04-21-2018, 06:06 PM
|
|
في زمن كثُر فيه الإسفنج كُن زجاجة في زمن كثُر فيه الإسفنج كُن زجاجة
لا يخفى على العيان ما نراه في هذا الزمان من إثارة الشبهات، والاستخفاف بالآيات المحكمات، والطعن في أئمة الدين، والخوض في أعراض المؤمنين، واختلط الغث بالسمين، والصالح بالطالح، والحق بالباطل، تُحاصِرُنا سهام أعداء الإسلام صباح مساء على الشاشات الفضائية وفي المحطات الإذاعية،
فعصفت بالناس الفتن، وزعزعت الإيمانَ في قلوب البعض المحن، يسمعون الشبهة فيتعلقون بها، تُزين لهم المنكرات فينغمسون فيها، ويُشوه لهم المعروف فينفرون منه، فكيف السلامة من هذه الشُبَه والنجاة من تلك الفتن؟
الإجابة يهديها شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم في وصية عظيمة، يقول ابن القيم في عرضه لهذه الوصية:
(قال لي شيخ الإسلام وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها؛ فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشربتَ قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات).
يقول ابن القيم عن هذه النصيحة: (ما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك).
فإذا أردت النجاة من الشبهة لا تجعل قلبك كالإسفنجة يمتص كل ما يُلقى فيه دون تمحيص، كما تمتص الإسفنجة السوائل دون تمييز، فإن أدخلتها في الماء الطيب امتصته،
وإذا أدخلتها في الماء العكر تشربته، ثم إذا ضغطت عليها نضحت بما فيها، ومتى اعتادت على امتصاص العفن تحولت إلى عفن فلا ينفع معها تنظيف.
وكذلك القلوب إن ترَبَّت في بيئةٍ صالحة، وانقادت لمولاها بالتوحيد والتوكل عليه ومحبته ورجائه والخوف منه ومراقبته في السر والعلن، اتصفت بالقوةِ في الحق،
والنفور من الباطل – شبهاتٍ وشهوات - يحميها إيمانها من أن تنقاد لأصحاب الأهواء.
وإن انقادت القلوب إلى غير الله من نفسٍ أمارةٍ أو شيطان، وتعلقت بالدنيا والملذات، وقدمت على العبادة الهوى والشهوات،
أصبحت القلوب بلا حصن يحميها من الأسقام، وصارت كالإسفنجة التي حذر منها شيخ الإسلام، ولا تكتفي بذلك، بل بعد أن تشبعت بالشبهات عملت على نشرها ونقلها في كل زمان ومكان. أما المسلم الحق فيكون كالزجاجة النقية، ينظر من خلالها إلى كل ما حوله ولا يسمح بدخول إلا كل نظيف طاهر،
قلبه صلب كصلابة الزجاجة في إيمانه وعلمه وبصيرته، واثقٌ من منهجه، وهو صافٍ كصفاء الزجاجة، يستطيع بصفائه أن يميز بين الغث والثمين، وبين العلم النافع والشبهة، وبين الحق والباطل بما حباه الله من قوة الإيمان ونور البصيرة،
يغلق قلبه عن الشبهات فلا تستطيع شبهة أن تكسره أو تدخل إليه أو أن تؤثر فيه، فالقلب صلبٌ مصمتٌ عن الباطل وشُبَهِه، ينكر الشبهات ويردها.
ولكن لا يغرنّك صلابة الزجاج فإنه قابل للكسر إذا تلاحقت عليه الضربات، فلا تسعى لسماع الشبهات إذا لم تكن من الراسخين في العلم؛ فإن القلب ضعيف والشُبَه خطّافة. وكان أئمة السلف -مع سعة علمهم- يُعرضون عن سماع الشبهات،
أخرج عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال:
كنت عند ابن طاووس وعنده ابن له إذ أتاه رجل يقال له صالح يتكلم في القدر، فتكلم بشيء فتنبه، فأدخل ابن طاووس إصبعيه في أذنيه وقال لابنه: أدخل أصابعك في أذنيك واشدد، فلا تسمع من قوله شيئاً، فإن القلب ضعيف.
فتجنب سماع من يثير الشبهات، ويبرز الشاذ من الأحكام، ويتكلم في الدين بغريب الكلام، وإذا سمعت شبهة في الدين واحتجت إلى دفعها فاسأل أهل العلم حتى يبينوا لك الدليل،
وينيروا لك السبيل، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلاً، فشفاه منه" أخرجه البخاري.
أما من سمع شبهة فأعرض عنها ولم يبال بها لعلمه المجمل ببطلانها فقد أحسن، ولا عليه من تقصي الجواب في دفعها.
واسأل الله دوماً أن يريك الحق حقاً وأن يرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً وأن يرزقك اتباعه، وأن يجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
منقول للإفادة
|
__________________ "لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب |