الموضوع: مثلث النار
عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 08-27-2019, 07:51 PM
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة گآجومي مشاهدة المشاركة
quote=ألكساندرا]













الفــــــصل الثالث

......فتحت المرأة عيناها بتعب ووجهتهما نحو ابنتها وقالت لها وهي تلفظ انفاسها الاخيرة:" آشلي...انا السبب في حصول هذا الحادث اذ انني كنت اسير في منتصف الطريق كالمجنونة...آشلي لقد اخطأت في حقك صغيرتي....تخليت عنك وتركتك تعانين...أنا ....أنا...آسفة..."

أغمضت عينيها مودعة هذه الحياة الى الابد متوجهة بذلك الى العالم الاخر , باشرت دموع آشلي بالانهمار وراحت تحركها:" لا يمكنك الاعتراف الان...لقد قلت انك لن تفعلي هذا حتى أخر يوم في حياتك وهذا ليس آخر يوم في حياتك...امي ارجوك انهظي انت ستعيشين...انا لا اريدك ان تموتي "
بدأت الامطار تتساقط بغزارة فوصلت سيارة الاسعاف وسيارات الشرطة لتنقل الضحية الى المستشفى.....

ظــلت آشلي جآلسة علــى حآفة الطريق تتأمل سيآرات الإسعاف بنظرآت جامدة وهي تبتعد عن المكـــآن تحمل بدآخلها جثة والدتهآ.....لقد مآتت أمها...لم تستطع تصديق مــآ حدث أمامها قبل لحظآت...تمنت أن تسمع إعتذآر والدتها وتوسلآتها ولكن ليس بهذه الطريقة....إنهآ لم تتخيل مطلــقا أن تكـــون نهآية وآلدتها على هذه الشـــآكلة....إقترب منها أحد رجــال الشرطة وقد أحزنه مآ آلت إليه حالتها النفسية من دمــار...لقد تبلدت ملآمحها وتجمدت أطرافها تماما فبدت وكأنها قطعة جليد كبيرة أخرجت من الثلآجة لآ حركة دبت في أوصالها لتثبت غير ذلگ....
سألها بإهتمام بالغ : " هل أنت بخير يآ آنسة....؟ "
رمقته بنظرة خالية من المعآني وأبت أن ترد على سؤاله ليس طوعآ وإنمآ لأنها أحست بأن قدرتها على الكلآم تلآشت...أصبحت الكلمات التي تندفع من أعماقها كالسيول تندثر على حافة لسانها وتأبى الخروج....فأومأت برأسها وعنت بذلگ " نعم " ثم وجهت تركيزها كله نحو سيارات الشرطة التي أحـــآطت المكآن من كافة جوانبه...لم يغب عنها مشهــد ذلگ السائق المسكين الذي صعد إحدى سياراتهم المصطفة بصفته مرتكب الجريمة...بدرت الى مخيلتها فجأة صورة والدتها وهي ملقآة أمامها غارقة في دمآئها حيث أقرت لها وقتها بأن السائق بريئ من الحادثة...فوقفت على قدميها بسرعة وتوجهت نحو السيارة متجاهلة نظرات ذلگ الشرطي التي راحت تلاحقها :" لحظة.... حضرة الضابط انه بريئ "
إلتفت نحوها الضابط الذي لم يسره تدخلها في عمله وقال لها بانزعاج برزت أثاره في كلماته الفظة : " لست انت من تقررين هذا...بل المحكمة...ثم ما شأنگ بالموضوع ؟ "
ترقرقت عيناها بالدموع وهي ترد عليه قآئلة: " الضحية أمي..."
