أفاقه عامر من تفكيره وهو يتحدث بابتسامة هادئة:" هل أنت مستعد ؟ لننطلق إذن"
أومأ إيجاباً وقد أكمل التفكير بأسرته وردة فعلها بسبب غيابه,
ربما هم لم يهتموا أو حتى ربما كانوا سعداء الآن لتخلصهم منه,
أغمض عيناه تزامناً مع إغلاق تلك الكبسولة وهو يتمتم بصوت خافت:" أتمنى أن لا أعود لهم إن كان الخيار الثاني صحيحاً"
غاز ذو لون أبيض انتشر بتلك الكبسولة ومنع من بالخارج
من رؤية ما يحدث بالداخل, راقبها إيهاب عن طريق الآلات
وهو يتأكد من عدم حدوث أي أمر سيء كما السفينة,
وقد نظر بالنهاية لعامر الذي بدأ بالسير نحو الكبسولة الثانية
وقد قام بوضع تلك الأجهزة بمفرده وقبل أن يغلقها دخل كل
من هشام ورامي للمختبر حيث كان الأول يسير بهدوء غريب بالنسبة لشخصيته المرحة وكأن هذا المكان يذكره دائما بالمرة
الأولى له هنا, بينما كان رامي يجلس على كرسي قد يبدوا
للوهلة الأولى عادي إلا أنه كان أبعد بكثير من ذلك فهنالك
أجهزة متصلة به تمكنه من التأكد من سلامة الجالس عليه
وكما أنه ليس بحاجة لأن يمسكه أحد فهو يسير بمفرده ما إن
تحدد له المكان الذي تريده عن طريق القيادة الآلية الموجودة به !
نظر عامر لهما ليبتسم وهو يدرك أن رامي لم يتمكن من الجلوس
بسبب قلقه على هيثم بينما هشام لن يترك رامي يأتي بمفرده
وهو الآخر يشعر بالقلق على هيثم فكلاهما يمتلكان حس
إنساني كبير, تحدث بصوته الهادئ :" كل شيء سيكون بخير
لا تقلقا "
ليغلق تلك الكبسولة ويبدأ ذاك الغاز بالظهور ولكن قبل
ذلك ظهرت يد إلكترونية لتضع نظارة ما ذات لون أحمر
وكبيرة نسبياً على عيناه ثم وكالعادة يبدأ صداع شديد بالتسلل للشخص وبالرغم من أن الصداع بهذه الكبسولة أقل بكثير من تلك التي ركبها هيثم والسبب هو أن هذه الكبسولة مجرد تابع للأولى لذا فهي لا تبحث بذكريات عامر وإنما فقط تدخل ذكريات هيثم .
أما هيثم فقد فتح عيناه ليجد نفسه بغرفته بمنزله المتهرئ
لينهض وهو يشعر بشيء مريب للغاية, نهض من سريره بريبة
ولكن ما إن لامست قدماه الأرض حتى توسعت عيناه بدهشة ليسرع للمرآة وقد تأكدت شكوكه فهو الآن يبدوا تماماً كما كان
بذلك اليوم المشئوم أي عندما كان في الثالثة عشرة من عمره
حيث كان لون بشرته بذلك الوقت أكثر اسمراراً من
الآن بسبب تعرضه للشمس بشكل طبيعي كبقية الأطفال
بعمره بينما شعره الأسود الفاحم كان أكثر طولاً من الآن
وعيناه تشعان بالحياة والبراءة أكثر بكثير من عيناه الحاليتين
الباردتين أو الساخرتين, ابتعد قليلاَ عن المرآة وقلبه ينبض
بقوة شديدة, إلا أنه شعر بأنه حقاً سيفقد وعيه وقد شحب
وجهه وبقوة عندما رأى تلك الورقة المعلقة على الحائط
وقد كُتب عليها تاريخ ما بخط كبير وكلمة غداً صباحاً وأخيراً
بقربها, رغب بالانسحاب والآن ولكن فقط كيف وصل لمنزله ؟
هو ظن بأنه سيعود تماماً كشكله الحقيقي بعد ست سنوات
ليراقب ما حدث كأنه فلم ما لا أن يعيشه مُجدداً,عاد ليجلس
على سريره ودموعه تكاد تخرج من مقلتيه.
