عرض مشاركة واحدة
  #70  
قديم 06-04-2019, 12:42 AM
 





[10]#
-COINSIDENCE , COST ?!-1-

\
EVERY THING IN THIS WORLD,
NO MATTER WHAT IT IS . . IS A KAY
TO LEAD FOR SOMETHING
. . IT COULD BE AN
ANSWER
OR IT COULD BE . . ANOTHER PAZZLE


-
( هل جرّبت ؟ دفع الثمن الذي لا ذنب لك فيه . . ؟)



عليّ توقّع العديد .. !
هل الخشية من الإقدام على أي قرار تباغتني الآن ؟ لا أظن أن الحال سيكون سخيّاً ويهلّ بنتائج
في كل مرة ، وكما لو أني أصف قرار هروبي الآن بالطائش لعدم إحكامي خطّة ، وأنظر له من منظور مغاير .. ! أنطوان ،
ذلك المستوى الخفيض لكن المخيف مِن صوته ، عندما أستذكره ..،

" في حال تجرأتِ على النطق بما يجعل هذا المكان عرضة للكشف ، لأي آدمي يقبع خارجها. . . ،
سينفجر الجهاز ويقوم بتفجير كل قطعة حيّة فيكِ !"

لم أصدّق ذلك بشدّة .. ! لكن جزء ما قام بتصديقه وسبّب رعب فيني ! إنَّ عمليّة التحسين دورية
وأصابت أشخاص قبلي ، أنا لم أكن الأولى ،ولكّني كنت الأولى في نتيجة ما .. ! أنطوان ليس معتوهاً ليتخلّص مني بهذه السهولة ،
هو بحاجة إليّ ، لدوافع ما ، لكني يجب أن أدحض تلك الحاجة بعيداً عن عثوري .. !

أستندت على الحائط متأوهة :
(فكري مآئة مرة قبل الإقدام على أي شيء . . ! )

لقد تصوّرت أن أدخل الى مركز الشرطة لأول مرة في حياتي ، دون معرفة الإجراءات اللازمة ، وأقوم بالتبليغ عن مجموعة أشخاص يقومون بقتل الناس ،
وأن تلك المجموعة تعيش في منطقة بعيدة عن المدينة ، فكرّت أنّي لا يجب أن أقول الحقيقة حرفّياً وبأسلوب مباشر ، فلن يصدّقني شخص عاقل لو كشفت عن
أطباء في قلعة بعيدة يتحكمّون بعقول مرضى فاقدين للذاكرة ! لا شك أني سأرى عيونهم الحائرة بعدم تصديق ، و ربما إبتسامات تفشي أني غير واعية لما أقوله
وماذا لو سألني محقق أو مفتّش شرطة عن بطاقة تثبت هويتي ؟ أستطيع قول أني .. كآي نيثيآن ببساطة! ولكن إثبات ذلك صعب ،
أنا حتى لا أعلم إن كنت من هذه البلاد أم لا ؟ من أي منطقة ولدت ؟ و من أي مدرسة تخرّجت ، هل أنا بريطانية الأصل أم ترعرت هنا فحسب؟
الأسئلة تملئ ذهني .
والإسم المستعار الذي أنطق به كلما ذهبت لمكان ليس سوى إسم التقطته من شريط لقناة إخبارية . .!
ألتفتّ إلى واجهة المبنى للمرة العاشرة على التوالي ، مشادات الرجل الذي بدى بذيء اللسان مع الشرطي
لازالت مشتعلة ، الشرطي يحمل جهاز لإختبار مقدار الكحوليات ويأمر الرجل بإستخدامه لكن الأخير يحرّك ذراعيه نافياً ويطلق الشتائم ،
بدا أنه ليس بحالة عقليّة سليمة .

" ليس مِن الصواب فعل ذلك الآن "

ردّدتها بصوت منخفض، وأنسحبت متراجعة عن المكان وأنا أشدّ قبعة رأسي الصوفيّة لوجهي .
عينان كلون الخشب القاتم ، لكني لازلت أتفادى أن أكون مكشوفةً لتفاصيل الوجوه . . !
بينما كنت أمشي هاجت بي أفكاري يمنة ويسرة ، أقنعت نفسي أنه حان الأوان لأبحث عن تفاصيل هوّيتي بأي طريقة كانت ، وأن أنبّش في الماضي ،
الذي حطّ أمامي كأبواب مجهولة موصدة .

