- عمتِ مساءً سيدة جابرييلا.. أو لنقل لوسيلا غودو ، ماهو السر خلف تستركِ خلف اسمٍ وهمي؟؟
- بدءًا عمتِ مساءً سيدتي..حقيقة لم أكن قادرة على كشف هويتي الحقيقية كشاعرة لعملي بالتدريس
وأيضا لكوني عزباء في النهاية يعود هذا إلى طبيعة المجتمع التقليدي والمحافظ آنذاك فنشرت قصائدي باسم مستعار وهو غابرييلا ميسترال تكريما مني للشاعر الفرنسي “فريديرك ميسترال” والمسرحي
والشاعر الإيطالي “غابرييل دي أنونزيو” من تأثرت كثيرًا بأعمالهما.
- غابرييلا أو لوسيا، لا يهمّ.. إنّكِ امرأة استثنائية تمكن منها الحبّ والموت والوحدة، فتغلبت عليهم بالشعر
لتصبح من أشهر شاعرات القرن العشرين. حدثيني عن ذكرياتكِ، عن ولادتكِ وكيف نشأتِ. - ولدتُ في عائلة مثقفة وفقيرة يوم 7 أفريل 1889، لم تكن طفولتي سعيدة بعد أن هجر والدي المنزل وأنا في سنّ الثالثة
فتحملت والدتي أعباء الأطفال والمنزل واشتغلت في مهن بسيطة من أجل إعالتهم. اكتفيتُ حينها بمرحلة الثانوية
ثم اشتغلت بالتدريس من أجل مساعدة عائلتي الفقيرة، في سنة 1906 تعرفت إلى شاب مثقف “روميليو يوريتا”
يشتغل بسكة الحديد، استمرت علاقتي به ثلاث سنوات وانتهت بانتحاره المؤلم؛ لأغوص بعدها في بحر الشعر أبث حزني
ووجعي وجراحًا تفتحت حتى لصرت أقاوم الموت كل يوم.. تحدثت أغلب قصائدي في ديوان ” أناشيد الموت”
الصادر في 1914 عن علاقتي بحبيبي حتى لحظة انتحاره وقد فزت عن هذا الديوان بالجائزة الكبرى في المسابقة
الشعرية “ألعاب الزهر” وكان الشاعر الشيلي مانويل ماغايانِس موري أحد أعضاء لجنة التحكيم.
- وماذا عن التعليم؟ هل قمتِ بهجره بعدما انتقلتِ للشعر؟ - كلا بالطبع، فقد كان سبيل معيشتي.. وفي الواقع لقد ارتقيت به كثيرًا بمراتب متقدمة ومرموقة
مما فتح الأبواب أمامي في المكسيك سنة 1923 والمشاركة من موقعي كمستشارة في إصلاح التعليم الريفي هناك، وبعد انقضاء عامين من عملي بالمكسيك تنقلت في جولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وعدت إلى الوطن سنة 1925
كما قدمت محاضرات في عدّة جامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية، ومثلت بلدها وأمريكا اللاتينية في مؤسسة
التعاون الفكري التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
- إنه بالفعل تاريخ حافل!
- هو كذلك رغم كونه أشبه بالحياة في طريق الموت.
- بل لنقل في طريق الحب.. كما فهمت منكِ، لنقل أن ألم الحب والفراق جعلا من مشاعركِ تتفجر وتنطلق الشاعرة متبحرة القلوب.
- لن أتحدث عن الحب.. بل يكفيني أن أخبركِ بفحواه شعرًا.. «ستكون الأرض أُمًا كارهة إذا تخلت روحك عن روحي
والماء سيرتعد في مجراه من فرط الألم لقد أصبح العالم أكثر جمالًا
منذُ أن جعلتني لك، ولكن عندما وقفنا صامتين قرب إحدى الشجيرات الشائكة
أصبح الحب كما الشوك يخزنا بعطره الفواح».
