عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي

روايات و قصص الانمي روايات انمي, قصص انمي, رواية انمي, أنمي, انيمي, روايات انمي عيون العرب

Like Tree61Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 08-09-2015, 01:22 PM
 
كتير رائعة المقدمة وبإنتظار أول فصل علي أحر من الجمر
__________________

the cradle to the grave
Make hay while the sun shines
Strike while the iron is hot
If you wish to be obeyed don't ask the impossible

روايتي الأولي
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-10-2015, 10:07 AM
 
][ الفصل الأول ][

][ الفصل الأول ][



( لقاء )









-1-











تململت على مقعدي في المركب الصغير بضيق ،
أنا أكره البحر و أخافه منذ صغري.


كنت أعلم أن هذا الجزء سيكون الاسوء في الرحلة الطويلة التي سأقطعها من مدينتي الى هنا.
رحلتي بالطائرة وحدها استغرقت ستة ساعات ،
و الآن علي أن استقل مركبا للسياح لا يحتوي سوى على مقاعد في فسحة مفتوحة تطل بجميع نواحيها على البحر .
حتى اصل الى جزيرة "ليمشاك" الاستوائية ، و تلك رحلة ستستغرق ساعة على أقل تقدير.

تلفتت حولي علّي أنسى خوفي و توتري ,
الجميع يبدون مستمتعين , فمعضم الركاب هم من السياح تملأهم حماسة إستكشاف شيء جديد.
البعض كان يتأمل البحر بإفتتان !
و البعض الآخر كان يتطلع الى الخرائط و كتيبات الدليل السياحي بإهتمام شديد.

تمنيت لو أستطيع أن أكون مرتاحة هكذا .. البحر الازرق يمتد بديع الجمال ,
و طيور النوارس تحلق و أصواتها تختلط بأصوات أمواج البحر.
الشمس كانت ساطعة و السماء صافية هذا اليوم .
انه منظر خلاب و ساحر لكنه لا يبعث في نفسي أي شيء عدا الخوف !
فقط طفلان راحا يتسابقان حول المقاعد ، و شاب كان يتشاجر مع رجل كبير
لم يكونوا مهتمين بالاستمتاع بالمنظر او الرحلة البحرية القصيرة هذه.

تطلعت مسغربة الى الرجل الذي صرخ في وجه الشاب ملوحا بيديه بغضب
بينما الاخير يدير رأسه في ضجر مطلقا تنهيدة سأم.
ثم التفت الشاب الى الركاب يدير عينيه فيهم و كأنه يبحث عن خلاص ,
لقد كانا جالسين عند زاوية مقابلة لي في المركب .. أمامي لكن بعيدين بما يكفي
كي لا اسمع حوارهما.

ثم وقع بصر ذلك الشاب علي للحظة , كان أكبر مني قليلا كما أظن
في العشرين ربما , لمعت عيناه للحظات وهو يرمقني ابتسم ثم حرك رأسه بإتجاه آخر متجنبا محدثه.
لم أهتم كثيرا بمعرفة ما الذي رآه ذلك الشاب ,
فقد اهتز المركب قليلا و إرتعبت !
يا الهي كم اكره البحر.

بدأ الذعر يغرقني الآن أكثر حتى منذ أول لحظة علمت فيها بأن علي قطع هذه الرحلة !
كنت متأكدة من أني الوحيدة بين ركاب هذا المركب المحتشدين ،
التي لا تشعر بالحماس لذهابها إلى جزيرة ليمشاك !


لازلت أذكر كلمات "سام" التي فرحت و تحمست لهذه الفكرة ظانة بأن لقائي بوالدي
بعد مرور هذا الزمن كله قد يسعدني و لو قليلا.
أما السيد و السيدة "روجر" الذين يعلمان حقيقة رأيي بخلاف ابنتهما فقد عرضا علي البقاء للذهاب معهما في عطلة الصيف ,
الى باريس .. حيث كانت وجهتهم هذا العام.

لكني ما كنت لأوافق على هذا العرض السخي مهما بدا حبل الخلاص لي من لقاء أبي .
يكفي أني أعيش عالة عليهم منذ وفاة أمي قبل ثلاث سنوات و لن أقبل مزيدا من العطف منهم.
كنت قد ادخرت مبلغا صغيرا من عمل كنت أقوم به بعد المدرسة .
كي أدفع أقساط جامعتي .. أحاول على أي حال !

و كان بوسعي أن ادفع تكاليف الرحلة الى باريس
و لم أرد أن أترك السيد روجر يهتم بمصاريفي بعد الآن فأنا في الثامنة عشرة و قد صرت ناضجة.
لكن المال لدارستي الجامعية و لن أنفقه على رحلة غير ضرورية في نظري ,
السيد روجر لم يكن ليرضى بأن يتركني أبقى في البيت وحيدة و هم مسافرون بعيدا.. فكان علي البحث عن عذر !
لقد كان دوما رجلا طيبا و أبا مثاليا.


و هنا وصلت رسالة أبي يطلب فيها رؤيتي .. !
لم أكن لأوافق على الذهاب اليه مهما رجاني ,
لكني تفاجأت حتى الغضب إذ أن رسالته كانت تحمل نبرة الأمر لا الرجاء !
السيدة و السيد روجر كانا صديقين لأمي و يعلمان تماما عن انعدام التواصل بيني و بين أبي .

وكانا قلقلين علي و اقترحا ان لا أذهب .. و لهذا كان علّي أن أدعي الاهتمام بأمر أبي و الرغبة برؤيته
كي يدعاني أرحل ..

