|
روايات و قصص الانمي روايات انمي, قصص انمي, رواية انمي, أنمي, انيمي, روايات انمي عيون العرب |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#166
| ||
| ||
|
#167
| ||
| ||
إحساس خانقْ يحيط بقلبه ويأس عميق تأصل بداخله , لم تسعفه الأيام الماضية في معالجة ما يشعرُ به ولم يرحمهُ الفؤاد من سلاسلُ الندم التي تقيدهُ بإحكام . ترك مسافة شاسعة بينه وبين من يحيطون به من كل جانبِ .. وانغلق داخل زاوية ظلماء خانقه ! كان كمن نزعت روحه من جسده ! فأصبح خالياً من كل شيء .. فقط ما جعله يعيشُ هو قلبه النابض ورئتيه التي تتنفس ! لم يعدْ للطعامِ لذةٌ ولا نكهة .. ولم يرويّ الماء عطشَه !! .. في كل يومِ ينطوي يختنقُ أكثر ورؤيا مأساةِ قلبه تعادُ مراراً وتكراراً . انتهى كل شيء بالنسبة له ولم تعدْ تعني له هذه الحياةُ شيئاً . .. فكانَ آخر قرار ليتحرر من بئسِ مصيره هو أن ينهي صفحة حياته التعيسة تلك . أغلقَ الكتاب سريعاً دونَ أن يكمل الصفحة الأخيرة التي تنهيّ فيه الرواية التي بين متناولِ يده .. قطبّ حاجبيه بانزعاج شديد ولوى شفتيه كطفلِ صغيرِ يخفي بكاءَ يريدُ إطلاقه. ـ لا تستحقُ أن تنهي حياتك بالموت بعدَ أن خضتَ فيها الكثير .. كانَ بإمكانك الصمودَ قليلاً أنتَ حقاً أحمق بقرارك هذا . فُتحَ البابَ وصدرت ضجة أخرجته من انغماسه في سطورِ الكتاب الذي يحتضنه فكان أول ما سمعه هو صوتها الذي يحملُ الكثير من اللوم والذي قطعَ عليه الشعورُ العميق الذي كان يعيشه. ـ بل أنتَ الاحمق الذي زلتْ قدمه عندما أراد النزول وانتهى بالكسرِ !! . وضعت بعض المياه المعدنية والوجبات الخفيفة التي أشترتها بكل فوضوية على إحدى الطاولاتِ الصغيرة التي بجانبِ سريرِ أخيها الأبيض . لمعت عيني ألفريدو بفرح وهو يرى بعض قطع الشكولاتة التي يحبها فلطما كانت هوايته بأن يأكل بعضاً منهما عندما يقرأ أي كتاب .. مدّ يده ليلتقطها متجاهلاً جملتها التي تؤنبه فيها فامتدت يدها لتمنعه من الوصول إليها قائلة بنبرة واثقة . ـ يجب عليك أن تأكل وجباتِ صحية... أنت مريض الآن . وضع كتابه بجانبه واعتدل في جلسته أخذَ نفساً عميقاً ونطق بجزع قد تأصل بداخله من كلمة مريض التي أصبح يكرهها بسببها . ـ أولا لستُ بمريض فقط قدمي كسرت !.. ثانياً ما دخلُ قطعة الشوكولا إن أنا أكلتها ستذهبُ لمعدتي ولن تذهب إلى قدمي !.. . قال جملته في محاولة واهنة لإقناعها .. ومدّ كلتا يديه كالأطفال عندما يريدونَ بعض الحلوى وحاولَ مرة أخرى أن يستلطفها . ـ دعيني اتذوقُ قليلاً لعلّ لذاذة الشوكولا وذوبانها في فمي تعطي شجاعة لأكمل آخر صفحة في الرواية حيثُ كيفَ انتحر البطل . عبست أليسا بفمها بعناد بالغ وحركتْ رأسها نافية .. هي مقتنعة بقرارة نفسها أنه مضر لصحته بما أنّه في المشفى .. فجميع المرضى في المستشفيات كما تعرفُ عنهم لا يتناولون إلا طعاماً صحيَا معقماً ومقدمٌ من المشفى نفسه . أدرك ألفريدو أنه لن يستطيع إقناعها مهما حاولَ عدةِ مراتِ فأظهر الاستياء على محياه ورفع الملاءة البيضاء ليغطي بها على رأسه ويُبيّن لها أنه لم يرضى بما قالته .. لكن ذلك لم يكنْ ذا تأثير عليها فها هي أخذت ما اشترته مرة أخرى في يدها لتبعده عن متناولِ يديه ووضعته في مكان آخر لا تصل إليه أصابعه .. واستلقت على أريكة كانت بالقرب منها . تنهدَ بعدمِ حيلة فأخته عنيدة بشكلِ لا يكسر ..... لاحظَ تأخرُ بِيْن عنه فقالَ بتعجب من تحتِ الملاءة. ـ لماذا لمْ يأتِ بِيْن بما أنّه ذهبَ معك ! . سمعت ما قاله فمددت قدميها على الأريكة لتستريح وبيدها كتابٌ مصور كانت قد أخذته عندما ذهبت للشراء . ـ أرسلته ليجلب لي بعض ملابسي بما أنّي سأمكثُ هنا لرعايتك . وكأن صخرة هوت عليه من أعلى جبل ما إن سمعَ إجابتها .. فزع من مكانه ورمى بالملاءة على الأرض , استقامَ جالساً بعدمِ تصديق وهو يتمنى ألفَ مرة أن تكون دعابة منها . ـ تمزحين أليسَ كذلك ! . أطلت برأسها وقالت ببراءة تامّة لتجيبه وهي جادة فيما تقول . ـ كلا ألستَ أخي ! .. إنه واجبي أنْ أقومُ برعايتك . ضربَ يده على رأسه وأطلق تنهيدهً عميقة .. فلن يحتمل ذلك .. سيكونُ يوماً صعباً بالنسبة له .. فأخته أليسا لطيفة ومدللة وتتصرفُ بشكلِ طفولي لكنه لن يحتملَ بقاءها معه في المشفى !.. قبل قليل منعته من أكل بعض الشكولاتة فكيفَ سيكونَ باقي اليوم إذاً .. قطعَ عليه حبلُ أفكاره جملتها التي زادت الطينِ بلة بالنسبة له . ـ سأخبرُ أبي أنك يوماً ماً ستفكرُ بالانتحار بما أنك تقرأ رواية كان ختامهاُ تلكَ الميتةَ البشعة . أسقط نفسه على الوسادة وقد نالَ ما يكفيه منها وأخذ ينظرُ للسقفُ وشفتيه تتحركانِ بهمسِ مرددة . ـ أريدُ أخذ حريتي .. أريد تناول الشوكولا . نظرَ إلى قدمه اليمنى التي غلفت بجبيرةِ ثقيلة بيضاء وقال بنبرة مضحكة اختلط فيها بعض اليأس . ـ لماذا كُسرتِ يا قدمي العزيزة . استقامت أليسا جالسة ونظرت إلى أخيها وقلبها غير مرتاح .. أخذت تدقق النظر إليه.. حيثُ اللصقة الطبية التي وضعت على خده الأيمن وبعضُ لصقات الجروح على أصابع يديه وبحزنِ وتألم ظهرَ جلياً في صوتها نطقت . ـ هل تتألم كثيراً ! أخبرني إن كان هناك مكان يؤلمك سأحضر الطبيب حالاً . رأى عيناها التي اتضحت فيها معالم القلق والتي تجلت في جملتها التي قالتها , ابتسمَ بطيبة فهي حقاً قلقة عليه كثيراً وهذا ما لا يريده أبداً .. لا يريدها أن تشغلُ نفسها بالقلق عليه ولا يريدُ رؤية عيناها الجميلة تلمعُ بالحزنِ ..