لآنت ملآمحه فجأة وقد أثار منظرها شجونه....لقد كآنت ترتدي سترة بيضاء وسروال جينز أسود كلاهما تلوثا بالدمــاء والطين جراء جلوسها على الأرض....شعرها الطويل الأسود مبعثر بطريقة فوضوية على جبينها وكتفاها ووجهها شآحب...عيناها محمرتآن من شدة البكآء...فقال لها بهدوء: " إلحقي بنآ الى المغفر يآ آنسة شهادتك ستؤخد بعين الإعتبــــآر في المحآكمة "
نفدت أوامره جملة وتفصيلآ إذ ركبت في إحدى سيـــآراتهم وتوجهت الى مغفر الشرطة برفقتهم....بعد مسيرة دآمت ربع ساعة بلغوآ مقصدهم فترجلت من السيآرة ولحقت بهم إلى دآخل المبنى الكبير ....وكمآ هي الحـــال في مغافر الشرطة فقد وجدت المكآن مكتض بالشكاوى والناس مجتمعين هنآك لكل شخص ما يشغله ومآ يريد وضع حدا له من خلال إدخـآل الشرطة في قضيته الخاصة....قادها الضابط إلــى الداخل حيث غرفة الإستجواب...وكانت غرفة خافتة الإضاءة خالية من الأثاث وكل ما تحتوي عليه هو طـــاولة صغيرة في المنتصف يجلس عليها المتهمين للإعتراف أو الشهود للإدلاء بشهادتهم....وفي إحدى جدرانها كانت هناك نافدة زجاجية كبيرة يقف خلفها إثنان من المسؤولين يستمعان الى الإستجواب الأولي....وأجهزة متوضعة أمامهم تسجل كل كلمة يدلي بها المتهم لتكون حجة ضده أثناء المحاكمة....إنها أشبه ما يكون بإستديو تسجيل أو إذاعة... لولا وسائل التعديب التي يلجأ لها رجال الشرطة لسحب الاعتراف غصبا لكآنا متماثلان تماما....
جلست آشلي على الكرسي...فسألها محقق الإستجواب...
- ما هي علاقتك بالضحية؟
ردت عليه آشلي بصوت بارد خالي من المشاعر: " انها أمــي "
- وصلني أنك قلت لرجال الشرطة ان السائق بريئ ولم يتعمد دهسها بسيارته فهل هذا صحيح....وعلــى أي أساس إستندت لتطلقي هذا الإعتراف....؟
رآحت آشلي تعيد على مسامعه ما قالته له أمها جملة وتفصيلآ
فقال لها المحقق: " هذآ يعنـــي انه حسب قولك فإن الرجل حقا بريئ ولكن لا يمكننا إطلآق صراحه....ليس قبل ان يردنا تقرير الطبيب الشرعي بعد فحصه للجثة...
- حسنا...هل يمكنني المغادرة الآن؟
حرك رأسه موافقا...فوقفت على قدميها و همت بالخروج...ولكن قبل أن تطأ قدمها عتبة الباب إذا بشرطي يدخل غرفة مسرعا وقال لمحقق الإستجاب: " سيد إريس هناك شاب في الخارج قلب المكان رأسا على عقب ويقول انه يريد مقابلة الرجل المحتجز "
تنهد محقق الاستجواب بصمت ثم خرج حيث يتواجد ذلك الشاب فلحقت به آشلي أيضا......
في هذه الأثناء كـآن ذلگ السائق محتجزا في إحدى القاعات....
لا يمكنه مغادرة المغفر قبل ان يتأكد الشرطة من أن الحادث كان غير متعمد....وبما ان ابنتها لم تطلب دية او تعويض فهذا معناه انه لو اتضح للعدالة بإنه بريئ سيخرج دون مشاكل.....كآن هذا كله سينطبق عليه لو كآن رجلا عاديا....ولكنه ليس كذلك وما إن تتسرب الاخبار وتبلغ وكر الصحافة سيهجمون عليه مثل قطيع من الأسود المفترسة ويقطعونه إربا بأخبار ربعها صحيحها ومعظمها من نسج خيالهم..... ما هي إلآ لحظآت حتى اخترق مقر الشرطة شاب بدى عليه أنه ركض طويلا حتى بلغ هذا المكان...ثيابه مبللة بميآه الأمطــار وشعره مبعثر على جبهته...لقد كان هناك أزمة في السير ما جعله هذا يتخلــى عن سيارته وسط الازدحام ويتابع ركضا نحو المغفر....إعترض أحد رجال الشرطة طريقه فصرخ في وجهه: " إبتعد عن طريقي....أريد رؤية أبي "
وقفت آشلي متسمرة تراقب ذلك الشاب الغاضب من رجال الشرطة الذين اعترضوا طريقه ورفضوا ان يسمحوا له برؤيه والده المحتجز.....لم تتمكن من تصديق ما رأته...ذلگ الأشقر الذي ساعدها في حل أزمة المطعم ذات مرة هو نفسه ابن الرجل الذي دهس والدتها بسيارته.....شعر ياتو بإن هناك من يراقبه بصمت فإلتفت ليعرف من الفاعل وإذا ببصره يقع على آشلي التي لم تجد وقتا كافيا لتسرع وتختبأ قبل ان يلمحها.....
