عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيــون الأقسام العلمية > شخصيات عربية و شخصيات عالمية

شخصيات عربية و شخصيات عالمية شخصيات عربية, شخصيات عالمية, سير الأعلام.

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-24-2007, 05:06 PM
 
بين يدى محمود درويش


نبذة حول الشاعر: محمود درويش






محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة ابناء وثلاث بنات ، ولد عام 1941 في قرية البروة ( قرية فلسطينية مدمرة ، يقوم مكانها اليوم قرية احيهود ، تقع 12.5 كم شرق ساحل سهل عكا) ، وفي عام 1948 لجأ الى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد ، عاد بعدها متسللا الى فلسطين وبقي في قرية دير الاسد (شمال بلدة مجد كروم في الجليل) لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية الجديدة (شمال غرب قريته الام -البروة-).

تعليمه:
اكمل تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة دير الاسد متخفيا ، فقد كان تخشى ان يتعرض للنفي من جديد اذا كشف امر تسلله ، وعاش تلك الفترة محروما من الجنسية ، اما تعليمه الثانوي فتلقاه في قرية كفر ياسيف (2 كم شمالي الجديدة).

حياته:
انضم محمود درويش الى الحزب الشيوعي في اسرائيل ، وبعد انهائه تعليمه الثانوي ، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الاتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي اصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر .

لم يسلم من مضايقات الاحتلال ، حيث اعتقل اكثر من مرّة منذ العام 1961 بتهم تتعلق باقواله ونشاطاته السياسية ، حتى عام 1972 حيث نزح الى مصر وانتقل بعدها الى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الحتجاجا على اتفاق اوسلو.

شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر في مجلة الكرمل ، واقام في باريس قبل عودته الى وطنه حيث انه دخل الى اسرائيل بتصريح لزيارة امه ، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض اعضاء الكنيست الاسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه ، وقد سمح له بذلك.

وحصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها:
جائزة لوتس عام 1969.
جائزة البحر المتوسط عام 1980.
درع الثورة الفلسطينية عام 1981.
لوحة اوروبا للشعر عام 1981.
جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي عام 1982.
جائزة لينين في الاتحاد السوفييتي عام 1983.

شعره:
يُعد محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينة ، ومر شعره بعدة مراحل .

بعض مؤلفاته:
عصافير بلا اجنحة (شعر).
اوراق الزيتون (شعر).
عاشق من فلسطين (شعر).
آخر الليل (شعر).
مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).
يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).
يوميات جرح فلسطيني (شعر).
حبيبتي تنهض من نومها (شعر).
محاولة رقم 7 (شعر).
احبك أو لا احبك (شعر).
مديح الظل العالي (شعر).
هي اغنية ... هي اغنية (شعر).
لا تعتذر عما فعلت (شعر).
عرائس.
العصافير تموت في الجليل.
تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.
حصار لمدائح البحر (شعر).
شيء عن الوطن (شعر).
وداعا ايها الحرب وداعا ايها السلم (مقالات).
__________________

اول الصدقة فى بيتك واول العدالة مع جارك
"تشارلز ديكنز "
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-24-2007, 05:09 PM
 
رد: بين يدى محمود درويش

طباق (عن إدوارد سعيد)



نيويورك/ نوفمبر/ الشارعُ الخامسُ/
الشمسُ صَحنٌ من المعدن المُتَطَايرِ/
قُلت لنفسي الغريبةِ في الظلِّ:
هل هذه بابلٌ أَم سَدُومْ؟
هناك, على باب هاويةٍ كهربائيَّةٍ
بعُلُوِّ السماء, التقيتُ بإدوارد
قبل ثلاثين عاماً,
وكان الزمان أقلَّ جموحاً من الآن...
قال كلانا:
إذا كان ماضيكَ تجربةً
فاجعل الغَدَ معنى ورؤيا!
لنذهبْ,
لنذهبْ الى غدنا واثقين
بِصدْق الخيال, ومُعْجزةِ العُشْبِ/
لا أتذكَّرُ أنّا ذهبنا الى السينما
في المساء. ولكنْ سمعتُ هنوداً
قدامى ينادونني: لا تثِقْ
بالحصان, ولا بالحداثةِ/
لا. لا ضحيَّةَ تسأل جلاّدَها:
هل أنا أنتَ؟ لو كان سيفيَ
أكبرَ من وردتي... هل ستسألُ
إنْ كنتُ أفعل مثلَكْ؟
سؤالٌ كهذا يثير فضول الرُوَائيِّ
في مكتبٍ من زجاج يُطلَّ على
زَنْبَقٍ في الحديقة... حيث تكون
يَدُ الفرضيَّة بيضاءَ مثل ضمير
الروائيِّ حين يُصَفِّي الحساب مَعَ
النَزْعة البشريّةِ... لا غَدَ في
الأمس, فلنتقدَّم إذاً!/
قد يكون التقدُّمُ جسرَ الرجوع
الى البربرية.../
نيويورك. إدوارد يصحو على
كسَل الفجر. يعزف لحناً لموتسارت.
يركض في ملعب التِنِس الجامعيِّ.
يفكِّر في رحلة الفكر عبر الحدود
وفوق الحواجز. يقرأ نيويورك تايمز.
يكتب تعليقَهُ المتوتِّر. يلعن مستشرقاً
يُرْشِدُ الجنرالَ الى نقطة الضعف
في قلب شرقيّةٍ. يستحمُّ. ويختارُ
بَدْلَتَهُ بأناقةِ دِيكٍ. ويشربُ
قهوتَهُ بالحليب. ويصرخ بالفجر:
لا تتلكَّأ!
على الريح يمشي. وفي الريح
يعرف مَنْ هُوَ. لا سقف للريح.
لا بيت للريح. والريحُ بوصلةٌ
لشمال الغريب.
يقول: أنا من هناك. أنا من هنا
ولستُ هناك, ولستُ هنا.
لِيَ اسمان يلتقيان ويفترقان...
ولي لُغَتان, نسيتُ بأيِّهما
كنتَ أحلَمُ,
لي لُغةٌ انكليزيّةٌ للكتابةِ
طيِّعةُ المفردات,
ولي لُغَةٌ من حوار السماء
مع القدس, فضيَّةُ النَبْرِ
لكنها لا تُطيع مُخَيّلتي
والهويَّةُ؟ قُلْتُ
فقال: دفاعٌ عن الذات...
إنَّ الهوية بنتُ الولادة لكنها
في النهاية إبداعُ صاحبها, لا
وراثة ماضٍ. أنا المتعدِّدَ... في
داخلي خارجي المتجدِّدُ. لكنني
أنتمي لسؤال الضحية. لو لم أكن
من هناك لدرَّبْتُ قلبي على أن
يُرَبي هناك غزال الكِنَايةِ...
فاحمل بلادك أنّى ذهبتَ وكُنْ
نرجسيّاً إذا لزم الأمرُ/
- منفىً هوَ العالَمُ الخارجيُّ
ومنفىً هوَ العالَمُ الباطنيّ
فمن أنت بينهما؟
< لا أعرِّفُ نفسي
لئلاّ أضيِّعها. وأنا ما أنا.
وأنا آخَري في ثنائيّةٍ
تتناغم بين الكلام وبين الإشارة
ولو كنتُ أكتب شعراً لقُلْتُ:
أنا اثنان في واحدٍ
كجناحَيْ سُنُونُوَّةٍ
إن تأخّر فصلُ الربيع
اكتفيتُ بنقل البشارة!
يحبُّ بلاداً, ويرحل عنها.
]هل المستحيل بعيدٌ؟[
يحبُّ الرحيل الى أيِّ شيء
ففي السَفَر الحُرِّ بين الثقافات
قد يجد الباحثون عن الجوهر البشريّ
مقاعد كافيةً للجميع...
هنا هامِشٌ يتقدّمُ. أو مركزٌ
يتراجَعُ. لا الشرقُ شرقٌ تماماً
ولا الغربُ غربٌ تماماً,
فإن الهوية مفتوحَةٌ للتعدّدِ
لا قلعة أو خنادق/
كان المجازُ ينام على ضفَّة النهرِ,
لولا التلوُّثُ,
لاحْتَضَنَ الضفة الثانية
- هل كتبتَ الروايةَ؟
< حاولتُ... حاولت أن أستعيد
بها صورتي في مرايا النساء البعيدات.
لكنهن توغَّلْنَ في ليلهنّ الحصين.
وقلن: لنا عاَلَمٌ مستقلٌ عن النصّ.
لن يكتب الرجلُ المرأةَ اللغزَ والحُلْمَ.
لن تكتب المرأةُ الرجلَ الرمْزَ والنجمَ.
لا حُبّ يشبهُ حباً. ولا ليل
يشبه ليلاً. فدعنا نُعدِّدْ صفاتِ
الرجال ونضحكْ!
- وماذا فعلتَ؟
< ضحكت على عَبثي
ورميت الروايةَ
في سلة المهملات/
المفكِّر يكبحُ سَرْدَ الروائيِّ
والفيلسوفُ يَشرحُ وردَ المغنِّي/
يحبَّ بلاداً ويرحل عنها:
أنا ما أكونُ وما سأكونُ
سأضع نفسي بنفسي
وأختارٌ منفايَ. منفايَ خلفيَّةُ
المشهد الملحمي, أدافعُ عن
حاجة الشعراء الى الغد والذكريات معاً
وأدافع عن شَجَرٍ ترتديه الطيورُ
بلاداً ومنفى,
وعن قمر لم يزل صالحاً
لقصيدة حبٍ,
أدافع عن فكرة كَسَرَتْها هشاشةُ أصحابها
وأدافع عن بلد خَطَفتْهُ الأساطيرُ/
- هل تستطيع الرجوع الى أيِّ شيء؟
< أمامي يجرُّ ورائي ويسرعُ...
لا وقت في ساعتي لأخُطَّ سطوراً
على الرمل. لكنني أستطيع زيارة أمس,
كما يفعل الغرباءُ إذا استمعوا
في المساء الحزين الى الشاعر الرعويّ:
"فتاةٌ على النبع تملأ جرَّتها
بدموع السحابْ
وتبكي وتضحك من نحْلَةٍ
لَسَعَتْ قَلْبَها في مهبِّ الغيابْ
هل الحبُّ ما يُوجِعُ الماءَ
أم مَرَضٌ في الضباب..."
]الى آخر الأغنية[
- إذن, قد يصيبكَ داءُ الحنين؟
< حنينٌ الى الغد, أبعد أعلى
وأبعد. حُلْمي يقودُ خُطَايَ.
ورؤيايَ تُجْلِسُ حُلْمي على ركبتيَّ
كقطٍّ أليفٍ, هو الواقعيّ الخيالي
وابن الإرادةِ: في وسعنا
أن نُغَيِّر حتميّةَ الهاوية!
- والحنين الى أمس؟
< عاطفةً لا تخصُّ المفكّر إلاّ
ليفهم تَوْقَ الغريب الى أدوات الغياب.
وأمَّا أنا, فحنيني صراعٌ على
حاضرٍ يُمْسِكُ الغَدَ من خِصْيَتَيْه
- ألم تتسلَّلْ الى أمس, حين
ذهبتَ الى البيت, بيتك في
القدس في حارة الطالبيّة؟
< هَيَّأْتُ نفسي لأن أتمدَّد
في تَخْت أمي, كما يفعل الطفل
حين يخاف أباهُ. وحاولت أن
أستعيد ولادةَ نفسي, وأن
أتتبَّعُ درب الحليب على سطح بيتي
القديم, وحاولت أن أتحسَّسَ جِلْدَ
الغياب, ورائحةَ الصيف من
ياسمين الحديقة. لكن ضَبْعَ الحقيقة
أبعدني عن حنينٍ تلفَّتَ كاللص
خلفي.
- وهل خِفْتَ؟ ماذا أخافك؟
< لا أستطيع لقاءُ الخسارة وجهاً
لوجهٍ. وقفتُ على الباب كالمتسوِّل.
هل أطلب الإذن من غرباء ينامون
فوق سريري أنا... بزيارة نفسي
لخمس دقائق؟ هل أنحني باحترامٍ
لسُكَّان حُلْمي الطفوليّ؟ هل يسألون:
مَن الزائرُ الأجنبيُّ الفضوليُّ؟ هل
أستطيع الكلام عن السلم والحرب
بين الضحايا وبين ضحايا الضحايا, بلا
كلماتٍ اضافيةٍ, وبلا جملةٍ اعتراضيِّةٍ؟
هل يقولون لي: لا مكان لحلمين
في مَخْدَعٍ واحدٍ؟
لا أنا, أو هُوَ
ولكنه قارئ يتساءل عمَّا
يقول لنا الشعرُ في زمن الكارثة؟
دمٌ,
ودمٌ,
ودَمٌ
في بلادكَ,
في اسمي وفي اسمك, في
زهرة اللوز, في قشرة الموز,
في لَبَن الطفل, في الضوء والظلّ,
في حبَّة القمح, في عُلْبة الملح/
قَنَّاصةٌ بارعون يصيبون أهدافهم
بامتيازٍ
دماً,
ودماً,
ودماً,
هذه الأرض أصغر من دم أبنائها
الواقفين على عتبات القيامة مثل
القرابين. هل هذه الأرض حقاً
مباركةٌ أم مُعَمَّدةٌ
بدمٍ,
ودمٍ,
ودمٍ,
لا تجفِّفُهُ الصلواتُ ولا الرملُ.
لا عَدْلُ في صفحات الكتاب المقدَّس
يكفي لكي يفرح الشهداءُ بحريَّة
المشي فوق الغمام. دَمٌ في النهار.
دَمٌ في الظلام. دَمٌ في الكلام!
يقول: القصيدةُ قد تستضيفُ
الخسارةَ خيطاً من الضوء يلمع
في قلب جيتارةٍ, أو مسيحاً على
فَرَسٍ مثخناً بالمجاز الجميل, فليس
الجماليُ إلاَّ حضور الحقيقيّ في
الشكلِ/
في عالمٍ لا سماء له, تصبحُ
الأرضُ هاويةً. والقصيدةُ إحدى
هِباتِ العَزَاء, وإحدى صفات
الرياح, جنوبيّةً أو شماليةً.
لا تَصِفْ ما ترى الكاميرا من
جروحك. واصرخْ لتسمع نفسك,
وأصرخ لتعلم أنَّكَ ما زلتَ حيّاً,
وحيّاً, وأنَّ الحياةَ على هذه الأرض
ممكنةٌ. فاخترعْ أملاً للكلام,
أبتكرْ جهةً أو سراباً يُطيل الرجاءَ.
وغنِّ, فإن الجماليَّ حريَّة/
أقولُ: الحياةُ التي لا تُعَرَّفُ إلاّ
بضدٍّ هو الموت... ليست حياة!
يقول: سنحيا, ولو تركتنا الحياةُ
الى شأننا. فلنكُنْ سادَةَ الكلمات التي
سوف تجعل قُرّاءها خالدين - على حدّ
تعبير صاحبك الفذِّ ريتسوس...
وقال: إذا متّ قبلَكَ,
أوصيكَ بالمستحيْل!
سألتُ: هل المستحيل بعيد؟
فقال: على بُعْد جيلْ
سألت: وإن متُّ قبلك؟
قال: أُعزِّي جبال الجليلْ
وأكتبُ: "ليس الجماليُّ إلاّ
بلوغ الملائم". والآن, لا تَنْسَ:
إن متُّ قبلك أوصيكَ بالمستحيلْ!
عندما زُرْتُهُ في سَدُومَ الجديدةِ,
في عام ألفين واثنين, كان يُقاوم
حربَ سدومَ على أهل بابلَ...
والسرطانَ معاً. كان كالبطل الملحميِّ
الأخير يدافع عن حقِّ طروادةٍ
في اقتسام الروايةِ/
نَسْرٌ يودِّعُ قمَّتَهُ عالياً
عالياً,
فالإقامةُ فوق الأولمب
وفوق القِمَمْ
تثير السأمْ
وداعاً,
وداعاً لشعر الألَمْ!
__________________

