أنكس رأسه للأسفل و قال: بعد أن تم القبض على كارولينا، ذهبت حيث الكنيسة التي قضيت فيها طفولتي لزيارة خالتي التي ربتني، عندما ذهبت لم ارى خالتي أو كبير الكنيسة آنذاك، أو بتعبير آخر لم ارى أي أحد، حيث كان المكان فارغ تماماً، جلست أنتظر إلى أن أتت راهبة كنت أعرفها في السابق، عندما سألتها أين الجميع؟ أخبرتني بأنهم قد قتلوا جميعهم و بطريقة وحشية ،سألتها عن القاتل، فأجابت بأنها لا تعلم، سألتها سؤال آخر و هو لماذا بأنها هي الوحيدة التي ظلت من بين الجميع؟ قالت بأنها لم تكن موجودة عند وقوع الحادث، حيث جائت في اليوم التالي لترى مجزرة و كأن وحش قد مر بالمكان على حسب وصفها .
فقال له لوي بهدوء: دعني أخمن، أنت تقول بأن مايكل هو قاتل من في الكنيسة، صحيح ؟
هز رأسه موافقاً، ثم أكمل كلامه: بعد أن خرجت من السجن بفضل كارل، وضعت توقعات للأماكن من المحتمل أن يكون فيها، و بالفعل كان في أحد العمارات المهجورة البعيدة عن المدينة قليلاً، لكن عندما ذهبت في هذه الليلة لكي أقتله، رأيت ..
لم يكمل جملته، بل وضع يده على فمه و كأنه يحبس شئ في داخل فمه، فقال لي لوي: أحضري سلة المهملات.
ذهبت لكي أحضرها و ناولتها لهانتر الذي قد تقيأ فيها بمجرد أن ناولتها إياه، فناولته منديلاً لكي يمسح فمه ،وضع سلة المهملات على الارض فأخذت الكيس و ربطته ثم وضعته خارج الشقة و رجعت لهما، حيث كان هانتر واضعاً يده على رأسه و هو يتنفس بعمق ..
جلست حيث أغشى هدوء اعمى المكان، إلى أن تكلم هانتر قائلاً: آسف، لم أستطع منع نفسي فحسب .
ثم أردف: لكن منذ أن ذهبت حيث مكان مايكل، و رأيت ما في المكان، عدت أدراجي و أنا هنا عندكم فوراً.
فقلت متمتمة لنفسي: لم أفهم ،ماذا رأى هناك؟
في اليوم التالي، الساعة 4:00 عصراً
إنتهت تلك الليلة بنوم هانتر بحجة انه يحتاج للراحة، لكن هناك شئ غريب في الموضوع، منذ أن إستيقظت في الصباح كان لوي يتكلم مع هانتر بشكل مستمر، عندما أذهب لهما يبعدني لوي من المكان بطلب ما أو تغيير الموضوع، و كأنه لا يريدني أن أعلم، بجانب انني لا أزال تحت تأثير وفاة والدي لذا لم أصر على معرفة الموضوع، بل خرجت من الصورة بهدوء، بهدوء و بدون أن يعلم لوي ..!
ذهبت لغرفة النوم و أغلقت الباب، أخرجت هاتفي و إتصلت لليليان، أخبرتها بأن تأتي هنا حيث أنا، لذا بعد مدة الطريق ذهبت للباب حيث سمعت صوت الجرس، فتحته للأرى ليليان بالفعل، فأمسكت يدها و سحبتها إلى غرفة النوم، إلى أن إستوقفني لوي و هو يسألني: من هناك؟
فأجبته: إنها ليليان، لقد إتصلت بها للأنني كنت أشعر بالملل فحسب.
بعدها واصلت طريقي لغرفة النوم، فدخلت معها و أغلقت الباب، فقالت لي ليليان بإستغراب: لماذا أنت مندفعة هكذا؟
بعد سؤالها هذا، شرحت لها كل ما حدث ليلة البارحة، فقالت لي بعد أن أنهيت كلامي:أعتقد أنني فهمت الوضع، لكن لماذا إتصلتي بي؟
فقلت لها: أليس هذا واضحاً؟ منذ الصباح و لوي يتحدث مع هانتر في شئ لا يريدني أن أعرفه، أعتقد بأنهما يخططان الذهاب هذه الليلة حيث مايكل، لذا إسمعي ما أريدك أن تفعليه .
