|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
كتاب أزمات الشباب أسباب وحلول أزمات الشباب أسباب وحلول تأليف القاضي الشيخ محمد أحمد كنعان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجينا من عذاب أليم { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}. وأشهد أن محمد عبده ورسوله، ورحمته الى العالمين، جاء بالهدى ودين الحق، بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة، ونصح لأمته في حاضرها ومستقبلها، وجاهد في الله حق جهاده، فمن أطاع الله ورسوله فقد اهتدى، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ وغوى. أما بعد: ففي قول الله عز وجل:{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}، بيان واضح لمسؤولية الإنسان عن نفسه أولا، ثم عن أهله وأقاربه، وهي مسؤولية لا تتعلق بأمور الدنيا ومعايشها، بل تتعلق بأمور الدين، وعاقبة الانسان في الاخرة، حيث تجد كل نفس عملها، من خير أو شر، وتلقى جزاؤها الأوفى، إما في جنة عالية.. وإما في نار حامية.. إن الله تعالى يأمر المؤمنين بان يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب النار، ومعلوم: أن وسيلة الوقاية من النار، ليست بتجهيز الملابس والأقنعة الواقية من حرّها ولهبها.. ولا بإعداد وسائل إطفاء الحرائق.. بل تحصّل هذه "الوقاية" بأمرين هما: " صلاح العقيدة"، بان تكون عقيدة صحيحة، بمطابقتها لما جاء به رسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، و" صلاح العمل"، بان تكون الأعمال صالحة، بموافقتها لشريعته الغرّاء، ومن دون ذلك، فلن يكون للإنسان منجاة من العذاب، ولن يكون له ملجأ أو مفرّ من العقاب يوم القيامة، إلا ما يختصّ به ربنا عز وجل بعض عباده المؤمنين العصاة، من العفو والغفران. والمستفاد من معنى هذه الأية: إن الإنسان لا يجوز له أن يتلهى بأي شيء من أمور " الدنيا"، عما فيه مصلحته ومصلحة أهله في "الدين"، فيهمل واجباته، ويتخلى عن مسؤولياته، وأنه لا يجوز له أن يلهو عن طاعة الله، برغبات نفسه وشهواتها، أو: يلهو بأمواله وأولاده عن ذكر الله سبحانه وعبادته، باعتبارهم زينة الحياة الدنيا كما قال تعالى:{ المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، لأن الله تعالى نهى عن ذلك وحذّر منه في قوله سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}. إن نطاق "الوقاية" التي أمرنا الله تعالى بها، لا ينحصر في مجال مصلحة النفس والأهل، بل يتعدى هذا النطاق، ليشمل المجتمع كله، عملا بالقاعدة الشرعية الواردة في الحديث الشريف :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". فالمجتمع مترابط بشبكة متكاملة من المسؤولية بدءا من مسؤولية الإنسان عن نفسه، وانتهاء بمسؤولية الراعي عن الرعية، تكفل له في حال وفاء المسؤولية حقها، أن يكون مجتمعا سعيدا... صالحا... كما أن "الوقاية" المطلوبة للنفس وللغير، لا تختص بمرحلة معينة من مراحل حياة الإنسان، دون سواها من المراحل، بل هي واجبة في جميع مراحل الحياة البشرية، ولجميع طبقات المجتمع، من "الطفولة".. حتى:" الموت".. وقد اهتمّ فقهاؤنا رحمهم الله تعالى في مؤلفاتهم، ببيان واجبات "المسؤول" في كل مرحلة من هذه المراحل، فوضّحوا الأحكام المتعلقة بواجب الأبوين نحو ولدهما، من حين ولادته، حتى يموتا عنه، أو يموت هو عنهما، وفصّلوا أيضا واجبات المعلمين والمرشدين، في تعليم النشء وتربية الشباب، وبينوا كذلك واجبات المجتمع، في التكافل والتضامن، لحمياة المسنين، والعجزة، والمعوّقين، الذين لا معيل لهم، وحدّدوا أيضا واجبات الحاكمين جميعا، ـ أي:" المسؤولين" أيا كانت وظائفهم ـ تجاه الشعب كله: أطفالا وشبابا.. كهولا وشيوخا.. رجالا ونساء.. ومما لا شك فيه: أن "مرحلة الشباب" من حياة الانسان، هي المرحلة الأخطر والأدق، باعتبارها بداية التكليف الشرعي، ونشوة العمر وجدّته، ولهذا اهتم المصلحون بالشباب، لرعاية شؤونهم، وتوجيه سلوكهم، وتقويم إنحرافهم، ووقاية أخلاقهم، ليغيشوا حياة سعيدة مستقرّة، ويكونوا سعداء صالحين. ولا شك أيضا في: أن الشباب في عصرنا، مهملون مضيّعون.. مغشوشون مضللون.. تتخطفهم العقائد الفاشلة.. وتتجاذبهم التيارات الفاسدة.. لا موجّه يوجههم نحو هدف شريف.. ولا قائد لهم يقودهم صوب غاية حميدة.. ولا حاكم يعطيهم جهده واهتمامه، وعطفه وحنانه.. فلذلك: هم في ضياع.. وفراغ .. وصراع.. لا تمتدّ لنجدتهم يد.. ولا يوضع لمأساتهم حد.. ولا تعالج أزماتهم بالجدّ. تجاه هذا الواقع السيئ لشبابنا.. رأيت من واجبي نحوهم، وهم أبنائي وإخوتي، أن أساعدهم بالنصيحة والرأي، وأعاونهم بالمشورة والتوجيه، فأبيّن لهم أخطر ما يعانون من أزمات ومتاعب، وأعرّفهم على أسبابها.. ومصادرها.. والمسؤول عنها.. وطرق حلها، والخروج منها، والتغلب عليها.. هذا: مع العلم بأن الشباب ليسوا وحدهم الذين يعانون من " الأزمات"، بل إن أزماتهم جزء وبعض من أزمات المجتمع كله، والأزمات في مجتمعنا كثيرة.. ويا للأسف.. والعلاج قليل.. وربما قد يسأل سائل: لماذا ركزتم على "الشباب" من بين طبقات المجتمع؟؟.. ولماذا لا يصب الاهتمام على مرحلة "الطفولة والصبا"، باعتبارها المرحلة التأسيسية الخطيرة في حياة الإنسان؟.. وعن هذا السؤال نجيب: بأننا لا ننكر أهمية مرحلة "الطفولة" في حياة الإنسان، فهي ولا شك المرحلة الأهم، باعتبارها مرحلة الغرس والزرع والتلقين، و "الطفل" يكون فيها كالعجينة اللينة في يد العجّان.. يشكلها فتتشكل، ويعركها فتنعرك.. بلا معاندة ولا معارضة.. فهو يصدّق كل ما يسمع.. ويلقّن العقائد والأفكار والعادات.. فيقبل.. إنه يثق بوالديه ثقة مطلقة.. إذ هو يراهما الصدق كله.. والشجاعة والشهامة والأمانة.. فلا يخطر على باله أنهما قد يلقنانه الضلال، أو يعلمانه الفسوق والعصيان.. أو يكذبان عليه ويغشّانه.. فلذلك هو يأخذ عنهما ويقلدهما من دون تردد، وبلا تحفّظ.. فلو أنهما عوّداه عبادة الخنزير.. لعبده.. ولا عجب في ذلك.. فقد جاء في الحديث الشريف، فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متعددة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يولد يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه.. أو ينصّرانه.. كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟"، والجدعاء هي مقطوعة الأذن. فالطفل حين يبلغ سن التكليف، يأخذ.. ويتلقى.. ويقلد.. ويصدٌق أي شيء.. ولو من الخرافات والأساطير.. فهو إن نشأ مؤمنا، فإيمانه بإيمان أبويه، أو أحدهما، المعزز لفطرته السليمة، وإن نشأ كافرا، فكفره من كفر أبويه اللذين علماه الكفر، وربيّاه عليه، ولكنه لا يبني شيئا من ذلك على قناعة شخصية، ولا على برهان أو دليل مستقل، وهو في هذه المرحلة، غير مطالب بذلك، حتى يصبح مكلفا. والطفل بسسب واقعه هذا، ليس مسؤولا عن أعماله وتصرفاته، ولا هو مؤاخذ بها، حتى يبلغ سن التكليف، فعندها يصبح مؤاخذا، يثاب ويعاقب، فقد روي الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، عن عدد من الصحابة، رضوان الله عليهمن عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن القلم قد رفع عن ثلاثة هم: المجنون حتى يبرأ، والنائم حتى يستيقط، والصبي حتى يحتلم. إن عدم المؤاخذة الشرعية على الطفل في هذه المرحلة، لا يعني أنّ الإنحراف الذي يتعوّده في العقيدة والسلوك لا يضرّه، ولا يؤثّر عليه في المراحل التالية من حياته.. بل إن تلك الإنحرافات، ستنتقل مع الطفل الى مرحلة الشباب، التي هي أولى مراحل التكليف الشرعي، فيصير فيها مكلفا مسؤولا عن أعماله وأقواله، ومؤاخذا بها، فيثاب على الطاعة، ويحمل وزر المعصية.. وعندها سيعاني الشاب من نتائج أخطاء الأبوين والموجهين، الذين أشرفوا عليه في مرحلة "الطفولة"، وسيكون نجاحه أو فشله مرتبطا برغبته وقدرته على ترك ذلك السوء الذي ورّثوه إيّاه.. ومع ذلك: فنحن لم نركّز في كتابنا هذا على مرحلة "الطفولة"، لأنه لا سلطة لنا على فكر الطفل بحال، فهو واقع بالكلية تحت إشراف وليّ أمره.. يفعل به ما يشاء.. فهو لا يحسن القراءة والفهم.. لنكتب له ونحرّك مداركه.. فل1لك رصدنا له الطريق في المرحلة التالية من حياته.. "مرحلة الشباب".. حيث يكون قادرا على الفهم.. متهيئا ومستعدا لمناقشة الأمور.. فكتبنا للشاب هذا الكتاب، لنساعده على التخلص من شوائب الطفولة.. وعلى الخروج من " أزمات الشباب".. آملين في أن يكون هذا الكتاب بإذن الله عز وجل، مرشدا للشباب في حياتهم، ودليلا لهم الى الحق والصواب، وأن يكونوا من أولئك الشباب الناشئين في عبادة الله تعالى وعلى طاعته، الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله.. الحديث. إسم الكتاب أزمات؟ مشاكل؟ استقر الرأي أخيرا، على تسمية هذا الكتاب بـ "أزمات الشباب"، بعد أن تردد في الخاطر تسميته بـ " مشاكل الشباب"، وذلك لأن البعض يعتبر كلمة:" مشاكل" خطأ لغويا، صوابها " مشكلات"، ولكي أحسم هذا الأمر عدت الى قواميس اللغة فوجدت التالي: [" المشكل" هو: الداخل في أشكاله، أي: أمثاله وأشباهه، جمعه:" مشكلات"، وكل مختلط " مشكل" و "الشكلة" : الحمرة تختلط بالبياض، وهذا شيء أشكل، ومنه قيل للأمر المشتبه: مشكل، وأشكل عليّ الأمر: إذا اختلط] (انتهى من القواميس). أما كلمة " مشاكل"، فلم ترد في أي من القواميس الأمهات التي رجعت إليها، ولم يذكرها إلا صاحب "تاج العروس" حيث قال:[ وهو يفك المشاكل، أي: الأمور الملتبسة] ولم يذكر غير ذلك. وهذا المعنى اللغوي، هو الذي استعمله علماء "أصول الفقه"، في باب:"المشكل"، حيث عرّفوه بأنه "الداخل في أشكاله" أي: الذي أشكل على السامع طريق الوصول الى معناه، لدقة المعنى في نفسه لا بعارض، فلا يعرف إلا بدليل يتميّز به، وأطلقوا "المشكلة" على الكلمة التي أشكل المعنى المراد بها، ومثلوا على ذلك بكلمة: " أنّى" في قوله تعالى:{ فأتوا حرثكم أنّى شئتم}، فكلمة: "أنّى" مشكلة، تجيء تارة بمعنى:" من أين"، وتارة بمعنى :" كيف"، فاشتبه ههنا المعنى المراد، فإن كان بمعنى: " أين"، يكون المعنى:" من أي مكان شئتم" قبلا أو : دبرا، فتحلّ اللواطة من إمرأته على هذا المعنى، وإن كان بمعنى: "كيف"، يكون المعنى:" بأي كيفية شئتم" قائما أو قاعدا أو مضطجعا، فيدلّ على تعميم الأحوال دون المحال، فإذا تأملنا في لفظ "الحرث" من قوله تعالى :{ فأتوا حرثكم}، علمنا أن كلمة:" أنّى" هنا بمعنى:" كيف"، لأن الدبر ليس موضع الحرث، بل هو موضع الفرث، فتكون اللواطة من امرأته حراما، لكن حرمتها ظنيّة فلا يكفر مستحلها. ( عن كتب الأصول بتصرف). فيتضح مما تقدّم: أن كلا من: " المشكل"، و"المشكلة" و"المشاكل" و"المشكلات"، هي مفردات وجموع، تدلّ على المختلط الملتبس من الأشياء، ولا تدل على ما نعنيه في هذا الكتاب، وهو الإنحرافات والمخالفات التي يرتكبها الإنسان، وإنّ استعمالنا ـ كغيرنا ـ هذه الكلمات بالمعنى المذكور، هو من باب التوسّع في تحميل اللغة معاني لا تحتملها في الأصل، ولا أرى لهذا التحميل مبرّرا، فلذلك عدلت عن تسمية الكتاب بأي إسم مشتق من "شكل"، وآثرت أن أسميّه بـ " أزمات الشباب"، وذلك لأن من معاني "الأزمة" في اللغة : " الشدّة"، يقال: تأزم القوم: إذا أصابتهم أزمة، وتألموا لأزمة الزمان، ومعنى "الأزمة" الذي هو: " الشدّة" عام يدخل فيه: المصائب، والمعاصي، والضلالات.. إلخ، لأن من ارتكب معصية، أو حلّت به بليّة أو مصيبة، فقد وقع من " شدة"، و" الشدائد" كثيرة.. والله المستعان. مراحل حياة الإنسان 2-مرحلة: "الطفولة والصبا". 3-مرحلة: "الأشد" وهي: مرحلة الشباب. 4-مرحلة: "الشيخوخة". 5-النهاية: "الموت". لقد شاء الله تبارك وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة، فخلق "آدم" عليه السلام من تراب، ثم خلق منه زوجه " حواء" عليها السلام، ومنهما بدأ التناسل البشري، كما قال عز وجل :{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}. وقد بيّن الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: أنه خلق الأنسان على أطوار ومراحل، متتابعة متلاحقة متكاملة، كما قال عز وجل مخاطبا الكافرين خطاب توبيخ:{ ما لكم لا ترجون لله وقارا* وقد خلقكم أطوارا}، والمراد بالأطوار: مراحل خلق الإنسان في رحم أمه، ومراحل نشأته وحياته، وكذلك مراحل خلق أبي البشرية "آدم" عليه السلام. فالله عز وجل خلق "آدم": من "تراب"، ثم من "طين"، ثم من "حمإ مسنون" أي: طين لزج متغيّر الرائحة، ثم من طين يابس، هو "الصلصال"، يسمع منه صوت إذا نقر عليه كالفخّار، ثم نفخ فيه الروح، فصار إنسانا حيّا، عاقلان ناطقا، مستوي القامة، جميل الهيئة، كامل الخلقة، ثم علّمه الله تعالى الأسماء كلها. وبعد ذلك خلق تعالى من "آدم" زوجه "حواء"، ليسكن إليها، وليكون منهما تناسل البشرية بطريق الزواج. فبدأ التناسل البشري، مع أول ولد من أولاد "آدم"، عن طريق الحمل والولادة، في أطوار ومراحل، تدلّ على عظمة الله تعالى، الذي خلق الإنسان وسائر الأكوان، كما قال عز وجل:{ ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}. *** 1-مرحلة الجنانة ذكر الله عز وجل هذه المرحلة بالإجمال والتفصيل، في كتابه العزيز، فقال تعالى:{ هو أعلم بكم إذ أنشاكم من الأرض وإذ أنتم أجنّة في بطون أمهاتكم}، ثم فصّل الله عز وجل مراحل نمو "الجنين" في بطن أمه، مرحلة مرحلة، وطورا طورا، وذلك في عدد كبير من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى في سورة "المؤمنون" :{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين* ثم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}. وكذلك السنّة النبوية الشريفة، فقد جاء فيها، عن رسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، في أطوار نمو الجنين البشري، ومتى ينفخ فيه الروح، ومن أجمعها: ما رواه الشيخان، عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ أو سعيد.." الحديث. 2-مرحلة "الطفولة والصبا" مرحلة " الصبا" هي فترة "الطفولة"، فالمولود يسمى "طفلا"، و"صبيا" أو "صبية"، منذ الولادة حتى البلوغ، لقوله تعالى:{ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم}. وهذه المرحلة لا تكليف فيها على الإنسان، لما جاء في الحديث الشريف، الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من طرق، عن عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وعائشة، رضي الله عنهم، مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"، أي: لا يعاقب الصبي على ارتكابه محرما، ولا تدوّن عليه سيئة، حتى يبلغ فيصير مكلفا. ولكن: من واجبات الوالدين والمربين، ان يؤدّبوا الصبيّ والصبية، إذا فعلا ما يخالف الشرع وآدابه، ويزجروهما عن فعل القبيح، ويعوّدوهما على الطاعات والواجبات، وترك المنهيات، طبقا لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، الذي رواه أبو داود والترمذي، ولفظه لأبي داود:" مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع"، والمراد: الضرب باليد ضربا غير مبرّح ولا مؤذ. ومما لا شك فيه: أن هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس، والتأثير والغرس، في شخصية الولد، في جميع المجالات، والإسلام قد أمر أولي الأمر عن الصغار، بإحسان توجيههم وتربيتهم وتعليمهم، فقام المسلمون بالمهمة خير قيام، حتى صار "المسلم" مثلا يحتذى به في الأخلاق والمعاملة، واعتنوا بالعلم وبتلقين الصغار العلوم على أنواعها، في سن مبكّرة، حيث درج الكثيرون على تحفيظ الأولاد القرآن الكريم من سن الخامسة، فلا يصل الولد الى العاشرة من عمره، حتى يكون قد حفظ القرآن عن ظهر قلب، وقد كان هذا سابقا، ولا يزال حتى الآن في بلاد المسلمين، وإن كان على نطاق غير واسع، فنبع في المسلمين جهابذة العلماء، في مختلف الفنون. *** جاء ذكر هذه المرحلة في مواضع من القرآن العظيم، منها قوله عز وجل في سورة "الأحقاف"، عن الإنسان البارّ بوالديه:{ حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي من ذريّتي إني تبت إليك وإني من المسلمين}، وقوله تعالى:{ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه}. و" الأشد" في اللغة: "القوة، ومبلغ الرجل الحنكة والمعرفة"، وقال الأزهري: " الأشد" في كتاب الله على ثلاثة معان يقرب إختلافها: 1-فأمّا قوله تعالى في قصة "يوسف" عليه السلام:{ ولما بلغ أشدّه آتيناه حكما وعلما}، فمعناه: الإدراك والبلوغ، وحينئذ راودته امرأة العزيز عن نفسه، وكذلك قوله تعالى:{ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه}. 2-وأما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام:{ ولما بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكما وعلما}، فإنه قرن بلوغ " الأشد" بالإستواء، وهو: أن يجتمع أمره وقوّته، ويكتهل وينتهي شبابه. 