اول الصدقة فى بيتك واول العدالة مع جارك
"تشارلز ديكنز "
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-24-2007, 05:18 PM
 
رد: بين يدى محمود درويش

شتاء ريتا

خطبة الهندي الأحمر -ما قبل الأخيرة- أمام الرجل الابيض
















شتاء ريتا



ريتا ترتب ليل غرفتنا : قليل هذا النبيذ

وهذه الأزهار أكبر من سريري

فافتح لها الشباك كي يتعطر الليل الجميل

ضع ههنا قمراً على الكرسيّ

ضع فوق البحيرة

حول منديلي ليرتفع النخيل أعلى وأعلى

هل لبست سواي ؟ هل سكنتك إمرأةٌ

لتجهش كلما التفّت على جذعي فروعك ؟

حكّ لي قدمي وحكّ دمي لنعرف ما

تخلفه العواصف والسّيول

منّي ومنك ...

تنام ريتا في حديقة جسمها

توت السياج على أظافرها يضيء

الملح في جسدي . أ حبّك .

نام عصفوران تحت يديّ...

نامت موجة القمح النبيل على تنفسها البطيء

و وردة حمراء نامت في الممر

ونام ليل لا يطول

والبحر نام أمام نافذتي على إيقاع ريتا

يعلو ويهبط في أشعة صدرها العاري

فنامي بيني وبينك

لا تغطي عتمة الذهب العميقة بيننا

نامي يداً حول الصدى

ويداً تبعثر عزلة الغابات

نامي بين القميص الفستقي ومقعد الليمون

نامي فرساً على رايات ليلة عرسها ...

هدأ الصهيل

هدأت خلايا النحل في دمنا

فهل كانت هنا ريتا

وهل كنا معا ؟

... ريتا سترحل بعد ساعاتٍ وتترك ظلها

زنزانةٌ بيضاء . أين سنلتقي ؟

سألت يديها ، فالتفتّ إلى البعيد

البحر خلف الباب ، والصحراء خلف البحر

قبلني على شفتي قالت .

قلت : يا ريتا أأرحل من جديد

مادام لي عنبٌ وذاكرةٌ ، وتتركني الفصول

بين الإشارة والعبارة هاجسا ً ؟

ماذا تقول ؟

لا شيء يا ريتا ، أقلد فارساً في أغنية

عن لعنة الحب المحاصر بالمرايا ...

عنّي ؟

وعن حلمين فوق وسادةٍ يتقاطعان ويهربان

فواحدٌ يستل سكيناً وآخر يودع الناي الوصايا

لا أدرك المعنى ، تقول

و لا أنا ، لغتي شظايا

كغياب إمرأةٍ عن المعنى ،

وتنتحر الخيول في آخر الميدان ...

ريتا تحتسي شاي الصباح

وتقشر التفاحة الأولى بعشر زنابقٍ

وتقول لي :

لا تقرأ الآن الجريدة ، فالطبول هي الطبول

والحرب ليست مهنتي . وأنا أنا . هل أنت أنت ؟

أنا هو

هو من رآك غزالةً ترمي لآلئها عليه

هو من رأى شهواته تجري وراءك كالغدير

هو من رآنا تائهين توحدا فوق السرير

وتباعدا كتحية الغرباء في الميناء

يأخذنا الرحيل في ريحه ورقاً

أمام فنادق الغرباء

مثل رسائلٍ قرئت على عجل

أتأخذني معك ؟

فأكون خاتم قلبك الحافي ، أتأخذني معك

فأكون ثوبك في بلاد أنجبتك ... لتصرعك

وأكون تابوتا من النعناع يحمل مصرعك

وتكون لي حياً وميتاً

ضاع يا ريتا الدليل

والحب مثل الموت وعدٌ لا يرد .. ولا يزول

... ريتا تعدّ لي النهار

حجلاً تجمع حول كعب حذائها العالي :

صباح الخير يا ريتا

وغيماً أزرقاً للياسمينة تحت إبطيها :

صباح الخير يا ريتا

وفاكهةً لضوء الفجر: يا ريتا صباح الخير

يا ريتا أعيديني إلى جسدي لتهدأ لحظةً

إبر الصنوبر في دمي المهجور بعدك .

كلما عانقت برج العاج فرت من يديّ يمامتان ..

قالت : سأرجع عندما تتبدل الأيام والأحلام

يا ريتا طويل هذا الشتاء ، ونحن نحن

فلا تقولي ما أقول أنا هي

هي من رأتك معلقاً فوق السياج ، فأنزلتك وضمدتك

وبدمعها غسلتك ، انتشرت بسوسنها عليك

ومررت بين سيوف اخوتها ولعنة أمها وأنا هي

هل أنت أنت ؟

.. تقوم ريتا عن ركبتي

تزور زينتها ، وتربط شعرها بفراشةٍ فضيةٍ .

ذيل الحصان يداعب النمش المبعثر

كرذاذ ضوءٍ فوق الرخام الأنثوي

تعيد ريتا زر القميص إلى القميص الخردلي ... أأنت لي ؟

لك ، لو تركت الباب مفتوحاً على ماضيّ ،

لي ماضٍ أراه الآن يولد في غيابك

من صرير الوقت في مفتاح هذا الباب

لي ماض أراه الآن يجلس قربنا كالطاولة

لي رغوة الصابون

والعسل المملح

والندى

والزنجبيل

ولك الأيائل ،إن أردت ، لك الأيائل والسهول

ولك الأغاني ،إن أردت، لك الأغاني والذهول

إني ولدت لكي أحبك

فرساً ترقّص غابةً ، وتشق في المرجان غيابك

وولدت سيدةً لسيدها ، فخذني كي أصبك

خمراً نهائياً لأشفي منك فيك ، وهات قلبك

إني ولدت لكي أحبك

وتركت أمي في المزامير القديمة تلعن الدنيا وشعبك

ووجدت حراس المدينة يطعمون النار حبك

وإني ولدت لكي أحبك

ريتا تكسر جوز أيامي ، فتتسع الحقول

لي هذه الأرض الصغيرة في غرفة في شارعٍ

في الطابق الأرضي من مبنى على جبلٍ

يطل على هواء البحر . لي قمرٌ نبيذيٌ ولي حجر صقيل

لي حصة من مشهد الموج المسافر في الغيوم ، وحصة

من سفر تكوين البداية و سفر أيوب ، ومن عيد الحصاد

وحصة مما ملكت ، وحصة من خبز أمي

لي حصة من سوسن الوديان في أشعار عشاق قدامى

لي حصة من حكمة العشاق : يعشق وجه قاتله القتيل

لو تعبرين النهر يا ريتا

وأين النهر ، قالت ...

قلت فيك وفيّ نهرٌ واحد

وأنا أسيل دماً وذاكرةً أسيل

لم يترك الحراس لي باباً لأدخل فاتكأت على الأفق

ونظرت تحت

نظرت فوق

نظرت حول

فلم أجد

أفقاً لأنظر ، لم أجد في الضوء إلا نظرتي

ترتد نحوي . قلت عودي مرةً أخرى إلي ، فقد أرى

أحداً يحاول أن يرى أفقاً يرممه رسول

برسالة من لفظتين صغيرتين : أنا ، وأنت

فرحٌ صغيرٌ في سريرٍ ضيقٍ ... فرحٌ ضئيل

لم يقتلونا بعد ، يا ريتا ، ويا ريتا .. ثقيل

هذا الشتاء وبارد

... ريتا تغني وحدها

لبريد غربتها الشمالي البعيد : تركت أمي وحدها

قرب البحيرة وحدها ، تبكي طفولتي البعيدة بعدها

في كل أمسية تنام ضفيرتي الصغيرة عندها

أمي ، كسرت طفولتي وخرجت إمرأةً تربّي نهدها

بفم الحبيب . تدور ريتا حول ريتا وحدها :

لا أرض للجسدين في جسد ، ولا منفى لمنفى

في هذه الغرف الصغيرة ، والخروج هو الدخول

عبثا نغني بين هاويتين ، فلنرحل ليتضح السبيل

لا أستطيع ، ولا أنا ، كانت تقول ولا تقول

وتهدئ الأفراس في دمها : أمن أرض بعيدة

تأتي السنونو ، يا غريب ويا حبيب ، إلى حديقتك الوحيدة ؟

خذني إلى أرض البعيدة

خذني إلى الأرض البعيدة ، أجهشت ريتا : طويل هذا الشتاء

وكسرت خزف النهار على حديد النافذة

وضعت مسدسها الصغير على مسودة القصيدة

ورمت جواربها على الكرسي فانكسر الهديل

ومضت إلى المجهول حافيةً ، وأدركني الرحيل



خطبة الهندي الأحمر

(هل قلت موتى?

لا موت هناك

هناك فقط تبديل عوالم)

سياتل زعيم دواميش



1

إذًا، نحن من نحن في المسيسبّي. لنا ما تبقّى لنا من الأمس

لكنّ لون السّماء تغيّر، والبحر شرقًا

تغيّر، يا سيّد البيض! يا سيّد الخيل، ماذا تريد

من الذّاهبين إلى شجر اللّيل?

عاليةٌ روحنا، والمراعي مقدّسةٌ، والنّجوم

كلامٌ يضيء... إذا أنت حدّقت فيها قرأت حكايتنا كلّها:

ولدنا هنا بين ماءٍ ونارٍ... ونولد ثانيةً في الغيوم

على حافّة السّاحل اللاّزورديّ بعد القيامة... عمّا قليل

فلا تقتل العشب آكثر، للعشب روحٌ يدافع فينا

عن الرّوح في الأرض /

يا سيّد الخيل! علّم حصانك أن يعتذر

لروح الطّبيعة عمّا صنعت بأشجارنا:

آه! يا أختي الشّجرة

لقد عذّبوك كما عذّبوني

فلا تطلبي المغفرة

لحطّاب أمّي وأمّك...



2

... لن يفهم السّيّد الأبيض الكلمات العتيقه

هنا، في النّفوس الطّليقة بين السّماء وبين الشّجر...

فمن حقّ كولومبوس الحرّ أن يجد الهند في أيّ بحر،

ومن حقّه أن يسمّي أشباحنا فلفلاً أو هنودا،

وفي وسعه أن يكسّر بوصلة البحر كي تستقيم

وأخطاء ريح الشّمال، ولكنّه لا يصدّق أنّ البشر

سواسيّةٌ كالهواء وكالماء خارج مملكة الخارطة!