حــاول ياتو أن يجد تفسيرا مناسبا لتواجد هذه النادلة في مغفر الشرطة ولكن بلا فائدة....لم يصل الى تفسير يقنعه كل الاقناع فتوجه نحوها مباشرة وسألها قائلا: " انت...ما الذي تفعلينه هنا ؟ "
ردت عليه آشلي ببرود يعادل برود سؤاله: " الأمر لا يعنيك "
إرتفع حاجبآه إستغرآبا....هو يعلم مسبقا بأنها فتاة سليطة اللسآن...ولكن إتضح لــه انها وقحة اضافة الى ذلك...
لم يخفى عن آشلي ذلگ التأثير العميق الذي سببته له إجابتها الوقحة المقتضبة...ولكنه يظن نفسه محور العالم وأن كل النظرات الموجهة نحوه لابد وتكون نظرات محبة وإعجاب...مما لاشگ فيه ان النرجسية هي إحدى صفاته اظافة الى الغرور والتكبر....
- الأمر يعنيه يآ آنسة آشلي....
هذه العبارة التي قيلت بصوت حازم جعلت كل من يآتو وآشلي يستديران بسرعة ليتعرفا على هوية المتكلم ، وإذا به يكون محقق الاستجواب....إقترب منهما بخطوات ثابثة ووقف وجها لوجه أمام ياتو وقال له: " انت اذن من أثار جلبة في هذا المكان؟... اسمعني ايها الشاب.....والدك بسبب تهوره في القيادة أقدم على دهس احد المارة بسيارته ...ومع الاسف لم تكن الضحية محظوظة كفاية اذ تأخرت سيارة الاسعاف في الوصول اليها مما ادى الى وفاتها صباح هذا اليوم....و هي والدة الآنسة....."
كآن ما أدلى به على مسامعه كالصاعقة...لم يستطع أن يستوعب كلمة مما قاله إثر الصدمة التى إختلجت أمواجها في أعماقه وإرتسم أثرها على وجهه الذي كساه شحوب فجأة فراح يرمقه بدهشة ثم سأله بإنفعال: " وهل لديك دليل يثبت ان والدي كان يقود سيارته بسرعة....ثم أكيد ان الحادث لم يكن متعمد ؟"
- ما أدراك؟.....هل كنت حاضرا...؟
- اسمع ايها المحقق لا يمكنك ان تحتجز والدي في الداخل على ذنب لم يقترفه عمدا...انه حادث قدره الله ولو أراد اهلها التعويض سندفع لهم المبلغ الذي يريدونه....ان لديه فوبيا الاماكن المغلقة فاطلق صراحه....حالا...
كان كلامه مقنعا للمحقق وكيف لا يكون كذلك وياتو قد درس القانون وامور الشرطة في الجامعة لسنوات...وهو يعرف جيدا احكام الاحتجاز ...وكل ما هو متعلق بمهام محقق الاستجواب وغيره من رجال الشرطة...
في الوقت عينه شعرت آشلي بحنق شديد جراء كلامه الذي أقر فيه بأنهم سيدفعون التعويض اللازم ليخرج والده من السجن....
هل يعتقد ان صاحب المال قادر على فعل أي شيئ ؟....وان تلگ القطع النقدية لها القدرة على تعويض الأرواح المفقودة....
دام الصمت للحظات بينهم كسرته بقولها: " هل تظن حياة الناس تباع وتشترى مثل السلعة يا هذا؟ "
رمقها ياتو بنظرة باردة ورد على كلامها: " لم أقل شيئا كهذا ولكن الحادث حصل وانتهى....اسف لما اصاب امك واحتجاز ابي في غرفة ضيقة مظلمة لن يعيدها الى الحياة...."
- اسمع أمي قالت قبل وفاتها أن والدك لا علاقة له بالحادث هي من كانت تركض في الطريق مثل المجنونة ولولا هذا لكنت اجبرت القضاء على تنفيد حكم الاعدام لأثأر لمقتل والدتي....أنا واثقة انكم انتم الاغنياء تظنون القانون تحت اقدامكم....تقتلون الارواح...تنهبون الاموال...تطردون العمال...تشترون الناس والقضاء ببعض النقود فقط....