فكلّ ما أعرفه الآن هو إسمي الحقيقي ، هل هو حقيقي بالفعل ؟ هذا ما تمت مناداتي به عندما نهضت لأول مرة في غرفة العناية المركزة ،
" كيف أصبحتِ اليوم يا سيروليت ؟ "
" سيروليت ألبِرتونْ ! أقتلي هذا الشخص الخارج عن قانون المشفى ! "
سيِروليتْ ألبِرتون . . ؟ لا أملك الإثباتات الملموسة على أني ولدت بهذا الإسم حقاً ، ولكن مشاعري تتخبّط
حوله كما لو أنه مرتبط بي فعلاً ، إذاً هل ألبِرتون هو إسم والدي ؟ أم أنه لقب العائلة التي وُلِدت مِنها ؟
أم إسم واحد مِن أجدادي ، قد يكون الأول ، أو الثاني أو . . تلك الإحتمالات التي أملكها الآن ،
سأستبعد الإحتمال الثاني بأن يكون لقب عائلة ، أو لنقل الإسم الأخير من ترتيب السلسلة ،
الإحتمال الأكثر ترجيح إما يكون لوالدي أو أحد أجدادي ، وأشعر أن الأول هو الأشد إحساساً لي !
حسنٌ ، لا أريد زيادة التعقيد ، ولأجعل الأمر أقرب للبساطة ، وأعتبر أن ألبِرتونْ
هو إسم والدي الفعليّ ، ولو للوقت الراهن حتى عثوري على معلومات أكثر .
وصلت إلى قرب شارع فرعي فأنعطفت إليه ، صوت السيارات يتداخل الى أفكاري كل مرور دقيقتين
وبعض العامّة يسيرون على رصيف يقع على الجانب الأيسر ، وكانت توجد متاجر صغيرة بدت أنها لسكّان الشعب ،
قلّة منها متوزّعة على كلا الجانبين من بينهم كَشك متواضع .
لأعود بالذاكرة لأول معلومة تخصّني ، ليس الحادثة الأولى ، وقبل إجباري على قتل
الرجل النصف آليّ ! . . أنطوان أعلمني أني أصبت بحادث أدى إلى تلف أجزاء عديدة من جسدي ،
لابد أنه حادث قوي ، ويبدو أنني كنت على مشارف الحياة ، متشبثة ، ولكني كنت أحتضر ،
وذلك ما يفسّر الغيبوبة التي دامت ستة أشهر ، ولكني لست متأكدة بعد من صحّة
التاريخ ، فلازلت أجهل الوقت الذي يسبق الحادث ، والسؤال الأهم هل تعرضت لحادث بالفعل كما أخبروني ؟
أستطيع تأكيد أن جسدي كان تحت علاج مكثّف أثناء مكوثي هناك ، لا أنكر أني كنت مغطّاة بالضمادات البيضاء ، والغريب فيها أنها لم تكن لاجل كسور ، وإنما . .
ثم رفعت راحة كفّي على جزء من معدتي بينما أمشي ، وقطّبت حاجبي
أجزاء إصطناعيّة ملتحمة بطريقةٍ ما مع بقية أجهزتي العضويّة ! أستطيع تناول الطعام دون مشاكل ،
والتنفّس ، رغم أن إدخال الهواء في بداية الأمر كان يمزّقني من الداخل ، وألم حنجرتي الذي بسببه لم أكن قادرة على التكلّم جيّداً في أول الأسابيع ،
الأمر الوحيد الذي استمر معي حتى اعتدت عليه
هو الشعور بحركتي . . ! فكلّما حرّكت قدماي مشياً أو على أقل تقدير حرّكت نصفي الأول من جسدي
فقط ، فسأشعر وكأن ظهري مكوّن من فقرات حديديّة وأن نهايته موصّلة بجزء صلبٍ آخر .
رغم أن مظهري الخارجي يبدو طبيعيّاً كأي بشريّ في الحياة ، فلن يصدّق أحد أن هذه الفتاة
تندَمِج بداخلها قطع دخيلة .
توقفت عن المشي ورفعت رأسي للسماء ثم أخذت نفساً عميقاً ، حادثت نفسي بإطمئنان هذه المرة ،
فأنا الآن أملك الوقت الكامل ، وبالتأكيد يجب أن لا أغفل عن حماية نفسي من أي مراقبة أو شكوك .
كانت الغيوم الرمادية تشرنق الصفاء الأزرق ، والأجواء باردة
. . فتحت عيناي وواصلت سيري

"سيرو . . "

استدرت للوراء وتفحّصت .. ، هل توهّمت السَّمع ؟
لم يكن هناك سوى بضعة أشخاص متناثرين ، موظف يقرأ الجريدة وهو متكئ على كرسي بلاستيكي
أمام مطعم صغير ، وزوجان مسنان يمشيان معاً ، طفل يجر معه جرو صغير
سيارتان تعبران . . ، هناك أصوات ولكنها لا تبدّد الهدوء الطاغي ، تحركت متقدّمة بلا إكتراث

عاد الصوت مخترقاً أذني من الخلف
" ساعديني ! "

انتفض قلبي و أرتجفت حدقتاي ! استدرت للمرة الثانية .. ،
هواء شتويّ يتحرّك في خواء الشارع !
لازال المشهد كماهو ولكن بدا أكثر بُعداً من حيث المسافة التي قطعتها ،
الصوت قد تهاوى فوق سمعي كما لو أنه نشيج إرتطم بصدى !
مرحى ! هل بدأت الهلاوس السمعية تجتاحني ؟
ضربت فوق أذني بخفّة ، راودني صداعٍ بسيط ،
وبعد لحظة تساؤل وخشية ،غشاني وجع خلف عنقي ، أنه ذات الوجع الذي راودني قبل انتصاف الليلة الماضية
كما لو أنه يجعل عنقي مشلولاً عن الحركة و يصاحبه نبض متسارع !
غطيت عنقي بكفي وأنزلت رأسي ، بدأ الصداع يعصف بي ودار حولي المكان
عليّ التحرّك لمكان خاوي ، اسرعت الخطى دون انتباه لما قد أراه أمامي
وصلت لنهاية الشارع لتظهر خطوط المشاة من بعيد وعلى يمينها لاحت لي حديقة من مسافة
وأثناء هرولتي اصطدمت بـجسم صلب !
التفت للوراء لأرى عجوزاً كهلاً قصيراً بعض الشيء ، رأسه أصلع لولا خصل بيضاء قليلة تغطّيه
كان ينظر إليّ ويهتف وعليه إمارات الدهشة والرعب

" العالم يقترب من نهايته ! . . العالم يُدمّر ! . . إنّهم الفضائيون ! الفضائيون قادمون لإبادتنا . .سوف نموت قريباً !! "
وأخذ يردد العبارات دون توقف .. !

حدقيت فيه مشدوهة دون نطق وأنا أراقبه حيث فرّ وكأنّه هارب من مطارد ما يتربّص به .. !
ولم ألحظ سوى عيناه الخائفة التي يتطلع بها للوراء كل حين و حديثه الغريب لا ينقطع .
وقالت سيّدة في منتصف عمرها ، تلبس هداماً رسمياً ، وكانت ترمي فتات الخبز للعصافير على رصيف مجاور ، ضاحكة بتردّد :

" ذلك الرجل الكهل يمضي سنيناً من عمره وهو يردّد هذا الكلام لأي شخص يسكن في المنطقة ، لا تقلقي بشأنه "

ثم ابتسمت بلطافةٍ ناحيتي ،
" يبدو أنها المرة الأولى لكِ هنا ، فلم يسبق أن رأيتكِ في هذه المنطقة "

ابتسمت بإضطراب ، محاولة إخفاء وجع عنقي
" آه أجل ، .. "

ضربت بكفيّها نافضة آثار الفتات ووقفت ،
" أنا أعيش في منطقة سكنية قريبة من هنا "

لم أعرف ماهو الرد المناسب لها ، لقد كان الإحساس بالوجع يزعجني جداً و لم أبدي إشارة إستعدادٍ لبدأ حوارٍ ما .. !

