عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 09-27-2015, 09:34 PM
 


الفصل الحادي عشر
-1-
كان من عادة فيليب لومبارد أن يستيقظ عند الفجر، وهذا ما حدث
فعلاً صباح ذلك اليوم بالذات، إذ نهض مستنداً
على مرفقه وأرهف السمع. كانت الريح قد خفّت إلى حدّ ما وإن كانت ما زالت تهبّ،
ولكنه لم يسمع صوت سقوط
أمطار . وعند الساعة الثامنة كانت الريح قد اشتدّت ، ولكن لومبارد لم يسمعها لأنه كان
قد عاد إلى النوم مرة ثانية.
عند التاسعة والنصف كان يجلس على حافة سريرة ينظر إلى ساعته، ثم رفعها إلى أذنه
وانفرجت شفتاه عن ابتسامة
تميّز بها تشبه تكشيرة الذئب، ثم قال لنفسه، هامساً : أعتقد أنه قد حان الوقت
لأفعل شيئاً حيال هذا الموضوع.
وقبل العاشرة بخمس وعشرين دقيقة كان يدقُ باب بلور المغلَق، ففتح بلور الباب
بحذر وكان شعره أشعث وعيناه
نصف مغمضتين من أثر النوم. قال فيليب لومبارد بدماثة : تنام حتى وقت متأخر؟
هذا يدل على راحة ضميرك.
فقال بلور باقتضاب: ما الأمر؟
أجاب لومبارد: هل دعاك أحد أو أحضر لك الشاي؟ هل تعرف كم الساعة الآن؟
نظر بلور إلى ساعة وضعها
بجانب سريره وقال: قبل العاشرة بخمس وعشرين دقيقة! لا أصدق أنني استطعت النوم
كل هذه المدّة! أين روجرز؟
فقال فيليب لومبارد: الردّ هو صدى سؤالك، أين هو؟
فسأل الآخر بحدّة : ماذا تعني؟
قال: لومبارد: أعني أنّ روجرز مفقود؛ ليس في غرفته ولا في أيّ مكان آخر،
وإبريق غلي الماء ليس موضوعاً
على الموقد، بل إن موقد المطبخ نفسه ليس موقَداً.
أطلق بلور سباباً ساخطاً بصوت خافت وقال: اللعنة! أين يمكن أين يكون؟
في مكان ما في الجزيرة خارج البيت؟
انتظرني حتى أرتدي ملابسي ونرى إذا كان الآخرون يعرفون أيّ شيء.
أومأ فيليب لومبارد برأسه وسار بمحاذاة صفّ الأبواب المغلَقة،
فوجد آرمسترونغ مستيقظاً وقد أنهى ارتداء ملابسه
تقريباً، أما القاضي وارغريف فكان بحاجة لمن يوقظه مثل بلور،
وفيرا كلايثورن كانت قد ارتدت ملابسها، أما
إميلي برنت فلم تكُن في غرفتها.
تحركَت المجموعة الصغيرة في أرجاء البيت، ولم يكُن في غرفة روجرز
أحد كما سبق لفيليب لومبارد أن عرف.
كان السرير قد استُخدم وكانت شفرة حلاقته والفرشاة والصابونة كلها مبلَّلة
، فقال لومبارد: من الواضح أنه قد استيقظ.
وقالت فيرا بصوت خافت حاولَت أن تجعله حازماً ومطمئناً:
ألا تعتقدون أنه مختبئ في مكان ما ينتظرنا؟
فقال لومبارد: يا فتاتي العزيزة! أنا مستعدّ لأن أعتقد أيّ شيء حول أيّ شخص،
ونصيحتي أن نبقى معاً حتى نجده.
قال آرمسترونغ: لا بدّ أنه خارج البيت في مكان ما في الجزيرة.
قال بلور الذي كان قد انضمَ إليهم بكامل ملابسه ودون حلاقة:
أين ذهبَت الآنسة برنت؟ هذه مسألة غامضة هي
الأخرى!
ولكنهم حين وصلوا القاعة كانت إميلي برنت تدخل من الباب الأمامي
مرتدية معطفاً واقياً من المطر وقالت: البحر
عالي الأمواج كما كان، ولا أعتقد أن أحداً يستطيع الخروج بقارب
إلى عُرض البحر اليوم.
فقال بلور: هل كنت تتجولين في الجزيرة وحدك يا آنسة برنت؟
ألا تدركين أن هذا تصرف أحمق للغاية؟
فردّت إميلي برنت: أؤكّد لك أنني كنت في غاية اليقظة والحذر يا سيد بلور.
قال بلور بصوت أجش: هل تعرفين أين روجرز؟ فارتفع حاجبا الآنسة
برنت وقالت: روجرز؟ لا ، لم أرَه هذا الصباح. ماذا؟
ونزل القاضي وارغريف الدرَج وقد حلق ذقنه وارتدى ملابسه
ووضع طقم أسنانه في فمه، وتوجّه إلى الباب
المفتوح لغرفة الطعام وقال: أرى أنه قد أعدّ المائدة للفطور.
قال لومبارد: لعلّه فعل ذلك ليلة أمس.
ودخلوا جميعاً إلى الغرفة وهم ينظرون إلى الأطباق وأدوات
المائدة الأخرى وقد رُتّبت بعناية، وإلى صف الأقداح
على الطاولة الجانبية وقطع من اللباد العازل لوضع دورق القهوة عليها.
كانت فيرا أول من انتبه فأمسكَت بذراع
القاضي بأصابعها الرياضية بقوة جعلت الرجل العجوز يجفل وصرخَت :
الجنود الصّغار... انظروا!
كان هناك ستة تماثيل خزفية فقط وسط الطاولة!
-2-
وجدوه بعد فترة قصيرة. كان في غرفة الغسيل الصغيرة في الطرف
الآخر من الفناء، وكان قد قام بقطع بعض
الأخشاب لإشعالها في موقد الطبخ، وكانت البلطة الصغيرة لا تزال في يده، ولكن
كانت هناك بلطة أكبر، أكبر
بكثير!
كانت ملقاة مستندة إلى الباب، وكان النصل ملوَّثاً بلون بنّي غامق
متناسب تماماً مع الجرح العميق في رأس
روجرز!
-3-
قال آرمسترونغ: الأمر واضح تماماً: لا بدّ أن القاتل قد زحف خلفه ورفع البلطة
وهوى بها على رأسه حين كان
منحنياً.
كان بلور مشغولاً بمقبض البلطة ومنخل الدقيق الخاصّ بالمطبخ في
حين سأل القاضي وارغريف: هل كان الأمر
يتطلب قوة كبيرة يا دكتور؟
فقال آرمسترونغ بهدوء: تستطيع امرأة القيام بذلك إذا كان هذا ما تقصده.
وجال بنظرة سريعة حوله، وكانت فيرا كلايثورن
وإميلي برنت قد انسحبتا إلى المطبخ فأكمل: الفتاة بوسعها القيام
بذلك بسهولة فهي رياضية، ومن ناحية المظهر تبدو إميلي برنت ضعيفة
ولكن ذلك النوع من النساء لديه غالباً قوة
وصلابة. عليك أن تتذكر أن أيّ شخص مختلّ العقل لديه قدر كبير
من القوة الكامنة.
فأومأ القاضي برأسه موافقاً ومتفكراً، ونهض بلور وقال وهو يتنهد:
لا أثر لبصمات أصابع، لقد تمّ مسح المقبض
بعد الحادث.
ثم سُمع صوت ضحك فالتفتوا خلفهم بحدّة! كانت فيرا كلايثورن تقف في
الشرفة تصيح بصوت صاخب وهي تهتزّ
بنوبات من الضحك: هل يحتفظون بنحل في هذه الجزيرة؟ أخبروني،
أين نذهب لنحصل على العسل؟
نظروا إليها غير مدركين، وبدا كما لو أن الفتاة المتزنة العاقلة قد فقدت عقلها للتوّ
، في حين تابعَت هي بذلك
الصوت الصارخ غير الطبيعي: لا تنظروا إليّ هكذا كما لو أنكم تظنونني مجنونة.
أنا أسألكم عن أشياء محددة:
نحل، خلايا نحل... ألا تفهمون؟ ألم تقرؤوا تلك الأنشودة الحمقاء المعلَّقة في غرفكم؟
لقد وُضعت هناك لتتمعّنوا
فيها. كان علينا أن نأتي هنا مباشرة لو انتبهنا: " سبعة جنود صغار كانوا يقطعون خشباً "
... ثم البيت الذي يليه.
لقد حفظت الأنشودة كلها عن ظهر قلب. سأخبركم :
" ستة جنود صغار كانوا يلعبون بخلية نحل" . لذلك أنا أسأل:
هل تحتفظون بنحل في هذه الجزيرة؟ أليس هذا طريفاً؟ أليست هذه طرفة لعينة؟
وأخذت تضحك بطريقة صارخة مرة أخرى، فخطا الدكتور آرمسترونغ إلى
الإمام ورفع يده وهوى بها بصفعة
قوية على وجهها، فشهقت شهقة قوية وبلعت ريقها، ووقفت دون
حراك لمدة دقيقة ثم قالت: شكراً، أنا بخير الآن.
وعاد صوتها أكثر هدوءاً واتزاناً، صوت معلّمة التربية الرياضية القديرة،
ثم استدارت وعبرت الشرفة إلى المطبخ
وهي تقول: الآنسة برنت وأنا سنُعدّ لكم طعام الإفطار. هل تستطيعون أن
تحضروا بعض الحطب لإشعال النار؟
كانت علامات أصابع يد الطبيب لا تزال مطبوعة على وجنتها،
وفيما كانت تدخل المطبخ قال بلور: جميل، لقد
قمتَ بذلك بشكل جيّد يا دكتور.
فقال آرمسترونغ بلهجة الاعتذار: كان لا بدّ من ذلك؛ لا نستطيع تحمل تلك الهستيريا
بالإضافة إلى كل ما نحن فيه.
وقال فيليب لومبارد : إنها ليست من النوع الهستيري.
فوافق آرمسترونغ قائلا : بالطبع، إنها فتاة واعية وحالتها
الصحية جيّدة، ولكنها فقط صدمة المفاجأة، وقد تحدث لأيّ
شخص.
كان روجرز قد قطع كمية من الخشب قبل أن يُقتل، فجمعوها وأخذوها إلى المطبخ
حيث كانت فيرا وإميلي برنت
مشغولتَين؛ كانت الآنسة برنت تُشعل الموقد وفيرا تزيل الشحم الزائد حول شرائح اللحم،
وقالت إميلي برنت: شكراً
لكم. سنعمل بأسرع ما يمكننا، ونرجو أن نفرغ من إعداد الطعام بعد نصف ساعة.
يجب غلي الماء في الإبريق
أولا .
-3-
قال المفتش السابق بلور لفيليب لومبارد بصوت خافت مبحوح:
أتعرف فيمَ أفكّر؟
قال فيليب لومبارد: حيث إنك على وشك أن تخبرني
فلا يستحقّ الأمر عناء التخمين.
كان المفتش السابق بلور رجلاً جادّاً، ولم يكُن ليستوعب أخذ الأمور
باستخفاف فقال بكُل جديّة: كان في أمريكا
قضية؛ رجل عجوز وزوجته قُتلا ببلطة في وضح النهار، ولم يكُن في البيت سوى ابنتهما
والخادمة. وقد ثبت أن
الخادمة لم تكُن تستطيع ارتكاب الجريمة، والابنة كانت عانساً محترّمة