السيد و السيدة روجر لم يعاملني خلال السنوات الثلاث التي مضت بإختلاف عن ابنتهم سام .
كنت فردا من العائلة في نظرهم ... لكني إعتبرت نفسي ضيفة على الدوام . وآن الاوان لأرحل .
صيف واحد .... صيف واحد فقط أذهب بعده الى الجامعة
و أنسى كل شيء عن ذلك الرجل المدعو "أبي" و لن تكون به أي صلة بعدها !
فقد كان من السوء بحيث أهملني طيلة أعوام.. و حتى بعد وفاة والدتي .


تنهدت .. انفصل أبي و أمي قبل ست سنوات ،
لم يحدث أي طلاق ،
و بحسب ما فهمته كان والدي قد رفض الطلاق حينها.
بالطبع ما كانت أمي لترضى بذلك بسهولة،
لذا رفعت دعوى قضائية على أبي ،
بالإمكان تصور كم كانت حربا ضارية بين الإثنين ،
لم يفز فيها أي منهما ، أرادت أمي الطلاق ،
و أراد أبي الوصاية علي مقابل ذلك.
ليس لإهتمامه أو لحبه ،
بل لأنه أراد كسب تلك الحرب مهما كلفه الأمر.
لا أذكر أيا من تلك الأمور ، و لكني اتذكر اليوم الذي غادرت فيه هذه الجزيرة مع أمي.
و اتذكر كل مناسبة أو ذكرى مرت من دون أن أحضى بأي شيء من والدي يذكرني به ،
لا رسالة و لا هدايا أو مكالمات هاتفية و لا حتى بطاقات بريدية.
كان الأمر كما لو أنه نسي وجودي تماما.

استمر ذلك حتى شهر مايو الماضي.
حتى حصلت المفاجأة.. و دون أن أفهم كيف أو لماذا ؟
وجدت رسالة من أبي يأمرني فيها أن أسافر إليه بأسرع وقت.

كانت كلماته سخيفة إلى حد الغضب.‏
أبعد مرور ثلاث سنوات على وفاة أمي ، يتذكر فجأة أنني وحيدة ؟!

لقد كان هذا الأمر عذري لآل روجر الطيبين لأتركهم وأبدأ الاعتماد على نفسي ....
و إلا ما كنت لبيت طلبه مطلقا.

قرار قد عزمت على تنفيذه .. فلن أعود للعيش في بيتهم بعد الآن .
وبفضل كبريائي صار محتما علي لقاء والدي
الذي تذكر فجأة أن له ابنة في مكان ما لا يدري عنها.


ألقيت نظرة سريعة الى البحر فشعرت بالرعب يدب في أوصالي من جديد.
ليتني أتغلب على خوفي هذا .. فانا سأقضي ثلاثة أشهر في جزيرة تحيط بها المياه من كل جانب
و سأرى البحر كثيرا في الغالب.
رميت حقيبة ظهري في حجري و رحت أبحث في داخلها
و عثرت أخيرا على مشغل الأقراص المدمجة ،
كانت صديقتي سام قد أهدتني إياه في عيد ميلادي الأخير.
ثم فتشت ايضا عن أسطوانة لفرقة سيزرس.

كانت الهدية الأخيرة من سام حين رأيتها قبل مغادرتي بيوم ،
أهدتني أسطوانة موسيقية للفرقة الأكثر شعبية في جزيرة ليمشاك
رغم أنها تعرف أني لا أحب هذا النوع من الموسيقى العصرية ، أنا لم استمع إليها حتى الآن.

وجدت الأسطوانة ذات الغلاف البلاستيكي الأسود و عليها كتابة بيضاء تبدو كلطخة طلاء فوضوية.
كان اسم الفرقة قد كتب عليها "سيزرس" أجد الإسم سخيفا جدا !

لكن سام أكدت لي أن أغانيهم جميلة بقدر ما هم جذابون !


وجدت نفسي ابتسم.
كانت سام بخلافي ،
لا تجد أي مشكلة في التحدث كمراهقة مفتونة في كل وقت.
بينما أنا لم أشعر بأي شيء يشبه أبدا !

الاعجاب و الافتتان ... لم تسنح لي الفرصة لتجربتهما !
زممت شفتي و عبست حين تذكرت الى من أعزو الفضل في ذلك ...
"بيتر " ابن خالة سام ..

ذلك الفتى كان مجنونا بالكامل ليطاردني طوال مرحلة الثانوية دون ملل ..
لست آسفة لأني لم أودعه!!
فقد أحال حياتي الثانوية الى جحيم ..
و كان السبب الرئيسي وراء رفضي لفكرة المواعدة ..
فدائما كان في وجهي .


هززت رأسي أنفض عنه تلك الذكرى السيئة ثم وضعت سماعتي الأذن و قمت بوضع الأسطوانة داخل جهاز الأقراص المدمجة و تشغيلها دون أن أنظر إلى صورة أعضاء الفرقة على الغلاف .

كنت أحاول تناسي حقيقة أني على ظهر مركب في عرض البحر أواجه واحدا من أسوء كوابيسي و بإرادتي .
أغمضت عيني و أسندت رأسي الى ظهر المقعد و أنا استمع إلى موسيقى البداية.

استمعت إلى الكلمات و الألحان التي كانت حزينة معظم الأغنية.
كانت سام على حق .. لقد كانوا بارعين و مذهلين.
صوت المغني و العزف الهادئ و الكلمات .. كل شيء كان ساحرا.