ابتسامة ساخرة رُسمت على وجه إيهاب الذي كان يراقب
ذاك الماضي عن طريق شاشة كبيرة معلقة بالمختبر ليتحدث :"
إنه بالفعل أقوى منك هشام, فهو لم يبكي كطفل صغير ولم
يصرخ أو يفقد علقه "
نظر هشام له بحقد دفين وشيء من الخجل قبل أن يتحدث
رامي بهدوء:" ولكن أيضاً إيهاب بالنسبة لرجل بمثل عُمرك
فالصراخ ومحاولة إقناع الآخرين بأنك قادم من المستقبل أمر
مُحرج وسيء "
نظر هشام له ليتحدث بتعجب:" هل حاولت إخبارهم حقاً
بذلك ؟"
أشاح بوجهه عنه قبل أن يتحدث بانزعاج شديد:" لو لم تكن
مُعرضاً لشلل حقيقي إن ضربتك لحطمتك الآن رامي أيها المزعج "
حرك رامي يداه بلا أي مُبالاة وهو يتحدث بابتسامة:" إذن
توقف عن إغضاب الآخرين فأنت أيضاً عانيت صحيح ؟"
نظر هشام له ليتساءل:" ولكن ماذا عنك ؟ ماذا فعلت أنت
رامي ؟"
ابتسم بشحوب وهو يجيب :" لا شيء , أنا حقاً لم أفعل أي شيء
بل بقيت صامتاً طوال الوقت ولم أحاول فعل أي أمر "
إيهاب بشيء من السخرية :" وهل هذه ردة فعل طبيعية
حتى ؟"
ضحك بخفة وهو يجيبه:" لا أعلم بصدق ولكنني كنت موافق
على خوض تلك التجربة وظننت أنني سأقول لهم الكثير
ولكن لم أفعل, لقد بقيت صامتاً طوال اليوم تماماً كما حدث
حقاً بالمرة الأولى "
أمشك هشام بيده ليتحدث وقد اختفت الحياة من
عيناه :" تماماً كما حدث معي, فأنا بذلك اليوم كنت أبكي وأصرخ
دون أدرك السبب لم أعلم لماذا حقاً ولكنني كُنت منزعجاً من
شيء ما, وعندما أعدت التجربة هُنا كررت الأمر ذاته فقد
بكيت وصرخت ولكن هذه المرة كنت أبكي لإنني أعرف
أنها المرة الأخيرة التي سأراهم بها, ظننت بأنني سأفشي كل
أسراري لهم وأشكو ما حدث لي من بعدهم ولكن لم أفعل !
فقط بكيت "
تنهد إيهاب وهو ينظر للشاشة بانزعاج شديد :" حقيقة أن
الماضي لا يمكن تغيره ولهذا ستفعلان تماماً ما فعلتماه عندما
كنتما بالموقف ذاته فأنا مثلاً كنت أذكر أنني بذلك اليوم أخبرت
الجميع بأنني من المستقبل وكنت اعتبرها ذكرى بلهاء للغاية
إلى أن قابلت عامر وجعلني أمر بتلك التجربة مجدداً ,
فهمت لماذا كنت أصرخ بذلك الكلام , هذا لأنه كان الحقيقة
التي لم أدركها وقتها , تباً أكره حقاً انضمام فرد جديد دائماً لأننا مضطرون لاستعادة كم هائل من الذكريات "
أومأ هشام برأسه إيجاباً دون تعليق وقد أعادوا جميعاً انتباههم
لتلك الشاشة الكبيرة .
