بلا اهتمام وضجر مد الكتاب للواقفة خلفه فأمسكته تنظر لصديقتيها وقد أشارتا لها بالبدء ففعلت.. وسرعان ماابتسمت بحماس وهي تهتف : إنه روبرتو بولانيو.. كاتبي التشيلي المفضل
وما إن ذكرت اسمه حتى مَثُل أمامها بابتسامته الوادعة..
جلست هي الأخرى على الكرسي مقابلة له وبابتسامة سألته : كيف هو شعورك سيد بولانيو وقد خرجت للحياة مجدداً؟
_ بامكاني القول أنه شعور جيد..
_ اذاً حدثنا من فضلك كيف كانت بدايتك ومنذ متى بدأت الكتابة؟
_ ستُدهشين لماضي حتماً.. أنا كنت طفللً ولد في منزل فقير بسيط بين عائلة لم تكن تمتهن الكتابة أبداً.. كان ذلك في ال
28 أبريل 1953 سانتياغو, تشيلي.. كان والدي سائق نقل وأمي كانت معلمة اعتادت قراءة الكتب الأكثر مبيعاً لكنه لم تكن مهتمة كثيراً بالأدب.. وأنا.. كنت أبيع التذاكر في الخافلة وكنت أعاني من صعوبةٍ في القراءة والكتاب.. لكن ذلك لم يثنيني أبداً عن التعلم بشغف..
_ هذا مثير حقاً.. إن إعجابي بك يكبر حقاً.. سمعت شائعات عن كونك اعتقلت من قبل الطاغية بونوشيه؟!
تنهد بثقل ثم ابتسم : لاتذكريني.. نجوت بأعجوبة.. كنت قد اغتربت لزمنٍ عن موطني وحينما عدت و كان ذلك قبيل الانقلاب بفترة قصيرة.. وفوراً اقتادوني للسجن.. لكني خرجت منه بعد أيام بمساعدة صديق لي وذلك مادفعني لكتابة قصتي القصيرة " المخبرون"
_حمداً لله على سلامتك وقتها اذاً
اكتفى بابتسامة ضاحكة فأعقبت بحماس : وإلى أين كانت هجرتك
_ كنا في المكسيك.. في عام 1968 م بينما كنت في الخامسة عشر من عمري انتقلت مع عائلتي إلى المكسيك وهناك أكملت دراستي الثانوية التي تركتها نهائياً في السابعة عشرة من عمري. وقد اعتدت الذهاب للمكتبة العامة بالمكسيك تلك المدينة التي انشغلت فيها بعدة اعمال مثل الصحافة وبيع مصابيح السيدة غوادالوبي بينما كنت أكتب الشعر وبعض الأعمال المسرحية. ففي العاصمة المكسيكية بدأ يتشكل العمل الأدبي لي . في الواقع تعد مدينتى المكسيك وخواريز هما موطن ظهور كتاباتي الأكثر شهرة ومنها المخبرون المتحشون
666 على التوالي.
_ ماذا بعد عودتك للمكسيك وعن الحركة الشعرية التي سمعت بأنك اتخذتها..
_ لقد عدت للشعر و أنشأت حركة شعرية عرفت باسم "ما دون الواقعية" كانت برفقة الشاعر ماريو سانتتياغو بابسكيارو (الذي تجسد في دور أوليسيس ليما في رواية المخبرون المتوحشون). جاءت هذة الحركة الشعرية، بعد عدة اجتماعات وجلسات بوهيمية في قهوة الهابانا بشارع بوكارلى، لتعارض بشدة القوى المسيطرة على الشعر المكسيكى والمؤسسة لأدب المكسيك آنذاك والتي كان أوكتافيو باث من أهم ممثليه.
_ ماذا عن هجرتك لأسبانيا
_ أوه لا أحب تذكر ذلك.. كان وقتاً عصيباً.. كنت ذاهباً لألتخق بوالدتي وعشت وقتاً عسيراً عملت خادماً وغاسلاً للصحون و تصرفت بصبيانية وعبث لفترة من الزمن وكنت أسرق الكتب لقرائتها أحياناً
اتسعت عينا الفتاة بصدمة : لاتقلها؟!
