*6*
لو سقط دبوس صغير على أرضية هذه الغرفة لسُمع صوته.. كان الوضع مملاً لدرجة أنك ستفكر بأتفه شيء قد يبعد عنك هذا الملل.. حاولت كروس بشتى الطرق التخلص من هذا الهدوء والنهوض عن هذا السرير الذي كان يشكل نعشاً للموتى.. هذا من وجهة نظرها فبقاؤها ليوم كامل ممددة دون أن تحرك ولو جزءً صغيراً من عظامها يجعلها تشعر كأنها جثة وهذا السرير هو النعش المخصص لها...... جالت بأنظارها للمرة المليون كل زاوية في هذه الغرفة وأهم شيء هو الساعة المعلقة بالسقف... لا زالت تشير للثانية بعد منتصف الليل... كل ما تشعر به هو أن الوقت لا يمر أبداً وهدوء المشفى يجلب السبات الشتوي.... للمرة الأولى في حياتها ستكون مستعدة لسماع صراخ أو ازعاج الأطفال لكي يقطعوا هذا الصمت المطبق... بحق ألا يوجد طفل ذكي قرر الهروب من غرفته في المشفى واصدار مشاكسات تجعل على الأقل الممرضات يتحركن للبحث عنه... ما هذا؟ تأففت وهي تكاد تجزم أن شكل أظافرها قد تشوه بسبب استمرار نقرها على جوانب سريرها المعدني لإحداث أي صوت تتسلى بسماعه.. لم تشعر بالنعاس بعد وعينيها ما زالتا تجولان بالمكان حتى استقرتا على كيس المغذي الموصول بيدها.. ما زال نصفه مملوءً كما كان قبل ساعة من الآن.. هذا ما شعرت به لتتكلم بعدها محدثة نفسها:
- لا أمانع إن أتى ناير بنفسه الآن... أرجوكم أي شيء...
فكرت للحظة أنها تريد فصل المغذي عن يدها وتخرج إلى حديقة المشفى التي تراها حالياً عبر النافذة التي تبعد عنها نصف متر تقريباً... منظرها هادئ جميل بذلك العشب الأخضر وبعض المقاعد الموزعة هنا وهناك والأضواء البيضاء التي تنتشر بشكل جميل... صحيح أن في الخارج هدوء يشابه الهدوء الموجود عندها لكنها على الأقل لن تكون محاطة بأربع جدران.. لو أنها تشعر بالنعاس لانتهى الأمر سريعاً ولكن المشكلة هي أن النعاس لا يقف إلى جانبها الآن وكأنه يكرهها... تحب الهدوء صحيح لكنها لا تحب البقاء بالمشفى بهذا الشكل، لطالما كرهت البقاء فيه منذ صغرها حيث أنها كانت دائمة المرض والحساسية من أي شيء خاصة في فصل الشتاء.....
تذكرت فجأة بعضاً من طفولتها والتي كانت تخص علاقتها بالمشفى عندما كانت والدتها تبقى ليومين كاملين بجوارها تنتظر شفاء صغيرتها.... كانت تعشق والدتها كثيراً منذ صغرها وحتى هذه اللحظة، تقدمت بذاكرتها إلى أحداث أكثر تأثيراً وقرباً من الوقت الحالي الذي تعيشه إلى ذلك اليوم الأليم عندما رأت والدتها وهي.............
توقف تدفق ذكرياتها عندما التفتت بسرعة ناحية الباب بعد أن شعرت بحركة ما.. رأت مقبض الباب يتحرك ببطؤ ليتبعه تحرك الباب بكل سلاسة وهدوء إلى الداخل.... من عساه يكون؟! كانت التساؤلات تملأ رأسها والقلق يسيطر عليها فمن عساه قد يأتي بهذا الوقت؟! ولكن سرعان ما زال القلق تماماً ليحل محله الهدوء والحنان عند اطلالة هذا الفتى الصغير من خلف الباب بوجه خائف فابتسمت له مباشرة برقة وقالت له بصوت خفيض:
- ادخل يا صغيري لا تخف.. هيا تقدم...
وحركت يدها تحثه على فعل ما طلبته منه فتحرك ذلك الفتى بهدوء ودخل
بخطوات مترددة تاركاً الباب خلفه شبه مغلق...
حاولت كروس رفع جسدها العلوي راغبة بالجلوس... لا تنكر أن اصابتها آلمتها بحدة حينها وقد ظهر ذلك على وجهها عندما أغمضت عينيها وضغطت على أسنانها لكنها رغم ذلك رفعت جسدها وجلست بشكل جيد.... عاد بصرها لذلك الفتى الذي كان يقف بعيداً عنها بعض الشيء فابتسمت له بعذوبة فهي تحب الأطفال كثيراً ولكنها تنزعج منهم عندما تكون في مزاج معكر ولكنها الآن ليست كذلك.....
- ألن تخبرني ما هو اسمك يا صغيري؟ وأيضاً لماذا لا تقترب أكثر؟ إذا كنت خائفاً مني فأنا سأحزن كثيراً لهذا... هل أنا مخيفة؟
انطلقت كلماتها بغاية الحنان مع تلك الابتسامة التي لا تزال تزين شفتيها وسرعان ما اتسعت ابتسامتها أكثر وهي تراه يقترب منها ببطؤ حتى استقر بجوارها فامتدت يدها بشكل تلقائي تلعب بشعره الكستنائي الجميل وقد أعادت سؤالها عن اسمه مرة أخرى فأجابها بصوتٍ متردد:
- اسمي.... بوني.
- حسناً بوني.. اسمك ظريف، وكم عمرك؟
- خمس سنوات.
واصلت كروس حديثها معه وأعطته قطعة شوكولا وكان الفتى قد تخلص من خجله وكان مستمتعاً يحدث كروس بأريحية لكن فجأة.......
- بوني أنتَ هنا؟
التفت الصبي بسرعة عندما سمع صوت تلك السيدة الذي اقتحم نقاشهما... رفعت كروس رأسها ناحية الباب لترى سيدة تشبه بوني بشكل كبير فخمنت أنها والدته...
- أعتذر منك يا آنسة على الازعاج الذي سببه ابني لكِ في هذا الوقت.
ابتسمت كروس لها وقالت بهدوء بعد أن تأكدت أنها والدته بالفعل:
- لا تعتذري أنا مسرورة لرؤيته فأنا كنت أشعر بالملل وقد تسلينا كثيراً معاً...
دلفت السيدة إلى الداخل وتقدمت من كروس وابنها وأمسكت بيده وقالت موجهة الكلام له:
- هيا بوني عليك أن تنام وتترك الآنسة ترتاح...
- حسناً أمي..
