عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 12-21-2015, 12:50 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



- 20 -


انتهى التحقيق كما كنت قد تنبأت له، فقد طلبت الشرطة تأجيله.

و قد أسعدنا الخبر الذي وصلنا ليلة أمس من المستشفى أنّ إصابة جوزفين كانت أقل
خطراً مما نظن و نخشى و أنها سوف تتعافى. و قال الدكتور غري إنه لن يسمح
لأحد أن يزورها الآن حتى أمِّها.

همست صوفيا:

- لا سيما أمها، لقد أوضحت ذلك للطبيب. على أية حال فهو يعرف والدتي.

لا بد أنني كنت مرتاباً لأن صوفيا قالت بحدة:

- لـمَ نظرة الاستنكار هذه؟

- حسناً.. إن أمك بالتأكيد..

- يسرني أن لديك بعض الأفكار الجميلة يا تشارلز، لكنك لا تعرف تماماً ماذا عسى
أمي أن تفعل. إنها لا تستطيع أن تمنع نفسها من أي عمل و لكن في مشهد درامي
كبير. و المشاهد الدرامية ليست أشياء طيبة لمن يتعافى من إصابات في رأسه.

- أنت تفكرين في كل شيء يا حبيبتي!

- حسناً، لابد من شخص يفكر الآن بعد أن مات جدي!

نظرت إليها متأملاً. عرفت فطنة العجوز ليونايدز لم تفارقه، فهاهو عبء همومه قد
ألقي على كاهل صوفيا.

صحبنا جيتسكيل بعد التحقيق و نحن في طريقنا إلى البيت ((ثري غابلز)). و هناك
تنحنح و قال بأبهة:

- عندي إعلان من واجبي أن أبلغكم به جميعاً!

ومن أجل هذا الغرض اجتمعت العائلة في غرفة استقبال ماجدا، و كان ينتابني
إحساس ممتع لرجل وراء الكواليس، فقد كنت أعلم سابقاً ماذا يريد جيستكيل أن
يقول، و قد تهيأتُ لملاحظة ردّ فعل كل واحد منهم.

كان خطاب جيتسكيل مختصراً و صريحاً. إن أية علامة على المشاعر الشخصية و
القلق كانت تظهر على الخدود جيداً. قرأ أولاً رسالة أريستايد ليونايدز ثم قرأ الوصية
نفسها.

كان ذلك مشهداً مثيراً للاهتمام، و كنت أتمنى أن تستطيع عيني أن تراهم جميعاً في
آنٍ واحد!
لم ألتفت كثيراً إلى بريندا و لورانس، فالفقرة المتعلقة بريندا في هذه الوصية لم
تتغير. لقد راقبت روجر و فيليب و ماجدا و كليمنسي.

كان انطباعي الأول عنهم أنهم تصرفوا جميعاً تصرفاً مناسباً.

فيليب كانت شفتاه مزمومتين فيما ألقى رأسها على ظهر الكرسي الطويل الذي كان
يجلس عليه، و لم يتكلم.

أما ماجدا فعلى العكس من ذلك، حيث انفجرت تتكلم لحظة أنهى جيتسكيل كلامه، فكان
صوتها القوي يطغى على نبراته الرفيعة كالمد يُغرق الجدول!

- حبيبتي صوفيا... ما أغرب هذا!... أمر مثير! لقد كان العجوز الجميل ماكراً جداً
و مخادعاً. ألم يكن يثق بنا؟ أكان يخشى أن نغضب؟ لم يكن يبدو محباً لصوفيا أبداً
أكثر منا. الحق أنه أمر مثير جداً!

و فجأة قفزت ماجدا بخفة و جعلتْ تلاطف صوفيا و تنحني لها احتراماً و تبجيلاً:

- مدام صوفيا، إن أمك العجوز المفلسة المعتلة تتوسل إليك أن تتصدقي عليها!
((أعطنا الفتات يا عزيزتي!)) إن أمك تريد أن تذهب إلى السينما!

ارتجفت بيدها التي كانت معقوفة كأنها مخلب في وجه صوفا.

قال فيليب من غير أن يتحرك بفمٍ منقبض:

- أرجوك يا ماجدا، كفاكِ تهريجاً.

صاحت ماجدا فجأة و هي تلتفت إلى روجر:

- أوه! لكن روجر. مسكين روجر! كان الفقيد على وشك أن ينقذه، ثم، قبل أن يتهيأ
له ذلك مات! و الآن، روجر لن يأخذ شيئاً! – و التفتت التفاتة متغطرسة ناحية
صوفيا – ... صوفيا، يجب أن تفعلي شيئاً من أجل روجر.

و لكن كليمنسي قالت و هي تخطو إلى الأمام و على وجهها ملامح التحدي:

- لا، لا شيء، لا شيء على الإطلاق.

جاء روجر ناحية صوفيا متثاقلاً مثل دبّ كبير أنيس، و أمسك يديها بحنان:

- لا أريد بنساً واحداً يا عزيزتي، حالما ينتهي هذا الأمر فسوف أرحل أنا و كليمنسي
إلى جزر الهند الغربية و نحيا حياة بسيطة، لو أصبحت مفلساً فسوف أطلب المساعدة
من رئيس العائلة – و ابتسم لها ابتسامة جذابة – و حتى ذلك الحين فلا أريد بنساً
واحداً. إنني في الحقيقة رجل بسيط يا عزيزتي، سلي كليمنسي إن كنت غير ذلك!

انطلق صوت غير متوقع. كان ذاك صوت إيديث دي هافيلاند. قالت:

- هذا جيد. و لكن يجب أن تلتفت قليلاً على هذا الأمر: لو أصبحت مفلساً يا روجر
ثم وقعت و لم تمدْ صوفيا لك يد المساعدة فسينتشر كلام كثير لن يسر صوفيا.

سألتها كليمنسي بازدراء:

- و ماذا يهمنا من أحاديث الناس؟

تجهمت إيديث:

- نحن نعلم أنه لا يهمك يا كليمنسي، لكن صوفيا تعيش في هذا العالم، إنها فتاة ذكية
و ذات قلب طيب، و لا شك أن أريستايد كان مصيباً تماماً عندما اختار صوفيا لتمسك
ثروات العائلة، و إن يكن تجوُزُ ولدين مازال حيّين ليس من أعرافنا الإنكليزية، لكني
أكره أن يشيع في الناس أنها طمعت في المال و تركت روجر و لم تُنجدْه.
ذهب روجر صوب خالته، أحاطها بذراعيه و عانقها قائلاً:

- كم أحبك يا خالتي إيديث!...مقاتلة صامدة. لكنك لم تفهمني: إني و زوجتي نعلم ما
نريد مما لا نريد.

وقفت كليمنسي تتحداهم و على خديها الرقيقين حمرة مفاجئة:

- لا أحد منكم يفهم روجر. لم تفهموه و لا أراكم سوف تفهمونه أبداً. هيا يا روجر.

غادرا الغرفة بينما بدأ جيتسكيل يجلو حنجرته و يرتب أوراقه و ملمحه يدل على
الاستياء، فهو يكره مثل هذه المشاهد كثيراً.

طرفت عيناي أخيراً إلى صوفيا نفسها. كانت تقف منتصبة أنيقة جانب الموقد ذقنها
مرفوع إلى أعلى و عيناها شاخصتان.

لقد ورثت الآن ثروة ضخمة، لكنني كنت أخشى عليها من الوحدة التي غدتْ تعيشها
فجأة. لقد نشأ حاجز بينها و بين عائلتها، و من الآن فصاعداً لقد انفصلت عنهم.

حسِبتُ أنها أدركت هذه الحقيقة من قبل و قد واجهتها. ما أثقل العبء الذي تحمله
على كتفها بعد العجوز ليونايدز! هو كان يدركه و هي كانت تدركه. لقد كان مؤمناً
بقوة كتفيها على حمل هذا العبء، لكنني – في هذه اللحظة – شعرت بالأسف عليها!

و ما زالت صوفيا صامتة لا تتكلم، الحق أنه لم تسها فرصة للحديث، لكن الكلام
سيندفع الآن منها كالسيل. كنت أشعر أن في صدرها عداء مستتراً للعائلة رغم حبها
الظاهر لهم، و هناك مشاعر خفية أكثر ظلمة لم تظهر على السطح بعد.