فكم مرة قامت بتكرارِ نفسِ السؤالِ عليه .. أخذَ نفساً عميقاُ ليغيرَ من الجوِ الذي صنعته ... ورويداً رويداً بدأت ملامح الألم تظهرُ عليه فقال وهو ينظرُ إليها بمحيّا وجهه . ـ أنا حقاً أتألم .. كادّ قلبها أن يقفزُ من شدّة الخوف ما إن سمعت ما قاله .. اقتربت منه وجلست على السرير بقربه تريدُ أن ترى موضعُ الألم الذي يقوله .. ـ سوفَ أتحسن بما إن أتذوق شيئا ما تملكينه . عبست بشفتيها ما إن انسابت جملته تلك وظهرت ابتسامته الماكرة على شفتيه ابتعدت عنه معرضة وهي وتحدثت بغضبِ : ـ لن تخدعني أبداً . محى التقاسيم المزيفة التي أظهرها وأطلق ضحكاتِ متتابعة فقد استطاع إبعاد لمعة القلق في عينيها.. فلم يكن الأمرُ كبيراً.. كل ما حدث أن تعثر عندما كان يريدُ النزول للطابقِ السفلي فسقط على الأرض وانتهى الأمرُ بكسرِ قدمه واصاباتِ طفيفة لا تذكر .. هو يتمنى من كل قلبه العودة إلى سريره في قصره وقضاء الوقت فيه ولكن رغبة لتحقيق ما أراده والده الذي تلقى اتصالاُ منه وترجاه بالبقاء على الأقل لمدة يومين حتى يطمئن أكثر عليه وهذا ما فعله تماماً . لم تمضِ فترةِ طويلة حتى جاء بيْن وبيده حقيبة جلدية بنيةِ قد ملأها ببعض الملابس وبعضَ الأغراض المهمة التي طلبها منه سيده ... كان الجوّ هادئاً عندما دخل بعكسِ ما كان عليه تلفت حلوه فوجدَ أليسا قد نامت على الأريكة بغيرِ شعورِ منها وكذا الحال مع ألفريدو الذي غفى هو الآخر واصبعه على كتاب روايته . ابتسمَ لرؤيتهما فعندما يجتمع كلاهما تحلُّ الفوضى خاصة من صاحبة المركز الأول الآنسة الصغيرة .. حملَ ملائة بيضاء ووضعها عليها لتكمل نومها ولم ينسى بأن يحمل وجباتها الخفيفة التي خبأتها بشكل فوضوي بالقربِ منها والكتاب المصور الذي بينَ أحضانها . خففّ الإضاءة قليلاً وعادَ إلى سيده اللطيف .. مدّ أصابعه بكل حذر حتى يأخذ الكتاب الذي بين يديه .. كان يأمل عدمَ استيقاظه لكن بعكسِ أليسا .. تحركت عيناه ما إن أحس بحركة قريبة منه وفتحها وأول ما وصل إلى سمعه هو صوتُ بِيْن الهامس الذي يتضح فيه تأنيب الضمير . ـ أنا آسف على إيقاظك ما إن وقعت عيناه الناعسة على رؤية بيْن حتى ابتسم واستقامَ جالساً قائلاً بابتسامة لطيفة . ـ لا عليك .. لم أرد النوم حقاً . تلفت حوله عندما شعرَ بالهدوء المحيط به فأخذت عيناه تبحثُ عن أخته اللطيفة . ـ لقد نامت . ابتسمَ بحنية عندما سمعَ ما قاله بيْن فهو حقاً يحبُ شقيقته رغمَ دلالها المفرط وشقاوتها إلا أنّ لها نكهة مميزة ولطيفة فكم افتقد وجودها عندما سافرت لبعضِ الأيام .. اطمئن ألفريدو ووجد أنّه الوقت المناسب للبدء بعمله فقالَ بصوتِ خافت لكبيرِ خدمه . ـ هل جلبتَ ملفاتِ أعمالي ! . أومأ له واتجه نحو الحقيبة التي أحضرها وبدأ بإخراج بعض الأوراق والملفات المهمة بالإضافة إلى حاسوب شخصي .. قرّبها من سيده وقبل أن يباشر ألفريدو بعمله قال بكلِ صدقِ تجلى في حروفه مع ابتسامة صافية نقيّة . ـ شكراً لك بيْن ... يبدوا أن سأثقل عليك هذه الأيام بما أنّ قدمي أصيبت . أومأ برأسه نافياً .. فلم يتعجبْ من ذلك فلطالما كان سيده لطيفاً معه ومع من حوله وهو يخدمه بكلِ صدق وإخلاص . بدأ ألفريدو بعمله بكلِّ جديّة في أجواء رائحة المشفى فلن يدعَ شيئاً يعيقُ عمله فعليه أن ينجح في المطعم الذي يقيمُ بإدارته ثمَ سيخطط بفتحِ فروعِ له أيضاً لا زال يفكرُ بمشاريع أخرى فلن يعتمدَ على أبيه فقط . من ناحيةِ أخرى حيثُ محيطُ عملَ رولند .. أخذَ يستمعُ لصراخ جايد المزعج بل والأشدّ صخباً .. كان صامتاً يتنظرُ اللحظة التي يهدأ فيها بركانه الثائر التي يفجره أمامه .. لم يكنْ الأمر جلياُ ولكنّ قذارة شخصية الواقف أمامه هي ما آلت على أن يكونَ في هذا الموقف .. لم يكن عقلُ رولند أن يحتمل كل ذلك الصخب الذي يصبُ على رأسه بما أن عقله مشغولٌ بعدةِ أشياء أخرى . ـ أيها الأخرق لقد رأيتها وهي تحاولُ التقرب منك لماذا لم تتقربَ منها !! .. أيضاً الفتاة الأخرى التي كانت تنتظرك في الخارج وقمت بالاعتذار إليها !! جميعهنُ جميلات ألم أخبركَ أن تقدمهنّ لي !! لماذا !! لماذاَ !! . هكذا أخذَ يثرثرُ بلسانه بدناءة شديدة , جلُّ ما يريده هو أن يكونَ مُحاطاُ بفتيات جميلاتِ شابات بينما مظهره المقرف هو لرجل عجوز ... ما ينقصه هو خسارة كادحة ليتعلمَ درساً قاسياً لكن بدى هذا بعيد المحال . نطق ليّبين له علّه يخمدُ غضبه وكان ذلكَ من حقه تماماً . ـ أخبرتك من قبل أني لا أهتم بهؤلاء الفتيات ! مهمتي أن أقومَ بعرضِ بضاعتك ومحاولة بيعها للزبائن أليسَ هذا ما علي فعله !! ... إذا لم يعجبك ذلك فقم بطردي . صكّ جايد على أسنانه الصفراء المقرفة وهو يستمعِ لرده ذاك الذي يعارضُ محاضرته التي كان يلقيها عليه قبل قليل . تناولت يده قطعة حلي كانت بالقرب منه فقد تلبسّ به الحنقْ .. وما لبثَ أن رماها بكل قسوة باتجاهه رولند وهو يقول بغضب شديد وصراخ يهزّ المكان . ـ أنتَ خادمي الآن في هذه الفترة .. لذا نفذ كل ما أطلبه . ضربة مؤلمة تلقاها في وجهه.. فلم تلتقط عدسة عينه اللحظة التي تنبأ بالخطر فقد حدثَ ذلك سريعاً . لم يشعر إلا بشيء دافئ يلطخُ أصابعه فأنزل يده لتعكسُ حدقهُ عيناه الجميلة قطراتِ الدم التي تنسابِ من الجرح الذي تسببت به القطعة الفضية التي رماها عليه فقد كانت الضربة موجعة نظراً لكونها على مسافة قريبة . وضعَ أصابعه على موضع الألم حيثُ جاءت بشكل عرضي من جبهته ونزولاُ بالقرب من عينه حيثُ كادت أن تصاب .. طأطأ رأسه واختفت عيناه المرهقتين تحت خصلاتِ شعره .. تنهد بعمقِ شديد وتعب مما يحصل له .. هوَ ليسَ متفرغَ لترهاتِ ذلك الشخص المسمى جايد ! يعلمُ يقيناً أنّ هذا ما سيحدث له !! فمن جعله يعمل هنا وتحتِ إمرته هو ميلان ! نطقَ بكل هدوء تجلى في حروفه وكان في عمقُها ثقة لا تهتز . ـ أنا فقط خادم في قصر آل ماليان وليس هنا .. . جفلتْ عيني جايد لما حصل .. خصوصاُ لقطرات الدم التي انعكست في عينه و لطخت يدَ من أمامه اقتربَ منه بفزع وقد تلاشى كل صخبه. ـ تباً .. لقد فعلتها بلحظة غضب . أمسك بيدِه التي تغطي على جرحه وأبعدها بكل لطف لينظر إلى ما تسبب له فبدا وكأنه للتو قد توشح بصفة اللطف والخوفِ عليه بشكلِ مقزز ... أخذَ يضغط على الجرح ويصرخُ في الموظف الآخر .. ـ أيها الأحمق الآخر تعالَ إلى هنا بسرعة ! . لم يكتفي بذلك بل أخذَ ينظرُ حوله بارتباك .. حيثُ جنبات محله الذي انتعش من جديد منذُ مجيء رولند ..