_ ولكني تغيرت كثيراً وعدت لرشدي بعد ذلك اللقاء.. كانت هي من غيرت حياتي
_ أثرت فضولي.. من تكون؟
_ كارولينا لوبيث.. كانت في العشرين من عمرها وكنت اكبرها بثمان سنين.. لقائنا كان عام ١٩٨١م كانت تعمل في الخدمات الاجتماعية، وأصبحت لي زوجة المستقبل التي انجبت لي ولدي: لاوتارو والكساندرا. فانتقلنا للعيش سوياً منذ شتاء عام 1984 والذي نشرت فيه روايتي
1984 عندما نشر أول رواية له، نصائح تلميذ ماريسول لأحد مهوسى جويس، التي كتبتها بالتعاون مع انطونيو جارثيا بورتا والحاصلة على جائزة المجال الادبى.
_ وأين عشتم بعدها؟
_ انتقلت وزوجتي الي مدينة بلانس بالقرن من برشلونة لأبدأ العمل في محل المجوهرات الخاص بأمي فيكتوريا وزوجتي باشرت العمل هناك أيضاً في البلدية واستقرينا نهائياً في ذلك المكان الجميل..
_ ولم تعد لتشيلي أبداً؟
_ بلا.. وبعد ٢٥ عاماً عدت إلى الوطن كتبت بعد عودتي كتاباً استوحيته من هذه الرحلة وهو امسيات تشيلى الذي ظهر في عام 2000، وبعد مرور عام نشرت كتاب عاهرات قاتلات، ثاني كتاب قصصى لي .
لقد عدت للرواية مجدداً مذ ولد لي أول ابن..
_ ماذا عن " نجم بعيد" أيذكرك هذا الاسم بشيء؟؟
_ اووه.. إنها آخر مقابلة لي.. كانت مع الصحفية الصحفية مونيكا ماريستاين من مجلة بلاى بوى المكسيكية.
_ لقد كانت جميلة بحق.. لاشيء يفيك بحقك سيد بولانيو
_ لطف منكِ
_ لقد تركت عدة اعمال غير منتهية وآخرين شبه منتهين، مثل كتابك القصصى الثالث الغاوتشو المزعج وروايتك المتميزة 2666، التي تركهتها دون نشر وقسمهتا إلى خمسة أجزاء منفصلة فلما ذلك...
_ أردت أن أؤمن مصدر رزق لزوجتي وأولادي، بالرغم من ذلك وافقوا هم على نشرها كوحدة واحدة كما كانت في الاصل.
_ إنك في روايتك الأخيرة ابديت قدرة خيالية عالية، حدثنا عنها قليلاً
_ هذه المرة تدور الاحداث حول شخصية بينو فون ارتشيمبولدى الذي يمثل شخصية الكاتب المختفى في وسط مدينة خواريز المكسيكية، وهناك تدور احداث مرعبة نتيجة لتعدد انتحار النساء بسبب الاضطهاد.
_ تبدو مثيرة بالفعل
_ أجل أنصحكِ بقرائتها
_ تنتهي مقابلتنا هنا لكن أعمالك العظيمة لم تنته.. نشرت الكثير من الكتب لك.. وقد ترجمت الكثيرات منها للعربية ونشرت.. هناك جملة اشتُهرت بقولها وأريدك أن تختتم اللقاء بها
_ حسناً.. اذاً كما كنت أقول دوماً
"إن المؤلف لو عاش ما يكتبه روحًا لشعر قارئه بضرورة عيشه أيضًا"
_ وأنا سأختتم اللقاء بقصة قصيرة روتها المُترجمة المخضرمة ناتاشا ويمر : «في مدينة مكسيكو عام 1976، وقف شاب في الثلاثة والعشرين من عمره، شعرهُ أشعث ويرتدي نظارة طيارين، في مكتبة غاندي، التي لم تكن تعرف أنها كانت تزوّده بالكتب مجانًا وقرأ من مانيفستو حثّ فيه زملاءه الشعراء على التخلي عن كل شيء لأجل الأدب، واتباع مثال أرتور رامبو، والترحال كيفما قدر. وقال إن الشاعر الحقيقي عليه أن يهجر المقهى، وأن ينضم إلى «الصيادين، ورعاة البقر المنطوين (…) وزبائن البقّاليات المبصوق عليهم، والقاطنين في شقق المجمّعات السكنية الهائلة، وكل الماكرين، والوحيدين، وأولئك الذين لا ينتبه إليهم أحد، والآخرين الذين لا يحبهم أحد. (…) كان المانيفستو بعنوان «اهجر كل شيء من جديد»، وكان الوثيقة الأساسية لحركة الواقعيّة التحتية»
ذلك كان روبيرتو بيلانو.. الكاتب التشيلي الشهير
نختتم اللقاء معه هنا.. وسلامٌ من القلب أهديه لكم