- الساعة 8:00 صباحاً .
السماءُ ملبدةٍ بغيوم سوداء تُغطي خلفها أمل بعضِ الأشخاص للحياة , أجواء نيويورك حالياً تحاكي مشاعر البعض , تُحاكي المشاعِرَ الكئيبة التي حجبت مشاعر الأمل في قلوب أناس كانوا ضحايا لظلم أناس آخرين , أصبح الناس يحذون حذو قانون الغابة " القوي لا يرحم الضعيف " , ففي الغابات الحيوانات ذوات الأنياب المفترسة تنقض على حيوانٍ لا يملك أنياباً للدفاع عن نفسه , و في المُدن صاحب الأموال الطائلة يمكنه أن يجعل من شخصٍ فقير ذو قلبٍ طيب أن يصبح قاسي القلب , بلا رحمة , يتخلى عن أشخاصٍ عَنَوّا له الكثير فقط من أجل المال , أي قلوبٍ هذه تتخلى عن أناسٍ أحبوهم يوماً من أجل الحياة ..!
هذا فقط قطرةٌ من بحر المعاناة في هذا العالم !
في إحدى ممرات مدرسة رود آيلاند التي تقبع وسط نيويورك , شاب في مُقتبل العُمر , ذو شعر فاحمٍ يتطاير بسببِ ركضه السريع و عينان مشتقتان من عمقِ البحر , يُلقي عبارات الاعتذار بعجل على من اصطدم به أو أوقع شيئاً من كُتبه , لكن ذلكَ لم يجعله يتوقف و لو للحظةٍ واحدة , توقف بقوةٍ حين أدرك أنه تعدى مُبتغاه تراجع خطوتين للخلف , ليستقر مواجهاً لإحدى الخزائن المعدنية التي تملأ الممر الذي يقفُ فيه , انحنى لدقائق ليلتقط أنفاسه بسرعةٍ كبيرة , اعتدل واقفاً وهم بفتح الخِزانة متأملاً أن يجد ما جاء راكضاً لأجله , احتدت عيناه و هو ينظر للمحتويات الموجودة بالداخل باحثاً عن شيءٍ غريب , شيءٍ يختلفُ عن الكُتب و الدفاتر و الملفات المدرسية , أغمضَ عيناه بانزعاج و كزَ على أسنانه بشدة , ضربه قدمه اليمنى بالأرض دليلاً على غضبه الشديد و كُلُ ما يجول بخاطره الآن لماذا رُفِضَ في هذه المهمة بالذات ..!
زفرَ بحنقٍ و ضيق و مد يده ليسحب أحد الكُتبِ الموجودة بالخزانة و يغلقها بقوة ... الواضح أنهُ مستاء و مستاءٌ جداً , مشى بخطوات تكادُ تحطِمُ الأرضَ تحتها , استغرقَ خمس دقائق بالمشي حتى وقفَ أمام باب طُليَ باللون الأزرقِ الفاتح , إنهُ لونٌ يبعثُ بالطمأنينة , على عكسِ صاحبنا الواقفِ هنا بارتباكٍ واضح , لم يكن هكذا في الدقائق الماضية , طرقَ الباب و فتحه بهدوء أطل برأسه بعد أن رسم إبتسامة بلهاء على شفتيه , ليتحدث بنبرة راجية :
- أُستاذ أ يمكنني الدخول .. صمتت للحظة ثم أردف و عيناه معلقتان على ذاك الواقف الذي يحمل نظراتٍ غاضبة : أرجوك ..!
أغمض الأستاذ عينيه محاولاً إمساكَ أعصابه : ويليام ستيوارت إلى الخارج !!
زفر ذلك المدعو ويليام بقلة حيلة و هو يخرج رأسه و يغلق الباب خلفه ,
وقف أمام الباب للحظات ثمَ بشكل مفاجئ أصبح يتحدث مع نفسه بصوتٍ عالٍ قائلا بامتعاض و حقد :
- و ماذا إن تأخرتُ بضع دقائق , ذلك لا يحدثُ فرقاً , صمت لولهة ثم أكمل : ثم إنه لم يبدأ بالشرحِ حتى فلما طردني .. سحقاً له .
يبدو أن صديقنا قد جُن ..!!!
و أيضاً يبدو أن لهُ حظاً سيء .