بعد أن خيم الظلام على سمائنا، فتحت عيني بعد أن تظاهرت بأنني نائمة أمام لوي، عندها قد سمعت صوت إغلاق الباب كما توقعت مما يدل على انهما قد خرجوا، فترجلت من على السرير و خرجت من غرفة النوم بعد أن غيرت ملابس النوم، تأكدت بأنهما فعلاً قد خرجا ثم خرجت من الشقة أنا الاخرى، ثم إتصلت لليليان التي كانت تنتظر إتصالي عند أحد المقاهي المجاورة..
خرجت من العمارة للأرى ليليان تنتظرني قرب دراجتها النارية، فقالت لي و هي تشير بإصبعها على جهة الشارع و هي تقول: لقد ذهبا من هذا الاتجاه على دراجة نارية.
فركبت ورائها بعد أن وضعت الخوذة على رأسي ،لففت ذراعي حول محيط بطنها، فشغلت الدراجة و إنطلقت في نفس الاتجاه الذي ذهبا فيه، و بالفعل لحقنا بهما، لكننا كنا خلف سيارة معينة لكي لا يلحظا وجودنا، فقالت لي ليليان عندها: لا أعتقد بأن لوي لم يلاحظ وجودنا.
فقلت لها: حسناً، أنا أعتقد هذا كذلك.
ظلت صامتة لفترة من الزمن، ثم قالت مغيرة الموضوع: مع أنك تملكين شخصية هادئة خجولة إلا أنك تملكين جانب فضولي.
أطلقت ضحكة خفيفة، و قلت لها: و أنت، مع انك تملكين شخصية رجولية إلا أنك تملكين جانب لطيف ايضاً.
بعد أن أنهيت جملتي أطلقت صوتاً يدل على الدهشة و كأن لسانها قد إنعقد أو ماشابه، فإلتزمت الصمت لفترة طويلة من الزمن، ثم سألتني مغيرة الموضوع: بالمناسبة، أين مكان ذلك المدعو مايكل؟
فأجبتها: لقد قال هانتر بأنه في أحد العمارات المهجورة البعيدة عن المدينة قليلاً.
بعد سؤالها هذا لم نتكلم ابداً، بل ظلت ليليان تتبع لوي و هانتر عن بعد، إلى أن خرجنا خارج حدود المدينة تقريباً، المكان كان مظلماً بشكل مخيف، فأنوار الطريق كانت لا تعمل جميعها و الشارع شبه خالي من السيارات و الناس، على كل! ظللنا نتبعهم إلى أن توقفا اخيراً عند مكان معين وسط الظلام، حيث أوقفا الدراجة النارية هناك، فتوقفت ليليان هي الاخرى و أوقفت دراجتها في مكان بعيد عنهما .
ظللنا نراقبهما عن بعد، إلى أن بدأى السير على أقدامهما، فبدأنا السير نحن ايضاً، إلى أن توقف لوي فجأة، بينما هانتر واصل سيره لكنه توقف هو الآخر عندما رأى لوي متوقفاً ،فإستدار لوي خلفه ليرانا أنا و ليليان و هو يبتسم، فتنهدت ليليان و قالت: أعتقد بأن لا داعي لكي نمشي خلفهما بعد الآن.
توجهنا لهما ،فقال هانتر للوي و هو يعاتبه: هل كنت تعلم بأنهما سوف يتعقبانا؟
فأجابه: نعم، لكنني أعلم بأن فضول كاثرين لا حدود له لذا مثلت بأنني لا أعلم.
فقلت له مغمغمة: صحيح بأن لدي فضول لمعرفة ما يحدث، لكنني في نفس الوقت قلقة عليكما.
تنهد هانتر عندها بضجر، فنظر لي بنظرة غاضبة لم أعهدها منه، نظرة غريبة لم أراها على وجه من قبل، و قال: أنا من يجب عليه قول-
قاطعته ليليان عندما ضربته على ظهره ثم قالت: ماهذا الذي تقوله؟ يجب أن تكون ممتناً للأنك لست وحيداً، أحمق.
