الفصل الثّاني
~ - أخمّن أنّك قضيتِ الليل ترتّبين غرفتك,ولم ترمي كلّ الفوضى في خزانتك ,لتقرأي رواية؟
كانت السُّخرية تقطر من النّبرة الأنثويّة الهادئة , لطالبة السّنة الرّابعة من كلّيّة الطِّب, التي قادت السّيّارة السّوداء ذات البابين بتحكُّم تام. واسطة نقل بسيطة لا تستحقّ كلّ تعبِ آشلي للحصول عليها , لكنّها تفي بالغرض, و أفضل بكثير من عدم امتلاك سيّارة على الإطلاق لأنّك طالب سنة أولى مُفلِس !!
لَم تُرِد ماليري التّصريح لآشلي بتذمّرها فهي تعلم أنّ أمّها كانت لتحتجّ على قيادتها المجنونة لأيّ آلة ذات محرِّك و إن كسبت بنفسها المالَ لشرائها!! كما لَمْ تَردّ على شقيقتها بأنّها تتمنّى التّعاقد الشّهريَّ مع شركة تنظيف تخلّصها مِن مسألة التّرتيب تلك,كونها تعرف الجواب الشّهير الذي لا تستطيع مجادَلتَه
" لدينا ما يكفي من مصاريف شهريّة أخرى ,أهمّها أقساط الجامعة لكلينا ,و آخر مرّة تفقّدتُ فيها الحديقة الخلفيّة لم أجِد شجرة نقود تنمو هناك "
تنهّدت بخيبة ...آشلي تعرفها جيّدا
- لَم أقاوم الأحداث الرّهيبة ,تكاد الجريمة تكون بلا ثغرات! أتوقُ للقفز إلى الصّفحة الأخيرة ,لكن لا أريد أن أفقد متعة القراءة!
- المهم, أخبريني ...ألمْ يتّصل؟
سألتها شقيقتها بنبرة باهتة , غير مهتمّة جدًّا سوى بالواقع المُعَاش. ذكرُ أبيها يعكّر كلتيهما إلّا أنّها أرادت التّأكُّد من أنّه على الأقلّ يحاول مع ابنته .
يكفي أنّه لَم يبذل الكثير مع زوجته حين اكتشفتْ خيانته و سعتْ للطّلاق!
تأفّفت ماليري باطنيًّا , لَم تعتقد أنّه يستحق عناء الحديث عنه فرسمت ابتسامة كاذبة, بإصرار على البقاء في عالمها الذي لن تلجه آشلي أبدًا:
- لا حقًّا " آش " يجب أن تقرأيها
-ميلي , كفاكِ هربًا و أصغي...-
فقاطتها بإجفال مُصطَنع:
- أوه تبًّا ! نسيت جوّالي في القاعة!أرجوك أوقفي السّيّارة. سأحضره و أعود إلى البيت بمفردي .
و دون إعطاء فرصة لأيّ شيء فتحت الباب قليلًا مجبرةً آشلي على التّوقّف فورًا , مُدركةً أنّ الأخيرة حاضرة الذّهن و ستشغّل الإشارة الضوئيّة لمَن خلفها في الوقت المناسب تجنّبًا لوقوع حادث.
لَم تنفعل الأخت الكبرى فلا جدوى سوى مِن ترْك ماليري لشأنها في هذه اللحظة,
و هكذا سارت الجامعيّة الجديدة نحوَ الكلّيّة فعلًا, بما أنّها كذبت الكذبة فلمَ لا؟
لَم تشعر بالذّنب فهي موقِنة بكَون آشلي تفهم أنّها قالت أوّل ما خطر لها فقط لتهرب, و ربّما بأسلوبٍ أفضل من الأجواء الزّهريّة التي تحاول مع أمّها و أختها
خلقَها فيما بينهنّ و أمام النّاس , رغمَ أنّ كلًّا منهنّ تعرف في قرارة نفسها...هناك في العتمة بعيدًا عن الجميع حتّى عن ذاتِها... بأنّ الواحدة منهنّ ليست حقًّا إنسانة سعيدة !