3-وأما قوله تعالى في سورة " الأحقاف":{ حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة}، فهو أقصى نهاية بلوغ الأشد وعند تمامها بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا، وقد اجتمعت حنكته وتمام عقله (انتهى قول الأزهري). أما مبدأ هذه المرحلة ونهايتها، ففي ذلك أقوال، أهمّها: أن " الأشد" يبدأ ببلوغ الإنسان رشيدا، و"الرشد" هو: أن يبلغ عاقلا مأمونا على نفسه، حسن التصرّف، وحدّد بعضهم سنّ الرشد بثماني عشرة سنة، وبعضهم بسبعة عشر سنة، وقال الجوهري في "الصّحاح": " الأشد" ما بين ثماني عشرة الى ثلاثين سنة. وخلاصة القول الذي يهمنا هنا: أن مرحلة "الأشد" هي: مرحلة النضج والعقل وحسن التصرّف، وهي "مرحلة الشباب" التي هي موضوع هذا الكتاب. *** "الشيخوخة" هي المرحلة الأخيرة من مراحل حياة الإنسان، وقد إختلف العلماء في تحديد أولها، فاعتبرها بعضهم من سنّ الخمسين، وبعضهم قال غير ذلك، ولكن: لا خلاف على أنها آخر المراحل، وأن أحوال الإنسان فيها متفاوتة، فآخرها عجز، وهرم، وضعف، وخرف، كما وصفها الله عز وجل بقوله:{ ونقرّ في الأرحام ما نشاء الى أجل مسمّى ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يردّ الى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا}. *** 5-النهاية: "الموت" "الموت" هو نهاية كل نفس، كما قال عز وجل، {كل نفس ذائقة الموت}، وقال كعب بن زهير في قصيدته "بانت سعاد": كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء منقول ونحن لم نختم مراحل حياة الإنسان بذكر هذه النهاية، إلا لنذكّر أنفسنا والمسلمين جميعا بهذه النهاية، وبوجوب الإستعداد لها، والعمل لما بعدها، فإنّ ما بعدها خطير وخطير، فهناك: إما جنّة أبدا.. وإما نار أبدا.. هناك: لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا تحاسب نفس إلا عنها، { ولا يسأل حميم حميما}، { يوم يفرّ المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}. من هو الإنسان؟ 1-جانب "الحيوانية" في الإنسان. 2-جانب "العقل" في الإنسان. 3-الرابط ما بين الجانبين. 4-الغرائز والشهوات. 5-المادة والروح. 6-الغيب والشهادة. 7-"التفكير" هو: عمل العقل. 8-العقل والهوى. من هو الإنسان؟ إن قصدنا من هذا السؤال:"من هو الإنسان؟" ليس الكلام في خصائص الإنسان، ومراحل تكوينه، بل مرادنا أن نتوقف عند التعريف المنطقي لـ "الإنسان"، لأنه تعريف يشرح الشخصية الإنسانية ويفرز خصائصها، ويحدّد حقيقة كل جانب من جوانبها، فيسهل بالتالي معرفة مستويات الناس المختلفة المتفاوتة، ويسهل أيضا معرفة أسباب فلاح المفلحين، وخسران الخاسرين، وهذا هو هدفنا من هذا الكتاب. فأزمات الشباب ليست سوى نتيجة لفشل، أو: تقصير، أو: تغرير يقع فيه الشباب، أو بعبارة أخرى: فإن الأزمات نتيجة سوء تصرّف يصدر عن الإنسان، بحقّ نفسه، أو بحق الآخرين.. لقد عرف علماء المنطق "الإنسان" بأنه:" حيوان ناطق"، وذلك للدلالة على "المفرد" من الناس، وتمييزه عن غيره من الحيوان، المشارك له في جزء من التعريف، كما سنرى لاحقا وإليك بيان ذلك. 1-جانب الحيوانية في الإنسان "الحيوان": صيغة، مثل: "الغليان"، و"الميدان"، وهي تعني الحركة الحيّة كقوله تعالى في وصف الآخرة:{ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}، أي: لهي الحياة الكاملة السالمة من المنغّصات، ولا تكون الحيوانية في الكائن الحيّ، إلا إذا دبّت فيه "الروح"، فالروح جزء لا غنى عنه في هذا الجانب، من كل كائن حيّ، ومن هنا ندرك: أن الذين يصنّفون "الروح" في الجانب الاخر للإنسان، فيقولون: "الإنسان: مادة وروح"، ويعنون بالمادة: الجسد، وبالروح: العقل والفكر، وما يتعلق بهما، هم مخطئون في هذا التصنيف، لأن المادة لا تعتبر شيئا مهما من دون "الروح"، فأجرام جسد الإنسان وغير من الأحياء، وخلاياه كلها، لا تشكّل من دون الروح جانبا يذكر، لذلك لا يصح التصنيف المتبع للجسم البشري والشخص الإنساني، بأنه:" مادة وروح"، بل الصحيح أن يقال:" إنه حيوان وعقل" كما سنبيّن لاحقا في كلامنا عن "المادة والروح" في البند الخامس. إن جانب "الحيوانية" في الإنسان، يشمل جميع الشهوات والميولات والرغبات، التي خلقها الله تعالى فيه، ومن أهمها وأخطرها: شهوتا "البطن" و "الفرج"، وما يتعلق بهما، فشهوة"البطن" تتعلق بالمأكل والمشرب، وبالسعي الى كسب ما يمكّن الإنسان منهما من وسائل وأسباب، وشهوة "الفرج" تتعلق بالزواج، وما يترتّب عليه من إنجاب الذريّة، والإنسان مأمور بسلوك السبل المشروعة، وهو يسعى للحصول على هذه الشهوات، ولا يجوز له أن يسلك المسالك المحرمة لتحقيق رغبة من رغائبه، وإن فعل فهو آثم، تماما مثلما يؤجر ويثاب على سلوك السبل الشرعية، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا المعنى فيما روه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة" أي: اللسان والفرج. وليس هذا غريبا، فإن المتأمل يدرك: أن مآل كل سعي الإنسان، ينتهي إلى إشباع شهوتي بطنه وفرجه. إذن: فجانب "الحيوانية" في الإنسان هو عبارة عما يلي: جسد حيّ من لحم ودم وعصب وعظم، يحتاج الى: المأكل، والمشرب، والمنكح، والملبس، والمسكن.. إلخ. وشهواته هذه تجوع بعد شبع، وتشبع بعد جوع، وهكذا دواليك، وهو يطلب هذه المطالب الفطرية، ويسعى ويتعب من اجل الحصول عليها إشباعا لرغائبه وشهواته، فهو والحالة هذه، يتفق مع أي كائن حيّ آخر، يشاركه الشّبه في التكوين، فالإنسان من هذا الجانب: "حيوان"، و"الحصان" كذلك "حيوان". ولو أن الإنسان كان بلا عقل، لكان بهيمة بهماء، ودابّة عجماء، وهذا الجانب هو نقطة الضعف في الإنسان كما وصفه الله عز وجل بقوله:{ وخلق الإنسان ضعيفا}، فهو ضعيف في قوته الجسدية، وضعيف في مواجهة الصعوبات والمغريات، وعلى الأخص: إغراء المال...، والجاه...، والمرأة...، فالإنسان في مواجهة هذه الإغراءات أضعف ما يكون، لأنها شهوات حلوة، مزيّنة، مغرية فاتنة، كما وصفها الله تعالى بقوله:{ زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث}. لذلك كان على المسلم أن يستعين بالله تعالى في مواجهة كل المغريات، وأن يكون حذرا في تعامله وتعاطيه وتصرّفاته مع الناس، لئلا يغريه الشيطان، فتزلّ قدمه على الصراط، ويقع في الزلل؛ ولكي يتمكّن الإنسان من الإحتفاظ بتوازنه، فقد أكرمه الله عز وجل بالجانب الآخر، وهو: جانب "العقل" الذي اختصه به من بين سائر "الحيوان".. *** لقد عبّر علماء المنطق عن هذا الجانب بوصف:"ناطق"، فقالوا:" الإنسان حيوان ناطق"، لأن "النطق" خصوصية إنسانية من بين سائر "الحيوان"، وهي خصوصية ظاهرة محسوسة.. ولا تصدر إلا عن كائن عاقل، فكان تعريف الإنسان بها، أدق من تعريفه بالعقل، لخفاء أمره لولا النطق، فالإنسان لو لم يكن ناطقا، لما أمكن إثبات كونه عاقلا، ولو فعل ما فعل من دقائق الأعمال، وغرائب الصناعة والحركات والأصوات، فإن لكل الحيوانات الأخرى أعمالا غريبة، يبلغ بعضها حدّ العجز عن إدراك أسراره، كالنحل والنمل، في إتقان بيوتها، وجني رزقها، مما أدهش العقول، وخيّر الألباب، وهي بلا شك حيوانات لا عقل عندها ولا نطق، فلو أنّ الإنسان كان مثلها لا يتكلم، لما أمكن معرفة أنه عاقل، لانعدام النطق المعبّر عنه كما ذكرنا، وأما ما جاء في القرآن الكريم، من نسبة القول الى "النملة"، وتعليم "سليمان" عليه السلام منطق الطير، في قوله تعالى:{ فلما أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* فتبسّم من قولها..}، وقوله تعالى عن سليمان عليه السلام:{ وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير}، فلا يعني:"النطق" بعقل، المماثل لنطق الإنسان، بل هو قول ألهمه الله تعالى للحيوان، هو عبارة عن أصوات معيّنة علمه الله إياها، تصدر عنه بالغريزة لا بالعقل، لذلك لا يخطئ الحيوان في أصواته أبدا.. بل هي أصوات يصدرها على نسق معيّن، يدركها أبناء جنسه من الحيوان بغرائزهم، أما الإنسان فليس أمره كذلك، بل إنه يفكّر قبل أن ينطق، ويتكلم بالصدق وبالكذب، وبالخطأ وبالصواب، وبالحق والباطل، ويتصرّف بلسانه ولغته كما يشاء.. لأنه عاقل.. والدليل على كونه عاقلا: أنه " ناطق". *** إن تقسيم شخصية الإنسان على نحو ما تقدّم، لا يعدو أن يكون تقسيما نظريّا، أما من حيث الواقع، فالإنسان لا يكون إنسانا إلا بجانبيه: الحيواني ـ الجسدي ـ والعقلي، مع التأكيد على تقدّم الجانب العقلي في الإنسان على الجانب الحيواني، في الفضل والمرتبة، وعلى أن "العقل" هو الذي يعطي " الإنسان" المعنى الصحيح لإنسانيته. والإسلام بتكاليفه وأحكامه، خاطب " الإنسان".. كل الإنسان.. من دون فصل أو تقسيم.. معتبرا إياه شيئا واحدا، فلم يخاطب فيه جانبا دون الآخر ولم يعامله على أنه جسم حيّ متحرّك كسائر الحيوان.. ولا على أنه لطيف مجرد كالملائكة.. بل وجّه إليه الخطاب بالتكليف، باعتباره إنسان متكاملا، وخاطبه بالترغيب والترهيب، اختبارا لحوّاسه ومواهبه وعقله، وأخبره بأنه إن أحسن فلنفسه، وإن أساء فعليها، وبأن المؤمن سيدخل الجنّة بجسده وعقله وروحه، وكلّ حواسّه، وأنّ الكافر سيدخل النار كذلك. وقد وبّخ الله تعالى الكافرين، بأنهم شرّ من دبّ على وجه الأرض، لأنهم كفروا، وجرّدوا أنفسهم من نعمة الإنتفاع بالعقل، فقال عز وجل:{ إنّ شرّ الدوابّ عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون}. كما بيّن سبحانه وتعالى: أن سبب وقوع أهل النار في الضلال، هو تعطيلهم لحواسّهم التي هي روافد العقل، حتى صاروا وكأنهم لا أسماع لهم، ولا أبصار ولا قلوب، بل صاروا أجسادا حيّة متحرّكة، كالأنعام، فاستمع أيها المؤمن الى ما قاله الله تعالى في هذا المعنى، وتأمّل واعتبر.. وقل: الحمد لله على نعمة الإيمان.. قال تعالى:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}، وقال جلّ وعلا:{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا}، ويقول سبحانه مخاطبا رسوله الأمين محمدا صلى الله عليه وسلم، مبيّنا حال الكافرين الغافلين، الذين يستمعون إليه، ولا يسمعون، وينظرون إليه ولا يبصرون:{ ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصمّ ولو كانوا لا يعقلون* ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون* إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون}. *** شاع على ألسنة كثير من المتعلمين، وفي كتاباتهم، إطلاق "الغريزة" على "الشهوة" في الإنسان، وهذا خطأ فادح، بل إن من هؤلاء من أطلق على " الفطرة السليمة" المعروفة بـ "التديّن" وصف " الغريزة"، فسمّوها :" غريزة التديّن"، ووجه الخطأ في ذلك، واضح في المعنى اللغوي لكل واحدة من هاتين الكلمتين؛ فمن العودة الى قواميس اللغة العربية يتبيّن ما يلي: [" الغريزة": الطبيعة، وجمعها: " غرائز"، و"الشهوة" هي: إشتياق النفس إلى الشيء، وجمعها "الشهوات"، وهي الاسم من فعل:" شهي الشيء، واشتهاه"، إذا أحبّه ورغب فيه]. فواضح من تعريف "الشهوة" هذا، أنها اشتياق الى الشيء، وحبّ له، ورغبة فيه، وذلك لا يكون إلا من عاقل، أي: إنسان، بخلاف "الغريزة"، فهي طبيعة في البهائم، أي: جبلة جبلوا عليها، لا عقل يحرّكها، ولا إدراك يوجّهها. فالبهائم لا تشتهي.. وليس فيها "شهوة".. لانعدام العقل، فهي لا تستعرض اللذائذ والأطايب كما يفعل الإنسان، فتثور لديها الرغبة فيها والميل إليها، بل هي لا تتحرّك إلا إذا أحسّت بوجود مأكلها أو مشربها أ, نزوها، فعند ذلك تنقضّ وتقبل، من دون تروّ ولا تمهّل، وعلى سبيل المثال، فإن الفحل من البهائم، ينزو على الأنثى نزوا بلا رويّة، فيقال:" نزا الفحل"، ولا يقال ذلك في الإنسان إذا جامع زوجته، لأن "المجامعة" بين البشر، هي غير "الضراب" بين البهائم. وبالعودة الى آيات القرآن العظيم، نجد إستعمال "الشهوة"، وسائر إشتقاقات هذه الكلمة، في الكلام عن الإنسان فقط، ولم يرد ذكر "الغريزة" ولا مرة واحدة في القرآن الكريم، لأنه خطاب للبشر، بل جاء تشبيه الكافرين بالدواب والأنعام، كما ذكرنا في العنوان السابق. أما الإنسان فقد خلق الله تعالى فيه "الشهوة"، وخلق له "الشهوات"، قال تعالى:{ زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث}، فهذه كلها "شهوات"، وقال تعالى عن قول لوط عليه السلام لقومه:{ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء}، فسمّى تلك الفاحشة:" شهوة" ولم يقل:"غريزة". وحذّر الله تعالى الذين يتّبعون "الشهوات" من سوء العاقبة، فقال تعالى:{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا}. وكذلك في الاخرة حيث ينال المؤمنون في الجنة ما يشتهون، كما قال تعالى:{ وفيها تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين}. وملخّص القول: أن "الشهوة"، من خصائص الإنسان، وهي قد تكون مباحة، وقد تكون محرّمة يأثم بها فاعلها، ومن "الشهوات" ما يؤجر عليها المرء، كشهوة الجماع بالزواج،، وتحرّي الكسب الحلال، وقد جاء ذلك في الحديث الشريف، فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:" وفي بضع أحدكم صدقة" أي: في جماعه زوجته، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال:" أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر". أما "الغريزة" فهي من البهائم خاصة، فلا تطلق "الغريزة" على شيء من خصائص الإنسان، فلا يقال:" غريزة حبّ البقاء"، ولا "غريزة التديّن"، بل هما فطرتان، فطر الله عليهما الإنسان، فهو يحبّ الحياة بالفطرة العاقلة التي فطره الله عليها، لا بالغريزة العجماء العمياء البهماء، والإنسان ميّال بفطرته الى الإيمان، إلا إذا انحرف به والداه فنشّآه على خلاف الفطرة، قال الله تعالى:{ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون}، ومعنى قوله تعالى:{ لا تبديل لخلق الله} أي: لا تبدلوا خلق الله تعالى، ولا تغيّروا في المولود فطرته التي فطره الله عليها، لأن كثيرا من الوالدين، يغيّران هذه الفطرة، ويبدّلانها، بعقائد الكفر والضلالن كما جاء في الحديث الشريف الذي تقدّم نصّه في المقدمة. فهي إذن: "الفطرة.." لا "الغريزة"، فيقال: "فطرة التديّن" و"فطرة حبّ الحياة والبقاء".. إلخ. *** 5-المادة والروح درج الكثيرون على تعريف "الإنسان" بأنه: "مادة وروح"، من دون تحديد لمرادهم بكل منهما، حتى شاع هذا التقسيم، وصار متداولا مألوفا، ولقد كنت ممن يذكر ذلك بالتقليد للآخرين، ولكن: عندما فكّرت في " الإنسان"، وما أودعه الله فيه من آيات، أدركت كم نحن بحاجة الى إعادة نظر، في كثير من المصطلحات والكلمات لتي نستعملها،ومنها كلمتا:"المادة والروح". إن لكل من :"المادة" و"الروح"، إستعمالات ومعاني متعددة، فللمادة في المفهوم "الماركسي" الشيوعي مفهوم خاص ملخصه: [ أن الإنسان والكون، "مادة" تتطور بنفسها ذاتيا، من دون خالق، وأنّ تطوّر المادة هذا، هو الذي انبثق عنه وجود الكائنات..]. فالمادة في المفهوم الماركسي، ليست جانبا من شخصية الإنسان، بل هي أساس وجوده، ولا يخفى: أن "الشيوعية" تنكر وجود الله الخالق عز وجل، لأنها عقيدة إلحاد وكفر. وهناك مذهب أو مفهوم آخر للمادة، فحواه: أن "المادة" في الإنسان عبارة عن "الجسد"، يقابله جانب "الروح"، فهؤلاء يرون: أن جسد الإنسان هو "المادة". وهناك من يرى "المادة" معبّرة عن الجانب الدنيوي في الإنسان، أي: "الجسد" وشهواته ورغائبه، ويرى بالمقابل: أن "الروح" تعبّر عن الجانب المعنوي العقليّ فيه، فقسّموا الإنسان على هذا الأساس، فقالوا: " الإنسان مادة وروح". وأيضا لا ينبغي أن نغفل التعريف "الكنسي" لللإنسان، فإن له تأثيرا كبيرا على المفاهيم التي أشرنا إليها، فالإنسان في المفهوم "الكنسيّ" يتكوّن من ثلاثة عناصر هي :"الروح والنفس والجسد"، ومستند النصارى في هذا التعريف لللإنسان هو قول "بولس" بهذا المعنى الوارد في رسالته الأولى الى "أهل تسالونيقي"، فـ "الجسد" عنده، هو: الجزء المادي في تكوين الإنسان، و"النفس" هي: عنصر الحياة الحيوانية، وفيها يشترك الإنسان مع الحيوان وعليها يتوقف الفهم والحركة والإحساس، و"الروح" هي: العقل. و"النصارى" أيضا يطلقون "الروح" على "الله"، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، فيقولون:" الله روح أبديّ سرمديّ"، ومفهومهم للروح بهذا المعنى، هو الذي ينتسب كهنتهم إليه، فيسمّون أنفسهم:"رؤساء روحيّين"، فالرئيس الروحيّ عندهم هو : كل "كاهن" أعطي صفة كهنوتية، وبالمقابل، فهم يطلقون على غيرهم وصف:"العلمانيين"، أي: غير "الروحيّين اللاهوتيين". بعد هذا الإستعراض لمفهوم "المادة والروح"، نرى أن الذين قسّموا شخصية "الإنسان" إلى" "مادة" و"روح" مخطئون، وذلك لأسباب التالية: أولا: عدم وضوح المراد حصرا بكل من: "المادة" و"الروح"، ومعلوم أن التسمية بشيء لا تصحّ، إلا إذا كانت وافية بالتعريف، مفيدة للمعنى المقصود، فالذين أطلقوا هذين اللفظين على الإنسان، لم يحدّدوا المراد بكل منهما، فلا يزول الإشكال. ثانيا: إن "المادة" في الإنسان لا تنفصل عن "الروح"، لأن الجسد البشريّ من دون روح، هو جماد كالحجر، ومعلوم أن ما يميّز الجسم البشريّ عن سائر الجمادات، إنما هو "الحياة" المستقرّة فيه، أي: "الجانب الحيواني" الذي ذكرناه سابقا. ثالثا: إن الذين أطلقوا "الروح" على "العقل" مخطئون، لأن "الروح" غير "العقل"، فهما مخلوقان متغايران، والعقل لا يعمل إلا بالروح، فالروح هي المحرّك لكل من "الجسد والعقل"، فكيف تكون "الروح" في جانب، وما تعمل هي فيه في جانب آخر؟... فظهر واضحا: أن تقسيم " الإنسان" الى "مادة وروح"، تقسيم غير صحيح، ولا ينطبق على الواقع، وأن التفصيل الصحيح لشخصية الإنسان هو أنه: "حيوان ناطق"، أي: عاقل، كما بيّناه سابقا، وإذا أردنا أن نجاري ما شاع في تعريف الإنسان فنقول: الإنسان مادة وعقل". *** كما أن في الإنسان جانبين هما: "جانب الحيوانية" وما فيه من حوّاس وأعضاء، و"جانب العقل" وما ينتج عنه من فهم وعلم ومعرفة، فإن الموجودات كلها تنقسم أيضا الى قسمين هما: 1-"عالم الغيب"، وهو: ما لا يدرك بالحوّاس، ويعرف هذا القسم بـ "عالم ما وراء المادة". 