ثم قلت له: أعلم بأنني لست قوية أو ذكية مثلكم أنتم الثلاثة، لكن لا يجب أن تضع كل شئ على عاتقك وحدك، فمعك أشخاص حولك .
إبتسم لوي من طرف فمه ثم قال لهانتر: سمعت ما قالت .
ظل ينظر لوجه كل واحد منا على حده، لكن سرعان ما مدد ذراعيه للأعلى و قال بعد أن أخذ يواصل مسيره :افعلوا ما تشاؤون ..!
على كل !بعد دقائق معدودة من المشي وجدنا نفسنا في محيط يشبه الغابة، أو بالاحرى كان مليئاً بالاشجار لا أكثر، و نحن نمشي وسط الظلام، قالت ليليان: هل أنتم متأكدون بأن هناك عمارة هنا؟ وسط هذه الاشجار؟
فقال هانتر: حسناً، المكان ليس عمارة على وجه الخصوص، ماذا كان اسمه يا ترى ؟ لقد نسيت .
فقال له لوي: دعني أخمن، منزل صيفي.
فقال له هانتر بنبرة مبتهجة: نعم! هذا هو!
فقلت له مغمغمة: ما علاقة المنزل الصيفي بالعمارة بحق؟ إنهما مختلفان .
فقالت ليليان: هذا دليل على قلة المفاهيم اللغوية لديه.
عندها قال لنا بنوع من الغضب: اخرسوا جميعاً ،لقد إقتربنا !
بعد ثوان معدودة، وجدنا أنفسنا أمام منزل صيفي بالفعل ذو طابقين، كان مهترئاً و بالياً، حيث الغبار يجتاحه من الخارج، أكاد أشعر بأنه سوف ينهار بعد قليل، حيث السقف كان متهالكاً و الفطريات بدأت تنمو عليه، فنظرت له على مضض و بصمت.
إلى أن قالت ليليان: هل أنتم متأكدون بأنه هنا؟
فقال لوي :على كل! بما أننا هنا سوف تكون من الوقاحة إن لم ندخل.
تقدم لوي للمنزل و فتح الباب، لم يدخل بعدها، بل جمد مكانه مثل صخرة صماء و هو يعطينا ظهره، فتوجهت ليليان له و قالت و قد وضعت رأسها على كتفه لكي ترى: ماذا هناك ؟
ما إن أنهت جملتها حتى تراجعت فجأة للوراء و سقطت على الارض، و هي تنظر للمنزل بأعين خائفة، لكنها سرعان ما تربعت ووضعت يدها على رأسها و هي تقول متمتمة: ماهذا بحق؟
بعد أن قالت هذه الجملة، إنتصبت على رجلها و نفضت ملابسها من الغبار، إستنشقت الهواء من حولها ثم عادت للوي، الذي قد أغلق الباب و إستدار لنا، ثم قال: على كل، إبقاء شخص يفعل هذه الاشياء على قيد الحياة يعتبر جريمة بحد ذاتها، و بما اننا هنا يجب على الاقل أن نتأكد بأنه هنا.
كل ما حدث قبل قليل كنت أنا خارج الصورة منه، حتى أنهم الثلاثة كانوا يتكلمون بدون أن يأخذوا رأيي أو ماشابه، ألهذه الدرجة الموضوع جاد؟ ماذا كان داخل المنزل ؟ ماذا و ماذا ..أسئلة كثيرة كانت تتصارع داخل عقلي ،إلى أن قطع حبل أفكاري لوي و هو يكلمني قائلاً: أما أنت يا كاثرين، فسوف تبقين هنا.
فقلت له بدهشة: ل-لكن، لماذا-
قاطعني وقال بحزم: بدون مناقشة .
ثم أعطاني مصباحاً يدوياً و مفتاح الدراجة النارية التي كانت ملك هانتر، ثم قال: أنت سوف تنتظرينا هنا في الخارج إلى أن نخرج، إن حدث شئ أهربي بالدراجة النارية.
كنت سوف أتكلم لكنه منعني من الكلام عندما غير الموضوع: هناك إحتمال 50% بأنه سوف يكون خارج المنزل، و إحتمال 50% بأنه سوف يكون داخل المنزل .
