ثم لذت بجناح الصمت للحظات، للأكمل كلامي بعدها قائلة: بجانب شئ آخر، ربما للأنني لا أشعر منها أي عاطفة أمومة إتجاه إبنها .
إلى أن ضرب هنري بيديه على الطاولة بشكل حاسم لكي يخرجني من تفكيري العميق و قال بإبتسامة كبيرة مغيراً الموضوع: دعونا نعود للمنزل .
أخذت حماماً سريعاً عندما رجعنا، عندما إنتهيت من إرتداء ملابسي سمعت صوت ضحك رنان و قوي قد إرتد صداه في المكان، فخرجت من الحمام للأرى لوي و هو يقف أمام الباب، كان قد عاد للتو، حول رقبته طوق من أزهار أستوائية ذات ألوان حارة من أحمر و برتقالي، و في فمه حلوى مصاصة، كان يحمل بيده اليمنى دمية أرنب زهري محشوة بالقطن، و في اليد اليسرى حلوى غزل البنات، أزرار قميصة العلوية مفتوحة بشكل ملفت للنظر و معالم الارهاق على وجه.
بينما نيكولاس كان يضحك بشدة، تقدمت لهم و سألته بدهشة: ماذا حصل بحق؟
ليكتف هنري ذراعيه و يقول بجدية: لقد قلت لكما بأنهما سوف يذهبان إلى حديقة الملاهي.
ثم نظر للوي و قال له :ألا تخجل من الخروج في موعد مع شاب آخر ؟
بدت على وجه معالم الاشمئزاز مع الارهاق في نفس الوقت، لكنه سرعان ما أطلق زفرة طويلة و أبعد طوق الزهور من على رقبته ووضعه على رقبتي بسلاسة، ثم قال و قد أخرج المصاصة من فمه: ليس و كأنني ذهبت مع كارل بإرادتي، أنتم رأيتم صحيح ؟ لقد وضعني في سيارة الاجرة بنفسه.
وضع المصاصة مرة اخرى في فمه، ناول هنري دمية الارنب أما نيكولاس فقد أدخل حلوى غزل البنات في فمه بشكل مفاجئ مما جعله يتوقف عن الضحك، ثم وضع يده على خصره و خاطبني قائلاً: إذن، لماذا في رأيك كارل قد أبعدني عنكم؟
حاولت أن أتغاضى عنه لكنه كرر سؤاله بحده، ليجاوبه هنري قائلاً: لقد قابلنا والدتك .
ياللعجب، بعد أن انهى هنري جملته لم تبدو على وجه لوي أي ملامح، و كأنه وعاء فارغ، كنت أتوقع أي ردة فعل منه إلا الوقوف هكذا و كأنه جلمود أصم .
مرت ساعات من الزمن، كنا جالسين في غرفة المعيشة نتكلم بأمور غير مهمة لقتل الوقت فحسب، أما لوي فقد كان على طبيعته بشكل جعلني أتفاجأ، يلقي الحكم و يتشاجر مع نيكولاس، هل يحاول أن يجعلني لا أشعر بأنه مستاء أو حزين أم ماذا ؟! رأسي يؤلمني بمجرد التفكير بالموضوع !!
فجأة سمعنا صوت جرس الباب، فإنتصبت على رجلي لكي أرى من هناك، فتحته للأرى لويس واقفاً بإبتسامة كبيرة على وجه، أما خادمه ويليام كان يقف خلفه ببضع خطوات و هو يحمل فستان زهري اللون داخل واقي شفاف لكي لا يتسخ أو ماشابه.
ألقى لويس التحية، ففعلت مثله، ثم قال لي و الابتسامة ثابتة على وجبه قائلاً: أين لوي ؟
ظللت صامتة لفترة أحاول إستيعاب ما يحدث لكن عبثاً، فأجبته قائلة: إنه هنا، تفضل بالدخول.
فدخل هو و ويليام فأغلق الاخير الباب ورائه، قدتهما لغرفة الجلوس هناك، حيث ما إن رأى نيكولاس لويس إنتصب على رجله و قال بغضب: أنت ذلك الوقح الذي إصطدم بي و لم يعتذر !!
تعجب لويس عندما رأه هنا، لكن لاعجب في هذا، ليغير لوي الموضوع فجأة و هو لا يزال جالساً على الاريكة قائلاً: على كل حال، ماذا تريد؟
تنهد لويس، و أخرج ورقة مقوى من جيبه كأنها أشبه ببطاقة دعوة، أعطاني إياها و قال للوي: هذه بطاقة دعوة لحفلة عيد ميلاد أمي الستون .
إبتسم لوي بخبث و قال له: ألم تمت تلك المرأة بعد ؟
هز لويس كتفاه و قال بإبتسامة: حتى أنا لا أعلم .