في أواسط العمر فبدا أنه من غير المعقول
أن تكون قد ارتكبت الجريمة، غير معقول لدرجة أن المحكمة برّأتها،
ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى تفسير آخر.
وتوقف لحظة مفكّراً ثم تابع: خطر لي ذلك عندما رأيت البلطة،
ثم عندما ذهبت إلى المطبخ ورأيتها هناك بكامل
الأناقة والهدوء ولم تتحرك شعرة في رأسها. أما تلك الفتاة التي انتابتها الهستيريا.
... حسناً، هذا طبيعي، حالة يمكن
تفهّمها ، ألا تعتقد ذلك؟
فأجاب فيليب لومبارد باقتضاب: ربما.
وتابع بلور: أما المرأة الأخرى المفرطة الأناقة والاحتشام
وهي ملتفّة بتلك المريلة حول وسطها مريلة السيدة
روجرز على ما أظن... أقول لك إن تلك المرأة مجنونة وغريبة الأطوار!
كثير من العوانس العجائز كذلك. لا
أعني أنهنّ يرتكبن جرائم القتل على نطاق واسع، ولكنّ لهن أفكاراً غريبة.
هذه المرأة سلكت طريق الهوَس الديني
لسوء الحظ؛ فهي تعتقد أنها أداة الله على الأرض أو شيء من هذا القبيل،
وتراها دائماً في غرفتها تقرأ الكتب
الدينية.
تنهّد فيليب لومبارد وقال: هذا ليس دليلاً أكيداً على خلل عقلي يا بلور.
ولكن بلور تابع بتمهّل ومثابرة: ثم أنها كانت في الخارج مرتدية معطفاً واقياً
من المطر زاعمة أنّها خرجت لمشاهدة
البحر.
هزّ لومبارد رأسه وقال: روجرز قُتل وهو يقطع الحطب، أيّ حال نهوضه من النوم،
والآنسة برنت لم تكُن بحاجة
للتجوال خارج البيت لعدّة ساعات بعد ذلك. إن قتل روجرز يحتاج جهداً كبيراً
من شخص مستيقظ تماماً في رأيي.
قال بلور : ليست هذه هي النقطة يا سيد لومبارد. إذا كانت المرأة بريئة فهي
ستكون خائفة حتى الموت من الخروج
والتجوال وحدها، ولا يمكن أن تخرج إلا إذا كانت مطمئنّة تماماً،
أو ... أو إذا كانت هي نفسها القاتلة.
فقال فيليب لومبارد: هذه نقطة جيدة. نعم، لم يخطر لي ذلك.
ثم أضاف بابتسامة شاحبة : يسرّني أنك لم تعُد تشتبه بي.
قالت بلور بشيء من الخجل: الواقع أنني بدأت بالتفكير بك بسبب ذلك
المسدّس وتلك القصة الغريبة التي سردّتها،
أو بالأحرى التي لم تسردها، ولكني أدركت الآن أن ذلك كان سيغدو مكشوفاً جداً.
وتوقف قليلاً ثم قال: آمل أنك تشعر بالشعور نفسه نحوي؟
قال فيليب مفكّراً: قد أكون على خطأ بالطبع، ولكني لا أستطيع تصور أن لديك
ما يكفي من الخيال لعمل كهذا، كل
ما أستطيع قوله هو أنك إن كنت المجرم فأنت ممثل بارع دون شك،
وأرفع قبّعتي احتراماً لك.
ثم خفض صوته وتابع: بصراحة يا سيد بلور والأمر سرّ بيننا: مع الأخذ في الاعتبار أننا
قد نصبح جثتين هامدتين قبل انقضاء يوم آخر،
يبدو لي أنك تورطتَ بالفعل في قضية شهادة الزور تلك.
فتململ بلور في وقفته ثم قال أخيراً: يبدو أن هذا لن يغيّر شيئاً الآن. حسناً، أجل،
وسأخبرك بما حدث. كان لاندور
بريئاً تماماً. لقد سيطرَت عليّ العصابة وساعدتُهم في إرسال ذلك الرجل إلى السجن.
ولكنّني لن اعترف بذلك.
ثم أكمل بابتسامة ساخرة: الأمر فقط بيني وبينك ولا يوجد أيّ شهود.
أظنك عرفت الحقيقة الآن. لكن الأمور لم تجرِ
كما ينبغي بعد ذلك؛ فعصابة بورسيل كانوا مجموعة حقيرة. على أنني حظيت بالترقية مع ذلك.
- وحُكم على لاندور بالأشغال الشاقّة ومات في السجن.
ردّ بلور متسائلا : وهل كان بوسعي أن أعرف أنه سيموت؟
- لا ، كان حظك سيئاً.
- حظي؟ تقصد حظه.
- وحظك أيضاً ؛ فنتيجة لذلك يبدو أن حياتك توشك على الوصول
إلى نهاية غير سارة.
حدّق إليه بلور وقال: أنا؟ هل تعتقد أنني سأتبع روجرز والبقية؟ لا،
ليس أنا؛ أنا حَذِر ومنتبه لنفسي تماماً.
فقال لومبارد : حسناً، أنا لست رجل مراهنات. وعلى أيّة حال إن أنت متّ
فلن يتسنّى لي أن أتقاضى رهاني.
- سيد لومبارد ، ماذا تعني؟
فقال لومبارد بابتسامة استخفاف: أعني – يا عزيزي بلور –
انك ليست لك أي فرصة للنجاة في رأيي.
- ماذا؟!
- إن افتقارك للقدرة على التوقع سيجعلك هدفاً سهلاً تماماً،
ومجرم له قدرة أوين وله القدرة على التخيّل سيكون من
السهل عليه اصطيادك متى شاء أو متى شاءت.
صار وجه بلور أحمر قانياً وقال مستفسراً بغضب: وأنت ؟ ماذا عنك أنت ؟
بدا وجه فيليب لومبارد قاسياً ومنذراً بالخطورة فجأة وقال:
أنا لديّ قدرة جيّدة على التوقّع. لقد مرّت بي ظروف
صعبة سابقاً واستطعتُ التخلص منها. أظن أنني لن أقول أكثر من هذا،
ولكن أظن أنني سأنجو هذه المرة أيضاً.
-5-
كان البيض في المقلاة وفيرا تحمّص شرائح الخبز وتفكّر قائلة لنفسها:
لماذا جعلتُ من نفسي حمقاء على تلك
الصورة؟! كان ذلك خطأ منّي. حافظي على هدوئك أيتها الفتاة،
حافظي على هدوئك.
كانت فخورة برجاحة عقلها دائماً، وعادت تقول لنفسها:
لقد كنتُ مدهشة حين احتفظت باتزاني وألقيت بنفسي
سابحة نحو سيريل في الحال و... ولكن لماذا التفكير بذلك الآن؟
كل ذلك قد انتهى ، انتهى ؛ وسيريل اختفى قبل
وصولي إلى الصخرة بوقت طويل.
كانت قد شعرت عندها بالتيار يجرفها إلى البحر بعيداً عن الشاطئ،
ولم تقاوم التيار بل تركت نفسها له فسبحت
بهدوء طافية حتى وصل القارب أخير اً. لقد أثنوا على شجاعتها ورباطة جأشها،
ولكن ليس هوغو... هوغو نظر
إليها فقط. تذكرّت تلك اللحظة فقالت لنفسها: يا إلهي، كم هو مؤلم حتى
الآن التفكير بهوغو! أين هو؟ ماذا يفعل؟
خاطب ؟ متزوج؟
قالت إميلي برنت فجأة بحدّة: فيرا: شرائح الخبز تحترق.
- أنا آسفة يا آنسة برنت. هذا صحيح، كم أنا غبية!
رفعت إميلي برنت البيضة الأخيرة من المقلاة، وقالت فيرا
بفضول وهي تضع شريحة جديدة من الخبز في آلة
التحميص: أنت هادئة على نحو رائع يا آنسة برنت. قالت الآنسة برنت
وهي تزمّ شفتيها: لقد رُبّيت على الاحتفاظ
بتوازني وعلى أن لا أثير ضجيجاً.
فقالت فيرا لنفسها بتلقائية: "كانت مقموعة وهي طفلة، هذا يفسّر الكثير ".
ثم قالت بصوت مسموع: ألستِ خائفة؟
وتوقفت فجأة ثم أضافت: أم لا يهمك الموت؟
الموت! كان ذلك بمثابة مخرز دُقّ في دماغ إميلي برنت.
الموت! ولكنها لن تموت، الآخرون سيموتون لا هي، ليس
إميلي برنت. هذه الفتاة لم تفهم، إميلي خائفة بالطبع، لا أحد من عائلة برنت يخاف؛
أهلها كلهم كانوا متدينين شجعان
لا يهابون الموت، كلهم كانوا مثلها، يعيشون حياة استقامة وصدق.
ليس لديها ما تخجل منه ولذلك فهي لن تموت
بالطبع. " لا أحد منّا سيغادر هذه الجزيرة"... مَن قال ذلك؟ الجنرال ماك آرثر بالطبع،
ابن عم زوج إيلي
ماكفرسون. لم يبدُ مكترثاً، والواقع أنه بدا... بدا أنه يرحّب بالفكرة.
هذا الأمر فظيع! بعض الناس لا يكترثون
بالموت لدرجة أنهم يقتلون أنفسهم فعلاً، مثل بياتريس تايلور.
لقد حلمت بها أمس، حلمت أنها كانت في الخارج
تلصق وجهها على زجاج النافذة وتئنْ طالبة السماح لها بالدخول، ولكن إميلي برنت
لم ترغب في إدخالها لأنها لو
فعلَت ذلك لحدث شيء مروّع!
وبانتفاضة مفاجئة ثابت إميلي برنت إلى رشدها، وكانت الفتاة تنظر إليها باستغراب
شديد فقالت بصوت مفعّم
بالنشاط: كل شيء جاهز، أليس كذلك؟ سنأخذ الإفطار إلى الداخل.
-6-
كان الإفطار وجبة غريبة، وبدا الجميع في غاية التهذيب،
ستة أشخاص يبدو عليهم – ظاهرياً- أنهم عاديّون
ومتمالكون لأنفسهم، أما في داخل كل منهم فكانت الأفكار تدور
في رؤوسهم كالسنجاب في قفص: "ماذا بعد ؟ ماذا
بعد ؟ مَن؟ ماذا؟... "تُرى هل تنجح الفكرة؟ تستحق التجربة إذا توفّر الوقت. يا إلهي، إذا توفر الوقت!.
.. " هوَس
دينيّ، هذا هو الموضوع . من الصعب تصديق ذلك من مجرَّد النظر إليها
، ولكن لنفرض أنني على خطأ" ...
" هذا جنون ، كل شيء مجنون وأنا في طريقي إلى الجنون! الصوف
يختفي! ستائر حريرية حمراء... شيء غير معقول!
لا أستطيع فهم معنى كل هذه الأمور " ....
" الأحمق اللعين صدّق كل شيء قلتُه له. كان ذلك سهلاً،
ولكن يجب أن
ألتزم الحذر، الحذر التامّ " .
.. " ستة من تلك التماثيل الخزفية الصغيرة، ستة فقط.
تُرى كم
تمثالاً سيبقى الليلة؟"...
- من يريد البيضة الأخيرة؟
- من يريد مربّى؟
- شكراً ، هل أقطع لك بعض الخبز؟
ستة أشخاص يتصرفون بصورة عادية على مائدة الإفطار.
-