وأنّهم يولدون كما تولد الناس في برشلونة، لكنّهم يعبدون

إله الطّبيعة في كلّ شيءٍ... ولا يعبدون الذّهب...

وكولومبوس الحرّ يبحث عن لغةٍ لم يجدها هنا،

وعن ذهبٍ في جماجم أجدادنا الطّيّبين وكان له

ما يريد من الحيّ والميت فينا. إذًا

لماذا يواصل حرب الإبادة، من قبره، للنّهاية?

ولم يبق منّا سوى زينةٍ للخراب، وريشٍ خفيفٍ على

ثياب البحيرات. سبعون مليون قلبٍ فقأت... سيكفي

ويكفي، لترجع من موتنا ملكًا فوق عرش الزمان الجديد...

أما آن أن نلتقي، يا غريب، غريبين في زمنٍ واحدٍ?

وفي بلدٍ واحدٍ، مثلما يلتقي الغرباء على هاوية?

لنا ما لنا... ولنا ما لكم من سماء

لكم ما لكم... ولكم ما لنا من هواءٍ وماء

لنا ما لنا من حصًى... ولكم ما لكم من حديد

تعال لنقتسم الضّوء في قوّة الظّلّ، خذ ما تريد

من اللّيل، واترك لنا نجمتين لندفن أمواتنا في الفلك

من اللّيل، واترك لنا نجمتين لندفن أمواتنا في الفلك

وخذ ما تريد من البحر، واترك لنا موجتين لصيد السّمك

وخذ ذهب الأرض والشّمس، واترك لنا أرض أسمائنا

وعد، يا غريب، إلى الأهل... وابحث عن الهند /



3

... أسماؤنا شجرٌ من كلام الإله، وطيرٌ تحلّق أعلى

من البندقيّة. لا تقطعوا شجر الاسم يا أيّها القادمون

من البحر حربًا، ولا تنفثوا خيلكم لهبًا في السّهول

لكم ربّكم ولنا ربّنا، ولكم دينكم ولنا ديننا

فلا تدفنوا اللّه في كتبٍ وعدتكم بأرضٍ على أرضنا

كما تدّعون، ولا تجعلوا ربّكم حاجبًا في بلاط الملك!

خذوا ورد أحلامنا كي تروا ما نرى من فرح!

وناموا على ظلّ صفصافنا كي تطيروا يمامًا يماما...

كما طار أسلافنا الطيّبون وعادوا سلامًا سلاما.

ستنقصكم، أيّها البيض، ذكرى الرّحيل عن الأبيض المتوسّط،

وتنقصكم عزلة الأبديّة في غابةٍ لا تطلّ على الهاوية

وتنقصكم حكمة الانكسارات، تنقصكم نكسةٌ في الحروب

وتنقصكم صخرةٌ لا تطيع تدفّق نهر الزّمان السّريع

ستنقصكم ساعةٌ للتّأمّل في أيّ شيءٍ، لتنضج فيكم

سماءً ضروريّةً للتّراب، ستنقصكم ساعةٌ للتّردّد ما بين دربٍ

ودربٍ، سينقصكم يوربيدوس يومًا، وأشعار كنعان والبابليّين،

تنقصكم

أغاني سليمان عن شولميت، سينقصكم سوسنٌ للحنين

ستنقصكم، أيّها اٌّلبيض، ذكرى تروّض خيل الجنون

وقلبٌ يحكّ الصّخور لتصقله في نداء الكمنجات... ينقصكم

وتنقصكم حيرةٌ للمسدّس: إن كان لا بدّ من قتلنا

فلا تقتلوا الكائنات الّتي صادقتنا، ولا تقتلوا أمسنا

ستنقصكم هدنةٌ مع أشباحنا في ليإلى الشّتاء العقيمة

وشمسٌ أقلّ اشتعالاً، وبدرٌ أقلّ اكتمالاً، لتبدو الجريمة

أقلّ احتفالاً على شاشة السّينما، فخذوا وقتكم



4

... نعرف ماذا يخبّي هذا الغموض البليغ لنا

سماءٌ تدلّت على ملحنا تسلم الرّوح. صفصافةٌ

تسير على قدم الرّيح، وحشٌ يؤسّس مملكةً في

ثقوب الفضاء الجريح... وبحرٌ يملّح أخشاب أبوابنا،

ولم تكن الأرض أثقل قبل الخليقة، لكنّ شيئًا

كهذا عرفناه قبل الزّمان... ستروي الّرياح لنا

بدايتنا والنّهاية، لكنّنا ننزف اليوم حاضرنا

وندفن أيّامنا في رماد الأساطير، ليست أثينا لنا،

ونعرف أيّامكم من دخان المكان، وليست أثينا لكم،

ونعرف ما هيّأ المعدن - السّيّد اليوم من أجلنا

ومن أجل آلهةٍ لم تدافع عن الملح في خبزنا

ونعرف أنّ الحقيقة أقوى من الحقّ، نعرف أنّ الزّمان

تغيّر، منذ تغيّر نوع السّلاح. فمن سوف يرفع أصواتنا

إلى مطرٍ يابسٍ في الغيوم? ومن يغسل الضّوء من بعدنا

ومن سوف يسكن معبدنا بعدنا? من سيحفظ عاداتنا

من الصّخب المعدنيّ? (نبشّركم بالحضارة) قال الغريب، وقال:

أنا سيّد الوقت، جئت لكي أرث الأرض منكم.

فمرّوا أمامي، لأحصيكم جثّةً جثّةً فوق سطح البحيرة

(أبشّركم بالحضارة) قال، لتحيا الأناجيل، قال، فمرّوا

ليبقى لي الرّبّ وحدي، فإنّ هنودًا يموتون خيرٌ

لسيّدنا في العلا من هنودٍ يعيشون، والرّبّ أبيض

وأبيض هذا النّهار: لكم عالمٌ ولنا عالم...

يقول الغريب كلامًا غريبًا، ويحفر في الأرض بئرًا

ليدفن فيها السّماء. يقول الغريب كلامًا غريبًا

ويصطاد أطفالنا والفراش. بماذا وعدت حديقتنا يا غريب?

بوردٍ من الزّنك أجمل من وردنا? فليكن ما تشاء

ولكن، أتعلم أنّ الغزالة لا تأكل العشب إن مسّه دمنا?

أتعلم أنّ الجواميس إخوتنا والنّباتات إخوتنا يا غريب?

فلا تحفر الأرض أكثر! لا تجرح السّلحفاة الّتي

تنام على ظهرها الأرض، جدّتنا الأرض، أشجارنا شعرها

وزينتنا زهرها. (هذه الأرض لا موت فيها)، فلا

تغيّر هشاشة تكوينها! لا تكسّر مرايا بساتينها

ولا تجفل الأرض، لا توجع الأرض. أنهارنا خصرها

وأحفادها نحن، أنتم ونحن، فلا تقتلوها...

سنذهب، عمّا قليلٍ، خذوا دمنا واتركوها

كما هي،

أجمل ما كتب اللّه فوق المياه،

له... ولنا

سنسمع أصوات أسلافنا في الرّياح، ونصغي

إلى نبضهم في براعم أشجارنا. هذه الأرض جدّتنا

مقدّسةٌ كلّها، حجرًا حجرًا، هذه الأرض كوخٌ

لآلهةٍ سكنت معنا، نجمةً نجمةً، وأضاءت لنا

ليإلى الصّلاة... مشينا حفاةً لنلمس روح الحصى

وسرنا عراةً لتلبسنا الرّوح، روح الهواء، نساء

يعدن إلينا هبات الطّبيعة - تاريخنا كان تاريخها. كان للوقت

وقتٌ لنولد فيها ونرجع منها إليها: نعيد إلى الأرض أرواحها

رويدًا رويدًا. ونحفظ ذكرى أحبّتنا في الجرار

مع الملح والزّيت، كنّا نعلّق أسماءهم بطيور الجداول

وكنّا الأوائل، لا سقف بين السّماء وزرقة أبوابنا

ولا خيل تأكل أعشاب غزلاننا في الحقول، ولا غرباء

يمرّون في ليل زوجاتنا، فاتركوا النّاي للرّيح تبكي

على شعب هذا المكان الجريح... وتبكي عليكم غدا،

وتبكي عليكم... غدا!



5

ونحن نودّع نيراننا، لا نردّ التّحيّة... لا تكتبوا

علينا وصايا الإله الجديد، إله الحديد، ولا تطلبوا

معاهدةً للسّلام من الميّتين، فلم يبق منهم أحد

يبشّركم بالسّلام مع النّفس والآخرين، وكنّا هنا

نعمّر أكثر، لولا بنادق إنجلترا والنّبيذ الفرنسيّ والإنفلونزا،

وكنّا نعيش كما ينبغي أن نعيش برفقة شعب الغزال

ونحفظ تاريخنا الشّفهيّ، وكنّا نبشّركم بالبراءة والأقحوان

لكم ربّكم ولنا ربّنا، ولكم أمسكم ولنا أمسنا، والزّمان

هو النّهر حين نحدّق في النّهر يغرورق الوقت فينا...

ألا تحفظون قليلاً من الشّعر كي توقفوا المذبحة?

ألم تولدوا من نساءٍ? ألم ترضعوا مثلنا

حليب الحنين إلى أمّهاتٍ? ألم ترتدوا مثلنا أجنحة

لتلتحقوا بالسّنونو. وكنّا نبشّركم بالرّبيع، فلا تشهروا الأسلحة!

وفي وسعنا أن نتبادل بعض الهدايا وبعض الغناء

هنا كان شعبي. هنا مات شعبي. هنا شجر الكستناء

يخبّئ أرواح شعبي. سيرجع شعبي هواءً وضوءًا وماء،

خذوا أرض أمّي بالسّيف، لكنّني لن أوقّع باسمي

معاهدة الصّلح بين القتيل وقاتله، لن أوقّع باسمي

على بيع شبرٍ من الشّوك حول حقول الذّرة

وأعرف أنّي أودّع آخر شمسٍ، وألتفّ باسمي

وأسقط في النّهر، أعرف أنّي أعود إلى قلب أٌمّي

لتدخل، يا سيّد البيض، عصرك... فارفع على جثّتي

تماثيل حرّيّةٍ لا تردّ التّحيّة، واحفر صليب الحديد

على ظلّي الحجريّ، سأصعد عمّا قليلٍ أعإلى النّشيد،

نشيد انتحار الجماعات حين تشيّع تاريخها للبعيد،

وأطلق فيها عصافير أصواتنا: ههنا انتصر الغرباء

على الملح، واختلط البحر في الغيم، وانتصر الغرباء

على قشرة القمح فينا، ومدّوا الأنابيب للبرق والكهرباء

هنا انتحر الصّقر غمًّا، هنا انتصر الغرباء

علينا. ولم يبق شيءٌ لنا في الزّمان الجديد

هنا تتبخّر أجسادنا، غيمةً غيمةً، في الفضاء

هنا تتلألأ أرواحنا، نجمةً نجمةً، في فضاء النّشيد



6

سيمضي زمانٌ طويلٌ ليصبح حاضرنا ماضيًا مثلنا

سنمضي إلى حتفنا، أوّلاً، سندافع عن شجرٍ نرتديه

وعن جرس اللّيل، عن قمرٍ، فوق أكواخنا نشتهيه

وعن طيش غزلاننا سندافع، عن طين فخّارنا سندافع

وعن ريشنا في جناح الأغاني الأخيرة. عمّا قليل

تقيمون عالمكم فوق عالمنا: من مقابرنا تفتحون الطّريق

إلى القمر الاصطناعيّ. هذا زمان الصّناعات. هذا

زمان المعادن، من قطعة الفحم تبزغ شمبانيا الأقوياء...

هنالك موتى ومستوطناتٌ، وموتى وبولدوزراتٌ، وموتى

ومستشفياتٌ، وموتى وشاشات رادار ترصد موتى

يموتون أكثر من مرّةٍ فى الحياة، وترصد موتى

يعيشون بعد الممات، وموتى يربّون وحش الحضارات موتًا،

وموتى يموتون كي يحملوا الأرض فوق الرّفات...

إلى أين، يا سيّد البيض، تأخذ شعبي،... وشعبك?

إلى أيّ هاويةٍ يأخذ الأرض هذا الرّوبوت المدجّج بالطّائرات

وحامله الطّائرات، إلى أيّ هاويةٍ رحبةٍ تصعدون?

لكم ما تشاؤون: روما الجديدة، إسبارطة التكنولوجيا

وأيديولوجيا الجنون،

ونحن، سنهرب من زمنٍ لم نهيّئ له، بعد، هاجسنا

سنمضى إلى وطن الطّير سربًا من البشر السّابقين

نطلّ على أرضنا من حصى أرضنا، من ثقوب الغيوم

نطلّ على أرضنا، من كلام النّجوم نطلّ على أرضنا

من هواء البحيرات، من زغب الذّرة الهشّ، من

زهرة القبر، من ورق الحور، من كلّ شيء

يحاصركم، أيّها البيض، موتى يموتون، موتى

يعيشون، موتى يعودون، موتى يبوحون بالسّرّ،

فلتمهلوا الأرض حتى تقول الحقيقة، كلّ الحقيقة،

عنكم

وعنّا...

وعنّا

وعنكم!



7

هنالك موتى ينامون في غرفٍ سوف تبنونها

هنالك موتى يزورون ماضيهم في المكان الّذي تهدمون

هنالك موتى يمرّون فوق الجسور الّتي سوف تبنونها

هنالك موتى يضيئون ليل الفراشات، موتى

يجيئون فجرًا لكي يشربوا شايهم معكم، هادئين

كما تركتهم بنادقكم، فاتركوا يا ضيوف المكان

مقاعد خاليةً للمضيفين.. كي يقرؤوا

عليكم شروط السّلام مع... الميّتين!
__________________

اول الصدقة فى بيتك واول العدالة مع جارك
"تشارلز ديكنز "
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-24-2007, 05:24 PM
 
رد: بين يدى محمود درويش

بين حلمي و بين اسمه كان موتي بطيئا

باسمها أتراجع عن حلمها. ووصلت أخيراً إلى

الحلم. كان الخريف قريباً من العشب. ضاع

اسمها بيننا... فالتقينا.

لم أسجلّ تفاصيل هذا اللقاء السريع. أحاول شرح

القصيدة كي أفهم الآن ذاك اللقاء السريع.

هي الشيء أو ضدّه، وانفجارات روحي

هي الماء والنار، كنا على البحر نمشي.

هي الفرق بيني... وبيني].

وأنا حامل الإسم أو شاعر الحلم. كان اللقاء سريعاً.

أنا الفرق بين الأصابع والكفّ. كان الربيع

قصيراً. أنا الفرق بين الغصون وبين الشجر.

كنت أحملها، واسمها يتضاءل. كانت تسمّى

خلايا دمي. كنت أحلمها

والتقينا أخيراً.

أحاول شرح القصيدة كي أفهم الآن ماذا حدث...



- يحمل الحلم سيفاً ويقتل شاعرة حين يبلغه –

هكذا أخبرتني المدينة حين غفوت على ركبتيها

لم أكن حاضراً

لم أكن غائبا

كنت بين الحضور وبين الغياب

حجراً... أو سحابه



- تشبهين الكآبة

قلت لها باختصار شديد

تشبهين الكآبة

ولكنّ صدرك صار مظاهرة العائدين من الموت...

ما كنت جنديّ هذا المكان

وثوريّ هذا الزمان

لأحمل لا فتةً، أو عصا، في الشوارع.

كان لقائي قصيراً

وكان وداعي سريعاً.

وكانت تصير إلى امرأةٍ عاطفية

فالتحمت بها

وصارت تفاصيلها ورقاً في الخريف

فلملمها عسكريّ المرور

ورتّبها في ملف الحكومة

وفي المتحف الوطني

- تشبهين المدينة حين أكون غريباً

قلت لها باختصار شديد

تشبهين المدينة.

هل رآك الجنود على حافّة الأرض

هل هربوا منك

أم رجموك بقنبلة يدوية؟



قالت المرأة العاطفيّة :

كلّ شيء يلامس جسمي

يتحوّل

أو يتشكّل

حتى الحجارة تغدو عصافير.

قلت لها باكياً:

ولماذا أنا

أتشرّد

أو أتبدّد

بين الرياح وبين الشعوب؟

فأجابت:

في الخريف تعود العصافير من حالة البحر

- هذا هو الوقت

- لا وقت



وابتدأت أغنية:

في الخريف تعود العصافير من حالة البحر

هذا هو الوقت، لا وقت للوقت

هذا هو الوقت

- ماذا تكون البقيّة؟

- شبه دائرة أنت تكلمها

- أذهب الآن؟

- لا تذهب الآن. إنّ الرياح على خطأ دائما.

والمدينة أقرب.

- المدينة أقرب !!‍‍ أنت المدينة

- لست مدينة

أنا امرأةٌ عاطفية

هكذا قلت قبل قليل

واكتشفت الدليل

وأنت البقية

- آه، كنت الضحيّة

فكيف أكون الدليل؟

- وكنت أعانقها. كنت أسألها نازفاً:

أ أنت بعيدة؟

- على بعد حلم من الآن

والحلم يحمل سيفاً. ويقتل شاعره حين يبلغه

- كيف أكمل أغنيتي

والتفاصيل ضاعت. وضاع الدليل؟

- انتهت صورتي

فابتدئ من ضياعك.



أموت - أحبّك

إن ثلاثة أشياء لا تنتهي:

أنت، والحبّ، والموت

قبّلت خنجرك الحلو

ثم احتميت بكفّيك



أن تقتليني

وأن توقفيني عن الموت

هذا هو الحب.

إني أحبّك حين أموت



وحين أحبّك

أشعر أني أموت

فكوني امرأة

وكوني مدينة‍

ولكن، لماذا سقطت، لماذا احترقت

بلا سببٍ؟

ولماذا ترهّلت في خيمة بدويّة؟

- لأنك كنت تمارس موتاً بدون شهيّة

وأضافت، كأنّ القدر

يتكسّر في صوتها:

هل رأيت المدينة تذهب

أم كنت أنت الذي يتدحرج من شرفة اللّه

قافلةً من سبايا؟

هل رأيت المدينة تهرب

أم كنت أنت الذي يحتمي بالزوايا‍



المدينة لا تسقط، الناس تسقط !‍

ورويداً... رويداً تفتّت وجه المدينة

لم نحوّل حصاها إلى لغةٍ

لم نسيّج شوارعها

لم ندافع عن الباب

لم ينضج الموت فينا.

كانت الذكريات مقراً لحكام ثورتها السابقة

ومرّ ثلاثون عاماً

وألف خريف

وخمس حروب

وجئت المدينة منهزماً من جديد

كان سور المدينة يشبهني

وقلت لها:

سأحاول حبّك...

لا أذكر الآن شكل المدينة

لا أذكر اسمي

ينادونني حسب الطقس والأمزجة

لقد سقط اسمي بين تفاصيل تلك المدينة

لملمه عسكريّ المرور

ورتّبه في ملف الحكومة

- تشبهين الهويّة حين أكون غريباً

تشبهين الهويّة.

- ليس قلبي قرنفلةً

ليس جسمي حقلاً

- ما تكونين؟

هل أنت أحلى النساء وأحلى المدن

- للذي يتناسل فوق السفن



وأضافت:

بين شوك الجبال وبين أماسي الهزائم

كان مخاضي عسيراً

- وهل عذّبوك لأجلي؟

- عذّبوك لأجلي

- هل عرفت الندم؟

- النساء – المدن

قادراتٌ على الحبّ، هل أنت قادر؟

- أحاول حبّك

لكنّ كل السلاسل



تلتفّ حول ذراعيّ حين أحاول...

هل تخونينني؟

- حين تأتي إليّ

- هل تموتين قبلي؟

سألتك : موتي!

- أيجديك موتي!

- أصير طليقاً

لأن نوافذ حبّي عبوديّةٌ

والمقابر ليست تثير اهتمام أحد

وحين تموتين

أكمل موتي.

بين حلمي وبين اسمه

كان موتي بطيئاً بطيئاً.



أموت – أحبّك

إن ثلاثة أشياء لا تنتهي

أنت، والحبّ، والموت

أن تقتليني

وأن توقفيني عن الموت.

هذا هو الحبّ

... وانتهت رحلتي فابتدأت

وهذا هو الوقت: ألا يكون لشكلك وقت.

لم تكوني مدينة

الشوارع كانت قبل

وكان الحوار نزيفاً

وكان الجبل

عسكرياً. وكان الصنوبر خنجر.

ولا امرأةً كنت

كانت ذراعاك نهرين من جثثٍ وسنابل

وكان جبينك بيد ر

وعيناك نار القبائل

وكنت أنا من مواليد عام الخروج

ونسل السلاسل.



يحمل الحلم سيفاً، ويقتل شاعره حين يبلغه -

هكذا أخبرتني المدينة حين غفوت على ركبتيها

لم أكن غائباً

لم أكن حاضراً

كنت مختفياً بالقصيدة،

إذا انفجرت من دمائي قصيدة

تصير المدينة ورداً،

كنت أمتشق الحلم من ضلعها

وأحارب نفسي

كنت أعلى يأسي

على صدرها، فتصير امرأة

كنت أعلن حبي

على صدرها، فتصير مدينة

كنت أعلن أنّ رحيلي قريب

وأنّ الرياح وأنّ الشعوب

تتعاطى جراحي حبوباً لمنع الحروب.

بين حلمي وبين اسمه

كان موتي بطيئاً

باسمها أتراجع عن حلمها. ووصلت

وكان الخريف قريباً من العشب.

ضاع اسمها بيننا... فالتقينا.

لم أسجّل تفاصيل هذا اللقاء السريع

أحاول شرح القصيدة

لأغلق دائرة الجرح والزنبقة

وأفتح جسر العلاقة بين الولادة والمشنقة

أحاول شرح القصيدة

لأفهم ذاك اللقاء السريع

أحاول

أحاول... أحاول!





أعراس

عاشق يأتي من الحرب إلى يوم الزفاف

يرتدي بدلته الأولى

ويدخل

حلبة الرقص حصاناً

من حماس وقرنفل



وعلى حبل الزغاريد يلاقي فاطمة

وتغنّي لهما

كل أشجار المنافي

ومناديل الحداد الناعمة.



ذبّل العاشق عينيه

وأعطى يده السمراء للحنّاء

والقطن النسائيّ المقدس



وعلى سقف الزغاريد تجيء الطائرات

طائرات

طائرات

تخطف العاشق من حضن الفراشة

ومناديل الحداد

وتغنّي الفتيات:

قد تزوّجت

تزوجت جميع الفتيات

يا محمّد !

وقضيت الليلة الأولى

على قرميد حيفا

يا محمد !

يا أمير العاشقين

يا محمد !

وتزوّجت الدوالي

وسياج الياسمين

يا محمد !

وتزوّجت السلالم

يا محمد !

وتقاوم

يا محمد !

وتزوّجت البلاد

يا محمد !

يا محمد !





أحمد الزعتر

ليدين من حجر وزعتر

هذا النشيد... لأحمد المنسيّ بين فراشتين

مضت الغيوم وشرّدتني

ورمت معاطفها الجبال وخبأتني



... نازلاً من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل

البلاد وكانت السنة انفصال البحر عن مدن

الرماد وكنت وحدي

ثم وحدي...

آه يا وحدي؟ وأحمد



كان اغتراب البحر بين رصاصتين

مخيّماً ينمو، وينجب زعتراً ومقاتلين

وساعداً يشتد في النسيان

ذاكرةً تجيء من القطارات التي تمضي

وأرصفةً بلا مستقبلين وياسمين

كان اكتشاف الذات في العربات

أو في المشهد البحريّ

في ليل الزنازين الشقيقة

في العلاقات السريعة

والسؤال عن الحقيقة

في كلّ شيء كان أحمد يلتقي بنقيضه

عشرين عاماً كان يسأل

عشرين عاماً كان يرحل

عشرين عاماً لم تلده أمّه إلا دقائق في

إناء الموز

وانسحبت.

يريد هويةً فيصاب بالبركان،

سافرت الغيوم وشرّدتني

ورمت معاطفها الجبال وخبّأتني



أنا أحمد العربيّ – قال

أنا الرصاص البرتقال الذكريات

وجدت نفسي قرب نفسي

فابتعدت عن الندى والمشهد البحريّ

تل الزعتر الخيمة

وأنا البلاد وقد أتت

وتقمّصتني

وأنا الذهاب المستمر إلى البلاد

وجدت نفسي ملء نفسي...



راح أحمد يلتقي بضلوعه ويديه

كان الخطوة – النجمة

ومن المحيط إلى الخليج، من الخليج إلى المحيط

كانوا يعدّون الرماح

وأحمد العربيّ يصعد كي يرى حيفا

ويقفز.

أحمد الآن الرهينة

تركت شوارعها المدينة

وأتت إليه

لتقتله

ومن الخليج إلى المحيط، من المحيط إلى الخليج

كانوا يعدوّن الجنازة

وانتخاب المقصلة



أنا أحمد العربيّ – فليأت الحصار

جسدي هو الأسوار – فليأت الحصار

وأنا حدود النار – فليأت الحصار

وأنا أحاصركم

أحاصركم

وصدري باب كلّ الناس – فليأت الحصار



لم تأت أغنيتي لترسم أحمد الكحليّ في الخندق

الذكريات وراء ظهري، وهو يوم الشمس والزنبق

يا أيها الولد الموزّع بين نافذتين

لا تتبادلان رسائلي

قاوم

إنّ التشابه للرمال... وأنت للأزرق



وأعدّ أضلاعي فيهرب من يدي بردى

وتتركني ضفاف النيل مبتعدا

وأبحث عن حدود أصابعي

فأرى العواصم كلّها زبدا...



وأحمد يفرك الساعات في الخندق

لم تأت أغنيتي لترسم أحمد المحروق بالأزرق

هو أحمد الكونيّ في هذا الصفيح الضيّق

المتمزّق الحالم

وهو الرصاص البرتقاليّ... البنفسجة الرصاصيّة

وهو اندلاع ظهيرة حاسم

في يوم حريّة



يا أيها الولد المكرّس للندى

قاوم ‍!

يا أيها البلد – المسدّس في دمي

قاوم ‍!

الآن أكمل فيك أغنيتي

وأذهب في حصارك

والآن أكمل فيك أسئلتي

وأولد من غبارك

فاذهب إلى قلبي تجد شعبي

شعوباً في انفجارك



... سائراً بين التفاصيل اتكأت على مياهٍ

فانكسرت

أكلّما نهدت سفرجلةٌ نسيت حدود قلبي

والتجأت إلى حصارٍ كي أحدّد قامتي

يا أحمد العربيّ؟

لم يكذب علي الحب. لكن كلّما جاء المساء

امتصّني جرسٌ بعيدٌ

والتجأت إلى نزيفي كي أحدد صورتي

يا أحمد العربيّ.

لم أغسل دمي من خبز أعدائي

ولكن كلّما مرّت خطاي على طريقٍ

فرّت الطرق البعيدة والقريبة

كلّما آخيت عاصمةً رمتني بالحقيبة

فالتجأت إلى رصيف الحلم والأشعار

كم أمشي إلى حلمي فتسبقني الخناجر

آه من حلمي ومن روما ‍

جميلٌ أنت في المنفى

قتيلٌ أنت في روما

وحيفا من هنا بدأت

وأحمد سلّم الكرمل

وبسملة الندى والزعتر البلدي والمنزل



لا تسرقوه من السنونو

لا تأخذوه من الندى

كتبت مراثيها العيون

وتركت قلبي للصدى



لا تسرقوه من الأبد

وتبعثروه على الصليب

فهو الخريطة والجسد

وهو اشتعال العندليب



لا تأخذوه من الحمام

لا ترسلوه إلى الوظيفة

لا ترسموا دمه وسام

فهو البنفسج في قذيفة



صاعداً نحو التئام الحلم

تتّخذ التفاصيل الرديئة شكل كمّثرى

وتنفصل البلاد عن المكاتب

والخيول عن الحقائب

للحصى عرقٌ أقبّل صمت هذا الملح

أعطي خطبة الليمون لليمون

أوقد شمعتي من جرحي المفتوح للأزهار

والسمك المجفّف

للحصى عرق ومرآةٌ

وللحطّاب قلب يمامةٍ

أنساك أحياناً لينساني رجال الأمن

يا امرأتي الجميلة تقطعين القلب والبصل

الطريّ وتذهبين إلى البنفسج

فاذكريني قبل أن أنسى يديّ



... وصاعداً نحو التئام الحلم

تنكمش المقاعد تحت أشجاري وظلّك...

يختفي المتسلّقون على جراحك كالذباب الموسميّ

ويختفي المتفرجون على جراحك

فاذكريني قبل أن أنسى يديّ!

وللفراشات اجتهادي

والصخور رسائلي في الأرض

لا طروادة بيتي

ولا مسّادةٌ وقتي

وأصعد من جفاف الخبز والماء المصادر

من حصان ضاع في درب المطار

ومن هواء البحر أصعد

من شظايا أدمنت جسدي

واصعد من عيون القادمين إلى غروب السهل

أصعد من صناديق الخضار

وقوّة الأشياء أصعد

أنتمي لسمائي الأولى وللفقراء في كل الأزقّة

ينشدون :

صامدون

وصامدون

وصامدون



كان المخيّم جسم أحمد

كانت دمشق جفون أحمد

كان الحجاز ظلال أحمد

صار الحصار مرور أحمد فوق أفئدة الملايين الأسيرة



صار الحصار هجوم أحمد

والبحر طلقته الأخيرة!



يا خصر كلّ الريح

يا أسبوع سكّر !

يا اسم العيون ويا رخاميّ الصدى

يا أحمد المولود من حجر وزعتر

ستقول : لا

ستقول : لا

جلدي عباءة كلّ فلاح سيأتي من حقول التبغ

كي يلغي العواصم

وتقول : لا

جسدي بيان القادمين من الصناعات الخفيفة

والتردد... والملاحم

نحو اقتحام المرحلة

وتقول : لا

ويدي تحيات الزهور وقنبلة

مرفوعة كالواجب اليومي ضدّ المرحلة

وتقول لا :

يا أيها الجسد المضرّج بالسفوح

وبالشموس المقبلة

وتقول :لا

يا أيها الجسد الذي يتزوج الأمواج

فوق المقصلة

وتقول : لا

وتقول : لا

وتقول : لا !



وتموت قرب دمي وتحيا في الطحين

ونزور صمتك حين تطلبنا يداك

وحين تشعلنا اليراعه

مشت الخيول على العصافير الصغيرة

فابتكرنا الياسمين

ليغيب وجه الموت عن كلماتنا

فاذهب بعيداً في الغمام وفي الزراعة

لا وقت للمنفى وأغنيتي...

سيجرفنا زحام الموت فاذهب في الزحام

لنصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين



واذهب إلى دمك المهيّأ لا نتشارك

واذهب إلى دمي الموحّد في حصارك

لا وقت للمنفى...

وللصور الجميلة فوق جدران الشوارع والجنائز

والتمني

كتبت مراثيها الطيور وشرّدتني

ورمت معاطفها الحقول وجمعتني

فاذهب بعيداً في دمي! واذهب بعيداً في الطحين

لنصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين



يا أحمد اليوميّ!

يا اسم الباحثين عن الندى وبساطة الأسماء

يا اسم البرتقالة

يا أحمد العاديّ!

كيف محًوت هذا الفارق اللفظيّ بين الصخر والتفّاح

بين البندقية والغزالة!



لا وقت للمنفى وأغنيتي...

سنذهب في الحصار

حتى نهايات العواصم

فاذهب عميقاً في دمي

اذهب براعم

واذهب عميقاً في دمي

اذهب خواتم

واذهب عميقاً في دمي

اذهب سلالم

يا أحمد العربيّ... قاوم!

لا وقت للمنفى وأغنيتي...

سنذهب في الحصار

حتى رصيف الخبز والأمواج

تلك مساحتي ومساحة الوطن – الملازم

موتٌ أمام الحلم

أو حلم يموت على الشعار

فاذهب عميقاً في دمي واذهب عميقاً في الطحين

لنصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين



... وله انحناءات الخريف

له وصايا البرتقال

له القصائد في النزيف

له تجاعيد الجبال

له الهتاف

له الزفاف

له المجلاّت الملوّنة

المراثي المطمئنة

ملصقات الحائط

العلم

التقدّم

فرقة الإنشاد

مرسوم الحداد

وكل شيء كل شيء كل شيء

حين يعلن وجهه للذاهبين إلى ملامح وجهه

يا أحمد المجهول!

كيف سكنتنا عشرين عاماً واختفيت

وظلّ وجهك غامضاً مثل الظهيرة

يا أحمد السريّ مثل النار والغابات

أشهر وجهك الشعبيّ فينا

واقرأ وصيّتك الأخيرة ؟

يا أيها المتفرّجون ! تناثروا في الصمت

وابتعدوا قليلاً عنه كي تجدوه فيكم

حنطةً ويدين عاريتين

وابتعدوا قليلاً عنه كي يتلو وصيّته

على الموتى إذا ماتوا

وكي يرمي ملامحه

على الأحياء إن عاشوا !



أخي أحمد !

وأنت العبد والمعبود والمعبد

متى تشهد

متى تشهد

متى تشهد ؟


قصيدة الأرض
في شهر آذار، في سنة الإنتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدموية.

في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات.

وقفن على باب مدرسة إبتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ.

افتتحن نشيد التراب.

دخلن العناق النهائي – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات.

العصافير مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.



أنا الأرض

والأرض أنت

خديجة! لا تغلقي الباب

لا تدخلي في الغياب

سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل

سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل

سنطردهم من هواء الجليل.



وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ.

سقطن على باب مدرسةٍ إبتدائيةٍ.

للطباشير فوق الأصابع لون العصافير.

في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها.



-2-

أسمّي التراب امتداداً لروحي

أسمّي يديّ رصيف الجروح

أسمّي الحصى أجنحة

أسمّي العصافير لوزاً وتين

وأستلّ من تينة الصدر غصناً

وأقذفه كالحجر

وأنسف دبّابة الفاتحين.



-3-

وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،

ولدت على كومة من حشيش القبور المضيء.

أبي كان في قبضة الإنجليز.

وأمي تربّي جديلتها وامتدادي على العشب.

كنت أحبّ "جراح الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبل عند الظهيرة، مرّ الرصاص على قمري الليلكي فلم ينكسر،



غير أنّ الزمان يمرّ على قمري الليلكي فيسقط سهواً...

وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض

في شهر آذار تنتشر الأرض فينا

مواعيد غامضةً

واحتفالاً بسيطاً

ونكتشف البحر تحت النوافذ

والقمر الليلكي على السرو

في شهر آذار ندخلٌ أوّل سجنٍ وندخل أوّل حبّ

وتنهمر الذكريات على قريةً في السياج

ولدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل

كيف تفرّين من سبلي يا ظلال السفرجل؟



في شهر آذار ندخل أوّل حبٍّ

وندخل أوّل سجنٍ

وتنبلج الذكريات عشاءً من اللغة العربية:



قال لي الحبّ يوماً: دخلت إلى الحلم وحدي فضعت وضاع بي الحلم. قلت تكاثر!

تر النهر يمشي إليك.



وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.



-4-

بلادي البعيدة عنّي.. كقلبي!

بلادي القريبة مني.. كسجني!

لماذا أغنّي

مكاناً، ووجهي مكان؟

لماذا أغنّي

لطفل ينام على الزعفران؟

وفي طرف النوم خنجر

وأمي تناولني صدرها

وتموت أمامي

بنسمة عنبر؟



-5-

وفي شهر آذار تستيقظ الخيل

سيّدتي الأرض!

أيّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموّج، بعدي؟

وأيّ نشيدٍ يلائم هذا الندى والبخور

كأنّ الهياكل تستفسر الآن عن أنبياء فلسطين في بدئها المتواصل

هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة-

هذا نشيدي

وهذا خروج المسيح من الجرح والريح

أخضر مثل النبات يغطّي مساميره وقيودي

وهذا نشيدي

وهذا صعود الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.

في شهر آذار تستيقظ الخيل.

سيّدتي الأرض!

والقمم اللّولبية تبسطها الخيل سجّادةً للصلاة السريعة

بين الرماح وبين دمي.

نصف دائرةٍ ترجع الخيل قوسا

ويلمع وجهي ووجهك حيفا وعرسا



وفي شهر آذار ينخفض البحر عن أرضنا المستطيلة مثل

حصانٍ على وتر الجنس



في شهر آذار ينتفض الجنس في شجر الساحل العربي

وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن

يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن

أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني وأن تسكنين صهيلك

أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية

أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟

وهذا ربيعي الطليعي

وهذا ربيعي النهائيّ



في شهر آذار زوّجت الأرض أشجارها.



-6-

كأنّي أعود إلى ما مضى

كأنّي أسير أمامي

وبين البلاط وبين الرضا

أعيد انسجامي

أنا ولد الكلمات البسيطة

وشهيد الخريطة

أنا زهرة المشمش العائلية.

فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل

من البدء حتّى الجليل

أعيدوا إليّ يديّ

أعيدوا إليّ الهويّة!



-7-

وفي شهر آذار تأتي الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال

وتأتي العصافير غامضةً كاعتراف البنات

وواضحة كالحقول

العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات.

خديجة!

- أين حفيداتك الذاهبات إلى حبّهن الجديد؟

- ذهبن ليقطفن بعض الحجارة-

قالت خديجة وهي تحثّ الندى خلفهنّ.



وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة. خمس بناتٍ يخبّئن حقلاً من القمح تحت الضفيرة. يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن خمس رسائل:



تحيا بلادي

من الصفر حتّى الجليل

ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.

خديجة! لا تغلقي الباب خلفك

لا تذهبي في السحاب

ستمطر هذا النهار

ستمطر هذا النهار رصاصاً

ستمطر هذا النهار!



وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدّمويّة:

خمس بناتٍ على باب مدرسةٍ ابتدائية يقتحمن جنود المظلاّت.

يسطع بيتٌ من الشعر أخضر... أخضر.

خمس بناتٍ على باب مدرسة إبتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا

البنات مرايا البلاد على القلب..



في شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها.



-8-

أنا شاهد المذبحة

وشهيد الخريطة

أنا ولد الكلمات البسيطة

رأيت الحصى أجنحة

رأيت الندى أسلحة

عندما أغلقوا باب قلبي عليّاً

وأقاموا الحواجز فيّا

ومنع التجوّل

صار قلبي حارة

وضلوعي حجارة

وأطلّ القرنفل

وأطلّ القرنفل



-9-

وفي شهر آذار رائحةٌ للنباتات.

هذا زواج العناصر.

"آذار أقسى الشهور" وأكثرها شبقاً.

أيّ سيفٍ سيعبر بين شهيقي وبين زفيري ولا يتكسّر !

هذا عناقي الزّراعيّ في ذروة الحب.

هذا انطلاقي إلى العمر.



فاشتبكي يا نباتات واشتركي في انتفاضة جسمي، وعودة حلمي إلى جسدي

سوف تنفجر الأرض حين أحقّق هذا الصراخ المكبّل بالريّ والخجل القرويّ.



وفي شهر آذار نأتي إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا النباتات صاعدة ً في اتّجاهات كلّ البدايات.

هذا نموّ التداعي.

أسمّي صعودي إلى الزنزلخت التداعي.

رأيت فتاةً على شاطئ البحر قبل ثلاثين عاماً وقلت: أنا الموج، فابتعدت في التداعي.

رأيت شهيدين يستمعان إلى البحر:عكّا تجئ مع الموج.



عكّا تروح مع الموج. وابتعدا في التداعي.

ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت. خديجة! لا تغلقي الباب!

إن الشعوب ستدخل هذا الكتاب وتأفل شمس أريحا بدون طقوس.



فيا وطن الأنبياء...تكامل!

ويا وطن الزراعين.. تكامل!

ويا وطن الشهداء.. . تكامل!

ويا وطن الضائعين .. تكامل!

فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.

وكلّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونة زمّلتني.



-10-

مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مهملة

وعيناك نائمتان

أعود ثلاثين عاماً

وخمس حروبٍ

وأشهد أنّ الزمان

يخبّئ لي سنبلة

يغنّي المغنّي

عن النار والغرباء

وكان المساء مساء

وكان المغنّي يغنّي

ويستجوبونه:

لماذا تغنّي؟



يردّ عليهم:

لأنّي أغنّي

.....



وقد فتّشوا صدره

فلم يجدوا غير قلبه

وقد فتّشوا قلبه

فلم يجدوا غير شعبه

وقد فتشوا صوته

فلم يجدوا غير حزنه

وقد فتّشوا حزنه

فلم يجدوا غير سجنه

وقد فتّشوا سجنه

فلم يجدوا غيرهم في القيود

وراء التّلال

ينام المغنّي وحيداً

وفي شهر آذار

تصعد منه الظلال



-11-

أنا الأمل والسهل والرحب – قالت لي الأرض والعشب مثل التحيّة في الفجر

هذا احتمال الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني لكي يحصدوني

يريد الهواء الجليليّ أن يتكلّم عنّي، فينعس عند خديجة



يريد الغزال الجليليّ أن يهدم اليوم سجني، فيحرس ظلّ خديجة وهي تميل على نارها.

يا خديجة! إنّي رأيت .. وصدّقت رؤياي تأخذني في مداها وتأخذني في هواها.

أنا العاشق الأبديّ، السجين البديهيّ. يقتبس البرتقال اخضراري ويصبح هاجس يافا



أنا الأرض منذ عرفت خديجة

لم يعرفوني لكي يقتلوني



بوسع النبات الجليليّ أن يترعرع بين أصابع كفّي ويرسم هذا المكان الموزّع بين اجتهادي وحبّ خديجة

هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتّى رحيل الهواء عن الأرض



هذا التراب ترابي

وهذا السحاب سحابي

وهذا جبين خديجة



أنا العاشق الأبديّ – السجين البديهيّ

رائحة الأرض توقظني في الصباح المبكّر..

قيدي الحديديّ يوقظها في المساء المبكّر

هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر،

لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم

يسألون عن الأرض: هل نهضت



طفلتي الأرض!

هل عرفوك لكي يذبحوك؟

وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟

وهل عرفوك لكي يذبحوك

وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟



أنا الأرض..

يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها

احرثوا جسدي!

أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس

مرّوا على جسدي



أيّها العابرون على جسدي

لن تمرّوا

أنا الأرض في جسدٍ

لن تمرّوا

أنا الأرض في صحوها

لن تمرّوا



أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها

لن تمرّوا

لن تمرّوا

لن تمرّوا!





أربعة عناوين شخصية

1 - متر مربع في السجن



هو الباب، ما خلفه جنّة القلب. أشياؤنا

- كلّ شيء لنا - تتماهى. وبابٌ هو الباب،

باب الكناية، باب الحكاية. بابٌ يهذّب أيلول.

بابٌ يعيد الحقول إلى أوّل القمح.

لا باب للباب لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي

عاشقًا ما أراه وما لا أراه.

أفي الأرض هذا الدلال وهذا الجمال ولا باب للباب?

زنزانتي لا تضيء سوى داخلي..

وسلامٌ عليّ، سلامٌ على حائط الصوت.

ألّفت عشر قصائد في مدح حريتي ههنا أو هناك.

أحبّ فتات السماء التي تتسلل من كوّة السجن مترًا من الضوء تسبح فيه الخيول،

وأشياء أمّي الصغيرة..

رائحة البنّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاج.

أحبّ الطبيعة بين الخريف وبين الشتاء،

وأبناء سجّاننا، والمجلاّت فوق الرصيف البعيد.

وألّفت عشرين أغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيه.

حرّيتي: أن أكون كما لا يريدون لي أن أكون.

وحريتي: أن أوسّع زنزانتي: أن أواصل أغنية الباب:

بابٌ هو الباب: لا باب للباب

لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي، إلخ.. إلخ..



2 - مقعدٌ في قطار



مناديل ليست لنا.

عاشقات الثواني الأخيرة.

ضوء المحطة.

وردٌ يضلّل قلبًا يفتّش عن معطفٍ للحنان.

دموعٌ تخون الرصيف. أساطير ليست لنا.

من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرح عند الوصول?

زنابق ليست لنا كي نقبّل خط الحديد.

نسافر بحثًا عن الصّفر

لكننا لا نحبّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًا.

مصابيح ليست لنا كي نرى حبّنا واقفًا في انتظار الدخان.

قطارٌ سريعٌ يقصّ البحيرات.

في كل جيبٍ مفاتيح بيتٍ وصورة عائلةٍ.

كلّ أهل القطار يعودون للأهل، لكننا لا نعود إلى أي بيتٍ.

نسافر بحثًا عن الصفر كي نستعيد صواب الفراش.

نوافذ ليست لنا، والسلام علينا بكلّ اللغات.

ترى، كانت الأرض أوضح حين ركبنا الخيول القديمة?

أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا?

بعيدٌ أنا عن بعيدي.

ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتيات السريعات مثل لصوص البضائع.

ننسى العناوين فوق زجاج القطارات.

نحن الذين نحبّ لعشر دقائق لا نستطيع الرجوع إلى أي بيتٍ دخلناه.

لا نستطيع عبور الصدى مرتين.



3 - حجرة العناية الفائقة



تدور بي الريح حين تضيق بي الأرض.

لا بدّ لي أن أطير وأن ألجم الريح،

لكنني آدميٌّ.. شعرت بمليون نايٍ يمزّق صدري.

تصبّبت ثلجًا وشاهدت قبري على راحتيّ.

تبعثرت فوق السرير.

تقيّأت.

غبت قليلاً عن الوعي.

متّ.

وصحت قبيل الوفاة القصيرة:

إني أحبّك، هل أدخل الموت من قدميك?

ومتّ.. ومتّ تمامًا،

فما أهدأ الموت لولا بكاؤك!

ما أهدأ الموت لولا يداك اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متّ.

أحبك قبل الوفاة، وبعد الوفاة،

وبينهما لم أشاهد سوى وجه أمي.

هو القلب ضلّ قليلاً وعاد، سألت الحبيبة:

في أيّ قلبٍ أصبت? فمالت عليه وغطّت سؤإلى بدمعتها.

أيها القلب.. يا أيها القلب كيف كذبت عليّ وأوقعتني عن صهيلي?

لدينا كثير من الوقت، يا قلب، فاصمد

ليأتيك من أرض بلقيس هدهد.

بعثنا الرسائل.

قطعنا ثلاثين بحرًا وستين ساحل

وما زال في العمر وقتٌ لنشرد.

ويا أيها القلب، كيف كذبت على فرسٍ لا تملّ الرياح.

تمهّل لنكمل هذا العناق الأخير ونسجد.

تمهّل.. تمهّل لأعرف إن كنت قلبي أم صوتها وهي تصرخ:

خذني.



4 - غرفة في فندق



سلامٌ على الحب يوم يجيء،

ويوم يموت، ويوم يغيّر أصحابه في الفنادق!

هل يخسر الحبّ شيئًا? سنشرب قهوتنا في مساء الحديقة.

نروي أحاديث غربتنا في العشاء.

ونمضي إلى حجرةٍ كي نتابع بحث الغريبين عن ليلةٍ من حنانٍ، [إلخ.. إلخ..].

سننسى بقايا كلام على مقعدين،

سننسى سجائرنا، ثم يأتي سوانا ليكمل سهرتنا والدخان.

سننسى قليلاً من النوم فوق الوسادة.

يأتي سوانا ويرقد في نومنا، [إلخ.. إلخ..]

كيف كنّا نصدّق أجسادنا في الفنادق?

كيف نصدّق أسرارنا في الفنادق?

يأتي سوانا، يتابع صرختنا في الظلام الذي وحّد الجسدين،

[إلخ.. إلخ..] ولسنا سوى رقمين ينامان فوق السرير

المشاع المشاع، يقولان ما قاله عابران على الحبّ قبل قليلٍ.

ويأتي الوداع سريعًا سريعًا.

أما كان هذا اللقاء سريعًا لننسى الذين يحبوننا في فنادق أخرى?

أما قلت هذا الكلام الإباحيّ يومًا لغيري?

أما قلت هذا الكلام الإباحيّ يومًا لغيرك في فندقٍ آخر أو هنا فوق هذا السرير?

سنمشي الخطى ذاتها كي يجيء سوانا ويمشي الخطى ذاتها..




آن للشاعر أن يقتل نفسه

آن للشاعر أن يقتل نفسه

لا لشيء، بل لكي يقتل نفسه

قال : لن أسمح للنحلة أن تمتصّني .

قال : لن أسمح للفكرة أن تقتص مني .

قال : لن أسمح للمرأة أن تتركني حياً على ركبتها .

من ثلاثين سنه

يكتب الشعر وينسى . وقعنا عن جميع الأحصنه

ووجدنا الملح في حبة قمحٍ ، وهو ينساني . خسرنا الأمكنه

وهو ينساني . أنا الآخر فيه .

كلّ شيء صورةٌ فيه . أنا مرآته

كل موتٍ صورةٌ . كل جسد صورة

كل رحيل صورةٌ . كل بلد صورةٌ

قلت : كفى متنا تماماً ، أين إنسانيتي ؟ أين أنا ؟

قال : لا صورة إلا للصور

من ثلاثين شتاء

يكتب الشعر ويبني عالماً ينهار حوله

يجمع الأشلاء كي يرسم عصفوراً وباباً للفضاء

كلما انهار جدارٌ حولنا شاد بيوتاً في اللغه

كلما ضاق بنا البرّ بنى الجنة ، وامتدّ بجمله

من ثلاثين شتاء ، وهو يحيا خارجي

قال إن جئنا إلى أولى المدن

ووجدناها غياباً

وخراباً

لا تصدق

لا تطلّق

شارعاً سرنا عليه .. وإليه .

تكذب الأرض ولا يكذب حلمٌ يتدلى من يديه .

من ثلاثين خريفاً

يكتب الشعر ولا يحيا ولا يعشق إلا صوره

يدخل السجن فلا يبصر إلا قمره

يدخل الحبّ فلا يقطف إلا ثمره

قلت : ما المرأة فينا ؟ قال لي : تفاحةٌ للمغفره

أين إنسانيتي ؟ صحت

فسد الباب كي يبصرني خارجه . يصرخ بي :

من فكرةٍ في صورةٍ في سلم الإيقاع تأتي المرأة المنتظره .

آن للشاعر أن يخرج مني للأبد .

ليس قلبي من ورق

آن لي أن أفترق

عن مراياي وعن شعب الورق .

آن للنحلة أن تخرج من وردتها نحو الشفق

آن للوردة أن تخرج من شوكتها كي تحترق

آن للشوكة أن تدخل قلبي كله

كي أرى قلبي ، وكي أسم قلبي ، وأحسه .

آن للشاعر آن يقتل نفسه

لا لشيء

بل لكي يقتل نفسه




رباعيات

1

أرى ما أريد من الحقل... إني أرى

جدائل قمح تمشطها الريح، أغمض عيني:

هذا السراب يؤدي إلى النهوند

وهذا السكون يؤدي إلى اللازورد



2

أرى ما أريد من البحر... إني أرى

هبوب النوارس عند الغروب فأغمض عيني:

هذا الضياع يؤدي إلى أندلس

وهذا الشراع صلاة الحمام علي...



3

أرى ما أريد من الليل... إني أرى

نهايات هذا الممر الطويل على باب إحدى المدن

سأرمي مفكرتي في مقاهي الرصيف، سأجلس هذا الغياب

على مقعد فوق إحدى السفن.



4

أرى ما أريد من الروح: وجه الحجر

وقد حكه البرق، خضراء يا أرض... خضراء يا أرض روحي

أما كنت طفلا على حافة البئر يلعب؟

ما زلت ألعب.... هذا المدى ساحتي، والحجارة ريحي



5

أرى ما أريد من السلم... إني أرى

غزالا وعشبا، وجدول ماء... فأغمض عيني:

هذا الغزال ينام على ساعدي

وصياده نائم، قرب أولاده في مكان قصي



6

أرى ما أريد من الحرب... إني أرى

سواعد أجدادنا تعصر النبع في حجر أخضرا

وآباءنا يرثون المياه ولا يورثون، فأغمض عيني:

إن البلاد التي بين كفي من صنع كفي

7

أرى ما أريد من السجن: أيام زهره

مضت من هنا كي تدل غريبين في

على مقعد في الحديثة، أغمض عيني:

ما أوسع الأرض! ما أجمل الأرض من ثقب إبره



8

أرى ما أريد من البرق.. إني أرى

حقولا تفتت أغلالها بالنباتات، مرحى!