كان المبنى لا يزال مفتوح الأبواب فدخلت إلى القاعة الفارغة غير متأكّدة ممّا ستفعله . اقتربتْ مِن موضع جلوسها بين جيرمي و زاك سابقًا في المحاضرة الأخيرة فلفت انتباهها عبوة صغيرة تلقّفتها من على الأرض...
دواء...
قرأت الوصفة المُلصَقَة عليها
اسم المريض: زاكوري ينغمان
تابعت القراءة لتكتشف أنّ هذه الحبوب تحتوي على ال"ليثيوم"...تذكّرت ما سمعته من آشلي مرّة , عن استخدام هذا النّوع من العلاج لحالاتٍ نفسيّة و عصبيّة
مرّ الشّابّ على بالها بتفاصيله و مآقيها تتّسع ذهولًا
مشيته, تلفُّته , نظراته....كلّ ما أوحت به هو الهدوء ,لَم يبدُ أنّه يخفي ما كان من الممكن أن يكون سرَّها هي الأخرى!
احتوت العبوة مماشيةً الحروف بأناملها كمَن يحنو و يعطف...
لولا شجاعةٍ و ثقة استمدّتها من دعم والدتها و أختها الغاليتين لربّما انتهى الأمر باسمها مكتوبًا على وصفة مُلصَقَة كهذه!
حين عرضَ جيرمي الزّواج بها أطلعته على شأنهم العائليّ وكيف أثّر بها سلبًا,
و لسعادتها أخذ الأمر ببساطة ...
أعادَتْ ما بين يديها حيث وجدته, بعد أن تمعّنتْ بكلمة"زاكوري" على مهل
ربّما خلَتْ حياته مِمّن يدعمونه كما في حياتِها , و إلّا لما وصل لمرحلة الخضوع لعلاج كيميائي ثقيل كهذا
كانت متّكِئة على الجدار إلى جانب باب قاعتها, حين فوجِئت به مُقبِلًا.حيّته من مكانها بإيماءة منادية:
-زاك! أراكَ اشتقتَ لقاعتِنا بسرعة .
حيّاها الشّابّ بابتسامة , مواريًا لاستغرابه الأوّلي...بما أنّها ذكرت الاسم متحدِّثةً بهذه الأريحيّة ,و أفهمته-دون أدنى فكرة- أنّ ذلك الباب هو المرجوّ .
- نسيتُ شيئًا , ماذا عنك؟
-نسيتُ شيئًا ...
بمزاحٍ كرّرت جملته متابعةً:
- أترى كيف أنّ الأدمغة العظيمة تفكّر بنفس الطّريقة؟
-"تنسى" بنفس الطّريقة في حالتنا.
مازحها بدوره و هو يدخل القاعة , وما لبث أن جمدَ مكانه بينما عرضت:
-ما رأيك أن نترافق غدًا إلى مقهى الجامعة. ربّما هناك تتوافق مع جيرمي , و تعرّفني على الشّابّ الذي رافقتَه للمكتبة.
فكّر لنفسه
~ هي و المدعو جيرمي مع شخص ثالث؟! غريب...كان يومًا حافلًا على ما يبدو
ثمّ أجهَر باعتياديّة و مرونة استغربت منها لوهلة:
-يبدو الأمر ظريفًا...لمَ لا
لَم ترِدهُ أن يتحامَل على نفسه, فلعلّه يفضل الانعزال , وبما أنّها شعرت بارتياحه أثناء تعامله معها سابقًا أردفت:
-أَو أنت و أنا فقط إن أحببت ... أراك لاحقًا.
انتابه شكٌّ ...ترى مالذي تصبو إليه؟
استوقفها قبل أن تبتعد عن الباب :
- أنتِ و أنا لوحدنا أفضل مبدئيًّا...لكن ربّما ليس غدًا . أشعر بتوعّك وقد لا أستطيع المجيء لعدّة أيّام, أتمانعين تواصلنا لتزوّديني بما سيفوتني من محاضرات؟
- أبدًا...سجّل رقمي عندك
ردّدت له فكبّس سريعًا على أزرار محموله القديم, ثمّ سألها:
- وما هي تهجئة اسمك الدّقيقة؟
مالت برأسها مستنكرة و غمغمتْ :
- طالب جامعة ولا تعرف تهجئة "ماليري" !؟
ضحك منها و بسلاسة أجاب:
-أمزح و حسب ! ردّة فعلكِ رهيبة ...شكرًا لك .
كرْكَرَتْ ماضية في طريقها وهي تعزو تغيُّرًا هجستهُ في مسلك زاك ؛ إلى أنّ الوضع النّفسيّ أو العصبيّ الذي يعانيه قد يجعل مزاجه متقلِّبًا
ما إن استدارت حتّى تكتّف مفكّرًا بعبوس
~ قد تؤذيه بطريقة ما... لن أسمح لها !
- لوحدكما ؟و رقم هاتفك؟؟
اعترضها جيرمي متكتّفًا و الفيروز في عينيه يتألّق حِدَّةً , فهاجمته متضايقة :
-كنتَ تراقبني ؟! كيف تجرؤ؟ اغتفرتُ -من تلقاء نفسي-حركات التّملُّكِ السّخيفة التي قمتَ بها اليوم في الجامعة , لكنّني لن أسامح تجسُّسك عليّ أتفهم؟
-أوه ارحميني! أيّ تجسّس؟! حصل أنّي كنتُ لا أزال أتسكّع بدرّاجتي الهوائيّة في الشّوارع القريبة من الجامعة , حين لمحتُك راجعةً إلى هناك فتبعتك...
تجنّب إخبارها بكونه لمحَ زاكوري أيضًا بعدها بقليل يعود إلى الكلّيّة, عندها تحديدًا قرّر التّجسّس بالفعل, فكان أن التقطت أذناهُ آخر محادثةِ مخطوبته مع مَن اعتبره غريمًا
- ...ظننتكِ بحاجة إلى مساعدة أو ما شابَهَ
- نعم ,ثمّ سمعتَ زاك ,و دون أن تفهم شيئًا حكمتَ علَيّ!
قبلَ أن يفتحَ فمه ليُفهمها أنّه لا يشكّ بها هي؛ دمدمَت بانفعال :
- طبعًا فابنة الخائن-تكره الرّجال و تريد الانتقام منهم و ذلك بخيانة رجل...أهذا ما شطح إليه تفكيرك ؟!
-واو تقرأين الكثير من الرّوايات ! لدرجة جعلتك تصبحين محلّلة للشّخصيّات,
فاشلة تمامًا بالمناسبة! أنتِ من يحكم عليّ هنا...ستصبحين كوالدَيّ اللذَين لَم يفهماني يومًا.
استطاع امتصاص غضبها بظرافة , محتفظًا لنفسه بفكرة أخرى حَول لقائها مع زاكوري...فكرة لطالَما أقضّت مضجعه و جعلته يعتبر ماليري طفلة بريئة تحتاج حمايته
-هيه!زاكي ....وجدتُ دواءك!
دلف من غرفة المعيشة الفقيرة للشقّة الضّيّقة , و مباشرة إلى المطبخ حيث حدّق في انعكاسِه الحَيِّ جالسًا بانتظاره ,عندَ طاولة " بلاستيكيّة " صغيرة , عليها صحن مليء بالذّرة المسلوقة.
-و أرى أنّك حضّرتَ الغداء...يعجبني تلاحم التّوأم فيما بيننا
رمى العبوَة باسمًا فلم يحاول الشّابّ الهادئ تلقُّفَها , بل تركها تتدحرج على الأرض متأقلمًا مع كونه لا ينجح بأي أمرٍ حركيٍّ من هذا النّوع.
- آسف لبعثك مكاني"أوك", حقًّا لَم أشعر برغبة في الخروج ومواجهة النّاس مجدّدا.
لَم يمانع "أوكتيفيان" مساعدة توأمه زاكوري بأيّ شيء يستطيعه, بعد كلّ تفاني هذا الأخير فإنّ جلبَ غرضٍ سقط منه سهوًا هو أبسط ما يمكنه القيام به.
كأنّ زاك قرأ أفكارَ أوك حيث استدرك مباشرة:
- لكنّني سأحاول التّغلُّب على ذلك, لستَ مدينًا لي لتخرج كلّ مرّة أنسى فيها شيئًا!
-فقط اخرس , لو لَم يكن الدّواء مهمًّا لما تزحزحتُ من مكاني بعد يومِ عملٍ شاقّ.
قالها أوك بخِفّة انعكست بَسمةً على وجهِ زاك قبل أن يقضم الذّرة مصغيًا لأخيه حيث تابع:
-ثمّ إنّني صباحًا ذكّرتك بتناول الحبّة , لا بأخذ العبوة معك . لا تحتاجُ جرعة أخرى حتى المساء.
قضم بدوره في حين ردّ زاك:
- يشعرني وجودها معي بالأمان .
تبادلا التّحديقَ ببعضهما ثمّ انفجرا ضاحكين معًا, لكونِ زاك أضاع مصدر أمانه ببساطة في الجامعة منذ اليوم لأول!
-على فكرة التقيتُ ماليري
قلب زاك بؤبؤيه لأعلى بامتعاض من نبرة أوك-التّلميحيّة- في لفظ الكلمة الأخيرة.
-البنت مخطوبة و أنا أساسًا لا أحبّ الاقتراب من أحد...كيف عرفتَها على أية حال؟
أهملَ أوك إخباره بافتعاله مسألة أخذِ الهاتف فقط ليعرف اسمها , و تابع يضايقه متدفِّقًا :
-ماليري ها؟ و "جيرمي" ذاك...ماذا حصل بينكما بالمناسبة؟و الشّاب الآخر؟؟ يالك حقًّا من وغد تعرّفتَ على كلّ الجامعة و تتحذلق عن مواجهة النّاس وعدم الاقتراب ...
أسكتَه زاكوري سريعًا :
- ألم يحن دورك لتخرس؟!ماليري , مخطوبها جيرمي ,و إغناسيو, هؤلاء الثلاثه هم الوحيدون الذين احتككتُ بهم طوال اليوم.
متى كان ليخبره بأيّ شيء و هما لَم يلتقيا أكثر مِن ثوانٍ تبادلا فيها الملابس ليسرع أوك إلى الجامعه مع هويّة زاكوري للاحتياط , فذلك الدّواء خطير , مالَم يكُن هنالك إثباتات موثوقة اعتُبِر من عقاقير المخدّرات!
كان أوك على وشكِ ضربِ زاك بالذّرة في يده, لاصراره على الاختصار
و قبل أن يتمكّن مِن إخباره تفاصيل لقائه بالفتاة؛ طُرِق الباب و صاح صوتٌ رجوليّ أبَحٌّ مشؤوم :
-أوكتيفيان
تشنّجَ زاك مِن فورِه فردّد شقيقه الحيويّ بنبرة مطمْئِنة:
-بما أنّه ناداني فهو يريد المال . سأتفاهَم معه . ابقَ هنا
لَم يُصغِ بل نهض بعنفٍ أسقط مقهده , و سار دونما استجابة لأوك الذي حاول منعه دون أن يجرؤ على مسِّه:
-لأجلي زاك!يكفي مواجهتك له طوال تلك السّنين , آنَ لي الاحتمال بدلًا عنك!
معًا عندَ الباب وقفا وزاك يهسّ :
-لا ذنب لك لتُقحَم في الوحلِ الذي أعيشه. ما كان على جدّي إرسالك إلى هنا!أساسًا هو و ابنه لديّ سيان.
كلاهما يعرف أنّ والدَ أبيهما كان قد اعتنى بأوكتيفيان مذ كان طفلًا , فلَم يطلِقهُ إلّا بعد طويلِ إلحاح, وقد اشتدّ عوده فصار أهلًا للمسؤوليّة ,لكنّ زاك لَم يستطِع أن يسامحَ كلّ الأكاذيب التي زرعها في رأس توأمه عن أمّه المظلومة حتّى جعله لا يثق بالنّساء قاطبة.
فتحَ الباب , إلى جانبه شقيقه , و زوج العيون الأزرق متضيّق باشمئزاز مُشتَرَك أمام السّحنة المقِيتة للرّجل الأربعيني ذي الأسمال المتّسخة .
- إن كنتَ تريد نقودًا فلا قِرشَ لك! أعملُ هذه السّنة لأجل قرض أقساط الجامعة, زاك سيعمل السّنة القادمة كي أدرس. لا مكان لك في مخطّطاتنا كما تعلم, و ليس من شأننا أنّك تورّطتَ بعائلة منذ عمر مبكّر, فارحل!
هكذا نفثَ أوك برباطة جأش.
- وقح ...ظننتُ أنّ جدّك أحسن تربيتك.أهكذا تتكلّم مع أبيك؟!
بكل برود ردّ و بتلك الابتسامة الصّفراء التي تاق زاك لمحوِها من الوجود, في وقوفه هناك محاولًا السّيطرة على ظُلمةٍ راحت تفور و تغلي في الأعماق.
-أبوه الذي أفنى حياتَه و ضيّع أسرته بسبب تعاطي المخدّرات؟! نفسه الأب اللا مسؤول الذي تسبّب في إقصائه إلى بيت جدّه , و بعيدًا عن أخيه و أمّه؟!ألمْ ترْتَوِ بتدميري تريدُ الانتقال إليه؟!
-أنت بالذّات لَم أحبّك يومًا زاكوري , فأغلق فمك المليء بالنّفايات. إلّا إن كان لديك نقود عندها سأصغي.
تلكَ اللامبالاة في نبرته خانقة, جعلت أوك يتدخّل بحزم :
-أنا مَن يملك المال هنا, و أنا أقول لك :اذهب و تذلّل في مكان آخَر يا عديم الكرامة !
أوشَك الأب أن يصفعه, فاتّقى بحركة بديهيّة مِن ذراعه لَم تدُم طويلًا ,إذْ فُكّ اللجامُ عن سَعِير زاك لدى رؤية المنظر!
قبض على معصم أبيه و باليد الأخرى على ياقته قميصه , راح يخضّه و مقلتاه سماواتٌ غاضَ منها شعاع الوعي فادلهمّت بدَيجورِ الجنون:
-إيّاك ! لن أدعكَ تفعل!أصبحتُ أطول منكَ كما ترى, و لَم أعُد مجرّد متلَقٍّ لضرباتٍ تريد صبَّها على من أحبّ !سأقتلك!لست خائفًا منك بعد الآن!أنت جثّة! سأقتلك!
بركان و استعر متصاعدًا , فأنّى له الإصغاء إلى تضرّعات أوك, الذي حشرَ نفسَه أخيرًا بأعجوبة بين أخيه و أبيه,و قد هاجت تموّجات البحيرتين الرّائقتَين عادة, في مآقيهِ المواجهةِ لتوأمه و هو يجأر :
-زاك! إنّه أنا !تكاد تخنقني أنا!
اضطرّ إلى دفعه قليلًا دونما إيذاء , متألّمًا لكونه لا يستطيع اعتناقه و تهدأته, إذ أنّ زاكوري ما اعتادَ سوى الرّكل و الضّرب حتى لَم يعُد يحتمل ما يُسمّى"عناقًا".
ترنّح الأخير للخلف و كيانه يرتجف , بينما نترَ أوك أباه بعيدًا قائلًا بهياج :
-توقّف عن إيذائه !لقد أُشبِعَ بما تسبّبت به أنت و أمّي!كفاهُ أنّه كان يحاول العزلَ بينكما فينال ضرباتك عنها وهو لا يزال طفلًا ! ألم يكفِ أنّه خضع للعلاج مرغَمًا بعد أن أُجبِر على أن يُتَبنَّى؟ ألم يكفِ أنّه لا يتقبّل احتواءً أو ضمًّا حتّى منّي أنا! كسرتَه بما يكفي ...
بتر كلامَه متماسكًا بصعوبة حيث صاح أحد الجيران وقد خرجَ يستطلع سببَ الضّجيج :
-أنتم من جديد عائلةَ ينغمان؟ أأطلب الشّرطة ؟!