كان يضم نفسه وهو يرفض التجاوب مع أفراد أسرته إلا أن
طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها قفزت فوقه لتبتسم بسعادة
بالغة وهي تهزه بقوة وشعرها القصير والذي بالكاد يتجاوز عنقها يتحرك بعشوائية بينما عيناها العسليتان كانتا تفيضان بالكثير
من السعادة والبراءة لتتحدث بصوت مفعم بالنشاط :" هيا
هيثم سنذهب للمدينة المائية اليوم أرجوك انهض ".
رؤيتها مجددا أعادت له الكثير من الحنين مما دفعه لضمها له وقد
تحدث بصوت هامس مُتعب ومرهق:" أنا آسف لكنني مريض
وأتألم بالفعل "
وضعت تلك الطفلة يدها على خده الأيمن بقلق شديد وهي
تُجيب:" أخي هل أنت بخير ؟"
تحدثت والدته بقلق شديد :" ربما سيكون علينا أن لا نذهب
لأي مكان حتى لا تسوء حالته, أو ربما يجدر بنا الاتصال
بالطبيب "
تقدم الشقيق الأكبر وهو يتحدث بانزعاج:" دائماً ما تفسد
الأمور الجيدة بسببك هيثم والآن إن أحضرنا الطبيب فإن
النقود التي جمعناها من أجل الرحلة ستذهب "
نهره والده بحده:" لؤي توقف الآن "
نظر هيثم لشقيقه والذي يكبره بعام واحد بنظرة هادئة ومُتألمة
فهو لو يعلم بما سيحدث ما إن يتوجهوا لذاك المكان لما غضب
بل ربما طالب بإلقاء النقود بالقُمامة !
دموعه سالت بالفعل وهو ينهض ليعتدل بجلسته ويشد على
غطاءه بقوة, وضعت ميسون يدها فوق يده برقة شديدة
وهو تتحدث بغضب طفولي :" لا, إن كان هيثم يتألم لن نذهب
لأي مكان لأجله ونحضر الطبيب له ليبعد الألم"
لم يستطع أن يمنع نفسه من ضمها إليه بقوة أكبر وأن يزيد
من بكائه أكثر, أمسكت والدته به وقد أخذ الخوف على
طفلها مأخذه بقلبها بينما بدأ الشعور بالذنب يتسلل لأعماق
لؤي وهو يقترب ليتحدث بلطف وكأنه لم يكن من اعترض
قبل لحظات:" إن كنت تتألم حقاً فأنا آسف, ظننتها مجرد
مزحة منك أو مقلب كالعادة آسف يا أخي, لكن توقف
عن البكاء أرجوك"
مسح دموعه ليجبر نفسه على رسم ابتسامة باهتة وميتة
وهو يجيب:" لا أنا بخير فقط صداع منعني من النوم طوال
الليلة الماضية وسيذهب بمفرده "
تحدث والده ولا يزال القلق مُرتسم على وجهه:" إذن والطبيب ؟"
أومأ سلباً وهو يعض على شفته السفلية بقهر شديد فهنالك
ما يمنعه من قبول هذا الأمر ببساطة وإلغاء تلك الكارثة
التي ستحدث بهذه العائلة بعد عدة دقائق !
تحدثت ميسون بمرح شديد :" إذن لنذهب إلى المدينة المائية
وهنالك ستنسى ألمك"
نهض من سريره واتجه لأخذ حمام سريع وابتسامة ساخرة تحلق
على شفتيه فهناك سيبدأ ألمه الحقيقي.
