نوتاتٌ ذهبيّة ll نافذتي المتسخة أبدعتِ عزيزتي في إيصال الفكرة هالة
النافذة كانت متسخة ، وأنا اكتفيت بنقد هذا العالم القذر دون أن تمتد يدي لتنظيفها....
هل ستقف بجانبي بعد كل هذا...؟
كان جارنا رجلاً كهلاً ، قاسٍ في تعامله مع الجميع ولا أحد يسلم من نظراته ، هجر البعض المبنى السكني بسبب تعامله الفظ مع الناس ، شخص مثله يستحق أن نعامله بازدراء...
وعند آخر الحي ، يسكن زميلي بالصف ، العاق لأمه والذي يصلني صراخها منه ودعاءها عليه بينما أسير في الطريق ، شخص بمنتهى الاهمال يصل متأخراً ولم أره يوماً قد أحضر واجباته ، منعزل ويتضايق الجميع منه ومن شخصيته المخيفة واليوم تم استدعاؤه للمدير بتهمة السرقة ، شخص مثله لن يكون من الخطأ التنمر عليه...
وأثناء العودة من المدرسة أمر بمخبز تلك السيدة الفظة ، كل يوم يتوقف ذلك الطفل المشرد على أمل أن يحظى بأي مساعدة منها ، لكنها كالعادة تصرفه وتعود لعملها وكأنها لم تخذل طفلاً للتو ، شخص مثلها لا يستحق ابتسامة حتى...
واليوم كنت قد أضعت مالي حين غادرت المدرسة ، كنت أعرف أنني في ورطة وأنا في الحافلة دون أن أملك أجرة هذا ، لكن وبينما أنا غارق بتفكيري قطع شرودي يد زميلي وهو يمدها دافعاً لأجرة الحافلة قائلاً أنه سيدفع عن كلانا!
بدا الأمر غريباً خاصة أنه قد اتُهم بالسرقة اليوم ، دفعني الفضول لمتابعته حتى رأيته يدخل أحد المخازن وكم كانت صدمتي حين رأيته يحمل تلك الأشياء الثقيلة ويقوم بنقلها مع العمال
لم يتركني الفضول حتى علمت من أحد العمال أنه يعمل هنا منذ فترة لأنه الوحيد المتبقي لأمه المصابة بمرض نفسي جعل زوجها يتخلى عنها وعن ابنها ، يتحمل صراخها عليه ويعمل بلا تذمر ، فقط لأنه يرى أن لا ذنب لها ، أنه يفضل الموت على أن يراها جائعة يوماً
عدت إلى منزلي متخبطاً ، كم شعرت بأنني مجرد شخص تافه ولو كنت مكانه ما كنت سأفكر هكذا بالتأكيد
مساءً ، أرسلتني أمي لأشتري لها بعض الأغراض من متجر قريب من ذلك المخبز ، وصدمة ثانية تلقيتها حين رأيت ذلك الطفل المشرد يخرج من المخبز وهو يضحك يينما صاحبة المخبز تلاعب شعره بحنان ، دفعني فضولي لسؤاله عن تفسير لهذا ليجيبني الطفل بأن هذه المرأة تطلب منه كل مرة يأتيها أن يدخل من الباب الخلفي حتى لا يراه الزبائن وينظروا له بشفقة ، تعطيه ما يكفيه من الطعام وأحياناً كثيرة تسليه بقصصها الممتعة
عدت إلى منزلي والتخبط لا يزال يتملكني ، هي تساعده يومياً دون ملل ، في الوقت الذي لم يتبادر فيه إلى ذهني أن أساعده حتى بابتسامة حانية تخفف عليه
مررت بمنزل ذلك الجار الفظ ورأيته يحاول نقل صناديق ثقيلة لداخل منزله
ما رأيته اليوم كان كفيلاً بزرع بذور من الخير بداخلي ، رغبة بأن أساعده حتى وان كنت سألقى توبيخاً منه بعدها
وبدون أن أتكلم قمت بنقل الصناديق معه بحرص ولم يقل شيئاً هو الآخر
انتهيت وشعرت بالرضا عن نفسي ، كنت أنوي الرحيل لكني شعرت بيده تستقر على كتفي ، التفت إليه ببعض التوتر وأنا أستعد لسماع كلامه الجارح
لكنه تكلم بملامحه القاسية ذاتها "شكراً لمساعدتك ، أود أن نحتسي كوب شاي معاً كشكر لك"
تكلم بصوت عالٍ وملامح لا تتناسب مع عرضه اللطيف ، لم أملك سوى أن أجيبه بتهذيب "شكراً لك سيدي"
"ماذا قلت؟ ارفع صوتك قليلاً"
طريقته في الكلام جعلتني أدرك أن سمعه ضعيف ، ربما هذا هو سبب كلامه الفظ ، رغم أن منظره يوحي بقدرته على سماع الابرة تصطدم بالارض
قبولي لعرضه كان شيئاً رائعاً أتاح لي الاستمتاع بأحاديثه الممتعة ، ملامحه التي كانت لا تزال صلبة جعلتني أدرك أنه ليس متجهماً بإرادته ، وقد صح توقعي حين أخبرني عن تعرضه لحادث تسبب بشلل بعض عضلات وجهه على هذه الملامح
جميعهم .... كانوا أشخاصاً أفضل مني بكثير..
جاري الذي كان منعزلاً على نفسه ورغم الوحيد الذي لا يزال يدعم ملجأً للأيتام ، زميلي الذي ادعى بأنه سرق ليدافع عن زميل فقير لنا ، قبل أن يطلب من المدير مساعدته ، صاحبة المخبز التي لا يتوقف عطاؤها على ذلك الطفل ، بل تقوم بذات الشيء مع أكثر من ثلاثة أطفال
كانوا أنقياء أكثر مني ، الخير بداخلهم يكفي هذا العالم بأسره ... لكننا ظلمناهم دائماً
لأننا فقط لم نحاول أن نحادثهم يوماً ، نفهمهم أو نقترب منهم
أنا لا أريد منك سوى الوقوف يجانبي ، أعطِ نفسك فرصة لتعرفني ، وربما ستجد بداخلي زهرة من الخير قد تفتحت ..
ربما وقتها فقط ... ستقف بجانبي بعد هذا.....
ولم أدرك معنى الجمال الحقيقي سوى بعد أن تحطمت نافذتي...
كان الأمر خيالياً بطريقة ساحرة
كأنما النجوم تعانق ليلة شتاء باردة ، هكذا استطعتَ أن تمد يدك نحوي ، لقد وقفت بجانبي في النهاية... |
التعديل الأخير تم بواسطة Mārionēttē ; 11-15-2019 الساعة 01:14 PM |