رد: قصة واقعيه قصتي مع فاطمة وجيونكو وكاثرين الحلقة التاسعة عشر كاثرين غريبة الأطوار قليلا، فقد شعرت في عينيها أنها تريد أن تتحدث عن أمر ما لكنها ممتنعة، فأخذنا نتحدث إجمالا عن السعودية، وأمريكا وخاصة المرحلة الأولى التي عشت بها في شارلوت ورأيي بشارلوت مقارنة ببوسطن، وفي أي المستويات الدراسية أدرس حاليا، وقالت لغتك مقبولة جدا خاصة أني تعلمت في وقت قليل وهذا جيد، وعن مشاريعي في المستقبل ، فوضحت أني بنهاية المراحل القليلة المتبقية وحصولي على الدبلوم في اللغة سأعود إلى السعودية لأني اشتقت لأهلي وقد أعود مرة أخرى إلى أمريكا لأزداد في تحصيلي للغة كي أقدم اختبار التوفل ليؤهلني على التقديم للجامعة لتكملة الماجستير فمازلت لا أشعر بقدرتي على تقديمه في الوقت الحالي، ثم بادرتها أنا بالسؤال، لماذا لم تتبعي دين زوجك، فارتبكت ثم قالت احترم دينه كثيرا لكنني باقية على ديني فأهلي متدينون فهم كاثوليكيين، فقلت الم يحاول زوجك أن يدعوكي الى الإسلام، قالت أحياننا لكن كل واحد منا يحترم دين الأخر، ثم حاولت تغير الموضوع فاحترمت رغبتها، ثم قمنا نتمشى قليلا بعد ما أنهينا القهوة في شوارع كامبردج التي تحيط بالمدرسة، ونتحدث بالعربي ، فكانت تعرف بعض الكلمات العربية، وكان حديثي العربي معها غير مفهوم بالنسبة لها، مع العلم أنني حاولت أن أحدثها باللغة العربية الفصحى لا العامية أعلها تتفهمني فقد تكون اللهجة السعودية أو المصرية بكلماتهم بعيدين كل البعد عن ما قد تكون تعرفه لكن دون جدوى، أعتقد أن زوجها لا يتحدث العربية معها مطلقا، وحتى وإن حدثها فغالبا سيتحدث باللهجة المغربية والتي تميل للفرنسية أكثر من العربية، إلى أن انتهى الوقت فودعتها ورحلت. جيونكو تستعد لأن تغادر أمريكا لتعود إلى اليابان، فكنا نذهب معها أنا وطارق للتسوق، اقترب وقت الوداع مرة أخرى، صدقوني كانت فترة محزنة، سنفارق أخت لنا للمرة الثانية، فكنا نعاملها كمن يعامل أخته أو ابنته، فلا نفارقها قدر المستطاع. في نفس الوقت كنا قد اقتربنا كثيرا من كم كبير من طلاب المدرسة من جنسيات مختلفة، وتكرر مشهد النقاش عن الدين مع كثير منهم وبنفس الطريقة ، وكم من شخص منهم استسلم معنا أثناء النقاش وشهد بمصداقية ديننا الحنيف، ولكن هناك كم من المسيحيون من مَن يجادل بأن دينهم يأمر بنفس ما يأمر به الإسلام لكنه لا يجبرهم على كثرة العبادات والتعصب الموجود في الإسلام، وهنا بدأ النقاش يأخذ مجرى أخر، عن المسيحية واليهودية وما بهما من تحريف كامل لمعظم ما كان فيهما. قابلت كاثرين للمرة الثاني وكما شعرت في المرة الأولى انتابني نفس الشعور، إنها خائفة من شيء ما وأشعر أنه الدين، لكن كانت مشكلتي أنها امرأة حساسة وتحتاج إلى وسيلة خاصة في التعامل، فبدأنا نتحدث عن ما فعله كل واحد منا في اليومين السابقين ثم عم الصمت قليلا وأنا أنظر ليها وهي تحتسي القهوة فبادرتها للمرة الثانية بالسؤال ولكني سألتها عن رأيها في فاطمة وجيونكو الفتاتان اليابانية والكورية اللتان اعتنقتا الإسلام، فقالت أمر مثير أن يدخلا للإسلام ويلتزمان بكل ما فيه كالحجاب والصلاة وأشياء كثيرة لم يكونا يفعلانه، فقلت لها إنهما جريئتان، فقد واجهتا الواقع وتعلمتا وقرأتا وإقتنعتا فكانتا من الجرأة بأن أخذتا القرار فأسلمتا، فقالت هل كان لهما دين، فقلت فاطمة كانت بوذية أما جيونكو كانت لا تعتقد في الدين، فقالت نعم البوذية لا يوجد بها ما يقنع بالشكل الكافي اما جيونكو فكانت مسكينة لعدم وجود دين لها، فقلت وأنتي؟ صدمت وتعجبت لجرأت السؤال ثم قالت أنا كاثيلوكية، وأؤمن بوجود الله، ففتحت لها موضوع الأخطاء الكثيرة المتواجدة في دينهم ، وعن تركهم الكثير من ما أمرهم به دينهم كالحجاب والختان وحرمت الخنزير والخمر غيره من التشريعات الكثيرة التي لا يمارسها المسيحيون، فقالت لقد جاء المدعو عندهم بالنبي بولس وعدل الكثير من القوانين والتشريعات القديمة بما يتناسب مع الأوضاع الحديثة فتبسمت ثم سألتها، إذا كنت رئيسة للولايات المتحدة وأردتي أن تختاري سفراء لبلادك كي يمثلوها في دول أخرى ماذا تتوقعين أن تكون صفاتهم؟ تعجبت من السؤال ، ثم قالت يجب أن يكونوا على قدر عالي من التعليم واللباقة والقدرة على التعامل والتخاطب الجيد، وبالطبع يملكون مخزون سياسي عالي المستوى، فقلت رائع. لكن هل من الممكن أن يكونوا متهمين بأي شيء منافي للأخلاق أو سارقين مثلا، فقالت بالطبع لا، فقلت هذا تفكيرك وأنتي بشر فما بالك بتفكير من خلق البشر عندما يختار سفراء له في الأرض، فما هي الصفات التي سيختارها بهم، فقالت ماذا تقصد؟ فقلت عودي إلى العهد القديم في الكتاب المقدس واقرأي عن الأكاذيب المفترى عن الأنبياء عليهم السلام وهم سفراء الله في الأرض من اتهام بالزنا ولعياذ بالله، فقد اتهموا صراحة أن لوط عليه السلام قد مارس الجنس مع بناته وبوصف شنيع، كما اتهموا داوود عليه السلام بأن أرسل قائد جيشه للحرب وأرسل من يقتله ليزني مع زوجته ولعياذ بالله وغيرهم الكثير ، وحتى في العهد الجديد أن عيسى عليه السلام كان يركع ويقبل أقدام طلابه عليه السلام رفَعه الله تعالى عن هذه الأكاذيب، فصدمت بما قلته لها فتهربت بقولها أنا لا أعلم الكثير عن ديني، ثم سألتها أنتي تؤمنين بأن عيسى عليه السلام هو الله أو أبن الله باختلاف مذاهبكم فكيف لإله أن يجوع ويتبول ويمرض وينام فهل إذا نام تكون الدنيا في فوضى عارمة بدون من يحكمها حتى يصحوا، بالفعل ارتبكت وبدأت تتملص من النقاش وقالت اليوم لا أستطيع أن أستمر معك لأكثر من هذا، فلم أترك المجال ثم قلت ما رأيك أن أخبرك بما نؤمن به نحن ، فقالت وبماذا تؤمنون، فسردت لها الحكاية من البداية إلى النهاية وهي في قمة الدهشة لمدى ترتيب الكلام ومنطقيته، فهي تعلم الكثير عن الإسلام ولكن ليس بهذا الترتيب والعمق الملامس للعقل والقلب، ثم طلبت أن نغادر قائلة: هيا بنا نذهب لقد كان يوم لطيف والحديث مشوق، فقلت كما تشائين. ومن بعدها بدأت بالفعل بالتهرب من المقابلة معي وفي كل مرة تتحجج بشيء هذا في حال أني أمسكت بها ولم تهرب دون أن ألاقيها. انتهى الشهر وجاء موعد رحيل جيونكو، يا لها من مأساة وحزن كبير، وكما فعلنا في المرة الأولى مع فاطمة، أخذناها إلى المطار أنا وطارق، وبنفس الحزن