" هكذا إذاً .."

واستدرجت خطاي حتى أنصرفت ! ، وهي بدت أنها لاحظت حركتي السريعة عندما كانت على وشك الحديث .
لاحت الأشجار الخضراء مزيّنة منظر الحديقة ، وصلت قربها فكانت مفتوحة على الشارع و يحيطها أسوار معدنيّة هائلة الإرتفاع .
دخلت من البوابة فلاح العشب الاخضر الذي يتوسد الارض ، كانت تحتوي على ملعب صغير لكرة القدم تعالت منه أصوات أطفال متفاوتي العمر ،
يرتدون معاطف ثخينة ويغطون أعناقهم بأوشحة صوفية وهم يتسابقون في رمي الكرة ، وكانت هناك مقاعد خشبية تتوزع بشكل متناسق
جلست على واحد من المقاعد الفارغة واسندت رأسي عليه ليطرف ناظري الى السماء المتلبدّة
تأوهت وأخرجت أنفاسي كبخار أبيض ، لم يظهر على المقاعد البعيدة أشخاص كثر .. ،
كان النبض المؤلم خلف عنقي يرتفع وينخفض كل حين ، شددت على طرفِ من معطفي
وإنزلقت على جبيني قطرة عرق بالرغم مِن أن شفتاي كانتا ترتجف برداً ،
ولسبب من الاسباب المجهولة كان جسدي بارد بشكل غير طبيعيّ لم يتناسب مع الطقس ، أما عنقي فقد كنت أشعر بسخونته .
وبينما كنت أتأمّل الارض العشبيّة سمعت صوتاً صغيراً وكأنه يهم بالدفاع عن نفسه !
أدرت رأسي مرات عدة فلم يكن في الحديقة صغار سن سوى اللذين يلعبون في الساحة البعيدة قليلاً ،
حتى أيقنت على بعد مسافة مجموعة أطفال بدو في مرحلتهم الابتدائية
يتناوبون في دفع طفلة بِمثل عمرهم ، وبدت الأخير ضعيفة وواهنة ، حتى سقطت على الارض وتعالت الضحكات .

قالت فتاة صغيرة منهم ، وكانت تربط شعرها كأذنا أرنب ،
" أخبرتك أنها لا تحتمل المزاح ! "
قالت أخرى بجوارها ، " إنها لا تستسلم مهما أبرحناها ضرباً "
أجابتها زميلتهم الثالثة التي وقفت وراء الفتاة الملقاة على الأرض
" بكل الأحوال هي لا تشعر بالألم مثلنا ، أنها مجرّد آلة "
ثم ابتسمت بمكر وهي تنظر إلى رفيقتيها وبادلتهما الأخيريتين بذات النظرات .

صاحت واحدة منهم وهي تشير إلى الفتاة التي ضمّت حقيبتها الى صدرها مشيحة النظر للأسفل ،
" آلة بلا ساق ! "
وأنفجر الثلاثة ضحكاً بإستمتاع على الفتاة التي كانت موشكة على البكاء .

" أرجوكم .. توقّفوا "

صوت ضعيف يكاد لا يسمع خرج من الضحيّة ، توقفنَّ الثلاثة عن الضحك وصمتوا جميعاً وهم ينظرون بنوعٍ من الغرابة إليها ثم إلى بعضهم .
وما كان من واحدة منهم ، صاحبة تسريحة أذنا الأرنب ، والتي بدت أشدَّ شرّاً من البقية
أن تقترب منها ليلامس حذائيها الصغيرين ملابس الفتاة التي تدنّت قليلاً مبتعدة ،

" ماذا قلتِ ؟ "

تسمرت جانباً ثم ردّدت بذات الصوت الخافت،
" توقفّوا عن السخرية مني .. أنه يزعجني جداً "

فنظرت الفتاة الى رفيقتها بإشارة ، ثم ابتسمت
" هل تشعرين بالإنزعاج ؟ "

صمتوا للحظات ، وسرعان ما وجهت ركلة إلى منتصف جبهتها ليسقط رأسها على لأرض العشبية متوأهةً

ردّدت الأولى بخٌيَلاء " آلة مثلك لا تستطيع الشعور مثلنا ، فكيف تشعرين بالإنزعاج ؟ لا تحاولي خداعنا أيتها الخردة "
تأوهت مغطية جبينها وهي تحاول القيام ، كانت حقيبتها ملقاة بجانبها ، وبينما هي كذلك
صاحت واحدة من المتنمرات بحماس :

" أنظروا يا فتيات لقد خرجت !! "

وأشارت إلى ساق الفتاة التي ظهرت من تحت زيّها المدرسي الأزرق ، وسرعان ما فزعت الاخيرة وقامت بشد زيها لتغطية ساقها تحت أًصوات سخريتهنّ .

قالت الواقفة أمامها " ماذا تفعلين ؟ لا يمكنك إخفائها أنتِ تتحركين بها في المدرسة دائماً !"
قالت زميلتها بذات اللهجة الساخرة إلى لرفيقتيها " أبي يقول أن الآلات يملكون زر تشغيل لإيقافهم في أي وقت
ثم نظرت بمكر إلى العينان المرتعبتان وأكملت
" ما رأيكن أن نبحث عنه يا فتيات و نعطّله "
ابتسمن البقية واقتربن منها ، إنخطف لونها وصرخت ، ثم نهضت و دفعت واحدة منهم
بقوة و حملت حقيبتها لتسرع بالهروب .. !