ما إن سمع الأب ذلك حتّى جرى بأقصى سرعة, تاركًا أوك يعتذر , و يصفع الباب خلفه زافرًا بعمق وهو يتفكَّر...
أيّ شرطةٍ ستفيد؟ والده المتعاطي المتورّط مع تجّار المخدّرات يخرج من السّجن ليعود إليه ولا من ارتداع ,حتّى تحوّل إلى متشرّد تدفع له الدّولة ثمن ضرورات الحياة , فيصرف المال الضّئيل على ورطته تلك مقابل حياته البائسة و يتسكّع ليل نهار
بلا مأوى طارقًا الباب عليهما من وقت لآخر للاستجداء .
تذكّر بألم كيف عاشَ زاكوري جحيمه وحيدًا يواجهُ هذا اللا-أب , وضعه النّفسيّ يجعله في عُرف الدّولة "من ذوي الاحتياجات الخاصّة" ممّا يمنحه حقوقًا لدى مكتب شؤون المواطنين , كتوفير ما يلزمه للدّراسة البيتيّة عن طريق الانترنت حتّى إتمام الثّانويّة,و التّكفُّل بمصاريف علاجه الباهظة , لولا ذلك لساءَ وضعه أكثر فأكثر حتّى الوصول إلى مرحلة الانتحار !
عندَ هذا المنحنَى لتدفّق أفكاره, خُضَّ أوك لسماع ارتطامٍ ما...
هتف و هو يجري شاتمًا نفسه باطنيًّا كيف سرح هكذا :
- زاك! أخي!
-اشششش ...اهدأ
أتاه الصّوت خفيضًا متهالكًا ,فوقع بصره على أرض المطبخ ليرى شقيقه مرتميًا على هناك و ارتجاف أوصاله يتراخى رويدًا.
- ماذا أصابك؟؟
ردّد أوكتيفيان بقلق و أسًى بينما جثا إلى جانب زاك , الذي تكلّم خَدِرًا :
- لا أعلم...قد يكون بسبب الدّواء .
انتبه توًّا للعلبة في يده فانبرى به:
-الليثيوم ليس حلوى تتناولها متى شئت ! لقد ابتلعته قبل الوقت المحدّد !! لمَ فعلتَ هذا؟! كنتَ لتهدأ معي بعد ذهاب ذلك المتسوِّل!
-خفتُ ألّا تسيطر عليّ ...و أن ...أوذيك
كان يتنهّدُ كلماتِه, بينما توقّف ارتعادُه كلّيًّا ,و قد ثقُل منه اللسان و الجفن...ذلك الإحساس الغريب الذي اعتاده زاكوري قسرًا ؛ بعد كلّ جرعة دوائيّة...راح ينتابه مضاعفًا هذه المرّة ...تخلّلَه صوتُ أوك مُرهَقًا معاتبًا :
- لا تفعل هذا أبدًا بعد الآن...أتفهم؟ سبقتني للدّنيا بعشر ثوانٍ و حسب
فلستَ مسؤولًا عن حمايتي...تحديدًا ليس منك ... غبي ..
راحت الألوان و الأشكال تضيع ضبابًا من حوله, وقبل أن يستسلم للا وعي تهادى همس أوك في مسمعه, و صورته أمام مقلتيه ...
لكأنّ زاك يرى ذاته تخرج منه, تتجسّد أبخِرةً على شكله و تردِّد له:
-لا تقلق ...ستكون بخير... ستكون بخير انتهى الفصل
تعبت في كتابته لا أعلم كيف خرجت حيّة أُرزَق! :haaa:
الكذب كان الخطيئة المطلوبة
وهكذا وُجِدَت كذبة ماليري على أختها
وكذبها المتبادَل بينها وبين الأم و الأخت
و هنالك كذب جيرمي عليها بمسألة التجسس
وكذب الجد على حفيده بشأن الأم
أما الكذبة الأهم...حزرتموها؟سيكون لها تبعات فانتظروا!
والآن
آراؤكم؟ أفكاركم ؟توقعاتكم؟
لكم الميدان بوسعه |
التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 11-05-2016 الساعة 01:58 PM |