خرج بوني مع والدته بعد أن ودعها وأغلقا الباب خلفهما بهدوء بينما كروس عادت للتمدد على سريرها وهي تشعر بآلام مكان الاصابة... تنهدت بهدوء ونظرت إلى الساعة حيث كانت تشير للثالثة صباحاً.... حسناً لقد أضاعت ساعة برفقة ذلك الفتى وها هي الآن بدأت تشعر بالنعاس... أوقفت رأسها عن التفكير في أي شيء وأغمضت عينيها لتغرق بعدها في نوم عميق وهادئ.....
**********************************
(اليوم التالي الساعة الثالثة مساءً في المستشفى)
ما حدث في وقت سابق من هذا اليوم كان شيئاً غير مهم كإجراءات الشرطة والتحقيق حول القضية، كان رويانود هو من أتى وقام بالتحقيق معها وذكر أن جميع الأفراد قد ألقي القبض عليهم عدا ناير الذي ما زال البحث عنه جارياً... واختتم زيارته بتمني الشفاء لها وغادر لإكمال عمله.. إنه شخص طيب تستبعد كروس أن يكون صديق ذلك المزعج جيو....
هذا ما حدث قبل ساعات أما الآن وفي تمام الثالثة مساءً.........
- قلت لكِ أنا بخير لا تقلقي سيدتي...
- وكيف لي أن لا أقلق عزيزتي؟ كدتِ تموتين بسبب ذلك الأحمق.
أطلقت كروس تنهيدة تدل على مللها فقد بدا لها أن السيدة أوليفيا ستواصل تأنيبها حتى مدة لا تعلمها..... أجابت برجاء يفهم من كلامها أنها تريد انهاء الموضوع:
- ولكنني لم أمت...
أكملت أوليفيا عتابها وقد ازداد صوتها حناناً:
- كروس أرجوكِ عليكِ أن تكوني حذرة هذه الأيام...
- أين جيو؟
تساءلت أوليفيا مستغربة:
- لماذا؟ هل تريدين شيئاً؟
- أريد أن أحدثه قليلاً.
- حسناً سأخبره.
خرجت أوليفيا من غرفة كروس بعد أن أنهت كلامها وأغلقت الباب خلفها بهدوء.....
كانت كروس بوضعية الجلوس على السرير ترخي ظهرها على حافته وتمدد جسدها السفلي براحة... تنهدت بهدوء ثم وجهت أنظارها إلى الخارج من النافذة وبقيت تتأمل لا تعلم كم بقيت هكذا وكانت شاردة الذهن لدرجة أنها لم تنتبه للذي دخل للغرفة... مر بعض الوقت ووضعها لم يتغير قبل أن يتكلم ذلك الشخص قاطعاً هذا الهدوء بصوته البارد:
- يا آنسة أنا هنا... ماذا تريدين؟
بمجرد أن سمعت صوته أوقفت تفكيرها واستدارت بهدوء ناحية الجدار المجاور للباب حيث يقف جيو مكتفاً ذراعيه ورجله اليسرى مرفوعة على الحائط وجهه خالي من أي تعبير قد تفهمه كروس... أخذت نفساً عميقاً وحاولت أن تبقى هادئة وتكلمت:
- علينا أن نتناقش بموضوع مهم....
قال ولم تتغير ملامحه وهو يتكلم وما زال محافظاً على برودته:
- دعيني أخمن.. أنتِ تريدين التكلم عما حدث البارحة..
رفعت حاجبها مع انتهاءه لكلامها وتكلمت ببعض السخرية مع شيء من الغضب:
- ذكي جداً... كيف علمت؟
رفع نظره إلى وجهها الغاضب وتكلم بنفس نبرته السابقة:
- تكلمي...
يتصرف جيو اليوم على غير عادته، على حد ما استنتجته من شخصيته وتصرفاته هو شخص غير مستقر المزاج ولكنه اليوم يتصرف ببرود أليس عليه أن يكون ساخراً الآن؟! كانت تتوقع كلام ساخر منه وتعليقات تجعلها تغضب واستهزاءه لما حدث لها البارحة ولكنه لم يفعل.. هذا غريب! أوقفت تفكيرها بالأمر وثبتت نظرها على وجهه وهي تتكلم:
- منذ متى تراقـــــ.....
- انتقلي للسؤال التالي..
(انتقلي للسؤال التالي) هل يمزح؟! لم تكمل سؤالها بعد... قاطعها مندفعاً بكلامه حيث خرج صوته بارداً وأيضاً لم يتحرك بقي كما هو، حتى أن معالم وجهه احتفظت بجمودها.. هناك شيء ما حصل... إنها متأكدة أن جيو ليس طبيعياً.. ولكن مع التفكير إن هذا أفضل لها.. سيجعل تفاهمها معه أفضل هكذا.. تنهدت بهدوء وأعادت طرح سؤالها عليه فأجابها بعد لحظات:
- منذ مدة...
عقدت حاجبيها بغضب وضغطت قبضتها بقوة.. يبدو أنه لا يريد انهاء الأمر بسرعة... الغضب بدأ يتسلل إليها لكنها حاولت البقاء هادئة وقد نجحت بإخراج صوتها دون اظهار غضبها لكنها لم تمنع السخرية من الظهور:
- أوه حقاً لم أكن أعلم... (وتغيرت نبرة صوتها للجدية وأكملت) : قلت متى؟
- قلت منذ مدة..
حسناً هذه المرة لم تستطع التحمل... هي تشبه جيو بكونها متقلبة المزاج لهذا لم تستطع منع الغضب الآن من الظهور بصوتها وأيضاً ما زالت تشعر بالاستغراب حتى الآن... هل هدوء جيو الآن ينبئ بحدوث مصيبة... ربما من يعلم؟ توقفت عن التفكير وتكلمت ووجهها وصوتها عكس مقدار الغضب الذي يتملكها الآن:
- لا تختبر صبري...
- هذا بدل أن تشكريني؟
يا إلهي.. سأفقد عقلي.. هذا الرجل سوف يدفعني إلى الجنون فعلاً.... لا يجيب وصوته وهدوؤه هذا.. ردت عليه بحدة بعد أن أوقفت كلامها مع نفسها:
- لم أطلب مساعدتك يا سيد.. ذلك الرجل الذي كان هناك هو من يراقبني؟ هل هو وحده أم لديك المزيد؟ أفضل أن تجيب قبل أن.......
- ذلك الشخص يدعى جوني... أجل هو من وضعته ليراقبك وحده...