بعد أن أنهى جملته دخلوا ثلاثتهم لداخل المنزل بينما أنا ظللت في الخارج، فأسندت ظهري على جدار المنزل المتهالك و أنا أقول: يبدو بأن لوي قد أصيب في رأسه، كيف سوف أقود الدراجة و أنا لا أملك رخصة و لم أقد دراجة نارية في حياتي ؟
ثم نظرت للأسفل و أنا أقول في نفسي: لكن ماذا شاهدوا في الداخل من رعب لكي تتوقف ادمغتهم و أوصالهم عن العمل و الحركة؟
بعدها أخذت ألعب بالمصباح الذي في يدي بعد أن أدخل المفتاح في جيبي، إلى أن ذقت ذرعاً و قررت أن أخرق القوانين، شغلت المصباح ووجهته للأمام لكي أدخل، لكن في تلك اللحظة عندما وجهته للأمام شعرت بنزلة برد قاتلة في عمودي الفقري، حيث كان ظهور مايكل من بين الاشجار، ظل ينظر لي بنوع من الدهشة مثل أي إنسان عادي، ثم قال لي بإبتسامة كبيرة: ماذا تفعلين هنا ؟
لم يكن بمقدوري أن أذهب للدراجة النارية للأنه كان يقف في الجهة التي قد جئنا منها تماماً عند واجهة المنزل، كذلك لا أستطيع أن أذهب خلف المنزل أو أدخل في طريق آخر بين الاشجار الكثيفة للأنني أخشى أن أضيع وسط هذا الظلام فأنا لا أحفظ الطرق بسرعة !
لكن و فجأة لاحظت بجانب مايكل طفل ربما كان يبلغ من العمر سبع سنوات، غزت وجه ملامح خوف و رهبة فظيعان، حيث كنت أحدق في عينيه الواسعتان و كأنها تقول لي "ساعديني !"، فجأة قطع حبل أفكاري مايكل و هو يقول لي: ما رأيك بأن تنضمي لنا؟ لحظة، من غير الممكن بأنك هنا لوحدك، من معك ؟
في تلك اللحظة، نسيت كل شئ، أمر الطفل و قوانين لوي و تعليماته لي، كنت أريد الهرب من هذا الكابوس الذي أعيشه فحسب! هذا الشاب يبث الخوف في قلب الانسان على الرغم من مظهره العادي و إبتسامته الكبيرة تلك !فإتجهت نحو باب المنزل و فتحته ثم دخلت و أنا لا أزال أمسك المصباح اليدوي في يدي، و أنا أجري فجأة إنزلقت رجلي بشئ لزج تحتها و سقطت على الارض !
هناك حيث كنت لا أزال أعانق الارض، وجهت المصباح للأمام لكي ارى ما إزلقت به و المكان المحيط حولي، للأرى تشويه فعلي لمعنى كلمة "إنسانية"، و كأنني في كوكب آخر لا يحتوي على هذه الكلمة و لا يعرف معناها بتاتاً! تسألون ماذا رأيت؟ رأيت مجزرة فادحة مشوه لمعالم الانسانية و العالم غافل عنها، رأيت أرواح الاطفال و النساء الذين لقوا مصرعهم هنا، شممت رائحة نتنة..
كانت أرضية المكان مغطية بدماء حمراء، بعضها حديث و الآخر قد ترك طلل على مدة التاريخ، أوصال و أشياء لا أستطيع التعبير عنهم مع انني أراهم أمامي، الكلمات وحدها ليست كافية لكي أوصف هذا المكان، أين أنا؟ هل أنا في الجحيم؟ هل أنا في أحد الحروب ؟ أم كل هذا كابوس ؟
بشكل لا إرادي فاضت مقلتي بالدموع، و شعرت بأحشاء معدتي تنقلب رأساً على عقب، شعرت بالغثيان و أصبحت رؤيتي ضبابية بسبب ما أمامي من منظر منحوت باللون الاحمر و رائحة الدم التي قد سكنت أنفي، بجانب لزوجة الدم و الاشياء التي لا أستطيع ذكرها و أنا جالسة عليها ..!
فقطع حبل صوت صراخ ذلك الطفل الذي كان برفقه مايكل، فإلتفت للخلف و أنا لا أزال جالسة على الارض، حيث كان يترنح و يحاول الفرار من يد مايكل التي كانت تثبته مثل أغلال الحديد، فإنتصبت على رجلي و بدون تفكير ركبت الدرج على أمل لقاء لوي و البقية !