بينما ننظر له بإستغراب، أشار لويس لويليام، فناولني الفستان و قال لي الاول: هذه هدية من عند كيفين، يقول بأن ترتديها غداً يوم الحفلة .
فقلت بدهشة: هل سوف أذهب أنا ايضاً ؟!
فأجابني: حسناً، يمكنك أن تعتبر بأنك قد تلقيت دعوة من كيفين.
في اليوم التالي عند الساعة الثامنة ليلاً، إرتديت الفستان بعد أن ساعدتني لورين في وضع مساحين التجميل و تصفيف شعري فهي خبيرة في هذه الامور، كان الفستان مكشوف عند منطقة الاكتاف و الذراعين، يبدأ من فوق الصدر، أما أسفل منطقة الصدر يوجد حزام من كريستال براق، ثم يمتد القماش الزهري ليفصل البطن و الخصر إلى الحوض، هناك يصبح منفوشاً و تتوزع فيه بضع وردات بلون زهري ايضاً.
بعد أن إنتهيت تماماً، ألحت علي بأن أرتدي بعضاً من مجوهراتها و كعبها العال ذو اللون الابيض، فلم أملك خيار غير الموافقة للأنها كانت مصممة جداً، فوقفت أمامي بعد كل شئ و قالت لي بفخر: تبدين رائعة، كما هو المتوقع مني !
ففتحت باب الغرفة و نادت الشباب قائلة: يمكنكم الدخول الآن !
أول من دخل كان نيكولاس ثم هنري، بعدها بفترة ليست بطويلة لوي الذي لم يغير ملابسه بعد، ليقول هنري بإعجاب: تبدين رائعة.
أخفضت رأسي بحياء، ليخرج نيكولاس كاميرا من جيبه و هو يقول: بما أنك لا ترتدين هذه الملابس إلا في العقد مرة، دعيني ألتقط لك صورة.
رفضت بشدة لكنه في النهاية إلتقط ثلاث صور بعد إلحاح شديد منه و من هنري، مع هذا شعرت بالضيق للأن لوي لم يتكلم بكلمة أو يعلق حتى ..
قطعت حبل أفكاري لورين و هي تخاطب لوي بصرامة: أنت، متى تنوي إرتداء ملابسك ؟
فأطلق زفرة تدل على الضجر، فجأة رن هاتفه الذي في جيبه فوضعه على أذنه و قال مخاطباً الطرف الاخر: ماذا ..حسناً.. إنتظر خمس دقائق.
ثم أغلق الهاتف و أعاده لجيبه، و قال لي: كارل ينتظرنا في الاسفل، إنتظريني إلى أن أتجهز ثم ننزل له.
ليقول هنري للوي بإبتسامة ثابتة: دعني أخمن، سوف ترتدي أحد بدلاتك الرسمية القديمة.
فقال له لوي بهدوء: كيف عرفت ؟
فجأة أمسكه هنري من عنقه و جره خارج الغرفة قائلاً لي:كاثرين، يمكنك أنت النزول و الانتظار بينما ننتهي من تجهيز لوي.
بينما كان لوي يترنح سحبه هنري خارج الغرفة، بينما لورين قد وضعت علي معطفاً أسود اللون لكي أخرج.
خرجت و توجهت نحو سيارة كارل، ركبت في الوراء للأراه يشرب مشروباً غازياً، سألني: أين لوي؟
أجبته بأنه لا يزال يرتدي ملابسه، ثم نظرت لملابس كارل نفسه، كان يرتدي ملابسه المعتادة، فسألته: ألم تذهب للحفلة أنت ايضاً؟
أوقف شربه للمشروب الغازي في تلك اللحظة، نظر لي بنوع من الدهشة لكنها سرعان ما تلاشت، أقصد، أليس هو إبن خالة لوي ؟ ألا يجب أن يحضر الحفلة ايضاً بإعتباره فرد من العائلة؟ لماذا يبدو هكذا و كأنني قد قلت له حكاية خيالية للتو ؟
فقال لي و هو ينظر للأمام: كما توقعت، فلوي لم يقل لك.
سألته عن ماذا يتحدث، فأجابني: لوي.. إن لوي إبن غير شرعي .
سوف أكذب عليكم لو قلت بأنني قد أخفيت دهشتي في تلك اللحظة، "إبن غير شرعي"، هذا ماكان يقصده كيفين عندما قال لي بأنه مختلف عنا بغض النظر عن قضية إختلاف أمهاتهم، إبتلعت ريقي و تمالكت نفسي، ثم سألته: لكن، إن كان إبن غير شرعي على حد قولك، فلماذا هو مع والده الحقيقي الآن؟ في العادة يفعل الرجال ما يفعلنه بالنساء ثم يتم التخلي عن الاطفال كلياً.