-كم هذا جميل وشاعري. ماذا عن عشقكِ للأمومة؟ قرأت يومًا لكِ أبياتًا جميلة عن ذلك هلا ألقيتها عليّ؟ ابتسمت غابرييلا بحنين وألم:
قلت أريد ولدًا كما الشجرة في فصل الربيع حينما تمد أغصانها بشوق نحو السماء،
أريد ولدًا ذا سحنة بريئة وفم يدلّ على القلق والتساؤل بعينين واسعتين كأنهما بِلون الكريستال! أعقبت بعدها بجراحٍ قد اشتعلت: "كان لي كالابن.. لكنه كذلك قد انتحر عام ١٩٤٣. ميغيل ابن أخي والذي كان كفلذة كبدي."
كان ذلك مؤلمًا لذا حاولت تغيير دفة الموضوع وقلت بمرح: "هل تعلمين أنكِ حصلتِ على جائزة نوبل؟"
- آه بكل تأكيد أذكر ذلك التاريخ جيدًا؛ عام ١٩٤٥ كان ذلك بعد أن نشرت مجلدات الشعر الثلاث: أناشيد الموت 1914، وتالا سنة 1938 ولاغارا سنة 1953. وبعد عامين من فوزي بجائزة نوبل منحتني جامعة
ميلز في كاليفورنيا شهادة الدكتوراه الفخرية ، ثم تمّ تكريمي بالجائزة الأدبية الوطنية في تشيلي عام 1951.
- هذا مبهر حقًا؛ إضافة لذلك، عند وفاتكِ تم اكتشاف ٨٠٠ قصيدة لم تنشري منها سوى ٣٧٩، لمَ ذلك؟
- لقد كنت لا أزال أدققها منتظرة إظهارها للنور لكن الموت كان أسرع من ذلك..
- قدمتِ الكثير لموطنكِ.. اقرأي لنا بعضًا مما كتبتِ فيه..
- هذه القصيدة باسم: قَدَمان ضئيلتان "قَدَما طفلٍ صغيرٍ ضئيلتان،
زرقاوان من البرد، كيف يمكن أن يروهما ولا يقدموا لك الحماية؟
يا إلهي! قَدَمان ضئيلتان جرّحهما
الحصى،
وجار عليهما الثلج والتراب!
الإنسان في عمائه يتجاهل
أنك حيث تخطو،
تترك بُرْعمًا ساطعًا من النور،
وحيث تضع شتلةً نازفة
تنبِتُ
زهرةُ مِسْكِ الروم. ولأنك رغم كل ذلك تتقدم
عبر الشوارع المستقيمة، فأنت تتصف بالبطولة
والكمال
قَدَما طفلٍ صغيرٍ ضئيلتان،
حَجَران كريمان صغيران يعانيان الألم،
كيف يمكن للناس
أن يمرّوا ولا يروهما."
- لقد كان حقًا لقاءً مثيرًا وممتعًا؛ أحببت خوض تفاصيله معكِ.. لقد غيبكِ الموت عنا في عام 1957 بنيويورك
ولكن لتكوني سعيدة هانئة فقد تم دفنكِ بموطنكِ التشيلي، ونقش على شاهد القبر :
“ما يقدّمه الفنان لبلاده يشبه ما تقدّمه روح الإنسان لجسده”. ابتسمت غابرييلا برضا.. ولم أسمعها تنبس بشفتيها شيئًا لكن عينيها الحزينتان كانتا تشتعلان شكرًا وامتنانًا. اختفت غابرييلا لتعود للكتاب من حيث ظهرت وتركتني بمشاعرٍ لم أستطع وصفها،وأنا أتذمر تلك الكلمات التي وصفت مشاعري تمامًا: عندما يخفق قلبك بالحبّ لأوّل مرّة أو كأوّل مرّة، لا تفكري طويلًا، لقد علوتِ بالحبّ ولم تسقطي فيه، اهرعي إلى قصائد الشاعرة التشيلية غابرييلا ميسترال، افتحي تلك القصائد وكأنّك تفتحين الأبواب المغلقة منذ سنين..
تنقلي بين قصيدة وأخرى، تنفسي جيّدًا ثم ابتسمي مطولًا، فلحظة الحبّ قصيرة مهما طالت، احملي تابوتك على كتفيك وتقدمي خطوات وخطوات، لا خوف عليك وقلبك عاشق.
|
التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 08-22-2019 الساعة 05:43 PM |