عندما ركبته ووصلت للطابق الثاني، كان المكان طبيعي جداً، و كأنه هذا الطابق في بعد آخر عن الطابق الاول، لا أنكر وجود بقع دماء جافة على الجدران و الارضية لكن مع هذا يزال الوضع أفضل، فظللت أمشي بشكل سريع عندما سمعت صوت ليليان و هي تتكلم، فأخذت أتبع الصوت بخطا سريعة، و في مشيي رأيت مطفأة حريق و علبة إسعافات أولية عتيقة معلقة على السقف، ربما هذا المكان مهجور بالفعل، لكن مطفأة الحريق و علبة الاسعافات دليل على أن هذا المكان كان يستعمل ..
على كل! عندما أحسست بخطوات احدهم و هو يركب الدرج، تبدلت خطواتي السريعة إلى جري، إلى أن وصلت لمصدر صوت ليليان ففتحت باب تلك الغرفة بعجلة، للأرى لوي و الباقين بالفعل هنا، أغلقت الباب بسرعة، فقال لي هانتر بدهشة: لما أنت هنا؟
فقلت له: لا مجال للنقاش في هذا الشئ الآن، مايكل هنا و معه طفل ما. .!
فجأة! دُفعت أنا و لوي من قبل ليليان و هانتر على جهة النافذة، فقلت لهما: ماذا تفعلان-
قاطعني لوي و هو يضربني بطرف إصبعه على جبهتي و هو يقول: لا تجادلي.
بما أن النافذة كانت واسعة نوعاً ما، أمسكني لوي بحيث أكون ملاصقة له ثم قفز من النافذة، حسناُ، أعلم بأن هذا عمل مجنون و متهور، لكن لم يكن لي متسع للتكلم للأن حركته كانت سريعة، و بالفعل! سقطنا أنا و هو على الارض بشدة، لكن ما إن أستقر وضعي، إبتعدت عن لوي للأرى ساقه قد جرحت جرحاً عميقاً بواسطة حجرة كبيرة كانت على الارض عندما سقط !
فقلت له معاتبة: أنظر ماذا فعلت !
أسند ظهره على جدار المنزل و هو يضع يده على الجرح الذي قد شوه ساقه و هو يقول: لا بأس، يمكنني المشي.
أطلقت زفرة ساخنة من جوفي و حاولت تنظيم ذهني، لكن لم يكن هناك متسع من الوقت لذلك، فقد عبر ظل أحدهم فوقنا أنا و لوي، وجهت نظري للأعلى فرأيت ليليان و هي تقفز من النافذة إلى الشجرة المجاورة، لكنها سرعان ما سقطت بعد أو وصلت إلى تلك الشجرة على ظهرها و بشدة، فإنتصبت على رجلي و قلت للوي: هناك عدة إسعافات في الطابق الثاني، سوف أحضرها.
فقال لي بنوع من الغضب: لا يمكنك أن تذهبي !!المكان خطر ..!
لم أستمع إليه إلى أن ينهي جملته، بل شققت طريقي إلى المنزل و أنا أجري، فسمعت صوت لوي من خلفي و هو يقول لليليان: إذهبي ورائها !
لم أتوقف و لو للحظة، يمكنكم القول بأنني كنت أملك دافع آخر غير عدة الاسعافات التي كانت مجرد حجة غير مقنعة، على كل! إندفعت داخل المنزل مرة اخرى، دخلت بالفعل و أنا أسد أنفي لكي لا تدخل رائحة الدم النتنة إلى أنفي! أكملت طريقي للدرج للأسمع صوت ليليان و هي تقول لي: توقفي !
فواصلت طريقي جرياً على السلم عندما سمعت صوتها و هو قريب مني، إلى أن وصلت للطابق الثاني، هناك تناولت مطفأة الحريق بين يدي حيث أمسكت بمقدمتها جيداً، ثم توجهت بهدوء حيث كنا قبل قليل أي حيث هانتر و مايكل، فرأيت المكان و كأن معركة شباب بالايدي و الخناجر قد حدثت للتو، حيث كان هانتر الجهة الخاسرة و هو معانق الارض بشكل مخزي و مثير للشفقة، بينما ذلك الطفل كنت أراه في أحد زوايا تلك الغرفة و يداه مقيدتان من خلف ظهره، عندما رأني أعطيته إشارة بإصبعي السبابة بأن يلتزم الصمت ..