فقال لي: لا أعلم، أنا نفسي لا أعرف التفاصيل و لماذا والده الحقيقي قد أخذه، لكن خوفاً من الفضيحة تم تسجيل لوي كطفل متبنى منذ ولادته، و أمه التي هي خالتي قد إختفت كذلك بعد أن أتم عمره الاربعة شهور.
للأقول له و قد رفعت أحد حاجبي: القصة معقدة قليلاً.
إبتسم كارل من طرف فمه و قال لي: حسناً، سوف تعلمين كل شئ في الوقت المناسب.
قطع حديثنا عندما فتح الباب الامامي للسيارة قرب السائق، ليدخل لوي و يغلق الباب بنوع من الغضب، حيث كان يرتدي سترة و بنطال فحميان مثل لون شعره ،قميص أبيض أسفل السترة بدون ربطة عنق جعل مظهره يبدو متناسقاً، ليشغل كارل السيارة و يقول له: تبدو جذاباً، من ساعدك في إرتداء ملابسك؟
أغمض عينيه بإنزعاج و قال له: هذا ليس من شأنك.
ثم أخرج من جيبه علبة العدسات اللاصقة ووضعها على عينه الزرقاء، فقال له كارل بخبث: أما زلت تحتفظ بهذه العدسات ؟
تجاهله لوي، بينما أنا شخصياً فهمت لماذا كان يخفي لون عينيه عن العالم، لم أفهم الوضع كلياً بل جزئياً، ربما يشعر بأن هذه الاعين التي ورثها من والدته عبارة عن وصمة عار، وصمة عار تبرهن أنه إبن غير شرعي .
شعرت بالصداع يفجر رأسي في طريقنا، كارل طائش و يريد أن يقود سيارته بسرعة الضوء، أما لوي فهو عكسه تماماً حيث انه هادئ و ناضج مع سنه اليافع، لذا أمضوا الطريق كله يتجادلان في قوانين السلامة الخاصة بالسيارات، إلى أن وصلنا أمام بوابة القصر اخيراً، أو بتعبير آخر منزل لوي سابقاً، دخلنا من خلال البوابة إلى حديقة القصر الواسع، لكن زرته مرات معدودة في أيام الثانوية، تدخل في البداية عند حديقة خضراء شاسعة، يحادي طريق السيارات بعض الشجيرات الصغيرة حولها أزهار بيضاء، يمتد الطريق إلى نافورة ضخمة مقابلة لبوابة القصر الرئيسية، القصر نفسه من الخارج كان يتفرع و كأنه ثلاث مباني تقريباً إلا أنه في الحقيقة مبنى واحد، الالوان الذهبية و البنية طاغية عليه من الخارج ،و سوف أقول هذا، قصر جاك يعد نقطة في بحر هذا القصر.
خرجنا أنا و لوي من السيارة، ليقول لنا كارل بمرح: أتصلوا لي إن إنتهيتم من هذه الحفلة البائسة يا سيداي، و إلى اللقاء.
ثم إنطلق خارجاً من المكان، فتنهد لوي بضجر مرة اخرى، للأقول له: أنت تتنهد كثيراً في الآونة الاخيرة، هل أنت بخير ؟
فأجابني بهدوء: كيف أكون مرتاحاً و أنا حول أناس يرتدون أقنعة، ما يبطنون عكس ما يظهرون.
إلتزمت الصمت للحظات، لكنني سرعان ما سألته: من لا ترتاح لهم؟
نظر للسماء و أجابني بعد نظرة خاطفة: حسناً، أبي ووالدة لويس، جميع الحضور ماعدا كيفين و لويس .
إبتسمت و قلت له: إذن أنت ترتاح حول كيفين و لويس بعد كل شئ .
إبتسم بغرابة و قال لي: للأنني تأكدت بأنهما لم يقولا أي شئ غير ضروري لك، للأن كارل قد قام بالواجب.
نظرت له بتعجب بعد أن أطلقت شهقة مسموعة، ليكمل كلامه قائلاً: لهذا كنت أريد أن أكون معك لا أن تذهبي قبلي، لكن أخاك هو من منعني .
فأجابني :هناك سببان، السبب الاول هو بؤبؤ عينك الذي كان ضيقاً طوال الوقت و هذا يدل على أن الشخص يشعر بالضيق، بجانب أن عينك زرقاء لذا يسهل رؤية بؤبؤ عينك، و السبب الاخر هو أنني أعرف كارل أنه لن يغلق فمه ابداً.
أمسكت يده بشدة في تلك اللحظة و قلت له: لكنني الآن معك، و لن أتركك!