  #17  
قديم 09-27-2015, 09:54 PM
 
-


الفصل الثاني عشر
-1-
انتهت الوجبة، وتنحنح القاضي وارغريف وقال بصوت خافت وبنبرة
مَن يمارس سلطته: أعتقد أن من المناسب أن
نجتمع لبحث الموقف. ليكُن هذا خلال نصف ساعة في غرفة الجلوس.
همهم الجميع موافقين، وأخذت فيرا تجمع الأطباق وقالت:
سأنظف الطاولة وأغسل الأطباق.
فقال فيليب لومبارد: سنساعدك بنقل الأشياء إلى المطبخ.
- شكر اً.
ونهضت إميلي برنت على قدميها ثم عادت وجلست وقالت: يا إلهي!
قال القاضي : ما الأمر يا آنسة برنت؟!
فقالت إميلي بنبرة اعتذار: أنا آسفة؛ كنت أودّ مساعدة الآنسة كلايثورن
ولكني لا أعرف ما الأمر! أشعر بشيء من
الدوار.
فتحرك الدكتور آرمسترونغ باتجاهها وهو يقول : دوار؟ هذا طبيعي،
صدمة متأخرة، أستطيع أن أعطيك شيئاً ل....
- كلا.
انفجرت الكلمة من بين شفتيها كالقنبلة، وفوجئ الجميع بردّ فعلها هذا
وتحوّل وجه الدكتور آرمسترونغ فبات شديد
الاحمرار. كان الخوف والشك باديَين بوضوح شديد على وجهها فقال الدكتور متشنجاً:
كما تشائين يا آنسة برنت.
قالت: لا أريد أن أتناول شيئاً، لا شيء على الإطلاق، سأجلس هنا
بهدوء حتى يزول الدوار.
فرغوا من إعادة ترتيب الطاولة وقال بلور: أنا أحب العمل المنزلي،
سأساعدك يا آنسة كلايثورن.
قالت فيرا: شكر اً.
بقيت إميلي برنت جالسة وحدها في غرفة الطعام، وتناهى إليها لبعض
الوقت صوت همهمة خفيفة في المطبخ. كان
الدوار ينقشع في تلك اللحظة وأحسّت ببعض الخدر كما لو كانت على وشك النوم.
أحسّت بطنين في أذنَيها، ولم
تعرف إن كان هذا شيئاً في داخل رأسها أم أنه طنين حقيقي من الغرفة. قالت لنفسها:
كأنها نحلة. نحلة طنّانة !
ثم شاهدت النحلة التي كانت تزحف على زجاج النافذة. وتذكرَت أن فيرا كلايثورن
تحدّثت عن النحل في الصباح،
النحل والعسل... كانت تحب العسل وتحب أن تأخذه من القرص
وتصفّيه قطرة قطرة.
ورغماً عنها بدأت الحقائق تختلط في ذهنها، فرأت أن في الغرفة شخصاً، شخصاً مبتلاًّ
وثيابه تقطر ماء... بياتريس
تايلور جاءت من النهر! كل ما كان عليها هو الاستدارة برأسها لتستطيع رؤيتها، ولكنها لم تكُن قادرة على
الاستدارة برأسها! تمنّت لو أنها تستطيع أن تصرخ مستنجِدة، ولكنها لا تستطيع الصراخ! لم يكُن في البيت أحد،
كانت وحدها تمام اً.
سمعت صوت أقدام خلفها، أقدام تزحف بهدوء قادمة من خلفها. ظنّتها الخطوات المتعثرة للفتاة الغارقة، وسرَت
رائحة رطوبة نفّاذة عبّر أنفها، وعلى إطار النافذة كانت النحلة تطنّ وتطنّ، ثم شعرت بالوخزة؛ لقد لسعتها النحلة
في جانب عنقها!
-2-
كانوا في غرفة الجلوس ينتظرون إميلي برنت، وقالت فيرا: هل أذهب وأناديها؟
فقال بلور بسرعة: لحظة فقط.
جلست فيرا ثانية، ونظر الجميع إلى بلور مستفسرين فقال:
انظروا إليّ جميعاً؛ أنا أرى أننا لسنا بحاجة إلى البحث
عن مرتكِب هذه الجرائم لأبعد من غرفة الطعام في هذه اللحظة. أنا مستعدِّ للقسَم أن
تلك المرأة هي من نبحث عنه.
فقال آرمسترونغ: هذا محتمَل تماماً وليس لديّ اعتراض على ذلك،
ولكن ليس لدينا أيّ دليل بالطبع.
فقالت فيرا: كانت في حالة غريبة جداً عندما كنّا في المطبخ نُعِدّ الإفطار، كانت عيناها...
وأخذت فيرا ترتجف فقال لومبارد: لا يمكن الحكم عليها بسبب هذه الحالة،
نحن جميعاً لسنا بحالة طبيعية الآن.
قال بلور: يوجد شيء آخر، فهي الوحيدة التي لم تقدّم تفسيراً حول التسجيل في
مكبّر الصوت، فلماذا؟ لأنه ليس
لديها تفسير تقدّمه.
تحركت فيرا في مقعدها وقالت: هذا ليس صحيحاً تماماً؛ لقد أخبرَتني فيما بعد.
فقال وارغريف: بمَ أخبرَتك يا آنسة كلايثورن؟
أعادت فيرا عليهم قصة بياتريس تايلور، فعلّق القاضي وارغريف قائلا :
هذه قصة واضحة تماماً، وأنا شخصياً
لا أجد صعوبة في تصديقها. أخبريني يا آنسة كلايثورن: هل بدا عليها
قلق بسبب إحساسها بالذنب أو الندم بسبب
الأسلوب الذي تصرّفت به في هذا الموضوع؟
- لا شيء من ذلك، كانت غير متأثرة أبد اً.
فقال بلور: إن لها قلباً كالحجر. يا لهؤلاء العوانس
المتزمتات! إنه الحسد غالباً.
قال القاضي وارغريف: الساعة الآن الحادية عشرة إلاَ خمس دقائق. أعتقد أن
علينا استدعاء الآنسة برنت للانضمام
إلى اجتماعنا.
فقال بلور: ألن تفعل شيئاً؟
قال القاضي: لا أعرف ما الإجراء الذي يمكننا اتخاذه. شكوكنا – حالياً –
مجرَّد شكوك، ولكني سأطلب من الدكتور
آرمسترونغ مراقبة تصرفات الآنسة برنت مراقبة دقيقة. دعونا نذهب الآن إلى غرفة الطعام.
وجدوا إميلي برنت جالسة على نفس الكرسي الذي تركوها عليه، ومن الخلف
لم يظهر أيّ شيء غير عاديّ
باستثناء أنها بدت وكأنها لم تسمعهم وهم يدخلون الغرفة. ثم رأوا وجهها غارقاً في
الدم مع شفتين زرقاوين وعينين
جاحظتين! وهتف بلور: يا إلهي، إنها ميتة!
-3-
قال القاضي وارغريف بصوته الهادئ الخَفيض: شخص آخر من بيننا تتضح
براءته، ولكن بعد فوات الأوان.
انحنى آرمسترونغ فوق المرأة فشمّ شفتيها وهزّ رأسه ثم تفحّص أجفانها، وقال
لومبارد بنفاد صبر، كيف ماتت؟ لقد
كانت على ما يرام عندما تركناها هنا! وانتبه آرمسترونغ فجأة إلى علامة على جانب
عنقها الأيمن فقال: هذا أثر
إبرة حُقنت تحت الجلد.
سُمع من جهة النافذة صوتُ طنين فهتفت فيرا: انظروا ، هذه نحلة، نحلة طنّانة !
هل تذكرون ما قلته لكم هذا
الصباح؟
فقال آرمسترونغ بتجهم: لم تكُن تلك النحلة هي التي لسعتها،
بل كانت يد إنسان تمسك الحقنة.
فسأل القاضي: ما نوع السم الذي حُقنت به؟
فأجاب آرمسترونغ: يمكنني أن أخمّن مجرَّد تخمين انه نوع من السيانيد.
لعله سيانيد البوتاسيوم، نفس السيانيد الذي
مات به أنتوني مارستون، لا بدّ أنها ماتت مختنقة على الفور.
وصاحت فيرا: ولكن ماذا عن تلك النحلة؟ لا يمكن أن يكون ذلك مصادفة!
قال لومبارد بتجهّم: نعم ، ليست مصادفة؛ بل هي العلامة المميّزة لذلك القاتل بيننا،
ذلك الوحش العابث يريد الالتزام
بأنشودته الطفولية الملعونة قدر الإمكان.
للمرة الأولى كان صوتُه أقربَ إلى الصراخ، وبدا كما لو أن أعصابه التي
ثبتت في المخاطر والممارسات الحرجة
خلال سنوات عمله الطويلة قد انهارت أخير اً. قال بعنف: هذا جنون،
جنون مطلَق: نحن كلنا مجانين!
قال القاضي بهدوء : آمل أننا لا زلنا نملك القدرة على التفكير. هل
أحضر أحد منكم حقنة طبية معه إلى هذا البيت؟
فنصب الدكتور آرمسترونغ قامته وقال بصوت غير واثق تماماً:
نعم، أنا.
اتجهت إليه أربعة أزواج من الأعُين ، فاستقر همّته لمواجهة نظرات الشك العميقة
في تلك الأعُين وقال: أنا احمل
معي واحدة دائماً في السفر... معظم الأطبّاء يفعلون ذاك.
فقال القاضي وارغريف بهدوء : هذا صحيح، فهل لك أن تخبرنا – يا دكتور –
أين هي تلك الحقنة الآن؟
- في الحقيبة في غرفتي.
فقال وارغريف : هل نستطيع التأكد من هذه الحقيقة؟
وصعد الخمسة الدرَج بمسيرة صامتة، وهناك أُفرغَت محتويات الحقيبة على الأرض،
ولكن لم تكُن الحقنة هناك.
-3-
قال آرمسترونغ مهتاجاً: لا بدّ أنّ أحداً قد أخذها.
ولكن الغرفة غرقت في الصمت تماماً، ووقف آرمسترونغ وظهره إلى النافذة.
كانت أربعة أزواج من الأعُين تحدّق
إليه مملوءة بالشك والاتهام، فنقل نظره بين وارغريف وفيرا وكرّر بيأس وضعف:
أقول لكم إنه لا بدّ أنّ أحداً قد
آخذها.
كان بلور ينظر إلى لومبارد فنظر إليه بدوره، وقال القاضي: يوجد خمسة منّا في
هذه الغرفة: وأحدنا هو القاتل. إن
الموقف محفوف بخطر مميت وعلينا أن نبذل كل جهد لحماية الأربعَّة الأبرياء منّا.
سأسألك الآن يا دكتور
آرمسترونغ: ما هي العقاقير الموجودة لديك؟
فأجاب آرمسترونغ : لديّ حقيبة طبية صغيرة هنا، يمكنك تفتيشها.
ستجد بعض الحبوب المنوّمة، تريونال وسلفونال
وعلبة برومايد وبيكربونات الصودا وأسبرين ... ولا شيء آخر، ليس لديّ سيانيد.
قال القاضي : أنا نفسي لديّ بعض الأقراص المنوّمة، أعتقد أنها سلفونال ،
وأظن أنها مميتة إذا أُعطيَت بجرعة
كبيرة بما فيه الكفاية. وأنت يا سيد لومبارد معك مسدّس، أليس كذلك؟
فقال لومبارد بحدّة: وماذا في ذلك؟
- أنا فقط أقترحُ جمع ما لدى الدكتور من عقاقير وحبوب السلفونال التي معي
ومسدّسك وأيّ شيء له علاقة
بالعقاقير أو الأسلحة النارية ووضع ذلك كله في مكان آمن ، وبعد ذلك يجب أن يخضع
كل منّا للتفتيش ، تفتيش
ذاتي وتفتيش للأمتعة.
قال لومبارد : قتلني الله إن تخليّتُ عن مسدّسي.
فقال وارغريف بحدّة: سيد لومبارد، أنت شابّ قويّ البنية ولكن المفتّش السابق بلور
رجل قوي البنية أيضاً. أنا لا
أعرف ما قد يسفر عنه صراع بينكما، ولكن بوسعي أن أقول لك إننا سنكون
إلى جانب بلور لمساعدته بكل مالدينا
من قوة، أنا شخصياً والدكتور آرمسترونغ والآنسة كلايثورن يمكنك – إذن –
أن تقدّر أن الاحتمالات ستكون كبيرة
ضدك نوعاً ما إذا قررت أن تقاوم.
دفع لومبارد رأسه إلى الخلف وكشف عن أسنانه بما يشبه الزمجرة وقال: حسناً ،
لا بأس إذن ما دمتَ قد حكّمت
رأيك.
فأومأ القاضي وارغريف برأسه وقال: أنت شابّ عاقل. أين مسدّسك؟
- في درج الطاولة إلى جوار سريري.
- جيّد.
- سأحضره لكم.
- أعتقد أنه من الأفضل أن تذهب معك.
فقال فيليب بابتسامة كانت لا تزال أشبه ما تكون بالزمجرة: يا لك
من شيطان شكّاك!
وساروا في الممر إلى غرفة لومبارد، وتوجّه فيليب إلى الدرج وفتحه بقوة،
ثم تراجع مطلقاً سباباً ساخطاً، لقد كن
الدرج المجاور للسرير فارغاً!
-5-
قال لومبارد بسخط: هل ارتحتم؟
بعدها نزع ملابسه وتمّ تفتيشه شخصياً وتفتيش غرفته بكل دقة بواسطة الرجال
الثلاثة الآخرين في حين كانت فيرا
كلايثورن خارجاً في الممر. واستمر التفتيش بصورة منهجية، فخضع كل
من آرمسترونغ والقاضي وبلور إلى
التفتيش نفسه. ثم خرج الرجال الأربعة من غرفة بلور وتوجهوا إلى فيرا، وكان
القاضي هو الذي تكلم معها قائلا :
آمل أن تتفهمي – يا آنسة كلايثورن – أنه ليس بوسعنا أن نستثني أحداً، ويجب العثور
على ذلك المسدّس . لا بد
أنك تملكين ثوباً ضيقاً إلى حد ما، أليس كذلك؟
فأومأت فيرا إيجاباً فقال لها: إذن أرجو أن تذهبي إلى غرفتك وترتدي ذلك الثوب ثم تعودي إلينا هنا.
ذهبت فيرا إلى غرفتها وأغلقَت الباب، ثم خرجَت بعد أقل من دقيقة وقد ارتدت ثوباً ضيقاً
لا يمكن أن تخفي مسدساً
تحته. فقال لها القاضي: شكراً لك يا آنسة كلايثورن على تفهّمك، والآن أرجو أن تبقي
هنا ريثما تفتّش غرفتك.
انتظرت فيرا بصبر في الممر حتى خرجوا، ثم دخلَت غرفتها فارتدت ملابسها القديمة
وعادت إليهم حيث كانوا
ينتظرون. قال القاضي: الآن نحن متأكدون من شيء واحد، وهو أنه لا توجد أسلحة
ولا عقاقير قاتلة بحوزة أيّ منا
نحن الخمسة، هذه نقطة جيدة. والآن سنضع العقاقير في مكان آمن. أظن أن في المطبخ
صندوقاً ذا قفل لحفظ أدوات
المائدة الفضية أليس كذلك؟
قال بلور : ممتاز جداً، ولكن من سيحتفظ بالمفتاح؟ أظن أنه سيكون أنت؟
لم يُجِب القاضي، بل نزل إلى المطبخ وتبعه الآخرون. كان هناك
صندوق صغير مصمَّم لحفظ أدوات المائدة
الفضية، وبتوجيه من القاضي وُضعت العقاقير كلها في ذلك الصندوق ثم قُفل ، ثم
– طبقاً لتوجيهات القاضي أيضاً-
وُضع الصندوق في خزانة الأطباق و أُقفلت الخزانة عليه أيضاً، وعند ذلك أعطى
القاضي مفتاح الصندوق لفيليب
لومبارد ومفتاح الخزانة لبلور وقال : أنتما الاثنان أقوانا جسدياً، وسيكون من الصعب
على أيّ منكما أخذ المفتاح
من الآخر، وسوف يكون من المستحيل على أيّ أحد منّا – نحن الثلاثة الباقين –
أن يقوم بذلك. إذا لجأ أحد إلى فتح
الخزانة أو الصندوق عنوة بطريق الكسر فسيكون ذلك شاقّاً ومثيراً للضجيج ،
ومن الصعب جداً أن يتمّ ذلك دون
إثارة الانتباه لما يجري.
وتوقف قليلاً ثم أكمل قائلا : ولكننا لا نزال نواجه مشكلة خطيرة، ألا وهي :
ماذا حدث لمسدّس لومبارد؟
فقال بلور : يبدو لي أن صاحبه هو الشخص الأكثر احتمالاً لمعرفة الجواب.
ظهرت انبعاجة بيضاء على أنف لومبارد وقال: قلت لك
– أيها الأحمق العنيد – أنه قد سُرق منّي.
فقال وارغريف : متى رأيته آخر مرة؟
- الليلة الماضية. عندما ذهبت إلى النوم كان في الدرج جاهزاً في حال حدوث أيّ شيء.
أومأ القاضي وقال: لا بدّ أنه قد سُرق هذا الصباح في أثناء الانشغال
بالبحث عن روجرز أو بعد أن اكتُشفَت جثته.
فقالت فيرا: لا بدّ أنه مخبّأ في مكان ما في البيت... يجب أن نبحث عنه.
ربّت القاضي وارغريف على دقنه وقال: أشكّ في أن يُسفِر بحثنا عن
أيّ شيء؛ لقد كان لدى القاتل الكثير من
الوقت لاختيار مخبأ ملائم، ولا أظن أننا سنجد ذلك المسدّس بسهولة.
قال بلور باندفاع: لا أعرف أين المسدّس ، ولكن أراهن على أنني أعرف
مكان شيء آخر، أقصد تلك الحقنة.
اتبعوني.
وفتح الباب الأمامي وسار أمامهم حول البيت، وعلى مسافة قصيرة من
نافذة غرفة الطعام وجد الحقنة وبجانبها
تمثال خزفيّ محطُّم، تمثال سادس لجندي صغير!
قال بلور بارتياح: المكان الوحيد الذي يمكن أن توجد فيه؛ فبعد أن نفّذ القاتل
جريمته فتح النافذة وألقى بالحقنة من
النافذة، ثم التقط التمثال الخزفيّ من الطاولة وأتبعها به.
لم يكن على الحقنة بصمات فقد تمّ مسحها بعناية، وقالت فيرا بصوت حازم:
والآن دعونا نبحث عن المسدّس.
قال القاضي وارغريف: بكل تأكيد، ولكن لنبقَ معاً، في أثناء ذلك. تذكّروا
أننا إذا افترق بعضنا عن بعض فسنكون
فرصة للقاتل.
ثم فتّشوا البيت بعناية من من السطح إلى القبو ولكن دون جدوى.
المسدّس بقي مفقوداً!