جلا جيتسكيل حنجرته من أجل خطبة رقيقة بليغة:

- هنيئاً لك يا صوفيا، فأنت الآن امرأة ثرية، و لكني لا أنصحك باتخاذ أي إجراء
مستعجل! يمكنني أن أقدم لك الآن ما تحتاجينه من النفقة، و إذا رغبت في مناقشة
الترتيبات المستقبلية فأنا يسعدني أن أنصح لك خير نصح، حددي لي موعداً في فندق
لينكولن متى شئت.

بدأت إيديث تتكلم:

- روجر..

أدركها جيتسكيل:

- روجر يجب أن يعتمد على نفسه. إنه رجل كبير، في الرابعة و الخمسين، و قد
أصاب أريستايد ليونايدز؛ لأن روجر ليس رجل أعمال و لن يكون أبداً كذلك! – و
نظر إلى صوفيا – إذا دعمتِ شركة التجهيز الغذائي و وقفتْ على قدميها ثانية فلا
تحسبي أن روجر يقدر أن يديرها بنجاح.

- لا أجسب أنني سأجعل الشركة تقف على قدميها ثانية.

كانت تلك كلمتها الأولى. كان صوتها حازماً جاداً و هي تقول:

- من الحماقة أن أفعل.

رمقها جيتسكيل بنظرةٍ و ابتسم ثم ودّع الجميع و خرج.

حل الصمت قليلاً كأن كل افراد العائلة في تفكير بالغ، ثم نهض فيليب ضجراً:

- سأعود إلى المكتبة، أضعتُ وقتاً كثيراً.

توسلت إليه صوفيا:

- أبي!

التفت إليها فيليب بعينين باردتين فيهما عداوة فأحسست أنها ترتجف و تتراجع إلى
الوراء. قال فيليب:

- سامحيني لأنني لم أهنئك. كان هذا صدمة لي، فما كنت أصدق أن أبي يُذلني هكذا
و لا يقدّر إخلاصي له طوال حياتي! اجل. إخلاصي!

هذه أول مره يخرج فيها فيليب من تحفظه. صاح:

- يا إلهي! كيف يفعل ذلك بي؟ كان دائماً غير عادلٍ معي... دائماً!

صاحت إيديث دي هافيلاند:


- لا يا فيليب، لا، لا تفكر هذا التفكير، لا تظنّه ازدراء، فالناس إذا تقدموا في العمر
يميلون عفوياً إلى الجيل الأصغر. تأكد أن الأمر ليس إلا هذا، و لا تنسَ أن أريستايد
ذو إدراك ذكي في الأعمال. لقد سمعته كثيراً يقول بأن حصتين من ضريبة الإرث...
قال فيليب بصوت أجش خافت:

- إنه لم يكن يهتم بي يوماً! كان يحب روجر... روجر. حسناً، لماذا؟ - و ظهرت
على وجهه الجميل ملامح حقد غريبة – ... لقد أدرك أبي أن روجر أحمق و فاشل
فحرمه من الإرث.

قال يوستيس: و ماذا عني؟

لم أكن لاحظت يوستيس حتى هذه اللحظة، أدركت أنه كان كان يرتجف و ينفعل انفعالاً
عنيفاً. كان وجهه حانقاً و امتلأت عيناه بالدموع. كان صوته يتردد و هو يعلو
بجنون. قال يوستيس:

- إنه عملٌ مُخزٍ. عمل مخز لعين! كيف يجرؤ جدي أن يفعل ذلك بي؟ كيف؟ كنت
حفيده الوحيد فكيف يتجاوزني إلى صوفيا؟ ليس هذا عدلاً. إني أكرهه. أكرهه و لن
أغفر له أبداً طوال حياتي... عجوز مستبد قذر. كنت أريده أن يموت... كنت أريد
الخروج من هذا البيت. كنت أريد أن أكون سيد نفسي. و الآن أراني تحت إمرة
صوفيا و رحمتها. أتمنى لو أنني مت...

انقطع صوته و انطلق خارج الغرفة.

طقطقت إيديث دي هافيلاند بلسانها طقطقة حادة. همستْ:

- لم لا يوجد ضبط للنفس؟

قالت ماجدا: إني أعرف كيف يشعر تماماً.

قالت إيديث بفظاظة:

- أنا واثقة أنك تعرفين.

- حبيبي المسكين! يجب أن أذهب إليه.

أسرعت إيديث وراءها:

- ماجدا..

اختقى صوتهما. بقيت صوفيا تنظر إلى فيليب كأنها تتوسل إليه و لكنها لم تلق
استجابة. نظر إليها ببرود و قد ربط جأشه مرة أخرى و قال:

- لقد لعبت أوراقك بمهارة يا صوفيا!

ثم خرج. و قلت:

- هذا كلام قاسٍ. صوفيا...

مدتْ يديها إلي فأمسكتها بذراعي و قلت:

- هذا كثير عليك يا حبيبتي!

- أعرف تماماً بم يشعرون.

- ما كان ينبغي لذلك العجوز – جدك – أن يقحمك في هذا الحرج.

اعتدلت في وقفتها و قالت:

- هو ظن أنني أهل للأمر، و أنا أهله حقاً. أتمنى... أتمنى لو أن يوستيس لم يتأثَر
إلى هذا الحد.

- سيتغلب على ذلك.

- حقاً؟ إنني أتساءل، فهو يكتئب و يفكّر كثيراً. و أبي تأثَّرَ تأثّراً بالغاً أيضاً.

- استجابة أمك مقبولة إلى حدٍّ ما؟

- إنها منزعجة بعض الشيء... من غير الطبيعي أن تأتي إلى ابنتها و تسألها مالاً
لتنفقه على المسرحيات. سوف تأتيني قبل أن تذهب أنت و تطلب مني تمويل
((إيديث ثومبسون))!

- و ماذا ستقولين لها؟ إن كان هذا يجعلها سعيدة...

رفعت صوفيا رأسها إلى الوراء و قالت.

- أقول: لا. إنها مسرحية فاسدة و أمي لا تستطيع أداء الدور، هذا هدر للمال.

ضحكتُ ضحكة خفيفة لم أملك نفسي منها، فسألتني صوفيا:

- ما الأمر؟

- قد بدأت أدرك لماذا ترك جدك ماله لك أنت... إنك سرّ جدك يا صوفيا!





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

  #22  
قديم 12-21-2015, 12:57 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




- 21 -


لم يصبني شعور بالأسف مثلما أصابني اليوم؛ لأن جوزفين لم تشهد شيئاً من هذا
المشهد كله، يا ليتها كانت! إذن لاستمتعت به كثيراً.

تعافت جوزفين بسرعة، و كان متوقعاً أن تعود في أي يوم، لكن حادثاً آخر هاماً فاتها.

كنت في حديقة الصخور مع صوفيا و بريندا ذات صباح عندما اقتربت من الباب
سيارة، خرج منها تافيرنر و الرقيب لامب. صعدا الدرج و دخلا المنزل.

وقفت بريندا جامدة تحدق إلى السيارة، و قالت:

- هذان الرجلان! لقد عادا، كنت أظن أن كل شيء قد انتهى.

رأيتها و هي ترتجف.

كانت بريندا قد انضمت إلينا قبل عشر دقائق، و كانت تلتف بمعطف من الفرو الثمين.
قالت:

- إذا لم أتنفس الهواء و ألعب التمارين الرياضية فسأصبح مجنونة، و إذا ذهبت
خارج البوابة فهناك صحفي يتربص بي لينقضّ علي. إنني كالمحاصرة، إلى متى؟

قالت صوفيا بأن الصحفيين سيملّون الانتظار عما قريب، و أضافت:

- بوسعك أن تخرجي بالسيارة.

- أقول لك بأنني أريد أن أقوم بالتمارين الرياضية.

سكتت. ثم قالت فجأة:

- لماذا أنهيت خدمات لورانس يا صوفيا؟

أجابتها صوفيا بهدوء:

- إننا نُعدّ ترتيبات أخرى من أجل يوستيس. و سوف تسافر جوزفين إلى سويسرا.

- لقد أزجعت لورانس كثيراً. إنه يشعر أنك لا تثقين به.

لم ترد صوفيا عليها و في هذه اللحظة وصلت سيارة تافيرنر. قالت بريندا متذمرة
و هي تقف هنا ترتجف في هواء الخريف الرطب:

- ماذا يريدان؟ لماذا جاءا؟

كنت أعرف سب مجيئهما. و لم أخبر صوفيا شيئا عن الرسائل التي وجدتها قرب
الصهاريج، لكنني أعلم أنهم حملوا هذه الرسائل إلى النائب العام.

