لا أزال أتذكر تلك النجوم المتلألأة التي تغطي قرية [ سارنو ] دوماً !
الجبال الشاهقة و الهضاب العالية و الطبيعة الخلابة !
كل ذلك لا أزال أتذكره و كأنني لا أزال أعيش فيه !
حقاً قد يكون هذا حلم ، فإن كان كذلك فأنا لا أتمنى الاستيقاظ منه أبداً !
الفصل الثــالـث [ إنها مجرد البداية فقط ! ]
[
سأساعدكِ على الانتقام ! ]
جملته تلك لا تزال تتردد بعقلي و كأنني للتو قد سمعتها !
كنت عاجزةً حقاً على الرد عليه في تلك اللحظة !
الحروف قد خانتني و ليسما أنها المرة الأولى التي يعرض أحدهم عليَّ المساعدة !!
حقاً أنا لست مهتمة بهذا الآن يكفيني أن قلادة أمي معي .
لكن ما يحيرني هي نظراته عندما نطق بتلك الكلمات .
لم يسبق لي و أن رأيت عيناه تتوهجان بتلك المشاعر البغيضة بالنسبة لإِيرَل مثله !
و الغريب أنه طلب من خدمه أن يعاملوني كإبنته حتى أنه أحضر لي أفخر و أجمل الثياب !
ما ظننته بالبداية هو أن يعاملني كخادمة بعد شفائي لكن ما حدث كان العكس .
أتساءل لِمَ يعاملني هكذا ؟ أم أن هذا تصرف الإِيرَل أياً كان الشخص الذي يتعاملون معه ؟!
-
بِمَا أنني أثق بــ[
آسامي ] فقد سألتها عن ماضي ذلك الــ[
ستيفان ] .
هي تصلبت في مكانها و لم تجبني و كأن إبرة وخزتها !
لذا فكرت بسؤال الطبيبة لكن للأسف يبدو أنها ليست طبيبة القصر لهذا هي ليست به .
تقدمت إلى النافورة التي توسطت القصر إنه حقاً يذكرني بقلعة [
أوساكا ] اليابانية !
جلست على حافة النافورة أراقب الأزهار و العشب بالحديقة .
تذكرت والديَّ فخانتني دموعي و انهمرت واحدةً تلو الأخرى لتروي قصة فراقٍ مؤلمة .
-
لِمَ تبكين يا آنسة ؟
صوت طفولي سأل !
التفت اتجاه الصوت لأرى صاحبه ، طفل هو بالعشرة من عمره ربما .
ملامحه لا تختلف عن [
ستيفان ] أبداً ! لكن ما يفرقهما هو شعره الأسود الذي بدا كالفحم .
مسحت دموعي بسرعة ، أردفت و أنا أرحل مبتعدةً عنه :
-
من قال بأنني أبكي ؟!
ركض نحوي ، هكذا عرفت من خطواته ، صرخ بصوت مرتفعٍ مزعج :
-
يا آنسة سقط منكِ هذا !
استدرت إليه ، كان يمسك بيده قلادتي الثمينة .
شددتها منه بعنف ، صرخت بوجهه و الغضب يعتريني :
-
كيف تجرأت و لمستها !!!!
أخفض رأسه ، أردف بصوت خشرجة :
-
أنا آسف حقاً ،
أنا فقط …
قاطعته :
-
اغرب عن وجهي فحسب !
أماء برأسه وركض مغادراً مبتعداً عني .
كم هو طفلٌ مزعج ! هذا ما كان ينقصني !؟
بصراحة اندهشت بعض الشيء ، هل يربي [
ستيفان ] أطفالاً هنا ؟ أم أنه وجده مثلي ؟!
ضربت جبهتي بخفة نافضةً تلك الأفكار من رأسي ، اتجهت لداخل القصر و أنا عازمةً حقًا على معرفة ماضي [
ستيفان ] .
-
-
هل يربي [ ستيفان ] أطفالاً هنا ؟ .
سألت [
آسامي ] التي أحضرت الطعام إلى غرفتي .
نظرت إليَّ باندهاش ، أردفت بتساؤل :
-
لِمَ تسألين سؤالاً مثل هذا ؟!
-
كل ما في الأمر أنني قابلت طفلاً مزعجاً منذ قليل !
-
قابلتِ السيد الصغير ؟
-
السيد الصغير ؟ لِمَ من يكون ؟ هل هو يتيم متشرد مثلي ؟!
ظللت صامتة لبرهة ثم أجابتني :
-
السيد الصغير [
إيثان ]
هو حفيد الإِيرَل [
ستيفان ] .
إذاً [
ستيفان ] لديه حفيد ! لكن أين أبويه ؟!
سألت بحيرة :
-
و ماذا عن والديه !
أين هما ؟!
تحولت ملامحها للحزن ، ترقرقت الدموع في عينيها ، استطردت بحزن :
-
والديه ماتا منذ عشر سنوات .
منذ عشر سنوات ! إذاً ماتا وهو بأشهره الأولى !
-
و كيف ماتا ؟ . سألت !
-
هل تذكرين اجتياح مقاطعة [
نابولي ]
ضد قرية [
سارنو ]
منذ عشر سنوات ؟
عادت بي الذكريات إلى ذلك اليوم حيث أتتنا خالتي بوجهٍ مكفهر و ملابس مشققة ، حينها أخبرتنا بأن زوجها توفيَّ غير أن ابنها قد أُسِر .
أمأت برأسي لتتابع حديثها :
-
كان السيد [
ستيفان ]
و عائلة السيد الصغير في زيارةٍ لقرية [
سارنو ]
و حينها توفيا هناك ،
غير ذلك …
صمتت قليلاً ثم استرسلت بالكلام :
-
قريب السيد [
ستيفان ]
مات أيضاً في آخر اجتياح حصل !
هكذا إذن ، والدا ذلك الصغير ماتا في الاجتياح الذي صار منذ عشر سنوات .
لكن من تقصد بقريب [
ستيفان ] ؟ أساساً لِمَ قد يعيش أحد أقربائه في قرية مثل [
سارنو ] ؟!
-
إذاً هل [
ستيفان ]
يكره مقاطعة [
نابولي ] ؟
رمقتني بنظرةِ غريبة ، تنهدت بحرقة ، أردفت بغموض :
-
نعم ،
إنه يكرههم ، لهذا السبب هو يرغب بالانتقام و ليسما بعد موت قريبه مؤخراً .
بعثرة أفكار اعترتني ، استطردت بتساؤل :
-
من يكون قريبه ؟
-
أنا بصراحة لا أعلم ،
كل ما أعرفه أن زوجته قد توفيت و أن لديه ابنة وحيدة .
جاءتني أسماء عدة لآباء من القرية قد توفت زوجاتهم و ليس لهم إلا ابنة واحدة .
ربما عددهم ستة ، و كلهم ماتوا حتى بناتهم ، أتساءل أيَّ واحد منهم هو قريب [
ستيفان ] ؟!
انحنت [
آسامي ] فعرفت أن [
ستيفان ] قادم !
في الواقع إنه موعد الغداء !
غرفة واسعة توسطتها طاولة طويلة شعرت بأن لا نهاية لها !
وُضِعَ على الطاولة طعامٌ شهيَّ يسيل اللُعاب .
[
ستيفان ] كان يجلس على المقعد المنفرد في أول الطاولة ، أما أنا فكنت أجلس على يمينه و الصغير المزعج أقصد [
إيثان ] جلس على يساره !
أعتقد أن [
إيثان ] لم يسمح لعينه أن تنظر إلى أحد غيري .
كنتُ أشعر بعيناهُ تراقبانني لدرجة جعلتني أشمئزُ من تناول الطعام !
انتهيت من تناول الغداء مبكراً فأنا لم آكل سوى القليل مُدَعِيةً أن معدتي ممتلئة لأنني فطرتُ متأخراً !
اتجهت لغرفتي بعد ذلك و طلبت من [
آسامي ] أن تحضر لي حماماً ساخناً !
آلاف الأشياء كنتُ أفكر بها ، ابتداءً من ذلك الصغير المزعج نهايةً إلى قريب [
ستيفان ] الذي مات في آخر اجتياح ,
أنا لا أعرف عن [
ستيفان ] أي شيء ، إنه غامض بالنسبة إليَّ ، أنا حقاً مُصِرة على معرفته أكثر !
ممنوع الرد