فظللت أشاهد ما يحدث بهدوء شديد، حيث كان مايكل يقف أمام هانتر المعانق للأرض، ليقترب منه فجأة و يضع رجله على صدره ثم يقول: بالمناسبة، لماذا أنت هنا ؟
فجاوبه هانتر و خيط دم قد فاض من بين أسنانه لخارج فمه :لا تلعب دور "الاحمق"، ألست أنت من قتل من في الكنيسة ؟
عندها إلتزم مايكل الصمت، ثم أخذ يحرك رأسه للأعلى و الاسفل و كأنه يحاول التذكر أو ماشابه، فجأة قال: لقد تذكرت ،أنت تقصد من كان في الكنيسة معنا في أيام الطفولة ..!
ثم أردف: نعم، أنا من قتلتهم .
فحاول هانتر النهوض في تلك اللحظة، فإستشعرت غضب عميق يجري في عروقه آنذاك، لكنه ما إن كان ينهض حتى ركله مايكل في بطنه لكي يلازم مكانه معانقاً الثرى، ثم رفع تلك السكين التي كانت في يده و التي تعارك بها قبل قليل مع هانتر ،فسأله :لماذا ..لماذا قتلتهم ؟
فأجابه: هل أحتاج إلى سبب ؟
في تلك اللحظات و هما يتحدثان تلك المحادثة العقيمة، فتحت الباب و جريت نحو مايكل و أنا أحمل في يدي مطفأة الحريق، كاد أن يلتفت لي، فأخذتها و ضربته بها على رأسه حتى أن عينه كادت أن تخرج من مكانها، فسقط على الارض، لا أعلم إن كان ميتاً أم فاقداً للوعي، لكن حركتي في تلك اللحظة كانت تلقائية ..!
فألقيت مطفأة الحريق على الارض بعنف، و نظرت له من الاسفل و أنا أقول له: للأسف، الحياة ليست متساوية، حياتك بنفسها جريمة .
عندها توجهت نحو ذلك الصبي و فككت قيده، فإرتمى في حضني و هو يبكي، عندها و بعد قليل وصلت ليليان اخيراً حيث كانت تمشي بصعوبة، يبدو بأنها قد تأذت عندما سقطت من الشجرة، فوقفت بمحاذاة المدخل و قالت بدهشة: ماذا حدث هنا ؟
توجهت نحو مايكل الملقي على الارض ،ثم وضعت أذنها على صدره، و أخذت تتلمس العروق التي في معصمه حيث الشريان الكعبري، ثم قالت: يبدو انه لا يزال حياً.
نظرت لنا و قالت: ماذا سوف تفعلون به؟
فعدل هانتر من جلسته و أسند ظهره على الجدار، ثم قال :أعتقد بأننا يجب أن نستشير لوي عن هذا الموضوع .
بعد أن قيدنا يدي مايكل و رجليه بإحكام لكي نمنعه من الحركة، نقلناه للأسفل حيث فتحة المدخل و تركناه هناك ،بينما هو لا يزال فاقداً للوعي، إلتقينا بلوي الذي قد أصيب إصابة بليغة في رجله مما منعه عن الحركة، فأخذت عدة الاسعافات و أخذت أضع ضمادة على الجرح، صحيح بأنه الضمادة كانت بالية إلا أنها كانت تفي بالغرض .
ليقول لوي: في البداية، سوف نتصل بالشرطة لكي تأتي إلى هنا، لكن قبل أن تأتي سوف ننصرف نحن من هنا للأن إستجواب الشرطة سوف يكون شيئاً مزعجاً للغاية .
ثم أردف: أعتقد بأن مايكل ليس من النوع الذي ينكر فعلته و يصر في عناده، فهو مختل عقلياً بعد كل شئ، بجانب أن هذا المنزل أكبر و أوضح دليل على ما فعله .
فقالت ليليان له: فكرة جيدة، لكن ماذا سوف نفعل بهذا الصبي؟
،،
الرجاء قراءة الرد إلي تحت !