نظر لي بدهشة، لكنها سرعان ما تبددت، فشد على يدي هو الآخر ثم رفعها و قبلها مما أشعري بالخجل، ثم توجه نحو بوابة القصر لكي يدخل، ما إن دخلنا حتى إستقبلنا صف كامل من الخدم و الخادمات، واحد يعرض علينا الشراب، و الاخرى قد خلعت المعطف من علي، و آخر يعرض السجائر .
إلى أن و فجأة إصطفوا جميعهم في صف واحد عندما سمعوا ذلك الصوت المألوف، إنه صوت والد لوي و هو يقول: اهلاً و سهلاً بك.
كانت إبتسامة كبيرة تعلو محياه، أما لوي فلم يبدي أي ردة فعل و كأنه ينظر إلى نكرة، بينما إستشعرت منه والده نظرات بعثت في نفسي عدم الراحة للحظات معدودة، لكنها سرعان ما تبددت خلف تلك الابتسامة المصطنعة.
قادنا إلى قاعة الحفلة، قاعة واسعة بشكل لم اره من قبل بعيدة عن المدخل الرئيسي للمنزل، في اعلى طابق في القصر، اللون الذهبي طاغي على الاضاءة، مساحة القاعة كانت دائرية و السقف يتصاعد بتصميم يتصاعد للأعلى مثل الكنائس، ثرية ضخمة في وسط السقف تتدلى منه ملفتة للنظر بسبب حجمها الضخم.
بجانب الجدران كانت هناك طاولات مملوءة بمختلف أنواع الطعام، من معجنات و لحوم و سندويشات، عصائر طبيعية و مشروبات ساخنة، حلويات و كعك ،المدعون منتشرون في أرجاء المكان بعشوائية من مختلف الاعمار، من الاطفال الرضع إلى كبار السن، الخدم يتوزعون بشكل منظم قرب الولائم و بعضهم يتجول بالعصائر و المشروبات للمدعوين.
ظللت أنظر لهذا المنظر بدهشة، فهنالك إمرأة تتباهى بجمالها أمام الرجال، و رجل يحاول التودد لفتاة معينة، الاطفال يأخذون من الكعك و يسكبون العصير في الاقداح بشراهة، مكان و أناس لم أعتد أن أكون حولهم، إنه لشئ طبيعي بأن أندهش.
والد لوي قد إنفصل عنا و هو يتكلم مع أحد المدعويين من رجال الاعمال، ظللت ممسكة يد لوي لكي لا أنفصل عنه، إلى أن رأيت كيفين قادماً نحونا، فإبتسم و ألقى التحية على كلينا، ثم أخذ يحدق بي لفترة من الزمن، فأطلق لوي صوتاً لكي يرجع لعالم الواقع، عندها وضع يده خلف رأسه و قال لي: المعذرة، أنت تبدين جميلة جداً لذا ..
إحمر وجهي و شعرت بالخجل، ثم شكرته على الهدية، فقال فجأة و كأنه قد تذكر شيئاً: صحيح !!
ثم نظر للوي و قال له بإبتسامة: هل تذكرها ؟!
عندما سألته عن من يتحدث، قال بشغف: نانسي! إنها شقيقة لويس الصغرى من امه، عمرها سبع سنوات الآن .
نظر لي لوي و قال بهدوء: لقد ولدت عندما كان عمري ثلاثة عشر سنة.
حاولت التذكر، ثم قلت متمتمة: صحيح، عندما كنت أرتاد منزل لوي في الثانوية أذكر وجود فتاة صغيرة ،لكن لم تسمح لي الفرصة بأن أتعرف عليها جيداً.
لكن بعد إعادة التفكير بالامر، أجد الامر غريباً بأن كيفين يتصرف بشكل طبيعي مع لوي هذه المرة، في العادة هو يرتبك و يتوتر، هل بسبب الناس الذين حوله؟ لا أعتقد، كيفين ليس من النوع الذي يتصنع في الكلام و يوزع إبتسامات مزيفة.
تركنا كيفين، بينما الحفلة كانت مواصلة في حيوتها من موسيقى تملأ المكان و صوت قرقعة الملاعق على الصحون، و بالطبع أصوات الناس، ليأتي لنا كيفين مرة اخرى و هو يمسك يد فتاة صغيرة، ذات شعر أحمر عنابي مموج قد لفت نظري بالنسبة لسنها، أعينها جاحظة ذات لون رمادي و أهداب طويلة سوداء تتراقص فوق عينها، بشرتها ذات لون حنطاوي، ترتدي فستان يصل لنصف ركبتها مناسب لمن في سنها و طولها، ذا لون وردي غامق، تتبعثر عليه كريستالات صغيرة عند منطقة الصدر، أما عند جانب الحوض فيوجد وردة كبيرة ،ثم يمتد لنصف الركبة.