- ألن تجيب؟
- عن ماذا؟
ضغطت على أسنانها وترجلت عن السرير بسرعة متناسية الألم الفظيع الذي شعرت به حينها جراء وقوفها السريع والمفاجئ... تأوهت بداخلها وامتدت يدها لا شعورياً لمكان اصابتها وتحركت نحوه مدعية القوة وهي بكل خطوة يزداد ألمها مع هذا لم تتوقف وتابعت سيرها بثبات حتى وقفت أمامه مباشرة ورفعت رأسها للأعلى قليلاً حيث أنه كان أطول منها تنظر لوجهه الذي لم تتغير ملامحه بعد... نطقت بحدة:
- لا تتغابى يا سيد.. أنت تعلم ماذا..
انتظرت اجابته لكنه لم يجب فصرخت في وجهه بنفاذ صبر:
- اسمع جيو أنا لم أكن بحياتي فتاة سهلة أبداً... كل شيء أريد الحصول عليه أحصل عليه مهما كان الثمن.. هل تفهم؟
- غريب.. أنا أيضاً هكذا.. إذاً هناك تشابه بيننا...
زفرت الهواء بحدة فبروده هذا لا يطاق.. لقد نجح في اغضابها... وهذا الألم الفظيع الذي ازداد عند صراخها... اخفضت رأسها وأغمضت عينيها متألمة وضغطت على شفتها السفلى ويدها ضغطت على جرحها بشكل أكبر ولكن مع هذا تكلمت وبالكاد خرج صوتها:
- سأغير صيغة السؤال.. لماذا تراقبني؟
- أنت تعلمين بالضبط لماذا أراقبك.
- وهل مراقبتك لي ستوصلك إلى ما تبحث عنه؟
- ربما أجل...وربما لا.
- ألا يمكنك أن تكف عن التدخل بي وإزعاجي...
خرج صوتها هذه المرة ضعيفاً جداً وقريباً للهمس، لم يغب عن أنظاره أنها كانت تتألم فتكلم بهدوء:
- عودي إلى سريرك.
- هذا ليس من شأنك.
- أنظري إلى نفسك أنتِ بالكاد تستطيعين الوقوف...
- وهل يزعجك هذا؟
سألته بصوت متألم وهي ترفع نظرها إلى وجهه لتجد تعابيره كما هي فأجاب بكل برودة أعصاب:
- لا..
صرخت بقوة:
- إذاً أصمت..
ومباشرة اختل توازنها وشعرت بالحرارة تنتشر في كل جسدها ورجليها ما عادتا تستطيعان حملها... أصابها دوار رهيب بالإضافة إلى الألم الذي تشعر به يزداد حدة.. شعرت بنفسها تسقط على الأرض ولا تستطيع فعل شيء لكنها لم تشعر بأرضية الغرفة تحتها... شعرت بيدين قاسيتين تلتفان حولها... إنه جيو.... هو من أمسك بها ومباشرة ارتخت أطرافها وسقطت يدها عن معدتها ولم تشعر بشيء بعدها:
- كروستافيا عزيزتي.... جيو ما بها؟
وقفت أوليفيا بقلق تنظر إلى جيو وهو يضع كروس على السرير وبسرعة اندفعت وقالت معاتبة لـــ جيو الذي تنحى جانباً وقد امتدت يدها لتتحسس جبين كروس:
- لماذا سمحت لها بالوقوف هكذا؟
لم يجب والدته واستدار مغادراً الغرفة بكل هدوء غير مهتم بأي شيء... وفي الوقت الذي خرج به دخل الطبيب بسرعة وبرفقته إحدى الممرضات وطلب من أوليفيا ترك الغرفة كي يبدأ بعمله وهذا ما فعلته بقيت تقف بالخارج وهي تنتظر خروج الطبيب... تشعر بالقلق الشديد عليها لأنه وببساطة اعتبرت كروس كابنتها التي لم تلدها... أحبت هذه الفتاة كثيراً ولا تستطيع رؤيتها هكذا.... بقيت تقف في الخارج والتوتر والقلق هما المسيطران حتى امتدت يد أحدهم على كتفها وقال صاحب تلك اليد:
- ستتحسن قريباً.. لا تقلقي عليها أوليفيا....
نظرت أوليفيا لذلك الشخص الذي يكون جويس وقالت:
- جسدها ضعيف جويس... هذا ما أخبرنا به الطبيب..
- مع هذا سوف تتحسن....
*************************************
( الساعة السابعة والنصف مساءً في أحد المطاعم وبالتحديد على تلك الطاولة التي يجلس عليها أربعة أشخاص وهم أصدقاء أندرو)
- هيه شباب لقد أتى أندرو الأحمق..
وفور انتهاء دانيال من الكلام تلقى ضربة قوية على رأسه من أندرو الذي وصل لتوه وتمتم:
- أحمق ها... من الأحمق أيها الغبي؟
وسحب كرسياً وجلس عليه بهدوء وهو يكمل بمرح:
- ما هي الأخبار يا شباب؟
- يجب أن نسألك نحن... تبدو لنا في قمة السعادة...
قالها زاك فأجابه أندرو وهو يسترخي على مقعده والابتسامة لا تفارق شفتيه:
- وماذا علي أن أكون غير ذلك؟
تكلم دانيال وهو يضحك:
- صحيح.. ناير وجرائمه... بالمناسبة أندرو لقد أصيبت......
قاطعه أندرو قائلاً:
- أعلم أيها الغبي، لقد كنت عندها قبل أن آتي إلى هنا.
- لهذا لم تأتي إلى الجامعة؟
سأل هنري فأجابه أندرو:
- ليس تماماً لم يكون لدي محاضرات اليوم بالإضافة إلى أنني أمضيت نصف النهار بالتشاجر مع شقيقي وعندما تخلصت منه ذهبت إليها...
سأل ريك مندهشاً:
- وهل تتشاجر مع شقيقك ذو الثلاثة عشر ربيعاً؟ لم أكن أعلم أن دماغك صغير إلى هذا الحد!
عقد أندرو حاجبيه غاضباً ونظر إلى ريك بحدة وتكلم:
- هذا الشقيق صاحب الثلاثة عشر ربيعاً شيطان بجسد إنسان بل هو أكثر من ذلك...
انتفض الجميع عندما ضرب زاك الطاولة بكفيه قائلاً بتذمر:
- هل ستبقون تثرثرون هكذا أنا جائع دعونا نطلب شيئاً....
تكلم هنري وهو يشير إلى النادل بأن يأتي:
- صحيح وأيضاً علينا أن نحتفل.........
********************************
- أنتِ الآن برعايتي لقد سبق وقلت لكِ أنكِ كابنتي، أنا لا أفرق بينك وبين مناسا وجيو.
- أقدر لكِ هذا كثيراً سيدتي ولكنني وبصدق أقول لكِ أنني بخير، أرجوكِ لا أريد البقاء ليومٍ آخر هنا، قد أموت حقاً إن بقيت، أرجوكِ أريد الخروج.
