عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي

روايات و قصص الانمي روايات انمي, قصص انمي, رواية انمي, أنمي, انيمي, روايات انمي عيون العرب

Like Tree166Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #66  
قديم 04-23-2016, 03:38 PM
 
سلام عليكم

قرأت جديدك الذي جر فضولي للتحرك في كل مقطع... فما رابطته بقصتنا، و كأنك استأنفت رواية اخرى فجأة..

تعاطفت مع جوليان فعلا و لا اظن انه سيدوم
في هذا الطريق الذي اختاره...

و عن ايرل فهو كفء للاستفزاز و شد اعصاب من يقابله... لكنه اعجبني، خاصة عندما ظهر عرق التحري كاشفا عن سبب توحش الخيل و عدم استقراره..." class="inlineimg" />

و كذا اتمنى ان يكون المحقق بقضية تتلك الجثة عاقلا ليخرج الطبيب ايريك من دائرة الاتهام...

و لن ازيد تعليقي قبل ان اعرف اكثر عن ترابط الاحداث التي ازدادت غموضا...

شكرا لك و بانتضار القادم
رد مع اقتباس
  #67  
قديم 04-25-2016, 07:24 PM
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وردة المودة مشاهدة المشاركة
سلام عليكم

قرأت جديدك الذي جر فضولي للتحرك في كل مقطع... فما رابطته بقصتنا، و كأنك استأنفت رواية اخرى فجأة..

تعاطفت مع جوليان فعلا و لا اظن انه سيدوم
في هذا الطريق الذي اختاره...

و عن ايرل فهو كفء للاستفزاز و شد اعصاب من يقابله... لكنه اعجبني، خاصة عندما ظهر عرق التحري كاشفا عن سبب توحش الخيل و عدم استقراره..." class="inlineimg" />

و كذا اتمنى ان يكون المحقق بقضية تتلك الجثة عاقلا ليخرج الطبيب ايريك من دائرة الاتهام...

و لن ازيد تعليقي قبل ان اعرف اكثر عن ترابط الاحداث التي ازدادت غموضا...

شكرا لك و بانتضار القادم
وعليكم السلام ..

شكرا لتوقعاتك ، تعليقك ..
كل شيء سيتضح قريبا ، إن شاء الله ..

سلمت ..

دمت بخير وبأفضل حال
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag
رد مع اقتباس
  #68  
قديم 04-25-2016, 07:37 PM
 



بَارِيْسْ

" لَيْلَة فيْ الْنِّعيْمْ " ، معزوفةٌ بارِيْسِّيَّة فرنسيَّة أصِيْلة ، تغنَّى الفرنْسِيُّون بها حال سماعها من أحد العَازِفيْن الذيْ زعَمَ بتأليفها ، و عند سؤاله عن سرِّ نجَاحِه العظيمْ قَالْ بِأنَّهُ اسْتطاع كتابتها عند مقابلته لأحد المشردين ذاتَ يوم إذ أنه قال له بأنه يتمنى أن يعيشَ يوما واحدا سعيدا لا يقلق بشأن طعامِ وشرابْ ولا مأوَى ، يومٌ واحد فقط ، المعزوفة مليئة فعلا بالمشاعر و لربما لا يستطيع أي شخص أن يقوم بعزفها ، أن يقوم بترجمة تلك الأحاسيس إلى أصوات تلامس القلوب برقة ، ربما لم يكن بمقدور أي شخص أن يصل إلى درجة إتقانها بالكلية !..