أعجبتني الاغنية كثيرا و كنت أهم بإعادة تشغيلها حين فاجأتني الحركة في المقعد المجاور لي .
فتحت عيني و التفت على عجل لأفاجأ بذلك الشاب الذي كان يرمقني قبل قليل .

المركب الصغير كان مزدحما لكني كنت ممتنة أن لا أحد جالس الى جواري ,
فلم ارد التعامل مع خوفي من البحر في وجود شاهد يجعلني أموت حرجا .
ماذا يريد على أي حال ؟

كان لذلك الفتى شعر كستنائي كثيف ووجه أسمر لوحته الشمس.
كان لقميصه الرياضي الكبير
و سرواله الفضفاض الكاكي اللون الى جانب شعره المنطلق في جميع الاتجاهات مظهر عابث.
نظر الي لبرهة ثم سأل:
((آسف ... هل تمانعين ؟ ربما كان علي أن أستأذن أولا !))


هززت رأسي و أزلت سماعتي الأذن :
((في الواقع أنا كنت راغبة في البقاء وحدي !))


لم ينزعج .. بل ابتسم بلطف :
((و أنا كنت راغبا في التخلص من الجدال مع صديقي هناك .. فأخبرته بأني أعرفك من قبل و بأني قادم لألقي التحية !))

ابتسمت :
((أتكذب هكذا كثيرا في العادة ؟ ))


تمتمت قائلة , فضحك بمرح :
((بإمكانك القول... بأني لم أطق رؤية فتاة جميلة تعاني الوحدة .. كنت أكذب لنجدتك ايضا!))

((كم أنت نبيل !))

قلت ساخرة , لكنه هز رأسه مبتسما بفخر و كأني إمتدحته .

كانت لديه عينان كبيرتان سوداوان تبدوان مرحتين ,
لقد كان وسيما الى الحد الذي كان ليجعل سامتجن غضبا ,
إذا رأتني مستمرة بصده في محاولة للتخلص منه !!

لكني لم أكن في المكان أو الوقت المناسبين لهذا .


((إذا .. لما أنت هنا ؟))

سألني بهدوء.
لم أجب ..
فقد اهتز المركب للمرة الثانية بفعل موجة صغيرة ..
اهتزازة صغيرة بسيطة جعلتني أجفل في مكاني ... و أغمض عيني بقوة .
ضحك ذلك الشاب من جديد , سألني :
((هل تخشين البحر ؟))


((دعني و شأني إذا سمحت .))

استمر يضحك ساخرا مني ,
فيما كنت أغطي وجهي بكفي غير راغبة في النظر الى الرقعة الزرقاء الفسيحة حولنا.
و علق هو :
((أنت غريبة فعلا .))


استدرت اليه بضيق :
((ليس صحيحا .. كثير من الناس يعانون من رهاب الـ..))


قاطعني :
((ليس ذلك .. بل كونك تسافرين في مركب رغم خوفك من البحر , ألم تجدي وسيلة أخرى ؟))


حدقت فيه مستغربة لبرهة , لم يكن يسخر الآن , فعينيه كانتا جادتين .. بدا مهتما فقط فأجبته :
(( إنها الوسيلة الأسهل و الاسرع الى الجزيرة أنت تعلم.))


و الارخص و الأقل تكلفة بما أني لا أملك الكثير من المال لأبذره.

((فهمت .))

أومأ برأسه ثم يمد يده قائلا بمرح :
((أنا ويليام هاينز يمكنك مناداتي ويل .. سعيد بمعرفتك.))

صافحته مبتسمة :
((و أنا سمر نيلسون .. تشرفنا !))

عقد حاجبيه و ردد :
((سمر ؟! ))

ثم تأمل شعري الاسود المتماوج فوق ظهري , و وجهي الابيض ثم عيني الزرقاوين .. قال بصوت شارد هادئ :
((اسم جميل , ستناسبك جزيرة ليمشاك كثيرا .. كما الأزهار الصيفية !))

تمتمت بخجل :
((شكرا .. لست أنوي المكوث طويلا هناك.))

ارتج المركب لكن هزته هذه المرة لم تكون بسيطة , تلفتت حولي فقال ويليام يطمئني :
((لسنا نغرق اطمئني انتهى عذابك فقد .. لقد وصلنا.))


تنفست بإرتياح حين نهضنا و توجهنا للبوابة الصغيرة للمركب و التي ازدحم الجميع عندها ,
لم أتقدم نحو الزحام رغم عجلتي الشديدة لوقوف على الارض من جديد.
انتظر ويليام الى جانبي .. ثم نزل معي على السلم المعدني الصغير.
لعله نبيل بعد كل شي .

((تفضلي .))

قالها وهو يناولني حقيبة سفري بعد أن أخرجها من المركب .


((شكرا لك .))

لاحظ الاسطوانة الموسيقية التي كنت أعيدها الى حقيبة ظهري مع جهاز التشغيل .

سألني بدهشة :
((هل تسمعين لـفرقة سيزارس ؟))

أجبته :
((هذه كانت أول مرة لكنهم بارعون ... ماذا عنك ؟))

ابتسم بشيء من الزهو , قال :
((أنا عضو في تلك الفرقة .))

قلبت الاسطوانة لأنظر في صورة أعضائها و أنا أسأل :
((ينبغي أن تكون صورتك هنا إذا .))

رأيت وجوه الشبان الاربعة و لكن ويليام لم يكن بينهم.

((لست أميزك في هذه الصورة.))

عقد حاجبيه وهتف :
(( غير ممكن دعيني أرى .. ))

نظر الى الاسطوانة لحظة ثم قال :
((نسخة قديمة ... اناعضو جديد في الفرقة , عازف الطبل الجديد.))

((بالتأكيد أنت كذلك.))

عبس قليلا :
((أنت لا تصدقينني .. لست أتباهى فهذه الحقيقة.))

فكر قليلا ثم قال :
((اسمعي .. مؤكد بأنك ستمضين بعض الوقت هنا صحيح ..
خذي هذه و تعالي لحفلة الغد عندها سترين بنفسك .))

وناولني تذكرتين لحفلة موسيقية للفرقة , ثم استطرد :
((أحضري رفيقك أيضا .))


رفيقي... فعل ذلك ليعرف ردي ان لم اكن مخطئة , ابتسمت :
((ليس لدي رفيق .. أنا زائرة جديدة.))

ابتسم بسرور :
((حسنا .. هل تحتاجين مساعدة للوصول الى منزلك.))

((كلا شكرا .))

غمز لي قائلا :
((أراكي ليلة الغد إذا.))


((أراك حينها.))

ثم انصرف مغادرا , أراد و بشدو أن يؤكد لي كونه فردا ففي تلك الفرقة الموسيقية ,
لكن الامر لا يهمني حتى.
لم أعلم هل كان ذلك موعدا فيما بيننا أم ماذا ؟
لكني شعرت بشيء من الارتياح ,
ويليام صديق لطيف كما يبدو و قد يجعل الأشهر التي علي قضائها هنا
تنقضي بسهولة و سرعة كرحلة المركب تلك .


اضطررت إلى أن استقل سيارة أجرة من موقف الحافلات و حتى البيت.
لحسن الحظ مازلت أذكر العنوان.
دخلنا وسط الجزيرة الآن فتركت سرحاني في الذكريات لأركز على الطريق.
مضت ست سنوات لم أرى ليمشاك خلالها.
بدا مشهد المباني الصغيرة كئيبة الألوان مألوفا ..
و كذلك منظر الشوارع المكتضة بالسيارات و البشر على حد سواء ..
كنت أرى بين الحين و الآخر مجمعات و أسواق تجارية كبيرة ..
و حدائق و متنزهات خضراء جميلة..
كانت حديثة ، لم تكن هذه هي جزيرة لميشاك نفسها التي أتذكرها قبل سنوات ..
شمس مشرقة و دافئة و اخضرار و أزهار في كل مكان .

كان من الممكن أن تكون مكانا غير سيئ ،
لو لم يكن هناك شيء آخر تغير أيضا خلال ذلك الزمن..
وهو كيفية شعوري اتجاه أبي .. أصبحت أشعر بالكره تجاهه .
خاصة بعد الأزمة التي مررت بها بعد وفاة أمي .. وكان هو بعيدا يتجاهل وجودي .

دفعت أجرة السائق و صرت مفلسة تماما.
أخذت نفسا عميقا و أنا أراقب سيارة الأجرة التي اختفت عند المنعطف.
ثم رحت أتأمل الشارع..
و البيوت المحيطة..
و بيتنا القديم..
البيت الذي جمعنا كلنا ذات يوم.
فوجئت به أصغر مما اتذكر.
كان طلاؤه الأزرق قديما كما هو ،
و كانت شجرة التفاح الضخمة تطل بأغصانها من خلف سور البيت الكبير.
جعلني المنظر المألوف أشعر أن كل شيء سيكون بخير.

دخلت من باب سور منزلنا الصغير ،
و جررت خلفي حقيبتي الكبيرة ذات العجلات و أنا أحافظ على هدوء أعصابي قدر المستطاع ..
ماذا ستكون تفسيراته لما فعل طوال تلك السنوات ؟
ماذا سيقول ؟
وماذا سيفعل عندما يراني ..
أظنه لن يتعرف علي بادئ الامر فهل سأقف قائلة
: أنا ابنتك سمر يا أبي .!!

سخيف ... سيكون هذا الموقف سخيفا لكن سأترك المبادرة الاولى له ,
فعليه ان يشرح لما لم يأتي لإستقبالي في الميناء.

قرعت جرس الباب القديم ،
فارتفع زعيقه المزعج و كأنه صوت قط يسحق ذيله في كل مرة.
ابتسمت .. كان يحلو لي اللعب به و ازعاج من بالبيت بصوته.


فوجئت بامرأة في حوالي الثلاثينات تفتح لي الباب عوضا عن أبي.
هل اخطأت العنوان ؟
كلا أنا واثقة .. هذا هو البيت.
ابتسمت لي بدت جميلة ، و تلك العينان ذكرتاني فورا بأمي ، قالت :
((لابد و أنك " سمر " ، لقد كبرت و صرت فتاة أجمل بكثير مما تصورت.))

كان علي أن أجعل ذاكرتي تعمل فقلت و أنا أحاول أن اتذكرها من الماضي :
((هل تعرفينني ؟!))

هزت رأسها نفيا و ضحكت قائلة :
((ليس شخصيا ! رأيت صور طفولتك و كنت أعلم أنك صرت شابة الآن ..
و لكنني فوجئت فعلا .. تشبهين أباك كثيرا.))