- لا هذا مستحيل، لن تخرجي من المشفى إلا وأنتِ بصحة جيدة.
تذمرت كروس كثيراً بشأن بقائها في المشفى لكن أوليفيا لا تغير رأيها أبداً.. رفضت بشدة خروجها الآن وتريد ابقاءها ليوم آخر وستبقى بجوارها ولن تتركها لكن كروس لم تتوقف.. بقيت تتكلم وتحاول سياق الحجج لإقناعها حتى شعرت بأنها ستنجح عندما لاحظت تغير ملامح أوليفيا التي بدا عليها التفكير فابتسمت بداخلها وهي تشعر بأنها قريباً ستخرج من هذا الأسر.. لكن الأمر طال، لم تتكلم أوليفيا بعد وبدأت كروس تشعر بأنها لن ترتاح بهذه السهولة وبقيت قلقة بشأن قرار أوليفيا... مزيد من الدقائق الاضافية من الصمت تيقنت فيها كروس أنه عليها أن تجهز نفسها للنوم هنا فيبدو أن أوليفيا عنيدة كذلك... أبقت كروس نظرها على أوليفيا وأرادت التكلم لكنها توقفت عندما رأت أوليفيا ترفع رأسها وابتسامة هادئة مرتسمة على شفتيها:
- حسناً أنا موافق لكن هناك شرط...
- شرط! وما هو؟
- سأخبرك به لاحقاً ولكن إذا لم تلتزمي به فلن تخرجي من المشفى لمدة ثلاثة أيام، هل أنتِ موافقة؟
- بالتأكيد المهم أن أخرج....
ابتسمت كروس بعد جملتها وتكلمت أوليفيا وهي تفتح الباب وتخرج:
- جيد، سأذهب الآن لإتمام الإجراءات.
- شكراً لكِ...
أغلقت الباب خلفها وذهبت بينما كروس تنهدت بارتياح وأنزلت رجليها بحذر عن السرير فهي لا تريد إعادة ما حصل قبل ساعات وبقيت جالسة تنتظر.... بدأت تفكر في الشرط الذي ستضعه أوليفيا وتمنت أن يكون شيئاً بسيطاً ولكن مهما كان شرطها المهم أنها ستخرج... انتقل عقلها لتفكير آخر بعيد جداً عن هنا.... بذلك الشخص بشعره الأشقر، ذلك الحقير الذي تتمنى فقط تدميره قبل أن تدمر الباقين، هو الشخص الأول الذي تتمنى أن تفصل رأسه عن جسده، فقط لينتظرها وستريه من هي كروس التي يظن أنه يعرفها جيداً... يولاند ذلك الحقير لن تدع له الوقت ليندم على فعلته بل ستنهي حياته قبل هذا...
- كروس... كروس أنا أكلمك بماذا أنتِ شاردة؟
رفعت كروس رأسها باتجاه أوليفيا التي لا تعلم متى أتت ومنذ متى كانت تحدثها... سألت أوليفيا بقلق وهي تتقدم من كروس:
- لماذا أشعر بأنكِ في أوج غضبكِ عزيزتي؟ هل هناك شيء؟!
تكلمت كروس وهي تعيد لنفسها الهدوء فهي بالفعل كانت تستشيط غضباً:
- أنا بخير سيدتي ولكن متى يمكنني الرحيل؟
- سيأتي الطبيب لكي يطمئن عليكِ وبعدها يمكننا المغادرة...
- جيد...
*********************************
تكلمت مناسا بضجر وهي تتحرك بأنحاء مكتب جيو وتعبث بكل شيء تقع عليه عينيها....
- جيو... ماذا أخبرتكَ أمي قبل قليل؟
لم يجبها مما دفعها إلى إمساك إحدى الكتب التي كانت موضوعة على تلك الرفوف التي تصل الأرض بالسقف ورميه بقوة على الأرض معبرة عن غضبها من هذا المتجمد الذي كام يجلس خلف مكتبه ولم يصدر منه أي حرف طوال اليوم سوى تعليمات صارمة لسكرتيرته بشأن العمل وأحياناً يجيب على اتصالات مهمة تحولها له سكرتيرته، فقط حينها يتكلم بصوته العميق والجاد ويعود بعدها إلى صمته... كانت تظن أنها بفعلتها ستجعله يتحرك أو يغضب أو يصرخ عليها لكنه لم يفعل... زفرت الهواء بحدة وتحركت لتقف أمام طاولة مكتبه التي يجلس خلفها بهدوئه الجالب للجنون وهو يتصفح الأوراق التي بين يديه تارة وينظر لحاسوبه تارة أخرى... لم تمر ثانية حتى صرخت بصوت قوي:
- جيو أيها الـــ.... آه.. ما بك منذ البارحة هكذا؟! لقد سئمت منك ومن تصرفاتك ألا يمكنك التكلم؟...... اللعنة عليك لما لا تتكلم؟ ما الذي أصابك؟ (ارتفع صوتها أكثر وواصلت) : لم أركَ بهذه الحالة منذ تلك المرة التي أجبرتكَ بها أمي على مغادرة سان بطرسبورغ بسبب جينا.......
- هل انتهيتِ؟
نظرت إليه بصدمة عندما تكلم بهذا البرود الذي لم يتغير... لا هذا مستحيل.. لقد ذكَّرَته بذلك اليوم وجينا أيضاً.... سحقاً ما الذي يحدث؟! تساءلت مناسا بداخلها وهي بقمة صدمتها ودهشتها.. كيف لا تفعل ذلك وهي تذكر أن جيو منذ موت صديقه قبل خمس سنوات وهما بالسنة الأخيرة بالجامعة انقلبت حياته... لم يكن هكذا فهي تعلم جيداً كيف كان شقيقها مزعجاً في السابق ومنذ أن توفي صديقه انقلب ثلاثمئة وستين درجة...... لم يعد شقيقها الذي تعرفه وما زاد الأمر سوءً بعدها أنه كره والدته أيضاً بسبب اجبارها له على مغادرة سان بطرسبورغ... أمضى أشهراً بعدها لا يتكلم كما هي حالته الآن وعلاقته مع والدته أصبحت كخيط رفيع جداً يكاد يقطع في أي لحظة.... ما دفع مناسا لحافة الجنون هو تفكيرها بالسبب الذي جعله الآن يعود إلى ما كان عليه.. ماذا حدث؟!!