سقطت الأخيرة على مؤخرتها وتأوهت ، نظرت بغضب
" كيف تتجرأين .. "

وقبل أن تبتعد أسرعن البقية ليمسكاها من قميصها ويدفعانها للوراء ،
" أيتها المعتوهة الحمقاء ! "

كادت عيناي تخرج من محاجرها عندما سمعت الشتيمة تتحرر من شفتا طفلة لم تبدو أنها قد تجاوزت العاشرة حتّى !
وتناوبن على ضربها ، واحدة تركلها والثانية تجر شعرها ، ولم يكن للضحية سوى أن تغطي وجهها بذراعيها ،وأما من سقطت على الأرض
فقد قامت ونفضت ملابسها ونظرت إليهن ثم أخرجت هاتف ذكي زجاجيّ و رفعته أمام المشاجرة .

ابتسمت بحماس
" أبحثوا عن زرها يا فتيات حتى نثبت لبقية المدرسة أنها مجرّد آلة تحاول خداعنا طوال الوقت وتقوم بالتمثيل على أنها فتاة مثلنا ! "

توقفن عن ضربها لتمسك واحدة ذراعيها وتشبكهما عن الحركة ، أما الثانية أمسكت قميصها تحاول فتحه تحت صرخاتها الهستيرية !
" توقفوا .. أرجوكم ، توقفو.. !ا "

وقفت من على المقعد بعينان مشدوهتان ! وأسرعت الخطى ، وبينما كنت أهرول ظهر
أمامي جهاز أبيض ذو رأس مربع بدى كما لو أنه يمسح العشب !

" البيئة النظيفة ، لنسعى إلى بيئة نظيفة ! لننظف بيئتنا من القذارة !"

تراجعت للوراء و كانت الآلة تتقدم ناحيتي .. ، حتى توقفت أمامي وتوقفت بدوري .
ثبتت الآلة عن حركة كما لو أنها تنظر لي ، أو كما لو أنها مفرغة من الطاقة ! ثم سرعان ما استدارت جانباً وتحركت ،
" البيئة النظيفة ، لنسعى إلى بيئة نظيفة ! ...."


تقرّب عدسة الكاميرا بسحب أناملها على الشاشة ، وتضحك بصوتٍ منخفض ،وفي بغتة تسحب يدي الهاتف عالياً من بين أصابعها!
ألغَيتُ تشغيل عملية التصوير .

رفعت رأسها بإندهاش تبحث عن المصدر الذي خطف منها هاتفها لتتلاقى عيناها مع طليعة وجهي المتجمدة ، قطبّت حاجبيها بعصبية !
خرج صوتي بارداً " هذه التصرفات لا تناسب وجهك الطفوليّ البريء "
وتوقفتا الفتاتان عن مواصلة فعلتهما ، ورفعا أعينهما حيث وقفت كعمارة شاهقة الطول مقابل زميلتهما التي تحدّق إليّ بغضب لا يناسب عمرها .
في حين كانت الدموع متوقفة في مقلتي الضحيّة التي كانت تتأوّه و قميصها المدرسي يكاد يكون مفتوحا للمنتصف بينما تنظر بدهشة وخوف ناحيتنا .

رفعت صاحبة الهاتف يدها محاولةً أن تلتقطه ،
" أعيديه لي !"
ولكني رفعته للأعلى ببساطة أمام نظراتها .

انتقلت بالرؤية بينهنّ ،
" كيف لأطفال مثلكم أن يتمادوا إلى هذا الحد ؟ "

نظروا ناحيتي دون نطق ، بل كانو ينظرون بنوعٍ من الدهشة وكأنهم يتسائلون كيف تتدخّل بيننا ؟
وكأنها المرة الأولى التي يوقف فيها شخص بالغ مجموعة أطفال ،
أطلقت الفتاة صوتاً حانقاً.
ارتخت يد الثانية التي أمسكت بالملقاة لتفلت الأخيرة ذراعها بسرعة وتمسك بحقيبتها محتضنة إياها ، تراجعت للخلف .. ،
في حين اعتدلت الفتاتان بوقوفهما واقتربن من زميلتهما التي تنظر ناحيتي بغضب ، ..

" هاه ما بال هذه النظرات ؟ هل تودين ركلي ايضاً ؟ "

رددتها وأنا أنظر في عيونها المحتدّة ، ورغم أنها لم تتكلم إلّأ أن ملامحها كانت كفيلة أن تكشف مدى
الكراهية و الانزعاج ناحيتي ، لأني تحدثت ؟ أم على اقتطاع تسليتهم ؟
بدوا لي من قطيع اللذين ينتسبون لطبقة تكون التربية فيها بإعطائهم كل ما يرغبون به دون رقابة أو تنبيه .
ولكن الذي فاجئني هو تغيّر طليعتها من الإنزعاج الشديد إلى ابتسامة لطيفة واسعة
لينكشف صوت طفولي صغير أثار غرابتي !

" أنها صديقة لنا في المدرسة ونحن نلعب معاً كل يوم هكذا ! "

ثم استدارت و أبدت من رأتها خوفُ أكبر عندما شاهدتها ،
قالت " إليس كذلك ؟ ولكن يبدو أننا تمادينا قليلاً هذه المرة ، لأنكِ لا تبكين عادةً "

ثم دارت ناحيتي وأكملت بذات اللطافة " هلا أعدتِ هاتفي رجاءً "

تأمّلتها مطوّلاً ، إلى تغيرها المباغت ، هل هذه الطفلة تحتفظ بعدّة وجوه ؟
لم تبدُ بملامح طفلة بتاتاً قبل أن آتي لإيقافهن ،
بعدها لم أبدي ردة فعل ولم أنطق بشيء ، سوى أني نظرت ببرود وأنزلت يدي للأسفل
لتلتقط هاتفها من بين أصابعي وترمق زميلتها الملقاة وهي تتبسّم ،

" أراك غداً في المدرسة ! "
و غادرن ثلاثتهن متخطين موقع وقوفي بصمت ، وخرجن من الحديقة .

اقتربت إليها حيث كانت على الارض والدموع متوقفة في عيناها ، كانت مشيحة النظر .