عدة ساعات هي ما مضت قبل أن يصلوا أخيراً لتلك المدينة المائية,هو لم يشارك بأي لعبة على عكس كُل من لؤي و ميسون والذين لم يتركا لعبة دون تجربتها, نظرت والدته له بقلق
لتتحدث :" أأنت واثق بأنك لا تريد اللعب ؟"
أومأ سلباً برأسه وهو ينظر لشقيقاه المستمتعان وكأنه لا
يوجد أي هم يؤرقهما, بالواقع بما أنهما مجرد طفلين فأي هم هو
هذا الذي سيقيدهما ؟
استيقظ من بحر أفكاره على والده الذي وضع يده على كتفه
ليتحدث بهدوء:" ألا ترغب بتجربة قيادة هذه السفينة ؟"
نظر إلى حيث يشير والده بعينان خاليتان من الحياة إلى تلك
السفينة الصغيرة والتي تتسع لراكبان اثنان, نهض من مقعده
ليقترب منها وقلبه على وشك الانفجار, راقب تلك السفن
والأطفال الذين يلعبون بها وإلى ذلك الشلال الضخم الذي
تبطئ السفن من حركتها عليه بطريقة آلية ومن ثم يتغير
تصميمها لتصبح قادرة على التزحلق على ذلك الشلال وما
إن يتبقى القليل فقط حتى تصل للنهاية تبدأ بالتحول مجدداً
لشكلها الأصلي ومن ثم تقلب في البحيرة الموجودة,وبالتأكيد
فإن الأطفال يبقون بها بسبب الحزام الموجود وهي بمفردها
ستقلب مجدداً خلال أقل من دقيقة واحدة !
أثناء تأمله لها شعر بيد تمسكه وتشد بنطاله بقوة ليغمض
عيناه وهو يتمنى الموت الآن ليتحدث بصوت مهزوز:" ماذا
تريدين ميسون ؟"
أجابته بكل براءة :" هل تركبها معي ؟ أرجوك ؟"
أشاح بوجهه عنها وهو يشير للؤي :" ولماذا لا يذهب لؤي
للعب معك ؟"
نظرت له وقد نفخت خديها بملل شديد :" لقد قال أنه جائع
ولا يرغب بركوب سفينة بلهاء مُصممة للأطفال, أرجوك أخي
دعنا نذهب معاً"
لم يجبها بل حافظ على صمته إلا أن جاءه صوت هادئ أفزعه
بالبداية فهو قد نسى تماماً أنه سيكون موجوداً بهذا المكان:" لا
مفر مما كُتب أو مما حدث يا هيثم "
رد عليه دون أن يلتفت:" أتعني أنه لا توجد طريقة لتغيير
ما حدث ؟"
أجابه بذات الهدوء :" ولماذا نستبدل الماضي والله تعالى
يختار لنا أفضل الطرق ؟"
تحدث بصوت مُنزعج وغاضب وقد التف له بالكامل:" أخبرني
ما الحكمة من موتها الآن ؟ إنها مجرد طفلة في الخامسة
من عمرها, كيف من الممكن أن تؤذي أحد ؟"
أجابه بهدوء شديد:" ربما ولكن حتى لو أنقذتها الآن
ماذا كان سيحدث لها ؟ أعني بعد عامين من هذه الحادثة
تعرضت مدرسة الفتيات القريبة بل الوحيدة بمنطقتكم لحريق
هائل أدى لموت نصف طالبات بينما بعضهن قد تشوهن فقط
وأصبن بشلل أو عاهة ما ! وهي كانت ربما لتكون بينهم فقد كانت بالسابعة من عمرها !, أو ربما قبل عام فقط من الآن تعرضت
منطقتكم لهجوم من شباب جامحين ومروجين للمخدرات
وغيرها وقد قاموا باختطاف كل فتاة بعمر العاشرة فما فوق
صحيح ؟ فقط مئة منزل نجا من ذلك الهجوم الجامح بعد
تدخل الحكومة من منطقة كاملة تحتوي على الآلاف من الأسر
, هيثم هل كان منزلكم من ضمن المئة منزل ؟"
نظر له بصدمة وقد بكى بالفعل فمنزلهم تمت مهاجمته ولكن عدم
وجود فتيات به جعل المهاجمين يتركوه ويغادروا دون
إيذاء أحد !