خرج تافيرنر من البيت مرة ثانية. و مشى فوق الممر و المرجة الخضراء و جاء
إلينا فارتجفت بريندا أكثر. قالت بعصبية:

- ماذا يريد؟ ماذا يريد؟

ثم وصل تافيرنر إلينا. تكلم بغلظة و نبرة رسمية و كان كلامه رسمياً:

- هذا تبليغ باعتقالك. أنت متهمة بحقن أريستايد ليونايدز حقنة الإيسيرين في التاسع
عشر من أيلول الماضي. لابد أن أنبهك أن أي شيء تنطقين به قد ينقلب دليلاً عند
محاكمتك.

انهارت بريندا. صرختْ:

- لا. لا. لا. هذا كذب! تشارلز – و تعلّقتْ بي – أخبرهم أن هذا ليس صحيحاً. لم
أفعل ذلك! لم أكن أعلم أي شيء من ذلك!... مؤامرة. لا تدعهم يأخذونني! هذا
كذب... افهمني! هذا ليس صحيحاً. لم أفعل شيئاً!

كان مشهداً فظيعاً، فظيعاً حتى لم أصدقه!

حاولت تهدئتها، و أرخيت أصابعها القابضة على ذراعي، و وعدتها أن أعيّن لها
محامياً يتولى كل شيء، و عليها أن تهدئ من روعها.
كلّمها تافيرنر بلطف. قال لها:

- هيا يا سيدة ليونايدز. هل تريدين قبعة؟ لا؟ إذن نذهب في الحال!

تراجعت و هي تنظر إليه بعيني قطةٍ جاحظتين و قالت:

- لورانس... ماذا فعلتم بلورانس؟

قال تافيرنر:

- إن السيد لورانس براون هو الآخر رهن الاعتقال.

سكن جسدها المرتجف و سالت الدموع على خديها و تبعت تافيرنر عبر المرجة إلى
السيارة. رأيت لورانس براون و الرقيب لامب يخرجان من البيت، و ركبوا جميعاً في
السيارة و انطلقت بهم.

نظرتُ إلى صوفيا. كانت شاحبة و تلمح في وجهها الألم. قالت:

- إنه أمر مخيف يا تشارلز!... مخيف!

- أعرف.

- لابد أن تحضر لها محامياً قديراً. أحسن محامٍ. يجب... يجب أن تأتي بكل مساعدة
ممكنة!

- لا أفهم هذه الأمور. لم أر أحداً يُعتقل أمامي من قبل.

- أعلم. فالمرء لا يكون عنده فكرة عن هذه الأشياء.

صمتنا و ما زلت أفكر في الرعب اليائس على وجه بريندا. ثم، فجأه أدركت السبب.

كانت هذه هي ماللامح التي رأيته على وجه ماجدا في أول يوم دخلت فيه البيت المائل
ساعة كانت تتحدث عن مسرحية إيديث تومبسون. كانت قالت: ((و بعدها، الرعب
التام، ألا تظن ذلك؟)).

الرعب التام. هذا ما كان على وجه بريندا. إنها لم تكن من الصنف المقاتل، وتساءلت
إن كانت أعصابُها تهيئها لارتكاب جريمة قتل، و لعلها لم ترتكبها. ربما فعلها لورانس
براون بسب هوسه الشديد و شخصية المتقلبة. وضع محتوى زجاجة صغيرة في
زجاجة أخرى صغيرة... عمل سهل بسيط من أجل امرأة أحبها!

- إذن فقد انتهى الأمر – و تنهدت بعمق – ... لكن، لماذا يحبسونهما و لم يظهر
بعدُ دليل كافٍ؟

- بل ظهرت بعض الأدلة. رسائل.

- تعني رسائل حب؟

- نعم.

- و هما يحفظان مثل هذه الأشياء؟ يا للحماقة!

نعم. كانا أحمقين حقاً. إنها الحماقة التي تجعلهما لا يستفيدان من خبرة الناس! لا
يمكنك أن تفتح صحيفة يومية فلا تقرأ مثالاً لهذه الحماقة: الرغبة في الاحتفاظ
بالكلمة المكتوبة، الحب الأكيد المكتوب.

قلت:

- انه عمل وحشي يا صوفيا، لكنْ لا تغضبي من أجله، فهذا ما كنا جميعاً نأمله من
البداية، أليس كذلك؟ هذا قولكِ انت في فندق الماريوت في أول ليلة التقينا. قلت بأنك
تتمنين أن يكون الشخص الذي تفكرين فيه هو من قتل جدك. بريندا هي التي خطرت
بالك، أليس كذلك؟ بريندا أم لورانس؟

- توقف يا تشارلز. إنك تبعث في قلبي الرعب!

- الآن نستطيع أن نتزوج يا صوفيا؟ لا تصدّيني أكثر؛ فعائلة ليونايدز بريئة من
القضية.

حدقت إلي. لم أدرك من قبل لمعة عينيها الزرقاوين. قالت:

- نعم. أعتقد أننا أبرياء الآن منها. إننا أبرياء منها. هل أنت متأكد؟

- يا عزيزتي، ليس لأجدٍ منكم ذرّة من دافعٍ لقتله.

شحب وجهها فجأة:

- إلاّ أنا يا تشارلز... لقد كان عندي دافع.

قلت ذاهلاً:

- أجل، بالطبع، لكنه لم يكن يدفعك في الحقيقة، فأنت لم تكوني تعلمين بأمر الوصية.

همستْ:

- بل كنت أعلم يا تشارلز.

- ماذا؟

- قد كنت أعلم أن جدي أوصى بماله لي.

- كيف؟

- لقد أخبرني جدي ذلك قبل أسبوعين من مقتله. قال لي فجأة: ((لقد تركت ثروتي
كلها لك يا صوفيا. يجب أن تعتني بالعائلة من بعدي)).

حدقت من الدهشة.

- إنك لم تخبريني يوماً بذلك!

- كلا. اسمع: عندما أوضح الجميع أمر الوصية و أنه وقعها فقد ظننتُه ارتكب خطأ
بحديثه معي و أنه يحسب أنه ترك لي وحدي. أو أنه – إذا كتب وصية يترك فيها
ثروته لي – فإنها إذن قد ضاعت و لن تظهر أبداً. لم أكن أريد أن تظهر الوصية.
كنت خائفة.

- خائفة؟ لماذا؟

- أظن... لعله بسبب القتل.

تذكرت نظرة الرعب على وجه بريندا و الهلع غير المبرّر، و ذكرت الرعب الذي خطر
ببال ماجدا، الرعب التام، حين فكرتْ أن تمثّل دور القاتلة.

لم يكن الذعر ليدخل في قلب صوفيا، لكنها كانت واقعية و كانت تستطيع أن ترى
تماماً أن وصية ليونايدز ستجعلها في موقع الشبهة.

قد عرفت الآن أكثر لماذا رفضت زواجنا و إلحاحها عليّ لأكشف الحقيقة. لا شيء
سوى الحقيقة ينفعها. لقد قالت ذلك برغبة عارمة و لهفة أذكرها جيداً.

عدنا نسير نحو البيت. و فجأة، في مكان ما، تذكرت شيئاً آخر كانت قد قالته. لقد
قالت صوفيا إنها تقدر أن تقتل شخصاً ما و لكن ذلك سيكون من أجل شيء يستحق القتل.





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

  #23  
قديم 12-21-2015, 01:04 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



- 22 -


جاء روجر و كليمنسي يمشيان نحونا عند منعطف في حديقة الصخور. كانت ثياب
روجر الواسعة تناسبه أفضل من الثياب الرسمية. كان يبدو متلهفاً ثائراً و زوجته
عابسة، و قال:

- مرحباً بكما. أخيراً! ظننت أنهم لن يعتقلوا تلك المرأة القذرة، لا أدري ماذا كانوا
ينتظرون؟ حسنا. قد سجنوها مع صديقها البائس و أرجو أن يشنقوهما معاً.

ازدادت كليمنسي عبوساً و قالت:

- لا تكن متوحشاً يا روجر!