-


  #18  
قديم 09-27-2015, 10:10 PM
 
-


الفصل الثالث عشر
-1-
واحد منّا ، واحد منّا ، واحد منّا ... كلمتان تكرّرَتا باستمرار وتردد
ضجيجهما ساعة بعد ساعة في الرؤوس التي ما
انفكّت تفكر فيهما. خمسة أشخاص يسكنهم الهلع، خمسة أشخاص يراقب
بعضهم بعضاً، وأصبحوا بالكاد يكترثون
لإخفاء توتر أعصابهم. لم يُعد بينهم سوى القليل من التظاهر في ذلك الوقت،
واختفت طبقة المجاملات الرسمية
الرقيقة من محادثاتهم. كانوا خمسة أعداء تربطهم معاً غريزة مشتركة
للحفاظ على حياتهم.
وفجأة بدوا جميعاً دون مستوى البشر؛ كانوا ينحدرون إلى طبيعة أكثر وحشية،
فجلس القاضي وارغريف مقوّساً
ظهره كسلحفاة متربّصة وعيناه حادّتان ويقظتان. والمفتش السابق بلور بدا فظّاً
أشعث يمشي كالدبّ وعيناه بحمرة
الدم، وكان لوجهه ملامح الوحشية والغباء كما لو أنه وحش في وكره
يوشك على الانقضاض على مطارديه.
وفيليب لومبارد أصبحت أحاسيسه أكثر حدّة وأقلّ خموداً وأصبحت أذناه تستجيبان
لأخفّ صوت، وأصبحت مشيته
أخفّ وأسرع وجسده أكثر رشاقة ولياقة، وأصبح كثير الابتسام كاشفاً عن أسنان
طويلة بيضاء. وبدت فيرا
كلايثورن هادئة جداً، وكانت تجلس معظم الوقت متكوّمة على نفسها في مقعدها
وعيناها تحدّقان أمامها إلى الفضاء،
وبدا وكأنها مصابة بالدّوار كطير ارتطم رأسه بالزجاج ورآه إنسان فجثم هناك
خائفاً عاجزاً آملاً أن تنجيه عدم
قدرته على الحركة. وآرمسترونغ كانت أعصابه في حالة يُرثى لها؛ كان يرتعش
ويداه ترتجفان، وراح يدخّن اللفافة
تلو الأخرى ويطفئها في الحال تقريباً، بدا أن وضع السكون المفروض عليهم يرهقه
أكثر من غيره ، وكان بين
الفينة والأخرى ينفجر بسيل من الكلمات العصبية فيقول مثلا : يجب... يجب أن لا نجلس
هنا دون أن نفعل شيئاً.
يجب أن يكون لدينا ما نستطيع أن نفعله، بالتأكيد، بالتأكيد لدينا ما نستطيع أن نفعله .
ماذا لو أشعلنا ناراً في
الخارج...؟
قال بلور بصوت رصين: في هذا الطقس؟
عاد المطر ينهمر من جديد والريح تعصف بهبّات قوية، وكان صوت سقوط المطر
المثير للكآبة يكاد يدفعهم إلى
الجنون، وقد تبنّوا بموافقة صامتة خطة لتصرفاتهم، فكانوا جميعاً يجلسون في غرفة
الجلوس ولا يُسمَح إلا لشخص
واحد بمغادرة الغرفة في حين يبقى الأربعة الآخرون ينتظرون حتى عودته.
قال لومبارد: إنها مسألة وقت فقط. سوف يصفو الجو ونستطيع بعدها أن نفعل شيئاً؛
ترسل إشارات، نشغل ناراً،
نبني طوفاً... أو أيّ شيء آخر.
فقال آرمسترونغ بضحكة متشنجة مفاجئة: مسألة وقت، وقت!
ليس لدينا وقت، سنموت جميعاً.
قال القاضي وارغريف بصوت خفيض رصين وبنبرة تصميم:
ليس إذا كنّا حذرين علينا. أن نكون حذرين.
-2-
قُدّمت وجبة الغداء في موعدها ولكن دون الطقوس المعتادة، فقد ذهب الخمسة
جميعاً إلى المطبخ معاً ووجدوا في
خزانة الأطعمة كميّة وفيرة من الطعام المعلَّب، ففتحوا بعض العلب وتناولوا الطعام
وقوفاً حول طاولة المطبخ، ثم
تحركوا معاً كالقطيع عائدين إلى غرفة الجلوس، ليقعدوا ويراقب بعضهم بعضاً.
في ذلك الوقت غدت الأفكار التي تدور في رؤوسهم غير عادية
وانفعالية ومريضة :
" إنه آرمسترونغ بالتأكيد؛ لقد رأيتُه وهو ينظر إليّ بطرف عينه حينذاك. إن له
عينَي مجنون، مجنون تماماً! ربما لم
يكُن طبيباً أصلا . نعم ، بالطبع، إنه مجنون هارب من عيادة طبيب ما
ويتظاهر بأنه طبيب، هذه هي الحقيقة، هل
أخبرهم؟ هل أصرخ بأعلى صوتي؟ لا ؛ هذا سيجعله أكثر حذراً. ثم إنه يستطيع
أن يبدو عاقلاً تماماً. كم الساعة
الآن؟ الثالثة والربع فقط! يا إلهي! سوف أجَنّ . نعم، إنه آرمسترونغ،
ها هو يراقبني الآن"...
" لن يصلوا إليّ ؛ أستطيع العناية بنفسي. لقد مرّت بي أوقات صعبة سابقاً.
ولكن أين ذلك المسدّس؟ مَن أخذه؟
بحوزة من هو الآن؟ ليس بحوزة أحد، نحن نعرف ذلك؛ لقد تمّ تفتيشنا جميعاً ولا
يمكن أن يكون بحوزة أيّ شخص.
ولكن أحدنا يعرف أين هو "...
سيفقدون عقولهم، سيفقدون عقولهم جميعاً؛ فهم يخشون الموت، جميعناً نخشى الموت.
أنا أخشى الموت، نعم ، ولكن
هذا لا يمنع الموت من أن يأتي. أين قرأتُ عبارة تقول
: " عربة نقل الموتى في الانتظار يا سيدي"؟ أين قرأت ذلك؟
الفتاة، سأراقب الفتاة؛ نعم، سأراقب الفتاة"...
" الرابعة إلا عشرين دقيقة؟ الرابعة إلا عشرين دقيقة فقط؟! ربما توقَفت الساعة
عن الحركة. لا أفهم، نعم ، لا أفهم.
أمر كهذا لا يمكن أن يحدث! ولكنه يحدث فعلاً، لماذا لا نفيق؟ نفيق! فقط لو كان
باستطاعتي التفكير! رأسي... شيء
ما يحدث في رأسي، رأسي سينفجر، سينفلق نصفَين! شيء كهذا لا يمكن أن يحدث!
كم الساعة الآن؟ يا إلهي،
الرابعة إلا الربع فقط؟!"...
" يجب أن أحتفظ بعقلي، يجب أن أحتفظ بعقلي. لو أنّي أستطيع الاحتفاظ بعقلي.
. المسألة واضحة تماماً، كلها
مخطَّطه سلفاً، ولكن يجب أن لا يشتبه أحد. قد تنجح الحيلة، يجب أن تنجح.
مَن منهم؟ هذا هو السؤال، مَن منهم؟
أظنه ... نعم ، بالأحرى أظنه هو"...
عندما دقّت الساعة الخامسة انتفضوا جميعاً وقالت فيرا: هل يريد أحد شاياً؟
سادت فترة صمت قصيرة ثم قال بلور: نعم، إذا سمحتِ .
ونهضت فيرا وهي تقول: سأذهب وأُعد الشاي،
بإمكانكم جميعاً البقاء هنا.
فقال القاضي وارغريف بلطف: أعتقد أننا جميعاً نفضّل أن نأتي
ونراقبك وأنت تُعدّينه يا سيدتي الشابة العزيزة.
فحدّ قت إليه فيرا ثم أطلقت ضحكة هستيرية قصيرة وقالت:
طبعاً، لا بدّ أنكم تفضلون ذلك.
انتقل الخمسة إلى المطبخ حيث تمّ إعداد الشاي، ثم تناوَله فيرا وبلور،
أما الآخرون فقد شربوا المرطبات، وقد فتحوا
زجاجة جديدة وغمغم القاضي وهو يبتسم كالتمساح: يجب أن نكون حذرين جداً
ثم عادوا إلى غرفة الجلوس . ورغم
أن الفصل كان صيفاً إلا أنّ الغرفة كانت قد سادها الظلام. ضغط لومبارد زر
الإنارة، ولكن الأضواء لم تشتعل
فقال: طبعاً لم يتمّ تشغيل محرك الإنارة اليوم لأن روجرز غير موجود للقيام بذلك.
وتردد لحظة ثم قال: أعتقد أن بوسعنا الخروج جميعاً وتشغيل المحرك.
فقال القاضي وارغريف : في خزانة الطعام شموع، لقد رأيتها بنفسي
ويمكننا استخدامها.
خرج لومبارد في حين جلس الأربعة يراقب بعضهم بعضاً، ثم عاد ومعه الشموع
وكمّية من الأطباق الصغيرة،
وأُشعلَت خمس شموع ووُزّعَت في أنحاء الغرفة. كانت الساعة عندئذ السادسة إلا الربع.
-3-
عند الساعة السادسة والثلث شعرت فيرا بأنّها لم تعُد تحتمل الجلوس
هناك لمدة أطول، وقررَت أن تذهب إلى
غرفتها وتأخذ حماماً بارداً تريح به رأسها المتعَب. نهضت وسارت باتجاه الباب،
ثم تذكرَت فعادت وأخذت شمعة
من الصندوق فأشعلتها وأسالت بضع نقط من الشمع في الطبق ثبّتت فيها الشمعة،
ثم خرجَت من الغرفة مُغلِقة الباب
خلفها وتارِكة الرجال الأربعة في غرفة الجلوس.
صعدت الدرَج ومشت في الممر إلى غرفتها، وعندما فتحت الباب
توقفت فجأة وجمدت في مكانها... لقد شعرَت
بخياشيم أنفها ترتعش! إنه البحر، هذه رائحة البحر في سينت تريدينيك ،
هكذا كانت تلك الرائحة! لا يمكن أن تكون
مخطئة بالطبع؛ المرء يشتمّ رائحة البحر على أيّ جزيرة، ولكن
هذه الرائحة مختلفة. كانت هي الرائحة التي
تتذكرها على الشاطئ في ذلك اليوم حينما كان البحر في حالة جَزْر
والصخور مغطّاة بالأعشاب والشمس تجفّفها.
عادت بذاكرتها إلى الوراء وتذكّرَت: " هل أستطيع السباحة إلى الجزيرة
يا آنسة كلايثورن؟ لماذا لا أستطيع
السباحة إلى الجزيرة؟". طفل صغير سيّئ متذمر ومدلّل، ولولاه لكان
هوغو غنيّاً وقادراً على الزواج بالفتاة التي
أحبّها. هوغو، من المؤكد أن هوغو كان إلى جانبها، لا ، بل كان ينتظرها داخل الغرفة.
خطَت خطوة إلى الداخل، وهبّ تيَّار هواء من النافذة على الشمعة
فارتعشت شعلتها قليلاً ثم انطفأت، وساد الظلام
فتملّكها الخوف فجأة! تشجّعت فيرا كلايثورن قائلة لنفسها: لا تكوني حمقاء،
لا تخافي، الآخرون في الطابق السفلي
ولا أحد في الغرفة. لا يمكن أن يكون في الغرفة أحد؛ أنت تتخيلين الأشياء فقط.
ولكن تلك الرائحة، رائحة شاطئ سينت تريدينيك لم تكُن خيالاً، بل كانت
حقيقة، وكان في الغرفة شخص! لقد
سمعَت شيئاً، بالتأكيد سمعت شيئ اً. وعندئذ وفيما هي واقفة هناك مصغية،
شعرَت بيد باردة تلمس حنجرتها، يد
رطبة تنبعث منها رائحة البحر!
-3-
صرخت فيرا ، صرخت وصرخت صراخ رعب قاتل، صرخات استنجاد
فزعة يائسة. لم تسمع الأصوات القادمة
من الأسفل ولا صوت كرسي ينقلب ولا صوت فتح باب ولا صوت أقدام الرجال
تصعد الدرَج، بل كانت تشعر فقط
برعب لا حدود له.
ثم استعادت بعض وعيها وشعرت بالأضواء ترتعش عند الباب وبالرجال
يندفعون بسرعة داخل الغرفة، وسمعت
صوت أحدهم يقول: ماذا حدث؟! يا إلهي! ماذا حدث؟
ارتجفت وخطَت خطوة إلى الأمام ثم انهارت على أرض الغرفة. كانت
فقط نصف واعية حين أحسّت بشخص
ينحني فوقها ويدفع برأسها بين ركبتيها، ثم سمعت صرخة تعجّب
وقول أحدهم بسرعة: يا إلهي، انظروا ماذا هناك!
عاد إليها وعيها وفتحت عينيها ورفعت رأسها ، فرأت ما كان ينظر إليه الرجال
الذين يحملون الشموع. كان شريط
عريض من أعشاب البحر يتدلى من السقف، كان ذلك هو ما تأرجح في
الظلام لامساً حنجرتها. كان ذلك ما ظنّته
يداً رطبة، يداً غارقة عائدة من البحر لتُطبِق على عنقها وتنزع الحياة منها.
فأخذت تضحك بهستيرية وقالت: كان
ذلك أعشاب بحر، أعشاب بحر، هذا هو سبب الرائحة.
ثم اعتراها الشحوب مرة أخرى وغمرتها موجات وموجات من الغثيان،
ومرة أخرى أمسك أحدهم برأسها ودفعه
بين ركبتيها، وشعرت كأن دهوراً مرّت. كانوا يقدّمون لها شيئاً لتشربه
وكانوا يضغطون بكأس على شفتيها، كأس
تفوح منها رائحة عصير الليمون.
كانت على وشك أن تتجرع العصير شاعرة بالامتنان، ثم فجأة دقّت أجراس
تحذير في رأسها فانتفضت معتدلة في
جلستها ودفعت الكأس بعيداً وقالت بحدّة: من أين جاء هذا الشراب؟
جاء الجواب بصوت بلور محدّقاً إليها للحظة ثم قال: لقد أحضرتُه من الطابق السفلي.
فصرخت فيرا: لن أشربه.
سادت لحظة صمت ثم قال لومبارد ضاحكاً ومقدّر اً: عظيم يا فيرا،
أنتِ متماسكة بشكل جيّد رغم أنك فقدت نصف
عمرك من الخوف، سأجلب زجاجة جديدة لم تُفتَح بعد.
وانطلق خارجاً بسرعة فقالت فيرا وهي غير متأكدة، أنا بخير الآن،
سأشرب قليلاً من الماء.
ساعدها آرمسترونغ على الوقوف على قدمّيها، وذهبَت إلى الحوض وهي تتمايل
وتمسك به حتى لا تسقط. فتحت
الصنبور وسمحت للماء بالنزول في الحوض قليلاً ثم ملأت به كوباً في حين
قال بلور ساخطاً: ذلك العصير لا بأس به.
فقال آرمسترونغ: وكيف عرفت؟
فقال بلور بغضب: لم أضع فيه شيئاً إن كان هذا ما تقصده.
قال آرمسترونغ: أنا لم أقُل إنك فعلت ذلك، ولكن في مثل
حالتنا يجب أن نفترض أن أيّ شخص آخر قد عبث
بالزجاجة.
دخل لومبارد الغرفة بسرعة، وكانت في يده علبة عصير جديدة دفعها
تحت ناظرَي فيرا وقال: انظري يا فتاتي لا
خداع مطلَقاً.
وفتح الزجاجة متابع اً: من حسن الحظ أن البيت فيه كمية وفيرة من المشروبات،
كان ذلك بُعد نظر من السين أوين.
ارتجفَت فيرا بعنف وأمسك آرمسترونغ بالكأس في حين ملأها فيليب لومبارد
وقال آرمسترونغ: من الأفضل أن
تشربي هذا يا آنسة كلايثورن؛ لقد تعرضتِ لصدمة شديدة.
شربت فيرا بعض الليمون فعاد الدم إلى وجهها، وقال لومبارد ضاحكاً:
حسناً، هذه جريمة لم تنفَّذ حسب الخطة.
قالت فيرا بما يشبه الهمس: هل تظن ذلك؟ هل كانت تلك هي الخطة؟
أومأ لومبارد موافقاً وقال: كان التوقّع أن تموتي خوفاً. بعض الناس
قد يحدث لهم هذا، أليس كذلك يا دكتور؟
لم يرغب آرمسترونغ في إلزام نفسه بهذا الرأي فقال بتشكك: من المستحيل
الجزم بذلك، إذا كان الشخص موضوع
البحث شابّاً وبصحّة جيّدة ولا يعاني ضعفاً في القلب فهذا غير محتَمل،
ولكن من ناحية أخرى...
والتقط كاس العصير التي أحضرها بلور وغمس إصبعه فيها فتذوّق
الشراب بحذر شديد، فلم يتغير تعبير وجهه
وقال بشيء من التردد: يبدو الطعم عاديًاً.
فاندفع بلور خطوة إلى الأمام وقال غاضب اً: إذا كنتَ تعني أنني عبثت بذلك
الشراب فسأطيح براسك الأحمر هذا.
أعاد العصير لفيرا عقلها فقالت مغيّرةً الموضوع: أين القاضي؟
نظر الرجال الثلاثة بعضهم إلى بعض وقال لومبارد: غريب! ظننتُه جاء معنا.
فقال بلور : وأنا أيض اً. ما الأمر يا دكتور؟ أنت الذي صعدت الدرج خلفي.
قال آرمسترونغ: كنت أظنه خلفي، فهو أبطأ منا طبعاً لأنه رجل عجوز.
ونظر بعضهم إلى بعض ثانية وقال لومبارد: هذا غريب جد اً!
وصرخ بلور: يجب أن نبحث عنه.
وسار باتجاه الباب وتبعه الآخرون وفيرا خلفهم، وبينما كانوا ينزلون الدرَج قال
آرمسترونغ وهو ينظر جانب اً: ربما
بقي في غرفة الجلوس بالطبع.
اجتازوا القاعة وصاح آرمسترونغ منادياً بصوت مرتفع: وارغريف،
وارغريف، أين أنت؟
ولكنه لم يتلقَّ جواباً، وران صمت ثقيل على البيت إلاَ من صوت خفيف
لسقوط الأمطار. وعند باب غرفة الجلوس
وقف آرمسترونغ فجأة جامداً في مكانه، وتدافع الآخرون وأخذوا ينظرون من خلفه،
وعلا صراخ أحدهم! كان
القاضي وارغريف يجلس في كرسيه المرتفع في نهاية الغرفة وعلى جانبيه شمعتان
تحترقان، ولكن ما صدم وأذهل
المجموعة أنه كان ملفوفاً بقماش أحمر وقد وُضعت على رأسه لُمّه
الشعر المستعار التي يلبسها القضاة!
أشار الطبيب إلى الآخرين بالبقاء خلفه ثم تقدّم هو نفسه إلى الشبح الذي
بدا صامتاً جاحظ العينين، أنحنى إلى الأمام
ونظر في الوجه الجامد، ثم بحركة سريعة أزاح لُمه الشعر المستعار فسقطت إلى
الأرض كاشفة عن جبينه العالي
المتصل بصلعه رأسه، وفي الوسط منه علامة مستديرة ملوَّثه كان قد نزف منها شيء
ما، فرفع الدكتور آرمسترونغ
اليد الجامدة وجس نبضها ثم استدار إلى الآخرين وقال بصوت ميّت
خال من التعبير: لقد أصيب برصاصة.
قال بلور: يا إلهي ، المسدّس!
وقال الدكتور بنفس الصوت الذي لا حياة فيه: أصيب برصاصة في
رأسه قتلته في الحال!
وانحنت فيرا فنظرت إلى الشعر المستعار وقالت بصوت يرتجف رعب اً:
إنها لفّات الصوف الرمادي التي فقدَتها
الآنسة برنت!
وأضاف بلور: والستارة الحمراء التي فُقِدت من الحمّام!
همست فيرا: لهذا السبب أرادوا هذه الأشياء.
وفجأة أطلق فيليب لومبارد ضحكة عالية غير طبيعية وقال:
"خمسة جنود صغار ذهبوا إلى القضاء، أحدهم بقي في
المحكمة فبقي أربعة"..
. هذه هي نهاية القاضي وارغريف الدمويّ . لم يعُد بوسعه إصدار مزيد من الأحكام
هذه آخر مرة يرأس فيها الجلسة، لن يجُمل القضايا أو يرسل رجالاً أبرياء على الموت
... كم كان إدوارد سيتون سيضحك لو
كان هنا! يا إلهي، كم كان سيضحك!
سبّب اهتياجه صدمة وذهولاً للآخرين فصاحت فيرا:
هذا الصباح فقط قلتَ إنه هو الشخص المجهول.
فتغيّر وجه فيليب لومبارد وبدا كأنه ثاب إلى رشده، وقال بصوت خافت:
أعلم أنني قد قلت ذلك. حسناً، لقد كنتُ
على خطأ. هذا واحد آخر منّا ثبتَت براءته.... بعد فوات الأوان.