" أأنتِ بخير ؟ "

وانحيت إليها ثم مددت يدي لكنها تراجعت بخوف دافعة رأسها إلى الوراء في خشية كما لو أني سأقوم بمهاجتمها .
نطقت أطمئنها
" لا تقلقي ، لن أؤذيك إطلاقاً "
فنظرت لي بتردد وأنا بدوري ربتُّ على شعرها الأشقر .

" شكراً .... "
جاء صوتها خافتاً كالهمس .
لاحت على شفتي بسمة ضئيلة ، في حين كانت متمسكة بحقيبتها الحمراء التي رٌسمت على جهتها الامامية دب بنّي ظريف ،
بدت لي أنها تحاول تغطية ردائها المدرسي ،

" لم يفعلن بكِ هذا ؟"
سألتها بهدوء مستفسرة ، لكنها بقيت صامتة دون إجابة.
نفضت ملابسها وساعدتها على الوقوف ، بدت عيناها تنظر طول الوقت بحزن ، كانت تنكس برأسها
وكأنها مذنبة بأمر وغير مذنبة به في آن واحد .
لم أنطق بالكثير سوى أني رغبت بالتخفيف عنها .. ،

" ما رأيك بتناول الحلوى ؟ "

رفعت عيونها الدائريّة بتعجّب ، لكن ملامحي كانت خاوية مِن التعابير ، وقبعتي القطنية تنزل الظلال على
وجهي .







دخلنا مقهى صغير يطلّ على الشارع القريب ، تصميمه متناسق هادئ ،مع مجموعة طاولات دائرية موزّعة ،
كانت تنتشر فيه رائحة الخبز الشهيّ الذي امتزج برائحة القهوة .

أقتربت من الزجاج الذي حَوى خلفه مجموعة ملوّنه من الحلويات وقطع الكعك .
رحب بنا النادل !

قلت لها ،
" إختاري ما تشائين "

أخذت تحدق في الحلوى تحت نظرات النادل الذي أوحى ببسمة لطيفة لها ،
ثم وضعت سبابتها على الزجاج مشيرةً ،
" هذه .."

أَشَرتُ للنادل ، ..
" قطعة واحدة من فضلك "

ثم أخرجت البطاقة من جيب معطفي هامةً بالدفع .. ،
قرقَع بطني وأنا أمد يدي ، وأنبلج صوته ، فنظرت بغرابة إلى الأسفل في حين سمعت ضحكات الطفلة والنادل عليّ .
جلسنا على طاولة من الطاولات ، حدقت في منظر الشارع خارجاً بينما كانت تغرس المعلقة التي تناسب حجمها مع حجم يدها الصغيرة ،
رفعت قضمة مزينة بقطعة فراولة وهمّت بتناولها .
بَقِي طبقي ثابتاً أمامي ، كانت قطعة الكعك خاصتي مبتور منها جزء صغير .. ،
شردت قليلاً الى حركة السيارات ، كان المكان دافئ مما جعل البرودة القاسية في جسدي تتلاشى ، فشعرت بشيءٍ مِن الإسترخاء.
كانت الموسيقى الكلاسيكية تنبثق في الأرجاء .. ! ذات نغمات رتيبة ومنخفضة
مع همسات بعيدة لشخصين يتحدثان في طاولة مجاورة للنافذة ،
وشاب بدى طالب جامعيّ ينقر على أزرار لوح حاسوبه المحمول وحقيبة سوداء مستلقية بجوار قدمه .

" أنتِ لطيفة معي .. "

أعادني صوتها الطفوليّ من رحلة شرودي ! ولكن هذه المرة كان أكثر وضوح ، مما جعلني ألتفت إليها
بشعورِ مِن الغرابة على عبارتها ،وهي كانت تتطلّع فيني ببراءة .
أشحت النظر جانباً ،ثم أعدت النظر إليها ، قلت بصوت بارد :
" لأن الاطفال يجب أن يعاملوا بكل لطف "

قالت،
" أنتِ تشبهين معلمة الفصل "

نظرت لها بتساؤل.
أكملت " هي تتصرف معي بلطافة عندما يشتمني الفتية والفتيات "
فسألتها ،
" هل ذلك بسبب أنكِ هادئة أكثر منهم ؟ "

نظرت لي دون ان تجيب ثم رفعت تنورتها الطويلة عن جزء من ساقها، مجيبةً

" لأني أملك ساق أصطناعية "

شعرت بدهشة ثم نظرت الى المكان الذي بقيت تنظر إليه ،
لأرى جلد قريب من لون بشرتها ، ولكنه بدا أقرب لطبقة غير حقيقيّة ، وفي نهايتها حيث
موقع المفصل الذي يربط القدم ظهر جزء يشبه عظم المفصل ولكنه إصطناعيّ ،و مغطّى بزجاج بلون أزرق ،حول حوافه خطوط معدنيّة فضيّة ورفيعة .
ما أن تأملت فيها قليلاً حتى عادت لذاكرتي مشاهد من القلعة ، وتذكرت قانطيها اللذي كانوا يتحركون بأطرافٍ مختلفة التركيب .

قالت وهي تغرس الملعقة في الكعكة ،
" أمي وأبي قالا أن ساقي تحطّمت في حادث "

" وهل تذكرين الحادث "

هزت رأسها نافية
" لا أتذكره "
ثم أكملت " لكني أتذكر قليلاً ، أني كنت مستلقية على سريري ، ولم أكن أشعر بساقي الأخرى "
نظرت إلى رمشيها المنسدلين ، أحسست بالأسى ، كيف لطفلة أن تتعرض لهذا الأمر ؟
وبعد صمت مطبق مع وقع المعزوفة الهادئة نطقت بصوت خاوي من الحسّ ،
" لذلك السبب يدعونك بالآلة ؟ "
هزت رأسها بإيجاب و ظهر حاجباها متقوسان بحزن .