لا أدري ما الذي أزعجني بالضبط ،
كون إمرأة غريبة في منزل أبي تتطلع على صوري و ترحب بي نيابة عنه ،
أم تشبيهها لي بأبي الذي يزعجني أن ارتبط به في أي شيء.
وجدت نفسي أهتف عابسة :
((و من أنت ؟))

خرج صوتي حادا أكثر مما ينبغي ،
عرفت ذلك حين ظهرت علائم الضيق على وجهها وهي تجيب بلهجة خالية من كل آثار مرحها قبل لحظة :
((أنا ادعى "مارلين" أسكن في ذاك المنزل.))

و أشارت إلى بيت حديث البناء ، لم يكن له وجود في السابق كما أذكر ،
كان يطل من الطرف المقابل لبيتنا ، يفصل بيننا الشارع فقط.
تأملت للحظة ذلك السياج الأبيض و حديقة الأزهار المنمقة و المنزل الحجري الأنيق ،
ثم عدت أنظر إليها بغير فهم ،
هل تظن أنها أجابت عن سؤالي ؟
قالت محاولة أن تبدي الحماسة :
((أنا جارتكم الجديدة!))

ضحكت ثم تابعت :
((لست جديدة فعلا ، فقد انتقلت للسكن هنا قبل عامين.
لقد طلب مني والدك أن أبقى لإستقبالك لأنه مشغول بعمله و لم يستطع البقاء.))

عادت تبتسم بمرح و هي تتقدم نحوي و تحمل الحقيبة عني عند صعودي على درجات الباب.
تقدمتني إلى غرفة الجلوس ثم إستدارت حين وصلنا و قالت بابتسامة :
((هل تحتاجين أي مساعدة ؟
لقد جهزت لك غرفتك و رتبتها.))

نظرت إليها بصدمة ،
لاحظت ذلك لذا بادرت بالتحدث بتهذيب :
((شكرا لك سيدة مارلين..))

قاطعتني هاتفة :
((نادني مارلين فحسب ، في الواقع .. أنا آنسة !))

قالتها و غمزت لي.
إرتفع حاجباي لهذه الحقائق الجديدة ، لكني لم أجد بدا من أن أومأ برأسي و ابتسم مجاملة.
سبكون صيفا طويلا جدا !
و خاصة إذا كان ما أظنه صحيحا.
تنحنحت مغمغمة :
((هل سيتأخر والدي؟))

لم أغامر بالجلوس البتة ، كنت آمل في أن تنصرف إلى بيتها.
فتظاهرت بالإهتمام و أنا استمع لثرثرة كان ملخصها أن والدي لن يعود قبل المساء و أنها حضرت لي شيئا لأتناوله و وضعته في البراد.

لم انتبه سوى على عبارتها الأخيرة :
((سأذهب الآن .. نادي علي إن احتجتي إلى أي شيء .. أصبحت تعرفين مكاني.))

ابتسمت و أنا أمشي معها إلى الباب :
((شكرا لك .. أنت لطيفة للغاية !))

أجل .. لطيفة أكثر من اللازم.
ابتسمت و قالت سعيدة :
((آه هذا رائع يا عزيزتي .. سنكون صديقتين مقربتين !))

لم أجد ما أقوله فإكتفيت بالابتسام ،
أما هي فقد ربتت على رأسي كما لو أني صبي في الخامسة ثم انطلقت نحو بيتها سعيدة.
شيء ما يقول لي أنها أكثر من مجرد جارة طيبة تشفق على ابنة جارها الذي يصادف أنه (أعزب) .. فتحضر له العشاء و ترتب البيت لإستقبال ابنته وهي تأمل أن تكون علاقتها طيبة بها.

دخلت إلى غرفتي منهكة ،
زعقت غاضبة و أنا أخلع حذائي لأرتمي بجسدي فوق سريري المريح.
هذا ما كان ينقصني ..
لم أحب تلك المرأة بقدر ما كانت لطيفة ،
و لم أستطع تصور والدي مرتبطا بأخرى رغم كرهي له.
غفوت و أنا أدعو الله أن لا يحدث أي شيء رسمي بينهما حتى اليوم الذي أبتعد فيه .. لم أكن قادرة على التدخل في حياته ،
و لم تكن أعصابي جاهزة لمثل هذا الحدث أبدا.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-10-2015, 10:09 AM
 





][ الفصل الأول ][


( لقاء )





-2-







كنت ما أزال مشوشة حين استيقظت و فتحت عيني ،



تلفت حولي و لم أتعرف المكان أول الأمر ،

كانت خزانة خشب الأرز الكبيرة على الحائط الجنوبي قرب الباب أول ما وقعت عليه عيناي.

ذلك لأنها كانت في الجهة المقابلة لسريري.

و على يميني كانت النافذة التي تطل على الشارع و حديقة المنزل ،

عليها ستائر زهرية و بيضاء اللون ،

و عند الحائط الأيسر طاولة و كرسي للكتابة ،

أما بجانبي فكانت هناك منضدة صغيرة عليها ساعة و مصباح كهربائي.

أخذت نفسا عميقا ، حتى رائحة لحافي بدت غريبة لي.

ثم شيئا فشيئا بدأ عقلي يصحو ليتذكر ،

أنا الآن في غرفتي في منزل أبي.

نهضت متعبة و رحت أمدد عضلات جسدي المتيبسة.

تذكرت والدي فجأة .. ربما يكون قد عاد الآن.

كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساء.

سرت إلى النافذة لأفتحها ،

كنت ذاهلة من استطاعتي النوم كل هذا الوقت.

رأيت الشارع المظلم إلا من مصباحين اثنين ،

و لكن سيارة أبي لم تكن موجودة هو ليس هنا إذا.