2-و"عالم الشهادة" أي: عالم المحسوسات الذي تدرك بالحوّاس، ولا يلزم لإدراكها "عقل". ولكي يتمكّن الإنسان من التعرّف على هذين العالمين، والتصديق بهما، فقد خلقه الله تعالى جامعا للحوّاس وللعقل معا، ليدرك بحوّاسه المحسوسات، ويصدّق بعقله بالغيب ويؤمن به. وقد أشار القرآن العظيم الى هذه المعادلة بوضوح، في قوله عز وجل:{ ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}. فبعد أن ذكر الله تعالى علمه المطلق الشامل بالغيب والشهادة، بيّن خلق الإنسان من أوّل أمر تكوينه، حتى نفخ الروح فيه، وهذا هو "جانب الحيوانية" في الإنسان، ثم عقّب بالإشارة الى الجانب الآخر، فذكر أهم الحوّاس المساعدة للعقل وهما: السمع والبصر، لأن العقل يفكّر بما يسمع وبما يرى، فيقدّر ويحكم، وهو "الفؤاد" أي: "القلب" هو مقرّ الوعي، ومستقرّ الإيمان أو الكفر.. إن العقل " جهاز".. يعمل في المحسوسات عن طريق الحوّاس، التي تزوّده بالمعلومات اللازمة للحكم، ووجوده في إدراك المحسوسات عينها، ليس لازما، فإن غير العقلاء من البشر، وكذلك البهائم، تتعرّف على المحسوسات، فتأكل ما ينفعها، وتترك ما يضرّها، وتبتعد عما يؤذيها، من دون حاجة الى عقل تميّز به تلك الأشياء. نعم: إن "لعقل" يعمل في المحسوسات، أي: في المادة باعتبارها من آيات الله تعالى، لاستخلاص البراهين القاطعة على وجود الخالق ووحدانيته، والتصديق بما جاء على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام من الوحي، ومعلوم أن الإنسان مكلّف ومأمور بأعمال فكره في الموجودات، لمعرفة الموجد الخالق عز وجل معرفة صحيحة، والآيات في كتاب الله تعالى في هذا المعنى كثيرة جدا، كقوله عز وجل:{ إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}، وقوله جلّ وعلا:{ وهو الذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين إثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون* وفي الأرض قطع متجاورات وجنّات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد، ونفضّل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}. أما "عالم الغيب" فلا عمل للحوّاس منه على الإطلاق، لأن الحوّاس غير صالحة لإدراك المحسوس، ومن طلب معرفة شيء من الغيب بحوّاسه، فهو جاهل مغفّل، مثله كمثل من يحاول إمساك الهواء أو النور بيده، والمؤسف حقا وجود هذه النوعية في المجتمع، فأحدهم لا يؤمن بالله تعالى لأنه لم يره.. وآخر ينكر الآخرة لأنه لم ير أحدا رجع بعد موته فأخبر بها.. وهكذا.. ولو سألهم سائل: أين عقولكم يا هؤلاء؟؟.. لسكتوا.. وبهتوا.. ولكنّنا نحن نعرف: أين هي عقولهم؟.. إنها في شهوات بطونهم وفروجهم..، فأحدهم قزّم عقله ومسخه، وجعله في بطنه وفرجه.. فلذلك هو لا يعقل.. ولا يفقه.. ولا يعلم.. ولا يتذكّر.. ولا يتفكّر.. بل كل همّه: "بطنه".. أكلا وشرابا.. و"فرجه" فحشاء وبغاء.. فهل مثل هذا.. أهل لأن يعرف الله؟.. إنّ الغيب كله محجوب عن حوّاس الخلق، ولا يعلم أحد من الخلق شيئا من "الغيب"، إلا بإعلام الله عز وجل وإخباره، وهذا الإعلام لا يكون إلا للرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى:{ عالم الغبل فلا يظهر على غيبه أحد* إلا من ارتضى من رسول}. ودور "العقل" في هذا المجال هو: التفكير.. ثم: الحكم الصحيح.. أي: الإيمان والتصديق، مثل: إيماننا بالله تعالى، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، بكل ما فيه من: بعث.. وحشر.. وحساب... وجنّة.. ونار.. وغير ذلك، والقدر خيره وشرّه، فقد آمنّا بذلك وأمثاله، بعقولنا التي وهبنا الله إياها، تصديقا للخبر الصادق الذي جاءنا، على لسان رسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. *** إن "التفكير" .. هو العمل البديهي للعقل، إذ لا فائدة من وجود عقل من غير تفكير، لأن العقل المشلول، ليس بعقل، بل هو جهاز معطّل، وجوده كعدمه. فإذا فكّر "العاقل" في أمر ما..فسينتج عن تفكيره هذا: " تقدير.."، وهذا التقدير: قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ، فيترتّب على ذلك:"حكم.." على ذلك الأمر، قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ، تبعا للتقدير، وهذه العملية الفكرية هي التي سميّناها:"عمل العقل".. وهذا التسلسل في عملية التفكير، ليس من عندنا، بل هو ما وجدناه صريحا في كتاب الله عز وجل، فخذ هذا العرض القرآني الرائع، لعمل العقل الذي أشرنا إليه وقل: سبحان الله العظيم: سئل أحد من العتاة الكفرة من العرب في "مكة"، عن القرآن الكريم" فأجاب.. ولكنّ الله تعالى لم يذكر جوابه فحسب، بل بيّن لنا بالتسلسل، كيف فكّر ذلك الرجل؟.. وكيف قدّر؟ وكيف حكم؟.. فاستمع الى قول الله الحكيم في سورة المدّثّر". 1-{إنّه فكّر وقدّر}، فهذا: تفكير.. ثم: تقدير.. 2-{فقتل كيف قدّر* ثم قتل فقدّر}، هذا توبيخ له على سوء التفكير، وفساد التقدير. 3-{ثم نظر* ثم عبس وبسر* ثم أدبر واستكبر}، وهذا بيان حال المتكبّر، إذا جوبه بالحق.. فإنه يرفضه ويعرض عنه. 4-قم بعد هذا، حكم ذلك الكافر على القرآن فقال:{ إن هذا إلا سحر يؤثر* إن هذا إلا قول البشر}. 5-فكانت عاقبته: وعيدا من الله تعالى له بالعذاب:{ سأصليه سقر}. ومّمن فعل مثل ذلك التفكير الفاسد:"النمرود"، صاحب العقلية "النمرودية"، التي صارت مثلا لكل متجبّر معاند، حتى درج على ألسنة العوامّ قولهم لمن هذه صفاته:" لا تتنمرد.." وبلا "نمردة".. لقد أخبرنا الله تعالى، كيف واجه "النمرود" الحق والحقيقة، وحاجّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الله تعالى، كما قال سبحانه: ألم ترى الى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن أتاه الملك، إذا قال إبراهيم: ربّي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين}. وبالمقابل: فهناك كثير من الناس، أحسنوا التفكير والتقدير، فأصابوا.. وقد أخبر الله تعالى عن مشاهيرهم في الأمم السابقة، ليكونوا أسوة حسنة للعقلاء من الناس، في كلّ زمان ومكان، وينكتفي هنا بذكر مثلين من هؤلاء الصالحين، الذين فكّروا وتفكّروا، وقدّروا، وحكموا، فأحسنوا التفكر والتقدير والحكم، هما: 1-مؤمن آل فرعون: جاءت قصة "مؤمن آل فرعون" مفصّلة، في سورة "غافر"، التي سميّت أيضا :"سورة المؤمن" إشارة له، وهو رجل من آل فرعون وخاصّته، آمن بما جاء به موسى عليه السلام، بلا خوف من فرعون ولا وجل، وقد جادل قومه وحاورهم، محاولا إفهامهم وإقناعهم، فلم يفهموا ولم يعقلوا، وهذا أهمّ ما قاله هذا المؤمن لقومه: 1-{أتقتلون رجلا أن يقول ربيّ الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟}. 2-{ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا}. 3-{يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب* مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد}. 4-{يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد* يوم تولّون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد}. 5-{يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد* يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار}. 6-{ويا قوم مالي أدعوكم الى النجاة وتدعونني الى النار* تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم الى العزيز الغفّارْ. 7-ثم ختم نداءاته لقومه قائلا لهم:{ فستذكرون ما أقول لكم وأفوّض أمري الى الله إنّ الله بصير بالعباد}. 8-فكانت عاقبة هذا الرجل: النجاة، وكانت عاقبة آل فرعون: الخسران، كما قال الله تعالى:{ فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب }. 2-الرجل الساعي من أقصى المدينة: جاءت قصة هذا الرجل في سورة "يس"، في خبر "القرية" التي جاءها المرسلون، فكّذب أهلها المرسلين، وهدّدوهم بالرجم والتعذيب، فعلم ذلك الرجل المؤمن بالأمر، فأسرع من أقصى المدينة، ناصحا ومذكّرا، فقتلوه، فاستمع وتدبّر ما قاله هذا الرجل العاقل المفكر، يقول تعالى:{ وجاء من أقصى المديمة رجل يسعى قال: يا قوم اتبعوا المرسلين* اتبعوا من لا يسألكم عليه أجرا وهم مهتدون* ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون* أأتخذ من دونه آلهة؟! إن يردن الرحمن بضرّ لا تغن عنّي شفاعتهم شيئا ولا ينقذون* إني إذا لفي ضلال مبين* إني آمنت بربكم فاسمعون}، فقالت له الملائكة:{ ادخل الجنة، قال: يا ليت قوم يعلمون* بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}. 8- العقل والهوى "العقل والهوى" قوّتان تتصارعان في الإنسان، الأولى منهما وهي: "العقل" بما يمثل من وعي وفهم، والثانية وهي :" الهوى"، أي:" حبّ الشهوات"، بما يمثل من عجلة وتهوّر واغترار، ومن المهم جدا للإنسان أن يفرّق بين:" فكر العقل"، و"هوى النفس"، لئلا يظنّ هواه عقلا، فيضلّ ويهلك. وما أكثر الذين يتبعون أهواءهم وهم يحسبون أنها عقولهم، وهؤلاء هم جميع المفتونين والزنادقة، الذين انجرفوا مع الهوى، فروّجوا الفتن والضلالات بين المسلمين، وهم يحسبون أنهم يعملون عملا حسنا، كما قال عز وجل:{ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا؟* الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا* أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}. لذلك حذّرنا الله تعالى من اتباع الهوى، مبيّنا أنه ضلال، فقال عز وجل:{ ومن أضلّ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله؟}، وقال سبحانه:{ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنّ}. فإذا سوّلت لك نفسك أمرا، فانتبه، وإذا ثار في نفسك رأي، فاحذر، واعلم: أن "الهوى" كثيرا ما يخالف الشرع، وأنّك لا تكون مؤمنا حقا، إلا إذا كان هواك تبعا لما جاء به الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، دون سواه من البشر. واعلم: أن "العقل" السليم، لا يتعارض مع الشرع أبدا، فإن خطر على بالك، أن شيئا من الشرع لم يقبله عقلك، فاعلم أن ذاك الشرع فيك، ليس عقلك، بل هو هواك، فاحذر الضلال باتباعه، والزم جانب الشرع، فثمّة النجاة.. ومهما كان الحال، فإن "العقل" و"الهوى" يجب أن يكونا طوعا لحكم الشرع، ولا يجوز إخضاع الأحكام الشرعية لموازين العقول، ومقاييس الأهواء، بل على المسلم أن يسمع حكم الله تعالى ويطيع، من دون شكّ ولا تردد، كما قال الله تعالى:{ فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلّموا تسليما}، والله المستعان، وهو الموفق والهادي. *** "التكليف" وطوارئه 2-من هو "المكلف" أولا: شروط التكليف بالإيمان. ثانيا: شروط التكليف بالعبادات. 3-طوارئ التكليف: القسم الأول: الطواءئ السماوية: [الجنون، والعته، والنسيان، النوم، والرقّ، والمرض، والموت]. القسم الثاني: الطوارئ المكتسبة: [الجهل،الإكراه، والهزل، والخطأ، والسّكر]. 1-تقديم وقد وجدنا من المفيد: أن نتوسّع في بحث موضوع "التكليف" هذا، فنبيّن من هو المكلف شرعا؛ وما هي أهمّ الأمور المعترضة على " أهلية الإنسان"، التي تؤدي إلى أسقاط التكليف عنه. إن كلامنا في هذا الشأن، سيكون طبقا لما ذكره علماء " أصول الفقه"، ليس " الأطباء"، لأننا لا نبحث في هذا الكتاب عن أمراض الجسد، ولا عن تعريفاتها الطبية، ولا عن الأدوية والعقاقير التي تعالج بها، بل إننا نبحث في الناحية التكليفية للإنسان، وشروطها، ومسؤوليات المكلف، وما له وما عليه، ونبحث أيضا في المعترضات التي يسقط بسببها التكليف عن الإنسان، إما كليا، وإما جزئيا. إننا لم نتطرّق في مواضيع هذا الكتاب كلها، إلى الناحية الطبية أو النفسية المعروفة، التي تكلم فيها علماء الطب والتشريح والتفس، ونحن فعلنا ذلك قصدا، لأن هذه الناحية ليست مقصودة هنا. لقد ذكرنا مراحل حياة الإنسان، من أولها الى آخرها، طبقا لما جاء في النصوص الشريفة، من الكتاب والسنة، وهذا ما سنفعله هنا في كلامنا عن: "التكليف".. و"المكلف"..و"طوارئ التكليف"، إذ لا يهمنا أن نعرف ـ مثلا ـ : ما هو "الجنون" في عرف أطباء الأمراض العقلية والعصبية، ولا أنواع الجنون، ومراتبه، وعوراضه.. فهذا كله لا يغنينا في كتابنا هذا، لأن هذه المواضيع، تندرج في إطار الكتابة العلمية الطبية المحضة، وذلك لا ينفع سوى الأطباء، والدارسين للطب، وزد على ذلك: أنه ليس من اختصاصنا أصلا. إن ما يعنينا هو: أثر تلك الطوارئ على أهلية "المكلف" من الناحية الشرعية البحتة، لأن المكلف هو المعرّض لأن تصدر عنه " أزمة".. أو أن تحلّ به "أزمة".. وهو الذي يسأل عن حلول "الأزمات".. ويسأل عما يصدر عنه من أسبابها. ولا ينبغي أن ننسى: أن سلسلتنا هذه، هي سلسلة فكرية إصلاحية، توخّينا في كتابتها، توعية المسلمين عامة، والشباب منهم خاصة، بواقعهم العامّ والخاصّ.. وإرشادهم الى السبل الصحيحة لإصلاح: النفوس.. والسلوك.. والتعامل.. في جميع المجالات والميادين، فلا يعنينا إلا ما يساعد على تحقيق هذه الغاية، ولا تتحقق هذه الغاية، إلا عن طريق الإسلام.. عقيدة.. ومنهاجا.. وبالله المستعان على كل حال. وإن سـأل سائل عن بيان فائدة هذه الأمور في هذا الكتاب، وهو كتاب فكريّ بحت، فإننا نجيبه بالقول: إن ما ذكرناه عن مراحل حياة الإنسان، وما سنذكره من أمور الأهلية والتكليف، في هذا الفصل، ليس مفيدا فحسب، بل هو مهمّ جدا في موضوع الكتاب، لما أشرنا إليه آنفا، وللأسباب التالية: أولا: لأننا نبحث في هذا الكتاب في: "أزمات الشباب"، ومعلوم أن " الأزمة" لا تكون ولا تنشأ إلا إذا كان صاحبها مكلفا، فلا أزمة إلا من مكلّف، والشابّ غير المكلف لا أزمة منه بل هو خال تماما عن كلّ مسؤولية، فكان مهمّا أن نبحث في " الأهلية" وشروطها ومسقطاتها. ثانيا: أردنا أن نوسّع نظرة الشباب إلى أنفسهم، وإلى شخصيتهم، وقواهم وطاقاتهم كافة، وأن نلفت نظرهم، ونثير انتباههم الى تلك النّعم الكبرى، التي منّ الله تعالى بها عليهم، ليعرفوا قدرها ومكانتها وقيمتها، فيشكروا الله عز وجل عليها، وليعرف الإنسان أنه لم يخلق عبثا، ولا ليعيش حياته عابثا، بل هو إنسان مكلّف مسؤول. ثالثا: أردنا أن نحثّ الشباب على صون عقولهم، وأسماعهم، وأبصارهم، وسائر حواسّهم، وعدم الإضرار بها أو إتلافها، بأي نوع من أنواع الأذى والتلف، كالخمور.. والمخدرات.. لأنها نعم كبرى لا تقدّر بثمن، ولا يعادلها شيء من أمور الدنيا. رابعا: أردنا أيضا أن يتذكّر الناس دقة التشريع الإسلامي، وشموله، وسموّه، وروعته، ليزداد المؤمن إيمانا، وليباهي بدينه كلّ الأمم والشعوب، وليدرك زيف كل القوانين الموضوعة.. والأنظمة المزخرفة المصنوعة.. التي سرعان ما يتخاطاها الزمن.. ويصيبها الوهن.. وتسبّب الفتن.. وتغرق الناس في البلايا والمحن.. 2-من هو "المكلف"؟ ومع وجود اليسر في التشريع والتكاليف، فإن الشرع الحنيف، قد تضمّن رخصا واستثناءات في حالات معيّنة، راعى فيها قدرة المكلف إذا طرأ عليه عذر، كمرض أو سفر، فقد أباح للمسافر الإفطار في رمضان، ورخّص للمريض بعدم الصيام فيه. وذلك لكيلا يكون للمكلف حجة أو ذريعة، يحاول أن يبرّر بها تقصيره في واجباته، ومخالفته لأحكام الشرع الشريف. إنّ "التكليف" في الإسلام على مرتبتين، تتقدم إحداهما الأخرى، والأولى شرطا من شروط المرتبة الثانية وهما: التكليف بالإيمان أولا، ثم تكليف المسلم بالتكاليف الشرعية الأخرى، ولكل من هاتين المرتبتين شروط، وإليك بيانها: أولا: شروط التكليف بالإيمان: نعني بـ " الإيمان": الإيمان الصحيح الحق، الذي أمر الله تعالى به عباده على ألسنة رسه، وذلك بأن يؤمن الإنسان المكلف: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه، وبكلّ عوالم الغيب، التي أخبر الله تعالى عنها، على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.. إلى غير ذلك من الأمور التي بيّنّاها في كتابنا:" سبيل النهضة". والمكلف شرع بالإيمان، هو: من توفرت فيه الشروط الأربعة التالية، فإن لم يؤمن كان كافرا: الشرط الأول ـ البلوغ: "البالغ هو: الإنسان الذي تجاوز مرحلة "الصبا"، ومن علامات البلوغ عند الصبيّ: نزول المني منه باحتلام أو غيره، أو إحباله زوجته، وعند الصبيّة: أن ترى دم الحيض، أو أن تحبل، فإذا ظهر أيّ من هذه العلامات، فقد بلغ صاحبها، وصار في سن التكليف، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاءن ولكنهم اختلفوا في السّن التي يعتبر الإنسان عند بلوغها بالغا حكما إذا لم تظهر فيه أمارة من أمارات البلوغ التي ذكرناها، فذهب جمهور الفقهاء الى أنّ سنّ البلوغ هي: تمام الخامسة عشرة من العمر. الشرط الثاني ـ العقل: لا شك في أن "العقل" من النّعم الكبرى، التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان، فلذلك اعتبره الشرع الشريف " مناط التكليف"، فلم يكلف إلا عاقل، والعاقل المكلف بالإيمان هو: الإنسان، السالم من الجنون المطبق، أي: الدائم الذي لا أفاقة منه أبدا. أما إذا عقل المجنون، أو بلغ مستجمعا شروط التكليف الأخرى، ثم جنّ، ولم يكن مؤمنا، فقد وجب عليه الإيمان في فترة عقله، فإن لم يؤمن في تلك الفترة، ثم جنّ من جديد فمات، فإنه يدخل النار باعتباره كافرا، ومثله في الحكم: الكافر العاقل إذا جنّ ومات مجنونا، فإنه يدخل النار أيضا، لأنه لم يؤمن حين عقله، ولأن جنونه هذا بمثابة موته، أي: كأنه مات ساعة جنّ، فلذلك هو في النار. أما المجنون المسلم، أو: الذي ولد من أبوين كافرين، ثم جنّ قبل البلوغ، فإنه يدخل الجنّة، لانعدام التكليف أصلا. الشرط الثالث ـ سلامة الحواسّ: المراد بالحواسّ: الحواسّ الخمس التي هي: "السمع، والبصر، واللمس، والشمّ، والذوق" وليس المطلوب شرعا للتكليف، سلامة كل هذه الحواسّ، بل المطلوب سلامة إحدى حاستيّ:" السمع والبصر" فقط، ولا عبرة ببقيّة الحواسّ، لقصور فائدتها وأهميتها في الإنسان. فإذا كان الإنسان سليم السمع، أي: سميعا، أو سليم البصر، أي: بصيرا، فقد توفّر في شرط من شروط التكليف بالإيمان، وذلك لأن تأثر العقل بالسمع والبصر، أشدّ من تأثره بالحواسّ الأخرى، إذا أنّ كلا من هاتين الحاستين، يتخطّى النطاق القريب من الإنسان، الى مجال أوسع، فالبصر يمتد.. والسمع يلتقط ويسترق.. من دون ملامسة، وها نحن نرى ونسمع عبر الأثير، من أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، ما يحدث في أقصى الأرض، وهذا لا يمكن تحصيله بغير السمع والبصر من الحواسّ، وقد أشار الله تعالى الى أهمية هاتين الحاسّتين في مواضع في كتابه العزيز، حيث قرن بينهما، وخصّهما بالذكر من بن سائر الحواس، كقوله سبحانه:{ ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}، ولهذا كانت سلامة إحدى هاتين الحاستين، كافية لتزويد العقل بما يكفيه من الدلائل، لمعرفة الله تعالى، والإيمان به عز وجل. الشرط الرابع ـ بلوغ الدعوة: إن شر "بلوغ دعوة الإسلام" الإنسان، ليكون مكلفا بالإيمان، هو قول عامّة العلماء، وقد خالف فيه من لا يعتدّ بخلافه، فمن لم يسمع بالإسلام مطلقا، ولم يصله خبر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكن مكلفا، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأمره الى الله، ولهذا كان واجبا على المسلمين أن يقوموا بتبليغ العالم كله رسالة الإسلام، ولا يجوز لنا أن نقاتل قوما لم تبلغهم دعوة الإسلام بأيّ وجه من الوجوه. فالمكلف بالإيمان هو: كلّ إنسان اجتمعت فيه هذه الشروط الأربعة، فإن آمن فقد اهتدى وفاز، وإن لم يؤمن فقد خاب وخسر خسرانا مبينا، و" الإيمان" هو بحد ذاته الشرط الأول لتكليف المسلم بالتكاليف الشرعية العملية كلها، كما سنبيّن، وهي المسألة التالية. *** ثانيا: شروط التكليف بالعبادات " العبادات" هي: الفرائض والواجبات الشرعية؛ التي أمر الله تعالى بها المؤمن، و" الشروط التكليف" بها تسمّى عند الفقهاء:" شروط الوجوب"، أي: الشروط التي يجب على المكلف فعل الأمر بتوفرها فيه. ففي " الصلا": يشترط لوجوبها على الإنسان، أن يكون: مسلما، بالغا، عاقلا، وأن تكون المرأة خالية عن حيض أو نفاس، فهي غير مكلفة بالصلاة أثناء ذلك، فلا قضاء عليها بعد حيضها. فتجب الصلاة وجوبا عينيا، على من توفرت فيه هذه الشروط، فيثاب على فعلها، ويعاقب على تركها، وعلى ترك غيرها من الفرائض أيضا. أما الكافر، فلا يطالب بالصلاة، ولا بغيرها من الفرائض في الدنيا، ولكنه سيعاقب على ترك الفرائض وفعل المحرمات، زيادة على العذاب جزاء كفره. وتجب " الزكاة" على: المسلم، الحرّ، مالك النصاب الشرعي بشروطه، فلا زكاة على "العبد" لانعدام الملكية، ولا يطالب بها الكافر في الدنيا، كما أشرنا، بل تؤخذ منه " الجزية" إن كان من أهلها، على نحو ما بيّنه الفقهاء. ولم يشترط فريق من الفقهاء، البلوغ ولا العقل لوجوب " الزكاة"، فقالوا بوجوب "الزكاة" في مال الصبيّ والمجنون، يخرجها عنه وليّه. ويجب "الصيام" في شهر رمضان على: المسلم، البالغ، العاقل، الحر، المستطيع، على تفصيل في معنى الإستطاعة، مذكور في مواضعه، ليس هنا مجال بحثه. إن " التكليف" ليس شرطا للقيام بالواجبات فحسب، بل هو أيضا شرط لإقامة الحدودن ومعاقبة الجناة في حال وقوع عدوان على الدين، أو النفس، أو المال، أو العرض، أو العقل، فيشترط ـ مثلاـ لمعاقبة الجاني: أن يكون "مكلفا"، فلا يعاقب المجنون، ولا النائم، وكذلك الصبيّ قبل البلوغ. أما أمر الصبيّ دون البلوغ، بالصلاة والصيام وغيرهما، فليس لأنها واجبة عليه، بل ليتعلم أداءها، ويمارسها قبل سنّ الوجوب، فيألف العبادة ويحبها، فلا يتركها بعد البلوغ، وكذلك نهي الصبي عن فعل المحرّمات. وعلى كل حال: فإن أمر الصغير بالواجبات، ونهيه وزجره عن المحرّمات، واجب على وليّ أمره، بل هو من أهم واجبات الأبوين تجاه أولادهما، وهو عماد التربية الصالحة. 3-طوارئ التكليف القسم الأول: الطوارئ السماوية يراد بالطوارئ السماوية، الأمور المعترضة على الأهلية، التي تصيب الإنسان المكلف، فيفقد بها أهليته، من دون أن يكون له فيها أيّ اختيار أو كسب، وأهمّ هذه الأمور ما يلي: 1-الجنون: عرّف علماء الأصول " الجنون" بأنه: " آفة باعثة للإنسان على أفعال تخالف مقتضى العقل، من غير ضعف في أعضاء المجنون". و" الجنون" قد يكون مطبقا، دائما مع الإنسان حتى الموت، وقد يكون متقطّعا، وقد يعرض مدة من الزمن، ثم يزول بالكليّة. وفي مطلق الأحوال: فإن "الجنون" مناقض للتكليف، فلا مسؤولية على المجنون مطلقا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، كما ذكرنا في شروط التكليف بالإيمان. 2-العته: " العته" بفتح العين والتاء هو: آفة توجب خللا في العقل، فيصير صاحبه مختلطا، يشبه بعض كلامه كلام العقلاء، وبعضه كلام المجانين، وكذلك جميع أفعاله، تكون على هذا النحو من الاختلاط، وسبب هذا الإختلاط: نقصان عقله. و " المعتوه" لا تجب عليه العبادات، ولا تثبت في حقه العقوبات، أما سائر تصرفاته، ففي أحكامها تفصيل ليس هنا موضع بسطه. 3-النسيان: " النسيان" معروف، وقيل في تعريفه: إنه " أمر يعرض للعقل، فيصرفه عن تذكر مطلوب، أو: عن فعل أمر لازم"، وهو مغافر في حقوق الله تعالى، فلا يترتب على نسيان واجب من الواجبات الشرعية إثم، كمن نسي صلاة ثم ذكرها، فإن عليه أن يصليها حين يذكرها، ولا إثم عليه في هذا النسيان، لقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه :" من نسي صلاة، فليصلّ إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك"، وعن إبراهيم النخعي قال:" من ترك صلاةواحدة عشرين سنة، لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة"، أي: لم يجب عليه سوى قضائها كما هي، صلاة واحدة ولو تركها من دون قضاء، عشرين سنة. أما في حقوق العباد، فلا يكون النسيان عذرا فيها، فمن أتلف مال إنسان ناسيا، ضمن له قيمته، ولكن لا إثم عليه، لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رفع عن أمتي: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه"، أي: رفع عنهم الإثم، إن فعلوا محرما خطأ، أو: بالإكراه، وسيأتي تفصيل حكم " الإكراه" لاحقا، في "الطوارئ المكتسبة". 4-النوم: "النوم" راحة للبدن، لقوله تعالى:{ وجعلنا نومكم سباتا}، وهو من آيات الله تعالى، الذي خلق "النوم" وهو شبيه بالموت، ويسمّى: "الموتة الصغرى"، ليكون راحة لبدن الإنسان من عناء السعي والعمل، قال تعالى:{ ومن آياته منامكم بالليل}. وقد عرّف علماء الأصول " النوم" بأنه:" عجز عن إستعمال القدرة لفترة عارضة"، فالإنسان النائم، لا يقدر على إستعمال حواسّه ليدرك المحسوسات، ولا يقدر أيضا على إستعمال نور العقل ليدرك المعقولات، ولا يقدر على أفعاله الإختيارية، كالقيام والقعود، والركوع والسجود. ويترتب على "النوم": تأخير الخطاب بأداء التكاليف، لوجود العجز، و"النوم" ينافي الإختيار أصلا، فلا عبرة بما يلفظه النائم من عبارات: الطلاق، والإسلام، والرّدّة، فمن طلّق زوجته وهو نائم، فلا يقع طلاقه، وإن أسلم كافر وهو نائم، فلا يعتبر إسلامه، وإن ارتدّ مسلم وهو نائم، فلا تعتبر ردّته، وقد جاء في الحديث الشريف الذي ذكرنا نصّه في "مرحلة الطفولة": أن القلم رفع عن النائم حتى يستيقظ. ويشبه "النوم" في كثير من أحكامه:" الإغماء" الذي هو: مرض يضعف القوى، ولا يزيل العقل، وهو أشد على القوى من النوم، لأن النائم إذا نبّه تنبّه، وليس كذلك المغمى عليه. 5-الرّق: "الرّق" مشروع في الإسلام، ولا يكون إلا من سبايا القتال ضدّ الكفار، على نحو ما هو مفصّل في كتب الفقه، وقد شرع "الرّق" جزاء للكافر على كفره، لأن الكفار لما استنكفوا واستكبروا أن يكونوا عبيدا لله، فجازاهم الله تعالى بأن جعلهم عبيدا لعبيده. و"الرٌق": عجز حكمي، غير حقيقي، أي: إن الرقيق عاجز بحكم الشرع عن التصرفات، فهو مملوك ولا يملك، ولا تصح منه حجّة الإسلام، ولا تجب عليه صلاة الجمعة، وله أحكام أخرى مفصّلة في كتب الفقه. ونؤكد هنا: أنه لا عبرة مطلقا بزعم من يزعم، أن " الرّق" في الإسلام، غير مشروع دائما، وأصحاب هذا الزعم، جاهلون بنصوص الآيات القرآنية، وبالأحاديث النبوية، وبأقوال الأئمة الفقهاء، الذين أجمعوا على أن "الرّق" مشروع ولا يزال، وسيظل مشروعا الى قيام الساعة، وإن لم توجد الدولة التي تجري أحكامه. أما الزعم بأن " الرق" ينافي كرامة الإنسان وحريّة الإنسان، فهو زعم مردود من وجهين: أحدهما: أن الكافر لا كرامة له أصلا، إذ كيف يكون كريما من أهانه الله تعالى القائل:{ ومن يهن الله فما له من مكرم}، والإنسان لا يكون كريما عزيزا إلا بالإيمان، وبغير ذلك فلا كرامة ولا عزة. وثانيهما: أن الذين يدّعون الغيرة على "حرية الإنسان"، و"حقوق الإنسان"، من الأمم الكافرة، وعلى الأخص الدول الغربية كافة، هم كاذبون في دعواهم، لأن تاريخهم حافل بالمخازي والإضطهاد ضد " الإنسان" وكرامة الإنسان، والعالم لم ينس بعد: كيف كان يذهب تجار الرقيق، من بلاد أمريكا وأوروبا الى القارة الأفريقية، ويخطفون النساء والأولاد، ليبيعوهم عبيدا في بلادهم، وهم أحرار أولاد أحرار، وفيهم مسلمون نصارى. 6-المرض: "المرض" هو: " حالة تعرض للبدن، يزول بها اعتدال الطبيعة"، وهو سبب من أسباب العجز، فلذلك شرعت العبادات عليه بقدر مكنته، فيصلي المريض قاعدا أو مستلقيا، كما يستطيع، ويسقط عنه وجوب الصيام والحج، إن كان مرضه يعجزه عنهما، وهناك أحكام كثيرة تتعلق بهذا الموضوع، مبسوطة في كتب الفقه. 7-الموت: "الموت" شيء مخلوق، مناقض للحياة، قال تعالى:{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير* الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}. و"الموت" هادم لأساس التكليف، فينتهي به التكليف كله، ولا تكليف بعده مطلقا، بل هناك: حساب وجزاء.. فلذلك يطلب الإنسان الفاشل المقصّر أن يعود الى الدنيا، ليعمل صالحا كما قال عز وجل:{ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: ربّ أرجعون* لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون}. *** "الطوارئ المكتسبة" هي: التي تكون بإختيار العبد وكسبه، وأهمّها ما يلي: 1-الجهل: "الجهل" كما عرّفه البعض هو:" إعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه" وهو ضدّ "العلم"، وإنما عدّ "الجهل" من العوارض المكتسبة، لأنه لما كان الإنسان قادرا على إزالته بتحصيل العلم، جعل كأنه اكتسبه. ولا شك في أن "الجهل" آفة خطيرة، لا يجني "الجاهل" منها سوى: البلاء والتخلف، وعمى القلب. وإن أسوأ أنواع الجهل وأضرّها هو: " جهل الكافر" بالله تعالى وصفاته وكماله، ووجوب الإيمان به عزّ وجلّ، فجهل الكافر باطل، ولا عذر له في كفره، لأنه مكابرة وجحود، بعد وضوح الدلائل على وحدانية الله تعالى، ورسالة الرسل، ولهذا سيعاقب في الآخرة بالعذاب الشديد الدائم أبدا، جزاء كفره وعناده، إذا مات على ذلك. و"الجهل" في أمور الدين، ليس عذرا للمسلم، مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كأركان الإسلام، والجهاد.. فمن جحد أمرا من هذه الأمور، أو استباح واستحلّ محرّما لعينه، كالزنا وشرب الخمر، فهو كافر، لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم. ولا عذر في "الجهل" إلا: لإنسان أسلم حديثا، حتى يمضي عليه وقت يمكنه فيه أن يتعلم أمور الدين، ولإنسان نشأ في بادية بعيدا عن الناس، فأمره كذلك، وما سوى ذلك فلا عذر بالجهل. 2-الإكراه: "الإكراه" هو:" حمل الإنسان على ما يكرهه، ول ايريد ذلك الإنسان مباشرته، لولا إكراهه عليه"، وقد اتعبر "الإكراه" من العوارض المكتسبة، لأنه واقع بالإختيار، من الغير على الغير، ولأن " المكره" هو أيضا، مخيّر من "المكره" بين أمرين، وبإمكانه أن يفعل أحدهما. ولا شك أن للإكراه تأثيرا على أهلية الإنسان "المكره" وقد استوفى العلماء بحث في هذا الموضوع، فقسّموا الأحكام المتعلقة بإجابة طلب "المكره"، أي: تنفيذ ما طلبه، إلى ثلاثة أقسام هي: القسم الأول ـ ما يكون العمل به فرضا: هناك حالات يجب على المكره ، أن يفعل ما طلبه منه مكرهه ولو كان محرما، كأن يكرهه على أكل لحم الميتة أو شرب الخمر، وإلا فيؤذيه بما لا يطيق، ففي هذه الحالة يحب على المكره أن يلجأ الى الإجابة، فيأكل الميتة ويشرب الخمر، ولو صبر حتى مات عوقب عليه، لأنه كان قادرا على إنقاذ نفسه، فلم يفعل، بل ألقى بها في الهلاك، وإن أكل أو شرب فهو مثاب. القسم الثاني ـ ما يكون العمل به حراما: وهناك حالات أخرى لا يجوز إجابة طلب المكره، كأن يكون الإكراه على قتل النفس المعصومة، أو: على الزنا، فلا يجوز للمكره أن يقتل أو يزني، لأن فعل هذين الأمرين حرام، وفيه عدوان على الغير، بل عليه أن يصبر حتى يموت فيكون شهيدا، ولأن قتل المسلم، لا يحلّ لضرورة ما، كما أنه لا فضل لنفسه على نفس غيره، وكذلك "الزنا"، فهو محرّم لا يحلّ لأي ضرورة، فإن زنى ولو مكرها فهو آثم، وعليه حدّ الزنا، إذا توفّرت شروطه الشرعية. القسم الثالث ـ ما يكون العمل به جائزا: وذلك كالإكراه على الكفر، بأي سبب كان، من أسباب الكفر، شرط أن يكون الإكراه ملجئا الى إجابته، فالمكره، هنا مخيّر، فإن شاء صبر وثبت، فإن قتل فهو شهيد، وإن شاء أجرى الكفر على لسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، إنقاذا لحياته، ولا مؤاخذة عليه، لقوله عز وجل:{ من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}. 3-الهزل "الهزل" ضد " الجدّ"، وهو: ما يكون لعبا محضا من القول، وللعلماء في بيان أحكام "الهزل" تفصيل واسع بديع، ليس هنا موضع بسطه ولكن: يكفي أن نشير إلى أن "الهزل" يؤثر على بعض التصرفات فيبطلها، ولا يؤثر على البعض الآخر، فتصحّ مع "الهزل"، ومن أشهر هذه الأمور: ما ورد في الحديث الشريف، الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ثلاث جدّهنّ جد، وهزلهنّ جدّ: النّكاح، والطلاق، والرّجعة" أي: مراجعة الزوجة بعد طلاق رجعي، فهذه التصرّفات صحيحة ومعتبرة، ولو كانت بالهزل فعلا. و"الهزل" في الرّدّة" كفر، أي: إذا تلفظ بألفاظ الكفر هزلا، يصير كافرا، وهذا أمر خطير يقع فيه كثير من الناس وهم جاهلون، وإليك بيانه: إن "الهزل" في التلفظ بألفاظ الكفر، أو بفعل ما هو كفر، كسجود لصنم، يعتبر ردّة وكفرا، ولو كان لا يعتقد بما يقول، لأن كفره، ليس يلفظ هزل به من غير إعتقاد، ولكنه كفر بعين الهزل"، لكونه استخفافا بالدين، وهو كفر، لقوله تعالى:{ قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* لا تعتذروا اليوم قد كفرتم بعد إيمانكم}، ولأن الهازل جادّ في نفس "الهزل"، مختار راض، فيكون هزله بذاته كفرا، سواء عليه أعتقد ما هزل به أم لم يعتقده. ومن هذا القبيل: ما يعرف اليوم بـ "التمثيل" في المسرحيّات والأفلام ـ المسمّاة ـ دينية حيث يتقمّص الممثل شخصية أبي جهل وأبي لهب، ويطلق لسانه بالكفر.. والعياذ بالله تعالى.. زاعمين أن هذا "تمثيل".. وأيضا: هم يمثلون الفجور.. وشرب الخمور.. ويمارسون الدعارة أمام الناس.. كل ذلك بزعم :" التمثيل".. وبإسم الإسلام.. وهنا نسأل: هل "التمثيل" عذر شرعي، يبيح النطق بالكفر، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم، والرقص العاري.. ومعانقة النساء.. وغير ذلك من المنكرات التي يرتكبونها؟؟.. إن الجواب معروف قطعا هو النفي مطلقا، ولكنّ هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى:{ الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. لقد سبق في " الإكراه" بيان: أنه لا يجوز إجراء لفظ الكفر إلا للمكره، شرط أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان،.. وما سوى ذلك فلا.. ونعوذ بالله من "الجهل" .. و" آباء الجهل".. في كل زمان ومكان.. 