فإنخفضت قليلاً لطولها و قلت بإبتسامة: مرحباً نانسي، أنا كاثرين.
لم تبتسم، بل قالت لي: أنا لا أسمح للعامة بمناداتي بدون لقب إحترام، نادني آنسة نانسي!
إنصعقت بضع الشئ، ياله من لسان حاد تمتلكه، أما لوي فقد كتف ذراعيه، ليقول كيفين لها بغضب: هذه وقاحة، إعتذري!
رفضت الاعتذار، عندها تقدم لوي و خفض وركيه لكي يوازيها في الطول، قال لها بإبتسامة خبيثة: الاعتذار أم الظلام، أي منهما تختارين ؟
إنتفضت مكانها برعب، لتنظر لي بعدها و تعتذر مني، فإنتصب لوي على ساقيه مرة اخرى فسألته: هل تخشى الظلام؟
هز رأسه موافقاً ثم قال: في صغرها كانت تخشاه بشدة.
رفعت أحد حاجبي و قلت له: هل تتوقع بأنها تتذكرك؟
هز كتفيه بدون مبالاة، بينما الفتاة تركت يد كيفين و إنصرفت، إعتذر كيفين منا و قال: آسف بشأن لسانها الحاد، لكنها لا تعرف كيف تتأقلم مع الناس فحسب.
ثم أردف: يمكنكم أن تقولوا بأنني أقرب شخص لها.
رفع لوي ناظريه لكيفين حيث كان طويل القامة و قال له: لا يجب عليك أنت أن تعتذر، أين والدتها و لويس؟ ألا يجب عليهما هما أن يعتذرا ؟
لنسمع صوت لويس يقول لنا: كالمعتاد أندهش دائماً من لسانك الحاد، لابد بأن نانسي قد ورثته منك.
نظرنا له، بينما هو إبتسم بخبث و قال: المعذرة، نسيت بأنك متبنى.
ظل لوي ينظر له بهدوء إستشعرت فيه غضباً جامحاً، بينما كيفين قد أخذ لويس بعيداً لكي لا يشتعل شجار بين الاثنين، لذا بعد أن رحل سألته بإستغراب: قلت بأنك ترتاح حول كيفين و لويس، لكن لا أعتقد هذا بالنسبة للويس.
ابتسم و قال لي: حسناً، سوف تعرفين ما أقصده في الوقت المناسب.
بعد مرور بعض من الوقت، وصلت الساعة للتاسعة و النصف، شعرت بالملل، أقصد، ليس هنالك أشخاص أعرفهم سوى لوي ،كيفين، لويس و نانسي التي تعرفت عليها للتو، إنه لشئ بديهي أن أصاب بالملل..
أشياء لاحظتها هو بأن أغلب الحاضرين ينظرون للوي الذي كان بجانبي و كأنه شئ عجيب غريب، ثم تبدأ الهمسات تتناقل بينهم، إلى أن فجأة سمعت صوتاً مألوفاً يقول: إنها كاثرين !
إلتفت للصوت للأرى ليندا مع جاك، ألقيا التحية ثم سألتني ليندا: ماذا تفعلين هنا؟
إبتسمت بإصطناع و قلت لها: أرافق لوي، على ما أعتقد.
ثم أردفت بعد الابتسامة: لكن توقيت مناسب، لقد شعرت بالملل للتو.
كانت تمسك ذراع جاك مع إبتسامة كبيرة، فنظر لهما لوي بهدوء ثم سأل: هل تزوجتما ؟
هزت ليندا رأسها بفرح، بينما جاك لم يبدي أي ردة فعل، عندها إبتسمت لهما هنئتهما، فسحب لوي جاك من ليندا ووضع يده على كتفه و قال: إذن ايتها الآنسة كاثرين و السيدة ليندا، سوف نتحدث حديث رجال قليلاً لذا سوف أستعير العريس قليلاً.
إنصرفا، للأبقى أنا مع ليندا وحدنا، فسألتها محاولة فتح مجال لتبادل المحادثات: متى تزوجتما؟ لماذا لم تدعوانا ؟
أجابتني :قبل أسبوع على ما أعتقد..
ثم أنكست رأسها و قالت: لا أعلم لماذا، لكنني عندما قلت لجاك بأن ندعوك أنت و ذلك المدعو لوي رفض.
إلتزمت الصمت للحظات، لكنني سرعان ما أطلقت زفرة طويلة و قلت لها :أعرف ماذا تقصدين، هذا الجاك الاحمق. .!!