- متوحشاً؟... هراء! عندما يُقتل عجوز مسكين بالسُّم عمداً و بدم بارد هو لا حول
له و لا قوة ثم ابتهج لأنهم أمسكوا المجرم لينال عقابه تزعمين بأنني متوحش؟ يا
ليتني أشنق تلك المرأة بيديّ! وثق العجوز بها فخانته!... حين جاء الشرطة ليقبضوا
عليها كانت معكما، أليس كذلك؟ كيف كان حالها؟

قالت صوفيا بصوت اخفت:

- كان موقفاً رهيباً. كانت مذعورة حتى فقدت صوابها!

- إنها تستحق ذلك.

قالت كليمنسي: لا تكن حقوداً!

- إنك يا عزيزتي لن تستوعبي الموقف فهو لم يكن والدك. كنت أحب والدي،
ألا تفهمين؟ كنت أحبه.

- لقد فهمت الآن.

قال روجر كلاماً يشبه المزاح:

- ليس لك خيال يا كليمنسي. ماذا لو كان الذي تسمم أنا..؟

رأيت كيف انخفض جفناها و كيف صفقت كفّيها و قالت تزجره:

- لا تقل أشياء كهذه و إن كنت مازحاً!

- لا عليكِ يا عزيزتي. سنرحل من هنا عما قريب.

سألتُها: أأنت مهتمة بالرحيل كثيراً؟

- إن البقاء في هذا البيت يرهقني.

نظرت إليها مندهشاً فابتسمت ابتسامة باهتة و أومأت برأسها:

- ألم تر يا تشارلز أنني كنت أقاتل طوال الوقت؟ أقاتل من أجل سعادتي، من أجل
سعادة روجر. كنت أخشى كثيراً أن تقنعه العائلة بالبقاء في إنكلترا، فهذا يعني أن
نستمر في العيش معهم و نظل في قبيود الروابط العائلية. كنت أخشى أن تعطيه
صوفيا مالاً فيبقى في إنكلترا ظانّاً أن في ذلك راحة و متعة لي! إن مشكلة روجر أنه
لا يصغي. لديه أفكار و لكنها خاطئة. إنه لا يعرف شيئاً، و هو مثل أبيه ليونايدز:
يظن أن سعادة المرء في راحتها و المال. لكني ساقاتل من أجل سعادتي، سأقاتل.
سآخذ روجر بعيداً و أمنحه الحياة التي تناسبه حيث لن يشعر بالفشل. أريده لنفسي
بعيداً عنهم جميعاً... بعيداً تماماً!

كان كلامها سريعاً بصوت خافت و يأس جفلت منه، فلم أكن أدرك أنها كانت على
حافة الانهيار، و أنا لم أدرك أيضاً كيف أن شعورها نحو روجر كان شعور يأس و
تملّك. عندها تذكرت تلك الكلمة الغريبة من فم إيديث دي هافيلاند... ((هذا الحب
الأعمى)))، لقد اقتبستْها بنبرة غريبة. تُرى أكانت تفكر في كليمنسي؟

أظن أن روجر كان يحب والده أكثر من أي شخص آخر حتى زوجتِه التي كان مخلصاً
لها. لقد أدركت لأول مرة كيف كانت رغبة كليمنسي أن تستحوذ على زوجها رغبة
ملحة، و رأيت أن حبها روجر هو محور وجودها، كان هو طفلها، و زوجها، و حبيبها!

جاءت سيارة نحو الباب الأمامي و رأينا فيها جوزفين...

خرجت جوزفين و ماجدا من السيارة. كان رأس جوزفين ملفوفاً بضمادة، لكنها –
رغم ذلك – كانت تبدو معافاة! قالت جوزفين من فورها:

- أريد أن ارى سمكتي الذهبية.

و كانت تنظر إلينا و إلى بركة الماء. قالت ماجدا:

- من الأفضل لك يا حبيبتي أن تستريحي أولاً بعض الوقت،و تتناولي بعض الشُّربَة المغذية.

- لا عليك يا أمي. إنني بخير، ثم إنني أكره الشُّربَة المغذية.

ترددت ماجدا. كنت أعلم أن جوزفين كانت تستطيع – في الحقيقة – مغادرة
المستشفى منذ بضعة أيام، و أن إشارة من تافيرنر هي التي ابقتها هناك أياماً أْخَر،
فلم يكن يريد أن يجازف بسلامة جوزفين حتى يُعتقل المشبوهون. قلت لماجدا:

- أعتقد أن الهواء النقي ينفعها، سأذهب لمراقبتها.
أمسكتُ بجوزفين قبل أن تصل إلى بركة الماء و قلت:

- لقد حدثت جميع الأشياء بينما كنت بعيدة عن البيت.

لم تجبني جوزفين. نظرت بعينيها الضعيفتين إلى البركة و قالت:

- أين فيرْديناند؟

- أيّها هو فيرديناند؟

- ذلك الذي له أربعة ذيول.

- ذلك النوع مسلٍّ، فأنا أحب السمك الذهبي اللامع.

- إنه مشهور!

- و لا أهتم كثيراً بتلك السمكة البيضاء كأنها قميص عفن!

نظرت جوزفين إليّ نظرة إزدراء و قالت:

- هذه سمكة الشيبارنكين. إنها غالية الثمن، أغلى بكثير من السمك الذهبي.

- ألا تودين معرفة ما حدث يا جوزفين؟

- أعتقد أنني أعرف ذلك.

- هل عرفت بالوصية الأخرى و أن جدك ترك ثروته لصوفيا؟

أومأت جوفزين بأسلوب يدل على ضجرها.

- لقد أخبرتني أمي، و على كل حال كنت أعرف ذلك من قبل.

- هل تقصدين أنك سمعت ذلك و أنت في المستشفى؟

- لا. كنت أعلم أن جدي قد أوصى بماله لصوفيا. سمعته يقول لها ذلك.

- أكنت تتنصّتين؟

- أجل، إني أحب التنصّت.

- إنه عمل مخزٍ، و تذكري أن الذين يتنصّتون لا يسمعون خيراً لأنفسهم!

نظرتْ إلي نظرة غريبة:

- بل سمعت ما قاله لها بشأني إن كان هذا ما تعنيه. ناني تغضب و تهيج إن هي
أمسكت بي و أنا أتنصّت على الأبواب. إنها تقول بأنه عمل غير طبيعي من
((ليدي)) صغيرة!

- إنها على حق تماماً.

- أوه! لا توجد ((ليدي)) هذه الأيام. كانوا يقولون ذلك في هيئة الخبراء. زعموا
أنه لقب قديم.

غيّرتُ مجرى الحديث قائلاً:

- لقد تأخرت في العودة إلى البيت و فاتك الحدث الكبير. لقد قبض رئيس المفتشين
على بريندا و لورانس.

كنت أتوقع من جوزفين، فتاة التحري الصغيرة، أن تهتز من هذا الخبر، لكنها رجعت
تقول بأسلوبها الممل المثير للجنون:

- أعرف.

- كيف و قد حدث ذلك لتوه؟

- مرت السيارة من جانبنا في الطريق. كان رئيس المفتشين تافيرنر و رجل التحري
الذي لبس الحذاء السويدي في السيارة و خلفهما بريندا و لورانس فعرفت أنهما لا
شك قد اعتُقلا. أرجو أن يكون قد حذّرهما! يجب عليه ذلك.

أكدت لها أن تافيرنر قد اتبع الأصول بحزم. قلت معتذراً:

- نسيت أن أخبره بأمر الرسائل. لقد وجدتها وراء الصهاريج. كنت سأدعك تخبرينه
و لكنك تعجلت في الذي فعلتِه.

تحسست جوزفين راسها بيدها الحيوية، و قالت بزهو:

- كدتُ أكون مقتولة. لقد قلت لك بأن الوقت حان لتظهر جريمة قتل ثانية. كانت
غرفة الصهاريج مخبأ فاسداً لهذه الرسائل. عرفت ذلك منذ رأيت لورانس يخرج منها
ذات يوم. لم يكن رجلاً نافعاً يُحسن إصلاح الصنابير أو الأنابيب أو الكهرباء، فعرفت
أنه كان – لا شك – يخفي شيئاً هناك.

و نقطع صوتي عندما سمعت صوت إيديث دي هافيلاند ينادي آمراً:

- جوزفين، جوزفين، تعالي هنا في الحال.

تنهدتْ جوفزين و قالت:

- مزيداً من الجلبة، لكن من الأفضل ان أذهب. يجب عليك أن تطيع إن كان الآمر
هو الخالة إيديث.