فلن ينكر بأن مبيعاته قد ازدادت بشكل كبير مما جعله يقول بكل قلقِ وأنانيه شديدة . ـ يا إلهي أتمنى بألا يخرب ذلك وجهك الوسيم فيتوقفَ الفتيات الجميلات عن المجيء إلى هنا . استسلم رولند لما يحدثُ , ولم يعد يشعرُ بوخز الألم الذي أحسّ به قبل قليل ... فروحِ هذا الشخص هي نتنة ولن تتغيرَ بمجرد أحاديث وأقوال أغلق سمعه عن المحيط الذي فيه وتركَ الأمر كما هوَ فليسَ بمخير وإنما هوّ مسير .. لم يشعرُ بنفسه إلا وهو جالس على كرسي .. وجايد المريض لا زال يضغط على جرحه وهو يطالبُ بسيارة إسعاف ! .. بينما الموظف الجديد قادم مع حقيبة إسعافات وهو يحاولُ أن يشرحَ أنّه لا داعٍ لحضورِ سيارة إسعاف ! . __ عادت إلى شقتها وعقلها مشغول على صديقتها أليسا التي لا تعلم لماذا لم تحضر هذا اليوم ! فليسَ من عادتها .. كان يوما كئيبً بالنسبة لها فالقلق والفضول يسيطرُ على قلبها .. حتى لو أرادت السؤال عنها فليسَ لديها أي وسيلة اتصال ! لا تعلم أن تعيش أو حتى أي شخص على مقربة منها . أقنعت نفسها بأنها لم يحصل لها أي مكروه وأنها ستلقاها غداً أو بعد غد .. دفعة من السعادة أنعشت قلبها ما إن رأت عيناها التوأمين قد عادا للبيت مع إيفان وجميعهم قد غفوا بطريقة فوضوية على الأرض .. شقت شفتيها ابتسامة جميلة فلم تكن هناك أي حياة في هذا المكان التي كانت تعيشُ فيه وحيده !! فإيفان لم يأتِ إلا في وقت قريب .. ورولند كان منغمس في أعماله وكأنما هناك وزن كبير وثقل عميق على عاتقه فلم يأتِ لزيارتها إلا نادراً . محظوظة جداً بطفلين صغيرين لا تعرف عنهما شيئاً فلن تدعهما يعيشانِ حياة حزينة وكئيبة مثلما كانوا هم .. فقد التقطهما رولند في محيطِ دار أيتام كان سيصيرُ بيتهم ومكانهم ! . حملت ملائة سريرها ووضعتها عليهم .. لم تكن راضية بنومهم في هذا الوقت لكن لا بأس ستوقظهم بعد مرور القليل من الوقت . وضعت حقيبتها وأخرجت محاضرتها وبدأت في استذكار ما أخذته وقد طمأنت قلبها تماماً بأنه لم يحدث شيء لصديقتها . __ عند رولند انقضى نصفُ اليوم كالمعتاد فقد عادَ إلى عمله كل ما كان مختلفاً هو عينه اليمنى التي تأثرت قليلاً بما حصل له وتلك القطعة البيضاء الكبيرة والتي غطت على جرحه ... بينما ازداد مجيء الفتيات الذي كانوا يخرجون بفرحة فشابٌ وسيم طيب المعاملة .. وحسنِ الأخلاق قد اجتذبهم كثيراً في تلك المنطقة التي كان يقلٌ فيها أمثاله ولم تأثر إصابته على عمله قط ! . كما أن جايد قد تداركَ نفسه قليلاً في التجارة فبعدَ نوبة الغضب تلك ها هو الآن منشغل بجلبِ بضائع جديدة ذاتِ تصاميم جيدة وجميلة . أنهى ما كان عليه وسلمَ ما فعله بعدَ يومِ شاقِ ومليء بالعمل وقد التزم الصمت الكامل أمام مديره الذي لم يحس بالذنب إلا لأنّه خربَ قليلاً من شكله الوسيم .. بينما هو مقتنع انه كان يستحقُ كل ذلك الجدال والخصام . أغلقَ المحل مع الموظف الآخر وانطلق لوظائفه الأخرى فالوقت يمضي وعليه أن يجمعَ المال حتى لا يتكرر ما حدث ! . أخذَ يمشي وحيداً في الشارع بين حشدِ الناسِ وعقله فيه كومة من الانشغال والأفكار فذلك الجرح الذي أصابه لا يعني له شيئاً بل قد نسيّ أمره تماماً ! كل ما يتمناه ويرغبُ به هو أن يستطيعِ اكمال المبلغ المطلوب قبل أن يعود سيده ميلان . تركَ كل ما هو له خلفَ ظهره .. راحته ونومه وحتى طعامه !! كل ذلك من أجل طفل غريب رأى نفسه فيه .. قلّ كلامه وتصرفاته صارت تتوشحُ بالغموض والصمت وكأنما هو شخصٌ آخر يستميتُ بالوقت الذي يمضي .. يشدّ عضده فجراً ولا يعودُ إلا متأخراً ولا يغفو إلى قليلاُ . __ وفي المشفى كانَ يوماً مختلفاً على ألفريود الذي لا زالَ ملازماً السرير .. فقد امتلأت الغرفة بأنواع الهدايا ومختلف الورود والزهور الملونة .. كان يومه حافلاً ما إن فتحَ باب الزيارات فأكثر من شخص قد جاء إليه .. خرجَ آخر شخص كانَ على معرفة سطحية به فكل ما يعرفه أنه صديق لوالده .. فأغلب من أتى هم أصدقاء والده الذين على مقربة منه سواءُ في تجارات أو صفقات أي في مجالاتِ العمل ... طرقَ الباب بخفة فاستقام جالساً من جديد للزائر القادم ... ما إن رأت عيناه من جاء حتى اتسعت ابتسامته كثيراً فلم تكن سوى السيدة روزا التي تحملُ سلة كبيرة من الورد الاحمر وبجانبها جولي الخجولة التي كانت بينَ يديها شيئاً ما بدى كمغلف حلوى . وضعت السيدة روزا سلة الورد على الأرض بجانب السرير بما أنها لم تجد مكاناً لتضعه نظراً لازدحامِ كل زاوية بالهدايا .. جلست بقربه وبابتسامة مطمئنة وهي تنظرُ إليه قالت : ـ كيف أمسيت أيها المدير ! . بابتسامة سعيدة أجاب وهو يكادُ يطيرُ فرحاً بهذه الزيارة التي ينتظرها : ـ أنا بخير .. أعتذر عن غيابي هذا اليوم . أومأت برأسها نافية ونطقت لتزيح عنه شعور الذنب . ـ لا تقلق كل شيء يسير بسلاسة فقط ارتح قليلاُ .. تعلم أن الكسر لن ينجبر بسرعة !! يحتاج لأكثر من شهر حتى يُشفى . اقتربت جولي منه وناولته ما في يدها الذي كان مربوطاً بشرائط حمراء وهمست بصوتِ لطيف خجول . ـ أرجوا لك الشفاء ... نظرَ لما أعطته إياه حيث كانت ألواح شوكولا متعددة وبحشواتِ مختلفة ومن نوعه المفضل أيضاً فصرخ بسعادة وهو يضمها لصدره . ـ وأخيراً .. . أخذَ يختلسُ النظر للباب بقلق شديد وعندما اطمئن ناولها مرة أخرى إلى جولي وقال لها بكل حذر . ـ قومي بإخفائها قبل قدوم أليسا . أشار بإصبع يده إلى زاوية في الغرفة وأتبعَ قائلاً . ـ هناك خبئيها حتى لا تلاحظ . أومأت له جولي ببراءة وهي لا تعلم لماذا يفعل ذلك .. وقامت بإخفائها جيداً كما طلب في المكان الذي أشارَ إليه . أطلق ألفريدو تنهيدة عميقة وكأنه للتو قد أنهى مهمة صعبة وتكللت بالنجاح ... وسريعاً