ونفس الدموع ونفس المشاعر قالتها جيونكو وهي تبكي، كم أحبكم، سأشتاق إليكم، كانت منهارة من البكاء، كما دمعت عينا طارق وهو يحاول إخفاء ذلك لكن لا يستطيع، للمرة الثانية أشعر أن قطعة من قلبي تخرج من داخلي من ألم العبرة التي حلت بي وأنا أرى الدموع في عينيها وعيني طارق، وللمرة الثانية الولايات المتحدة الأمريكية هي بلد الإسلام بالنسبة لجيونكو، أنها مغادرة من بلادها إلى بلاد الغربة التي كانت بلادها في السابق، وداعا جيونكو وداعا أختي وداعا يا ابنة الإسلام أسأل الله العلي القدير أن يحميك ويثبتك وينصرك على ما ستواجهينه، هل يا ترى سنسمع منها بعد سفرها أم سيحدث ما حدث لفاطمة التي كلمتني مرتين ثم انقطعت أخبارها والى اليوم، أسأل الله لهما الثبات أمين يارب العالمين، أرجوا أن تدعوا لأخواتكم في الغربة يا أخواني القارئين. بدأت أنا وطارق بعد رحيل جيونكو أن نتفرغ للتنزه في أرجاء بوسطن إما لوحدنا أو مع من يرغب الذهاب معنا، فإن كان هنالك من سيذهب معنا وسأل عن الإسلام نال حظه من الصدمات الكونية التي تنهال عليه من الحقائق، حتى يستسلم، وفي إحدى المرات ذهبنا إلى أحد البقالات العربية لنشتري بعض الأطعمة التي اشتقنا لها وخاصة مخلل الفلفل الذي وبكل تأكيد أعلم أن طارق سيضحك عندما يتذكر منظرنا ونحن نقرط حبات الفلفل ومدى المتعة الغريبة التي كنا نشعر بها ونحن نأكله مع سندوتشات الجبنة، المهم عندما بلغنا البقالة العربية وأثناء تبضعنا وإذا بشاشة التلفاز تعرض أغنية أصالة نصري ( يا أولى القبلتين ) فتجمدنا للمناظر الموجودة في الأغنية خاصة منظر محمد الدرة رحمه الله والأطفال الشهداء التي كانت تتوالى صورهم. يا أولى القبلتين... يا ثالث الحرمين ستبقى قبلتنا الأولى... والأقصى المبارك حوله وستبقى لينا الدول العربي فلسطين في قلب الجنين..منقوشة فلسطين مرفوع الجبين... في بطن أمه شهيد وستبقى لينا الدولة العربية فلسطين كم أثرت المشاهد والكلمات والصور التي مرت خلال عرضها في قلوبنا، فخرجنا وما عدنا نشتهي الشراء أو الأكل وأصبحنا نهيم على وجوهنا في الشوارع وفي قلوبنا حزن كبير، أسأل الله العلي القدير أن يفك أسر المسجد الأقصى والأرض المباركة والأمة الإسلامية كلها أمين يارب العالمين، تأكدوا يا أخواني وأخواتي أن المشاعر لهذه المشاهد وانتم في الغربة وفي بلاد ليست اسلامية ولا يشعرون بمأساتنا نحن العرب بل ولا تعني لهم أي شيء تختلف كثيرا عن المشاعر وأنتم في بلادكم. كاثرين تتهرب مني، ولكن حين أقابلها أرى في عينيها الكثير مما تريد قوله، فأصريت على الاستمرار، فما إن أجدها أتوجه اليها وأتحدث معها وإن حانة فرصة جيدة وكان طارق معي أفتح لها موضوع الدين وهل قرأت أم لا ويزيدها طارق بالمعلومات والاجابة على الاستفسارات التي كانت تطرحها، وفي إحدى المرات قلت لها القول المأثور الذي لم تعطني الفرصة يوم ناقشتها أن أقوله لتعجلها بالرحيل فقلت : أنتي الآن تعلمين الحقيقة ومن يعلم ليس كالذي لا يعلم فاحذري. وجاء اليوم الذي كنت أنتظره وبطريقة غريبة جدا. التكملة في الحلقة الأخيرة القادمة بإذن الله مع تحيات أخوكم |