ركضت عبر المرجة، و تبتُها ببطء.

بعد كلمات قليلة دخلت جوزفين إلى البيت و جئتُ إلى إيديث عند المصطبة حيث
أرعبني القلق و المعاناة في وجهها، فقد بدت منهكة و مهزومة. و لمحتْ في وجهي
اهتماماً و حاولتْ أن تبتسم. قالت:

- يبدو أن تلك الطفلة قد جلبت لنفسها السوء من مغامرتها، سوف نعتني بها أحسن،
لكنّ هذا غير ضروري الآن – تنهدتْ – ... ما أسعدني لأن الأمر قد انتهى! يا له
من عرض! إذا تم سجنك بتهمة قتلٍ فلا أقل من بعض الكرامة. إنني لا أصبر على
أناس مثل بريندا التي انهارت و كانت تصرخ... هؤلاء الناس لا يملكون الجرأة. كان
لورانس براون كأرنبٍ حُشر في زاوية!

قلت لها مشفقاً:

- شريران مسكينان!

- نعم، شريران مسكينان. أظن أنها تدرك كيف تحفظ نفسها، أليس كذلك؟أقصد البحث
عن محامين أكْفاء و نحو ذلك!

ما أغرب هذا الأمر: كلهم يكرهون بريندا لكنهم يهتمون أن تحصل على فرصة للدفاع
عن نفسها!

و ما زالت إيديث تتكلم:

- كم يطول الأمر؟ كم يستغرق الأمر كله؟

قلت بأنني لا أعرف تماماً، فربما يجري التحقيق في مركز الشرطة ثم يُنقلان إلى
المحكمة. و قدرت أن يتم ذلك في غضون ثلاثة أشهر أو أربعة، و إذا تمت إدانتهما
فسيكون استئناف.

- و هل تظن أن تتم إدانتهما؟

- لا أدري. لا أدري ما هي أدلة الشرطة تماماً. هناك رسائل.

- رسائل حب؟ إذن فقد كانا عشيقين.

- أجل.

عبستْ:

- لست سعيدة لسماع ذلك يا تشارلز. أنا لا أحب بريندا. كنت من قبلُ أكرهها كثيراً و
قلت أشياء قاسية بحقها، لكني أشعر الآن برغبة في أن تحصل على فرصة، كل
فرصة ممكنة! كان أريستايد سيتمنى ذلك. أتمنى أن تلقى بريندا العدل و الإنصاف!

- و لورانس؟

هزت كتفيها و قالت:
- لورانس! على الرجال أن يعتنوا بأنفسهم. ما كان أريستايد يغفر لنا لو أننا...

لكنها قطعت كلامها فجأة:

- لابد أن وقت الغداء قد حان. من الأفضل أن ندخل.

شرحت لها بأنني مسافر إلى لندن.

- في سيارتك؟

- نعم.

- فهل تستطيع أن تأخذني معك؟ أعتقد أنه سُمح لنا أن نخرج؟

- أجل، لكني أظن أن ماجدا و صوفيا ستذهبان إلى لندن بعد الغداء و سوف تشعرين
براحة أكبر معهما؛ لأن سيارتي بمقعدين فحسب.

- لا أريد مرافقتهما. خذني معك و لا تتكلم كثيراً.

تفاجأت، لكني أطعتُها. لم نتكلم كثيراً في طريقنا إلى المدينة. سألتها:

- أين تريدين؟

- شارع هارلي.
أصابني بعض الخوف لكني لم أحب أن أنطق بكلمة. قالت:

- كلا، إن الوقت مبكر جداً. أنزلني في ديبنًهامز لآكل الغداء هناك ثم أذهب إلى شارع
هارلي.

قلت: أرجو.. ثم سكتّ.

- من أجل هذا لم أكن أريد مرافقة ماجدا.. تثير النقاش و تخلق ضجة كبيرة!

- إني آسف جداً!

- لا حاجة بك للأسف. لقد عشتُ حياة طيبة. حياة طيبة جداً.

ثم ابتسمت ابتسامة مفاجئة و قالت:

- و هي لم تنتهِ بعدُ!





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

  #24  
قديم 12-21-2015, 01:11 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



- 23 -


لم أكن قد رأيت والدي منذ بضعة أيام. وجدته مشغولاً بأمور أخرى غير قضيتنا
فذهبت أبحث عن تافيرنر.

كان تافيرنر يستيمتع بفترة راحة قصيرة، و لم يكن عنده ما يشغله و كان يرغب في
الخروج و تناول العصير معي.

هنأته على كشف القضية فتقبّل تهنئتي بفتور و قال:

- لقد انتهى ذلك و لدينا قضية. لا أحد ينكر أننا الآن في قضية.

- أتظن أنك تنجحت في إدانتهما؟

- تستحيل الإجابة على ذلك، فالدليل الذي بحوزتنا غير مباشر، و هو ما يكون غالباً
في قضايا القتل. إن شيئاً كثيراً يعتمد على أقوالهما في هيئة المحلفين و نظرة
المحلفين فيهما.

- و ما هو أثر الرسائل؟

- تبدو رسائل خطيرة لمن ينظر فيها أول مرة يا تشارلز. إن فيها إشارات إلى
حياتهما معاً بعد أن يموت زوجها و كلمات مثل: ((لن يطول الأمر))، لكن محامي
الدفاع يجتهد أن يلويها إلى جهة أخرى مدعياً أن الزوج كان كبيراً جداً، إذن فقد كانا
بالطبع يتوقعان موته، و هو أمر معقول. ليس فيها ذكر صريح للسم، لكنّ فيها بعض
فقرات ربما تعني ذلك، و هذا يرجع إلى القاضي الذي يتولى القضية، فإن كان هو
العجوز كاربِرّي فلن يرحمهما... رجل مستقيم يغضب للخيانة الزوجية! أظن أن إيغلز
أو هامفري كير سيحضر ليدافع عنهما. هامفري رائع في هذه القضايا لكنه يجب أن
يكون للمتهم سجل حربي جريء أو شيء كهذا ليساعده في العمل... إن المسألة
ستكون: ((هل تميل هيئة المحلفين إليهما؟)) أنت لا تعرف أمر هؤلاء المحلفين لكن
هذين الاثنين يا تشارلز لا يستحقان عطف الناس عليهما في الحقيقة... امرأة حسناء
تزوجت كهلاً كبيراً من أجل ماله. أما براون فهو فتىً هادئ غير عنيف أو عصبي المزاج.
الجريمة مألوفة – يا تشارلز – كثيراً. منسجمة تماماً مع نموذج يجعلك تصدق أنهما
لم يقترفاها يقيناً. ربما يقررون أنه فعلها و أنها لم تكن تعلم عن الأمر شيئاً أو أنها
هي ارتكبتها بينما لم يكن يعلم هو شيئاً عنها. و لعلهم يقررون أنهما كلاهما مشترك فيها.

- و ما قولك أنت؟

رمقني بنظرو جامدة خالية من التعبير:

- أنا لا أقول شيئاً. لقد عرضت الحقائق و رُفعت إلى المدعي العام، و تقرر أن هناك
قضية. هذا كل ما في الأمر. لقد قمت بواجبي و انتهى الآن دوري، فهل عرفت الأمر
يا تشارلز؟

لم أكن أعرف. رأيت تافيرنر لم يكن سعيداً لسبب ما.

لم أفْضِ بما في نفسي لوالدي إلا بعد ثلاثة أيام، و هو لم يذكر لي القضية أبداً، و
كان بيننا شيء من التحفظ، أعتقد أنني كنت أعرف سبه و كان عليّ أن أكسر هذا
الحاجز بيننا، فقلت:

- علينا أن ننتهي من هذا الأمر. إن تافيرنر ليس مقتنعاً أنهما فعلاها، كما أنك أنت
لست مقتنعاً أيضاً.

هز والدي رأسه و قال قولة تافيرنر:

- ليس لنا الآن من الأمر شيء. هناك قضية ينبغي حلها، لا شك في ذلك.

- لكنك لا تظن أنت و لا تافيرنر أنهما مذنبان.

- هذا الأمر يقرره المحلفون.

- أبي، لا تتهرب متي بهذه المصطلحات. ما هو رأيك، رأيكما كلاكما؟

- إن رأيي الشخصي ليس أفضل من رأيك يا تشارلز.

- بل هو كذلك، فإن خبرتك أفضل من خبرتي.