عاد الإكتئاب إلي سريعا حين رأيت منزل مارلين.

فقررت إغلاق النافذة !

نظرت إلى نفسي ،

كنت لا أزال أرتدي السترة و القميص الأبيض و الجينز ذاته منذ ليلة البارحة.

زفرت بإنزعاج .. لقد كانت رحلة طويلة و متعبة.

توجهت إلى حقيبتي التي لاحظتها بعد أن بدأ عقلي يعمل ،

و أخرجت بيجاما النوم و مضيت إلى الحمام الوحيد في المنزل.

كان يقع في نهاية الرواق الصغير ، بعد غرفة والدي.


شرعت بتفريغ حقيبتي بعد أن إنتهيت من حمامي.

لم تكن ملابسي كثيرة لكنها كانت كافية برأيي.


((أجل .. !))



صحت و أنا أبحث بين ما تبقى من الثياب داخل الحقيبة عن أسطوانة فرقة سيزرس.

راغبة في الاستماع اليهم.


شغلت الجهاز و واصلت ترتيب امتعتي في الخزانة .
كنت أعلق آخر ثوب حين تسمرت فجأة !

مع انتهاء المغني الرئيسي للغناء ..



سمعت عزفا ختاميا للأغنية ..

كانت ألحانا صادرة من ناي ..كما خمنت ..

لكنها كانت مختلفة عن أي لحن سمعت من قبل ..

ظللت ساكنة حتى بعد انتهاء آخر نغمة ..

لقد كانت عذبة إلى حد لا يصدق !

أوقفت الجهاز قبل بدء الأغنية التالية و

أسرعت التقط الغلاف البلاستيكي من الأرض لأتمعن في اسماء أعضاء الفرقة..

المغني الرئيسي ..

و الكورس ..

عازف الطبل.. و الغيتار..

كلها اسماء لم تهمني..

كنت أريد معرفة اسم عازف الناي !

ذلك الذي يعزف ألحانا لا يكاد العقل يصدقها..

قرأت أخيرا :

اسم " غري " !

لم يكن اسمه الثاني مدونا كالبقية..

و لكن ما سر هذا العازف ؟



قلبت الأسطوانة لأنظر إلى الجهة الأخرى ،

تمعنت في صورة أعضاء الفرقة ،

لقد كانوا كأي مجموعة من النجوم أو المشاهير .. متألقي المظهر ، لم يكن هناك فارق كبير بيني و بينهم في العمر.

كانوا كما سمعت عنهم وسيمين كأبطال السينما و ويليام رغم كونه سيناسب هذه الصورة لم يكن جزءا منها.

لكن واحدا لفت انتباهي و أثار دهشتي ،

لقد كان أجملهم إلا أن لون شعره كان عجيبا.

لقد كان رمادي اللون أقرب إلى الفضي !

لابد و أنه كان من الجنون بما يكفي ليطلي رأسه كمغنيي الروك أند رول !

طلاه باللون الرمادي.

انتفضت حين توضحت الصورة في ذهني فجأة..

هذا هو معنى اسمه (غري = رمادي)

إنه هو نفسه عازف الناي !



واصلت قراءة كل المعلومات على الغلاف ، حتى قائمة الأغاني.

فوجئت حين وجدت أغنية كتب اسمه إلى جانبها بشكل خاص.

فعدت أشغل الجهاز من جديد على الأغنية رقم ثلاثة .. الأغنية التي تحمل اسمه ،

كنت متحمسة .. أردت التأكد إن كانت ألحانه جميلة بقدر ما تصورت قبل لحظة.

جلست على سريري انتظر البداية بفارغ الصبر.

وصلت نغمات متفرقة إلى أذني ..

كانت أعذب بكثير مما تصورت ..

ثم بدأت الألحان تتخذ مسارا معينا..

كانت هادئة .. عذبة .. و حزينة !

من دون كلمات .. أو غناء استمر ذلك اللحن ..

لقد كان لحنا سحريا يفعل بي شيئا عجبا لم أستطع فهمه ..

تعالت خفقات قلبي و شعرت كمن يسبح في الفضاء ..

وجدت كل ذكرياتي تتدافع داخل عقلي ..

كانت مشاعري تتضارب ..

لمست السعادة في كل لحظة سعيدة مرت في ذهني ..

كما لمست الحزن و اليأس مع كل لحظة بؤس من ذكرياتي..

كنت أعيش مع كل نغمة من نغماته ذكرى بعيدة ..

و ذكرى خيالية ضبابية لم تحدث بعد ..

و وسط ذلك التناقض و التضارب في أعماقي..

راحت النغمات تعلو

و تعلو بأحاسيسي على نحو عظيم يصعب تفسيره ..



انتهت موسيقى الناي الساحرة التي خدرت عقلي.

حتما إنها ليست موسيقى طبيعية !



و حتما أنا لم أسمع شيئا كهذا قبلا !

رحت التقط أنفاسي بسرعة بعد انتهاء تلك الألحان ،

كان علي أن اهدأ عقلي الذي كان يرفض تصديق أن هذا اللحن الساحر إلى هذه الدرجة ، غير طبيعي و خارج نطاق المألوف !


كانت النظرية التي حاول جانبي (العقلاني) اقناعي بها هي ،

أني متوهمة و مرهقة بسبب رحلتي الطويلة من أقصى الجنوب و حتى هنا !

هززت رأسي محاولة نسيان كل ذلك ثم إستلقيت على السرير بشكل أفقي و قدماي تلامسان الأرض.