لاذت بجناح الصمت، لابد انكم فهمتوا الوضع أليس كذلك؟ حسب علمي بأن جاك يفكر بها كصديقة طفولة و ليس كزوجة و هذا كل ما في الامر، لكن العالم مختلف عن الروايات، حتى بعض الروايات لا تجعل البطلة تتزوج حبيبها احياناً.
قلت لها مغيرة الموضوع: ب-بالمناسبة، لماذا انتما هنا ؟
فأجابتني :كما تعلمين فوالد جاك لديه علاقات تجارية مع والد لوي مع كونها غير ودودة في الواقع لذا أتيت معه، لكن والدة جاك لم تأتي هي و إيان .
عاد لوي لنا بعد أن أنهيت جملته، عندما سألته عن مكان جاك أجاب: إنه لا يزال في الخارج عند الشرفة يستنشق بعض الهواء.
فإستأذنت ليندا منا و ذهبت حيث جاك، ما إن ذهبت حتى سمعنا صوت فتاة شابة تنادي بإسم لوي، بينما أنا إلتفت لمصدر الصوت الاخير لم يتعب نفسه بتحريك رأسه للأنه كان يعرف مصدر الصوت، كانت فتاة يافعة إلا انها أكبر مني و من لوي، شعرها قصير مخملي يتمتع بلون أسود إلا أن بعض الخصلات كانت شقراء مما جعله يبدو جذاباً، أعينها واسعة بشكل مخيف بعض الشئ ذات لون أسود كذلك، بشرتها بيضاء بشكل يلفت النظر النظر، و لولا خصلات شعرها الشقراء لشبهتها بـ"سنووايت" التي في قصص الاطفال، لكن مع كل معالم الجمال الطبيعية التي تمتلكها من شعر مخملي و أعين واسعة و بشرة تنافس الثلج في البياض، كانت مساحيق التجميل تخفي التجاعيد على وجهها، جسمها ليس بالرشيق و لا تملك خصراً مثل أغلب الفتيات اليافعات، رموش صناعية مركبة فوق عينيها .
تقدمت و قالت للوي بإبتسامة كبيرة: مر وقت طويل منذ أن رأيت آخر مرة !
بينما أنا أحدق بها، قال لي لوي و هو يشير بإصبعه عليها: إنها جيسيكا، إبنة عمتي.
نظرت لي هذه الفتاة المدعوة جيسيكا، لم تبتسم بل ظلت تحدق بي بتفحص، غطت بعض خصلات شعرها جبهتها و قالت للوي: من هذه؟
لم يرد عليها، فقدمت لها نفسي بنفسي، لكنها مقابل هذا تجاهلتني و أعادت التحدث مع لوي مغيرة الموضوع: آسفة! لقد رأيتك منذ أن دخلت هنا إلا أن الرجال الذين حولي كانوا كثيرين، لذا إستغرق مني وقتاً لكي أهرب منهم !
نظرت لي و قالت بإبتسامة خبيثة: هل تعرفين طريقة لكي أهرب منهم، كاثرين؟
إنعقد لساني أمامها، في الحقيقة شعرت بشعور غريب، من وحدة و رهبة، ليقطع لوي حبل أفكاري و هو يقول لجيسيكا: ما رأيك أن تزيلي مساحيق التجميل أمامهم؟
ظللت جامدة في مكاني عاجزة عن الكلام أو التعليق على جملة لوي الاخيرة، لايمكنني الضحك و لا يمكنني توبيخه، الشئ الوحيد الذي إستطعت أن أفعله هو الدهشة و التعجب أمام صراحته المطلقة تلك و كيف يقول أموراً قد تجرح مشاعر الناس بهذه السهولة !
أطلقت جيسيكا ضحكة خفيفة ثم نظرت لساعتها و قالت: آسفة، علي أن أذهب لدورة المياه الآن لذا أستأذن منكما.
ثم إنصرفت، بينما أنا لا أزال جامدة في مكاني كان لوي ينظر وسط القاعة حيث كان هنالك تجمع كبير تحت تلك الثرية الضخمة، أعتقد بأنها والدة لويس، لن يتابني فضول لكي أذهب و أراها على عكس عادتي، لذا تناولت في يدي صحن كعك بالفراولة و وقفت في أحد الزوايا أكلها مع لوي، إلى أن إلتفت لنانسي التي كانت بقربي، فناولت الصحن للوي و سألتها: مابك؟
لم ترد علي، كانت تنظر للأسفل بأعين حزينة، لم أعرف ما بها فأنا لا أعلم لغة العيون، بينما لوي كان يتفحص المكان بأعين حادة، فجأة!! سمعنا صوت طلقتين من مسدس، فأخذت نانسي و عانقتها بشكل لا إرادي! عانقتها و انا أنظر، و بين أنصاص الثانية و صرخات الناس، سقطت الثرية الضخمة حيث كانت الطلقتان موجه نحوها! لم أعرف ما جرى في تلك اللحظة على وجه التحديد، ما أعرفه هو بأن الناس الذين كانوا أسفل الثرية، بعضهم قد إبتعد في اللحظة المناسبة و الآخر قد نجا بنصفه الاعلى فقط، إلا أنه لم يكن هنالك أحد قد بقى سحق تحتها..