توقفت مناسا عن التفكير بمجرد أن شعرت به يترجل عن كرسيه... بقيت تراقبه وهو يجمع بعض الأوراق وحاسوبه المحمول ويحملها معه وهو يتحرك باتجاه الباب فتبعته بشكل تلقائي ليخرجا بعدها من الشركة بأكملها ويركبا بسيارته وينطلق بها وما زال الصمت والسكون يغلفه...
*******************************
- لم أكن أتوقع أن يكون شرطكِ كهذا.
تكلمت وملامح وجهها تدل على المعنى الحقيقي لكلمة مندهشة وهي تقف في منتصف الغرفة وتقف أوليفيا قبالتها لترد عليها أوليفيا:
- لا يمكنني أن أتركك وحدك بعد اليوم...
- لكنني لست بحاجة إلى أحد.
تذمرت كروس منزعجة من شرط أوليفيا لكنها بالفعل لا تستطيع... لا تريد أن تسبب المشاكل لأحد.. وهي بالإضافة إلى هذا تريد البقاء لوحدها هذه الفترة لتعد نفسها وتفكر بكل شيء وبخطط للانتقام...
- لم يقوموا بعد بإيجاد ناير ومن يدري ربما سيحاول قتلكِ مرة أخرى..
- في تلك المرة لم أكن أعلم أن ناير هو من وضع تلك الرسالة ولو كنت أعلم لما ذهبت...
- لا يهم الآن.. المهم أن تقبلي بشرطي وإلا لن تخرجي من المشفى...
- لا يـــــــ........
- أخبرتكِ بأنها لن توافق.
قطع كلامها جيو الذي دخل النقاش من دون مقدمات عندما قال ذلك ببرود فقالت أوليفيا:
- أريني مهارتَكَ إذاً...
تقدم جيو أكثر ووقف أمام كروس بثبات ووجهه خالي من التعبيرات المفهومة وقال بهدوء بارد:
- غيلبيرت لا يعلم بالأمر صحيح؟
تحولت نظرات كروس إلى الشك وهي تنظر إلى وجهه الهادئ وقالت بحذر:
- لا لن تفعلها..
- أخشى أنه علي ذلك..
أخرج هاتفه وبدأ يبحث عن الرقم... نظرت كروس إليه بغضب تحبسه بداخلها... لو كانت وحدها الآن معه لجعلت وجهه كالخريطة بأظافرها....
تعلم كروس شيئاً واحداً وهو أن جيو هذا مجنون كبير وسيفعلها إن أراد.. ووجهه هذا الخالي من أي تعبير لا تعلم ما الذي يفكر به... تكلمت:
- توقف لا تفعل ذلك...
- إذاً....
قال جيو منتظراً لترد كروس بانزعاج:
- حسناً... لكن لا يجب أن يعلم أخي بذلك...
ابتسمت أوليفيا بحنان وقالت:
- جيد.. الآن يمكننا الخروج...
أعاد جيو هاتفه إلى جيبه وتكلم وهو يخرج:
- سأنتظر بالسيارة...
تابعته مناسا بنظرها حتى اختفى فتنهدت لحاله والحزن يستولي على تقاسيم وجهها لكنها سرعان ما أبدلت هذا وأدارت وجهها لــ كروس وقالت:
- أرجو أنكِ بخير الآن؟
أجابتها كروس بهدوء:
- أجل أنا بخير... شكراً لسؤالك...
خرجت كروس برفقة أوليفيا ومناسا من المشفى وتحركن حيث رأين سيارة جيو السوداء تنتظرهن فركبن بها، أوليفيا بجوار جيو في الأمام، ومناسا وكروس جلستا بالمقاعد الخلفية وما زالت كروس غاضبة من الأمر الواقع والمحتوم الذي وضعت به لكن ما باليد حيلة.... لم تكن مناسا تعلم بالذي يحصل ولم تفكر أو تسأل عن الأمر لأنها مشغولة البال حتى الآن بــ جيو تستذكر كل ما حصل في السنوات السابقة....
- كروس... سيوصلكِ جيو إلى منزلكِ كي تحضري أغراضكِ...
لم ترد كروس على أوليفيا ومرت لحظات من الصمت قطعها بعد دقائق صوت جيو قائلاً موجهاً كلامه لأمه:
- سأوصلكِ أنتِ ومناسا إلى القصر أولاً....
أقل من نصف ساعة مضت قبل أن يتوقف جيو أمام بوابة القصر وانتظر والدته ومناسا حتى خرجتا من السيارة... وقبل أن يغادر خاطبته أوليفيا:
- بني لا تتأخرا سنتناول طعام العشاء معاً....
انطلق جيو بعدها قاصداً منزل كروس... بعد مرور خمس دقائق صامتة قررت كروس التكلم:
- هذه خطتك صحيح؟
- لا...
أجابها باختصار فسألت مستنكرة:
- لا!؟
- أوليفيا من تريد ذلك...
رفعت كروس حاجبيها عندما تكلم.. هل هذا الأبله يذكر والدته هكذا باسمها؟! وأيضاً ما به اليوم لا يبدو مزعجاً كما عهدته؟ ولماذا يتصرف ببرود عاصف هكذا؟ لقد ظنت أنه سيتوقف عن هذا لكنه استمر... تساءلت بداخلها مستغربة وهي تدقق بملامح وجهه عبر المرآة التي أمامها بداخل السيارة... تكلمت عندما لم تجد فائدة من الاستمرار بالتحديق به:
- وأنتَ بالتأكيد استغليت الأمر لصالحك..
- إذا كنت أريد أن أعلم بشيء أو حتى أبحث في أمر ما فسأفعله وحدي ولست بحاجة إلى استغلال المواقف...
على الأقل هو يسمع ما تقول... عاد الاثنان إلى صمتهما مجدداً بعد كلامه... مر الوقت ووصل جيو إلى منزل كروس وركن السيارة وترجلت كروس منها بهدوء....
توقفت قليلاً بتفكير ثم استدارت إليه وطرقت بنعومة على الزجاج المجاور له وقالت بهدوء فور إنزاله للزجاج وظهور وجهه من خلفه وهو ينظر إليها:
- أظن أنه ليس من اللائق أن تبقى تنتظرني في الخارج... ما رأيكَ لو تدخل وتنتظرني بالمنزل حتى أنتهي...
- سأنتظركِ هنا ومن الأفضل أن لا تتأخري لأنني أفقد أعصابي بسرعة...
- أجل هذا شيء أعلمه جيداً ولكن لا يظهر هذا الشيء لي الآن....
- اذهبي...
ابتعدت عن نظره داخلة إلى منزلها بينما هو خرج من سيارته واتكأ عليها بصمت ويديه بجيوب بنطاله وهو يراقب المكان بحذر وعقله بدأ يفكر في تلك الأشياء.. مباشرة بعد أن يصل إلى القصر سيحدثه وسيعلم عن الأمر... لا ينكر جيو بأنه سيكون مسروراً إذا كان ما يفكر به صحيحاً.... هو فقط ينتظر رسالة واحدة منه وبعدها سيقرر....