ما قال بنبرة طفولية ليبينَ لتلك العيون المتسائلة ردة فعله . ـ سوفَ ترسلها أليسا إلى القصر كما فعلت بالبقية !! تريدني أن آكل فقط بعض الفواكه والأكل الصحي . ضحكت السيدة روزا لذلك وتبعتها ابتسامة جولي التي جلست بقربها وهكذا بدأوا بالأحاديث الممتعة والشيقة .. فشخصية ألفريود وابتسامته الجميلة التي لا تفارقه قد اجتذبتْ كل شخص وجعلته محبوباً من الكل .. كذا الحال مع السيدة روزا وجولي الصغيرة اللتان تعملان معه في مطعمه ... ولم ينسى أن يسأل عن إيفان وكيفيه عمله بما أنه لا زالَ جديداُ فكانت الإجابة بأن طمأنته السيدة روزا بأنه يعمل جيداً وهو حالياً في مناوبة عمله ... انغمست جولي بقراءة الكتاب المصور الذي جلبته اليسا من قبل والتي لم تأتِ حتى الآن .. وسرعان ما جاء والدها للاطمئنان عليه فكان نهاية اليوم حافلة بالنسبة له فقد كانت آخر زيارة له .. ___ في الثلثِ الأخير من الليل عادَ بعد يومِ شاق كسابقيه .. وجدَ باب الشقة مفتوحاً فدخل إليها رغم القلق الذي شعرَ به من تركَ ميدوري الباب مفتوحاً له حتى آخر الليل . وجدها نائمة كما هي العادة بقربِ الأريكة بانتظاره فشعر بالندم يتسلل إليه .. فمكوثه وعمله في قصر آل مليان أفضل من أن تنتظره كل ليلة على هذا الحال . اقترب منها وجلسَ بقربها .. وأخذَ ينظرُ لوجهها النائم , خصلاتِ شعرها التي انسابت على جبينها .. خدّيها المتوردة كذلك تنفسها الهادئ . .. ميدوري .. هذه الفتاة التي كبرت بينَ ناظريه كانت إضافة جميلة لحياته البائسة في ذلك المكان العفنِ .. والذي لم يكن من المفترض أن يكونَ ملجأ لطفلة مثلها .. حياةِ اليتمِ والقهر حيثُ انعدام الوالدين وحصارهما تحتِ رحمة الشخص الذي ارتبطت به بطريقةِ نحسِة قادها إلى ذلك القدر . حملها بين ذراعيه ليعيدها إلى سريرها .. شعرت به .. بشخصِ تحملُ كل الحب له .. لمسة يده التي أحست بها جعلتها تدركُ من هو .. بدأت بفتحِ عينيها وأول ما رأته هو وجهه الذي لم تره بشكلِ واضح بسببِ خفوتِ الأضواء من حولها .. ـ مرحباً بعودتك . ابتسم بكل حنان لصوتها الناعس وعاود المسير حتى يوصلها إلى سريرها فلا يريدُ للنومِ أن تنقطعَ جميعُ حباله منها .. تشبثت به وأمسكت بملابسه بكل رفق بأصابع يدها وقد غمرتها سعادة دافئة . وضعَ رأسها على الوسادة وغطاها بالملائة .. وقبل أن يحركُ قدميه ذاهباً شعرَ بأصابع يدها التي أمسكت بملابسه .. دنى منها بكل رفق فنطقت قائلة . ـ أبقيتُ لك بعض الطعام . أومأ لها برأسه موافقاً .. ورفعَ يديه ليغمضَ عينيها حتى تنام مجدداً مشى بخطواته مبتعداً ولم ينسى بأن يلقيّ نظرَ للتوأمين اللذينَ كانوا نائمين بعمق .. تمنى من كل قلبه أن ينام بينهما ويقبلَ وجنتيهما ولكن لأنه لا يريد لميدوري ملاحظة ما حدث لوجهه .. قرر الابتعاد سريعاً . جلسَ على الأريكة التي بالخارج وأخرج النقود التي حصّلها .. أخذَ يقومُ بعدها مع تلك التي حصل عليها من قبل .. اطمئن قلبه وهمسَ بخفوت. ـ لم يتبقى إلا القليل . أسقط نفسه على الأريكة بعد أن خبأها عله يحصل على بعض النوم حتى يحين موعد الفجر .. وضعَ يده على موضعِ جرحه ولمعت عيناه بقلق ِ فلن تختفي تلك اللمعة حتى يقضيّ حاجته التي وكلّ بها نفسه .. أغمضَ عينيه مستسلما للنوم بعد يوم شاقِ ومتعب وهو لا يعلم ما يخبأ له الغد من أحداث حيثُ ميلان الذي أخذَ يستعدُ للعودة !! . [نهاية الفصل السادس عشر] اعتذااااار كبير على الانقطاع الطويل الذي دام مطولاً ولكن مع عودتي اعدكم بأن اكملها حتى النهاية . |
#168
| ||
| ||
أقلامٌ خشبية متعددة الألوان تناثرت حولَ ركبتيها التي تلامس الأرضية . ابتسامة شقتْ شفتيها الوردتين الصغيرة وهي تحركُ أصابعها بالقلم بكل سعادة وسرور ..فبدت وكأنما تلونُ الحياة بيديها وترسمُ فرحتها .. منذُ أول خيط للفجر .. وهي تحاول بأكثر من طريقة لتجعله يستيقظ من تلقاء تفسه فتارة تطبعُ قبلة على جبينه وتارة تطببُ على مكان الجرح الذي أصابه وأقلقَ قلبها الصغير فكانَ الأخير غارقاً في النومِ تماماً ولم يشعر بكل ما تفعله .. فجسدهُ المنهك رفضَ ما أملاه عقله اللاوعي في رغبته بالنهوض باكراً . فانتهى الأمر بأن أحضرت ألوانها الخشبية وأخذت ترسمُ بحرية . قلبٌ أحمر .. زهور وردية بالإضافة إلى شمسِ بلونِ أصفر .. سيارة صغيرة ..كل ذلك رسمته على ورقة بيضاء بشكل طفولي للغاية بعد أن تركت كتيبَ التلوين . خرجَ أخاها التوأم بشعره الأشقر المبعثر فقد استيقظ لتوه .. وضعَ كلتا يديه يفركُ بها عينيه وأخذً ينظرُ باحثاً عن أخته التي لم تكن في الغرفة ونهضت قبله . سمعَ حركة خفيفة فقاد قدميه إلى حيثُ رأى طيفَ لين .. رآها تنظرُ للأرضية وهي تبحثُ عن شيء لم يتضح له فأثر النعاسِ لم يبتعد بعد عنه.. اقتربَ منها حتى وصل لها وهمس بصوته الناعس . ـ ماذا تفعلين أختي ! . فزعت ما إن سمعت ذلك الصوتْ.. تركت بحثها عن اللون الذي كانت تريده واندفعت نحو أخيها وهي تضعُ كلتا يديها حول فمه تمنعه من الكلام . بعينيه الناعسة التي لم تدرك ما يحصل .. أخذ ينظرُ لها بفضول واستغراب وبدلاً من أن تجيبه على سؤاله ..قامت بدفعه بخفه ليصبحَ أمامَ الأريكة ويجدَ رولند النائم . أبعدت يديها عن فمه واقتربت تهمسُ في أذنيه بصوتٍ خافت . ـ أتذكر ما أخبرتنا به أختنا ميدوري ألا نجعلَه يستيقظ عندما يكونُ نائماً هنا . أومأ برأسه موافقاً وقد فهم تماماً .. ولكنه لم يمنعه من معاودة النظر إلى النائم بفرحة بالغة طردت بقايا النوم من جفنيه .. فقد مرّ وقت لم يره فيه.. أخذت عيناه تحدقانِ بتفاصيل وجهه وسرعان ما لاحظ اللصقة الطبية التي أخذت حيزاً في وجه رولند المرهق .. اقترب منه بغير شعور وقد بدى عليه الألم وهو يرفعُ يده الصغيرة نحو موضع الألم . - هل يؤلمه !؟ . اكتسى وجهها حزنٌ طفيف واقتربت من أخيها مرة أخرى تهمس . ـ إنني أصلي بأن يختفي جرحه بينما أقوم بالرسم والتلوين . اتسعت ابتسامته وظنّ بأنّ ذلك سيكونُ مفيداُ همسَ بصوتِ منخفض هو الآخر . ـ سأقوم بغسلِ وجهي وأتي لأصلي معك . ابتسمت بسعادة بالغة وأومأت برأسها موافقة .. جاء لير مسرعاً ما إن مسح وجهه بقطراتِ الماء .. وقفا أماما رولند وتمنيّا كثيراً وهما يغمضا أعينهما بأن يشفى ذلك الجرح وأن يذهب الألم عنه ويزول .. بدءا باللعب سوياً ..فالوقتُ مبكرٌ جداُ ولم تشرقِ الشمس بعد ولكنهما استيقظا نظراً لأنهما نالا قسطاً كافياً من النوم بالأمس . كانا كطفلين لم تمليّ عليهم الحياة أمراً قد يهدُّ أو يكسرِ جناحهما الصغير .. جلّ ما يريدونه ويرغبون به هو اللعب .. وظل شخصٌ يجدون الأمانَ بقربه . بعدَ مضي الوقتِ اخترقت أشعة الشمس الصباحية زجاج النافذة ووصلت تدريجياً لعينيه ِ فكانَ ذلك بمثابة خيطِ جعله يستيقظُ قبل أن يغرق في نومِ عميق . رمشت عينيه ما إن استقبلت ذلك الضوء .. فكان ذلك بمثابة صدمة بالنسبة له . استقامَ سريعاً جالساً بفزع .. وضعَ كلتا يديه على وجهه يغطي به. فقد كان من المفترضِ أن ينهضَ في وقتِ مبكر . ما إن أراد النهوض ليذهب في سبيل أعماله التي ألزم نفسه بها حتى سمعَ صوت ضحكات التوأمين.. رآهما جالسين على الأرض وقد بدت عليهما السعادة .. أخذ يهدأ من تأنيبِ نفسه قليلاً .. بل لقلبه الذي ينبضُ بعنف نظراً لتأخره .. .. فلو غادر الآن لحزنِ الطفلين الذي أمامَ عينيه .. لذا بما أنّ الوقت قد مضى فلا سبيلَ لإرجاعِ ذلك .. وضع يده ليخفف من حدة نبضه .. يريدُ تهدئة نفسه قليلاً وطمأنتِ قلبه بأن لديه الوقت لإنجازِ ذلك . رفعَ بصره تجاههما وما إن أراد مناداتهما حيثُ لم يكونا قِباله حتى لاحظَ شيئاً ما ! وهو أنهما متشابهين تماماً في خلفيتهماِ حيثُ شعرهما الأشقر القصير ! . ـ اثنانِ من لير ! . هكذا نطق بصوتِ مسموع وهو يظنُ أنه لا زالَ في غمرة النعاس .. وصلَ إليهما صوته .. تركا ما بينَ أيديهما وأسرعا للمجيء نحوه وهما يفتحانِ ذراعهما باتجاهه .. وكأنما كانا ينتظرانِ هذه اللحظة منذُ وقتِ ... ففي حقيقة الأمر كلاهما أرادا أن يقوما بمحاولة إيقاظه بطريقة غير مباشرة ولكنهما لم يتعمقا حتى لا يكونا سببَ ذلك فنصيحة ميدوري قد استمعاَ إليها جيداً . قاما باحتضانه بكل شوق فانتشلاه من فكرة أنه لا زال يحلم . شقت شفتيه ابتسامة صباحية منعشة فكيفَ لا يكون سعيداً وهو يستقبلُ ألطف طفلين قد قابلهما يوما . ـ صباح الخير لير . هكذا نطق رولند وهو يضعَ يده على شعره الأشقر .. انتقل للآخر الذي يشبه تماماً وظنّ أنّ منهما نسختين .. لاحظ الغرة التي كانت مختلفة تماماً رفعها بيده ونظرَ إلى عينيها الخضراء اللامعة.. وسارعَ بالقولِ بهمسَ سعيد ما إن تعرف عليها . ـ لين الصغيرة أصبحت أكثر جمالاُ . توردت وجنتي لين كثيراً وهي تسمعُ هذا الإطراء الذي فجّر السرور في قلبها .. فقد لاحظ الاختلاف الذي طرأ عليها .. فكم من الوقت مضى وهي تتمنى بلهفة شديدة أن تقابله حتى يتسنى أن تريه كيف هي بقصة شعرها الجديدة . لكن تلك الفرحة لم تدم طويلاً فقد مدّ كلاهما يديه نحو إصابته التي بالقربِ من عينه وقد غزى القلق أعينهما اللامعة ..حركة لا يقوما بها سوى التوأمين في وقت واحد .. علم أن هذا سيحصل .. سيسببُ القلق لمن هم هنا ! لذا هو أراد من كل قلبه أن يستيقظ باكراً حتى لا يرى هذه النظرة عليهم أيضاً .. وضعَ يده على موضعِ الجرح حيث اللصقة الطبيبة وابتسم بلطف قائلاً لهما يريدُ إزاحة القلق الذي اتخذ حيزاً في قلبيهما. ـ لقد سقطت أرضاً .. لا يؤلم كثيراً وضعت اللصقة الطبية حتى لا يتلوث الجرح الصغير . رفعت لين رأسها وقد اقتنعت بما قاله .. نظرت إليه بعينيها وبنبرة خجولة نطقت بحماسة . ـ لقد صلينا أنا ولير كثيراً وطلبنا أن يشفى جرحك سريعاً . شعورٌ دافئ انتباه ما إن سمعَ جملتها .. احتضنهما بسعادة بالغة وبكلِ شوق.. لقد افتقدهما كثيراً هذه الفترة .. يعلم تماماً أنه ربما لن تأتي فرصة مثل هذه للبقاء معهما .. لذا تشبثَ بمصدر سعادته التي أدخلها لحياته .. هو من أخذهما بكاملِ إرادته .. هو من قرر رعايتهما ! أخذهما معه قبل أن يحبسا في دارِ الأيتامِ الذي كان سيكونُ مقرهما ومنزلهما .. لم يسأل عن ماضيهما ولا عما حصل لهما !! بل ولماذا كانا بقربِ باب الميتم في تلك الليلة الباردة ! كل ما سأله هو عن اسميهما .. وبهذا دخلا لقلبه وتلى ذلك بأن دخلا لحياته وشاركاه أيامه حتى أصبحا جزءاً مهما لا يستطيع التخلي عنهما أبداً . استشعر كل ذلك وهو لا زال يطوقهما بذراعه وكأنما بذلك يعوضُ عن تلك الأيام التي لم يستطع فيها رؤيتهما وهذا ما نجح به فعلاً فها هما ينظرانِ إليه بأعينهما الجميلة . ابتسم عندما استطاعَ تبرير ما حصل له .. والآن هو يريدُ الخروج سريعاً حتى لا يُؤسَرَ ويصبحَ في مجرى تحقيق كامل لما حدث من قبل ميدوري التي لم تستيقظ بعد . ولكنه أمام عقبة صغيرة وهما التوأمين الذي يتشبثانِ به وبالتأكيد لا يريدانِ منه الخروج . لذا فكرة استقرت في عقله وقرر تنفيذها حتى يستطيعِ الذهاب دون حزنِ اللذين بين يديه وبقربه . - أيها الصغيرين.. لديّ عمل مهم ويجبُ علي الخروج من هنا . فهما مقصده وأسرعا تلقائياً بإمساكِ يديِ رولند وأعينهما تلمعُ بحزنِ وكأنهما يقيدانه من الحركة , فَهما كل حرفَ قاله !! ومضمونَ ما يريده وهو الابتعاد عنهما لذا نطقا سويةٍ بنبرةِ تحملُ بداخلها ألماً وأملاً باستجابة طلبهما . ـ لن تذهب الآن . لا يريدان منه الرحيل .. يريدان البقاء واللعب والحديث معه .. مضت فترة منذُ أن قضى معظم وقته معهما .. خشيا أن يذهب بطلهما ككل مرة ولا يجدانهِ أبداً ... أن يقضي فترة قصيرة معهما ولا تكرر . خشيّ قلبهما أن يغادرهما يوماً ما رولند ولا يشاهدانه مرة ثانية ! .. بل ولن يعود إليهم ! . استشعرَ قلبه النابضْ مشاعرهما تلك .. فقبضة أيدهما الصغيرة على يديه التي تحاولُ منعه من أي حركة كانت تترجمُ له كل ما يشعران به .. أخذَ نفساً عميقاً .. هو ليسَ لديه الكثير من الوقت ! لديه أعمالٌ كثيرة كان من المفترضِ أن ينجزَ إحداها الآن كما أنه يتوجب عليه الذهاب قبل استيقاظ ميدوري . أمسك أيديهما الصغيرة بدل أن كانا هما من يفعلا ذلك .. قربهما من بعض حتى أصبحا أمامَ عينيه .. يريد من كل قلبه أن يتفهما سببَ عدمِ بقاءه لا يريد لقلبيهما أن يشعرا للحظة بأنه أصبح يغيب عنهما وأنه لا يريد رؤيتهما . - هل أنا في قلبيكما !؟ . رمشت أعينها لسؤاله الغريب الذي فاجأهما ونطق به . تلمّسَ براءتهما التي تمثلت بأن قاما بإلايماء فقط وأتبع قائلاً : - إن غبتُ كثيراً هل يعني هذا أنني قد نسيتُ أمركما أو أنني أكرهكما !؟ . انتكست أعينهما اللامعة ما إن أصابَ ما يريده تماماً .. وبدى كطفلين يشعرانِ حقاً ببعضِ مما قاله . ابتسمَ رولند لصدقِ أعينهما وصمتهما بدلَ الكذب عليه .. بادر بالقولِ حتى يبيّن لهما ويبعد ذلك الشعور من قلبيهما . ـ أنا أحبكما كثيراً وأريد البقاء معكما ولكن أخوكما الكبير منشغلٌ هذه الأيام ولديه أعمال كثيرة ! .. رفعَ رأسيهما حتى ينظرانِ إليه بأعينهما التي تتهربانِ مما يقوله فطبيعة الأطفال أنهم أنانيون فيما يحبونه خاصة إذا كانَ شخصاً قريباً منهم .. هما متعلقين به كثيراً .. وهذا ما زاده ألماً !! .. فحقيقة الأمر أنه لا يستطيعُ البقاء بجوارهما مثل الماضي ! حيثُ عندما كانَ يعملُ في قصر السيد ليبريت ! .. لقد كانت معجزة بأن سمح السيد الراحل ليبريت في تلك الفترة أن يأخذَ التوأمين للعيشِ معه في مكانِ عمله .. كان لطيفاً وكبيراً في السن .. لم يكن لديه أي أحفاد أو أولاد لذا آنسَ وحدته وجود التوأمين وشعرَ بتجددِ الحياة برؤيتهما كل يوم وكأنما كانا أطفاله .. حتى أنّه وفرّ لهما غرفة خاصة مريحة وبأثاثِ يشابه ميول الأطفال .. ولكن ما أسرعَ الأيام ! فقد أصبح ذلك القصر تحتَ قبضة أسرة أخرى ..حيثُ سيده الحالي والجديد والذي رفضَهما قطعاً !! لا بل وأكثر من ذلك بأن هدده بأذيتهما وفصلهما عن بعض . ـ رأيتما بأعينكما الشخص الشرير في ذلك القصر الكبير ..أريد تغيير رأيه حتى آتي بكما إليه معي .. لذا ستكونُ تلك مهمة صعبة ... لن أستطيع الخروج أو المجيء إليكما خلالَ تلك المهمة .. لذا امهلاني الكثير من الوقت .. حسناً !! . حتى وإن كان الأمر يتطلبُ الكذب فسيفعلُ ذلك مقابل ألا يجعلَ تلك المشاعر تجتاحُ قلبيهما .. ظهرَ أثرُ ذلك سريعاُ وبدت سعادتهما كثيراً أومأ برأسيهما موافقين لقد كان الأمر مفرحاً بالنسبة لهما بما أنهما في الأخير سيبقيانِ معه .. لكنّه تفاجأ بسؤال لين الصغيرة التي بادرت بالقول . ـ وأختي ميدوري !؟ . وكأنما بذلك أدرك رولند بأن حبل الكذب قصير ! فما إن تقول كذبة حتى تتابع كذباتِ أخرى .. أغمض عينيه ليخفي ألم الكذبة التي ظهرت في عينيه وأسرعَ قائلاً . ـ... سأعمل كثيراً حتى نشتري قصراً كبيراً ونعيشُ فيه سوية مع ميدوري وإيفان أليسَ هذا أفضل !! . رسخت تلك في أذهانهما ولم يعلما يقيناً أن ما قاله ليست سوى كذبة كبيرة لن تتحقق إلا إن حصلت معجزة ما . ألامه قلبه كثيراً ما إن رأى الفرحة الشديدة في أعينهما وسرورهما .. كل ذلك ليبرر لهما فقط سببِ غيابه .. فجعلَ الكذبة تبدوا أكبر فأكبر . وضعَ إصبع يديه السبابة في فمه وقالَ لهما بحذر . - لا تخبرا أحداً ليكن هذا سرٌ بيننا . أجل فماذا ستكون ردة فعلِ ميدوري وإيفان ما إن يخبراهما بما قاله للتو !!! يكفي أنهم جميعاً الآن يكافحون من أجل مواصلة العيش من خلالِ العمل ، فميدوري لم تحصل على حياتها هذه باللعبِ واللهو ! بل كافحت وسهرت وتعبت في عدةِ أعمال حتى كسبت هذه الشقة بإيجارها السنوي .. ولا ينكرُ أنّه قامَ بمساعدتها بالمال فعينيه لم تتحملا جسدها الذي يكدّ من أجل حلمها ! حلمُ الاستقرار وحلم إكمال دراستها الجامعية التي كانت تسهرُ الليالي لتدخر المال من أجل هذينِ الحلمين أمّا إيفان الذي عاد بعد غياب فها هو الآن يشقُ طريقه في بداية جديدة لصفحه حياته .. أما هوَ !..... فلا زالَ كما كان .. لا مُبتغى يريدُ الوصول إليه ولا حلم يبذلُ نفسه فيه.. تلتصقُ فيه كلمة الخادم التي لم تفارقه وكأنما هي لعنة تلاحقه بل بالأحرى عقابٌ يستحقه . استفاقَ من انغماسه في التفكير ما إن أحس بكلتا يديه التي تهتزان بفعل التوأمين وكأنما ما قاله قد نال إعجابهما فبالإضافة لكونها سرية فقد أضافت نكهة مميزة وسحرية للتوأمين وكأنه سرٌ سعيدٌ خطير ! . طردَ الحديث الذي كادَ أن ينتشله من واقعه رغم صحته .. اقترب منهما وهمسَ بحذر في أذنيهما ليستعينِ بهما بينما ظنّا أنها مهمة للتوصلِ إلى الغاية الكبرى التي أخبرهم بها . ـ أول مهمة للنجاح هي بأن تراقبا ميدوري .. أريد الاستحمام بسرعة وتبديل ملابسي قبل استيقاظها .. لا يجبُ أن تعلم أني لا أزال هنا . وبهذا كسبَ نقطه لصالحه !! لإقناعهما .. وعدمِ حزنهما بل بالأحرى قد بثَ إليهم دفعه من الحماس جعلاهما ينطقانِ بصوتِ عالِ سوية وهما يرفعانِ أيدهما . ـ حســنـ.. لم يكملا كلامها فقد وضعَ كلتا يديه فوقَ أفواههم وقد اكتسى القلق وجهه مع ابتسامة مرتبكة مضحكة .. فلا يريدُ أن تستيقظ على صوتهما . غمرتهما ابتسامة سعيدة وهما يشعرانِ بالحماس الشديد وهكذا بدأوا في مهمتهم .. جعل لير الغرفة التي تنامُ فيه ميدوري كمركز للمراقبة وهو يقف بمنتصفها بينما كانت لين بقربِ الباب .. فقد اتفقا على ذلك .. ما إن يشيرُ إليها توأمها فستعرفُ تماماً أنها استيقظت وبذلك تحاولُ كسبَ الوقت لمهمة خروجِ رولند الذي ذهب بالفعل ليستحم . كانت المهمة تسير بسلالة فها هو رولند قد خرج بسلام دونَ أن يتلقى رداً باستيقاظها وهذا ما أراحه .. تساقطت قطراتُ الماء من شعيراتِ رأسه شديدة السواد فسارعِ بوضع منشفته الصغيرة ليجففها بسرعة .. فبدا مظهره