- إذن أصدقك... إنني لا أعرف.

- هل يمكن أن يكونا مذنبين؟

- أوه! نعم.

- لكنك ترتاب في ذلك.

- و كيف للمرء أن يتأكد؟

- لا تتهرب مني يا أبي. لقد كنت متأكداً من ذلك في أوقات أخرى، أليس كذلك؟ كنت
متأكداً تماماً من غير أدنى شك.

- بلى، أحياناً و ليس دائماً.

- أرجو من الله أن تكون في هذه المرة متأكداً!

- و أنا أيضاً أرجو ذلك!

- صمتنا كلانا. كنت أفكر في أمر هذين الاثنين اللذين تسللا من الحديقة وقت الغسق
وحيدين خائفين. كانا خائفين. ألم يكن الخوف يدل على الشعور بالذنب؟ لكني أجبت
نفسي: ليس ذلك بالضرورة؛ فقد كان لورانس و بريندا خائفين من الحياة. لم يكن
عندهما ثقة بالنفس و لا قدرة على اجتناب الخطر و الهزيمة، و كانا يعرفان أن الحب
غير الشرعي الذي يؤدي إلى ارتكاب جريمة ربما يورطهما في أية لحظة.

تكلم والدي بهدوء و لطف:

- هيا يا تشارلز، دعنا نواجه الحقيقة، إنك ما زلت ترى في نفسك أن أحد أفراد عائلة
ليونايدز هو القاتل، أليس كذلك؟

- ليس في الحقيقة، إني أتسائل فقط.

- بل تعتقد ذلك. ربما تكون مخطئاً لكنك تعتقده.

- أجل.

- لماذا؟

- لأن.. لأن.. نعم، هذا هو... لأنهم يعتقدونه أنفسهم.

- هم يعتقدون ذلك؟ هذا مثير للاهتمام! أتقصد أنهم يشتبهون بعضهم أو أنهم يعرفون القاتل؟

- لا أدري، الأمر كله غامض جداً. على كل حال فهم يحاولون أن يحجبوا عن أنفسهم
المعرفة.
أومأ والدي برأسه. قلت:

- ليس روجر. روجر يعتقد من كل قلبه أن الفاعل بريندا و يتمنى و يدعو أن تعلّق
على المشنقة. مشكلة روجر سهلة؛ لأنه بسيط و واثق من نفسه و ليس في صدره
شيء. لكن الآخرين يميلون للاعتذار، مرتبكون، يصرّون عليّ بأن أتأكد أن بريندا قد
حصلت على أفضل محامٍ و أُعطيت كل فرصة ممكنة. لماذا؟

- لأنهم لا يعتقدون في قلوبهم أنها مذنبة. أجل، هذا صحيح. تشارلز، من يكون قد
فعلها يا ترى؟ هل تحدثت إليهم جميعاً؟ من هو أفضل رهان؟

- لا أعرف، و هذا يدفعني للجنون، لا أحد منهم تنطبق عليه صورة القاتل! لكني
أشعر شعوراً صادقاً أن القاتل هو أحدهم.

- صوفيا؟

- لا، يا إلهي! لا.

- إن الاحتمال موجود في ذهنك يا تشارلز، نعم، إنه كذلك. لا تحاول إنكاره، ألم يخطر
في ذهنك يا تشارلز؟ بلى، و هو وجه قوي لن تعترف به. ماذا عن الآخرين؟...
فيليب؟

- من أجل دافع غريب جداً فقط.

- قد يكون الدافع غريباً أو لعله سخيف قليلاً. ما هو دافعه؟

- إنه شديد الغيرة من روجر. كان غيوراً طوال حياته. إن تفضيل روجر عليه قد
دفعه إلى الوحدة و الخلوة بنفسه، و كان روجر يوشك على الانهيار مادياً ثم سمع
العجوز فوعده بالمساعدة، فماذا لو علم فيليب ذلك؟ لو مات العجوز تلك الليلة فلن
ينال روجر المساعدة فيسقط و يخرج من العمل. أعرف أن هذا سخيف!

- كلا، بل هو أمر شاذ ربما يحدث، فهو سلوك بشري متوقع. و ماذا عن ماجدا؟

- الحق أنها طفولية. إن تصرفاتها لا تناسب مكانتها، لكني ما كنت لأفكر يوماً أنها قد
تكون متورطة لولا عزمها المفاجئ على إرسال جوزفين إلى سويسرا. لعلها قد خافت
من شيء تعرفه جوزفين.

- ثم ضُربت جوزفين على رأسها؟

- لا يفعل ذلك والدتها.

- و لم لا؟

- لكن يا أبي، إن الأم لا يمكن...

- تشارلز، تشارلز، ألا تقرأ بيانات الشرطة؟ كم جريمةً سببُها كراهية أم لأحد
أطفالها!... لكن، لعلها تحب أطفالها الآخرين. لا شك في بعض الصلة أو سبب ما
يصعب – في الغالب – معرفته.

اعترفت لأبي:

- إنها تمازح جوزفين و تقول بأنها ليست ابنتها.

- أوكانت الطفلة تهتم؟

- ربما.

- مَن غيرهم يا تشارلز؟

- روجر لم يقتل والده. أقسم على ذلك.

- استثنِ روجر إذن. زوجته ما اسمها... كليمنسي؟

- أجل. لو كانت هي التي قتلت العجوز ليونايدز فإن هذا لسبب غريب جداً.

و سردت عليه حديثي مع كليمنسي، و قلت:

- لعلها – رغبة منها في إخراج روجر من إنكلترا – قتلت أباه العجوز. لقد اقنعت
روجر أن يهذب و لا يخبر والده ثم عرف العجوز الأمر و كان يريد دعم شركة
التجهيز الغذائي، فأُحبطت آمال كليمنسي و خطتها جميعاً. كما أنها تهتم بأمر روجر
و هي يائسة... كانت تحبه حباً أعمى.

- أنك تقول ما قالته إيديث دي هافيلاند.

- نعم، و إن إيديث واحدة أخرى. أظنها قد تفعلها لكني أجهل السبب ، ربما رغبةً في
السيطرة على أهل البيت. إنها تحب الهيمنة.
- و هي مهتمة أيضاً أن تلقى بريندا محامي دفاع قديراً، أليس كذلك؟

- بلى، و ربما يدل هذا على ضميرها الحي، فلو أنها ارتكبت الجريمة لأرادت أن
تلصق التهمة ببريندا.

- ربما، و لكن، هل كانت ستصرع جوزفين؟

- لا. و هذا يذكرني بأن جوزفين قالت لي شيئاً ما زال يدق في رأسي و لا أستطيع
أن أتذكر ما هو؟ لقد نسيته، لكنه شيء يخالف هيئته. ليتني أستطيع أن أذكره!

- لا عليك، سوف تذكره. أفي ذهنك شيء أو اسم آخر؟

- نعم، كثيراُ جداُ. ماذا تعرف عن شلل الأطفال؟ أقصد: ما أثره في الشخصية؟

- يوستيس؟

- أجل. كلما فكرت في هذا الأمر أكثر بدا لي أن يوستيس يفعلها: كرهيته و استياؤه
من جده و كآبته و غرابة أطواره. إنه الوحيد في العائلة الذي يمكن أن يقتل جوزفين
بطريقة لا ترحم إذا كانت تعرف عنه شيئاً. و لعلها تعرف؛ لأن جوزفين تعرف كثيراً
و تدونه في دفتر صغير...

و سكتُّ فجأة ثم صحت: يا إلهي! يالحماقتي!

- ماذا أصابك؟

- الآن عرفت ما الخطأ؟ لقد افترضنا أنا و تافيرنر أن تخريب غرفة جوزفين و البحث
المحموم فيها كان من أجل تلك الرسائل، كنت أظن أنها تخفيها في غرفة الصهاريج،
لكنها – حين كلمتني البارحة – قالت إن لورانس هو الذي كان يخبئها فيها؛ لأنها
شاهدته يخرج من غرفة الصهاريج فذهبت تتلصص فوجدت الرسائل. ثم، بالطبع،
قرأتْها، لكنها تركتها مكانها.

- حسناً؟

- ألا تفهم؟ كيف يبحث ذلك الشخص عن الرسائل في غرفة جوزفين؟ لا جرم أنه كان
يريد شيئاً آخر.

- و ما ذلك الشيء..