إبتسم ياتو بسخرية وعلق على كلامها قائلا: " إحتقار واضح للأغنياء..."
- لآ أنت مخطئ....إنها الحقيقة وكلآمي ليس ناجم عن احتقار أو إزدراء موجه لكم كما تدعي....بل هو مستند إلى وقائع أثبتها مجتمعكم الراقي القذر....
في هذه اللحظة بالظبط رن هاتف المحقق ما قطع بينهما تلگ الحرب الباردة التي كانت على وشك الإندلاع....راحا يراقبان المحقق بصمت وقد دهشا لتغير ملامح وجهه أثناء المحادثة من الهادئة الى المرتبكة...إذ قطب جبينه جبينه وإرتفع إحدا حاجباه بتلقائية...ثم تلعثم وهو يسأل محدثه قائلا :" مادا تعني....هل تقصد أن كل شيئ كان مدبرا "
ثم ما لبث أن أضاف : " حسنا.....دقائق وسأكون عندك..."
اغلق هاتفه على عجل فسأله ياتو بقلق : " مادا هناك يا حضرة المحقق...أخبرني ؟ "
- لا يمكننا اطلاق سراح والدك الآن ايها الشاب....لقد إتضح في التقرير الذي ارسله لنا الطبيب الشرعي أن والدة الآنسة قد تعرضت لطعنة سكين على مستوى الجانب الأيسر من البطن....وهذا إن دل على شيئ فهو كونها تعرضت لمحاولة قتل...ولكنها تمكنت من الفرار فلحق بها القاتل وحدث الإصطدام.....
كشر ياتو بغضب وقال له: " أ تريد القول ان والدي هو القاتل؟ ....اسمع ابي لا علاقة له بما جرى وما يجري معكم....هو أصلا لا يعرف الضحية... فأنى له ان يطعنها بالسكين ويحاول قتلها فوق ذلگ كله..."
- أنت حاليا تتحدث بعواطفگ ايها الشاب فكن منطقيا....والدگ هو المشتبه به الأول...والمتهم بهذه الجريمة وإن لم يجدوا دليلا على براءته فسيكون مصيره السجن لا محالة....
إقترب منه ياتو بخطوات ثابثة وقال له بهدوء
: " أنا أيضا درست القانون...وأعرف كل شيئ يتعلق به ولا انتظر أحدا ليشرحه لي...وحسب ما أعرفه انا هو انه لا يمكنكم إحتجازه ما لم تعثرو على دليل يدينه...بالله عليگ ابي لا يمكنه قتل ذبابة فما بالگ بإنسان...أنا خير من يعرفه وهو الآن جالس في تلگ الغرفة القذرة المظلمة في حين ان القاتل الحقيقي يتجول خارج جدران هذا المغفر اللعين..."
ظلت آشلي تتأملهما بدهشة عقدت لسانها...شعرت بمغص في معدتها جراء الخبر الذي سمعته لتوها ولم تعد قادرة على الوقوف شعرت برجفة تسري في كامل كيانها وكادت تقع أرضا لولا استنادها للجدار الذي يقع بقربها مباشرة...