تناثرت شظايا الزجاج في المكان و تراجع الجميع للوراء و منهم من خرج خارج القاعة فوراً و لاشك بأن الفاعل قد خرج ايضاً ..
بعد إخلاء المكان من الضيوف تماماً و بعد طلب إستدعاء للشرطة، ظللنا أنا و لوي، مع والده، لويس، كيفين، نانسي ووالدة لويس التي تعرفت عليها للتو، اسمها فيونا، إبنتها قد ورثت شعرها الاحمر العنابي منها، لديها خصر فتاة يافعة مع انها إمرأة كبيرة و لديها إبن في الثلاثينات، معالم وجهها كانت جميلة إلا أنها قد شوهت هذه المعالم بنظراتها الغاضبة و المغرورة، تصعر خدها للناس و نظراتها متعالية بشكل واضح، تخفي معالم الزمان خلف مساحيق التجميل فبدت كأنها في الاربعينات .
بعد أن إتصل كيفين للشرطة أغلق هاتفه و قال: يقولون بأنهم سوف يصلون قريباً.
مدد لوي ذراعيه للأعلى و قال و هو يتثائب: إذن لا داعي لوجودنا هنا.
بعد أن أنهى جملته، كان الجميع ينظر له و كأنهم ينتظرون شئ ما يقوله، ربما يريدونه أن يفسر ما حدث فهو بارع في تحليل هذه القضايا مثلما فعل في قضية الصيدلية عندما قتلت ليليان ذلك الرجل، فأطلق لوي زفرة طويلة و قال: لا يمكنني أن أقول شيئاً، لكن..
ثم نظر لوالدة لويس ووالده وسألتهما بحدة: من منكما كان أسفل الثرية آنذاك؟
أجابنا كليهما بالايجاب، فأخرج لوي هاتفه ،أخذ يتصل بكارل و هو يقول بعدم مبالاة: ملخص القصة هو بأن أحدهم كان يستهدف واحد منكما، أو ربما كليكما لا أعلم.
بعد أن أجرى مكالمته السريعة مع كارل، رفع رأسه و هو يبتسم بمكر و قال: لكن الشئ العجيب في الامر بأن ما حدث كان في صالة إحتفالات واسعة، كيف لا يوجد في الصالة و لو كاميرا مراقبة واحدة ؟
لم يرد عليه أحد، إنصرت والدة لويس من القاعة ليتبعها والد لوي و لويس، فبقى كيفين و نانسي، كانت نانسي ممسكة بيد كيفين و ملامح الخوف على وجهها بسبب ما حدث للتو، فتنهد كيفين و قال لها: نانسي عزيزتي، سوف أعود للمنزل الآن لذا أنت يجب أن تذهبي لغرفتك و ترتاحي قليلاً.
لم ترد عليه و هذا علامة رفضها، بل شدت على يده أكثر و كأنها ترفض مفارقته، فسأله لوي: ظننت أنك تعيش هنا، أين تعيش إذن؟
إبتسم و قال: شقة في مبنى سكني، ماكس صديقي يعيش بالقرب من شقتي.
بعد أن أنهى جملته، إنخفض لمستوى طول نانسي و قال لها: علي أن أذهب الآن، لا تقلقي، سوف آتي لزيارتك غداً.
قبلها على خدها، ثم إنتصب على رجله و قال لنا: الشرطة سوف تأتي قريباً، لذا أنصحكما أنتما ايضاً بالانصراف لكي لا يتعبوكما بتحقيقاتهم.
ودعنا ثم إنصرف، فظللت أنظر لنانسي التي كانت لا تزال تقف مكانها، مرت ثوان ليرن كارل للوي لكي نخرج معلناً بأنه قد وصل، فقال لي لوي: يمكنك الذهاب اولاً، سوف أذهب بهذه الشقية لغرفتها و ألحق بك.
وافقت و ذهبت للسيارة اولاً، عندما خرجت من القصر و جئت لكي أجلس في الوراء، قال لي كارل :أجلسي في الامام.
عندما سألته عن السبب، قال لي بإنزعاج: لوي سوف يظل ينبهني من زيادة السرعة و سوف يعطيني محاضرة بشأن الطرق الآمنة للسياقة و هو بالامام !!
