الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
والصلاة والسلام على سيد السادات وأشرف المخلوقات ... سيدنا محمد الشفيع عن أعظم الحادثات حين يبلغ العرق الهامات وبعد : رأيت أن أستنسخ العقيدة الطحاوية مجردة من أي شرح لسهولة فهمها لدى القارئ العامي مثلي ... ولقبولها بالاستحسان عند جميع العلماء وطلاب العلم ... ولتكون مرجعا مهما للطالب إذا استشكل عليه أمر من تصنيفات شروح العقيدة الكثيرة . بسم الله الرحمن الرحيم قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي رحمه الله : هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة ، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني ، رضوان الله عليهم أجمعين ، وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين . نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله : إن الله واحد لا شريك له ، ولا شيء مثله ولا يعجزه شيء ولا إله غيره . قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء ، لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد . لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبه الأنام . خالق بلا حاجة ، رازق بلا مؤنة ، مميت بلا مخافة ، باعث بلا مشقة . ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته . وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا . ليس بعد الخلق استفاد اسم "الخالق" ولا بإحداث البرية استفاد اسم "الباري" ، له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وكما أنه "محيي الموتى" بعدما أحيا ، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، وكذلك استحق اسم "الخالق" قبل إنشائهم . ذلك بانه على كل شيء قدير وكل شيء إليه فقير . وكل أمر عليه يسير . لا يحتاج إلى شيء . (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) . خلق الخلق بعلمه وقدر لهم أقدارا وضرب لهم آجالا ، ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم ، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم ، وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته . ومشيئته تنفذ ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم ، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن . يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا ، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا . وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله ، وهو متعال عن الأضداد والأنداد ، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره . آمنا بذلك كله وأيقنا أن كلا من عنده . وأن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين . وكل دعوى النبوة , بعده فغي وهوى . وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء . وأن القران كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية ، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر ، وقد ذمه الله وعابه وأوعده سقر حيث قال : (( سأصليه سقر )) . فلما أوعد الله بسقر لمن قال : (( إن هذا إلا قول البشر )) ، علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر . ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر . فمن أبصر هذا اعتبر وعن مثل قول الكفار انزجر وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر . والرؤية حق لأهل الجنة ، بغير إحاطة ولا كيفية كما نطق به كتاب ربنا: (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) ، وتفسيره على ما اراده الله تعالى وعلمه وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ومعناه على ما أراد ، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا . فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه . ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام ، فمن رام علم ما حظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان فيتذبذب بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب والإقرار والإنكار موسوسا تائها شاكا لا مؤمنا مصدقا ولا جاحدا مكذبا . ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم أو تأولها بفهم ، إذ كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم ، وعليه دين المسلمين . ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه ، فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية ، منعوت بنعوت الفردانية ، ليس في معناه أحد من البرية . وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات .