ولا يوجد فيه نَفَسٌ لاي بشر ....
الصمت والهدوء كانا هما سيدا هذا الظلام .... دلالة على الوحدة والخوف اضافة الى الالم
لا بريق ولا شعاع ولا بصيص امل لضوء مشرق يدمر هذا الظلام
هكذا اصبحت الحياة التي تعيشها ... خاوية بلا حنان
لكن فجاءة دمر هذا الصمت صوت رقيق لطفلة صغيرة تنادي
:- امي .... اين انتي ؟ .... انا خائفة !!
وقفت تلك الطفلة وسط هذا الظلام .... بياض بشرتها الشاحبة كان اشبه ببريق ينير الظلمة
والشعر ذي الخصلات الشقراء الذي انساب بحرية على كتفيها
وعينيها الزرقاوتين اللتين كانتا حائرتين تطوفان بمحاولة للنظر في هذا الظلام
لم تعرف الي اين تتجه فقط تابعت السير دون وجهة محددة
وبعد مدة طويلة تعبت من المشي فجلست بتعب وهي تنظر حولها
لكنها عجزت عن الرؤية تماما.... اخذت دموعها بالنزول برقة على خديها
ثم وقعت مغشيا عليها....
ذكرى عابرة.... اخذت تردد هذه الجملة وهي جالسة في غرفتها
وقد اغلقت الابواب والشبابيك لتقول محدثة نفسها
:-تركتني والدتي لاصبح ذكرى عابرة
كانت تلك الفتاة جالسة في احدى زوايا غرفتها المظلمة وهي تتذكر ترك والدتها لها
في ذلك المكان المظلم الموحش وكانت قد وضعت يديها على اذنيها
لكي لا تسمع الاصوات التي تحيط بها
اصوات صراخ وشجار ... تعلو وتدمر اذنيها ... مهما اغلقت اذنيها
لا تزال الاصوات تصل الى مسمعها ... لم يكن لديها حاجز يمنعها من السمع
اخذت تردد في نفسها بحزن :- كفى ... ارجوكم كفى ... هذا يكفي
نهضت بعد ان انتابها اليأس من توقف هذه الاصوات
وذهبت نحو سريرها واستلقت عليه ثم حملت الوسادة ووضعتها على راسها
حتى تحجب الاصوات وتنام .... ثم سلمت نفسها للنوم
لم يستغرق الامر طويلا بها حتى دخلت عالم الاحلام واستسلمت له
اخذ الهدوء يسلك طريقه الى غرفتها شيئا فشيئا حتى تمكلها تماما
حتى انه كان يمكن سماع دقات الساعة الجدارية وهي تدق ( تك توك )
في تلك اللحظة كأن الزمن توقف لوهلة وكان ظلام تلك الحجرة
يزداد اكثر واكثر ..... الضياع القريب في الانتظار
لم يمضي بها الامر طويلا حتى فتحت عينيها بعد ان استيقظت من نومها
نهضت من سريرها بتعب وهي تفرك عينيها بيدها
حين وقع بصرها على فرشة سريرها تعجبت كثيرا .... سابقا كانت بيضاء قطنية الملمس
لكنها الان ذات لون احمر قريب للاسود مع ملمس مخملي
رفعتها واخذت تتلمسها ثم طافت بنظرها نحو الغرفة ....
صحيح انها كانت اشيائها .... لكنها كانت سوداء اللون
مظلمة مثل اليوم الذي افترقت فيه عن امها....
نزلت من فوق سريرها واخذت تمشي في الغرفة وهي مستغربة
كانت خائفة من ان تلمس اي شيء .... ثم نظرت الى المرآة لترى نفسها
شعرها الاشقر .... كانت فيه خصل سوداء ارتعبت من هذا ولمست شعرها
لكنها لم ترى شيئا من السواد هدات من نفسها قليلا.... ثم توجهت نحو الباب
لتخرج من غرفتها .... حين خرجت اخذت تنادي على والدها واخويها
لكن لا جواب !!... البيت كان مظلم وكل ضوء تفتحه كان معطلا
خافت من هذا الظلام .... لم تجد حلا سوى التوجه نحو غرفة والدها
لكنها لم تجد الابواب ... ليس لانها لم ترها بل لانها لم تكن موجودة اصلا
حتى باب غرفتها اختفى في جنح الظلام .... احيطت تماما بالظلمة
اختفى كل شيء حولها .....
وهي تمشى في الظلام دون وجهة محددة .... لقد مرت بهذا الموقف سابقا
في حلم لها حيث تكون في ظلمة دامسة .... ولا تخرج منها الا بالاستيقاظ
لكن هذا ليس حلما ابدا هذا الواقع .... لقد حبست الان .... ولا مهرب
نزلت دمعة على خدها لشعورها بالعجز .... لكن فجاءة بدات تسمع اصوات
شجار .. كلام .. انتقاد .. صراخ .. كانت الاصوات مالوفة
اشخاص تعرفهم .. اهلها .. اصدقائها .. اقاربها .. من كانو في حياتها
لكنهم لم ياتوا بنية المساعدة بل كانت اصواتهم تصيبها بالخيبة
حتى جعلتها تصاب بالجنون وتغلق اذنيها بيدها وتبدا بالصراخ
:-كفى كفى كفى.... ارجوك توقفوا عن الكلام ... توقفوا
لكن لا فائدة فكلما علا صوت صرخها كلما زادت معه تلك الاصوات
اخذت تركض لتهرب منها ... لكن الى اين ... لا وجهة لها في هذا الظلام
جثت على ركبتيها مطالبة منهم التوقف والدموع تملئ عينيها
هدات الاصوات اخيرا .... ارتاحت هي لوهلة ففتحت عينيها ...
ونهضت لكنها رات اشخاص يقتربون منها اكثر واكثر
مجموعة كبيرة من الاشخاص .... كانوا اصحاب تلك الاصوات
خافت وارتعبت ... ثم قالت بصوت يائس
:-ابتعدوا ... لا تقتربوا
رجعت خطوة للوراء ثم استدارت لتهرب لكنها وجدتهم خلفها ايضا
شكلوا دائرة حولها وهم يقتربون منها
وكلما اقتربوا كلما اتضحت لها معالم وجوههم ... ابتسامات عريضة ماكرة
مع عيون حاقدة .... حيرة والم وفزع ...
فجاءة وقفوا بعد ان اقتربوا منها مسافة كافية .... ثم بدؤوا بالضحك
ضحك عالي ذي صوت قوي .... تتبعه كلمات انتقاد و احباط
اخذت دموعها بالازدياد وهي تقول
:-كلا .... انتم مخطئون .... كلا انا لست هكذا....
ليقولوا كلهم بصوت واحد مرعب
:-لماذا ؟؟؟ نحن نعرفك جميعا ... نعرفك ...
صرخت في وجوههم :- لا ... لا احد منكم يعرفني ...
فجاءة تحول هؤلاء الاشخاص الى غربان سوداء اللون وطاروا نحوها مهاجمين
حاولت ان تبعدهم عنها لكنهم كانو كثر عليها ...
فلم تقاوم وجلست هناك وهي تبكي
ولم تستمر لثوان حتى وقعت على الارض مغشيا عليها
في احدى الغرف بيضاء اللون ... التي كانت تحوي اجهزة طبية
قرب سرير ابيض اللون ... والذي كانت تنام عليه فتاة مربوطة بها تلك الاجهزة
كانت دقات قلبها تظهر على الجهاز بصورة طبيعية ... وفجاءة
اطلقت تلك الاجهزة انذارات تشير الى توقف قلب تلك الفتاة
وحينها اسرع الطبيب والممرضات الي غرفتها ....
واخذوا يصعقون قلبها بالنبضات الكهربائية لتحفيزه على العمل مجددا لكن لا فائدة
زادوا من قوة الجهاز لبضع درجات وحاولو مجددا
لكن ايضا لا فائدة
لم يتملكهم اليائس وتابعوا المحاولة ....
كان ذلك بسبب شهقات البكاء التي يسمعونها خلفهم ... لتلك المراة الجاثية على الارض
وهي تبكي بحرقة والم ... مطالبة منهم ان يساعدوها قائلة
:-ارجوك ساعدوها ... ساعدوا ابنتي
والممرضة ترد عليها وهي تحاول اخراجها من الغرفة
:-الطبيب يبذل ما بوسعه ... تعرفين انها في غيبوبة منذ مدة طويلة
صرخت المراة في الممرضة :- لكنها سوف تعيش ... اعلم هذا
امسكت الممرضة بيد تلك المراة ورفعتها لجعلها تنهض من على الارض
ثم قالت :- سنحاول مساعدتها بكل جهدنا
لكن صوت الطبيب بعد ان ياس وهو يقول :- كلاا ... صغيرتي ابقي معي هيا ... لا تموتي الان
حين سمعت الوالدة هذا توجهت نحو سرير ابنتها وامسكت بيدها واخذت تنادي وتقول
:-اتوسل اليك يا عزيزتي لا تتركيني انت كل ما تبقى لي....
ثم منعتها دموعها من المتابعة
لا تزال مغشيا عليها وسط الظلام وقد انهكتها الجراح التي سببتها الغربان لها
لكن صوت حنون وصل اليها ... فاخذت تفتح عينيها وتقول
:- ما هذا الصوت ... امي ؟؟ !!
سمعت صوت والدتها يقول :- لا تتركيني وحدي الان
لتقول بتعب :- لكني متعبة يا امي ... وخائفة
ليرد ذلك الصوت :- انت كل ما تبقى لي
تلك الكلمات قد حفزتها على النهوض بتعب لترى انها في غابة كثيفة الاشجار
وكانت امامها شجرة فارعة الطول وذات منظر مرعب
وقد وجدت على افرعها تلك الغربان حيث اتخذتها مكان لها
وقفت بهدوء ونظرت لهم وقالت :- لن تسيطروا على وجودي بعد اليوم ....
اخذت اصواتهم تتعالى بشكل مرعب وطاروا كلهم واخذو يحومون فوق راسها بشكل دائري
رفعت راسها لتصرخ :- ساخرج من هذا المكان ... لن اجعلكم تدمروني مجددا
توقف الغربان ثم طاروا بسرعة كبيرة محاولين الهجوم عليها
وحين كادو يصلون لها ... اشرق جسدها بضوء ابيض براق
جعل تلك الغربان تختفي وتتدمر .... لقد دمرتها ... كل اليائس والالم والحقد
فجاءة اخذ الظلام ينزاح بعيد عنها ويختفي بهدوء وروية ....
ليترك خلفه اثرا ابيض اللون ويجعل المكان مشرق ...
انتهى الظلام ...
وعاد قلبها الى النبض مجددا ....
جلست تلك الوالدة على كرسي قرب سرير ابنتها
بعد ان ارتاح قلبها لرؤية ان النبض قد عاد الي قلب ابنتها
ابتسمت الممرضة الواقفة خلفها بعد ان رات علامات الارتياح على وجه الام
لتقول :- ستكون حالتها مستقرة الان
انحنت الام ولمست يد ابنتها ثم رفعتها وامسكت بها بقوة لتقول بصوت حنون
:- اجل ... ستكون بخير الان ...
راقبت وجه ابنتها الشاحب المتعب.. شعرت بالاسى على حالتها
واخذت تلوم نفسها على كل شيء حدث ... على كل فعلة فعلتها لها
وعلى ادخالها في عالم الاحلام المرعب ذاك المسمى بالغيبوبة
لم تكن لتسامح نفسها ابدا .... الا بعد ان تسامحها ابنتها ...
حاولت كتم دموعها عن النزول ... لكنها كانت اقوى منها ...
اخذت تقول بين شهقات البكاء :- ابنتي ... انا اسفة ... انا السبب فيما حدث لك
ازداد تمسكها بيد ابنتها وتابعت كلامها
:- لو انني حميتك منهم لما حدث هذا ... لو انني فقط بقيت معك حين احتجتي الى وجودي .... اسفة
وضعت الام يد ابنتها على السرير وتابعت البكاء وهي تحدق في وجهها
وفجاءة لمحت دمعة صغيرة قد نزلت من عين ابنتها لتتبع تلك الدمعة بدموع اخرى
لتقول للممرضة :- ايتها الممرضة هل ترين هذا ... انها تبكي .؟؟
:- مستحيل ... كيف حدث هذا ؟؟؟
لاحظتا بعدها ان اصابع يدها بدات بالتحرك قليلا ليزيد هذا من تعجبهما
وما تبع ذلك هو فتح الفتاة لعينيها ببطئ
كانت الرؤية ضبابية في عينيها فقد كانتا مغلقتين لفترة طويلة
حين رات الممرضة هذا اسرعت وخرجت من الغرفة لتنادي على الطبيب
اما الام فقد بدات تبكي وتلمس وجه ابنتها وتقول
:- لقد استيقضتي اخيرا يا صغيرتي
لم تكن تستطيع الحراك ولا الكلام ولكنها استجمعت كل قوتها
لتفتح فمها وتنطق بكلمة واحد هي
:- امي !!
بعد ان تغلبت على ظلمة حياتها .... وكل من قال لها انها لا تستطيع فعل شيء
وكانوا السبب في هلاكها...
استيقظت من عالم الاحلام ودمرته تماما لتعود لتواجه العدو الاكبر الان وهو
الواقع ....
النهاية
انتهت القصة
اتمنى تكون اعجبتكم
موضوعها بسيط جدا واعتقد الكل راح يفهم الغاية منها
وشوي بيها حزن مع انو النهاية حلو
اعرفكم تحبون النهايات السعيدة
وخليت شوي بعض الامور الغامضة
حتى يكون التشويق اكبر
رجاءا لو اعجبتكم
لايك + تقييم + رايكم فيها لو سمحتم