جلست في الامام، فأخذت أقص عليه ماحدث و هو نفسه كان متفاعلاً مع القصة، لم تمر لحظات حتى جاء لوي و جلس في الخلف، عندها إنطلق كارل بسرعة تفوق 120 كيلومتر في الساعة، في تلك اللحظة ندمت للأنني إستمعت لطلبه، بينما لوي قد جلس في الخلف و أشعل سيجارته و هو يقول: بشأن ما حدث الليلة ..
فقلت له :هل تقصد الثرية ؟
أكمل لوي كلامه :هناك إحتمالان، الاحتمال الاول بأن جيسيكا هي من فعلت هذا، لكنني لا أعتقد بأنها سوف تتهور و تستعمل مسدساً لذا ربما جعلت شخصاً آخر يفعلها..
عندما سألته عن سبب شكه بها، أجابني: كما تعلمين يا عزيزتي كاثرين، رجال الاعمال في هذه الايام يكونون مجرد مجرمين و سارقين بشهادات فحسب، و منهم أبي بالطبع، على كل حال! عمتي التي هي أم جيسيكا كانت شريكة لوالدي، أنا نفسي لا أعلم التفاصيل لكن في أحد الايام و فجأة ماتت والدة جيسيكا و هي كانت نائمة على سريرها، لم تقتل أو أي شئ من هذا القبيل، ماتت هكذا فقط ..
إلتزم الصمت لفترة، ثم أردف: هناك إحتمال بأن يكون والدي هو من قتل والدة جيسيكا، مع انني أجهل أسبابه إلا أن هذا إحتمال كبير، لذا أعتقد بأن جيسيكا أرادت الانتقام من والدي أو ماشابه .
لذت شخصياً بجناح الصمت، فقال له كارل: لكن كما ذكرت كاثرين فكل من والدك و السيدة فيونا كانا أسفل الثرية في وقت الحادثة، ربما كان الفاعل يستهدف السيدة فيونا و ليس والدك .
نفذ لوي الدخان و قال بضجر: هذا إحتمال وارد ايضاً، لذا القضية معقدة بدون أي دليل.
مرت الوقت إلى أن وصلنا اخيراً، فخرجت من السيارة و نظرت للوي الذي خرج من الخلف، للأنصدم بأن كان يحمل نانسي الصغيرة بين ذراعيه و هي نائمة !!وقفت مكاني جامدة و قلت له: لحظة، لماذا نانسي هنا؟
فأجابني بهدوء: لقد قالت بأنها تريد أن تأتي معنا، لذا أحضرتها، لكن و أنا أخرج من القصر كانت تشعر بالنعاس لذا حملتها على ظهري فنامت، دخلت السيارة و أنت لحسن الحظ لم تلاحظي وجودها معي للأنك كنت مشغولة بالحديث مع كارل.
بعد أن عدنا للشقة، إسقبلنا نيكولاس و هو يسأل: من هذه الطفلة؟
فأجابه بهدوء: إنها أختي، نانسي.
تنهدت و قلت له: إتصل بوالدتها لكي تعلم، لابد أنها قلقة.
إلتزم الصمت لفترة، ثم قال متمتماً: أشك بأنها تعلم بعدم وجودها بالمنزل.
تنهدت بعد أن سمعت كلامه، فقلت له مغيرة الموضوع: على كل حال، لايمكنها النوم بفستان السهرة!
نظرت لنيكولاس و قلت له بأن يذهب و يحضر ملابس نوم للأطفال من أحد المتاجر التي كانت بالاسفل، فوافق و نزل، أيقظت نانسي من نومها و جعلتها تغسل أسنانها و نزعت المجوهرات من أذنها و عنقها و يدها، إنتظرنا نيكولاس لمدة ربع ساعة، بعد أن وصل و هو يحمل كيساً أخذته و أخرجت ما فيه، كان ثوب نوم فضفاض زهري اللون و طويل الاكمام.
في البداية رفضت أن ترتديه بحجة أنها لا ترتدي الملابس الرخيصة، إنها تمتلك كبرياء كبير بالنسبة لسنها الصغير، لكن بعد الالحاح و بعض الكلام المعسول من عند هنري إقتنعت و إرتدته، عندما إرتدته ذهبت لها و سألتها: إنه مريح، أليس كذلك؟
بالتأكيد لن تعطيني إجابة مقنعة، بل وضعتها على السرير، بينما الشبان الثلاثة قد خلدوا للنوم بالفعل في غرفة الجلوس، قررت أنا النوم معهم، لكنني عندما جئت أغلق الانوار عليها و أتركها وحدها في غرفة النوم قالت لي: لا تتركيني وحدي.