح المذكرات لكن لا شيء جديد "انه لامر غريب، من عادتها ان تكتب الحدث مجرد وقوعه، لما لم تفعل البارحة؟"
استعاد احداث البارحة، لم يكرهها كما فعل حينها، لا يدري ان كان لاجل قرابتها للؤي ام لتدخلها باموره ام ما القصة بالضبط، لكنه شعر كأنها طعنته في ظهره دون ان يعلم السبب
لاحظ دخولها للغرفة فقال مبادرا بالكلام:
- اراك لم تكتبي احداث البارحة في مذكراتك، من عاداتك ان تكوني اسرع من الصحفيين في نقل الاحداث اليه حتى قبل ان تقع الاحداث احيانا
قالت بحفاف:
- لا شأن لك
اقتربت لتأخذ منه الدفتر لكنه ابعده قائلا:
- لماذا كنتي تبكين؟
- هذا ليس من شأنك اعده الي
- لن افعل قبل ان تخبريني عن سبب بكائك
- وما شأنك، تتظاهر بانك مهتم وتتدخل بجميع اموري ثم حينما تدخلت بشيء واحد من امورك كدت تضربني
استدارت حينما نزلت دموعها مجددا بينما شرد جواد بكلامها وما لبث ان رمى دفترها جانبا ليقول مسلما:
- انت محقة... ليس من السهل ان يتدخل المرء بامورك، لكنك كنت غبية ولم يهن علي ان اراك تتخبطين دون ان انبهك
- وانا اردت ان ارد لك خدماتك لي بجمعك مع خطيبتك
صمت لوهلة، اخذ نفسا عميقا واطلقه، قال بحزن:
- صحيح اني احب خطيبتي ولم اشأ يوما ان انساها، لكني لست مستعدا لمسامحتها ابدا... وحين كانت بعيدة عني سهل علي نسيانها لكن حين حضرت امامي اضطررت ان ابدا من البداية
نكست اريج رأسها خجلة اذ انها خربت اكثر مما ساعدت وساد صمت بينهما حتى قررت اريج انه عليها ان تسحب يدها كليا من المسألة، قالت:
- اذا انت تفضل ان انسحب من هذا الموضوع كليا؟
- هه هذا مؤكد
توجهت لزيها المدرسي لتأخذ السلسلة من جيبها ثم اقتربت من جواد لتسلمه اياها قائلة:
- اظنه من حقك ان تختار متى تريد التخلي عن هذا، وانا اعدك لن اتدخل بحياتك مجددا
نظر الى السلسلة في يدها مصدوما يسألها اين وجدتها فاخبرته انها اخته التي اعطتها اياها لترميها في اول مزبلة تصادفها، امعن جواد التفكير في كلام اريج ثم نظر للسلسلة فأعادها اليها قائلا:
- ربما اسمح لك بالتدخل قليلا بحياتي... آن لي ان اتخلص من هذه الحب الذي يقرف حياتي، افعلي ما طلبته منك اختي
مبدئيا صدمت اريج من كلامه لكنها ما لبثت ان ابتسمت حين طلب منها ذلك الطلب قال لها جواد:
- ونصيحتي لك ان تفعلي الامر نفسه مع قمر الليل
رغم انه كان عليها ان تحزن لطلبه الا انها ابتسمت بأمل كأنها ولدت من جديد، ابعد جواد نظره عنها بانزعاج وفر هاربا من الغرفة لكنها نادته قبل ان يخرج:
- مهلا، انا لدي فكرة
اخذت تشرح له الفكرة بينما راح هو يراقب حماسها وابتسامتها حتى اخيرا توقفت عن الحديث، اراد ان يستحضر كلامها في عقله فاكتشف انه لم يسمع منها شيئا فقطب حاجبيه بضيق يفكر "ربما ما حدث توا ليس امرا مرغوبا ابدا" قال وهو يدعي انه كان يسمعها ولكن "لم افهم"
.
قسمت قلب السلسلة الى قسمين وناولته احد النصفين قائلة:
- سيحتفظ كل واحد منا بنصف السلسلة، ونتسابق على نسيان الشخص الذي نحبه، فلو وصلك النصف الذي معي اعلم اني سبقتك بالنسيان وانك خسرت التحدي وسيكون عليك ان ترمي انت السلسلتين والعكس صحيح ...
ابتسم مبديا اعجابه بالفكرة ليأخذ نصف السلسلة قائلا:
- قبلت التحدي
ارتدى السلسلة وخرج من الغرفة مسرعا وقلبه يتخبط، شتم حظه حين شك انه احب تلك الفتاة، اولا يقع في حب حبيبة صديقه المقرب، ثم يقع في حب قريبة عدوه اللدود...
والامر الافظع انها محجوزة اي لن تكون له ابدا... ربما عليه الا يقرب منها مجددا وحين يسافر لفرنسا سيلتهي بدروسه وهكذا سينسى امرها كليا...