أسترسل عامر بالحديث :" هل عادت أي من تلك الفتيات ؟
لقد تم الاعتداء عليهن , وقتلهن بطريقة سيئة للغاية وتشويههن
حتى أن أسرهن لم تتعرف عليهن, أتظن أن موتها بتلك الطريقة
أفضل ؟ أم الآن ؟ وهي طفلة بريئة لا تعرف سوى الابتسام والسعادة , لتصبح إحدى طيور الجنة والتي ستشفع لكم عند
بارئكم ؟"
أغمض عيناه بقوة وقد أشاح بوجهه عنه, لاحظ أخيراً نظرات
شقيقته القلقة والموجهة لعامر الذي ابتسم لها بلطف شديد
وهو يمسح على شعرها ليتحدث :" تعلمين لديكي شقيق
يُحبك كثيراً "
ابتسمت هي بسعادة وسرور لتومئ برأسها إيجاباً بينما اقترب
والدهما منهما ليبتعد عامر عنهم, راقبه الوالد وهو يختفي
بين الحشود بترقب ومن ثم التف لابنيه وهو يتحدث :" ماذا قال
لكما ومن هو ؟"
فتح عيناه المُحمرتين ليتحدث:" لا شيء مهم أبي, إذن هل
ننطلق للسفينة الآن ؟"
صفقت الصغيرة بفرح وهي تشد بيدها على يده لتتحدث:" أجل
هيا بنا "
سار برفقتها وبكل خطوة يشعر بأنه يفقد جزءاً من كيانه, ركبا
بتلك السفينة معاً وقد جلست بجواره ورُبطت لهما تلك
الأحزمة لتنطلق السفينة ويبدأ ذلك الهواء المنعش بضرب
وجوههم بكل رفق ولطف, وقد تسبب بإشعارهما بالانتعاش
الشديد مما جعل ميسون تضحك بسرور شديد ومرح أشد, أما
هو فقط أغمض عيناه بهدوء وقد بدأ بالنظر للسماء التي
بدت أكثر صفاءً مما كانت عليه من قبل, ابتسم بألم شديد وهو
يرى الشلال يقترب منهما, وتماماً كما حدث من قبل لم تتحول
السفينة لذا فهي سقطت من أعلى ذلك الشلال وإلى نهايته
بكل قوة, دوى صوت صراخ شقيقته الفزعة بأذنيه بقوة
شديدة, تشبث هو بها عله يهدأ من روعها على الأقل, وفجأة
شعر بالمياه وهي ترتطم بجسده وجسدها بقوة شديدة ألمته كما
ألمتها هي !
حبس هو أنفاسه بقوة بينما وضع يده على فمها حتى لا تحاول
التنفس والاختناق ولكن بالنسبة لطفلة في الخامسة من
عمرها بدأت بالبكاء وهو ينظر لها عاجزاً عن فعل أي شيء لمساعدتها, رآها مرة أخرى وأنفاسها تنقطع تدريجياً بينما وجهها بدأ بالتحول للون الأزرق أمسك بها بيداه وهو يحاول قطع ذلك الحزام المحيط بهما بينما تشبثت به وهي تبكي بقوة, توقفت بعدها لوهلة عن البكاء واستنشقت الألم بقوة ثم زفرت روحها بعدها, ليتوقف بذلك بكائها وتشبثها به وحتى مناداته باسمه, كل ذلك اختفى بلمح
البصر !
ذبلت عيناه ودموعه بدأت تسيل بقوة شديدة ليفكر بالسبب
الذي يدفعه بالبقاء حياً بعد هذا لذا وبلا تفكير توقف عن
حبس أنفاسه ليبدأ شعور الاختناق بالتسرب له وفجأة تم البدء
برفع السفينة بينما فقد هو وعيه.
بعد يومان من تلك الحادثة فتح عيناه بألم شديد وهو ينظر
حوله ولم يفهم حقاً لماذا لم تنتهي الذكريات إلى تلك اللحظة
ولم يعد للمستقبل بعد !