- الدفتر الأسود الصغير الذي كانت تدون فيه نتائج أعمال التحري الذي تقوم به. إنه
الشيء الذي كان يبحث ذلك الشخص عنه. و أظن أن ذلك الشخص لم يجده، بل أعتقد
أن جوزفين ما زالت تحفظه، فإن كان كذلك...

و هممت بالنهوض. قال أبي:

- إن كان كذلك فإنها ما تزال في خطر، أليس هذا ما كنت تقصده؟

- بلى، لن تنجو من الخطر حتى ترحل إلى سويسرا... إنهم يخططون لإرسالها.

- هل تريد هي ان تذهب؟

- فكرت ثم قلت:

- لا اظن.

قال أبي بحدة:

- إذن فربما لا تذهب. لكنك مصيب في شأن الخطر. خيرٌ لك أن تذهب هناك.

صرخت: يوستيس؟ كليمنسي؟

قال والدي:

- الحقائق في ذهني يا بنيّ تشير إلى وجه واحد بوضوح. إني أعجب، كيف لا تراها
هكذا؟ إنني..

فتح جلوفر الباب:

- عذراً يا سيد تشارلز. مكالمة لك: الآنسة ليونايدز تتحدث من سوينلي دين. الأمر عاجل.

ظننت أن الأمر تكرار مرعب: هل سقطت جوزفين ضحية مرة أخرى و هل أصاب
القاتل هذه المرة هدفه؟

أسرعت إلى الهاتف:

- صوفيا؟ أنا تشارلز.

جاء صوت صوفيا و فيه نبرة من اليأس:

- تشارلز. الأمر لم ينته بعدُ! إن القاتل لا زال هنا!

- ماذا تقصديم؟ ماذا جرى؟ هل هي... جوزفين؟

- ليست جوزفين بل ناني!

- ناني؟

- أجل. كان على الطاولة بعض الكاكاو. كاكاو لجوزفين. لم تشربه. تركته على
الطاولة. ناني حسبت أن من المؤسف سكبه فشربتْه!

- المسكينة ناني! و كيف حالها؟

انقطع صوت صوفيا:

- أه! تشارلز، لقد ماتت!





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

  #25  
قديم 12-21-2015, 01:58 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




- 24 -


عدنا إلى الكابوس ثانية. هذا ما خطر بالي بينما كنت و تافيرنر في السيارة خارجيْن
من لندن كما فعلنا في رحلتنا الأولى.

كان تافيرنر بين فترة و أخرى يخفف من توتره بالشتائم في حين كنت أكرر أنا من
وقت لآخر بغباء و دون فائدة: إذن فلم يكن بريندا و لورانس! لم يكن بريندا و
لورانس!

هل كنت حقاً أعتقد أنهما هما الفاعل؟ كنت سعيداً بهذا الاعتقاد لأنه يدفع عن الآخرين
الاحتمالات الأكثر شراً!

كانا يحبان بعضهما و كتبا رسائل عاطفية سخيفة، و أخذتهما الآمال بموت العجوز
قريباً بسلام و سعادة. لكن، هل كانا يرغبان موته حقاً؟ كنت أشعر أن الشوق و
القنوط في الحب غير السعيد أنسب لهما من الزواج. كنت أظن أن بريندا تتوق فقط
إلى حياة رومانسية، و لورانس أظنه يستمتع بالإحباط و أحلام المستقبل الغامض و
يفرح للسعادة الروحية أكثر من إشباع الغريزة الجسدية.

لقد أوقعهما الخوف في فخ فلم يكونا ذكيين في الخروج من هذا المأزق. إن لورانس
كان غبياً إذ لم يتلف رسائل بريندا، و أظن أن بريندا قد أتلفت رسائله لأن أحداً لم
يجدها. و لم يكن لورانس هو من وضع ساندة الباب الرخامية فوق باب غرفة
الغسيل، بل شخص آخر مازال يستر وجهه بقناع.

توقفت السيارة عند الباب. خرج تافيرنر و تبعته، و رأينا رجلاً قدّرت أنه من الشرطة
السرية في الصالة. حيا تافيرنر و جذبه تافيرنر إليه.

لفت انتباهي كومة من الأمتعة في الصالة عليها رقاع و قد رُزمتْ لتُحمل، و عندما
نظرت إليها نزلت كليمنسي عن الدرج و دخلت من الباب المفتوح أسفله. كانت تلبس
فستانها الأحمر و عليها معطف و قبة حمراء. قالت:

- لقد جئت في الوقت المناسب لتودعنا يا تشارلز.

- و هل انتما مسافران؟

- سنذهب إلى لندن الليلة. سوف تطير طائرتنا في وقت مبكر من صباح الغد.

كانت هادئة تبتسم و قد بدا الترقب في عينيها.

- لكنكما لا تستطيعان الذهاب الآن بالتأكيد؟

- و لم لا؟

كان صوتها قاسياً. قلت:

- من أجل هذه الوفاة...

- ليس لنا أية علاقة بوفاة ناني.

- ربما، لكن...

- لماذا تقول: ((ربما))؟ لا شأن لنا بالأمر. كنت أنا و روجر في الطابق الأعلى
نحزم أمتعتنا. لم ننزل لحظةً قطُّ ساعة تُرك الكاكاو على طاولة الصالة.


- هل يمكنك أن تثبتي ذلك؟

- أستطيع إثباته عن روجر، و روجر يستطيع إثباته عني.

- ألا شيء غير هذا؟ أنتما زوجان، تذكرا ذلك.

اشتعل غضبها.

- مستحيل يا تشارلز! إنني و روجر راحلان لكي نحيا حياتنا الخاصة. لماذا نسمّ
عجوز حمقاء لم تؤذِنا أبداً؟

- لعلكما لم تكونا تقصدان تسميمها هي.

- و نحن لا نسمم طفلة أيضاً.

- هذا يعتمد على الطفلة في الواقع، أليس كذلك؟

- ماذا تقصد؟

- جوزفين ليست طفلة عادية. إنها تعرف عن الناس كثيراً. إنها...

سكتّ. و ظهرت جوزفين من الباب تسير نحو غرفة الاستقبال تقضِم تفاحة و عيناها
تلمعان و خداها متوردان و هي فرحة فرحاً شديداً. قالت:

- لقد سُمّمتْ ناني مثل جدي... أمر مثير، أليس كذلك؟

سألتها بقوة:

- ألا يزعجك ذلك؟ ألم تكوني تحبينها؟

- قليلاً. كانت تزجرني دائماً و تثير الضجة.

سألتها كليمنسي:

- هل تحبين أحداً يا جوزفين؟

أدارت جوزفين عينيها الغوليتين نحو كليمنسي:

- أحب خالتي إيديث كثيراُ، و أحب يوستيس لكنه نذْل، لم يشاركني في اكتشاف الفاعل.

قلت: من الأفضل لك يا جوزفين أن تكفّي عن تحرياتك، فهذا عمل غير آمن!

- لا حاجة أن أتحرّى شيئاً منذ الآن. إني أعرف.

صمتنا لحظة. كانت عينا جوزفين ساكنتين لا تطرفان و مازالتا تنظران إلى كليمنسي.

و سمعت صوتاً كالشهيق فاستدرت إلى الخلف. كانت إيديث دي هافيلاند تقف في
وسط الدرج لكنها لم تكن صاحبة الشهيق، فقد جاء الصوت من وراء الباب الذي
جاءت منه جوزفين لتوها.

خطوت نحوه بخفة و فتحته بقوة فلم أر أحداً.
أصابني قلق شديد. كان بالباب شخص و سمع كلمات جوزفين هذه. عدت و أمسكت
جوزفين من ذراعها و هي تأكل تفاحتها و تحدق في كليمنسي بثبات. ظننت أن وراء
هدوئها رضىً خبيثاً. قلت:

- هيا يا جوزفين. سنذهب لنتحدث قليلاً.

أظن أن جوزفين تمنعت لكني لم اكنت أحتمل أي كلام تافه. أسرعت بها رغماً عنها
إلى الجناح الذي تسكن فيه، و أخذتها بقوة إلى غرفة صغيرة لا تستعمل حيث لن
يسمعنا أحد. أغلقت الباب بقوةو أجلستها على كرسي و أخذت كرسياً آخر و سحبته
للأمام حتى قابلتها، و قلت:

- و الآن يا جوزفين. ستصارحينني. ماذا تعرفين؟

- كثيراً جداً من الأمور.