**********************************
أنهت كروس استحمامها السريع بقليل من المعاناة وهي الآن واقفة أمام خزانتها تخرج بنطالاً أسود اللون وبلوزة بلون الكراميل طويلة الأكمام... ارتدت ملابسها بسرعة وسرحت شعرها وتركته منسدلاً وبعدها أخرجت بعض الملابس التي تحتاجها ووضعتها في حقيبة متوسطة ووضعت فيها كل ما يلزمها وخرجت بعدها من الغرفة إلى خارج المنزل وتوجهت إلى سيارة جيو وجلست بجواره لينطلق بسيارته بعد ذلك...
****************************
(في القصر وبالتحديد في الصالة)
تكلمت مناسا بسعادة وهي تنظر لــ كروس التي كانت قد وصلت لتوها مع جيو:
- أنا مسرورة جداً لأنك ستبقين عندنا كروس....
فاكتفت كروس بالابتسام دون أن تتكلم وجيو انسحب من المكان بهدوء وذهب إلى غرفته.. رأته مناسا فزفرت الهواء بحدة وهي تضغط على أسنانها... طلبت أوليفيا من إحدى الخادمات أخذ حقيبة كروس لغرفتها ففعلت الخادمة ذلك وعادت أوليفيا للجلوس بعدها وبدأت الحديث مخاطبة كروس:
- عزيزتي هذا هو الخيار الأفضل.. ستمكثين عندنا حتى تتحسني ويقوموا بإيجاد ناير وأي شيء تحتاجين إليه فاطلبيه مني..
- شكراً لكِ.........
وبعد انتهاء العشاء استأذنت كروس من أوليفيا وقالت لها بأنها تريد أن ترتاح فأخذتها أوليفيا لتريها غرفتها.... تكلمت أوليفيا وهي تشير إلى إحدى الأبواب:
- غرفتي غي ذلك الاتجاه وهذه غرفة مناسا والأخرى غرفة جيو... وهذه الغرفة ستكون غرفتك..
توقفت كروس وأوليفيا أمام باب الغرفة وفتحته أوليفيا وأكملت:
- أرجو أن تعجبك.
- ستعجبني بالتأكيد.. شكراً لكِ...
- إذاً ارتاحي وإذا أردت شيئاً سأكون بالأسفل..
**************************
كان جيو يجلس على الكرسي أمام حاسوبه بالغرفة الخاصة به منذ أن عاد وحتى هذه اللحظة بقي يجلس أمام حاسوبه يكلم ذلك الشخص... كان تركيزه منصباً على الحاسوب حين دخل أحدهم الغرفة فقال بهدوء:
- أخرجي مناسا..
- لكنني لستُ هي...
نظر جيو إلى لوالدته وخاطبها بطريقته المعتادة في التعامل معها:
- ماذا هناك؟
- أريد أن أحدثك قليلاً.
- بخصوص ماذا؟
- ما بك اليوم؟
أغلقت الباب وتقدمت أكثر وأمسكت بيده وجعلته يقف وسحبته معها ليجلس على الأريكة وجلست بجواره وأكملت:
- أنتَ لا تتصرف بشكل طبيعي...
- وما المختلف؟
- أظنك تعلم..
- سأسافر بعد ثلاثة أيام.
- لماذا؟
- لدي عمل...
- أين ستذهب؟
- إلى ألمانيا...
- ألمانيا؟ وما هو هذا العمل في ألمانيا؟
- هناك بعض المشاكل مع أحد الشركاء هناك وعلي لقاؤهم وحلها...
- عزيزي أرجوكَ توقف عن هذه الأفعال.. أنتَ تؤذي نفسك هكذا.. الماضي ذهب وصديقك لن يعود هكذا.. هذا هو قدره... (امتدت يد أوليفيا على وجنة جيو بحنان وأكملت وهي تنظر إلى عينيه التي لم تبدي أي تأثر) : ألا تتذكر كيف كنت تتصرف قبل وفاته؟ ألا تشعر أنكَ تفقد نفسك هكذا؟ هل سيشعر أرسلان بالسعادة عندما يراك هكذا...
والدته الآن تسأل نفس السؤال الذي سأله أرسلان له أو بالأصح ما سأله قلبه... يعلم أن أرسلان لن يكون مسروراً ولكنه لا يستطيع.. صديقه الذي هو كشقيقه رحل ولم يكترث أحد لسبب مقتله.. الجميع ظن بأنها عصابة ولكنه يعلم من هو السبب.. لا أحد يصدقه وقاتل صديقه ما زال طليقاً كيف له بعد كل هذا أن يعود لما كان عليه؟! فقط عدل شيئاً صغيراً وهو علاقة كروس بانتقامه.. فكر ملياً وبعدها قرر بعد أن وجد بعض الثغرات فربما هي الأخرى ضحية... فعل ما طلبه منه أرسلان وتريث قليلاً حتى وجد ما يريد.. اقتربت الحقيقة أكثر هكذا وحينها............
قطعت أوليفيا سير تفكيره وهي تقف من مكانها وتقول:
- لا تتأخر كثيراً في السهر عليك النوم صغيري.. والآن تصبح على خير...
خرجت أوليفيا من غرفة جيو وأغلقت الباب خلفها ولم تشعر بدموعها التي نزلت بصمت... حقاً يؤسفها الحال الذي وصل إليه ابنها وهي عاجزة لا تستطيع فعل شيء.. ولكن من الجيد أنه لم يلجأ إلى الشرب أو لأشياء سيئة مع كل ما حدث له لهذا فهي تشعر بالفخر أن ابنها ما زال محافظاً على أخلاقه ومبادئه التي نشأ عليها...
******************************
كانت كروس تجلس على السرير الأسود في غرفتها الهادئة الألوان فجدرانها مطلية باللون الأبيض والرمادي القريب من الأبيض وهي تنظر إلى هاتفها وتحدث نفسها بقلق:
- لماذا لم يتصل بي حتى الآن؟ أخشى أنه أصيب بمكروه... هل علي أن أحدثه أم أنتظر قليلاً؟ يا إلهي ماذا أفعل؟
رفعت رأسها عندما سمعت صوت باب غرفتها يطرق فسمحت للطارق بالدخول....
- أتسمحين لي بالدخول؟
- ولم لا؟ تعالي ادخلي مناسا...
دخلت مناسا وأغلقت الباب خلفها بهدوء واتجهت إلى حيث كروس وجلست بجوارها وقالت:
- أرجو أنني لم أزعجك...