والدتها تعرضت لطعنة سكين....هذا ما يفسر ركضها في الطريق مثل المجنونة...كانت تحاول الهروب من قاتلها ولكن سيارة والد ياتو باغتتها على حين غرة فدهستها....إن والده بريئ لأنه لو لم يكن كذلگ لما قالت لها أمها تلگ الكلمات قبل وفاتها...ولكنه كان يجلس بقربهما وقتها...ربما هددها بقتل إبنتها ولهذا السبب قالت تلگ الكلمات لتحميها...هذه الأفكار التي إخترقت جدار عقلها جعلتها مشوشة تماما ولكنها منطقية....وإحتمال أن يكون والد هذا المغرور الأشقر الذي يظن ان روح والدتها تباع وتشترى بالمال هو القاتل...إستجمعت أنفاسها وزفرتها دفعة واحدة ثم قالت بصوت بارد ووجه خالي من أي تعبير: " سيدي المحقق....لقد قالت أمي ان والده بريئ قبل وفاتها "
استدار كل من ياتو والمحقق نحوها فعلق ياتو على كلامها قائلا
: " هل سمعتها يا ايها المحقق؟...ها هو ذا دليل براءة والدي...أخرجه الآن "
إبتسمت شبه ابتسامة قبل ان تضيف قائلة بنبرة يشوبها التهديد والوعيد: " ولكن والدگ كان يجلس بقربنا أنذاك...لربما يكون هو من طعنها.....وعندما قدمت انا ورحت أناديها بأمي خافت علي منه لهذا تلفظت بتلگ الكلمات لتحميني....كل شيئ ممكن وإن اتضح ان والدگ هو من قتل أمي فأقسم لگ أنني لن أغفر لكم جميعا "

ظل يــآتو يتأملها بنظرآت مستغربة...أنــى لهذه الفتاة أن تكون بهذا البرود...لو أصـــاب والده أو والدته مكروه لكآن فقد عقله فبالرغم من كونه يظهر عدم اللامبالاة إلآ أن كل تلگ الانفعالات بدآخله تتجسد على محياه فتفضحه...على خلافها...إنها تبدوا هادئة جدا يعتريها البرود كأنها صنم حجري بلا مشاعر...يلفهما الكبرياء لفا ولولا بقع الدماء التي انتشرت في كافة أنحاء جسدها ولابد انها تعود لوالدتها لكآن كذبهم حين قآلوا له أن أمها هي الضحية في هذه الحادثة....تجآهل تهديدها الذي غلفته ببرودها وقال للمحقق بإصرار: " أريد مقابلة والدي...لا يوجد قانون يمنعني من ذلگ..."
تأفف المحقق بإنزعاج ورد عليه قائلا: " حسنا بسرعة أيها الشاب...وإعلم أنكما تحت المراقبة..."
توجه ياتو إلى غرفة الإحتجاز برفقة أحد رجال الشرطة تاركا بذلگ آشلي والمحقق خلفه في وسط القاعة....وما إن وصل الى غرفة الاحتجاز حتى دخلها مسرعا...كانت الإضاءة خافتة تماما ووالده جالس على كرسي في إحدى زواياها محذب الظهر غارق في الظلام...شارد الدهن يتأمل الأرض بنظرات حزينة فإقترب منه وجلس أمام قدميه وقال له: " أبي...كيف حالگ...؟ "
رفع عيناه نحوه بدهشة...فهو كان شاردا لدرجة أنه لم ينتبه لدخول ولده الى هذا المكان...سارع الى معانقته...( ياتو ولدي)
لطالما كان والد ياتو من النوع الذي يحب مداعبة اطفاله واللعب معهم كأنه واحد منهم فلم يشغله عمله قط عن التقرب منهم وتدليلهم وهذا الأمر جعلهم يكبرون وهم معتادين على تواجده بقربهم كصديق وأب في نفس الوقت....وبما انه لم يرزق الآ بولدين ياتو وشقيقه الكبير فقد كانا أغلى من قرة عينه وشريكا دربه...
طمنه ياتو قائلا وهو يحرك يده على ظهره بلطف: " لا تقلق يآ أبي سأبدل قصارى جهدي لأخرجك من هنا قبل ان يتسرب الخبر...ولكن أخبرني بالذي حدث معك بالظبط..."
عاد والده للجلوس على كرسيه ثم أخفى وجهه خلف يديه وتنهد بعمق قبل ان يشرع قائلا: " كنت صباح هذا اليوم متوجها الى الشركة لأنه لدي إجتماع مهم مع مجموعة من السفراء الصينين...وقتها كانت الأمطار تتساقط بغزارة والضباب كسى الشوارع بحلته فكان من الصعب ان أبصر الطريق امامي وبينما أنا أحاول التركيز مع الحواف كي لآ أفقد السيطرة على سيارتي في خضم تلگ الأجواء.... إذا بطيف إمرأة يظهر لي واضحا جليا أمام السيارة...كانت تركض بإتجاهي بسرعة كبيرة وتستدير للخلف بين الحين والآخر كأنها مرعوبة من شيئ ما يلاحقها...أطلقت العنان لبوق السيارة حتى يلفت انتباهها ويجعلها تبتعد عن طريقي ولكن ما إن وجهت نظرها نحوي حتى وقفت منتصبة امام السيارة التي لم أستطع التحكم فيها من هول الصدمة فضربتها بها....خرجت مهرولا الى الخارج لأرى ما إقترفته يداي إذا بي اجدها خائرة القوى ملقاة على الارض تسبح في بركة دم...خفت كثيرا...لم أستطع التفكير في أي شيئ...فجأة تجمع الناس من حولنا وقدمت إبنتها....ثم لحق بهم رجال الشرطة وقادوني إلى هنا من اجل التحقيق...."