منعشاً بملابسه ذات الألوان الصباحية .. حيثُ بنطاله البني وبزته ذاتِ اللون السماوي .. أشارَ بإصبعه بسعادة بالغة نحو التوأمين .. فخرج لير من الغرفة بحذر وقد تمت المهمة . ـ سوفَ أذهب الآن . هكذا نطقَ رولند وهو يريد تودعيهما .. ولكن يده الصغيرة استوقفته .. ظنّ أنه فشل في إقناعهما وبأنه حزين على مغادرته ولكن ما أبداه كان مختلفاً .. كان ينظرُ بقلق ناحية المطبخ وهو يتشبثُ بيده . ـ انتظر لين .. إنها تقومُ بإعداد الفطور لك . غشيّ وجهه التفاجئ وانطلق سريعاً إلى حيثُ لين الصغيرة فلا يريدها أن تؤذي نفسها .. ما إن أطل بعينيه نحو المطبخ الصغير حتى رأها على الأرض تقومُ بحشو شريحة خبز بطريقة فوضوية .. الثلاجة مفتوحه على مصراعيها وفمها ملطخ بالمربى الذي لم تتمالك نفسها من تذوقه . نطقَ باسمها وهو يتجه نحوها ... ما إن سمعت صوته حتى وضعت ملعقة الطعام الذي كانت تطلي به شريحه الخبز في فمها وأخذت تنظر إليه بنظرةِ بريئة وبالغة في السعادة . قامَ برفعها عن الأرض وجعلها تقفُ أمامه وما إن أراد مخاطبتها حتى أبعدت ما في فمها وأسرعت بالقول . ـ لقد صنعتُ لك شريحتي خبز .. واحدة بمربى الفراولة وأخرى بمربى البرتقال . لم يرد رولند أن يقومَ بمعاتبها لأنه خائف أن تؤذي نفسها وبالوقت نفسه لا يريد أن يفسد من فرحتها البالغة تلك . - أخي لا تستطيع الذهاب بدون تناولِ الإفطار ! . هكذا نطق لير وهو يرفعُ شريحة الخبز ويضعها أمام عينِي رولند .. قبلِ بإفطارها الفوضوي الذي أعدته بيدها الصغيرة . غادرَ بعد أن ودعهما بكل امتنان ولم ينسى أن يطلب منهما إيقاظ ميدوري التي تأخرت قليلاً في النوم .. شعرَ بسعادة جميلة .. صباح مختلف تماماً عن كل الصباحات التي كان فيها يسرعُ للخارج .. شعورٌ بالألفة والمحبة والانتماء وهو يرى التوأمين يحيطانِ به .. تمنى أن يكون كل يوم كهذا الصباح .. يستيقظ ليجدهما أمامه يتبادل الحديث معهما في الصباح الباكر .. يتناول إفطاره مع ميدوري وإيفان الذي دائما لا يفوتُ المجيء صباحاً .. ولكن لم يعلم أنّه بذلك قد تأخر كثيرا ولم يقمْ باستغلال الأيام الفائتة بعيشِ بداية يومِ كهذه .. لم يكنْ آسفاً ولا نادماً فذلك الطفل الذي رآه يرغبُ تماماً بأن يعيشَ حياة دافئة بعيدةً عن أثرِ الديون ! .. ولكنه ومنذ اليوم لم يعلمْ أنّه كان آخر لقاء طويل يجمعه مع التوأمين .. وضع شريحة الخبز في فمه وأخذ قضمه منها .. كان سعيداً بل ومحظوظاُ بأن يتناولَ إفطارا مختلفاً عن كل مرة . ما إن مشت قدماه في الشارعِ مغادراً البناء الذي تعيشُ فيه ميدوري حتى وجده يأتي مسرعاً بنشاط وابتسامة منعشة تزينُ وجهه . تلاقتْ أعينهما .. فأبطأ إيفانِ في سيره ..وأبعد تلك الابتسامة من شفتيه ما إن راه واتجه نحوه . ألقى التحية على الشاب الذي دائماً ما يستقبله بابتسامة لطيفة لم تختلف تماماً عن كل مرة يقابله بها .. لم يدعَ المجال لرولند ليتحدث بل قالَ بنبرة حزينة ومحبطة . ـ لن تتناولَ الإفطار معانا هذه المرة أيضاً . ابتلعَ رولند اللقمة التي كان يمضغها واستمتع بمذاقها . ـ لا تقلق لقد أعد التوأمين لي هذه . شعرَ ببعض التوتر فهو لا يريد البدأ من جديد وتبرير سببَ قيامه بذلك .. يعلمُ أنّه بذلك سيحزنُ صديقه الذي يقفُ أمامه والذي كان واضحاً في عينيه التي تحدق به بالأحرى بموضعِ إصابته . لن يكون الكذب نافعاً معه !! ولن يكون الصدق ذو شيء جيد ! أيخبره بأن سيده الذي هو في إجازة عمل قد وكلّ له وظيفة أخرى ! . هو لم يستسغ فكرة العمل هناك فكيفَ إذا يبرر له ! . و إن أراد التغطية على ذلك فكيف سيفسرُ له موضوعَ قيامه بعدة بوظائف أخرى . لمحَ إيفان لمعة التوتر تلك .. يعلمُ أن رولند يحملُ الكثير في قلبه .. أشياء عدة يخفيها بداخله ولم يبحْ بها .. لكنه لا يزال يستمر بتلك الابتسامة التي لم تفارقه شفتيه .. لا يريد الضغط عليه .. لن يجبره على البوح .. يكفي ماهو فيه .. يكفيه أنه في هذه الفترة يعمل مع شابِ صعبِ المراس وذو مزاج سيء ! كخادم له .. وكم يكره أعماقِ هذه الكلمة من أعماقِ قلبه . أزال كل الإحباط الذي تلبسه قبل قليل وقد رسم على شفتيه ابتسامة مرحة ـ لا ترهق نفسك كثيراً . وضعَ رولند يده على كتفه وقد تلمس هذه العبارة التي قالها والتي تسمح له بالمضي قدما إلى المكان الذي يريده .. لم يسأله عن شيء بينما عيونه تفضحُ ما يرغب به حقا .. ولم يملك سوى أن يقول بكل صدق. ـ أشكرك حقاً . حركَ قدميه إلى حيثُ وجهته .. فاعتصر إيفان يديه كاد أن يصرخ في وجهه كعادته إنه غاضب ...غاضب بالفعل !! فكيفَ يقومُ بالذهاب تاركاً وجبة الإفطار التي تجمعهم ! مغرقاُ نفسه في كتلة من الأعمال التي يرهقُ به نفسه .. لكنه هدأ نفسه قليلاً وهو يغمضُ عينيه ليطفأ هذه المشاعر الحارقة التي تنتابه فلو فجرّها لعادت شخصيته القديمة التي جاهد على تغيرها ولكن لم يمنعه بأن يصرخ قائلاً له حتى يخفف مما يشعرُ به . ـ كن حريصاً على ألا تؤذي نفسك . وصلتْ إليه جملته .. فتبسمّ قلبُ رولند كثيراً .. رفعَ ذراعه عالياً ولم يلتفت نحوه وكأنما يخبره بأن قد سمعَ ماقاله وفهمه . رأى إيفان يده الممتدة تلك .. فشعر بحزنٍ يغمره ..