-

  #19  
قديم 09-27-2015, 10:42 PM
 
-


الفصل الرابع عشر
-1-

حملوا جثة القاضي وارغريف إلى غرفته في الطابق العلويّ وسجّوه على سريره،
ثمّ نزلوا ثانية ووقفوا في القاعة
ينظر بعضهم إلى بعض.
قال بلور بصوت رصين: ماذا نفعل الآن؟
فقال لومبارد بسرعة: نأكل شيئاً، لا بدّ لنا أن نأكل شيئاً.
مرة أخرى ذهبوا إلى المطبخ، ومرة أخرى فتحوا علب طعام محفوظ وتناولوا
الطعام بطريقة آليّة ودون تذوّق
تقريب اً. وقالت فيرا: لن آكل طعامًا معلّباً مرة أخرى.
انتهوا من تناول وجبتهم ثم جلسوا حول طاولة المطبخ ينظر بعضهم إلى بعض،
وقال بلور: بقي أربعة منّا فقط.
تُرى مَن سيكون التالي؟
حدّق إليه آرمسترونغ وقال بطريقة آلية تقريب اً: يجب أن نكون حذرين.
ثم توقف عن الكلام فأومأ بلور موافقاً وقال: هذا ما قاله، وها هو ميّت الآن.
قال آرمسترونغ: أودّ لو أعرف كيف حدث هذا.
أطلق لومبارد سباباً ساخطاً وقال: يا لها من خدعة ماكرة لعينة! وُضِعت
تلك الأعشاب البحرية في غرفة الآنسة
كلايثورن فأدّت الدور الذي وُضِعت من أجله تمام اً. الجميع هُرعوا إلى الأعلى
ظنّاً منهم أنّها قد قُتلت، وخلال
الفوضى التي سادت قام أحدهم باقتناص العجوز وهو في غفلة من أمره.
فقال بلور: لماذا لم يسمع أحد صوتَ الرصاصة؟
فهزّ لومبارد رأسه وقال: كانت الآنسة كلايثورن تصرخ والريح تزأر ونحن
نجري هنا وهناك ونصيح... لم يكُن
ممكناً سماعها.
وتوقف لحظة ثم أكمل قائلا : ولكن هذه الخدعة لن تنطلي علينا ثانية. على
القاتل أن يجرب شيئاً آخر في المرة
القادمة.
قال بلور: الأرجح أنه سيفعل.
كانت في صوته نبرة مقلقة. وتبادل الرجلان النظرات فيما قال آرمسترونغ:
أربعة منّا، ولا نعرف من الذي...
قال بلور: أنا أعرف.
وقالت فيرا: ليس لديّ أدنى شك.
فقال آرمسترونغ ببطء: أعتقد أنني أعرف بالفعل.
وقال فيليب لومبارد: أعتقد أن لديّ فكرة جيّدة الآن.
ونظر الجميع بعضهم إلى بعض مرة أخرى، ثم نهضت فيرا مترنحة وقالت:
أشعر بأنني لا أطيق نفسي. يجب أن
أذهب إلى النوم؛ أنا منهكّة تمام اً.
وقال لومبارد: وأنا أيض اً. لا جدوى من الجلوس هنا ليراقب بعضنا بعض اً.
قال بلور: لا مانع لديّ .
وغمغم الطبيب: هذا أفضل ما يمكن عمله، رغم أنني أشكّ أن أحداً منّا سيستطيع النوم.
وتحركوا باتجاه الباب في حين قال بلور: تُرى أين ذلك المسدّس؟
-2-
صعدوا الدرَج إلى الطابق العلويّ، وإلى حد كبير كانت الخطوة التالية
تشبه مشهداً في مسرحية هزلية؛ فقد كان كُل
منهم يمسك بمقبض باب غرفته، ثم دخلوا جميعاً غرفهم وأغلقوا الأبواب في وقت
واحد كأنما حدث هذا بإشارة
واحدة، وسُمِعت أصوات المزاليج والأقفال وتحريك قطع الأثاث.
أربعة أشخاص يملؤهم رعب مُميت تَتْرسوا في غرفهم حتى الصباح.
-3-
تنفس فيليب لومبارد بارتياح بعد أن وضع مقعداً تحت مقبض الباب،
ثم مشى باتجاه طاولة الزينة، وعلى ضوء
الشمعة المرتعش تفحّص وجهه بفضول وهمس يخاطب نفسه:
هذه الحكاية تركت أثارها عليك تماماً
وفتح فمه فجأة بابتسامه تشبه تكشيرة الذئب، ثم ذهب إلى سريره فوضع ساعة يده
على الطاولة المجاورة للسرير،
ثم فتح درج الطاولة ووقف هناك ينظر إلى المسدّس الذي كان في داخل الدرَج!
-3-
استلقت فيرا كلايثورن على سريرها . كانت الشمعة لا تزال تشتعل إلى
جوارها ولكنها لم تكُن قادرة على استجماع
شجاعتها لإطفائها؛ كانت خائفة من الظلام، وقالت لنفسها مرة تلو المرّة:
لا خوف عليك حتى الصباح، لم يحدث
شيء ليلة أمس ولن يحدث شيء الليلة، لا شيء يمكن أن يحدث ؛ أنتِ في غرفة
مغلّقة بقفل ورِتاج ولا أحد يستطيع
الاقتراب منك.
وفكرت فجأة قائلة لنفسها: طبعاً أستطيع البقاء هنا، هنا في الغرفة المغلّقة.
الطعام ليس مهمّ اً! أستطيع البقاء هنا في
أمان حتى تصل النجدة، حتى لو تأخر ذلك يوماً أو يومين.
تبقى هنا ، نعم . ولكن هل تستطيع – فعلاً – البقاء ساعة بعد ساعة دون التحدث مع أحد
ودون عمل أيّ شيء غير
التفكير فقط؟ ستبدأ بالتفكير في كورنوول ، في هوغو، وفيما قالته لسيريل ذلك
الولد القميء المتذمر الكريه الذي
يضايقها دائماً.
- آنسة كلايثورن، لماذا لا أستطيع السباحة إلى الصخرة؟
أنا أستطيع، أعرف أنني أستطيع.
هل كان صوتها هو الذي أجابه قائلا :
" طبعاً تستطيع يا سيريل، تستطيع فعلاً، أنا أعرف ذلك"؟
- إذن هل أذهب يا آنسة كلايثورن؟
- حسناً، أسمع يا سيريل، أمّك تقلق عليك جد اً. سأخبرك شيئاً، بإمكانك غداً أن تسبح
إلى الصخرة، سأتحدث مع
أمك على الشاطئ وألهيها عنك، وعندما تفتقدك ستكون أنت هناك على الصخرة تلوّح لها.
سوف تكون مفاجأة.
- حقاً؟ أنت سيدة ممتازة يا آنسة كلايثورن، ستكون مغامرة رائعة!
كانت قد قالتها، غد اً. هوغو كان ذاهباً إلى نيوكواي، وعند عودته
سيكون كل شيء قد انتهى. ولكن لنفرض أن
الأمور لم تَسِر على هاذ النحو، لنفرض أنّ حادثّا وقع. ربما أمكن إنقاذ سيريل
في الوقت المناسب، وعندها سيقول
سيريل: " الآنسة كلايثورن سمحَت لي " . حسناً، وماذا في ذلك؟ على المرء
أن يخاطر قليلاً أحياناً إذا حصل
المحذور فبإمكانها الإنكار بصلافة فتقول: كيف تستطيع اختلاق كذبة كهذه يا سيريل؟
طبعاً أنا لم أسمح لك قط.
وسوف يصدّقونها؛ فسيريل كان يروي قصصاً من هذا النوع، كان ولداً كاذباً.
سيريل سيعرف طبعاً، ولكن ذلك لا
يهمّ . وعلى أيّ حال لن يقع أيّ خطأ. ستتظاهر بأنها تسبح خلفه، ولكنها ستصل متأخرة
ولن يشك أحد في أمرها.
هل شك هوغو؟ هل كان ذلك هو السبب في نظرته إليها بتلك الطريقة الغريبة
كأنه لا يعرفها؟ هل عرف هوغو؟
هل كان ذلك سبب مغادرته بتلك السرعة بعد انتهاء التحقيق؟ إنه لم يرّد
على الرسالة الوحيدة التي أرسلتها له ،
هوغو....
تململت فيرا قلقة في سريرها وقالت لنفسها: يجبّ أن لا أفكّر فيه.
كان ذلك يؤلمها كثيراً، ولكنه انتهى ويجب أن تنساه. لماذا شعرت فجأة في
ذلك المساء بأنه كان معها في الغرفة؟
حدّقت إلى السقف ونظرت إلى العلاّقة المتدلّية من السقف وسط الغرفة. لم تنتبه
من قبل إلى تلك العلاقة التي كانت
الأعشاب البحرية تتدلّى منها.
وارتجفَت حين تذكرَت تلك اللمسة الباردة الرطبة على عنقها. لم تعجبها تلك
العلاّقة المتدلية من السقف؛ إنها تجذب
نظرك وتدهشك . كم هي سوداء وكبيرة!
-5-
جلس المفتش السابق بلور على طرف سريره. كانت عيناه الصغيرتان بلون
الدم محاطتين بهالتين حمراوين، وبدتا
يقظتين وسط كتلة وجهه الصلبة. كان كالخنزير البري الذي يوشك أن ينقضّ .
لم يكُن ميّالاً إلى النوم وكان يعلم أن
الخطر قريب جداً في ذلك الوقت، فقد مات ستة من عشرة، حتى إن القاضي
العجوز كانت نهايته كالآخرين رغم
كل ذكائه وحذره ودهائه.
تنهّ د بلور بارتياح وحشي وهو يتذكّر قول القاضي العجوز: " يجب أن نكون حذرين جداً" .
المنافق العجوز المعتدّ
بنفسه الذي يعتقد أنه أصلح الناس، يجلس في المحكمة وهو يشعر كما لو كان ملك
الملوك. لقد نال نصيبه وانتهى
ولن ينفعه الحذر مرة أخرى.
والآن كان هناك أربعة منهم، الفتاة ولومبارد وآرمسترونغ وهو نفسه.
وقريباً جداً سيذهب شخص آخر منهم، ولكنه
لن يكون هنري بلور؛ سوف يعمل على التأكد من ذلك. ولكن ماذا عن المسدّس؟
كان ذلك هو الشيء المزعج ،
المسدّس.
جلس بلور على سريره وقد زوى حاجبَيه وتغضنَت أجفانه حول عينيه
الصغيرتين وأخذ يفكّر بمشكلة المسدّس.
وكسر الصمتَ صوتُ دقّات الساعة في الطابق السفليّ معلناً منتصف الليل،
فاسترخى قليلاً، بل بلغ به الأمر أنه
استلقى على السرير ، ولكنه لم ينزع ملابسه، استلقى هناك مفكّراً،
استعرض الماضي كله من البداية وبطريقة
منهجية وبالتفصيل كما أعتاد أن يفعل أيام عمله في الشرطة. كانت الدراسة الشاملة
للقضية هي ما يحقّق النجاح في
النهاية. كانت الشمعة تحترق. وفيما كان يحاول النظر ليرى إذا كانت علبة الثقاب في
متناول يده عثرَت يده بالشمعة
فانطفأت، ولدهشته جعلته الظلمة قلق اً! بدا كما لو كانت مخاوف ألف سنة قد استيقظت
وأخذت تتصارع في عقله
لتقلقه. تراءى له طيف بعض وجوه في الهواء، وجه القاضي وهو متوَّج
بتلك اللُمّة الصوفية الرمادية، والوجه
البارد الميّت للسيدة روجرز، والوجه القرمزي المتشنّج لأنتوني مارستون، ثم وجه
آخر شاحب ذو نظارات وشارب
صغير بلون القش، وجه رآه ذات مرة، ولكن متى؟ ليس على الجزيرة بل قبل ذلك
بوقت طويل، غريب أن لا
يستطيع تذكّر الاسم ! وجه من النوع الساذج، كان يبدو كالأبله.
فجأة تذكّره، تذكّره وهو يحسّ بصدمة حقيقية، إنه لاندور. من الغريب أن يكون قد
نسي كلّياً كان لاندور يبدو. أمس
فقط كان يحاول تذكّر وجه ذلك الرجل ولم يستطع، والآن ها هو يرى بخياله
كل ملامحه واضحة ومحدّدة كما لو
كان رآها أمس فقط!
كان للاندور زوجة، امرأة نحيلة ذات وجه قلق، وكان لهما طفلة أيضاً، بنت في نحو
الرابعة عشرة، وتساءل للمرة
الأولى فيما يمكن أن يكون قد حدث لهما، البنت وأمها.
انطلق الإنذار عالياً مرة ثانية في عقله: " المسدّس، ماذا حدث للمسدّس؟
هذا أكثر أهمية بكثير *. وكلما فكّر أكثر
في أمر المسدّس ازدادت حيرته، ولم يستطع فهم حكاية المسدّس هذه. أحد
الأشخاص في هذا البيت يحمل ذلك
المسّدس.
في الطابق السفليّ دقّت الساعة الواحدة، وانقطع حبل أفكاره وجلس على
السرير متيقظاً فجأة حين سمع صوتاً،
صوتاً خافتاً جداً في مكان ما خارج باب غرفته، كان شخص ما يتحرك في ظلام البيت،