" وماذا تفعل معلمة فصلك عندما يطلقون عليكِ الشتائم ؟ "
" لا شيء "

تعجبّت " كيف ؟ "

أجابت بعد ان قضمت قطعة من الكعك
" أنهم من الطبقة A ، لا يتعرضون للتوبيخ "
سألتها بغرابة " A ؟ "
" أجل ، أغنى العوائل في البلاد "

سقط ذهني في بحر التساؤلات ، هل هذا المجتمع مقسّم الى طبقات ؟
هل عاد الزمن الى العصور الوسطى ، حيث ظاهرة الطبقية التي أهلكت حياة العامة من البشر .. ؟!

" اذاً ماذا عن البقية ؟ إن لم يكونوا من تلك الطبقة ، هل يتعرضون للتوبيخ ؟ "
" أحياناً ، ولكنهم يعاودون فعل ذات الأمور "
" أية أمور ؟ "
" سحبي إلى الفناء الخلفي "

صمت دون نطق ... ، في حين واصلت هي الأكل بهدوء ،
شعرت بالغضب والانزعاج ، ولكن لم أبده على تقاسيم وجهي
ثم قلت إليها " هل ساقك الاصطناعية صلبة ؟ "
رفعت عيونها بتساؤل ، فأوضحت ،
" أعني هل هي تستطيع تحطيم الأشياء ، لو ركلتها مثلاً أو دستي فوق شيء ما؟ "
" أحياناً عندما أكون يائسة وحزينة ، أقوم بتحطيم الحجارة والحصى الصغيرة دون علم أحد"

ابتسمت لها
" جيد "
ثم أردفت
" في المرة القادمة ، عندما يقوم أحد بمضايقتك ، .. أركليه ."
وانهيت عبارتي ببساطة وهي بدت وكأنها تتساءل في سرّها عن معنى كلماتي .
ثم بدأت بالضحك !
" أحببت ذلك "
استندت على ظهر المقعد و رفعت كوب الماء لأرتشف قليلاً
قالت،
" شكراً لكِ يا آنسة ... آنسة ... آه .."
" كآي "
قالت " آنسة كاي "
ثم ابتسمت " أنا إيميليآ "
أشحت بنظري عنها وعدت لجولة التأمّل في منظر الشارع خارجاً ،
في حين أنزلت رأسها تكمل تناول الكعك . الموسيقى ذات سيمفونية باردة .






ألقت 15 جثتين مغطاتين بأكياس سوداء على الأرض الرخامية .
كان إيِزو يحدق فيهما بصمت ،وهو واقف على مقربة بجانب أجهزة متفاوتة الحجم
انكشف صوته بعد مدة :
" لم يبقى الكثير منهم ، قومي بقتل البقية وأحضري زعيمهم "
فرفعت فرنييتا عيناها البركانية ، ..

" كنت أتساءل ما سر إهتمامك بزعيمهم .. "

وضع إيزو كفه بجيب معطفه الابيض وقال بلكنة خاوية مِن الإنسانيّة وهو ينظر للجثتين ،

" سأقوم بتحسينه "

نظرت له بدهشة وتعجّب ،
" تحسينه ؟ "
قال ،
" أنه عملاق ولكن بلا عقل ، سيكون التحكم به سهلاً ، وسيكون مفيداً من ناحية الأعمال الجسدية "
نظرت إلى طبيبها بلا تعابير ، رغم أنها من الداخل تسائلت أكثر من مرة عن ما إن كان يخبّئ أسباب أخرى
فهو لا يقبل بالتحسينات لفترة إلّا ويقوم بتدميرها بعد وقت قصير .

قالت " إذاً ماذا تريد مني أن أفعل ؟"

إنحنى للأرض وفتح إحدى الأكياس السوداء ثم سحب الذي بداخلها
ليظهر وجه ذو عينان غاص فيهما البياض ، مفتوحتان بالكامل
وفاهه متصلب بهيئة صرخة لم تتمكن من الخروج .

قال وهو يضع كفه ذات القفاز الأبيض على جبهة المقتول ،
" أقتلي بقية العصابة و أحضريه حيّاً "





توقفنا عند باب منزل أنيق توزعت على جانبيه شجيرات خضراء نضِرة .
سحبتني من يدي ،
" أدخلي معي آنسة كاي"

أجبتها دون رغبة " لدي أعمال كثيرة ، دعيه لوقت لآخر ، أتفقنا ؟ "
فتأمّلتني في خيبة وحزن .

فُتِحَ باب المنزل لتظهر سيدة بهيّة بدت في بداية عقدها الثالث ،
ترتدي فستان ضيّق يغطيّ ركبتيها وتلف عقداً من اللؤلؤ حول عنقها ، وترفع شعرها الأشقر للأعلى .
هتفت إيميليآ ما أن رأتها وأفلتت كفي لتركض ناحية أحضانها ..،

استقبلتها السيدة بلهفة وقلق ،
" إيمي .. أين كنتِ حتى هذه الساعة ؟ اتصلت بالسائق وأخبرني أنه لم يراكِ تخرجين ! "
أجابت بعدما نظرت لي مشيرةً ،
" كنت مع الآنسة كاي ! "
رفعت السيدة عيناها بغرابة ثم نظرت لي ،ارتبكت بعض الشيء وألقيت التحية وأنا أنزل قبعتي فوق عيناي
" انها بخير لا تقلقي "
قالت إيميليآ للسيدة التي بدت أنها بلا شك والدتها ،
" هي من أوصلتني للمنزل واشترت لي الكعك أيضاً ! "
نظرت الام بشيء من الشك والخشية إليّ ثم وجهت ذلك الشكّ إلى ابنتها ،
" وما الذي اوصلكِ إليها ؟ لما لم تعودي مع السائق ؟ "
لم تجب الفتاة وسرعان ما تغيرت طليعة الام الى الغضب وأمسكت كتفاها
" هل ضايقك أحد مجدداً ؟ "
صاحت مبررة بسرعة ،
" لا على الاطلاق ! أنا فقط خرجت للحديقة المجاورة للمدرسة والتقيت بها هناك ، آسفة "
" أخبريني الحقيقة يا إيميليآ "
أجابت بعناد " أنها الحقيقة ، لقد شعرت فقط بألم في ساقي وكانت تزعجني "
نظرت إلى ساق ابنتها بتفكير،
" مرة اخرى ؟ .. سأخبر والدك ليتفحصها لاحقاً "
كنت قدت أوشكت على الانصراف كشبح غير مرئي ، فلا أظن أن مكوثي واقفة
سيجلب لي فائدة ، علي التركيز بما لدي الآن أكثر من الإنخراط بين الناس
لكن صوتها أستوقفني .. !