سأله ياتو بهدوء: " ألم تتصل بأحدهم وتطلب منه مساعدتك...أي شخص "
- لا لم اتصل بأحد...أصلا تركت هاتفي في السيارة وخرجت مسرعا...لم أكن قادرا على التفكير في أي شيئ...
صمت لبعض الوقت قبل أن يضيف قائلا
: " كيف عرفت بالحادث يا ياتو؟ "
- الأخبار تنتشر بسرعة.....
وقف والده على قدميه بسرعة وسأله بصوت مرتعب وقد غلف الشحوب ملامحه: " مادا قلت...؟...هل نشرت الصحافة الخبر "
- لا يا أبي....لا احد يعلم بعد...ولكن السائق إتصل بي وأعلمني بأنگ في المغفر...كيف عرف السائق بالأمر ما دمت انت كنت تقود السيارة يا والدي....؟
رد عليه بإرتباك: " لقد اتصلت به وأعلمته بالأمر..."
- حقا..!!......لكنك قلت قبل لحظات لم تتصل بأحد...
باشر جبينه يتصبب عرقا...وإرتفعت درجة حرارته من شدة التوتر
وقال وهو يمرر يده على جبينه ليمسح كل أثر للعرق عليه
: " أنا...نسيت هذا الجزء..لقد اتصلت به قبل خروجي من السيارة "
قاطعه ياتو بحزم: " لا انت لم تتصل بأحد...كما قلت لم تستخدم الهاتف...لقد كان السائق معك أصلا....ولأنگ تعاني من ضعف في البصر كما نعلم نحن الإثنان فكان لابد ان يرافقك في هذا الجو ليقود السيارة...وهو من قتل المرأة...وانت استغليت الضباب وطالبته بالهروب ثم جثوت على ركبتيك بقربها لتبدو وكأنك السائق المصدوم الذي دهسها بسيارته...إعترف يا ابي "
- ما هذا الكلام السخيف....ان الذي ارتكب الجريمة ولا علاقة لسائقي الخاص بالموضوع...لقد كنت أقود السيارة بنفسي...
- أبي....لا تتذاكى أرجوك قلت قبل لحظات لم تتصل بأحد....من اين للسائق ان يعرف بالحادث...كان برفقتك وهو من دهس المرأة ولولا ذلگ لما حاولت التغطية عليه....
إنهار والده على الكرسي بقربه وقال له: " أجل ياتو...ما قلته انت صحيح تماما...ولكن أرجوك...لا تخبر احدا...انا سبب الحادث لو لم اطلب منه ان يزيد في سرعته لما فقد السيطرة وحدث ما حدث.."
صرخ ياتو بإنزعاج : لا يمكنك ان تحاسب في مكان احد اخر..."
- لكنني قلت لك أنني السبب أخفض صوتك....
في هذه اللحظة...قدم أحد رجال الشرطة وأعلن عن انتهاء وقت الزيارة فوقف ياتو على قدميه واستعد للمغادرة...متجاهلا نظرات والده المتوسلة....وقبل ان تطأ قدمه عتبة الباب استدار نحوه وقال له: " سأثبت انگ بريئ....وسأخرجك من هذا المكان "
غادر مغفر الشرطة على عجـــل....عليه أن يتحدث مع السائق ويسمع القصة منه هو الآخر ويطابقها مع كلام والده...ليس لأنه يشك به وإنما ليرتاح قلبه...لم ينتبه لذلكما الشرطيان اللذان خرجا خلفه مباشرة يتبعانه بسرية تامة...لقد سمح له المحقق بدخول غرفة الاحتجاز لمقابلة والده لأنه تكهن بأن والده ولابد سيقول له شيئا ما عن الحادثة...وما إن يخرج حتى يلحقوا به ويتمكنوا من العثور على دليل يدين المتهم...لقد كان ياتو ووالده يتهامسان في معظم الحديث لهذا لم يسمعوا جوهر حديثهما.......يتبع....



[/quote]