ضجيج , مكاتب و أوراق , أصواتُ أزرار الحواسيب مزعجة لكثرتها , أشخاص جادون في عملهم يتحركون هُنا و هُناك , و آخرون يحملون هواتفهم و يتحدثون بعجلة و ارتباك , ما بال الناسِ اليوم مستعجلون ؟
لكن أظن أن هؤلاء ليسوا اليوم فقط , يبدو أن هذا حالهم يومياً ,
مكتب أسود يحملُ عليه حاسوب بداخله صورة لفتى يبدو أنه بالسابعة عشر , يملك عينان عشبيتان , بشرة بيضاء , و شعر بندقيّ , كُتب بخطٍ أسود جانب الصورة " أوليفر براوند ..!
- حسناً هذا هو صديق الشاب الذي رأيناه سابقاً , لكن يبدو لي لا نفع منه ..!
بهذا تحدث الشخص القابع خلف شاشة الحاسوب , محدثاً صاحب العينين العسليتين الذي يقفُ خلفهُ تماماُ , تقدم الأخير محدقاً بالمعلومات التي كتبت على تلك الشاشة , و أظنها تخص ذاك المدعو أوليفر .
- الساعة الخامسة مساءً يجب أن يتواجدا في المركز , كلاهما .
شدد على أخر كلمة و هو ينظُر لصديقه بحدة .
كان مُستلقي على الأرضِ الخضراء في ساحةِ مدرسته , مستمتع بنسمات الهواء الهادئة التي تحركُ بعضاً من خصلاتِ شعره , أغمض عيناه بارتياح , انخرط بأفكاره لدقائق حتى أحسس بشخص يقف بجواره , فتح إحدى عينيه الزرقاوتين و هو ينظرُ للشخص الواقف , اعتدل بجلسته و هو ينظر لعينان سحرته بجمالها , لونها المماثل للون السماء الصافية , حسناً هو لا ينكر مدى جمالها , تحدث بطريقة متعجرفة بعض الشيء :
- لديكِ عينان جميلتان ثم أردف و هو ينظرُ لها بحدة : و الآن ماذا تريدين ..؟
لا يعلم حتى لما أخبرها بهذا , لكنه لم يرغب بكتم إعجابه هذا , أعاد نظرهُ لها ليرى أن الحمرة اعتلت وجنتيها , " يا إلهي الفتيات !!" هكذا قال في نفسه .
- المُدير يريدك في مكتبه , و أيضاً شُكراً لك .
قالت هذا بطريقة لطيفة جداً و استدارت لترحل , يالقسوتك أيها الشاب , أتحدثُ فتاةً بهذهِ الرقة بأسلوبٍ متعجرف كهذا ..!
زم ذلك الشاب شفتيه بضيق , ماذا يريد منه المدير , هو لم يتسبب بالمشاكل في الفترة الماضية !!
نهض و هم بنفض بنطاله المطابق للون عينيه , ثم وضع يديه في جيوبه و تقدم بخطواتٍ باردة .
غُرفة كبيرة الحجم , يتوسطها مكتبٌ كبير بلون العود , خلفه كرسي جلدي أسود يجلسُ عليه رجل في عقده الأربعين , يملكُ شعراً كلون الكرسي لكن تتخلله شعرات بيضاء , نظارة مستطيلة الشكل استقرت على أنفه , بسبب ضعف نظرِ عينيه السوداوتين , مقابل له فتى يجلسُ على الكرسي المقابل للمكتب و أمامه كرسي أخر يفترض أن يكون صديقه يجلسُ عليه لولا أنه تأخر ..!
- إذاً أين صديقك المسبب للمشاكل ..؟
نطق صاحب النظارات بنبرةٍ باردة .
هز الفتى كتفيه بلا أعلم و هو يدعو أن يأتي الآخر قبل أن يغضب المدير , قد بدت على ملامحه التوتر الشديد , طُرق الباب و فُتح قبل أن يسمع الطارق رد , دخل ذو الشعر الأسود و على عينيه الزرقاء نظرة برودٍ شديد ..!
- ماذا الآن ..؟ , أنا لم أتسبب بالمشاكل حتى , فلماذا تقوم باستدعائي ..؟ هكذا قال و اللامبالاة لا تخلو من نبرة صوته .
ألقى ناظريه على الفتى الذي ظهرت على ملامحه الراحة حين رآه , رفع إحدى حاجبيه باستنكار :
- أوليفر هنا أيضا ..؟!
تحدث المديرُ أخيراً :
- يمكنك الجلوس لأشرح لكما لما أنتما هنا ..!
هم ويليام بالجلوس على الكرسي المقابل لأوليفر و الحيرة بدأت تملأ رأسه .
* انتهى