فشعر بلور بالعرق يتفصّد
من جبينه. مَن الذي يتحرك خلسة وبصمت في الممرات؟ لا بدّ أنه
ينوي شرّاً ، هذا شيء أكيد.
نزل بلور عن السرير دون إصدار صوت، ورغم بنيته الضخمة استطاع أن
يصل الباب في خطوتين فقط ووقف
مُرهِفاً السمع، ولكن الصوت لم يأتِ ثانية. إلاّ أنّ بلور كان مقتنعاً أنه لم يكُن مخطئاً؛
لقد سمع وقع أقدام خارج
الباب تمام اً. أحس بشعر رأسه يقف قليلاً وبالخوف يعود ثانية.
كان متأكداً أن شخصاً يتحرك خلسة في الليل، فأرهف سمعه، ولكن الصوت
لم يتكرر. وسيطرت عليه رغبة جديدة
في تلك اللحظة؛ أراد أن يخرج بأي وسيلة ليتحقق من الأمر. لو استطاع فقط أن
يعرف مَن هذا الذي يتسلل في هذا
الظلام... ولكنّ فُتح الباب تصرف أحمق، والأغلب أن هذا بالضبط ما كان الشخص
الآخر ينتظره، بل ربما تعمّد
أن يسمع بلور الصمت على أمل استفزازه للخروج لمعرفة مصدر الصوت.
وقف بلور جامداً يصغي، وأصبح بوسعه سماع أصوات في كل مكان في ذلك الوقت،
صوت صرير، أزيز،
همسات غامضة... ولكن عقله العنيد الواقعي عرف ماهية تلك الأصوات،
كان يعلم أنها من اختلاق خياله المهتاج،
و... فجأة سمع شيئاً لا علاقة له بالخيال، سمع وقع خطوات خفيفة جداً وحذرة جداً،
ولكنها مسموعة بوضوح
بالنسبة لرجل يرهف سمعه تماماً كما كان بلور يفعل. تحركَت الخطوات بخفة في الممر
كانت غرف لومبارد
وآرمسترونغ أبعد عن رأس الدرَج من غرفته واجتازت باب غرفته دون تردّد
أو اضطراب، وعند ذلك اتخذ بلور
قراره، قرّر أن يرى صاحب الخطوات . مرّت الخطوات من أمام بابه متجهة
نحو الدرَج بكل تأكيد، فتساءل بلور
أين كان ذلك الرجل ذاهباً؟
عندما بدأ بلور تنفيذ قراره نفّذه بسرعة مدهشة بالنسبة لرجل ضخم وبطيء
مثله، فعاد على أطراف أصابعه إلى
السرير ووضع علبة الثقاب في جيبه وفصل قابس المصباح الكهربائي من
جانب سريره ولفّ عليه السلك. كان
المصباح من الكروم وله قاعدة ثقيلة، كان سلاحاً مفيداً.
قفز بسرعة وأزاح الكرسي من تحت مقبض الباب، وبمنتهى الحذر فتح قفل الباب
ورفع المزلاج وخرج إلى الممر.
كان في القاعة في الطابق السفلي صوت خافت، فركض بلور حافياً إلاّ من جوربَيه
إلى قمة الدرَج دون أدنى
صوت.
في تلك اللحظة أدرك لماذا كان قد سمع كل تلك الأصوات بذلك الوضوح.
كانت الريح قد هدأت تماماً، ولا بدّ أن
السماء قد أصبحت صافية. كان ينساب من نافذة قمة الدرَج ضوء قمر شاحب
ويضيء القاعة في الطابق السفلي،
ولمح بلور شبحاً يخرج من الباب الأمامي للمنزل في لحظة عابرة ، فهُرع ينزل
الدرَج لمطاردة الشبح، إلا أنه
توقف فجأة! مرة أخرى كاد يجعل من نفسه مغفَّلاً؛ فربما كانت هذه مصيدة لاستدراجه
خارج البيت، ولكنّ الذي لم
يدركه الرجل الآخر هو أنه قد أرتكب خطأ وأنه قد أوقع نفسه بين يدَي بلور؛ فمِن
بين الغرف الثلاث المشغولة في
الطابق العلوي هناك واحدة يجب أن تكون خالية في تلك اللحظة، وما عليه الآن سوى
أن يعرف أي الغرف هي
الخالية.
عاد بلور بهدوء وسار في الممر، ثم توقف عند باب الدكتور آرمسترونغ أولاً
ودقّ الباب، ولكن لم يُجِب أحد،
فانتظر دقيقة ثم ذهب إلى غرفة فيليب لومبارد ودقّ الباب، فجاء جواب
لومبارد فوراً قائلا : مَن هناك؟
- أنا بلور . لا أظن أن آرمسترونغ في غرفته، انتظر لحظة.
ثم ذهب إلى باب الغرفة الموجودة في نهاية الممرّ ودقّ الباب أيضاً هاتفاً
: آنسة كلايثورن. آنسة كلايثورن.
فأجابته فيرا فزعة: من هذا ؟ ما الأمر؟
- لا شيء يا آنسة كلايثورن، انتظري لحظة، سأعود بعد قليل.
ورجع بسرعة إلى غرفة لومبارد فانفتح الباب تلك اللحظة وخرج لومبارد
يحمل شمعة في يده اليسرى. كان قد
ارتدى بنطاله فوق ثياب النوم ووضع يده اليمنى في جيب
ثوب النوم وقال بحدّة: ما الأمر؟!
شرح بلور الوضع بسرعة فلمعَت عينا لومبارد قائلا : آرمسترونغ! هو صيدنا إذن.
ومشى إلى باب آرمسترونغ مُضيف اً: آسف يا بلور،
ولكنّي لا أقبل شيئاً بثقة عمياء.
وطرق بشدّة على إطار الباب صارخاً: آرمسترونغ ، آرمسترونغ.
ولمّا لم يجد جواباً ركع لومبارد على ركبتيه
ونظر من ثقب المفتاح، ثم أدخل إصبعه الصغير في الثقب بحذر
وقال: المفتاح ليس في مكانه بالداخل.
فقال بلور: هذا يعني أنه أثقل الباب من الخارج وأخذ المفتاح معه.
فأومأ فيليب موافِقاً وقال: إنه إجراء احتياطي عادي. سنمسك به يا بلور،
هذه المرّة سنمسك به. انتظرني لحظة
واحدة فقط.
وانطلق عائداً إلى غرفة فيرا فناداها قائلا : فيرا، فيرا.
- ماذا ؟
- نحن نبحث عن آرمسترونغ؛ فهو ليس في غرفته.
لا تفتحي بابك مهما كان الأمر، أفهمتِ؟
- نعم، فهمت.
- إذا جاء آرمسترونغ وقال إنني قُتلت أو إن بلور قُتل فلا تُعيريه انتباهاً، أفهمتِ؟
لا تفتحي بابك إلاَ إذا تحدّثنا إليك
بلور وأنا مع اً. هل فهمت ذلك؟
قالت فيرا: نعم، أنا لست غبية إلى هذا الحد.
قال لومبارد : ممتاز.
ثم انضمّ إلى بلور وقال: والآن لننطلق خلفه. لقد بدأت المطاردة.
قال بلور: الأفضل أن نكون حذرَين؛ فلديه مسدّس، أتذكر؟
ضحك لومبارد ضحكة خافتة فيما كان يسرع نازلاً الدرَج وقال:
أنت على خطأ في هذا.
وفتح الباب الأمامي ثم قال ملاحِظ اً: سقّاطة القفل محوَّلة إلى الخلف
لكي يستطيع فتح الباب عند العودة.
ثم تابع بابتسامة ماكرة: والمسدّس موجود معي.
وسحب طرف المسدّس من جيبه وهو يقول: وجدتُه قد وُضع ثانية في درجي الليلة.
وقف بلور جامداً على عتبة الباب وتغيرَت ملامح وجهه، ورأى
فيليب لومبارد ذلك فقال: لا تكُن بهذه الحماقة يا
بلور، أنا لا أنوي قتلك. عُد ثانية وتَترْس في غرفتك إذا شئتَ،
وأنا سأذهب لأبحث عن آرمسترونغ.
وانطلق في ضوء القمر، فتبعه بلور بعد فترة تردّد قصيرة وهو يقول لنفسه:
أحسب أنني أسعى إلى حتفي بنفسي.
ولكن المسألة – في النهاية – أنه سبق له التعامل مع مجرمين يحملون
مسدّسات، وأيّاً كانت الفضائل التي تنقصه
فالشجاعة ليست من بينها، فليكُن في مواجهة الخطر، وسيواجهه بكل شجاعة،
لم يكُن يخشى المواجهة المفتوحة،
ولكن الخطر المجهول فقط.
-6-
نهضت فيرا التي كانت قد تُركت لانتظار النتائج فارتدت ملابسها
ثم نظرت إلى الباب مرة أو مرتين. كان باباً صُلباً
جيّداً وكان مقفَلاً ومغ لَقاً بالمزلاج إضافة إلى كرسي من خشب البلوط تحت المقبض.
لم يكُن ممكنا خلع الباب بقوة،
خصوصاً من قِبل الدكتور آرمسترونغ الذي لم يكن قوياً جسمانياً.
لو كانت هي آرمسترونغ وكانت تنوي ارتكاب جريمة لاستخدمت المكر لا القوة.
وأخذت تسلّي نفسها بالتفكير في
الوسائل التي قد يستخدمها، قد يُعلن أن احد الرجلَين الآخرَين قد مات كما قال فيليب،
أو قد يتظاهر بأنه أصيب
بجراح قاتلة هو نفسه، وقد يجرّ نفسه إلى بابها وهو يئن. كما يمكن أيضاً أن يخبرها
أن النار تشتعل في البيت،
وأكثر من ذلك فربما قام فعلاً بإضرام النار في البيت... نعم، هذا احتمال
ممكن، يستدرج الرجلين الآخريَن خارج
البيت بعد أن يكون قد سكب بعض الوقود في الداخل، ثم يشعل النار وتبقى هي
كالحمقاء حابِسةً نفسها في غرفتها
حتى يكون الوقت قد فات.
مشت إلى النافذة قائلة لنفسها: لا بأس: يستطيع الإنسان الفرار من النافذة بسهولة.
كل ما هنالك القفز إلى حوض
زهور قريب.
ثم جلست فالتقطت دفتر مذكراتها وبدأت تكتب فيه بسهولة ووضوح وهي تقول
لنفسها: لا بدّ للمرء أن يجد طريقة
لتمضية الوقت.
وفجأة جمدت متنبهة وقد سمعت صوتاً ! وخطر لها أنه كان صوتاً يشبه صوت
تحطّم زجاج، وقد جاء الصوت من
مكان ما في الطابق السفليّ . أصغت بشدّة ولكن الصوت لم يتكرر ثانية، وسمعت
أو خُيّل إليها أنها سمعت صوت
خطوات مختلَسة وصرير الدرَج واحتكاك ملابس، ولكن لم تكُن تسمع شيئاً محدَّداً،
فخلصت إلى النتيجة التي كان
بلور قد انتهى إليها من قبل وهي أن أصل هذه الأصوات في مخيْلتها فقط.
ولكنها سرعان ما سمعت أصواتاً ذات طبيعة مؤكّدة، أصوات أشخاص يتحركون
في الطابق السفلي وغمغمة
أصوات، ثم صوتاً مؤكَّداً لشخص يصعد الدرَج، ثم أبواباً تُفتَح وتُغلَق
وأقداماً تصعد إلى السطح العلوي، ثم مزيداً
من الصوت هناك، وأخيراً جاءت أصوات الخطوات من الممر
وسمعت صوت لومبارد يقول: فيرا، هل أنت بخير؟
- نعم ، ماذا جرى؟
وسمعت صوت بلور يقول: هلاّ فتحت لنا الباب؟
ذهبت فيرا إلى الباب فأزاحت الكرسي وفتحت القفل وسحبت المزلاج،
ثم فتحت الباب فظهر الرجلان وهما يتنفسان
بصعوبة، وكانت أقدامهما والأجزاء السفلى من بنطاليَهما تقطر ماء، فأعادت السؤال: ماذا جرى؟
قال لومبارد: اختفى آرمسترونغ!
-7-
صرخت فيرا: ماذا؟!
فقال لومبارد: اختفى من الجزيرة تماماً.
فأكّد بلور قائلا : نعم ، اختفى . هذا ما حدث، اختفى كحاو وغد يقوم بحيلة.
قالت فيرا بصبر نافد: هراء! إنه يختبئ في مكان ما بالتأكيد.
فقال بلور: لا ، لا يمكن؛ لا يوجد مكان للاختباء في هذه الجزيرة
فهي جرداء كباطن اليد، وضوء القمر في الخارج
وكل شيء واضح كالنهار. إنه غير موجود في أيّ مكان.
قالت فيرا: لعلّه عاد أدراجه إلى البيت.
فقال بلور: لقد خطر لنا ذلك ففتشنا البيت، ولا بدّ أنك سمعتنا. آرمسترونغ ليس هنا
، أؤكد لك أنه قد اختفى.. اختفى
تماماً، تبخّر في الهواء.
قالت فيرا بتشكّك: لا أصدق ذلك.
فقال لومبارد: هذه هي الحقيقة يا عزيزتي.
وتوقف لحظة ثم قال: توجد حقيقة صغيرة أخرى. لقد كُسر أحد ألواح
الزجاج في نافذة غرفة الطعام، ويوجد ثلاثة
جنود صغار فقط على الطاولة!