أغمض عينيه بشدّة وهو يتمنى أن يكون رولند دائماً بخير وألا يصيبه أيّ أذى .. . . استيقظت ميدوري بفوضى عارمة تماماً وأخذت بشكل مضحك تؤنب لين ولير اللذينَ ايقظاها في وقت متأخر .. وكأنما تتهرب من مشكلة عادتها في تأخرها عن الاستيقاظ .. أسرعت بالخروج من الغرفة فتقابلت مع ايفان الذي دخل لتوه .. ابتسمت بسعادة بالغة لوجوده وكأنما بحضوره سيقدم خدمة انقاذٍ لها لها . - اسفه ايفان.. هل يمكنك تحضير بعض طعام الافطار للتوأمين لقد استغرقت في النوم . سارعت بالجري بعد جملتها وهي تقوم بإخراج حقيبتها وتلملم كتبها الدراسية وأخيراً تأخذ ملابسها لتستحم .. إستاء بطريقة مضحكة على استغراقها في النوم .. خرج التوأمين وهما يكتمانِ ضحكاتهما كالعادة .. فهذه ليست المرة الأولى التي يشاهدان فيها على هذه الحالة .. رفع ايفان اصبعه نحو فمه حتى كاد يلامسه وتحدث لهما بعينٍ ماكرة . - أعرف لماذا لم توقظاها مبكراً . فمن كان غيره السبب ! كان رولند الذي أراد وبلا شك التهرب من ميدوري .. فهي لن تصمت مثله عندما ترى اصابته تقدم التوأمين أمامه وقاما بنفس حركته تماماً رفعا اصبعيهما بالقرب من فمهما ونطقا . - لا تقم بإخبارها . لم يحتمل كتمان ضحكة وهو يراهما بذلك الشكل .. فكرَ بالأمر مليا ونطق بجدية مصطنعة وهو ينظر إليهما وكأنما لن يقوم بذلك حتى يلبيانِ مايرده . - سأفعل ذلك إن قمتما بمساعدتي في تحضير بعض الفطور اللذيذ فيبدوا انني من سأقوم باصطحابكما الى رياض الأطفال. نطقا بحماسة موافقين والنشاط يدبُّ في جسديها فكيفَ لا وهما استيقظا باكراً قبل الجميع . تبعا إيفان الذي بدى لهما كالقائد نحو المطبخ .. تلقيا تعليماته في مساعده في إعداد الفطور لحين تقوم ميدوري المتأخرة بالمجيء . هو عليه تولي أمر طهي الطعام وهم عليهم إعداد المائدة واخراج ما يريده من الثلاجة . لقد اعتاد ايفان على الطبخ بما أنه كان يعيشُ وحيداً لفترة من الزمن .. فترة أرادها أن تكون نقطة تحول في شخصيته وتصرفاته .. فتغير بالفعل . ولكن تبقى شخصيته الحقيقة موجودة فلن يستطيع محيها تماماً فهي تعود إليه من حين لآخر خاصة ان غضب أو تعلق الأمر بشيء لا يحبه او كان سبب عودته هو رولند الذي لا زال مرتبطاً بحلقة من الماضي . خلال وقت قصير استطاع اعداد وجبة افطارٍ لذيذة .. استمتع فيها التوأمين بمساعدته فكان لهما نصيبٌ من ثناء ميدوري التي جائت تنضم إليهم بعد أن جهزت نفسها بشكل سريع .. لم تمدح ايفان بل جعلت الثناء كله على التوأمين وكأنما هما فعلاً من قاما بإعداده مما أثار غيرته .. حاول الدفاع عن نفسه واثبات أنه كان القائد في إعداد كل هذا فتعالت ضحكات ميدوري والتوأمين فقد غمزت لهما بعدم الحديث والدفاع عنه . ___ وفي السماء حان موعد هبوط الطائرة بعد رحلة عمل دامت لأيام كادت أن تطول ليومين آخرين لكنّ السيد هايدن لم يستطع البقاء يريد العودة لتفقد ابنه العزيز الذي كسرت قدمه .. كانَ ميلان يخبره بأنه سيكون بخير فهو يعرف ألفريدو تماماً .. لكنه لم يستطع إبعاد لمحة القلق التي سيطرت على وجه عمه .. لذا قام بالضغط على نفسه حتى ينجز بقية العمل في وقت قصير فبدى أثر ذلك عليه فقد سيطر النوم عليه وها هو نائم بعمق حتى بعد هبوط الطائرة ! . شعرَ هايدن بالقلق عليه هو الآخر يعلم بأنه أُرْهِقَ بالعمل .. وبقي ساهراً طوال الليل .. لم تكتمل حتى ساعة منذُ أن أغمض جفنيه .. ولو كان الأمر بيده لتركه نائماً حتى ينالَ قسطاً من الراحة . هزه بخفة وهو يهتفُ باسمه ليوقظه . ـ بنيّ .. افتح عينيك لقد وصلنا . شعرَ بتلك الحركة التي أخرجه من النوم العميق الذي كان فيه .. رمشت عيناه المتعبة والتي اتضح فيها أنه لم ينل بعد قسطاً كافياً . حركَ يده نحو حزامِ الأمان وفتحه .. مدد كلتا ذراعيه ليستعيد نشاطه والتفت نحو عمه بابتسامة . ـ أعتذر لقد نمتِ بدون شعور . استقام العم هايدن واقفاً وعيناه يتضح فيها تأنيبُ النفس .. مدّ يده نحو ليساعده بالوقوف قائلا بنبرة رؤوفه . - اذهب للقصر ونل قسطا كافيا من الراحة والنوم... سأرسل طلباً في عودة جميع الخدم إليه. ابتسامة صافية ظهرت على شفتي ميلان .. ابتسامة لا يظهرها إلا للمقربين إليه وتكادُ تنعدم في قصره .. تلمسَ جملة عمه التي لم تكف عن القلق ..تارة على ابنه وتارة عليه . ـ أنا بخير .. سأذهب معك أولاً لتفقد ذلك الأحمق .. وأيضاً أنا من سأقدمِ طلباً في ذلك لا تقلق نفسك . اطمئن قلبه ما إن رأى ابتسامته التي تشرح الصدر وأكملا السير للنزول من الطائرة .. ما إن حطت أقدامهما وسارا بين جَمْعِ الناس حتى قَدِمَ ثلاثة أشخاص يعملون في منزل السيد هايدن اصطحبوا حقائبهما الصغيرة وقاموا بمرافقتهما ركبا سيارة سوداء فاخرة تعودُ لملكية السيد هايدن وما إن جلسا حتى نطق للسائق وصبره يكاد ينفذ يريد تفقد ورؤية فلذة كبده . ـ إلى المشفى . انطلقت السيارة مسرعة كما طلب .. السيد هيلين لم يكف لسانه عن الصلاة بأن يكونَ ابنه بخير .. وميلان مغمضٌ عينيه .. فهو مطمئن تماماً ويعلم أنه سيقابل ألفريدو وهو بصحة جيدة ربما حتى أنه قد خرج ولم يستمع لكلامِ والده . أبعد ما حصل مع ألفريدو من عقله .. ثوانٍ حتى ارتسمت على شفتيه ابتسامة غريبة ! .. فهوَ لن يقدّمَ أمراً بإعادة الخدم قبل أن يرى ذلك الذي تركه في عهده جايد .. فلن يفسد أبداً تلك المتعة . [ نهاية الفصل السابع عشر ] |
#169
| ||
| ||
وأخيييييييييييرا عدت لتكملة هذه التحفة الرائع وصدقا هذا نوعي المفضل رواية من نوع الصداقة وخليط من كل شيء أقرأ وأعود ان شاء الله
__________________ مهما زاد عنائي لا يمكن أن أنساك حتى إن تنساني باقية لي ذكراك لأن الروح داخلي لا زالتْ تهواك نبع الأنوار ايناس نسمات عطر |
#170
| ||
| ||
البارت روووووووووووووووووووووعة حبيتو كتييير خاصة لان مرة طويل عن جد بجنننننننننننننننننننننننننننننننن
|
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
روايـــة..حــــلم فـــوق السحـــــآآب | ŔowlЄy | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 169 | 03-02-2015 03:55 AM |
رواية خادمي كان صديقي | ƬăẂăǤ | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 7 | 08-19-2014 11:57 AM |
بقيتَ ولا كانَ الزمانُ ولا بقى | ǻ ץ Ł ı ļ ● | قصائد منقوله من هنا وهناك | 3 | 08-04-2013 04:01 PM |
صديقي مهما فعلت .. تبقى صديقي ...:: | اريج العمر | مواضيع عامة | 5 | 03-01-2009 05:01 PM |
صديقي مهما فعلت .. تبقى صديقي ...:: | اريج العمر | مواضيع عامة | 5 | 10-25-2008 08:55 PM |