" لحظة من فضلك !"

نظرت مستفسرة ، فقالت بطيبة،
" أن الناس خارجاً مصدر للخطر ، وقلّما نجد شخصاً أميناً في هذه الأعوام، هلا قبلتِ استضافتي رداً على جميلك مع ابنتي ؟ "
أجبت مقاطعة بإستنكار
" لم يكن شيئاً يذكر "
ثم أكملت بابتسامة سريعة لأتفادى الموقف
" أعتذر ولكني لا استطيع ذلك "
و هممت بتحريك قدماي

هذه المرة جاء صوتها برجاء ،
" من فضلك ، لوقت قصير فحسب ، لا أرغب أن تنصرفي بهذا الشكل دون ضيافة لائقة "

شعرت بقلة حيلة ، لا أحب التبرير كثيراً للغير ولا أحب وضع نفسي في وضع لا أرتاح له كليّاً !
فلم تكن فكرة دخولي منزل ، هو أول منزل سأدخله في حياتي أمر يحط إهتمامي بقدر ما كان
غير مطئمن لي أو بمعنى أدق غير مريح ، وشعرت بأنني في موقف غريب جداً .. ،
أمام إلحاح سيّدة أكبر مني ، وظهرت عليها البشاشة رغم رفضي عدة مرات ،
مما جعلني محرجة من نفسي بعض الشيء ، لم يكن أمامي سوى الموافقة على مضضْ ، وكانت إيميليآ تقفز فرحاً .

،،

خلال لحظات جلوسي الأولى لم أكن متوترة بحجم ما كنت مشدوهة بالنظر إلى تفاصيل
الديكور ، وضعت السيّدة كوب الشاي أمامي ، تطاير منه البخار مع رائحة زكيّة .
إنها المرة الأولى التي أرى فيها شاي منزليّ تم إعداده فوراً !
حثتني على شربه وطلعيتها مشرقة ،
فرفعت الكوب الذي تيّزن بإيطار ذهبي وحدقت في تفاصيله من الداخل، حيث ظهرت وريقات خضراء
تسبح ببطء على صفحته الساخنة.
ارتشفت قليلاً لتمر قشعريرة صغيرة في وجهي وعنقي ، ما أزكى مذاقه !

كانت قبعتي الصوفية لا تزال تجثي الظلال على عيناي ، تحدث السيّدة إليّ ،

" إنها تتعرض للمضايقات ، رغم ذلك لا تقوم بإخبارنا عن أي موقف تتعرّض له في المدرسة ، لولا سؤالي مشرفة الفصل هناك "
نظرت إليها للحظات وهززت رأسي بإيجاب .

شبكت كلتا يديها مردفةً :
" لذلك السبب أقلق عليها طوال الوقت ، أنا أعلم كيف تبلي هناك مع بقية الأطفال. "
حتى تأوّهت وكأنها تتحدث إلى نفسها بإنزعاج وعدم تصديق،
" والأطفال في هذه الأعوام لا تستطيع تمييزهم عن البالغين ، لما تحتويه ألسنتهم من ألفاظ ! "
تذكّرت موقف التنمّر الذي تعرّضت له إبنتها ، ووجوه الفتيات الصغار التي لم تكن تحمل سيماه الطفولة فيها .

قالت : "هي تكذب بخصوص حظيها بصداقات هناك ، هي تواصل إخباري أنها بخير ، بالطبع لاحظتِ ذلك الشيء ، أليس كذلك ؟ "
فقلت : " بسبب ساقها الإصطناعية .."
أٌحيلت عيناها إلى الحزن وسألت " هل أخبرتكِ كيف ؟"

" أنها تعرّضت لحادث لا تتذكّره "
" ذلك صحيح ، كانت قبلها بثلاث سنوات قد تعلّمت المشي على قدميها ، حتى حدث ذلك ... لقد كان ... مأساوي جداً ،
وبعدها شدد الأطباء على بتر ساقها لأن العظام تحطّمت بالكامل والأعصاب تضررت بعنف .. وبعد ذلك .. "

طأطأت برأسها وأشاحت النظر لزاوية أخرى متظاهرة بإرتشاف الشاي وهي تخفي شيء ما كان على وشك النزول من عينيها .
حدّقت بالكوب وقلت : " هي هادئة جداً .. "
" هذا صحيح " ، أجابت على الفور .

ألتقطتُّ أثناء حديثي الإنتباه لعنق السيدة الذي كان مزيّن بعقد اللؤلؤ ، لقد برز خط رفيع يمتد بطريق عرضيّ خلف عنقها ،
وبدى الخط كما لو أنه أثر خياط جراحي! فشكّكت بأن الحادث كان مع وجودها ، وقد يكون الأب معهم أيضاً، هل البديهي قول حادث إصطدام عائليّ ؟
لم أسأل تلك الأثناء الكثير ولم أتحدث سوى بضع كلمات ، وإكتفيت بإشارات إيجاب بينما استمع لحديثها.
نزلت إيميليآ من سلّم وظهرت أمامي فجأة بعد أن هرولت بمرح ناحيتنا .. ،
ظننت أنها قادمة ناحيتي لكنها سرعان ما أختبئت خلف والدتها .. ، أبديت العجب في نفسي على خجلها في حين تذكّرت حديثها عندما كنا في المقهى .
ضحكت السيّدة برقة وقالت " هل أمضيت وقت ممتع مع الآنسة كاي ؟"
هزت رأسها بإيجاب وكانت وجنتاها كتفاحتين ناضجتين .