((ليست ألحانا سحرية!))



قلتها بصوت مرتفع !


أخذت غلاف الاسطوانة من جديد و تأملتها مليا،

هل يشعر جميع من يستمع لهذه الموسيقى كما شعرت أنا ؟!

أليس الناي آلة عزف شرقية ؟!

إذا كيف يعقل أن يكون هناك عازف ناي بين أعضاء فرقة موسيقية عصرية في ليمشاك ؟!



هممت بتشغيل الأغنية مجددا لكني عدلت عن ذلك.


لم تمضي سوى ساعات قليلة على وجودي هنا و ها أنا أفقد عقلي !




قررت أن أحول تفكيري إلى شيء آخر ،

كالطعام مثلا !

أنا لم آكل وجبة حقيقية منذ مساء يوم الأمس ،

لقد كنت جائعة إلى حد جعلني شاكرة لمارلين على إعدادها العشاء مسبقا.

أنهضت جسدي محاولة مقاومة ذلك الإغراء الشديد بأخذ جهاز الأقراص المدمجة معي إلى المطبخ حتى استمع لغري و فرقة سيزرس و أنا أتناول طعامي.




كانت رغبتي تصارع عقلانية تفكيري ،

و لكني حسمت ذلك الصراع هاتفة :

((إنها مجرد موسيقى .. ولا ضرر في الاستماع إليها.. إنما ليس الآن !))



بقدر ما بدت جملتي هذه منطقية ،

بقدر ما كنت أشعر بالغرابة و القلق من تأثير هذه الموسيقى علي.



توجهت للمطبخ الذي كان أسفل الدرج إلى جانب باب الخروج.

فتحت الثلاجة فوجدت طبق لازانيا يكفي شخصين.

تلك كانت الوجبة التي حضرتها مارلين.

أخرجتها من البراد و وضعتها في المايكرويف حتى أسخنها.


كنت شاكرة لمارلين فعلا فرغم معرفتي بكيفية إعداد بعض الأطباق ،

إلا أني لا أحب الطهو أبدا.

لو ترك الأمر لي لعشت على رقائق الذرة بقية حياتي !

هكذا كانت أمي تقول.

سمعت حركة ثم صوت بالباب ،

تقدمت حتى أطل من باب المطبخ ،

استطعت رؤية من كان ذلك شخص.

و لكن موجة من الضيق غمرت صدري فلم أتحرك من مكاني أو أنطق.




نظر إلي .. مازال كما هو ، لم تغيره تلك السنوات كما غيرتني.

لم تسرني رؤية تلك العينين الزرقاوين و لا لمحة البرود التي تظهر فيهما دوما.

وجدت أنه يشبهني الآن أكثر من أي وقت مضى ،

العينين .. الملامح .. لون البني الداكن للشعر و الذي يبدو في تضاد مع البشرة البيضاء ..

و تلك الإبتسامة .. !

ابتسم بلطف حين وقعت عيناه علي و قال :

((سمر .. أهلا !))



غمغمت من مكاني بصوت بدا كالهمس :

((مرحبا .. أبي !))



لم أعلم ماذا يفترض بي أن أفعل بعد مرور هذا الزمن كله ،

هل أكتفي بهذه التحية ؟!

أم هل علي مصافحته .. أم ماذا ؟!

متى علي البدء بطرح الأسئلة ... شعرت أن شجاعتي قد خانتني .. كنت قد تخيلت هذ المشهد في ذهني كثيرا , لكن ...

لم يتركني لحيرتي طويلا ،

فقد وضع حقيبة عمله و الملفات التي كانت معه أرضا ليتقدم نحوي.

أمسك بكتفي بيديه الإثنتين و حدق في وجهي لحظة و كأنه يتحقق من شيء ما ، ثم إحتضنني على نحو غريب.

لم أشعر بشيء و أنا بين أحضانه بعد غياب خمس سنوات و لم ينطق أي منا بكلمة.



سأل بصوت طبيعي :
((هل أنت جائعة .. فلنتناول العشاء خارجا !))



لم أتوقع سؤاله هذا فغمغمت بصوت مدهوش :

((ماذا ؟ ... أقصد .. كنت على وشك الأكل !))



((هل أعددت العشاء؟!))

هززت رأسي نفيا عندما كان يلتقط حقيبته و أوراقه من الأرض و قلت بصوت مرتفع مسموع و أنا أعود للمطبخ :

((لقد كان جاهزا حتى قبل وصولي !))



رتبت صحنين على الطاولة و أخرجت الوجبة من المايكرويف ، ما كان ذلك التصرف ؟

لعله ينوي تجاهل الماضي و نسيان كل شيء .
كيف ؟
كيف يتصور بأن كل شيء طبيعي بيننا ؟

جلست إلى الطاولة الصغيرة في إنتظاره.

وصل صوت أبي الذاهل قبل صاحبه :

((قلت كان جاهزا قبل وصولك ؟!))



دخل من الباب و جلس إلى الطاولة.

كان قد نزع سترته الرسمية و رفع كمي قميصه.

أخذ الشوكة و بدأ بالأكل.

لم يعجبني تصرفه على أن عشاءنا روتيني عادي ،

كما لو أن وجودي ليس شيئا جديدا عليه.

قلت و أنا أرفع ملعقتي دون أن آكل :

((إلتقيت السيدة .. أقصد الآنسة مارلين و أخبرتني أنها هي من أعدت هذا الطعام.))