إلا أنه حاول وقام بتعلمها منذ أن طرقت تلك النغمات المتتابعة أذنه لتتحول من مجرد موسيقى يسمعها للتسلية إلى معزوفة خاصة بالنسبة إليه ، تدرب عليها إلى درجة مكنت أصابعه فيها من التحرك بتلقائية ، يشعر بأنها تحاكيه كثيرا ، يصور له ذهنه أيام حياته الأولى والتي كانت بمثابة العلقم وبالرغم من أنه كان صغيرا آن ذاك إلا أنه قاسى كثيرا ، انتشال السيدة " لورينز " إياه من تلك الحالة كان أفضل شيء حصل له ليصبح الشاب العبقري كما يُطلق عليه دائما ، لم تدم تلك الحالة المتأملة طويلا إذ أنه وفور أن باشر بالدخول إلى مقطع آخر من المعزوفة شعر بشيء يضرب وجنته برفق ، تقارب حاجبيه قليلا ليفتح عينيه منزعجا فلتوه بدأ بعزف المقطع المفضَّلِ لديه ، انهمكت أصابعه في إمساك الكمانْ برفق فيمَ تدلى وترٌ من تلك المشدودة أرضا لابد وبأنه شعر بالحماسة كثيرا ليُقطع الوتر ، ظهرت ملامح الضجر على وجهه فبالرغم من أنه وجد الكمانْ فيْ حقيبة على المدفأة خمَّن بأنه مستعملْ وقويٌ فعلا إلا أنه فوجئ بملمس الترابِ بيْنَ أصابعه ، مادامَ هذا المسكين سيُعامل بهذه الطريقة المهملة فلماذا اقتناه أصحابُ هذا المنزل ؟! ، أعاد " إيرل " الكمان إلى حقيبته وفكر بأنَّ السيد لن يرفضَ إذا استأذن إصلاحه فهو من تجنَّى عليه على أيَّة حال ، نفض كفيه في الوقت الذي استدار فيه للخلفْ ينظر إلى مجموعة الأرائك المنتشرة على السجاد الذيْ افترشَ الأرضية الخشبية ، لمْ تكن الغرفة مختلفة فهيْ كغرف الضيوف التيْ يراها عادة ، كبيرة وواسعة تختنق بالأرائك وبكثرة النوافذ على الجدران لطالما فكر بأنها إهدار للمال لا أكثر ، فضيوفِ هذه الطبقة لا يبقون فيها لمدة لا تتجاوز الثلاثين دقيقة ، بدى في طريقه للجلوس بانتظار أي من السيد وابنته إلا أنه توقف فور رؤيته لظل أحدهم خارج الغرفة بالقرب من الباب ، الظل الطويل ذاك يبدو واضحا جدا على أرضية الممر الخشبية ، الظلُ لم يكن لقطعة من الأثاث بل لشخص يتمايل ، تبسم " إيرل " بسخرية قبل أن يفكر بأن طريقة التلصص هذه قد عفا عليها الزمن حتى أن ذلك الشخص فاشل في التواري ! ..


كم من الوقتِ يجبُ عليه الوقوف والنظر إلى ذلك الشيء بانتظار صاحبه أن يخرج ، بدى ذلك طويلا ومرهقا ، تنهد بشيء من الهدوء واعتقد بأن هذا الخجول يحتاج لدفعة بسيطة فقط ليظهر ، راحت عينيه تراقبان الظل الواقف بثبات بالقرب من الغرفة لم يكن لصبي صغير فذلك سيكون واضحا ، والكبار في السنْ لن يفكروا بمثل هذه الطريقة السخيفة لإلقاء التحيَّة ، لذا لابد وبأنه صبيٌ .. مزعجْ ، تمتمَ " إيرل " ساخرَّا فيمَ يجلسُ على أحد الأرائكِ بهدوء : أصحابُ هذا المنزلْ يفتقرون لأصول اللباقة فعلا كيف لهمْ أنْ يتركوا ضيفا كل هذه المدَّة ! ..
لاحظَ استجابة ذلك الظلِ الذي تمايل بخفة على الأرضية متفاجئا بمَ سمع ، أعجبت هذه اللعبة " إيرل " فإن كان ذلك الشخصْ لن يفكر بالخروج فهو سيجعله يخرج بكل بساطة ، عاد يُكمل خطته في استفزازه وقال : لنْ تُذاع أخبار سارَّة صباحا إن استمروا في تجاهليْ بهذه الطريقة فعلاقتي مع الإعلامْ جيدَة إذ همْ بانتظار أيِّ شيءِ ينشرونه عن السيد " ألبرتين " أو منزله لذا ؟! ..



نطق آخر كلماته في استفهام فيم راحت عينيه ترقبان ذلك الظل الذي تمايل في مكانه فور سماعه آخر كلماته ولكن مهلا يبدو وبأنه في طريقه للخروج فالاسوداد على الأرضية بدى أكثر قتامة من قبل ، رفع " إيرل " بصره للأعلى بانتظار من قرر اللعب معه ولم تكن لعبة سيئة فعلا ، نهض من مكانه بحركة سريعة ، لتلتقط مسامعه صوت ارتطام شيء بالأرضية ، حاول كتم ضحكاته فيم ينظر إليه يحاولُ لململة نفسه والانسحاب سريعا ، لم يدم انتظاره المقيتُ ذاك طويلا فسرعان ما ولجت " فانتين " إلى الغرفة تحمل بين أصابعها صينية الشاي ، طلبت منه بلباقة أن يجلسْ ثم أردفت باعتذار وهي تناوله الكوبْ : إنه شايٌ بالليمونْ ، والديْ يفضل تناوله بهذه الطريقة إن كنتَ لا تفضله يمكننيْ ..
قاطعها بإحاطة الكوبِ خاصته بأصابعه وأماءَ بلا فنكهة الشايْ لا تساويْ شيئا ما دام يجلس في منزل ذلك الرجل ، ارتشف القليل من الشايْ قبلَ أن يرفع عنقه صوبَ " فانتين " تلك التيْ هتفت بشيءِّ من الهدوءْ : " ليلة فيْ النعيم " ، لا يستطيعُ أيُّ شخصِ آخر أن يعزفها بصدقِ كما تفعل ، هذا يُبين بأنك فريدٌ مميز سيد " إيرل " ! ..
تلك العبارة مماثلة لعشرات من العبارات التيْ سمعها قبلا ، مميز و مختلف ، هل هو كذلك حقا ؟! ، لو يعرفون بأنه كان مجرد طفل مرميٌ في الشارع تبنته يدٌ حنونْ هل ستتغير نظرتهم له يا ترى ؟ ، ابتلع ما في فمه ليرسم بسمة مجاملة مستطردا و باعتذار : عذرا لوقاحتي فأنا لم أكن أقصد استعماله دون طلب الإذن ولكنني غيرُ صبور فعلا ..