-


  #20  
قديم 09-27-2015, 10:58 PM
 
-


الفصل الخامس عشر
-1-
ثلاثة أ شخاص جلسوا في المطبخ يتناولون طعام الإفطار.
أشرقت الشمس في الخارج وكان الجو جميلا . العاصفة صارت مجرَّد
ذكرى من الماضي، ومع تغيّر الطقس حدث
تغيّر في مزاج السجناء الموجودين في الجزيرة فبدوا مثل أشخاص استيقظوا للتوّ من
كابوس. كان هناك خطر، نعم
، ولكنه كان خطراً في وضح النهار. اختفى ذلك الجو الذي شلّهم خوفاً والذي التفّ
حولهم كغطاء الأمس، في حين
كانت الريح تعوي في الخارج.
قال لومبارد: سنحاول اليوم إرسال إشارات مستخدِمين مرآة من أعلى نقطة في الجزيرة،
ولا بدّ أن شابّاً نابهاً
يتجول على الشاطئ سيفهم إشارة الاستغاثة حين يراها. آمل ذلك؛ وفي المساء
يمكننا أن نشعل ناراً، ولكن المشكلة
أنه لا يوجد الكثير من الحطب، ثم إنهم قد يأخذونها فقط على أنها غناء ورقص ولهو.
قالت فيرا: لا بدّ أنّ أحداً يستطيع قراءة إشارات موريس، وعندها سيأتون لأخذنا
قبل حلول المساء بوقت طويل.
فقال لومبارد: صحيح أن الجوف صاف الآن، ولكن البحر ما زال عالياً والموج مرتفع جداً،
ولن يكون بوسعهم
إرسال قارب إلى الجزيرة قبل الغد.
فصاحت فيرا : ليلة أخرى في هذا المكان!
هزّ لومبارد كتفيه وقال: يتعيّن علينا مواجهة ذلك. أظن أن أربعاً وعشرين ساعة
ستكون كافية، وإن استطعنا البقاء
حتى ذلك الحين فسوف نجتاز الأزمة.
تنحنح بلور وقال: من الأفضل أن نصل إلى فهم واضح لمسألة آرمسترونغ وما حلّ به.
فقال لومبارد: حسناً، لدينا دليل واحد، يوجد فقط ثلاثة تماثيل خزّفية لجنود صغار
على الطاولة، يبدو كما لو أن
آرمسترونغ قد لقي حتفه.
قالت فيرا: إذن فلماذا لم تجدا جثته؟
قال بلور: بالضبط.
هزّ لومبارد رأسه وقال: إنها مسألة غريبة، لغز يصعب فهمه!
قال بلور بتشكك: ربما ألقيَت جثته في البحر.
فقال لومبارد بحدّة: ومَ ن ألقاها؟ أنت ؟ أنا لقد رأيتَه بنفسك يخرج من الباب الأمامي
ثم عدَت ووجدتني في غرفتي،
وخرجنا فبحثنا معاً. متى كان يمكن أن أقتله وأحمل جثته حول الجزيرة بالله عليك؟
قال بلور: لا أعرف، ولكني أعرف شيئاً واحد اً.
قال لومبارد: ما هو؟
فقال بلور: المسدّس.... مسدّسك بحوزتك الآن، ولا يوجد
ما يثبت أنه لم يكُن بحوزتك طول الوقت.
- ماذا تقول يا بلور؟! لقد تمّ تفتيشنا جميع اً.
- أجل، ولكن ربما كنت خبّأته قبل التفتيش ثم استعدتَه بعد ذلك.
- أيها الأحمق الساذج! أقسم لك إنه أُعيدَ وضعه في درجي، وكانت أكبر
مفاجأة حدثت لي في حياتي عندما شاهدته
هناك.
قال بلور: أتطلب منّا أن نصدّق شيئاً كهذا؟ لماذا يعيد آرمسترونغ أو
أيّ شخص آخر المسدّس إلى درجك؟
رفع لومبارد كتفيه في حيرة وقال: ليست لديّ أدنى فكرة. هذا جنون، آخر ما
يمكن للمرء أن يتوقعه. يبدو تصرفاً لا
هدف له.
وافق بلور قائلا : أجل، ليس له أيّ هدف، كان بوسعك أن تأتي بفكرة أفضل.
- إذن فربما كان هذا دليلاً على أنني أقول الحقيقة، أليس كذلك؟
- أنا لا أنظر إلى الأمر بهذه الطريقة.
- قال فيليب: لا تنظر إلى الأمر بهذه الطريقة؟
قال بلور: أصغ إليّ يا سيد لومبارد، إذا كنتَ رجلاً شريفاً كما تحاول أن تبدو..
فغمغم لومبارد مقاطِع اً: متى سبق لي أن زعمت بأنّي رجل شريف؟ أنا لم أقُل ذلك قط.
واصل بلور متغابي اً: إذا كنتَ تقول الحقيقة فما يمكن فعله هو شيء واحد، ما دام
المسدّس معك فسنبقى أنا والآنسة
كلايثورن تحت رحمتك ، والشيء الوحيد الصحيح هو وضع ذلك المسدّس مع الأشياء
الأخرى في الصندوق
المقفَل، وسيبقى مفتاح معي وآخر معك.
قال فيليب لومبارد ببرود: لا تكُن أبله.
- ألا توافق على ذلك؟
- بالطبع لا أوافق، هذا المسدّس لي وأنا أحتاجه للدفاع عن نفسي، وسأحتفظ به.
فقال بلور: في هذه الحالة لا بد من الوصول إلى استنتاج واحد.
- بأنني أنا السيد أوين؟ استنتج كما يحلو لك، ولكني سأسألك : إذا كان هذا
صحيحاً فلماذا لم أقتلك بذلك المسدّس
ليلة أمس؟ لقد سنحت لي الفرصة أن أفعل ذلك نحو عشرين مرة.
هزّ بلور رأسه وقال: لا أعرف، هذه حقيقة. لا بدّ أنه كان لديك سبب.
لم تكُن فيرا قد شاركت في الحديث حتى تلك اللحظة فتململت وقالت:
أعتقد أنكما تتصرفان كشخصين أحمقَين.
نظر إليها لومبارد وقال: ما هذا الذي تقولينه؟!
فقالت فيرا: لقد نسيتم أبيات الأنشودة، ألا ترون أن فيها دلائل؟
وأعادت قراءة بعض الأبيات بنبرة ذات معنى قائلة: " أربعة جنود صغار
ذهبوا إلى البحر، سمكة رنجة حمراء
ابتلعت أحدهم فبقي ثلاثة". ثم تابعت وهي تنظر نحوهما: سمكة رنجة حمراء..
. هذا هو الدليل الحيوي. آرمسترونغ
ليس ميتاً، لقد أخذ معه تمثال الجندي ليجعلكم تعتقدون أنه مات.
بوسعكم أن تقولوا ما تشاؤون ولكن آرمسترونغ ما
زال على الجزيرة، واختفاؤه ليس سوى وسيلة لصرف نظركم عن شيء معيَّن .
جلس لومبارد ثانية وقال: أتعرفين؟ قد تكونين على حق.
قال بلور: أجل، ولكن إذا صح ذلك فأين هو؟ لقد فتشّنا المكان بدقة.
قالت فيرا بتشكّك: لقد بحثنا جميعاً عن المسدّس. ولم نجده، أليس كذلك؟ ولكنه
كان موجودا في مكان ما طوال
الوقت.
فغمغم لومبارد: يوجد فرق صغير في الحجم – يا عزيزتي – بين رجل ومسدّس.
قالت فيرا: هذا لا يهمني، أنا متأكدة من أنني على صواب.
وغمغم بلور: كأنما هو قد دلّ على نفسه حين ذكر سمكة رنجة حمراء في الأنشودة،
أليس كذلك؟ كان بوسعه كتابتها
بطريقة مختلفة
فصاحت فيرا: ولكن ألا تفهمان؟ إنه مجنون، كل هذا جنون؛ تطبيق أبيات تلك
الأنشودة جنون، تلبيس القاضي
ومقتل روجرز بالبلطة عندما كان يقطع الحطب، تنويم السيدة روجرز بحيث راحت
في سُبات أبدي، ترتيب ظهور
نحلة طنّانة عند موت الآنسة برنت.. هذا كله يبدو كما لو أن طفلاً يلعب لعبة مرعبة.
كل شيء يجب أن يأتي
متطابقاً.
فقال بلور : أجل ، انتِ على حق.
وفكّر دقيقة ثم أضاف: على أيّ حال لا توجد حديقة حيوانات في الجزيرة،
سيواجه بعض الصعوبة في هذه النقطة.
فصاحت فيرا: ألا ترى؟ نحن حديقة الحيوانات! ليلة أمس لم نكَد نكون مخلوقات بشرية.
نحن حديقة الحيوانات!
-2-
قضوا الصباح على السفوح الصخرية المقابلة للبر الرئيسي يتناوبون
على إرسال الإشارات باستخدام مرآة، ولكن لم
يظهر أيّ دليل على أنّ أحداً قد رآهم ولم يتلقّوا أية إشارة إجابة. وكان الطقس صافياً
ومشوباً بضباب خفيف، وفي
الأسفل كان البحر عالي الموج ولم تكُن فيه قوارب.
كانوا قد قاموا بجولة تفتيش أخرى فاشلة ولم يعثروا على أيّ أثر للطبيب المفقود، ونظرت
فيرا إلى البيت من حيث
كانوا يقفون وقالت بنفَس متقطع بعض الشيء: المرء يشعر بأمان أكثر هنا في العراء.
لا أريد العودة إلى البيت مرة
أخرى.
قال لومبارد: إنها فكرة جيدة؛ نحن بأمان تامّ هنا ولا أحد يستطيع أن يصل إلينا
قبل أن نراه من مسافة بعيدة.
قالت فيرا: سوف نبقى هنا.
فقال بلور: لا بدّ لنا من قضاء الليل في مكان ما، وسوف يتعيّن علينا العودة إلى البيت عندئذ.
ارتعشت فيرا وقالت: لا أستطيع تحمّل ذلك، لا أستطيع قضاء ليلة أخرى هناك.
قال فيليب: ستكونين آمنة بما فيه الكفاية عندما تغلقين عليك باب غرفتك.
فغمغمت فيرا: أعتقد ذلك. وتمطّت مادّة ذراعَيها وغمغمت: ما أحلى
الإحساس بالشمس مرة أخرى!
ثم فكّرت في نفسها: يا للغرابة! أكاد أكون سعيدة، ومع ذلك أحسب أنني في خطر حقيقي.
الآن يبدو – على نحو ما
– أنه لا شيء يهمّ، ليس في ضوء النهار. أشعر بأنني مليئة بالقوة ،
أشعر أنني لا يمكن أن أموت!
نظر بلور إلى ساعته وقال: الساعة الآن الثانية، ماذا عن الغداء؟
فقالت فيرا بإصرار: لن أعود إلى البيت، سأبقى هنا في العراء.
- ما هذا يا آنسة كلايثورن؟ تعرفين أنه لا بدّ لك من المحافظة على قوّتك.
فقالت فيرا: سوف أُصاب بالغثيان إذا رأيت علبة طعام أخرى. لا أريد أيّ طعام...
الناس يُمضون أياماً دون طعام
عندما يلتزمون ببرنامج للنحافة .
قال بلور: حسناً، أما بالنسبة لي فأنا أحتاج إلى وجبات منتظمة . ماذا عنك يا سيد لومبارد؟
ردّ فيليب: بصراحة أنا أيضاً لا تروق لي كثيراً فكرة الأطعمة المعلَّبة. سأبقى هنا مع الآنسة كلايثورن.
تردد بلور فقالت فيرا: سأكون بخير تماماً، ولا أظن أنه سيطلق النار عليّ بمجرَّد أن تدير ظهرك.. إذا كان هذا ما
يقلقك.
قال بلور: لا بأس إذا كان هذا رأيك، ولكننا اتفقنا على أن لا نفترق.
فقال فيليب: أنت الذي تريد الذهاب إلى عرين الأسد، سآتي معك إذا رغبت.