توقف قليلا عن الأكل و قال بجفاف :

((لطف منها !))



تفاجأت من ردة فعله , ألا يتواعدان أو ما شابه ؟

و لكني سرعان ما علمت أن هذا الجفاف مجرد قناع على الأرجح.

تناولت القليل من صحني و أنا أنتقي في ذهني الكلمات الملائمة لسؤالي التالي و الذي سأحصل منه على إجابة شافية تثبت صحة ظني.

تنحنحت ثم قلت محاولة فتح باب النقاش من جديد :
((أخبرتني مارلين أنها تسكن هنا منذ عامين ،
إنها امرأة لطيفة و جميلة جدا !))



لم يكن هناك داعي لطرح هذا الموضوع ... تكلمي مباشرة .. تكلمي .


توقع تعليق ما من أبي يؤكد نظريتي كان أمرا مبالغا فيه.
لذا كنت سأكتفي بقراءة التعبير الذي سيظهر على وجهه من جراء ذكر الموضوع.

لم يرفع عينيه عن صحنه أو يبدو مهتما ،
هز رأسه و وافقني قائلا :
((إنها جارة طيبة.))




صحيح ..و كأني لا أرى شغفها و طريقة حديثها تلك ..

منفر و لكني لا أكترث بعلاقاته !

أنا ابنته التي أمضت ست سنوات دون أن يكون بينها و بينه تواصل من أي نوع.

فما الذي يهمني في امر بمارلين؟؟

خفضت رأسي قليلا .. أخذت نفسا عميقا ثم سألته :
((لما طلبتني ... لما الآن ؟!))



هز رأسه قليلا :
((اسمعي يا سمر ... لن تتفهمي الأمر ,
أعلم بأنك غاضبة مني , أو على الأرجح تكرهينني و لكن ...))

قطع كلامه لحظة نظر الي خلالها ثم واصل :
((لن أشرح لك الكثير عن ما جرى في الماضي ..
فأنت لست بحاجة لمعرفة ما حصل و انتهى ..
لنبدأ صفحة جديدة .. أريد فعلا تعويضك عن كل ذلك الزمن.))


تصورت شيئا كهذا دائما ..
و تمنيته حدوثه كثيرا في صغري ..
لكن أشياء كثيرة اختلفت مذ كنت طفلة تتمنى رؤية أبيها الى جوارها .

لكني توقعت شيء من التفسير إلى جانب هذه الكلمات !!

((ألن ... ألن تخبرني لماذا أهملتني طيلة سنوات ؟
ألن تشرح لي لما لم تحضر جنازة أمي ؟؟
أو تأتي لرؤيتي بعد أن فقدت الشخص الوحيد الذي يعني لي شيئا في هذه الحياة ؟؟

كيف نبدأ بداية جديدة .. و لماذا ؟؟
ما الذي اختلف الآن ؟؟ أتظن هذه الكلمات كافية لأسامحك على تخليك عني و نبذك لأعوام ؟
أو لعلك تظنني فعلت ذلك مذ قبلت طلبك في المجيء الى هنا .
أنا قدمت الى هنا لأسباب خاصة بي و ليس لرؤيتك ..
عليك أن تعلم هذا جيدا ..
ليس بمقدورك قول شيء كهذا بعد هذا الزمن كله و انت تتوقع مني ان انسى كلما فعلت !!))

اندفعت قائلة بإنفعال كتمته لزمن طويل .. باذلة أقصى جهد للحفاظ على وجه صارم ..
و كي لا تسيل دموعي أمامه .. لن أضعف في أول لقاء لنا ,
بقي صامتا لفترة ينظر الي .. ثم نهض واقفا .
قال بملامح جامدة :
((حسنا .. أظن ذلك عادلا , و لن أطلب منك المستحيل .))


اتسعت عيناي دهشة و صدمة ,
هل يتخلى عن محاولته لإصلاح العلاقة بيننا بهذه البساطة ؟؟
هل هذا كل شيء ... انتهى اللقاء بعد ست سنوات ببضع كلمات ؟؟


نهض أبي و صعد إلى غرفته دون أن يضيف أي كلمة.

زفرت و رميت الملعقة في الصحن بغضب.
حتى أنه لم يسأل كيف كانت رحلتي ؟

عقدت ساعدي و تمتمت ساخرة :
((طابت ليلتك أنت أيضا أبي !))



كنت قد حضيت بكفايتي من النوم لذا لم أكن ناعسة.
جلست أمام شاشة التلفاز لكن ذهني كان في مكان آخر.

كنت قلقة أفكر كيف ستنقضي مدة ثلاثة أشهر مع هذا الرجل ؟

أويت إلى الفراش متأخرة تلك الليلة ،

و أنا استمع مرارا و تكرارا لعزف غري و غناء فرقته.

ذرفت الكثير من الدموع لأني وجدت نفسي هذه المرة قادرة على فهم تلك الألحان..

كان مزيدا من الجنون .. لكني فهمتها ..

كانت الألحان تحكي عن صعوبة فقدان شخص عزيز ،
و عن مشاعر الشوق التي تنتابك ،

أحببت تلك الألحان !

ذلك كان تفسيري للأمر.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 08-10-2015, 10:14 AM
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



نهاية الفصل الأول


أتمنى لكم قراءة ممتعة ...



رد مع اقتباس
  #10  
قديم 08-11-2015, 01:54 PM
 
الفصل الاول روعة يجنن

عجبتني كتير القصةحب4
آمـاليا likes this.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:31 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011