- أبداً...
تكلمت مناسا قلقة:
- تبدين حزينة...
- لا لست كذلك..
- على من تضحكين معالم وجهك تفضحك...
- وهل يبدو علي هذا؟
- أجل... هل أحضر لك مرآة لكي تتأكدي... ما سبب حزنك؟
- كان أخي يكلمني كل يوم ولكن اليوم لم يكلمني أخشى أنه أصيب بمكروه...
- ولماذا سيصاب بمكروه هل هناك شيء؟
سألت مناسا بريبة فردت كروس عليها بهدوء:
- لا شيء فقط أنا قلقة..
- لما لا تحدثينه أنتِ.. شقيقكِ غيلبيرت صحيح؟
- أجل أخي هو غيلبيرت.. وهو يغير رقم هاتفه كل يوم ولا أعلم ما هو رقمه لهذا لا أستطيع التكلم معه..
نظرت مناسا إليها بشيء من الشك فكلامها هذا غير مقنع أما كروس لا تعلم كيف أخرجته وهي متيقنة أن مناسا لم تصدقها.. أردفت مناسا:
- هل تعلمين أن جيو وغيلبيرت يكرهان بعضهما..
- علمت من جيو...
- وهل أخبركِ لماذا يكرهه..
- لا.. لم يخبرني..
- ما هو رأيكِ أنتِ؟ لماذا تتوقعين أنهما عدوان؟
- لم أجد اجابة حتى الآن على هذا السؤال...
همهمت مناسا ووقفت من مكانها وهي تقول:
- سأذهب للنوم هل تحتاجين لشيء؟
- لا... شكراً لكِ...
- تصبحين على خير إذاً...
- تصبحين على خير...
أغلقت مناسا الباب خلفها وتحركت حيث غرفتها وهي تفكر... كروس لا تعلم بشيء البتة.. وجيو يريد أن ينتقم وذلك الوغد غيلبيرت لم يخبر كروس بشيء عن جيو... لماذا؟
*****************************
- لا بد أن أجعلها تدفع الثمن سؤريها....
- عن من تتحدث ناير؟
- لا شأن لك...
- على رسلك يا رجل... بالمناسبة لما أنت ملاحق؟
- وهل هذا سؤال أيها الأحمق؟ أنت تعلم أكثر مني لما أنا ملاحق..
- لقد اكشفوا أمرك.. مسكين...
- أغرب عن وجهي بسرعة....
- حسناً أنا ذاهب لكن إن احتجت لأي شيء أنا بالخدمة دائماً...
وبعد أن غادر من كان يحدث ناير... ارتمى الأخير بقوة على سريره وهو يردد:
- علي أن أجد شيئاً ليساعدني بانتقامي منها... ستدفعين الثمن كروس صدقيني لن أدعكِ تنجين في المرة القادمة.....
*******************************
(اليوم التالي الساعة التاسعة صباحاً)
استيقظت مناسا من نومها على صوت أحدهم يطرق على باب غرفتها وهو يردد:
- هيه استيقظي أيتها الكسولة... بسرعة...
فأجابت مناسا بانزعاج وهي تفرك عينيها:
- أنا مستيقظة أيها المزعج ولا أريد القدوم معك إلى الشركة..
وأكملت تكلم نفسها:
- هذا ما كان ينقصني أستيقظ على صوت جيو المزعج..
وفي الأسفل وبالتحديد في غرفة الطعام كانت أوليفيا تجلس على أحد الكراسي تتناول إفطارها وجيو أيضاً الذي كان يجلس وبيده كوب قهوة ويرتشف منه بهدوء... دقائق قليلة مضت قبل أن تدخل مناسا وهي تقول:
- صباح الخير أمي....
وجلست مقابلة لــ جيو وهي تسأل:
- ألم تستيقظ كروس بعد...
أجابتها أوليفيا بهدوء:
- دعيها ترتاح لا يوجد عمل لديها اليوم وستبقيان أنتِ وهي في القصر...
تكلمت مناسا وهي تضع القليل من المربى على الخبز المقلي:
- ليس شيئاً جديداً أن أبقى في القصر ولكن هل سترضى كروس بذلك؟
- أجل... لا أظن بأنها ستغادر اليوم وأنا سأحاول العودة مبكرة..
انهى جيو قهوته وترجل بهدوء من مكانه وغادر غرفة الطعام دون أي كلمة ثم القصر بأكمله وتوجه لسيارته الأودي السوداء وركب بها وغادر القصر إلى شركته.....
دخل إلى مكتبه وجلس خلف طاولته ووضع الحاسوب عليها وكذلك بعض الأوراق...
بعد دقائق طرق أحدهم الباب فسمح جيو للطارق بالدخول...
- مرحباً جيو...
- أهلاً أريب....
- لقد قيل لي بأنكَ تريدني...
قالها أريب وهو يغلق الباب خلفه ويتقدم من جيو:
- أجل... اجلس علينا التحدث....
فعل أريب ذلك وجلس على أحد الأرائك المجاورة لمكتب جيو ووجه نظره لــ جيو الذي بدأ الكلام:
- أخبرتك بأنني مسافر صحيح...
- أجل... لا تقلق على الشركة..
- بالتأكيد أنا أثق بك... ولا تنسى الصفقة التي ستكون بيننا وبين شركة كورابيليون إذا تأخرت في العودة..
- بالتأكيد.. هذه الصفقة مهمة جداً.. وبالمناسبة ما هو سبب ذهابك؟
- إنه سبب شخصي....
- هكذا إذاً....
وبعد حديث طويل خرج ذلك المدعو أريب والذي يكون نائب جيو في الشركة ويقوم بأعماله حال غيابه من المكتب فاسترخى جيو على الكرسي وبدأ يفكر...
****************************
- هل ذهبت السيدة أوليفيا إلى الجامعة...
أجابت مناسا على الفور وهي توجه نظرها إلى كروس التي دخلت لتوها غرفة المعيشة:
- أجل لقد ذهبت قبل قليل وسنبقى أنا وأنتِ هنا..... ألا تريدين تناول الإفطار؟
- لا... لا أريد.. (وأكملت وهي تتقدم من مناسا وتجلس بجوارها ونظرها على التلفاز) : ماذا تشاهدين؟
- لا شيء أقلب القنوات باحثة عن شيءٍ مسلٍ...
- أعرف برنامجاً يبدأ في هذا الوقت ربما سيعجبك..
- ما هو؟
ذكرته كروس لــ مناسا ومباشرة انتقلت إليه وبدأت تشاهده وبالفعل أعجبت مناسا به...