4-الخطأ: "الخطأ" لغة: ضد "الصواب"، وفي إصطلاح العلماء:" وقوع الشيء على خلاف ما أريد"، وهو عذر صالح لسقوط حق الله تعالى، إذا حصل عن اجتهاد، فإن أخطأ "المجتهد" في الفتوى بعد إستفراغ جهده، لا يكون إثما، بل يستحق أجرا واحدا، لما جاء في الحديث الشريف، الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"، والمراد به: العالم المستجمع شروط الإجتهاد، لا الذي يحكم عن جهل، أو يخالف الحق الذي يعرفه. ويصير " الخطأ" شبهة في العقوبة، فلا يأثم المخطئ، ولا يؤخذ بحدّ أو قصاص، كمن قتل إنسانا خطأ، لقوله تعالى:{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وديّة مسلمة إلى أهله إلا أن يصّدّقوا}، وسبق في الكلام على "النسيان" ذكر الحديث الشريف:" رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه"، أي: رفع عنهم إثم المحرّم إذا فعلوه خطأ، أو نسيانا، أو إكراها، على نحو ما بيّناه في موضعه. ولكنّ " الخطأ" لا يكون عذرا في حقوق العباد، فإذا أتلف أحد مال آخر خطأ، وجب عليه الضمان، ووجبت الدية في القتل الخطأ كما ذكرنا. 5-السكر: يقسّم الفقهاء أحكام "السكران" إلى قسمين: 1-إذا سكر بمباح: وذلك كشرب دواء مسكر كالبنج، أو: سكر من شرب الخمر مكرها، أو مضطرا، فحكم "السكران" هذا، حكم المغنى عليه، فلا يقع طلاقه، ولا تعتبر سائر تصرّفاته، وهذا مجمع عليه بين العلماء. 2-إذا سكر بمحرّم: وذلك كشرب الخمر من غير إكراه ولا ضرورة، فإن جمهور الفقهاء يقولون بصحّة عبارته، في الطلاق والبيع والشراء، فيقع طلاقه على زوجته، ولكن لا تصحّ ردّته، فإذا ارتدّ السكران ولو سكر بمحظور، وتكلّم بكلمة الكفر، فلا يحكم بكفره، لأن الرّدّ عبارة عن تبدّل الإعتقاد، وهو غير معتقد لما يقول، بل هو لا يعي أساسا ما يقول، كالمغمى عليه. *** الشباب 2-دور "الشباب" في المجتمع. 1-أي الشباب نعني؟ ونحن في كتابنا هذا، لا نريد أن نبحث في "مرحلة الأشدّ" كلها، بل سنركز الاهتمام على القسم الأول منها الذي يبدأ من سن " الخامسة عشرة"، حيث يكون الشاب والشابة في سن المراهقة، التي هي أخطر فترة في حياة الإنسان، وذلك لأن "الشاب" في هذه الفترة يكون إندفاعه قويا، ويتـأثر سريعا بما يقرأ أو يسمع أو يشاهد، ولهذا كانت أزمات "الشباب" في هذه الفترة أكثر وأخطر. إننا نريد أن نرافق "الشاب" ـ ذكرا كان أو أنثى ـ منذ بداية بلوغه سنّ التكليف، متتبعين أحواله، مراقبين نموّه وتطوره، الجسدي والفكري والسلوكي، لنرشده وننصحه، لئلا يقع فريسة في أيدي الفاسدين، ولكي ينمو بفكره وجسده معا، نموا سليما صحيحا، يكون به إنسانا مثاليا، وفردا من أفراد المجتمع. 2-دور الشباب قفي المجتمع إن "الشباب" درر المجتمع، وجواهره الثمينة، وهم أكثر فئات المجتمع حبا للتضحية ولو بالنفس.. ولذلك كانت كلّ جيوش العالم من "الشباب"، وقامت "الثورات" بهم وعلى سواعدهم. وهم أكثر أتباع المرسلين عليهم الصلاة والسلام، كما قال الحافظ إبن كثير في تفسير آيات " أصحاب الكهف": {فذكر تعالى أنهم {فتية} وهم:" الشباب"، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ، الذين عتو في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله شبابا، وأما المشايخ من قريش، فعامّتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر تعالى عن " أصحاب الكهف": أنهم كانوا فتية شبابا]، فقال تعالى:{ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}. و"الشباب" هم: ناقلوا التراث والأمجاد، من الآباء الى الأحفاد، وهم ذخر المجتمع وكنزه، فإذا أفلست الأمة من شبابها، فقدت وجودها وانهار كيانها، لذلك كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يولي "الشباب" عنايته واهتمامه، فكان حريصا على استقرار نفوسهم بالزواج، لئلا يقعوا في الفواحش، فيفسدوا ويضيعوا وتتخطفهم المغريات والشهوات، روى الإمام مسلم، من حديث عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، و"الباءة": هي القدرة على تكاليف الزواج من مهر ونفقة، و"الوجاء" يعني به هنا: أن الصوم يكسر حدّة الشهوة. وقد بشّر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "الشاب" الذي ينشأ في طاعة الله تعالى، بانه سيكون يوم القيامة آمنا في ظل عرشه الظليل، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقل: إني اخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه". ولا شك في أن " الشباب" هم المعنيّون أكثر من غيرهم، بعدد من هؤلاء الأصناف، وفي هذا اهتمام كبير بالشباب، وحرص شديد على دينهم وأخلاقهم، ودنياهم وآخراهم.. وما تولية رسول الله صلى الله عليه وسلم، للشابّ الفتى:" أسامة بن زيد"، رضي الله عنهما، قيادة جيش فيه كبار الصحابة، إلا دليل على رغبته صلى الله عليه وسلم في إعطاء "الشباب" حقهم، وعدم إهمال كفاءاتهم، وكان "أسامة"، رضي الله عنه حينها، في العشرين من عمره، ولم يأبه النبي صلى الله عليه وسلم باعتراض المنافقين، على توليته قيادة الجيش لصغر سنه، بل أكّد انه أهل للقيادة وكفء لها. وفي أيام حصار " الأحزاب" للمدينة، في السنة الرابعة للهجرة، خرج عمرو بن عبد ودّ، المعروف ببأسه وقوته، ودعا المسلمين الى المبارزة، فلم ينبر له أحد، ولم يأذن الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا للشاب الفتى:" علي بن أبي طالب"، رضي الله عنه، بمبارزته، فبارزه وقتله. وما كتابنا هذا سوى قبسات من هدي الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، نحاول بها أن نرشد شبابنا، وندلّهم على المنهج السليم، ونحذرهم من الإنحراف، والوقوع في حبائل الشياطين. *** أزمات الشباب 2-الأزمات: عامة وخاصة. 1-تقديم ولقد سبق أن بيّنا معنى: " الأزمة"، ولماذا اخترنا تسمية الكتاب بـ " أزمات الشباب"، وملخصه أن " الأزمة" هي: الشدة..ومعنى "الشدة" واسع، يشمل كل ما يضايق الإنسان، أو يضرّه أو يؤذيه، سواء أكان بفعله وكسبه هو، أم بفعل سواه وجنايته عليه. وإذا أراد أحد أن يعدّ " الأزمات"، ويحصي الضوائق والشدائد التي تحلّ بالناس، لما استطاع إحصاءها، لأنها ـ وللأسف ـ في عصرنا كثيرة جدا، وكذلك الأمر فيما لو أراد أحد تضنيفها وتبويبها، فإنه لن يصل إلى قرار واحد في هذا الموضوع، فيبقى الأمر بحسب النظرة.. والخبرة.. والإلهام... نقول هذا لنستبق به أي إعتراض، قد يدلي به معترض، على النتيجة التي توصّلنا إليها في تقسيم " الأزمات"، وفي تحديد أهمها وأخطرها على الشباب، كما سترى، فنحن لا نرى أن الطريقة التي سلكناها في هذا المجال هي الطريقة الوحيدة الفريدة، وأن ما سواها خطأ، بل إن عرضنا التالي للأزمات، ما هو إلا وسيلة، اعتمدناها على هذا النسق، لتبسيط المسائل، وتسهيل عرضها وبحثها وبيانها.. وفي مطلق الأحوال: فإن هذه هي وجهة نظرنا في هذا الشأن الخطير.. فإن كان لأحد غيرنا وجهة نظر أخرى فليدل بها، ليحصل التكامل والتعاون.. والله المستعان... *** 2-" الأزمات": عامّة، وخاصّة أما وقوع " الشباب" في " الضياع.." وتوجيههم التوجيه السيئ الفاسد، فذاك ليس من كسبهم في الأصل، بل هو من كسب سواهم من المسؤولين والمتسلطين على الأمة، وما الناس عامة و"الشباب" خاصة، سوى ضحية من ضحايا تلك التصرفات السيئة، لأولئك المتسلطين.. والجميع متضررون من هذه المصائب ـ كما هو مشاهد ـ فهي وأمثالها " أزمات عامة"، كما سنبين لاحقا. ولا يفهمنّ أحد: أننا ننسب هذه "الأزمات" إلى جميع الشباب، وأننا نراهم جميعا متورطين فيها.. فهذا ليس مطابقا لمرادنا ولا للواقع.. فنحن نحسن الظنّ بالمسلمين عامّة، وبالأخص " الشباب" الذين نحبهم، ونحرص عليهم، ونريد لهم كل خير.. فهم إخواننا.. وأبناؤنا.. وحملة فكرنا وأمجادنا وتراثنا.. ولكنها "أزمات".. تحلّ بالمجتمع كالمرض الفتاك.. نحاول مع المصلحين.. مكافحتها وتحذير شبابنا منها، ليعوا الخطر ويجتنبوه.. ويصدّوه ويردّوه.. ويزيلوا أسبابه ومسبّبيه.. *** الأزمات العامة: ثانيا: تدني المستوى العلمي. ثالثا: الأزمات الإجتماعية: (أ)أزمة العمل. (ب)أزمة السّكن. (ج) أزمة الزواج. رابعا: التوجيه السيئ. الأزمات العامة أولا: الفراغ الفكري نعني بهذا العنوان: أنه.. لا هدف للشباب.. ولا رسالة.. ولا مسؤولية.. فإذا سئل أي شاب اليوم:" ما هو هدفك في الحياة؟!.." فبماذا سيجيب؟.. كلنا يعرف جوابه.. المألوف.. المعروف، إنه سيقول: هدفي: إكمال الدراسة الجامعية.. ثم.. وظيفة... ثم زواج.. ثم عيشة هنيّة رغيدة.. وسيارة مرتبة.. إلخ. أصحيح: أن هذا هو هدف " الشاب" المسلم؟؟. أهذا هو الهدف السامي الذي لأجله خلق.. ولتحقيقه يسعى ويتعب..؟؟!.. إذن: فما هو الفارق ما بينه وبين الملحد.. والمشرك.. والفاجر..؟؟!!! ليس صحيحا كما يظنه الكثيرون من الشباب:" هدف".. فهم فهموا الأمور كما صوّروها لهم.. فهكذا علموهم في المدارس.. والمعاهد.. وهكذا لقنوهم عبر وسائل الإعلام.. فغرسوا في عقولهم: أن هدفهم الأخير.. والأعلى.. والأسمى.. هو: شهادة عالية.. أو: عليا.. ثم وظيفة.. محترمة.. براتب كبير.. إلخ. إن "الوالد" منذ يدخل المدرسة في مرحلة الحضانة.. حتى يتخرّج من الجامعة ـ هذا إن أتيح له ذلك ـ ماذا يقال له؟؟ وفي أي شيء يطلب منه أن يفكّر؟..: يقال له: اهتمّ بنفسك ومستقبلك.. ولا تهتم بسواك.. فلا فائدة لك في ذلك.. أمّن لنفسك: الشهادة.. والوظيفة.. والراتب العالي.. والعروس.. والسيارة.. وعش حياتك.. ودع سواك.. يقال له: ماذا يعنيك أنت غير نفسك؟.. أمّا مصالح الأمة.. ودين الأمة.. وكرامة الأمة.. فليس ذلك شغلك.. يقال له: ذهبت أيام الفتوحات.. وحمل الإسلام الى العالمين.. فلست مسؤولا عن إيمان غيرك.. أو عدم إيمانه.. فاترك هذا الأمر للمشايخ.. وعلماء الدين.. يقال له: لست مسؤولا إلا بالدفاع عن وطنك.. وطنك هذا الصغير.. المسمى بـ "دولة .. كذا.."، فأنت لا تنتسب إلى غيره، فأنت: مصري.. نيجيري.. باكستاني.. تركي.. أرأيت؟؟.. فدافع عن "النظام" .. لا عن سواه.. يقال له: المسلمون في العالم:" أمة واحدة".. وحّدهم " الدين".. وهم لا يزالون مسلمين.. وعدد دولهم تجاوزت الخمسين.. وكل "دولة.." تهتم برعاياها.. فلا تهتم أنت بغير أبناء وطنك الذي تجذّرت جذوره في أسفل الأرضين.. وشمخت الى الأعالي، من دون أن يقولوا له: من الذي رسم حدود تلك الدول؟.. ولماذا رسموها؟.. وما حكم الإسلام فيها؟.. يقال له: إن "اليهود"، قد احتلوا بلاد "فلسطين".. ونحن مع "أهل فلسطين".. إن صالحوا اليهود صالحنا معهم؛ وإن رفضوا الصلح وأرادوا الحرب.. فلن نحارب معهم.. فاترك "فلسطين" لأهلها.. وحافظ على بلدك.. يقال له: إن أجمل بلاد الدنيا: بلدك.. وإن أقدس بلاد الأرض: أرض بلدك.. وإن أعدل "الحاكمين" وأعظمعهم: هم حاكومك.. فحافظ على "وطنك.." المحدّد.. دون سواه.. وأعلن ولاءك المطلق لحاكمك.. دون سواه.. وإن شكوت من : الظلم.. والحرمان.. والكبت.. والإرهاب.. إلخ. فاعلم أيها المواطن: أن هذه الأمور التي تشكو منها، ما هي إلا إبر النّحل.. التي لا بد منها لمن يجني العسل..و" ضرب الحبيب زبيب".. كما قال المثل.. يقال له: أنت عندما ستدخل "الخدمة العسكرية"، أو تنتسبق الى "لجيش"، فأنت تقوم بواجب "وطني".. وواجب "قومي".. إذ أنت أولا: تحمي "النظام.." الذي لا مثيل له في الدنيت.. وثانيا.. وأخيرا.. أنت تخدم نفسك بخدمة "النظام..".. فاشكر ربك على هذه النعمة.. هذا بعض ما يحشون به أفكار "الشباب" في عصرنا.. فأين هو: "الهدف.."؟؟. وأين هي رسالة المسلم ومهمته؟؟.. وأين هو دور الأمة الإسلامية، التي جعلها الله عز وجل شاهدة على الأمم كافة، بقوله تعالى:{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، وقوله سبحانه:{ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس}، ومفهوم "الشهادة" هنا: هو الإشراف والتوجيه والإرشاد. أين هو هدف:" الجهاد في سبيل الله.." لنشر الإسلام وحمل هداه الى كل أنحاء العالم؟؟.. وهل يربّى "الشباب" في زماننا، كما ربّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه؟؟.. لقد كات التابعيّ الشاب:" قثم بن العباس بن عبدالمطلب"، في مدينة "سمرقند" إحدى مدن جمهورية " أوزبكستان"، الواقعة حاليا تحت السلطة الشيوعية الروسية، وقبره فيها معروف، فما الذي أخرجه من "المدينة المنورة" في بلاد الحجاز.. ليموت في تلك البلاد البعيدة..؟؟.. إنه: "الهدف.." .. إنه: نشر الإسلام.. إنه: الفتح.. فهو " شاب" لم يفهم الحياة تحصيل شهوات وتحقيق رغبات.. ولم يفهم " الإسلام" إلا: رسالة.. وهدى.. هكذا فهم المسلمون الإسلام.. وعلى هذا ربّوا شبابهم.. فتتالت أجيال من " الشباب"، كانوا حملة رسالة، وأصحاب " هدف".. ففتحوا البلاد شرقا وغربا، وأناروا الكون بنور الإسلام.. لقد كانت أمتنا قوية كريمة، عندما كان لها " هدف".. ولشبابها "غاية".. أما الآن فأوهموها بأن: لا هدف لنا.. وضيّعوا شبابنا.. وأطفأوا فيهم شعلة الحماس.. فصاروا على غير هدى يسيرون .. وإلى غير هدف يسعون.. بل وعكس " الهدف" المنشود يعملون.. وبإختصار نقول: شبابنا فارغ الفكر.. بلا رسالة ولا هدف.. إلا ما شغلوه به، ومن اهتمامه بنفسه، وبترتيب أمور معيشته، حتى انطبق عليهم قول الشاعر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي "العلم نور"، و"النور" هدى وبصيرة ووعي، و"الجهل": ظلمات، وثمّة فرق كبير بين الأمرين، فهما لا يستويان مطلقا.. قال الله عز وجل:{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وقال تعالى:{ وما يستوي الأعمى والبصير* ولا الظلمات ولا النور* ولا الظل ولا الحرور* وما يستوي الأحياء ولا الأموات}. وإن مستوى الوعي عند الإنسان، يتحدّد بمستواه العلمي، فكلما ازداد علما ازداد وعيا وفقها ومعرفة، لذلك أرشد الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، إلى طلب الزيادة في العلم فقال له:{ وقل ربّ زدني علما}، وهذا إرشاد للأمة كلها، وحثّ لها على تحصيل العلم، والاستزادة منه دائما. و"الشباب" هم طلبة العلم في الغالب، فهم تلاميذ المعاهد والجامعات، وهم المتخرجون وحملة الشهادات، وهم حاملوا أمانة العلم، ومسؤولية تعليم الأجيال، فبمقدار علمهم يعلّمون، وعلى حسب مستواهم ومعرفتهم يدرّسون ويربّون، فكلما كان المستوى العلميّ لدى "الشباب" عاليا، كانت قدرتهم على الإعطاء أقوى وأكبر. لقد جزمنا من خلال عنوان هذا البند، بأن المستوى العلمي قد تدنّى وهبط، وهذا ما قد يستغربه الكثيرون، وربما اعتبروه غير صحيح.. مستندين في ذلك الى: وجود هذه الأعداد الكبيرة من المدارس والمعاهد والجامعات، على اختلاف اختصاصاتها العلمية، وإلى: الأفواج التي لا تكاد تحصى من الطلبة في بلاد المسلمين.. إن ردّنا على هؤلاء، لا ينطبق من معارضة في " أرقام عددية" للمعاهد والجامعات، أو: للطلبة والمتخرجين، فنحن لا نناقش في "الكم والعدد"، ولا ننكر وفرة دور التعليم، وكثرة المتعلمين، ولكننا بنينا حكمنا بتدنّي المستوى العلمي في عصرنا، على ما يسمّى بـ "النوعية.."، أي: على مستوى البرامج المقررة، والنتجية العلمية التي يحصل عليها الطالب في آخر المطاف، ونطرح بالتالي هذا السؤال: هل الشاب المتخرج بشهادة علمية ما، هو فعلا بالمستوى العلمي الصحيح لتلك الشهادة؟؟.. أي: هل حصّل ذلك الطالب علما يوازي مستوى الشهادة الورقية التي منحت له؟؟.. إننا لا ترى أن العلوم التي يحصّلها "الشباب"، هي بمستوى الشهادات التي تمنح لهم، ولا نرى أن " الشاب" المتخرج قد استوعب العلم الذي تخصص فيه، إلا ما ندر.. والنادر لا حكم له.. وهذه كارثة حلّت بالشباب، لا يد لهم فيها، ومكيدة دبّرت بحقهم، وهم لا يعلمون. نقول هذا، لا لنلقي اللوم والمسؤولية على " الشباب"، وإنما لنبين: أن " الشباب" هم الضحية، وأن الذين مسخوا.. البرامج.. والمقررات.. والمواد.. وساعات التدريس.. وسنوات التعليم.. لم يريدوا بالأمة من خلال شبابها إلا السوء والأذى. فتحت شعار "التطوير" أو: "التحديث.."