شعر بطبيب وممرضة يدخلون للغرفة وهم يتحدثون معاً:" ماذا
نفعل الآن ؟"
أجابها الطبيب بهدوء :" ذلك القرار كان بسبب ما حدث وسيتراجعان عنه بالنهاية "
نظر لهما بضعف شديد وهو يهمس:" والداي "
نظر الطبيب له بشيء من الشفقة:" لا تقلق كل شيء سيكون
بخير "
ليقوم بفحصه بسرعة ويغادر وبالمساء عاد الطبيب للغرفة
ومعه رجل غريب ليتحدث الطبيب بآسى :" أنا آسف أيها
الصغير ولكن والداك الآن لا يرغبان حقاً بمقابلتك."
أخفض رأسه وقد امتلأت عيناه بالدموع وبدأ بذرفها بعد
عدة ثواني ليتحدث ذلك الرجل ببرود شديد :" لقد سببت لنا
الكثير من المتاعب, يبدوا أنك تلاعبت بأحد تلك الآلات
مما أدى لتلفها ولذلك لم تقم تلك السفينة بالتحول وتوفيت
شقيقتك بسبب ذلك "
تحدث بغضب شديد وطريقة عدوانية :" غير صحيح ! هذه
المرة أنا أثق بأنك كاذب فأنا لم أعبث بها أبداً, أنا لم أحرك
ساكناً أنت كاذب"
أخرج الطبيب ذلك الرجل وأعطاه مُهدئ ما ليغط في
نوم عميق مجدداً وعند استيقاظه وجد شقيقه لؤي بجواره
وكذلك كلا والداه , نظر لهما بعدائية شديدة وكره دفين
ليشيح بوجهه عنهما وتتحول تلك النظرات لألم حقيقي
أدى به للبكاء مجدداً , شعر بوهن شديد فهو لم يفعل
شيئاً سوى البكاء فقط, وضعت والدته يدها عليه لتتحدث
بهدوء :" أنا آسفة ما حدث كان مُقدر ولا يمكننا تبديله "
نظر لهما بكره شديد وهو يتحدث بألم شديد:" لقد أجبركما
أحد على القدوم صحيح ؟ أنتما لا تريدانني لذا ابتعدا عني "
تلك الكلمات كانت جزأ من الحقيقة لذا لم يجيباه, مضت
عدة أسابيع وعلاقة هيثم بوالداه وشقيقه توترت للغاية فهو
لم يعد يطيق وجوده بينهم وهم لم يحاولوا تفهم مشاعره حقاً
غرقوا بحزنهم على ابنتهم ولكن وفجأة ظهر ما قلب كل تلك
الموازين عندما أظهرت الكاميرات فتى في السادسة من عمره
وهو يعبث بأسلاك السفينة حتى قطع بعضها والذي كان
مسئولا تغيير شكل السفينة و جعلها تنقلب مجددا بعد سقوطها
وقد اعتذروا لهم وقدمت أسرة الطفل تعويض كبير للأسرة
ولكن ما هو الشيء الذي سيعوضهم عن ابنتهم وعن ثقة ابنهم
والتي فقدوها بالفعل , هيثم الطفل صدق حقاً بالنهاية أنه من
قتل شقيقته وكان السبب لذا لم يتقبل اعتذار والداه وأصبح
منعزلا عنهم بينما الكوابيس التي لطالما أنبت ضميره لاحقته
طوال تلك الأعوام السابقة وبنت الحواجز مع أسرته والمحيط
الذي يعيش فيه .
اسئلة الفصل الثالث :
هل طول الفصل مناسب ؟
أرائكم حول الشخصيات ؟
علمتم الآن لماذا يخشى هيثم من المياه والبحر فماذا تتوقعون أن تكون خطوته التالية ؟
أي إنتقادات أو اقتراحات ؟
للآن لازال محور الرواية ( الأكشن والقتال و الديني أيضاً ) غير موجود تماما
بما أننا في البداية