- هل تحبين الجلوس بالمنزل؟
التفتت مناسا لــ كروس عندما سألتها هذا السؤال لتجيبها بملل:
- لا أنا أمل كثيراً دائماً نفس الروتين... وأنت؟
- تقريباً... ألا تعملين؟
- لا أحب العمل...
سألت كروس باستغراب:
- لماذا؟
تنهدت مناسا وأجابت:
- لو أردت العمل فسأعمل في شركة والدي والتي يديرها جيو الآن....
- لا تحبين العمل مع جيو...
- أجل... إنه ممل...
*************************
- ناير.... أين أنت؟
- ها قد عاد الإزعاج.. ماذا تريد؟
- ها أنت ذا... كنت أبحث عنك كثيراً...
- هذا من سوء حظي؟
- كنت أتأكد من أنك ما زلت على قيد الحياة أم لا.....
- ما أخف دمك....
مضى اليوم بسرعة حتى حل المساء..... كانت كل من كروس وأوليفيا ومناسا وجويس جالسين معاً في غرفة المعيشة بالقصر وكانوا يتحدثون عن أشياء كثيرة....
- كروس عليك الحذر مرة أخرى... تخيلي لو أن جيو لم يجدك..
تكلمت كروس بضجر بعد كلام جويس:
- أقسم لكم جميعاً أنني لم أكن أعلم أن الرسالة من ناير ولو كنت أعلم لما ذهبت.. كل ما في الأمر أنني كنت أريد أن أعرف من هذا الذي وضعها وماذا يريد.. هل ستبقون تعايرونني على هذا؟
- ألم يعلم غيلبيرت بالأمر؟
أجابت كروس على سؤال جويس:
- لا.. لم أخبره..
- لماذا؟
- لا أريد أن أقلقه.... يكفيه المشاكل التي يواجهها...
سأل جويس:
- أي مشاكل؟
- لديه بعض المشاكل في الشركة يريد حلها.....
توقف جويس عن أسئلته بينما تنهدت كروس بداخلها... هي قلقة بالفعل على شقيقها الذي لم يكلمها حتى الآن... بدأت الأفكار السوداء تلاحق تفكيرها فهي تخشى أن يكون الآن بين أيديهم... لا تستطيع تحمل الفكرة فــ غيلبيرت الوحيد الذي بقي لديها ولا يمكنها تخيل أنها ستفقده هو الآخر..... سأل جويس وهو ينظر إلى أوليفيا:
- بالمناسبة أوليفيا أين جيو؟
- لم يعد بعد من الشركة.....
قال بشيء من الدهشة:
- لم يعد حتى الآن؟! لكن الساعة أوشكت أن تصبح العاشرة مساءً...
- سيأتي قريباً... تحدثت معه قــــــــ......
- لقد أتيت... مساء الخير جميعاً...
جاء صوت جيو مقاطعاً لوالدته وهو يدخل ويجلس بجوار أستاذه السابق جويس فسأل جويس مباشرة:
- لماذا تبقى بالشركة حتى هذا الوقت؟
أجاب جيو ببرود وهو يسترخي على الأريكة:
- لم أشعر بالوقت.
- لم تشعر بالوقت!! لم أحسبك مهتماً لهذه الدرجة...
قالت أوليفيا لـــ جويس تبرر له مع أنها ليست المرة الأولى التي يتأخر بها جيو في العودة:
- يريد أن يسافر لهذا يريد أن ينهي عمله بسرعة...
التفت جويس لـــ جيو وسأل:
- لماذا تريد أن تسافر؟ وإلى أين؟
أجابت أوليفيا بدلاً عنه وهي تنظر إلى جيو:
- إلى ألمانيا...
رفع جيو رأسه ونظرات انزعاج أطلقتها عيناه لوالدته ووضع كف يده اليسرى على جبينه وتحولت أنظاره لـــ كروس التي عقدت حاجبيها وبدت كأنها شاردة فقال جيو في نفسه:
- أحسنت صنعاً أوليفيا.. ألا يمكنك أن تحتفظي بالسر.. كان الخطأ خطئي لأنني أخبرتها بالأمر والآن كروس...آه كم هذا مزعج..
قطع تفكيره كلام جويس:
- هيه جيو أين أنت؟
أبعد جيو كفه عن جبينه ونظر إلى جويس ببرود وقال:
- ماذا؟
- أصبحت تشرد كثيراً... كنت أسألك هل ستذهب بسبب العمل؟
- وماذا سيكون غير ذلك...
- وكم من المدة ستبقى هناك؟
- لا أعلم.... (قالها وهو ينهض من مكانه وأكمل كلامه) : أريد أن أرتاح عن اذنكم.....
وتوجه إلى غرفته وهو يشعر بالضيق الشديد أما كروس فقد كانت تفكر والضيق بادٍ عليها هي الأخرى وكانت تفكر بداخلها فيما سمعته لتوها... ذلك المزعج أيعقل أنه يريد الذهاب إلى ألمانيا.. ماذا لو علم بكل شيء مع أن الأمر غير ظاهر؟ أنا حتى لا أعلم ماذا يحصل هناك أو ماذا قالوا عن اختفائي وشقيقي.. الأخبار مقطوعة عني ولا يمكنني التكهن... أنا متأكدة أنهم سيقولون أي حجة ليقوموا بإخفاء أمر هروبنا عن الإعلام.. فقط لو أستطيع التكلم مع إيلين لتخبرني عما يحصل وما الذي يفعله يولاند... أعلم أنه يبحث عني وغيلبيرت وبالأخص أنا فلو وجدني سيكون من السهل له أن يجد غيلبيرت لأنه سيهدده بقتلي... ولكن كيف سيخفون هذا عن الإعلام والصحافة وخاصة أن هناك عيون فضولية؟ والآن جيو سيذهب إلى هناك.. ربما سأستطيع معرفة الأخبار التي تقال عن طريقه... آه منك يا غيلبيرت لماذا تمنعني من استخدام الشبكة أو البريد الخاص بي... أعلم أنهم ربما سيجدونني عن طريقها ولكن علي أن أعرف ماذا يحصل أيضاً.....
لم يكن هناك أحداث كثيرة بالفصل ولكنه سيكون تمهيداً لأحداث عاصفة ابتداءً من الفصل القادم وأنا أعدكم بمفاجئات من الآن وصاعداً... والآن الأسئلة:-
1. رأيكم بالفصل؟
2. الآراء والانتقادات؟
3. ذكرت مناسا اسم فتاة تدعى جينا ما توقعاتكم حولها وما الذي ستؤثر به على سير الأحداث مع العلم أنها نفس الفتاة التي تشبه كروس؟
4. ويولاند، لمحت لبعض الأشياء من خلال كلام كروس في النهاية فما الذي توقعتموه حوله؟
5. توقعاتكم للقادم؟