، مسخت المقررات، وطار العلم.. وحدث التجهيل المنظّم.. ضمن خطة خبيثة محكمة، أعدّها أعداؤنا ونفّذوها بدقة.. فصارت الدراسات عبارة عن "أخذ فكرة.." عن العلوم، لا أكثر ولا أقل، أي: مجرد تعرّف على العلوم المقررة، حتى العلوم الشرعية، لم تنج من أيدي العابثين، والقصد من ذلك كله: تخريج أفواج غير عالمة.. لا بعلوم الدين.. ولا بعلوم الدنيا.. ومعلوم كم الخطر كبير من مثل هؤلاء، على الأمة وأجيالها، وقد حذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من مثل هؤلاء، فيما رواه البخاري ومسلم، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا". إننا نفتقد في " شبابنا" العلماء بحق في جميع العلوم، فأين علماء الدين؟؟.. وأين الأدباء والشعراء؟؟.. وأين الباحثون والمخترعون؟؟.. بل: وأين الضباط والعسكريون الأفذاذ؟؟. إننا نعجب كل العجب من واقعنا العلمي المتخلف.. وواقع الغرب العلمي المتقدم. ونحن المؤسسون للعلوم.. الروّاد في جميع المجالات والإختصاصات... إننا نرى في بلاد العرب خاصة والمسلمين عامة، أن في طريق العلوم عوائق.. وحواجز.. بينما سبيل العلم في الغرب مفتوح على سعته.. ونرى "الامتحانات" أشبه بالألغاز.. لتعجيز الطالب. وتفشيله وإدخال اليأس من نفسه في قلبه. وهنا نسأل: هل هكذا تعلم سلفنا وعلموا؟؟.. هل كانوا يعطون " الإجازة.." لأي " طالب"، كتب على أوراق "الإجابة" كلاما وافق السؤال، ولو من دون علم؟؟.. هل كانوا يلقنون الطلبة من كل علم مسائل منثورة، ومعلومات عامة متفرقة.. هل كانوا يمتحنون الطلبة بـ "المقروء.." من "المقرر.." فقط، وهو القليل من الكثير؟؟.. الجواب عن كل ذلك هو: لا.. لم يكن أمرهم كذلك، بل كان "العلم" يطلب من المهد الى اللحد.. وشعارهم: أعط العلم كلك ليعطيك بعضه. ومن طلب العلى سهر الليالي.. وكان الهدف الوحيد عندهم: طلب العلم لوجه الله تعتالى، وابتغاء رضوانه، فكان في علمهم كل البركة والخير، فنفعهم الله تعالى بعلمهم، ونفع لهم الأمة، وكانوا خير أمناء على حمل العلوم.. إلى الأجيال. لذلك ندعو الى تعديل جذري لأساسات التعليم، واعتماد مناهج ومقررات وافية، وإلى إعطاء الطلبة الوقت الكافي لدراستها وإتقانها، وإلى فتح أبواب العلوم على مصارعها أمام الطلبة، ومنحهم كل الرعاية والإهتمام، ليتخرّجوا "علماء" بكل معنى الكلمة. ثالثا: الأزمات الاجتماعية نعني بهذا العنوان ثلاث أزمات هي: أزمة العمل أزمة السكن أزمة الزواج. وذلك لأن "الشاب" ينشأ في "أسرة"، وأسرته تؤمن له "مصروفه".. و"مسكنه".. ويكون "عزبا".. لأنه لم يبلغ سنّ الزواج المألوفة، فهو في الغالب "طالب.." يتابع الدراسة، ولكنه فور تخرّجه، أو عندما يتوقف عن متابعة الدراسة، فإنه يتجه إلى البحث عن "عمل".. ليؤمن دخلا له.. ثم: منزلا.. ثم زوجة.. ليستقرّ ويعيش... وهذا بديهي في كل إنسان، وأمر فطري، فطره الله عز وجل عليه. لا شك في أن " الشباب"، وفي أول مواجهة لهم مع الواقع، يشعرون بوطأة " الأ.مة".. ويعرفون ما هي؟؟.. وما تحدثه في نفس الإنسان من حسرة وتعاسة، وتزداد حسرة الإنسان وتعاسته، إذا واجه "الأزمات" وحده، من دون أبوين يساعدانه. أو مسؤول يمدّ اليه يد العون... و"الشباب" في عصرنا يعانون من كل أنواع الأزمات، ومن جملتها " الأزمات الاجتماعية" التي ذكرنا أهمها وأخطرها، وهي: "العمل، والسكن، والزواج"، فمما لا شك فيه: أن الشاب في غالب الحال، لا يعرف ماذا يعمل.. وإن كان له اختصاص.. فلا يجد عملا.. إلا بعد جهد ووساطات، أما " الأجر".. أي الراتب والمعاش.. فهو أيضا همّ آخر، وأزمة أخرى، فغالبا ما يكون الأجر أو: الراتب دون حدّ الكفاية، بحيث لا يشعر هذا العامل أو الموظف، بالكفاية والسعادة في حياته أبدا، بل يظلّ أسير الحاجة، ليظل أسير صاحب العمل، أو: أسير الوظيفة، فهو يختار أهون الشرّين وأخف الضررين، لأنه إذا ترك العمل أو إستقال من تلك الوظيفة، فلن يجد عملا آخر، وإن وجد بعده عناء.. فلن يكون أجره وراتبه أعلى وأكبر.. أما "أزمة السكن" .. فأمرها عجيب.. وكأن الدنيا ضاقت بأهلها وعلى أهلها.. ففي كل أنحاء العالم يوجد " أزمة سكن.."، مع وفرة الأموال والأرض في كثير من البلاد.. حتى بات الحصول على "مأوى.." ولو غرفة واحدة.. هدفا كبيرا.. وإن توفر للإنسان هذا الهدف.. فهو محظوظ .. أما " أزمة الزاج"، فهي مرتبطة بالأزمتين السابقتين، إذ لا زواج من دون عمل أو مسكن، ولكي ندرك خطر هذه الأزمة، فإن علينا أن نتذكر: كم الشاب وهو في مقتبل العمر يتمناه.. ويطلبه ويسعى إليه.. فهو حاجة شخصية دافعة.. ورغبة شديدة جعلها الله تعالى في الإنسان.. لبقاء النوع البشري، واستمرار التناسل الإنساني، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وهنا لا بد من التساؤل: ما هو سبب هذه الأزمات؟؟.. وما هو الحل والمخرج منها؟؟ وجوابنا عن ذلك بإختصار هو: أن الأزمات لا تكون إلا بسبب وجود خلل، ومعلوم أن الأنظكة المعمول بها في أكثر بلاد المسلمين في عصرنا، هي أنظمة وقوانين مستوردة من الخارج، فاشلة خاسرة، لا خير فيها للبشرية ولا فائدة، بل هي سبب كل الأزمات والمصائب التي تحل بالناس. أما الحل: فهو بطرح جميع هذه المخلفات المستوردة من الأنظمة جانبا، ثم: بتطبيق احكام الإسلام كلها، في جميع مجالات الحياة، فعند ذلك يحسّ الناس بالسعادة، ويتوفر لهم الأمن، والإطمئنان، والسلام. ويكفي هنا أن نشير الى بعض ما يحظى به الناس من حكم الإسلام، وذلك بما كتبه الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، رحمه الله تعالى إلى ولاته، قائلا لهم: [لا بد لكل مسلم من: مسكن يأوي إليه.. وخادم يكفيه مهنته.. وفرس يجاهد عليه عدوّه.. وأثاث في بيته.. فوفّروا ذلك كله.. ومن كان غارما فاقطوا عنه دينه..]. رابعا: التوجيه السيئ ينشأ الولد في أسرة، وفي مجتمع، وهو حين ولد، كان على الفطرة السليمة، صفحة بيضاء نقية، كله براءة وطهارة، في أقواله وتصرفاته كافة، حتى يتدخل في فكره وعقيدته وسلوكه متدخل، من أب، أو أم، أو: ولي لأمره، أو معلم، أو حاكم، أو صديق، فتزول تلك البراءة، في أكثر الأحوال، وتحلّ في الشباب عقيدة الأبوين، ويتأثر بأخلاق أستاذه، وتوجيه حاكميه المبثوثبواسطة وسائل الإعلام. إن "الشباب" في زماننا، واقعون تحت تأثير توجيه متعارض، متضارب، متناقض، ينتهي بهم الى الضياع والفراغ، فهم يقرأون في الكتب والمنشورات، ويسمعون ويشاهدون بأجهزة الإعلام، المرئية والمسموعة، جميع المتعارضات من الأفكار، فيطرح عليهم: عقائد الإيمان، وأقاويل الإلحاد والزندقة، من دون بتّ ولا فصل، وتلقى عليهم المعلومات مجترأة مبتورة، أو مشوهة مغشوشة. إنهم يسمعون عن "العدل" وعنه يقرأون.. لكنهم في الواقع لا يرونه، بل يرون: أن الحق دائما مع القوي.. مع زمرة الحاكمين.. وأعوان الحاكمين.. أما الضعيف.. والفقير.. ومن لا سند له.. فلا شيء له.. إنهم يقرأون ويسمعون عن " الآداب" العامة والخاصة، وعن " الأخلاق".. ولكنهم يفاجأون بما ينسف أسس الأخلاق والآداب، من مجلات وكتب "شهوانية" ـ جنسية ـ، وأفلام عربية.. نعم:"عربية".. مخزية كلها دعارة.. وسفالة ورذالة.. وحقارة.. ناهيك عن المسارح المليئة بالتهريج.. والمسخرة.. وهزء الناس بعضهم ببعض.. كل ذلك بإسم:" الفن".. وبئس "الفن".. فكيف سيستقيم شبابنا وشاباتنا في هذا الجو الموبوء؟؟!.. وكيف ستصلح أخلاقهم... وهم في هذا الواقع يعيشون؟؟!.. إنهم يسمعون عن "الحرية".. حرية الوطن.. وحرية المواطن.. ولكنهم لا يرون من ذلك شيئا على أرض الواقع، لا يعانون من التسلط، والكبت، والحرمان، ويرون "الوطن" أسير قوى الشرق أو الغرب.. إن " الشباب" لا يجدون من يوجههم نحو الفضائل، ولا من يأخذ بأيديهم الى هدف سام، وغاية شريفة، ولا من يرشدهم الى سبيل الرشاد والخير، بل هم مبتلون بالتوجيه السيء، ومزاعم التربية والتعليم.. فهم كالضحية بين يدي الجزار.. إن " الشباب" غرس بستان أهمله أهله، وتركوه عرضة للطفيليات، من الحشرات والنباتات، فصارت كل غرسة منه، نهبا للطوارئ والعاديات، ولو أن أصحابه خدموه وحموه، واعتنوا به، لصار "جنة".. يجنون منها أشهى الثمرات وأطيب الفواكه.. فأين المربون؟؟.. *** الأزمات الخاصة القسم الثاني: ارتكاب الفواحش وتعاطي الخبائث: 1)الزنا. 2)الخمور. 3)المخدرات. 4)التدخين. 5)الملاهي. الأزمات الخاصة إن " الشباب" أكثر طبقات المجتمع تعرّضا للأزمات، بسبب توفر أسبابها فيهم، ففي "الشباب": كمال الصحة، وحدّة النشاط وهم أقل شغلا من غيرهم، وهذه الأمور هي مجلبة المفاسد والمتاعب، كما قال القائل: إن الشباب والفراغ، والجده مفسدة للمرء، أي مفسده لذلك جاء الإسلام بأحكام تملأ وقت الإنسان، وتصرفه عن التفكير في الفساد، وتحميه من إغراءات الهوى ووساوس الشيطان، كالصلاة.. وطلب العلم.. ودوام ذكر الله تعالى.. وصيام التطوع.. إلخ. واعتبر ذلك حصنا ودرعا، يحمي الإنسان المسلم من المفاسد كافة، كما قال عز وجل في "الصلاة": { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.. وقال سبحانه:{ ألا بذكر الله تطمئن القلوب}. ولكي يظل " الشاب" في مأمن من الأخطار، فعليه: أن يبقى حذرا متنبها، واعيا فطنا، وأن يملأ فراغ وقته بالعمل الصالح، وأن يجتنب كل المثيرت والمهيجات، من مجلات وصور وأفلام وأغاني وأن يغضّ البصر ويحفظ الفرج. ومما يستحسن للشاب أن يفعله بالإضافة الى ما تقدم: أن لا يأوي الى فراشه الا عندما يغلبه النوم. وأن لا ينام على صوف، كجلد غنم، أو: ما اشتبه. وأن ينام على ذكر الله تعالى، بقراءة ما تيسر من السور القصار، والأوردة المأثورة. وأن ينهض من فراشه فور استيقاظه من النوم، من دون إبطاء. إن هذه الأمور عبارة عن دروع وإحتياطات، تجعل الشباب ـ إذا هم طبقوها ـ في مأمن من أخطار الأزمات، وأضرارها وعواقبها، ومن دونها لا يبقى للشباب حماية ولا وقاية، فتحل بهم الأزمات، ويقعون في المعاصي والسيئات. بعد هذا نعود الى بيان " الأزمات الخاصة"، والتي نرى: أنها تنحصر في قسمين إثنين هما: ترك الواجبات والطاعات، وفعل الفواحش والخبائث، فنقول: القسم الأول: ترك الواجبات والطاعات مما لا شك فيه: أن العبادة رحمة للعبد، وعون على التصدي لكل سوء، وأنّ تركها خطر كبير، وكارثة شنيعة حلت به، وأزمة شديدة وقعت عليه. فالصلاة، عماد الدين، تركها " أزمة" من دون سك.. بل ومن أكبر الأزمات التي تحل بالمسلم، لأن من عرف مكانة الصلاة في الإسلام، وفضلها وعظيم ثوابها، وأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله، وأنها حق الله تعالى على عبده الذي خلقه.. وسوّاه.. ورزقه.. وأنعم عليه لما لا يحصى من النعم.. وأنها مناعة للمسلم ضد الفساد، لأنها تنهى المصلي عن الفحشاء والمنكر، فإنه يدرك قيمة هذه العبادة، وأهميتها في حياته وآخرته، فلا يتركها من بلوغه سنّ التكليف، حتى ياتيه الموت، عملا بقوله تعالى:{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}. وبالمقابل: تظهر الأزمة الشديدة التي يقع فيها المسلم، إن هو ترك "الصلاة" عامدا، حيث يعرّض نفسه لغضب خالقه عز وجل، ولعقابه وعذابه، وسوء مصيره، وفي الوقت عينه، يجرّد نفسه من هذه الوقاية العظيمة، التي كانت تقيه الكثير من الفواحش والمنكرات، ويبقى عرضة للوقوع في كثير من الضلالات. و"الزكاة"، التي هي "قنطرة الإسلام"، ودرع المجتمع المالي، أليس تركها أزمة؟؟.. بل كارثة.. إن من أحاط علما بمكانة "الزكاة" في الإسلام، ودورها في إسعاد المجتمع ومساعدته، يعرف قيمة هذا اركن العظيم من أركان الإسلام، ويعرف أيضا: أن منعها عن مستحقيها وأصحابها، هو عدوان على حقوق الفقراء، وسائر المستحقين للزكاة، وبخل بحق الله تعالى وعباده، وأكل لذلك الحق بالباطل. وعندما نتذكر: أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، عندما أصرّ على مقاتلة الذين ارتدوا عن الإسلام، عقيب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصرّ على مقاتلة الذين تركوا الصلاة ومنعوا الزكاة، وأعلن ذلك قائلا: "والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة.."، ندرك كم كان رضوان الله عليه فقيها، وكم كان علما خبيرا. لقد كان الصّدّيق رضي الله عنه، يعلم: أن مجتمع الإسلام لا يقوم سليما، إلا بالصلاة والزكاة، وسائر أركان الإسلام، فلذلك أصرّ على قتال الجميع من دون هوادة، حتى أعاد الناس الى جادّة الصواب والحق، التي تركهم عليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما "الصوم"، في شهر رمضان المبارك، ولمن شاء في غيره، فعبادة وطاعة، وقربة الى الله تعالى لا يعلم ثوابها إلا هو عز وجل، أفليس ترك الصيام في رمضان أزمة؟؟.. وألا يدلّ عدم الصيام من دون عذر مشروع، على ضعف نفس المفطر، وعلى حبّه لبطنه وشهوته؟؟!.. ألا يدلّ الإفطار في رمضان، على حيوانية بهيمية، تهبط بالإنسان المفطر هذا، إلى درك الحيوان الأعجم غير المكلف؟؟!.. إن إنسانا لا يصبر على تأخير وجبة طعام، من وقت الظهر حتى الغروب، ليس بإنسان.. لأن مزية الإنسان الأولى: أنه يتحكم هو بشهواته، لا أن تحكمه شهواته.. وأن يكون عقله سيّد هواه، لا أن يكون هواه أسير عقله.. وأن يؤثر الطاعة على المعصية، ورضاء الله تعالى على سخطه. و"الحج" ذاك الركن الجامع العظيم، الذي جعله الله تعالى للمسلمين نعمة ورحمة، والذي هو الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي يجتمع فيه المسلمون من كل بقاع الأرض، رغم ما فعله الأعداء بهم من تفريق.. وتمزيق.. وتفتيت. فترك "الحج": "أزمة".. و" أزمة" شديدة.. وخسارة كبيرة. . ولا نستطيع أن ننسى "الجهاد".. عنفوان الأمة الإسلامية.. وسبيل عزتها وكرامتها.. وباب المجاهدين الى "الجنة".. إن " الجهاد" وسيلة من وسائل نشر الإسلام، وهداية العالم بنوره وهداه، عندما لا يكون أمامنا سبيل سواه، فإذا لم يكن تعطيل "الجهاد" أزمة.. فمتى تكون "الأزمة"؟.. وكيف؟؟.. وبأي شيء؟.. إن المسلمين لم يضعفوا إلا عندنا صرف "الشباب" عن "الجهاد"، وغمسوا في اللهو والشهوات.. فلقد بذل أعداؤنا قصارى جهودهم، ليقتلوا في شبابنا روح الجهاد، ومع الأسف.. فقد حققوا كثيرا مما أرادوا.. وإن قال قائل: كيف تقول هذا.. والشباب في كل بلاد الإسلام، مجندون للخدمة العسكرية في كل بلد؟؟. فإننا نقول لهذا السائل: هل ترى أنت أن هذه الجيوش المجنّدة، في بلاد الإسلام، هي للجهاد في سبيل الله؟؟!.. فإن كنت أنت ترى ذلك، فواأسفا عليك وعلى أمثالك.. إن ما ذكرناه في هذا القسم من " الأزمات الخاصة"، هو الأهم والأدهى والأمرّ.. وقد وقع الكثير من "الشباب" في " أزمة ترك الواجبات".. فتركوا الصلاة.. ومنع القادرون منهم الزكاة، وأفطروا في شهر رمضان، وتخلّف المستطيع منهم عن الحج.. أما الجهاد.. فلا تسل عنه.. بل ابحث عنه.. والمخرج لشبابنا من هذه الأزمات الخطيرة، لا يكون إلا بتوعيتهم، وحملهم على عبادة ربهم وخالقهم عز وجل، وإذكاء شعلة النور والإيمان في قلوبهم.. ونسأل الله تعالى أن يهدينا ويهديهم. القسم الثاني: إرتكاب الفواحش وتعاطي الخبائث لقد جمعنا في هذا العنوان بين: "الفواحش" و"الخبائث"، وذلك لأننا سنذكر في هذا القسم من " الأزمات الخاصة"، عددا من "الفواحش" الكبائر، وبعضا من "الخبائث"، التي لا تصل في خبثها الى حد "الفاحشة" الكبيرة، مع أننا نرى كلّ هذه الأمور " أزمات"، يتعاطاها كثير من الناس، والشباب منهم على الخصوص، فلذلك رتّبنا العنوان على هذا النحو، لنتمكّن من تحذير "الشباب" من تلك "الخبائث"، التي يحاول البعض التهوين من خطرها، والتقليل من آثار أضرارها وسوئها، ومن أهم " أزمات الشباب" في هذا المجال ما يلي: 1-الزنا: "الزنا": فاحشة، وكبيرة من كبائر الذنوب، بلا خلاف بين جميع الشرائع السماوية، فلم تبحه شريعة رسول، ولا حتى نظرية حكيم أو فيلسوف، إلا " الإباحيون"، وهؤلاء قوم ساقطون من عداد البشر، داخلون في تجمع البهائم.. فلا عبرة بهم، ولا قيمة لآرائهم.. إلا عند أشكالهم وأمثالهم.. ومبدأ طريق "الزنا"، يتسلسل من: النظرة المحرّمة.. كما قال الشاعر: نظرة.. فابتسامة.. فسلام.. فكلام.. فموعد.. فلقاء فبسبب ذلك، ومع عدم وجود الوازع الديني، والرّادع الخلقي السليم، يميل " الشاب" مع هواه.. ولا يحسب حسابا للعواقب ولا للعقاب، فيغلبه شيطانه.. ويغريه.. فيقع في الفاحشة.. إن وقوع "الشاب" في "الزنا" أزمة خطيرة العواقب، لا يقلل من ضررها وخطرها إلا جاهل قصير النظر، أعمى البصيرة، غافل القلب، أما الإنسان الواعي البصير المستبصر، فإنه ينظر الى هذه تافاحشة نظرة عداوة وكره لها.. واشمئزاز منها.. ونفور عنها.. لأنه وإن كان ظاهرها متعة.. وقضاء شهوة.. فإن واقعها: سمّ دسّ في الدسم، وخزي وعار، وحسرة وندامة، ودناءة وحقارة، يترفع عنها المؤمن، وينأى بنفسه أن تتدنّس بها.. وصدق رسول الله تعالى القائل:{ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}. ومع ذلك، يحاول أهل الهوى، ودعاة الإباحيةن من الغربيين والمستغربين، أن يوهموا الناس، بأن العلاقة غير المشروعة، بين الرجل والمرأة، هي علاقة طبيعية، لا تستأهل هذا الإنكار، بل يرون أن تترك هذه العلاقة عل راحتها، ينشئها الرجل والمرأة متى شاءا، وأين أرادا.. فالأمر يعنيهما وحدهما، ولا يحق لأحد غيرهما، أن يتدخل في شؤونهما الخاصة.. ومن أجل تحقيق هدفهم هذا، المؤدي في النتيجة إلى إباحية كاملة في المجتمع، يشجّع أصحاب هذا الإتجاه، على كل ما يثير الشهوة، لدى الرجل والمرأة، فيشجعون الرجل على إبراز ما يثير شهوة المرأة، وعلى إستدراج المرأة بوسائل الإغراء كافة، لإيقاعها في شركه.. وبالمقابل: يشجعون المرأة على إبراز مفاتنها.. وإظهار أنوثتها.. واستدراج الرجل نحوها.. ولم يتوقف الأمر بهؤلاء عند هذا الحد، بل تجاوزه الى مستوى غريب.. عجيب.. هو: التعري الكامل المختلط، في النوادي، والمسابح، وأماكن اللهو.. وهم يقصدون بذلك كله، حمل الناس جميعا، رجالا ونساء، على تقليدهم.. وبالتالي على التجرد من إنسانيتهم.. وبشريتهم.. وتحويل حياتهم من حياة بشرية.. إلى عيشة بهيمية.. لقد ذكرنا هذا الاتجاه الشرير، لأنه أوسع باب للفتنة، يفتح على البشر، وعلى الشباب خاصة، وكم يعاني كثير من المسلمين.. ومن غير المسلمين أيضا، في بلاد الغرب، من تلك الإباحية التي لا تطاق ولا تحتمل.. إلا من استعصم.. واستعاذ بالله تعالى ولجأ إليه.. فبه سبحانه المستعان... إن وقوع الكثير من "الشباب" في أزمة "الزنا"، ما هو إلا أثر من آثار هذه الموجة الإباحية، التي ظهرت في: أزياء النساء العاريات.. والاختلاط.. والخلط.. ورفع التكلّف بين الرجل والمرأة، وفي: المجلات الخلاعية، المنخلعة من كل خلق فاضل، وفي الأفلام الفاسدة المفسدة.. وفي مقدمتها: ما يسمّى بـ " الأفلام العربية".. التي دنّست شرف "العرب"..