---
- اوه تبا... من اين حصلت على حسابي في الفيسبوك
قالها جواد وهو ينظر مدهوشا الى رسالة وصلته على الفيسبوك، فتحها ليقرأ:
مضى اسبوع ولم يصلني منك السلسلة... الم تستطع التغلب على حماقتك بعد؟
رافقت رسالتها ابتسامة تخرج لسانها استفزازا
عقد حاجبيه وهو ينظر للرسالة مبتسما ثم تحركت يداه دون تفكير ليكتب:
- وكأنك تغلبتي على حماقتك، فلا اذكر انه وصلني منك السلسلة
ارسلت مجموعة فيسات فاطسين ضحك ثم كتبت:
- لو وصلتك سلسلتي ما كنت لانتظر سلسلتك لانك كنت ستتخلص منها هي ووالتي ارسلتها لك
- وما ادراك؟ ربما قررت الاحتفاظ بها لاعطيها للفتاة التي احبها بعد نسيان حسناء
احمرت اريج للفكرة وراحت تفكر "ترى من ستكون تلك الفتاة، على الاغلب ستكون من فرنسا بما انه يقضي كل وقته هناك"
واخر ما خطر ببالها ان تكون هي تلك الفتاة التي سيحبها يوما ما فلم تكن حينها علاقتها بجواد بتلك المتانة وكان ما يزال جو من الشماتة والسخرية تغلف علاقتهما، لكنها شعرت بكراهية مسبقة لحبيبة جواد قبل ان يتعرف هو عليها
كتب حين لاحظ سكوتها لفترة:
- ماذا؟ هل اكل الفأر لسانك
فنجرت عينيها ثم كتبت:
- لا ايها الاحمق، لكنها اكلت اصابعي
عقد حاجباه متفكرا ثم كتب:
- ما دخل اصابعك؟
- غبي، انا اكتب باصابعي وليس بلساني
فرط ضحك ثم ارسل اليها وجوه ضاحكة وعلى اثر صوته اقبل سامر مستغربا ينظر لجواد الذي كان يكتب بهاتفه وعلى وجهه ابتسامة بعرض وجهه، اقترب منه وجلس قربه لينظر الى من يتحدث ودون وعي لكشه جواد بمرفقه ليبعده
نظر سامر اليه بشك ثم قال:
- هل... انت وحسناء...
نظر اليه جواد مستغربا ثم شهق قائلا:
- اعوذ بالله
- اذا الى من تتحدث بكل هذه اللهفة!
عاد ليقترب من شاشة هاتف جواد فابعده جواد منزعجا وقال:
- اعلم انك ان تدخلت ستظن انني احب تلك الفتاة، يا رجل انك ترى الرومنسية كيفما استدرت
تفكر بالامر ثم قال:
- لم ارك تضحك هكذا منذ انفصلت عن حسناء... بل حتى لم تضحك هكذا مع حسناء
- وهذا يوضح اننا لا نحب بعضنا
هز سامر كتفيه ثم قال:
- ليست كل العلاقات متشابهة، ربما شخصية هذه الفتاة تختلف عن شخصية حسناء
- ايجب ان تجمع بين كل شخصين منفصلين!...
- لذا يسمونني رسول الحب
- هه... يا له من لقب سخيف، على كل حال لا تتدخل بيني وبينها لاني لم اتصالح معها منذ زمن، لا اريد ان تخرب علاقتي بها مجددا
نظر اليه سامر بفضول:
- ولما كنتما تتشاجران؟
نظر اليه جواد بنفاذ صبر فنهض سامر قائلا:
- سأعود لاكمل تجهيز الفطور... وانت اترك فتاتك تلك واكمل دراستك فقد مضى على غيابك كثيرا عن الجامعة وعليك ان تعوض الكثير
نظر الى صديقه ثم الى الهاتف حائرا فقال سامر:
- هيا دعه جانبا
تنهد جواد بانزعاج وترك هاتفه واكمل دراسته لكن لم تمر ثوان حتى القى بنظره الى الهاتف عاد لينظر تجاه المطبخ ليتأكد ان سامر لن يأت واخذ الهاتف بسرعة ليتفقد المسنجر فاذا بمجموعة رسائل وصلته من اريج، صفر مصدوما فعاد سامر من المطبخ وقال معاتبا:
- جواد!... عدت للهاتف بهذه السرعة!
نظر جواد لسامر كمن امسك بالجرم المشهود
---
القى جواد بنظره الى كتابه دون ان يرى شيئا مما كتب فيه فعقله كان مشغول بشيء اخر، ماذا يفعل بموضوع اريج، هذه الاشهر الماضية حاول فيها نسيانها لكنها كانت دائما تكلمه على الانترنت فتعود لتذكره بها،
وهو الاحمق لو استطاع ان يفعل معها كما فعل مع حسناء ويترك يوم واحد للكلام، الا انه هو نفسه كان ينجرف بالحديث وينسى الدراسة كليا حين يراها متواجدة على الفيس، حسنا لو ولينا الامر الى انه لم ينساها بسبب تواصله الدائم معها لكان الامر منطقية وسهل التعامل معه،
لكنه لم يحدثها منذ قرابة الاسبوعين بسبب عقاب والدها لكن بدلا من نسيانها في هذه الفترة قلبت حياته رأسها على عقب،
لم يستطع حينها التركيز على دراسته وظل عقله مشغولا بها، مشتاقا اليها، يتوق للتحدث معها،
اذا ما يحدث معه هو حب حتمي لا فرار منه، ليس الامر مجرد انجذاب او ميل او وفاق شخصية... فاذا الامر يستلزم حل حتمي، اما ان يطلبها رسميا اما ان ينساها يقلعها من قلبه للابد، لكن والدها مصر على تزويجها ان ابن عمها فذلك يعني انه لا محال له الا بنسيانها
---