" ما رأيك أن تصعدي للأعلى مع الآنسة كآي ، ريثما أحضّر العشاء "

وثبت من مكاني بسرعة ما أن سمت عبارتها ! ، مما جعلني محط الأنظار المُندَهِشة .. !

قلتُ على عَجلة ،
" يجب أن أنصرف الآن ، شكراً على الشاي ! "

نظرت لي حيث كنت واقفة بمحاذاة الطاولة ،
" ولكن لم يبقى شيء على الغروب ، ليس لطفاً أن تغادي هكذا ! "
" يكفي إستقبالك لي .. ، لكني حقاً لا استطيع ... !"
شدّت إيميليا رداء والدتها وهي تحدّق إليها برجاء وإستياء .
قالت السيّد بإستسلام وهي تمسح شعر إبنتها
" ما باليد حيلة يا إيمي ، لا يمكننا إجبار الضيفة على المكوث "

عقدت الصغيرة حاجبيها الخفيفان وابتعدت من على هندام والدتها لأتفاجئ بإحتضانها لي ! أحاطت ذراعيها بجذعي .. ،
نظرت إليها بتعجّب ورفعت يداي للأعلى كإشارة للتفاجئ .. ! شارفت على الحديث فقالت وهي تتمسك بي بشدّة ،
" أرجوكِ آنسة كاي ، أبقي معي ! "
نظرت لوالدتها حيث الأخيرة أكتفت بهز كتفيها وإهدائي إبتسامة مستسلمة .






[ الرابع عشر منِ أبريل ، 2018 ]


" أما زالت الكوابيس تراودك .. ؟ "

هل كنتُ أملك عينان في ذلك الوقت ؟ ، لَم أشأ أن أنظر ، أخشى أن أغرق بشرود لا ينتهي عندما أتعرّف على وجوههم
لكنّه معالج إختصاصيّ ! وصوته جاء كترتيلة بعيدة عن فوضى أصوات الغير،

تحرّكت شفاهي ببطء.. ،
" أيّة كوابيس ؟ "
" عن محاولات قتلك لأشخاص لا تعرفيهم .. "

رفعت رأسي وظهرت أحداقي ناعسة ، صمتُّ دون رد .. ، حتّى قال بجدّية للمرة الثالثة ، بغية أن يحصل على الإجابة التي يبذل ما بوسعه لسماعها .
" لما إنفعلتِ بتلك الطريقة ؟ .. ماذا لو أُصيبت بضرر وخيم ، ألا تعلمين أنّك ستؤذين القريبين منك ، منهم السيّدة جولييت ؟ "
شدّدت على قبضتي في دفاعٍ مضطّرب ،
" لكني لم أحتمل قولها ذاك .. ! "
" أي قول ؟ "
" تلك العبارة .. "
إقترب المعالج ناحيتي ، يحثّني على الإكمال بعيناه ،
" أية عبارة يا سيروليت ؟ .. أخبريني "

أشار لي على الإكمال دون أن أقلق ،
أغرُورِقت عيناي ،

" أنا لا أريد أن أؤذيهم حقاً ! ، لكنّهم لا يتركوني أعيش .. مثلهم ! كلّما عرفوا عن ذلك الأمر ! .. ذلك الأمر .. "
ونظرت للأسفل ، وتحاشيت النظر ، مرّة أخرى .







[ الخامس مِن سبتمبر ، 2017 ]

يركض تحت غيث السماء !
يحمل صندوقاً تحت معطفه ، واصل الهرولة وهو يخبِّئه بحرص وخشية .. !، ظهرت بطاقة فضيّة ضئيلة تعلّقت على قماش قميصه ،
حروف سوداء متقطّعة ، .. إلبِرتون هيِلواز ! يرتدي طاقية البرد فوق رأسه ، حتى وصل إلى زقاق ضيّق .
أسرع أشخاص لا تظهر منهم معالم ، وقف أحدهم يلتفت ، ثم أشار إلى الآخرين بالمواصلة .. !
عثروا عليه في الزقاق .. ،
ثمَّ تعالى الطلّق الناري مع سيمفونية المطر .






[ 2022 ]

رفع أنطوان شاشة زجاجيّة رفيعة ومسح بسبابته على طولها ، لتنفتح الشاشة وتعرض أرقام ورسم بياني
وصورة ثلاثية الأبعاد لدماغ بشريّ ،في نهاية جذعه توصّلت به أسلاك ملوّنة رفيعة واتصّلت بجهاز صغير .
لقد أظهرت الإشارات أن الأرقام الحاليّة ، مستقرّة .
ولكن الخلايا العصبية المرتبطة بالذكريات ، أحدثت تغييرات ما .



أدخلتني إيميليا غرفتها ، كانت تمسك كفّي وتقدّمني إلى عائلة الدمى ، نظرت إلى ما حولي ، كان كل شيء ملوّن بالزهريّ و تدرجاته ،
وكان هناك إيطار على أحد الأرفف ، ظهرت فيه صورة لثلاثة أشخاص .. ،
تمعّنت فيها ، لقد كانت تحتوي على إبتسامات ، .. إنها عائلة صغيرة يحيطها الدفء .
جلست مقابلي ، ولكن ذلك الإشراق إنزاح من ملامحها في غمضَة ، لقد كانت عيونها خاوية مِن عنفوان الحياة الزهرية!
و بدّت مثل دمية مِن الدمى المتناثرة في زوايا غرفتها .. !

قلت لها بلكنة مبهمة
" ماذا لو أخفتوا ، ما الذي ستفعلينه ؟ "

" كآي .. ، أنا من أريد الإختفاء "

،،



أعدني للحياة الماضية . . ،



،،


... TO BE CONTINUED














__________________








THINKING IN OWN SPACE BETWEEN PIECES FROM ME
[ LOST BETWEEN MIRAGE AND REALITY ]



BLOG#NOTE#ART#NOVEL#


التعديل الأخير تم بواسطة Aŋg¡ŋąŀ ; 07-11-2019 الساعة 11:37 PM
رد مع اقتباس