- لا شك في هذا، فرأسك مليء بالأخبار المتصل منها بالقضية و غير المتصل، لكنك
تعلمين تماماً ما أقصده، أليس كذلك؟

- بلى، إني أعرف. لست غبية.

لم أدرِ إن كان هذا ذماً لي أم للشرطة لكني لم أكترث له. و قلت:

- هل تعرفين من وضع لك شيئاً في الكاكاو؟

أومأت جوزفين برأسها أنْ ((نعم)).

- و تعرفين من دسّ السم لجدك؟

أومأت أنْ ((نعم)) أيضاً.

- و تعرفين من ضربك في رأسك؟

أومأت أنْ ((نعم)) مرة ثالثة.

- إذن فستخبرينني بما تعرفينه، ستخبرينني بكل شيء... الآن.

- لن أفعل.

- يجب أن تفعلي. إن عليك أن تخبري الشرطة بكل معلومة لديك.

- لن أخبر الشرطة بشيء؛ لأنهم أغبياء يظنون أن بريندا هي القاتل أو لورانس، و
أنا لست غبية مثلهم. كنت أعلم تماماً أنهما لم يفعلاها. كانت لدي فكرة عن الفاعل
من البداية، ثم أجريت نوعاً من اختبار، و الآن أعرف أنني كنت على حق.

أنهت كلامها و فرحة الانتصار على وجهها.

دعوت الله أن يلهمني الصبر، و حدقت إليها ثانية:

- اسمعيني يا جوزفين: أظن أنك ذكية جدا... – بدت جوزفين مسرورة – ... لكنّ
ذكاءك لن ينفعك كثيراً إذا لم تستمتعي بالحقيقة. ألا ترين – أيتها الحمقاء – أن
كتمانك أسرارك بهذه الطريقة السخيفة يجعلك في خطر كبير؟

- بل أفهم ذلك بالطبع.

- لقد نجوتِ من الموت مرتين بأعجوبة. في المرة الأولى أوشكت أن تموتي، و في
المرة الثانية ضحى شخص آخر بحياته. ألن تفهمي أن التجول في البيت و الجهر
بأعلى صوتك أنك تعرفين مَن القاتل يهيء لمحاولة ثالثة فتموتي أو تموت نفس أخرى؟

قالت جوزفين بمتعة:

- في بعض القصص يُقتل الشخص تلو الآخر و تنتهي بالقبض على القاتل، لأنه،
أو لأنها الشخص الوحيد الذي بقي.

- هذه ليست قصةً بوليسية. هذا بيت ((ثري غابلز)) في سوينلي دين، و أنت فتاة
صغيرة حمقاء قرأتْ أكثر مما يفيد مصلحتها! سأجعلك تخبرينني بما تعرفينه لو تطلّب
الأمر استعمال القوة.

- أستطيع دائماً أن أخبرك بشيء غير صحيح.

- لكنك لن تفعلي. على أية حال فماذا تنتظرين؟

- إنك لا تفهم. لعلي لا أخبرك أبداً، فربما كنت أحب هذا الشخص.

و سكتت كأنها تريد أن أفهم مغزاها ثم قالت:

- لو أخبرتك فسأفعل هذا بطريقة صحيحة: أجمع الجميع فيجلسون حولي ثم أفصّل
الأمر كله مع الأدلة، ثم أقول على بغتة: ((و الفاعل هو أنت..)).

و أشارت بسبابتها بطريقة مثيرة إلى إيديث دي هافيلاند التي دخلت الغرفة و قالت:

- ضعي لب التفاحة في تلك السلة يا جوزفين، هل معك منديل؟ أرى أصابعك دبقة،
سآخذك في السيارة.

و قابلت عيناي عينيها بإشارة ذات دلالة. قالت:

- ستكونين آمنة و أنت خارج البيت في الساعة القادمة أو قريباً من ذلك.

أبدت جوزفين تمردها فقالت خالتها:

- سنذهب إلى لونغ بريدج و نشتري البوظة.

لمعت عينا جوزفين و قالت تخاطب خالتها:

- اثنتان؟

- ربما. اذهبي الآن و البسي قبعتك و معطفك و وشاحك الكحلي، فالطقس اليوم بارد.
الأفضل أن ترافقها يا تشارلز حتى تلبس ملابسها. لا تتركها، فلدي رسالتان أريد كتابتهما.

جلست إيديث على الطاولة و رافقتُ جوزفين خارج الغرفة. كنت آخشى خطراً وشيكاً
على الطفلة و قريباً منها!

و بعد أن تزينت جوزفين دخلت صوفيا فأذهلها حضوري:

- هل تحولت يا تشارلز إلى مربية أطفال؟ لم أعلم أنك هنا!

تباهت جوزفين و قالت:

- إني ذاهبة إلى لونغ بريدج مع خالتي إيديث. سنأكل البوظة.

- في يوم كهذا؟

- الوبظة دائماً لذيذة، و حين تأكلينها تشرعين بالدفء.

عبست صوفيا و أزعجني لونها الشاحب و الخطوط السوداء تحت عينيها بسب الارهاق.

و رجعنا ثانية حيث إيديث. كانت تكتب على ظرفين، و نهضت بخفة و قالت:

- الآن سننطلق. أخبرت إيفانز أن يحضر سيارة ((الفورد)).

- و تركزت عيناي ثانية على الحقائب و الملصقات الزرقاء عليها فأثارت في نفسي
قلقاً غامضاً.

كانت سيارة الفورد أمام البيت. لبست إيديث دي هافيلاند قفازها و نظرت إلى السماء:

- إنه يوم جميل! الجو بارد لكنه ينشط البدن... يوم خريفي إنكليزي حقيقي! الأشجار
تبدو جميلة بأغصانها العارية تحت السماء بينما تعلّقت بها ورقة ذهبية أو ورقتان!

صمتت قليلاً ثم التفت إلى صوفيا و قبّلتها. قالت:

- وداعاً يا عزيزتي. لا تقلقي كثيراً، يجب احتمال أمور معينة. هيا يا جوزفين.

و دخلت في السيارة تتبعها جوزفين. لّوحتا لنا بينما انطلقت السيارة. قلت:

- أعتقد أنها على حق، من الأفضل إبقاء جوزفين بعيدة فترة من الزمن، لكنّ علينا
أن نجعل تلك الطفلة تخبرنا بما تعرفه يا صوفيا.

- لعلها لا تعرف شيئاً... إنها تتباهى فقط. جوزفين تحب أن تجعل نفسها مهمة.

- الأمر أخطر من هذا, هل تعلمين ما هو السم الذي كان في الكاكاو؟

- يعتقدون أنه ديجيتالين. إن خالتي إيديث تتناولة الديجيتالين لقلبها، و في غرفتها
زجاجة مليئة منه و لكنها الآن فارغة.

- كان ينبغي أن تحفظ مثل هذه الأشياء بحرص أكبر.

- كانت تفعل ذلك، و لكن ليس صعباً على شخص ما أن يعلم مخبأ المفتاح.

- شخص ما؟ من هو؟

نظرت إلى كومة الأمتعة قائلاً:

- لن يذهبا، يجب ألاّ يسمح لهما بالرحيل.

تفاجأت صوفيا:

- روجر و كليمنسي؟ هل تعتقد يا تشارلز؟

- ما رأيك أنت؟

حركت صوفيا يديها حركة يأس و همست:

- لا أعرف يا تشارلز. كل ما اعرف أنني عدت إلى الكابوس ثانية!

- أعرف. في هذا كنت أفكر و أنا قادم مع تافيرنر.

- هذا كابوس حقاً. تمشي بين الناس و تنظر في وجوههم، و فجأة تتغير الوجوه فلا
تعرف منها وجهاً... فقد أصبح الوجه غريباً... غريباً وحشياً!... تشارلز، هيا
نخرج، هيا نخرج كي نصبح في أمان! إني خائفة ما دمت في هذا البيت!






[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجرائم الابجدية abc ~ اجاثا كريستي زيزي | Zizi روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 25 07-19-2017 06:13 PM
من روايات وقصص اجاثا كريستي.. عاشقة لان أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 19 06-06-2011 03:54 PM
نبذة عن الكاتبة اجاثا كريستي Kairis kingdom أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 24 12-02-2010 08:57 PM
رواية ( البيت المائل) آغاثا كريستي ***peer dagher*** أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 5 07-26-2007 04:17 AM


الساعة الآن 05:38 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011