لأغنية اللوز بيضاء تهبط فوق دخان القرى

حماما... حماما نقاسمه قوت أطفالنا



9

أرى ما أريد من الحب ... إني أرى

خيولا ترقص سهلا، وخمسين غيتاره تتنهد

وسربا من النحل يمتص توت البراري، فأغمض عيني

حتى أرى ظلنا خلف هذا المكان المشرد.



10

أرى ما أريد من الموت: إني أحب، وينشق صدري

ويقفز مه الحصان الإروسي أبيض يركض فوق السحاب

يطير على غيمة لا نهائية ويدور مع الأزرق الأبدي...

فلا توقفوني من الموت، لا ترجعوني إلى نجمة من تراب



11

أرى ما أريد من الدم: إني رأيت القتيل

يخاطب قاتلة مذ أضاءت رصاصته قلبه: أنت لا تستطيع

من الآن أن تتذكر غيري. قتلتك سهوا، ولن تستطيع

من الآن أن تتذكر غيري... وأن تحمل ورد الربيع



12

أرى ما أريد من المسرح العبثي: الوحوش

قضاة المحاكم، قبعة الإمبراطور، أقنعة العصر،

لون السماء القديمة، راقصة القصر ، فوضى الجيوش

فأنسى الجميع، ولا أتذكر إلا الضحية خلف الستار....



13

أرى ما أريد من الشعر: كنا قديما إذا استشهد الشعراء

نشيعهم بالرياحين ثم نعود إلى شعرهم سالمين...

ولكننا في زمان المجلات والسينما والطنين نهيل التراب على شعرهم ضاحكين....

وحين نعود نراهم على بابنا واقفين...



14

أرى ما أريد من الفجر في الفجر... إني أرى

شعوبا تفتش عن خبزها بين خبز الشعوب

هو الخبز، ينسلنا من حرير النعاس، ومن قطن أحلامنا

أمن حبة القمح يبزغ فجر الحياة... وفجر الحروب؟



15

أرى ما أريد من الناس: رغبتهم في الحنين

إلى أي شيء. تباطؤهم في الذهاب إلى شغلهم

وسرعتهم في الرجوع إلى أهلهم....

وحاجتهم للتحية عند الصباح....




هدنة مع المغول أمام غابة السنديان

كائنات من السنديان تطيل الوقوف على التلّ.. قد

يصعد العشب من خبزنا نحوها إن تركنا المكان، وقد

يهبط اللازورد السماويّ منها إلى الظلّ فوق الحصون.

من سيملأ فخّارنا بعدنا? من يغيّر أعداءنا عندما يعرفون

أننا صاعدون إلى التلّ كي نمدح الله..

في كائناتٍ من السنديان?

كلّ شيء يدلّ على عبث الريح، لكننا لا نهبّ هباء

ربّما كان هذا النهار أخفّ علينا من الأمس، نحن الذين

قد أطالوا المكوث أمام السماء، ولم يعبدوا غير ما فقدوا

من عبادتهم. ربّما كانت الأرض أوسع من وصفها. ربما

كان هذا الطريق دخولاً مع الريح..

في غابة السنديان

الضحايا تمرّ من الجانبين، تقول كلامًا أخيرًا وتسقط في

عالمٍ واحدٍ. سوف ينتصر النسر والسنديان عليها، فلا بدّ من

هدنةٍ للشقائق في السهل كي تخفي الميتين على الجانبين، وكي

نتبادل بعض الشتائم قبل الوصول إلى التلّ. لا بدّ من

تعبٍ آدميّ يحوّل تلك الخيول إلى..

كائناتٍ من السنديان

الصدى واحدٌ في البراري: صدى. والسماء على حجر غربةٌ

علّقتها الطيور على لا نهايات هذا الفضاء، وطارت..

والصدى واحدٌ في الحروب الطويلة: أمٌّ، أبٌ، ولدٌ صدّقوا

أنّ خلف البحيرات خيلاً تعود إليهم مطهّمةً بالرجاء الأخير

فأعدّوا لأحلامهم قهوةً تمنع النوم..

في شبح السنديان

كلّ حربٍ تعلّمنا أن نحبّ الطبيعة أكثر: بعد الحصار

نعتني بالزنابق أكثر، نقطف قطن الحنان من اللوز في

شهر آذار. نزرع غاردينيا في الرخام، ونسقي نباتات جيراننا

عندما يذهبون إلى صيد غزلاننا. فمتى تضع الحرب أوزارها

كي نفكّ خصور النساء على التلّ..

من عقدة الرّمز في السنديان?

ليت أعداءنا يأخذون مقاعدنا في الأساطير، كي يعلموا

كم نحبّ الرصيف الذي يكرهون.. ويا ليتهم يأخذون

ما لنا من نحاس وبرق.. لنأخذ منهم حرير الضجر

ليت أعداءنا يقرأون رسائلنا مرتين، ثلاثًا.. ليعتذروا

للفراشة عن لعبة النار..

في غابة السنديان

كم أردنا السلام لسيّدنا في الأعالي.. لسيدنا في الكتب

كم أردنا السلام لغازلة الصوف.. للطفل قرب المغارة

لهواة الحياة.. لأولاد أعدائنا في مخابئهم.. للمغول

عندما يذهبون إلى ليل زوجاتهم، عندما يرحلون

عن براعم أزهارنا الآن.. عنّا،

وعن ورق السنديان

الحروب تعلّمنا أن نذوق الهواء وأن نمدح الماء. كم

ليلةً سوف نفرح بالحمّص الصلب والكستنا في جيوب معاطفنا?

أم سننسى مهارتنا في امتصاص الرذاذ? ونسأل: هل

كان في وسع من مات ألاّ يموت ليبدأ سيرته من هنا?

ربّما.. ربّما نستطيع مديح النبيذ ونرفع

نخبًا لأرملة السنديان

كلّ قلبٍ هنا لا يردّ على الناي يسقط في

شرك العنكبوت. تمهّل تمهّل لتسمع رجع الصدى

فوق خيل العدوّ، فإنّ المغول يحبّون خمرتنا

ويريدون أن يرتدوا جلد زوجاتنا في الليالي، وأن

يأخذوا شعراء القبيلة أسرى، وأن

يقطعوا شجر السنديان

المغول يريدوننا أن نكون كما يبتغون لنا أن نكون

حفنةً من هبوب الغبار على الصين أو فارسٍ، ويريدوننا

أن نحبّ أغانيهم كلّها كي يحلّ السلام الذي يطلبون..

سوف نحفظ أمثالهم.. سوف نغفر أفعالهم عندما يذهبون

مع هذا المساء إلى ريح أجدادهم

خلف أغنية السنديان

لم يجيئوا لينتصروا، فالخرافة ليست خرافتهم. إنهم يهبطون

من رحيل الخيول إلى غرب آسيا المريض، ولا يعرفون

أنّ في وسعنا أن نقاوم غازان - أرغون ألف سنة

بيد أن الخرافة ليست خرافته. سوف يدخل عمّا قليل

دين قتلاه كي يتعلّم منهم كلام قريش..

ومعجزة السنديان

الصّدى واحدٌ في الليالي. على قمّة الليل نحصي

النجوم على صدر سيّدنا، عمر أولادنا - كبروا سنةً بعدنا -

غنم الأهل تحت الضباب، وأعداد قتلى المغول، وأعدادنا

والصدى واحدٌ في الليالي: سنرجع يومًا، فلا بدّ من

شاعرٍ فارسيٍّ لهذا الحنين..

إلى لغة السنديان

الحروب تعلّمنا أن نحبّ التفاصيل: شكل مفاتيح أبوابنا،

أن نمشّط حنطتنا بالرموش، ونمشي خفافًا على أرضنا،

أن نقدّس ساعات قبل الغروب على شجر الزّنزلخت..

والحروب تعلّمنا أن نرى صورة الله في كل شيء، وأن

نتحمّل عبء الأساطير كي نخرج الوحش..

من قصّة السنديان

كم سنضحك من سوس خبز الحروب ومن دود ماء الحروب، إذا

ما انتصرنا نعلّق أعلامنا السود فوق حبال الغسيل

ثم نصنع منها جوارب.. أما النشيد، فلا بدّ من رفعه

في جنازات أبطالنا الخالدين.. وأما السبايا، فلا

بدّ من عتقهنّ، ولا بدّ من مطرٍ

فوق ذاكرة السنديان

خلف هذا المساء نرى ما تبقّى من الليل، عما قليل

يشرب القمر الحرّ شاي المحارب تحت الشجر

قمرٌ واحدٌ للجميع على الخندقين لهم ولنا، هل لهم

خلف تلك الجبال بيوتٌ من الطين، شايٌ، ونايٌ? وهل

عندهم حبقٌ مثلنا يرجع الذاهبين من الموت...

في غابة السنديان?

.. وأخيرًا، صعدنا إلى التلّ. ها نحن نرتفع الآن

فوق جذوع الحكاية.. ينبت عشبٌ جديد على دمنا وعلى دمهم.

سوف نحشو بنادقنا بالرياحين، سوف نطوّق أعناق ذاك

الحمام بأوسمة العائدين.. ولكننا

لم نجد أحدًا يقبل السّلم.. لا نحن نحن ولا غيرنا غيرنا

البنادق مكسورة.. والحمام يطير بعيدًا بعيدًا

لم نجد أحدًا ههنا..

لم نجد أحدًا..

لم نجد غابة السنديان!




سماء منخفضة

هنالك حبٌّ يسير على قدميه الحريريّتين

سعيدًا بغربته في الشوارع،

حبٌّ صغيرٌ فقيرٌ يبلّله مطرٌ عابرٌ

فيفيض على العابرين:

( هداياي أكبر منّي

كلوا حنطتي

واشربوا خمرتي

فسمائي على كتفيّ وأرضي لكم )...

هل شممت دم الياسمين المشاع

وفكّرت بي

وانتظرت معي طائرًا أخضر الذيل

لا اسم له?

هنالك حبٌّ فقيرٌ يحدّق في النهر

مستسلمًا للتداعي: إلى أين تركض

يا فرس الماء?

عما قليل سيمتصّك البحر

فامش الهوينى إلى موتك الاختياريّ،

يا فرس الماء!

هل كنت لي ضفّتين

وكان المكان كما ينبغي أن يكون

خفيفًا خفيفًا على ذكرياتك ?

أيّ الأغاني تحبّين ?

أيّ الأغاني? أتلك التي

تتحدّث عن عطش الحبّ،

أم عن زمانٍ مضى ?

هنالك حبّ فقير، ومن طرفٍ واحدٍ

هادئٌ هادئٌ لا يكسّر

بلّور أيّامك المنتقاة

ولا يوقد النار في قمرٍ باردٍ

في سريرك،

لا تشعرين به حين تبكين من هاجسٍ،

ربّما بدلاً منه،

لا تعرفين بماذا تحسّين حين تضمّين

نفسك بين ذراعيك!

أيّ الليالي تريدين ? أيّ الليالي ?

وما لون تلك العيون التي تحلمين

بها عندما تحلمين?

هنالك حبٌّ فقيرٌ، ومن طرفين

يقلّل من عدد اليائسين

ويرفع عرش الحمام على الجانبين.

عليك، إذًا، أن تقودي بنفسك

هذا الربيع السريع إلى من تحبّين

أيّ زمانٍ تريدين ? أيّ زمان ?

لأصبح شاعره، هكذا هكذا: كلّما

مضت امرأةٌ في المساء إلى سرّها

وجدت شاعرًا سائرًا في هواجسها.

كلّما غاص في نفسه شاعرٌ

وجد امرأةً تتعرّى أمام قصيدته...

أيّ منفىً تريدين?

هل تذهبين معي، أم تسيرين وحدك

في اسمك منفًى يكلّل منفًى

بلألائه ?

هنالك حبٌّ يمرّ بنا،

دون أن ننتبه،

فلا هو يدري ولا نحن ندري

لماذا تشرّدنا وردةٌ في جدارٍ قديم

وتبكي فتاةٌ على موقف الباص،

تقضم تفّاحةً ثم تبكي وتضحك:

(لا شيء، لا شيء أكثر

من نحلةٍ عبرت في دمي...

هنالك حبّ فقيرٌ، يطيل

التأمّل في العابرين، ويختار

أصغرهم قمرًا: أنت في حاجةٍ

لسماءٍ أقلّ ارتفاعًا،

فكن صاحبي تتّسع

لأنانيّة اثنين لا يعرفان

لمن يهديان زهورهما...

ربّما كان يقصدني، ربّما

كان يقصدنا دون أن ننتبه

هنالك حبّ ...