ونخوة "العرب".. وشهامة العرب".. فالعرب لم يكونوا هكذا: يمارسون الدعارة على رؤوس الأشهاد، وأمام أعين المشاهدين.. ويحثون الناس على تقليدهم.. ليتحرّروا من "التقاليد".. بل إن العرب حتى قبل الإسلام، كانوا مشهورين بالحرص على الأعراض، والشرف، وكانوا أهل مروءة ونخوة.. إن تخصيصنا "الشباب" بالقول هنا، لا يعني أن غيرهم من فئات المجتمع لا يزني، وأن "لزنا" محصور فيهم، فليس هذا هو قصدنا، ولكننا ونحن نبحث في " أزمات الشباب"، لا بدّ من ذكر ما يعانونه من تلك الأزمات، على وجه الخصوص، مع تسليمنا بأن في الشباب كثرة ساحقة، قد حفظها الله وأكرمها، فلم تتلوّث بفاحشة "الزنا"، ولم تقض وطرها بغير "الزواج" الذي شرعه الله عز وجل. 2-الخمور: إن "الخمور" ليست من الخبائث ولفواحش فحسب، بل هي:" أم الخبائث"، وهي محرّمة تحريما قطعيا لا خلاف فيه على الإطلاق، بل إنّ من لا يرى الخمر حراما، أو يحاول تفسير الآيات على هواه لإباحتها، فهو كافر.. والمسلمون هم وحدهم الذين يقاطعون الخمور مقاطعة تامة شاملة، لأن الله عز وجل قد حرّم "الخمر" بعينها، وحرّم على المسلمين كل ما يتصل بها، من شرب، وإنتاج، وبيع، وشراء، وحمل، ونقل، وغير ذلك. وذلك عملا بأمر: "الاجتناب"، الوارد في قول الله سبحانه وتعالى:{ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}، و"الاجتناب" معناه: الابتعاد عن الشيء، وفد فصّل هذا المعنى الرسول الكريم، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فيما رواه عنه الإمام أحمد بإسناد صحيح، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبّان وغيرهم، عن عدد من الصحابة:" لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، ومبتاعها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها". ومما هو معلوم شرعا: أن لشرب الخمر حدّا من الحدود، يعاقب به "الشارب"، وهو: جلده ثمانين جلدة، وهذا "الحد"، قد طبّق زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقيم على شارب الخمر من بعده أيضا، ولا يزال الحكم قائما، وإن عطّله الحاكمون.. أما في المجتمعات الأخرى، فإن الخمور تعتبر جزءا من حياتهم الاجتماعية، ومن أهم ضيافاتهم، وتوضع دائما في مقدمة ما يوضع على موائدهم، وهم يشربونها بشراهة ونهم.. ويسقونها نساءهم وأطفالهم.. ويزداد اهتمامهم بالخمور، في السهرات والحفلات، لأنهم إباحيوّن.. ماجنون، يحبون:"المرأة.. والكأس".. ومن المؤسف والمؤلم، كل الأسف وكل الألم، أن تنتشر "الخمور" في كثير من بلاد المسلمين، بموافقة السلطات الحاكمة وتشجيعها، بحجة تشجيع "السياحة".. واسترضاء " الأجانب".. فأدّى انتشارها في بلادنا إلى وقوع الكثيرين في الإدمان على شربها، ومنهم نسبة عالية من الشباب المراهقين، الذين استهوتهم الاعلانات.. وجذبتهم الاغراءات. إن "المسؤولين.." الذين يتوخون من نشر الخمور في المجتمع، استدرار أموال " الأجانب".. السكّيرين.. بحجة دعم "اقتصاد البلد.." ليسوا بالمسؤولين المدركين معنى المسؤولية، ولا أراهم إلا أفاعي، سلطهم أعداؤنا علينا، لتدميرنا من الداخل بشتّى الوسائل، ولتخريب أخلاق شبابنا، وإفسادهم وإغراقهم في الشهوات، لئلا يفكروا بالمثل العليا.. ولا بالقيم الإسلامية السامية.. إن "الشباب" ضحية مؤامؤة كبيرة، متعددة الوجوه والأشكال والأساليب، تنفّذها فئة متسلطة على مقدرات الأمة.. ومن أخطر وسائل هذه المؤامرة:"الخمور".. أيها الشاب: إذا أراد أعداؤكم أن يسكروكم.. بالخمور.. فأسكروهم أنتم بالصمود والوعي، وقولوا لهم: خاب فألكم.. فنحن لن نسعى بأنفسنا إلى دمار أنفسنا.. وردّدوا قول ابن الوردي رحمه الله تعالى: واترك الخمر إن كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل 3-المخدرات: تطلق "المخدرات" في عصرنا على أنواع معينة، مستخرجة من بعض المزروعات، وأهمها:"حشيش الكيف"، و"الأفيون"، و"الهيرويين"، و"الكوكايين"، وتعتبر "المخدرات" من أكبر المصائب التي حلت بالناس في عصرنا، فقد تفشى تعاطي هذه الخبائث، في طبقات المجتمع، تفشيا لم يسبق له مثيل، وتحاول جميع الدول، وبشتى الوسائل، مكافحة هذه الآفة، ومنع الناس عن تعاطيها.. إن الحكم الشرعي في "المخدرات" معروف، ألا إنه : التحريم المطلق لأي نوع منها، ولا عبرة بمحاولة البعض، التقليل من ضرر "المخدرات"، والتخفيف من حرمتها، ولا قيمة لزعمهم بكراهتها.. والأغرب: أن ثمة من يقول بإباحتها.. إن النصوص الشرعية، والقواعد العامة في الإسلام، متضافرة على وجوب صيانة: النفس، والعقل، والمال، والدين، والعرض، ولا شك في أن تعاطي المخدرات، عدوان عليها جميعا.. إن وباء تعاطي "المخدرات"، قد تفشى كما ذكرنا في أكثر طبقات المجتمع، وعلى الخصوص: في "الشباب"، فإن هذه العادة السيئة منتشرة في المدارس والجامعات، وعلى نطاق واسع، ينذر بخطر كبير على الأجيال، ومستقبل هذه الأجيال.. إن أزمة "المخدرات" لدى الشباب، قد نتجت عن الفراغ الفكري الذي يعانون منه، كما أشرنا آنفا، فالشباب الذين لا هدف لهم، ولا رسالة.. ولا قضية تشغل بالهم. وتملأ فراغهم.. سيبحثون في الغالب على وسائل غير مشروعة، تتلاءم مع الهوى، وتتوافق مع ميولهم وشهواتهم، ولا نستطيع أن نتجاهل وجود أولئك المتربّصين بنا.. المترصدّين لشبابنا.. فهم جاهزون لطرح البدائل.. ولن تكون بدائل خير ونفع، لا للشباب.. ولا للأمة.. فهم لن يطرحوا لنا الحلول المثلى.. ولن يدلّونا على سبيل الهدى والرشاد.. ولكنهم سيلقون بكل ثقلهم علينا.. لإغراقنا في الضساع.. وللإمعان في إفساد شبابنا.. وتدمير شخصيتهم ونفوسهم.. أليس كارثة كبيرة: أن نرى شبابنا في مقتبل العمر، طلبة جامعيين.. كالزهرات يتعاطون المخدرات؟؟!.. أليست مصيبة كبرى: أن نرى مراكز الجمارك، والأمن، في جميع الدول، مشغولة كل الشغل، في التفتيش عن "المخدرات".. أكثر من أي شيء آخر.. في حقائب المسافرين.. وأمتعتهم.. وسياراتهم.. وفي المعدة.. والأمعاء.. بل ويفتشون عنها في أدبار الرجال.. وفروج النساء..؟؟!!.. ألهذا الحد وهذا المستوى ، يبلغ بنا الأمر، بحثا عن هذا "الغول.." الذي أرعب العالم؟؟!.. بينما خطره يزداد.. وضرره يستطير ويستثري.. إن علينا في مواجهة هذه الآفة، أن نحصّن المجتمع، ونوجّه "الشباب" التوجيه السليم، فنحن والحمد لله مسلمون.. وفي الإسلام علاج لكل داء.. وكيف نخاف من البلاء.. أيا كان.. طالما أننا مسلمون؟؟!.. 4-التدخين: لا أريد هنا أن أناقش أقوال العلماء فيس "التدخين"، ولكنني سأكتفي بطرح سؤال واحد على أولئك الذين أباحوه.. ورخّصوا به.. هو: هل تعتبرون أيها الأفاضل، نبتة "التبغ والتنباك" هذه، من "الطيبات"؟؟.. لا أظن أن عاقلا يعتبر "التدخين" من "الطيبات"، بل : هو من "الخبائث"، وطالما أنها من "الخبائث"، فلا يهمني كثيرا الخوض في المسألة أكثر من ذلك.. وإن قال قائل: لماذا حكمت على "التدخين" بأنه: "خبائث"؟ وما هو الدليل؟.. قلنا: إن "التدخين" بإتفاق علماء الطب، سبب لأخطر الأمراض، ومنها:"السرطان".. وبعض أمراض الجهاز الهضمي والقلب. إن علماء الطب، وهم أصحاب الإختصاص، والمعتبر قولهم في هذا المجال، متفقون على أنه لا خير في التدخين مطلقا، وأنه لا ينجو مدخن من مرض.. بسببه.. فهل بعد هذا يبقى قول لقائل، أو زعم لزاعم بخلاف ذلك؟؟.. ثم: أليس "التدخين" من أسباب نتن الفم، كالثوم.. والبصل..؟؟.. والمدخن يؤذي الذين لا يدخنون برائحة فمه المنتنة.. ونحن نعلم من عملنا في "المحاكم الشرعية"، أن هناك حالات طلاق سببها: نتن رائحة الفم لدى أحد الزوجين، من جرّاء التدخين.. نعود بعد هذا إلى "الشاب"، ضحية " الأزمات" الأولى، فنقول: لقد تفشت عادة "التدخين" في "الشباب"، على نطاق واسع، وفي سن مبكرة جدا، وهذه أزمة خطيرة، وقع فيها "الشباب"، واستدرجوا إليها.. وبعد فوات الأوان.. حيث يكون "الشاب" قد أفسد جهازه التنفسيّ، وملأ رئتيه بالأوساخ والرواسب.. وأهم الأسباب التي تدفع الشاب الى التدخين: إغراء الأصحاب والأصدقاء.. الذين يدخنون.. إذ يعرضون عليه "السيجارة".. ويطلبون منه: أن ينفّخها.. في الهواء.. فلا يلبث أن يعتاد عليها، ثم يدمن على تدخينها.. ويساعد على ذلك " الإعلانات"، التي تبثها وتنشرها وسائل "الإعلام" عن "التدخين"، حيث يصوّرون "التدخين": متعة.. ونكهة.. وكأنه: شهد العسل.. أو: المنّ والسّلوى.. ومن المضحك المبكي: أن الدول التي تسمي نفسها "متحضرة".. تكتب على علب التدخين عبارة:" التدخين مضرّ بصحتك، ننصحك بعدم التدخين"، وأن بعض أجهزة الإعلام، تعرض "الدعاية.." للتدخين، ثم بعد ذلك، تظهر على الشاشة عبارة:" وزارة الصحة العامة تحذرك من التدخين.." أو: ما أشبه ذلك.. فطالما أن التدخين مضرّ بالصحة، بلا خلاف، فمن واجب الدول على الأقل: أن لا تروّج أجهزة الإعلام فيها، أمر بيعه وتعاطيه، وأن لا تغش الناس، وتغرّر بالشباب بهذه الأساليب المغرية، وهم في مقتبل العمر وريعان الشباب. 5-الملاهي: نقصد بالملاهي: جميع وسائل اللهو، من سينما، ومسرح، وأغاني، وموسيقى، ورقص.. إلخ، ولا نريد تفصيل الأحكام الشرعية، المتعلقة بكل منها، لأن هذا الباب ليس لهذا الكتاب، وإنما أردنا من إثارة هذا الباب، أن ننبّه إلى الأضرار الكبيرة التي أصيب بها الناس، وعلى الأخص "الشباب"، من جرّاء هذه الملاهي. وهنا ينبغي أن نذكّر بأن الإسلام دين جدّ، وانضباط وعمل، وأن معيشة اللاهين العابثين ليست من أهلاق المسلمين، لأن المسلم يعرف قيمة الحياة، وقيمة عمره الذي كتبه الله له، فلا يضيّعه سدى، ولا يفنيه في اللهو والفجور.. لقد عمّ في عصرنا بلاء "الملاهي" فانتشرت "المسارح" و"السنمات"، تعرض على المشاهدين ما يسمى بـ "التمثيليات"، و"لمسرحيات" الفكاهية.. والمسليّة.. وعمّ أيضا "الغناء" و "الموسيقى"، من خلال أجهزة البثّ الإذاعي والتلفزيوني، بهدف إفراح الناس.. وإطرابهم.. وكثر في المجتمعات "الرّقص"، الشرقيّ منه والغربيّ.. وصار الراقصون والراقصات ينبارون فيه، ويعتبرونه "فنّا" من الفنون.. بل: "فنا" رفيعا. هكذا يقولون في هذه "الملاهي".. وهكذا يزعمون.. والله يعلم إنهم لكاذبون.. إننا نسأل هؤلاء الذين يروّجون هذه المفاسد: ما انتفعت الأمة من ملاهيكم هذه؟؟.. هل عزّزتم بها الأخلاق والشيم؟؟.. هل رفعتم مستوى الشعب الثقافي؟؟.. هل غرستم بها في نفوس الشباب فضيلة.. ولو واحدة؟؟.. ماذا فعلتم أيها الفنانون.. الفتانون.. المفتونون؟؟.. إنكم والله لم تقدموا برقصكم، وأغانيكم، وأفلامكم، وموسيقاكم، للأمة إلا البلاء والأذى، وإننا نتحداكم أن تأتوا بأغنية واحدة لكم، ليس فيها تهييج للشهوات.. أو إفساد للشباب والبنات.. هل خدمتم الأمة بتعشيق البنات بالأسمر.. والشباب بالسمراء..؟؟ هل خدمتم الأمة بعري الراقصة، واهتزازاتها، المثيرة للشهوات..؟؟.. أبهذا خدمتم الشعب؟؟.. أم بأفلامكم الخليعة البائخة.. التي لا تصوّر عالم البشر.. بل عالم البهائم..؟؟.. هل مات فيكم الإحساس، فلم تشفقوا على "الشباب" المتفجر نشاطا وقوة، وعلى "الشابات" المعتصمات بالحياء الضاغط على عواطفهنّ، فقدمتم لهم جميعا كل المشاهد، المثيرة لكوامن الشهوة عندهم؟؟.. إنكم يا أهل "الفن" تزعمون أنكم تعالجون قضايا "الحب"، ومتى كان علاج "الحب" بين الرجل والمرأة يتم على نحو ما تفعلون؟؟.. هل من الضروري: أن نعلم الرجل كيف يعشق زوجة أخيه..؟؟!. وأن نعلم المرأة كيف تعشق شقيق زوجها؟؟.. وأن نعلّم الشاب والشابة كيف يتبادلان عبارات الإعجاب؟؟ وأنتم تعلمون: أن الناس يعيشون معا، أهلا وأقارب، فكأنكم تقولون للناس: هكذا افعلوا.. وتزرعون في أفكارهم بذور الشك وسوء النية. هل من الضروري، هذا الذي أفسدتم به أخلاق شبابنا وبناتنا؟؟.. ومع ذلك تزعمون بكل وقاحة أنكم "فنانون".. وما أنتم والله إلا: "فتانون..".. "مفتونون.." .. مأجورون.. لقد انساق السواد الأعظم من"الشباب"، مع هذه الموجة العاتية من "الملاهي"، فصار " الغناء" لهم عادة، يسمعون المطربين والمطربات، ليلا ونهارا، فطمس على قلوبهم، فنسوا ذكر الله عز وجل، وانصرفوا الى أبواب "المسارح والسينمات"، عوض " المساجد".. ومجالس العلم والدين.. وصار مثلهم الأعلى الذي به يعجبون، وله يقلدون: "مطرب" مشهور".. أو "مطربة" محبوبة.. فانخلعت قلوبهم للهو والغناء، وانشغلت بالموسيقى.. والرقص.. إلخ... نحن نعلم: أن هذه الموجة من المفاسد الفنية هذهن لم تنتشر كلّ هذا الإنتشارن لولا وجود الدعم والتأييد، من الدول والمؤسسات الرسمية، التي وضعت تحت تصرّف هؤلاء المفتونين، جميع وسائل الإعلام، ومنحتهم الأوسمة والمنح المالية الكبيرة، وبرّزتهم في المجتمع، حتى صار "المطرب" أو: "المطربة"، و "الفنان" و"الفنانة"، هو المثل الأعلى الذي يتطلع إليه النشء، وصاروا بدل أن يتمنوا أن يكونوا: علماء.. باحثين.. مخترعين.. إذا بهم يتمنون أن يكونوا.. فنانين.. ولقائل يقول: هل معنى قولك هذا أنك ضدّ الترفيه عن النفس، وضدّ "الفن"؟؟ نقول: ليس هذا الذي نكشف الستر عنه من المخازي ترفيها عن النفس، ولا هو بالفن.. بل هو حرق للنفس.. وإفساد لها.. وبعيد كل البعد عن معنى: " الفن".. إن "السعادة" ليست بلحس المبرد.. ولا بحكة الجربان.. ولا بتعليم الناس أسباب الفساد، ووسائل الإغراء والفتنة.. ولكنّ "السعادة" الحقيقية، هي سعادة القلب واطمئنانه.. واستقرار النفس وراحتها.. وأن ينام الإنسان مطمئنا.. ويستيقظ مطمئنا.. فهل هذا الفن المزعوم، يحقق للإنسان هذا الإطمئنان؟؟.. *** ملحق 2-أزمات الشيوخ. 3-أزمات المرأة. 4-أزمات المعوقين. هناك فئات أخرى في المجتمع لها أزماتها، وهي أزمات قاسية شديدة، أردنا أن نشير إليها بإيحاز، ومع أن كتابنا هذا ليس مخصصا للبحث في أزمات غير الشبابن وذلك لأن أزمات المجتمع مترابطة، يجمعها كلها كونها "مصائب"، أصابت الناس، فأضرّتهم وأذلتهم، كما أن أسبابها متشابهة، وكثيرا ما تكون واحدة، وبالتالي فإن علاجها وسبل الخروج منها واحدة أيضا.. وسنتناول في هذا "الملحق" "الأزمات" التالية: أولا: أزمات الأطفال الطفل أمانة في عنق الوالدين، يجب عليهما أن يحسنا تريته، وتعليمه، حتى يشبّ مسلما صالحا، ولكن الكثيرين من الآباء والأمهات، يهملون أطفالهم، ويفشلون في حمل مسؤوليتهم، وهذه نماذج من هؤلاء الناس: أ) الأب السّكّير أو المقامر الذي أدمن على لعب القمار، أو المراهنة على سباق الخيل، لا يهتم بأولاده، بل يحرمهم الطعام، والدواء، والكساء، والتعليم، ليقامر ويعاقر الخمر، بل إنّ منهم من يبيع أثاث بيته ويحرم منه أولاده، لإشباع رغبته الفاسدة هذه. ب) هناك آباء قساة القلوب، لا يرحمون أولادهم، ولا يشفقون عليهم، فيضربونهم ضربا مبرّحا، لأتفه الأسباب، بحجة: أنهم يربّونهم.. ج) أطفال الناس البخلاء، هم ضحية بخل خانق، من وليّ أمرهم، فالأب البخيل، يحرم أطفاله من أدنى مستويات العيش، فهم لا يشعرون لبخله، بسعادة.. ولا هناءة.. وهم يشتهون القمة.. وحبّة الفاكهة.. والثوب.. ولحذاء.. نقول هذا في الأطفال الذين لهم آباء.. فماذا عسى نقول في أولئك الأطفال "الأيتام".. أو أولئك الأطفال "اللقطاء"؟؟. إن " الأيتام" الفقراء، يعانون أكثر من أزمة، فهم بعد فقد الأب، وهو الوليّ والمنفق، لا يجدون في المجتمع الكفالة الصحيحة، بلا منّ ولا أذى، فلا دولة تهتم بيتيم، ولا سلطة تسأل عنه، بل ترك المسؤولون المسؤواية.. فضاع بسبب ذلك أصحاب الحقوق.. ومنهم "الأيتام".. ولا تكفي مؤسسات "الرعاية الإجتماعية" أو: "دور الأيتام"، لسدّ حاجة أيتام المجتمع، وكفايتهم ورعايتهم، فإن تلك المؤسسات لا تقوم فعلا بكفاية اليتيم الكفاية الكاملة، من تعليم لائق.. حتى أعلى مستويات التعليم.. مثلما يتعلم سائر الأولاد، مع العلم بأن في " الأيتام" نوابغ.. ولكنهم مهملون.. لأنهم: أيتام.. أما الأطفال "اللقطاء"، وهم الذين يلقون في الشوارع وعلى المزابل.. ولا يعرف أهلهم.. فإن حالهم أسوأ وأضيع.. فهؤلاء إذا توفرت لهم مؤسسة تؤويهم، فإنهم لا يحظون بتابعية الدلوة ـ أي: الجنسية ـ ولا يمنحون بطاقة الدولة ليعتبروا من رعاياها.. فيكبرون وهم معزولون في المجتمع.. يعاملون معاملة غير لائقة.. ويشعرون في أنفسهم بالحسرة والغربة.. مع أنهم لم يكتسبوا إثما بوجودهم في الدنيا.. وإنما الإثم على من ألقاهم على أرصفة الشوارع.. ثانيا: أزمات الشيوخ نعني بالشيوخ هنا: الناس الذين أدركهم الهرم والعجز والمرض، فقعد بهم ذلك عن القيام بحاجاتهم، ونشير أيضا إلى أن إكرام ذي الشيبة المسلم، هو: من إجلال الله عز وجل، كما جاء في حديث أبي داود عن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين مطلقا.. وخصّص حالة "الكبر" فقال سبحانه وتعالى:{ إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرا}. ومن أصعب أزمات هؤلاء الشيوخ: -أن لا يتوفر للأبوين منهم، ولد صالح يحسن إليهما، ويكرمهما، ويعتني بهما في أيام عجزهما وضعفهما. -أن لا يتوفر للعجز، وعلى الأخص: الفقراء منهم، من يؤويهم ويرعاهم ويهتم بهم.. نعم: هناك دور للعجزة، تقوم بهذه المهمة.. ولكنها لا تستطيع أن تؤوي كل العجزة.. لانعدام المقدرة المالية.. كما هو معلوم.. فيبقى كثير من العجزة مهملين، لا يجدون من البشر مساعدا.. إلا من رحمه الله تعالى بجار صالح.. أو مؤسسة بواسطة.. -عدم إستطاعة كثير من هؤلاء العجزة والشيوخ، تأمين الأدوية المطلوبة، لمعالجة أمراضهم المتكاثرة.. بل إن كثيرا منهم لا يجد ما يسدّ به رمقه.. ولا من يسأل.. ثالثا: أزمات المرأة أزمات المرأة كثيرة جدا، بسبب تناقض مواقف الشعوب والديانات الأرضية منها، فالمرأة عند كثير من الأمم، ليس إنسانا كامل الإنسانية.. وهي عند بعضهم من توابع الحياة وأمتعتها، كالفرس والناقة.. وهي عند بعضهم: شيطان.. إلخ. فكان بديهيا بسبب هذه المواقف، والمعتقدات الفاسدة، أن تنشأ لدى المرأة أزمات كثيرة، وأن تعاني المرأة بسبب ذلك متاعب كبيرة. والغريب في أمر " المراة": أن أشدّ ما تعانيه وأسوأه، قد أتاها من قبل أولئك الزاعمين أنهم يدافعون عن حقوقها ويطالبون بتحريرها، وحريّتها.. وأمير هذا الركب: هم الغربيون والمستغربون.. فهؤلاء زعموا أن المرأة في الإسلام " مسجونة".. غير حرّة.. فرفعوا شعار تحريرها.. فأخرجوها من بيتها، ليبتزوا أنوثتها في: الشركات.. وعرض الأزياء.. والنوادي الليلية.. وجعلوها مشاعا للجميع.. إن أسوأ النساء حظا، وأتعسهن معيشة، هي المرأة الغربية.. والمرأة المسلمة التي غرّبوها.. وضحكوا عليها.. وخدعوها.. فأنزلوها الى العمل والوظيفة.. لتكون هي.. "العمل".. وهي.. "الوظيفة".. فحرموها بذلك من شرف المرأة: الأم.. والزوجة الكريمة.. والسيدة الفاضلة.. المربية.. الموجّهة.. التي قال فيها الشاعر: الأمّ مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيّب الأعراق لقد تجاهل أولئك المزوّرون: أن المرحلة التي ظهروا هم فيها، لم يكن الاسلام مطبقا في مجالات الحياة، فإذا كانت المرأة قد عانت شيئا من سوء المعاملة، فإن مردّ ذلك الى سوء تصرّف الناس وجهلهم، لا إلى أحكام الإسلام.. البعيدة عن التطبيق.. والمبعدة عن الحياة.. فبدلا من المتاجرة بالمرأة، كان عليهم أن يصلحوا الواقع.. وأن يطالبوا بتطبيق أحكام الاسلام كلها.. ليصلح المجتمع برجاله ونسائه.. لا ان يتهموا الاسلام بما لا يد له فيه، ويلقوا عليه مسؤولية عمل جناة.. فسقة.. ظلمة.. جاهلين.. رابعا: أزمات المعوّقين نعني بالمعوقين: أصحاب العاهات الجسدية، كالعمى، والشلل، فإن هؤلاء على اختلاف عاهاتهم، هم من أبناء هذا المجتمع، وجزء منه، وبإمكانهم أن يعطوا وينتجوا إذا توفّر لهم من يساعدهم على ذلك، فكلنا يعلم: أن عددا وفيرا من كبار العلماء والحفاظ، هم من العمي أو: المصابين بعاهة جسدية أخرى، ولم يمنعهم ذلك من تحصيل العلوم، والوصول الى مراتب العلماء الكبار. إن المجتمع المعاصر لا يهتم بهؤلاء، ولا يلقي لهم بالا.. اللهم إلا القلة منهم، الذين توفرت لهم مؤسسة إنسانية حضنتهم واهتمت بهم.. إننا لا ننكر وجود هذه المؤسسات، هنا وهنالك، بل نحن نقدّر جهودها الطيبة.. ولكننا نريد أن تقوم السلطة الحاكمة بواجبها نحو كل أولئك.. بحيث لا يبقى في المجتمع يتيم.. ولا عاجز.. ولا معوّق.. إلا وهو مرتاح.. مكفول.. مخدوم.. فلا يشكو .. ولا يئن.. *** من هو المسؤول؟ 2-مسؤولية الوالدين. 3-مسؤولية المدرسة والجامعة. 4-مسؤولية الصديق. 5-مسؤولية المجتمع. عندما تحل بالناس أزمة، أو: تنزل بهم نازلة، يتساءلون: من هو المسؤول؟.. وكذلك عندما يرتكب أحد جريمة، أو: يجني ذنبا، أو: يسيء معاملة غيره.. إن السؤال عن "المسؤول"، أمر بديهي لدى الناس، لأنهم يريدون أن يعرفوا: من هو المسبّب لما يحصل من أضرار، ومن هو الملكف برعاية مصالح الناس، أو: تربية الولد.. إلخ. وهذا حق من حقوقهم.. ونحن قد ذكرنا في هذا الكتاب "أزمات الشباب"، العامّة منها والخاصة، وأشرنا إلى مصادرها وأسبابها، وألحقنا ذلك بموجز عن أزمات: الأطفال، والشيوخ، والمرأة، والمعوّقين.. فكان مهمّا أن نطرح السؤال عينه، لنعرف: من هو المسؤول؟.. يختلف الناس في تعيين "المسؤول"، الذي يحمّلونه مسؤولية أمر جرى، ولا نريد تفصيل هذا الاختلاف، ولكننا سندخل في تحديد المسؤولية، على نحو ما فهمناه من النصوص الشرعية المباركة، بدءا من مسؤولية "الحاكم".. وذلك انطلاقا من معنى الحديث الشريف، الذي رواه البخاري ومسلم، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته". أولا: مسؤولية الحاكم "الحاكم" هو الراعي الأول للمسلمين، أن: الخليفة.. والامام.. وأمير المؤمنين.. في الاصطلاح الشرعي، ويعرف "الحاكم" في هذه الأيام بالملك.. أو الرئيس.. أو الأمير.. بحسب "النظام" الموجود.. تختلف نظرة الناس الى "الحاكم"، وبناء عليها تختلف أحكامهم على "الحاكم": أهو مقصّر في حمل المسؤولية، أم لا؟؟.. فأكثر الناس ينظر الى "الحاكم" على أنه: صاحب سلطة.. تقدّم له مظاهر التكريم والتبجيل.. يعطى الولاء المطلق.. يتصرّف بأموال الدولة بلا حساب.. لا يحق لأحد أن يسأله عن أعماله، ولا أن يناقشه في أقواله.. لأنه وليّ الأمر، الآمر الناهي.. مطلق الصلاحية.. إلخ. ثم بنى هؤلاء، على نظرتهم هذه: أن "الحاكم" هذا، يقوم بواجباته، طالما هو يستقبل الوفود ويودّع الزوّار.. ويراقب من أعلى.. ما يجري تحت.. وبالتالي فهو غير مسؤول عن " أزمات الشباب" ولا عن أزمات غيرهم من فئات الشعب، بل الحق على "الشباب"، والمسؤولية على "الشعب".. أما نحن فنقول: إن نظرة هؤلاء الناس الى "الحاكم"، وسلطته.. وصلاحياته.. وأعماله.. مخطئة جدا.. بل "الحاكم" هو المسؤول الأول عن "الرعية"، كل الرعية.. ولعل الناس قد نسوا مسؤولية "الحاكم" الواسعة هذه لأنهم لم يعودوا يرون حاكما يحمل الطحين على ظهره للأرملة، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فظنوا هذا النوع من التصرف، قد فعله أمير المؤمنين عمر، على سبيل التواضع فقط.. وأنه في الواقع غير مكلف بذلك ولا هو مسؤول عنه، وبالتالي فليس من مهمات "الحاكمين": أن يخدموا الشعب على هذا النحو.. بل ظنّوا: أن من واجبات "الشعب"، أن يحملوا هم "الطحين" الى قصور "الحاكمين".. إن هذا الظن في غير محله، فسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم يحمل الطحين على ظهره، إلا لأنه يعلم: أن ذلك من مسؤولياته هو.. فلذلك عندما عرض عليه مرافقه، أن يحمل عنه الطحين، قال له:" أفأنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟؟".. إننا نقول هذا ونحن نعلم: أنه لن ينبري حاكم.. فيحمل طحينا.. ولا سكرا.. الى شعبه.. بل كلّ ما يرجوه الناس هو: أن يتركهم حاكموهم يعيشون.. نحن نقول هذا، لننطلق منه الى بيان مسؤولية "الحاكم" الكاملة، عن جميع " الأزمات" التي تصيب الناس.. وإلا.. فلماذا هو مسؤول؟؟.. إن من واجبات "الحاكم": أن يبحث هو عن سبيل الخير والرشاد، ويدلّ الناس عليها، ويدفعهم الى سلوكها.. وأن يرصد أبواب الفساد ومنافذه، فيقفلها.. ويمنع أحدا أن يفتحها.. إن من واجبات "الحاكم": أن يوجّه "الشباب" الى هدف رفيع، وأن يقود الشعب برسالة إيلامية واضحة، وأن لا يدع الناس ضحية الفراغ.. والضياع.. إن من واجبات "الحاكم": أن يفتح للشباب أبواب العلوم كافة، ويرفع مستواهم العلميّ، ويشجعهم على التحصيل.. والتأليف.. والاختراع.. إن من واجبات "الحاكم": أن يساعد الناس على معيشتهم، بأن يسهّل لهم سبل العمل، بالتجارة والزراعة والصناعة.. وأن يحصّن "الشباب" من المفاسد.. إن من واجبات "الحاكم": أن يسخّر إعلامه كله.. لتوجيه "الشباب" والناس عامة التوجيه السليم، وأن يغرس فيهم الأخلاق الفاضلة الحسنة، ويربيّهم التربية الصالحة. إن من واجبات "الحاكم": أن يكون هو إمام المسلمين في صلاتهم، وأول المواظبين على الفرائض.. وأحرص الناس على طاعة الله عز وجل.. كما كان خلفاؤنا الصالحون.. إن من واجبات "الحاكم" أن يتلاك هو الفواحش، ويجتنب الخبائث، ويستأصل من المجتمع أسباب المنكرات، ويعمل على تحصين المجتمع بالخلق الحسن، ويمنع كل أسباب الفساد. إن من واجبات "الحاكم": أن لا يكون في الناس مظلوم.. أو مضطهد.. أو: مقهور.. أو يتيم مشرّد.. أو: عاجز.. أو: هرم.. لامعيل له.. فإذا لم تكن هذه الأمور من مهمات "الحاكم".. فما هي مهمته يا ترى؟... ثانيا: مسؤولية الوالدين "الوالدان" مسؤولان من دون شك عن أولادهما، وعلى الأخص الأب، الذي تقع على عاتقه مسؤولية إعالة أسرته، والإنفاق عليها، الى حد كفايتها جميع جاحاتها. وليس هذا هو غرضنا في موضوعنا هنا، بل إن غرضنا هو: بيان مسؤولية كل من الأبوين عن الأولاد، من حيث: التربية، والتوجيه، والإرشاد، والتعليم، وذلك عملا بما أمرنا الله تعالى به، ورسوله صلى الله عليه وسلم. إن الله عز وجل أمر المسلمين بأن يجنّبوا أنفسهم وأهليهم النار، فقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. والنبي صلى الله عليه وسلم، أمر الأبوين: بتربية الأولاد على الإيمان والعمل الصالح، وبتعليمهم "الصلاة" وهم أبناء سبع سنين، وبضربهم عليها ضربا غير مبرّح وهم ابناء عشر، وبتعويدهم على ترك المحرّمات، وفعل الطاعات والآداب. ولذلك: فإنه لا يجوز للأبوين أيضا أن يهملا هذه المسؤولية، ولو كان أولادهما في مدرسة تعلمهم أمور الدين، بل عليهما أن يثبتا من معرفة أولادهما أمور بأمور دينهم، لا أن يتركا الأمر على عواهنه.. ولا يجوز للأبوين أيضا: أن يتركا تتبع أحوال أولادهما، بل عليهما أن يسألا عمن يعاشرون من الرّفقة والأصحاب، وإلى أين يذهبون.. وأن يحذراهم دائما من معشر السوء.. وأن يراقبا ما يقرأون من كتب ومجلات.. وما يشاهدونه ويسمعونه من أفلام وتسجيلات.. وخصوصا في هذا الأيام، التي كثرت فيها أفلام الخلاعة والدعارة ـ الجنس ـ بواسطة ما يعرف بـ "الفيديو".. إن الأبوين مؤتمنان على أمانة غالية، هي: ولدهما.. فلذة كبدهما.. فليحسنا إليه.. وليقدّما إليه النصيحة والارشاد.. وليبذلا جهدهما من أجل تنشئته تنشئة صالحة، لتقرّ به عيونهما.. وإن هما جانبهما النجاح.. فلم يصلح حال ولدهما بعد بذل الجهد.. فقد وضعا عنهما المسؤولية.. وبرئا الى الله عز وجل من سوء عمله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم. ثالثا: مسؤولية المدرسة والجامعة نعني بالمدرسة والجامعة: المعلم والأستاذ.. فهما لبّ المدرسة، إذ من دونهما لا فائدة للمدارس ولا للجامعات، و"المعلم" هو الحامل لأمانة "العلم"، الناقل لهذه الأمانة إلى الأجيال. إن مهمة "المعلم" ليست محصورة في تلقين "العلم" كما يلقن "الببغاء"، ليردده الطالب ويحفظه، بل: إن العلم نوران وهو هدى وضياء، وواجب " الأستاذ" إن يدلّ الطالبة على نور العلم وهداه.. وأن يرشدهم الى فضائله ومنافعه: الدنيوية والأخروية.. وأن يطبعهم بطابع شخصيته المسلمة الصحيحة، فيكون لهم القدوة الحسنة، والمثل الأفضل، في علمه.. وعمله.. وأخلاقه.. وكلامنا عن "العلم" لا ينحصر في: المعلم الرجل، بل يتناول المعلمة المرأة أيضا، التي صار لها في مجال التعليم أثر كبير، فهي مدعوّة الى إحسان تعليم الطالبات، لينشأن متعلمات مؤمنات صالحات.. وهي مأمورة بأن تكون قدوة للطالبات في حشمتها.. وأخلاقها.. ووقارها.. وتديّنها.. لا أن تكون مفسدة للبنات.. بتهتكها واستخفافها بالأخلاق والآداب.. إن هدفنا من كل هذا الكلام: أن لا تكون المدرسة مركز: "محو أمية"، يعلّم الطلبة القراءة والكتابة.. فحسب.. ومع الأسف: فإن كثيرا من المعاهد هي من هذا النوع.. إذ لا شيء فيها يطبّق مبادئ "التربية"، بل هناك "تعليم" فقط.. أي: "محو أميّة".. أما "التربية" فلا وجود لها في تلك المعاهد.. فينشأ الطالب فيها متعلما.. مثقفا.. يحمل أعلى الشهادات.. ولكنه: من دون تربية.. فهو منحلّ.. مائع.. لا مبالي بأمور الدين.. لا يعرف معنى: "الحياء" ولا "ألعيب".. ومن المؤسف أيضا: أن كثيرا ممن يقومون بالتعليم، ليسوا أهلا للتربية.. لأنهم أنفسهم بحاجة الى "تربية".. وعندما يكون "المعلم" بحاجة الى "تربية"، فكيف نتوقع من إنتاجه جيلا ذا تربية سليمة؟؟.. وهنا يجضرني بيت من الشعر قاله أحد العلماء، في بعض علماء عصره، الذين قصّروا في حمل المسؤولية: يا معشر العلماء يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد؟ آثرنا أن يكون عنوان هذا البند:" تأثير الصديق"، لأن "الصديق" لا يتميز عن صديقه بشيء، فهما يتبادلان التأثير، فأيهما كان أقوى شخصية أثر في صاحبه، وقاده الى حيث يريد.. ومرادنا بالصديق: هو الرفيق والصاحب، الذي يعاشره الإنسان، ويسهر معه.. ويرافقه.. ولهذا الصاحب تأثير كبير على صاحبه، فلذا قيل:" قل لي من تعاشر.. أقل لك: من أنت..". وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مصاحبة الأشرار، وبين أضرار ذلك، فروى أبو داود والترمذي، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقيّ"، وروى أبو والترمذي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، و"الخليل" : هو الصديق القريب المحبوب، وفي هؤلاء يقول الله عز وجل:{ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}، أي: الأصحاب في الدنيا، المتفقون فيهاعلى معصية الله تعالى، يكونون يوم القيامة أعداء، يتبادلون اللوم والتعنيف، أما المتقون من الأصدقاء، الذين تلاقوا في الدنيا على محبة الله تعالى وطاعته، فليسوا في الاخرة كذلك، بل يزداد ودهم، وتقوى صداقتهم، ويشكرون الله عز وجل على رحمته ورضوانه. فعلى كل شاب أو شابة، أن يحسن اختيار صديقه ورفيقه، فإن نفع الصديق كبير، كما أن ضرره خطير.. فمن صادق الصالحين اكتسب منهم وأخذ عنهم.. ومن عاشر الفاسقين المائعين.. أصيب بمرضهم.. والإصابة إذا وقعت، فهي خطيرة جدا.. وقلما شفي شاب طول عمره.. من عادة سيئة.. علمه إيّاها.. صديق.. خامسا: مسؤولية المجتمع نعني بالمجتمع: عموم الناس، أي: ما يعرف اليوم بالرأي العام، فالناس بمشاعرهم العامة، بإمكانهم أن يساعدوا على إصلاح الفاسد، وتقويم المعوّج، وإذا سلطوا ألسنتهم على إنسان قضوا عليه. ومن واجبات المجتمع: أن يكون يقظا حذرا، لئلا تتسرب إليه الأخلاق السيئة، والمفاسد والمنكرات، وأن يحارب كل انحراف عن جادّة الصواب والحق، وأن يحمي نشأة شبابه من المؤذيات، فيكون دائنافي موقف الحذر.. المدافع.. الحريص.. ومن ناحية أخرى: فإن على المجتمع أن يساعد المنحرفين على الاستقامة، إذا هم سلكوا سبيلها، وعلى التوبة إذا هم أعلنوها، وأن يغفر لهم، وينسى سوء أعمالهم، كما قال تعالى:{ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون}، وهذه مسألة مهمّة جدا، فإن الناس ـ مع الأسف ـ لا ينسون ذنوب سواهم، ولا يعرضون عنها، ولو تاب المذنب وأصلح عمله.. وهذا الموقف، يدفع بالكثيرين من هؤلاء التائبين: إما الى اليأس.. والانزواء.. وإما الى العودة الى حياة الاجرام والرذيلة... إن المسلمين مسؤولون جميعا، بعضهم عن بعض، كلّ بحسب طاقته واستطاعته، لأنهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو اشتكى كله، والمؤمن لا يكمل إيمانه إلا إذا أحبّ لأخيه ما يحبّه لنفسه، وكره لأخيه ما يكرهه لنفسه، وما سوى ذلك فهي: الأنانية.. والأثرة.. وحبّ الذات، وعلى حساب الآخرين.. وليس ذلك من أخلاق المؤمنين. ما هو الحلّ؟ ونحن ذكرنا في الفصل السابق: من هو المسؤول.. على نحو ما جعل المسؤولية على عاتق الجميع.. فلا أحد غير مسؤول.. بدءا من "الحاكم".. وانتهاء بالمواطن الفرد.. فكلنا مسؤول.. وسوف نسأل عن هذه المسؤولية.. أما الحلّ لهذه الأزمات.. والمخرج من هذه الورطات.. فإنه بإيجاز: "الإسلام".. أجل: إنه الإسلام.. بتشريعاته واحكامه، وآدابه وأخلاقه.. وتكاليفه، وأوامره، ونواهيه.. إنه "الإسلام" وحده.. لا حلّ لمآسي البشرية في سواه.. ولا ملجأ لها إلا الى أحكامه الغرّاء.. وأنظمته المحكمة العظيمة.. هذا هو الجواب عن هذا السؤال بإيجاز.. أما الجوب بالتفصيل.. فتجده في كتابنا:" سبيل النهضة". خاتمة تمّ بعونه تعالى تبييض هذا الكتاب: "أزمات الشباب" في شهر محرّم عام 1411ه الموافق لشهر آب عام 1990 م في مدينة "بيروت" والحمد لله رب العالمين هذا الكتاب قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا قبيضة بن جابر إني أراك شابّ السّنّ، فسيح الصدر، بيّن اللسان. وإنّ الشابّ، يكون فيه تسعة أخلاق حسنة، وخلق سيء، فيفسد الخلق السيء الأخلاق الحسنة. فإياك وعثرات الشباب". رواه البيهقي والحاكم. إن هذا الكتاب يعالج عثرات الشباب؛ والله المستعان تم بحمد الله كتابة هذا كتاب على الورد في يوم عرفة لعام 1423 هجرية \ 10 شباط 2003 ميلادية |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كتاب انحراف الشباب | بــو راكـــــان | تحميل كتب مجانية, مراجع للتحميل | 5 | 01-29-2012 09:21 AM |
هذا كتاب طبخ خاص حق الشباب العزاب.... أرجو من البنات الدخول للضحك | فراشة الطاقة | نكت و ضحك و خنبقة | 19 | 10-17-2009 01:10 AM |
كتاب (الأسرة المثلى...مشكلات وحلول) | أبواليسر | تحميل كتب مجانية, مراجع للتحميل | 0 | 10-10-2009 03:26 PM |
كتاب الطفولة مشاكل وحلول | بــو راكـــــان | تحميل كتب مجانية, مراجع للتحميل | 1 | 08-26-2009 01:12 AM |