- لا ، لن تأتي؛ ابقَ هنا.
فضحك فيليب وقال: إذن فأنت لا تزال خائفاً منّي. لماذا؟ أستطيع أن أقتلكما أنتما الاثنين حالاً لو أردتُ .
قال بلور: اجل، ولكن هذا لن يكون مطابقاً للخطة. شخص واحد فقط في كل مرة، ويجب
أن يتمّ ذلك بطريقة معيّنة.
قال فيليب: حسناً، يبدو انك تعرف كل شيء عن الموضوع.
فقال بلور: "طبع اً" ، ثم أضاف: أشعر بشيء من الرهبة من الذهاب إلى البيت بمفردي.
فقال فيليب بلطف: إذن هل سأعيرك مسدّسي؟ الجواب: لا، لن أفعل. ليس بهذه البساطة، شكراً لك.
هزّ بلور كتفيه وبدأ يصعد المنحدّر الحادّ الانحدار في طريقة للبيت، وقال لومبارد بلطف:
حان وقت الطعام في
الحديقة فالحيوانات منتظمة جداً في عاداتها.
قالت فيرا بقلق: أليس خطيراً جداً ما يفعله هذا الرجل؟
- ليس بالمعنى الذي تقصدين. لا أظن أنه خطر؛ فآرمسترونغ غير مسلَّح – كما تعلمين –
وبلور يساوي ضعفه
من حيث القوة الجسدية على أية حال، كما أنه في أقصى الحذر، ثم إنه من المستحيل تماماً
أن يكون آرمسترونغ
في البيت... أنا أعرف أنه ليس هناك.
- ولكن هل يوجد أيّ تفسير آخر؟
قال فيليب بلطف: نعم، بلور.
- يا إلهي! هل تعتقد حقاً أنه...؟
- اسمعي يا فتاتي، لقد سمعتِ رواية بلور، وعليك الاعتراف بأنها إذا كانت
صحيحة فليس من المعقول أن تكون
لي علاقة باختفاء آرمسترونغ. روايته تبرّئني ولكنها لا تبرئه هو. ليس لدينا سوى
أقواله حول سماعه خطوات
ورؤيته شخصاً ينزل الدرَج ويخرج من الباب الأمامي. القصة كلها قد تكون كذبة،
وربما كان قد تخلّص من
آرمسترونغ قبل ساعتين من ذلك الوقت.
- كيف؟
هزّ لومبارد كتفيه ثم تابع: هذا ما لا نعرفه، ولكن في رأيي يوجد خطر
واحد يجب أن نخشى منه، وهذا الخطر هو
بلور. ماذا نعرف عنه؟ لا شيء تقريباً، كل حكاية الشرطي السابق هذه قد تكون كلاما فارغاً.
ربما كان أيّ شيء،
ربما كان مليونيراً مجنوناً أو رجل أعمال مهووساً أو سجيناً فارّاً من أحد السجون...
الأمر المؤكَّد الوحيد هو أنه
كان بوسعه تنفيذ كل جريمة من تلك الجرائم التي وقعت هنا.
جفّ الدم في عروق فيرا. وقالت بصوت مختنق إلى حد ما: لنفترض أنه سيصل إلينا.
قال لومبارد بلطف وهو يربّت على المسدّس في جيبه: " سأبذل كل جهدي لمنعه من ذلك".
ثم نظر إليها بفضول
وقال: تختبرين الثقة بي، أليس كذلك يا فيرا؟ هل أنت متأكدة تماماً من
أنني لن أقتلك؟
فقالت فيرا: لا بدّ للمرء من الوثوق بأحد ما. الواقع أنني أعتقد أنك مخطئ بحق بلور،
ما زلتُ أظن أنه آرمسترونغ.
ثم التفتت إليه فجأة وقالت: ألا تشعر بأن شخصاً ما يراقبنا وينتظر؟
قال لومبارد ببطء: إنها مجرَّد حالة عصبية.
فقالت فيرا باندفاع: إذن فقد شعرتَ بذلك؟
ارتعشت، ثم انحنت قليلاً إلى الأمام وقالت: قل لي، ألا تعتقد أن...؟
أحياناً لا أكون متأكدة، ربما كان صوت
الضمير.
قال بهدوء شديد بعد لحظة صمت: إذن فأنتِ أغرقتِ ذلك الطفل فعلاً؟
فقالت فيرا باهتياج: لا، لم أفعل ، لم أفعل، وليس لك الحق في قول ذلك.
فضحك بخفّة وقال: بلى لقد فعلتِ، يا لك من فتاة! لا أعرف لماذا وليس بإمكاني تصوّر السبب.
الأغلب انه كان في
الموضوع رجل، هل كان الأمر كذلك؟
وفجأة شعرَت فيرا بالإرهاق والوهن يسريان في أطرافها فقالت بصوت فاتر:
نعم، كان في الموضوع رجل.
قال لومبارد بلطف: شكراً، هذا ما أردتُ معرفته.
وفجأة شعرت فيرا بالأرض تهتز تحت قدمَيها فانتفضت وقالت بدهشة:
ماذا حدث؟ الأمر ليس هزّة أرضية، أليس
كذلك؟
فقال لومبارد: لا ، لا ، هذا أمر غريب! لقد سمعت صوت ارتطام
قوي هزّ الأرض وسمعت صراخاً، فهل سمعتهِ؟
حدّقا باتجاه البيت وقال لومبارد: الصوت آت من هناك، والأفضل أن نذهب ونرى.
- لا ، لا ، لن أذهب.
- كما تشائين، سأذهب أنا.
فقالت فيرا بيأس: حسناً، سآتي معك.
صعدا المنحدّر إلى البيت، وكانت الشرفة هادئة وساكنة يغمرها ضوء الشمس
ترددا هناك لحظة، وبدلاً من الدخول
من الباب الأمامي قاما بالدوران حول البيت بحذر... فوجدا بلور. كان ممدَّا على
الشرفة الحجرية في الجهة الشرقيّة
وقد تحطّم رأسه وتشوه نتيجة سقوط كتلة ضخمة من الرخام الأبيض عليه!
نظر فيليب إلى الأعلى وقال: نافذة مَن هذه التي في الأعلى مباشرة؟
فقالت فيرا بصوت خافت متهدّج: إنها نافذة غرفتي! وهذه هي الكتلة التي تحوي
الساعة التي كانت فوق المدفأة.
تذكرتُ الآن، كانت .... كانت منحوتة على شكل دبّ .
وأخذَت تكرّر كلماتها وصوتها يهتزّ ويرتعش قائلة: كانت منحوتة على شكل دبّ !
-3-
أمسكها فيليب من كتفيها وقال بصوت خشن مندفع: اتضح الأمر الآن؛
آرمسترونغ مختبئ في مكان ما في ذلك
البيت. سأذهب وأقضي عليه.
ولكن فيرا تعلَقت به وصاحت: لا تكُن مجنون اً. لقد جاء دورنا الآن؛
آرمسترونغ يريدنا أن نبحث عنه، إنه يترقب
ذلك.
توقّف فيليب وقال متفكر اً: كلامك فيه بعض الصحّة.
فصاحت فيرا: أيّاً كان الأمر فها أنت تعترف الآن بأنني كنت على حق.
أومأ برأسه وقال: أجل، لقد فزتِ؛ إنه آرمسترونغ دون شك. ولكن أين أخفى نفسه بالله عليك؟!
لقد مشّطنا المكان كله تمشيطاً دقيقاً.
فقالت فيرا باندفاع: ما دمتما لم تجداه ليلة أمس فلن تجده الآن.. هذا هو المنطق.
قال لومبارد متردد اً: أجل، ولكن...
- لا بدّ أنه أعدّ مكاناً سرّياً في وقت سابق. بالطبع، هذا ما قد يفعله طبعاً؛
مخبأ سري كجحور الكهنة في القصور
الريفية القديمة.
- ولكن هذا المكان ليس قديماً.
- بوسعه أن يفعل ذلك لهذه الغاية بشكل خاص.
هزّ فيليب لومبارد رأسه وقال: لقد مسحنا المكان في أول صباح لنا هنا،
وأقسم أنه لا يوجد أيّ شيء خفيّ .
قالت فيرا: لا بدّ من وجود مخبأ.
قال لومبارد: أتمنى أن أجد...
فصاحت فيرا: أجل، تتمنّى أن تجده، وهو يعرف ذلك، إنه هناك ، ينتظرك.
قال لومبارد وهو يسحب المسدّس من جيبه قليلاً، لديّ هذا كما تعرفين.
- أنت قلت إن بلور لم تكُن لديه مشكلة، كان أكثر من ندّ لآرمسترونغ،
وقد كان كذلك من الناحية الجسدية. كما أنه
كان حذراً أيضاً، ولكن الذي يبدو أنك لا تدركه هو أن آرمسترونغ مجنون، رجل
مجنون لديه كل الميزات، وهو
أشد مكراً بمرتين من أي عاقل.
أعاد لومبارد المسدّس إلى جيبه وقال: تعالَي إذن.
-3-
قال لومبارد أخير اً: ماذا ستفعلين عندما يحلّ الليل؟
وعندما لم تُجِب فيرا واصل بطريقة اتهامية: ألم تفكري بذلك؟
قالت بيأس: ماذا نستطيع أن نفعل؟ يا إلهي! أنا خائفة.
قال فيليب لومبارد مفكّر اً: الطقس صاف وسوف يكون القمر منير اً. يجب
أن نجد مكاناً، فليكُن في الأعلى عند
صخور القمة، فهناك يمكننا الجلوس والانتظار حتى الصباح. ويجب أن لا ننام،
يجب أن نبقى يقظَين كل الوقت،
وإذا صعد أحد إلينا فسأطلق عليه النار.
وتوقف قليلاً ثم تابع: ولكنك ستشعرين بالبرد وأنت بهذه الملابس الخفيفة، أليس كذلك؟
فأطلقت فيرا ضحكة جافّة وقالت: أشعر بالبرد؟ ولكني سأكون أكثر برودة إذا متّ .
قال فيليب لومبارد بهدوء: أجل، هذا صحيح.
تململَت فيرا ضجراً وقالت: سأفقد عقلي إذا جلست هنا لمدة أطول.
دعنا نتجوّل قليلا .
- حسناً
أخذا يذرعان المكان صعوداً وهبوطاً بمحاذاة خط الصخور التي تشرف على البحر.
كانت الشمس تنحدر نحو
المغيب وترسل أشعّة رقيقة غمرتهما بوهج ذهبي، وكان فيليب ينظر إلى الأسفل نحو
البحر فقال فجأة: ما هذا
هناك؟ هل ترين؟ إلى جانب تلك الصخرة الكبيرة ، لا ، بعدها إلى اليمين.
حدّقت فيرا وقالت: تبدو كأنها ملابس شخص ما.
فقال لومبارد ضاحك اً: شخص يسبح ، أليس كذلك؟ غريب!
كنت أظنها مجرَّد أعشاب بحرية.
قالت فيرا: لنذهب ونرَ .
قال لومبارد وهما يقتربان: إنها ملابس، مجرَّد كومة ملابس،
وهناك حذاء أيضاً. هيا لنصعد من هنا.
وتسلّقا الصخور، ولكن ما لبثت فيرا أن وقفت فجأة وقالت إنها ليست ملابس
، بل هي جثة رجل!
كانت الجثة محشورة بين صخرتين وقد ألقى بها المدّ ذلك الصباح،
ووصل لومبارد وفيرا إليها وانحنيا عليها
فأبصرا ذلك الوجه القرمزي الشَاحب، كان وجهاً غارقاً بشعاً،
وهتف لومبارد: يا إلهي، إنه آرمسترونغ!


-

 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سَنتألم قليلاً ثُمّ نْنسى | psd ᶫᵉᵉᶰᵃ ملحقات الفوتوشوب 6 07-05-2014 07:15 AM
أسباب تسلط الذل على المسلمين oays tamim نور الإسلام - 0 01-10-2009 03:53 PM


الساعة الآن 05:14 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011