درس من كاما سوطرا

بكأس الشراب المرصّع باللازورد

انتظرها،

على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا

انتظرها،

بصبر الحصان المعدّ لمنحدرات الجبال

انتظرها،

بذوق الأمير الرفيع البديع

انتظرها،

بسبع وسائد محشوّةٍ بالسحاب الخفيف

انتظرها

بنار البخور النسائيّ ملء المكان

انتظرها،

برائحة الصّندل الذّكريّة حول ظهور الخيول

انتظرها،

ولا تتعجّل، فإن أقبلت بعد موعدها

فانتظرها،

وإن أقبلت قبل موعدها

فانتظرها،

ولا تجفل الطير فوق جدائلها

وانتظرها،

لتجلس مرتاحةً كالحديقة في أوج زينتها

وانتظرها،

لكي تتنفّس هذا الهواء الغريب على قلبها

وانتظرها،

لترفع عن ساقها ثوبها غيمةً غيمةً

وانتظرها،

وخذها إلى شرفة لترى قمرًا غارقًا في الحليب

انتظرها،

وقدّم لها الماء، قبل النبيذ، ولا

تتطلّع إلى توآمي حجلٍ نائمين على صدرها

وانتظرها،

ومسّ على مهل يدها عندما

تضع الكأس فوق الرخام

كأنّك تحمل عنها الندى

وانتظرها،

تحدّث إليها كما يتحدّث نايٌ

إلى وترٍ خائفٍ في الكمان

كأنكما شاهدان على ما يعدّ غدٌ لكما

وانتظرها

ولمّع لها ليلها خاتمًا خاتمًا

وانتظرها

إلى أن يقول لك الليل:

لم يبق غيركما في الوجود

فخذها، برفقٍ، إلى موتك المشتهى

وانتظرها!...




عابرون في كلام عابر

أيها المارون في الكلمات العابرة

احملوا أسمائكم وانصرفوا

وأسحبوا ساعاتكم من وقتنا ، وانصرفوا

وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة

و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا

إنكم لن تعرفوا

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء



أيها المارون بين الكلمات العابرة

منكم السيف - ومنا دمنا

منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا

منكم دبابة أخري- ومنا حجر

منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا



وادخلوا حفلة عشاء راقص ... وانصرفوا

وعلينا , نحن , أن نحرس ورد الشهداء

وعلينا , نحن , أن نحيا كما نحن نشاء



أيها المارون بين الكلمات العابرة

كالغبار المر , مروا أينما شئتم .. ولكن

لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا

:و لنا ما ليس يرضيكم هنا

حجر أو حجل

فخذوا الماضي , إذا شئتم , إلى سوق التحف

وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد , إن شئتم

على صحن خزف

فلنا ما ليس يرضيكم : لنا المستقبل

ولنا في أرضنا ما نعمل



أيها المارون بين الكلمات العابرة

كدّسوا أوهامكم في حفرة مهجورة , وانصرفوا

وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس

أو إلى توقيت موسيقى المسدس

ولنا ما ليس يرضيكم هنا , فانصرفوا

ولنا ما ليس فيكم : وطن ينزف شعبا ينزف

وطنا يصلح للنسيان أو للذاكرة



أيها المارون بين الكلمات العابرة

آن أن تنصرفوا

وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا

آن أن تنصرفوا

ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتو بيننا

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا الماضي هنا

ولنا صوت الحياة الأول

ولنا الحاضر، والحاضر ، والمستقبل

ولنا الدنيا هنا .. والآخرة



فاخرجوا من أرضنا

من برنا .. من بحرنا

من برنا ... من بحرنا

من قمحنا .. من ملحنا .. من جرحنا



من كل شيء , واخرجوا

من ذكريات الذاكرة

أيها المارون بين الكلمات العابرة!..




محمد

محمّد،

يعشّش في حضن والده طائراً خائفاً

من جحيم السماء: احمني يا أبي

من الطيران إلى فوق! إنّ جناحي

صغيرٌ على الريح... والضوء أسود


محمّد،

يريد الرجوع إلى البيت، من

دون درّاجة... أو قميصٍ جديد

يريد الذهاب إلى المقعد المدرسيّ...

إلى دفتر الصرف والنحو: خذني

إلى بيتنا، يا أبي، كي أعدّ دروسي

وأكمل عمري رويداً رويداً...

على شاطئ البحر، تحت النخيل

ولا شيء أبعد، لا شيء أبعد


محمّد،

يواجه جيشاً، بلا حجرٍ أو شظايا

كواكب، لم ينتبه للجدار ليكتب:

"حريتي لن تموت".

فليست له، بعد، حريّة

ليدافع عنها. ولا أفقٌ لحمامة بابلو بيكاسو.

وما زال يولد، ما زال

يولد في اسمٍ يحمّله لعنة الاسم. كم

مرةً سوف يولد من نفسه ولداً

ناقصاً بلداً... ناقصاً موعداً للطفولة؟

أين سيحلم لو جاءه الحلم...

والأرض جرح... ومعبد؟


محمّد،

يرى موته قادماً لا محالة. لكنّه

يتذكر فهداً رآه على شاشة التلفزيون،

فهداً قوياً يحاصر ظبياً رضيعاً.

وحين

دنا منه شمّ الحليب،

فلم يفترسه.

كأنّ الحليب يروّض وحش الفلاة.

إذن، سوف أنجو - يقول الصبيّ -

ويبكي: فإنّ حياتي هناك مخبأة

في خزانة أمي، سأنجو... واشهد.


محمّد،

ملاكٌ فقيرٌ على قاب قوسين من

بندقية صيّادة البارد الدم.

من

ساعةٍ ترصد الكاميرا حركات الصبي

الذي يتوحّد في ظلّه

وجهه، كالضحى، واضح

قلبه، مثل تفاحة، واضح

وأصابعه العشر، كالشمع، واضحة

والندى فوق سرواله واضح...

كان في وسع صيّادٍهٍ أن يفكّر بالأمر

ثانيةً، ويقول : سأتركه ريثما يتهجّى

فلسطينه دون ما خطأ...

سوف أتركه الآن رهن ضميري

وأقتله، في غدٍ، عندما يتمرّد!


محمّد،

يسوع صغير ينام ويحلم في

قلب أيقونةٍ

صنعت من نحاس

ومن غصن زيتونة

ومن روح شعب تجدّد


محمّد،

دمٌ زاد عن حاجة الأنبياء

إلى ما يريدون، فاصعد

إلى سدرة المنتهى

يا محمّد!
__________________

اول الصدقة فى بيتك واول العدالة مع جارك
"تشارلز ديكنز "
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-24-2007, 05:25 PM
 
رد: بين يدى محمود درويش

من ديوان ورد أقل :

يحبونني ميتا

عندما يذهب الشهداء إلى النوم ( تصبحون على وطن )

سلام عليك

أنا يوسف يا ابي

مطار أثينا











يحبونني ميتا

يحبّونني ميّتًا

ليقولوا: لقد كان منّا، وكان لنا.

سمعت الخطى ذاتها.

منذ عشرين عامًا تدقّ على حائط اللّيل.

تأتي ولا تفتح الباب. لكنّها تدخل الآن.

يخرج منها الثّلاثة: شاعرٌ، قاتلٌ، قارئٌ.

ألا تشربون نبيذًا?

سألت. سنشرب.

قالوا. متى تطلقون الرّصاص عليّ?

سألت. أجابوا: تمهّل!

وصفّوا الكؤوس وراحوا يغنّون للشّعب،

قلت: متى تبدأون اغتيالي?

فقالوا: ابتدأنا... لماذا بعثت إلى الرّوح أحذيةً!

كي تسير على الأرض.

قلت. فقالوا: لماذا كتبت القصيدة بيضاء

والأرض سوداء جدًّا.

أجبت: لأنّ ثلاثين بحرًا تصبّ بقلبي.

فقالوا: لماذا تحبّ النّبيذ الفرنسيّ?

قلت: لأنّي جديرٌ بأجمل امرأةٍ.

كيف تطلب موتك?

أزرق مثل نجومٍ تسيل من السّقف

- هل تطلبون المزيد من الخمر?

قالوا: سنشرب.

قلت: سأسألكم أن تكونوا بطيئين،

أن تقتلوني رويدًا رويدًا لأكتب شعرًا أخيرًا لزوجة قلبي.

ولكنّهم يضحكون ولا يسرقون من البيت

غير الكلام الذي سأقول لزوجة قلبي..




تصبحون على وطن

عندما يذهب الشهداء الى النوم أصحو

وأحرسهم من هواة الرّثاء



أقول لهم :

تصبحون على وطن،

من سحابٍ ومن شجرٍ،

من سراب وماء



أهنئهم بالسلامة من حادث المستحيل

ومن قيمة المذبح الفائضة

وأسرق وقتا لكي يسرقوني من الوقت.



هل كلنا شهداء؟



وأهمس :

يا أصدقائي اتركوا حائطا واحداً،

لحبال الغسيل،

اتركوا ليلةً للغناء



اعلّق أسماءكم أين شئتم فناموا قليلاً،

وناموا على سلم الكرمة الحامضة



لأحرس أحلامكم من خناجر حراسكم

وانقلاب الكتاب على الأنبياء



وكونوا نشيد الذي لا نشيد له

عندما تذهبون إلى النوم هذا المساء



أقول لكم :

تصبحون على وطنٍ

حمّلوه على فرس راكضه



وأهمس :



يا أصدقائي لن تصبحوا مثلنا ...

حبل مشنقةٍ غامضه !



سلام عليك

لديني ... لديني لأعرف في أي أرضٍ أموت

وفي أي أرضٍ سأبعث حيا



سلامٌ عليك وأنت تعدّين نار الصّباح،

سلامٌ عليك...سلامٌ عليك.

أما آن لي أن أقدّم بعض الهدايا إليك

أما آن لي أن أعود إليك؟

لديني لأشرب منك حليب البلاد

وأبقى صبياً على ساعديك

وأبقى صبياً إلى أبد الآبدين.

أما آن لي أن أقدّم بعض الهدايا إليك

أما آن لي أن أعود إليك؟



أمي! أضعت يد يّا على خصر امرأةٍ من سراب

أعانق رملاً أعانق ظلاً



رأيت كثيراً يا أمي رأيت

لديني لأبقى على راحتيك

آه، يا أمي



أحنّ إلى خبز صوتك أمّي!

أحنّ إليك يا أمّي



أحنّ إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي...

وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدر يومٍٍ

وأعشق عمري لأني إذا متّ

أخجل من دمع أمي!



أنا يوسف يا أبي

أنا يوسفٌ يا أبي.

يا أبي، إخوتي لا يحبّونني،

لا يريدونني بينهم يا أبي.

يعتدون عليّ ويرمونني بالحصى والكلام.

يريدونني أن أموت لكي يمدحوني.

وهم أوصدوا باب بيتك دوني.

وهم طردوني من الحقل.

هم سمّموا عنبي يا أبي.

وهم حطّموا لعبي يا أبي.

حين مرّ النّسيم ولاعب شعري

غاروا وثاروا عليّ وثاروا عليك،

فماذا صنعت لهم يا أبي?

الفراشات حطّت على كتفيّ،

ومالت عليّ السّنابل،

والطّير حطّت على راحتيّ.

فماذا فعلت أنا يا أبي،

ولماذا أنا?

أنت سمّيتني يوسفًا،

وهمو أوقعوني في الجبّ، واتّهموا الذّئب;

والذّئب أرحم من إخوتي..

أبت! هل جنيت على أحدٍ عندما قلت إنّي:

رأيت أحد عشر كوكبًا، والشّمس والقمر، رأيتهم لي ساجدين? .



مطار أثينا

مطار أثينا يوزّعنا للمطارات.

قال المقاتل: أين أقاتل?

صاحت به حاملٌ: أين أهديك طفلك?

قال الموظّف: أين أوظّف مالي?

فقال المثقّف: مالي ومالك?

قال رجال الجمارك: من أين جئتم?

أجبنا: من البحر.

قالوا: إلى أين تمضون?

قلنا: إلى البحر.

قالوا: وأين عناوينكم?

قالت امرأةٌ من جماعتنا: بقجتي قريتي.

في مطار أثينا انتظرنا سنينا.

تزوّج شابٌّ فتاةً ولم يجدا غرفةً للزّواج السّريع.

تساءل: أين أفضّ بكارتها?

فضحكنا وقلنا له: يا فتىً، لا مكان لهذا السّؤال.

وقال المحلّل فينا: يموتون من أجل ألاّ يموتوا.

يموتون سهوًا.

وقال الأديب: مخيّمنا ساقطٌ لا محالة.

ماذا يريدون منّا?

وكان مطار أثينا يغيّر سكّانه كلّ يومٍ.

ونحن بقينا مقاعد فوق المقاعد ننتظر البحر،

كم سنةً يا مطار أثينا!...
__________________

اول الصدقة فى بيتك واول العدالة مع جارك
"تشارلز ديكنز "
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيديو للشيخ محمود المصرى قصيدة ليس الغريب رائعة خديجه أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 12 09-30-2007 06:23 PM
جميع حلقات الصلاة/ محمود المصري fares alsunna خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 6 06-23-2007 02:45 PM
اقترح لقباً للعضو محمود 200000 ماجد السعودية ختامه مسك 46 04-17-2007 11:08 PM


الساعة الآن 06:23 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011