~
قطع أبنَوسيّ النّظراتِ المسافةَ الفاصلة بين منزلهِما,متّجهًا نحوَ ناحيةٍ جانبيّة ,حيث خيوط ضوءٍ تَسلَّلُ مِن بين انسِدالِ ستارتَي نافذتِها المُغلقَة.
نقرَ على الزّجاج, فانحسَرَت جهتاهُ عن قَسَماتِها المُستَنكِرة اجتِراءَ أحدٍ على المجيء إلى حجرتِها في ساعةٍ متأخّرة كهذه.ما لبثَت أساريرها أن انفرجَت عن ابتسامة لدى رؤيته. اكتفتْ برفع حاجبَيها تساؤلًا استنطقَ مزحته الرّصينة:
-بِنتَ العَمّ...أساهرةٌ تعدّين النّجوم؟
-أستطيعُ قول الشّيء نفسِه عنك.
فاجأها بسخريةٍ محبّبة:
-إطلاقًا ,فلستُ مَن تقدّم أحدٌ لخِطبتِه اليوم.
استدارت عنه كلّيًّا فأخفى شلّالُ شعرها الفاحم تشنّجَ كتفيها,
بينما استفهمت بأَنفة:
-أخبرك أبي؟
أجاب بلا حماس:
- نعم. سألني عمّا أعرفهُ عنه.
- ماذا قلتَ له؟
- الحقيقةَ ليس إلّا: هو على حدّ علمي شخص جيّد.
بطبيعة الحال فاتَتها استِدارةُ بؤبؤيه امتعاضًا,و هو يستحضر تحامُلَه على نفسه أمام عمّه . تمتمتْ :
-أهذا كلّ شيء؟!
-بَل سألني أيضًا عن رأيي الشّخصي, كوني و إيّاكِ متفاهِمان.
وارَتْ ترقُّبَها بنبرةٍ متّزنة:
-و ...ما هو رأيكَ إذًا؟
- ليس مناسبًا لك, لا أعتقد أنّكِ ستكونين سعيدة معه.
كلماتُه الحازِمة أجبرتها على مواجهةِ سهام عينيه المُصوَّبةٌ مباشرةً في مآقيها كمَن يوصِل رسالةً ما. أشاحَ عنها ليجلس جانبيًّا على حافّة النافذة,و هو يتابع بفتور:
-هذا ما قلته لعمّي.
محتارةً أمستْ, فرنّةُ صوته لا تحاكي ما اعتملَ لوَهلةٍ في مُقلتَيه.
انتشلتها تمتمةٌ ندّت عنه:
-متى ستبلغينه بقرارك؟
-في الواقع... ردَدتُ على أبي و انتهى الأمر.
انزعج لتوتّرِه عند معرفته بأنّ المسألة قد حُسِمت,بينما الفتاة واقفة هناك تضفر شعرها مُتَشاغلةً عنه.
-أمهتمّة بإطلاعي على ردّك؟
أرادت حقًّا أن تسأله: "أمهتمّ فعلًا لمعرفته ", لكنّها خافت على كرامتِها لو حصل و أجاب بنفيٍ بارِد, فرفعتْ رأسها للسّقف هامسة:
-لقد رفضته...
تمكّن ألّايتنفّس الصّعداء وقد انزاحَ همّه, لكنّه لَم يجد ضيرًا بتعليق خفيف:
-توافقينني الرّأيَ إذًا...حكيمة.
همهما معًا بضحكةٍ, غير أنّ مسحةَ حزن تغشّتها فحاول أن يفهمها:
-رغم ذلك...مازلتِ ساهرة.
تردّدت قليلًا فحثّها بشيءٍ من العتب:
-لطالما كنتِ قادرةً على البَوحِ لي.
تنهّدت الآنسة الشّمّاء قبل أن تُسِرّ أخيرًا:
-ماذا لو ... لَم يعبأ بي الشّخص المناسب ؟
استحقّت أن يخبرها بجدّيّة:
- مَن يدري؟ لعلّه يعبأ أكثر ممّا تتوقّعين , ينتظر الوقت المناسب فحسب.
درست هيأته التي حدّدها الضّياء القمريّ الناعِم...
بدا حياديًّا ,ساجيًا , و هو يغادر مجلسه مع تلويحِ ذراعه كتحيّة,مجتنبًا تساؤلَ عينيها اللتَين لاحقتاه بِحياء.
~