لم يبدو على " فانتين " الاهتمام حقا وهي تستطرد بتململ : لا داعي لذلك ، والدي قد اشتراه لي قائلا بأنه يجب علي تعلم العزف إلا أنني لست مهتمة بذلك ، بالإضافة إن لغتي الإنجليزية ضعيفة فعلا بالرغم من أنني أحضر دروسا .. أردفت بمزاح : أظن بأن والدي يستلطف لغتك الفرنسية فهو أيضا لا يتحدثُ الإنجليزية جيدًا ..
تبسم مجاملا ثم عاد يرتشف القليل من الكوب بين أصابعه ، السيد " آلبرتين " مهتم في صقل مهارات هذه الفتاة لأنه يعلمُ بأنَّ العزف وتحدث اللغات الأخرى من أهم الأشياء التي يجب على آنسات هذه الطبقة التحلِّيْ بها ، إلا أن هذه الفتاة غير مهتمَّة فعلا ، نوعا ما هيَّ تذكره ب " إيرما " فهي لا تكترثُ لرأي الآخرين في النهاية ، قطب جبينه قليلا في الوقت الذي خطر فيه السيد " ويلبرت " على باله لابد وبأنه يعاني وقتا صعبا بسبب تلك الفجوة العميقة في حياته ، ما هيَّ إلا لحظاتٌ قصيرة حتى وَلجَ السيدُ " ألبرتين " الغرفة بثيابِّ جديدة وقدْ أبعد رائحة العجينِ والترابْ بأخذه حمامَّا ، أخبر ابنته بأن عليها أن تنتبه إلى العاملِ لشابْ وأن تباشر في إعطائه القليل من النصائح حول عمله الجديد ، لمْ يكن من الصعبِ على " إيرل " أنْ يفهمَ من تصرفه بأنَّ السيد يرغبُ فيْ الحديثِ معه على انفراد وقد تجلى ذلك واضحًا في جلوسه أمامه بأريحية تامة مظهرا تملكه لهذا المنزل ، حاولَ " إيرل " تجاهلَ ملامح وجهه المتصلبَّة بارتشاف القليل من الكوبِ المحتجز بين أصابعه ، لقد تعامل مع الكثير من الأثرياء على شاكلته ولسنه الصغير فهمْ يحاولون ألا يُبْدُو عدم ترحيبهم أو انزعاجهم فكيف لهمْ أن يجدوا وقتًا في جدولِ أعمالهم المزدحمْ فقط لملاقاةِ شابِّ في العشرين ! ..
" براسيت " فقط لأنه يحمل هذا الاسمْ ..
تطلع السيد " ألبرتين " بحيرة إلى الشابِ الجالسِ بهدوءِ أمامه قبلَ أن يتحدث متسائلا وَ بشكل مباشر : ربما الكلمة الأنسبْ لوصف شعوري الآن هو التعجبْ وأصدقك القولْ بأننيْ مرتابٌ منك قليلا .. أتبع بتململ : إن كنتَ تبحثُ عنْ عقدِ صفقاتِ أو ما شابه فأنا لا أرحبُ بهذا ، أفضِّل ظهور اسمي وحيدَّا ! ..


انحنى فمُ " إيرل " ببسمة مائلة قبل أن ينتقيْ الكلماتِ بعناية ويستطرد : أظنُ بأننيْ فشلتُ في محاولتيْ لكسبِ ودِّك ، أشعر باضطرابك سيديْ ولكننيْ أؤكد لك بأننيْ لستُ أضمر شرَّا فلسوءِ حظيْ لا أملك علاقة طيبة مع الإعلامْ بإمكانك تصديقي حال قراءتك للمقالات في الجرائد ! ..
سكبَ السيد " ألبرتين " لنفسه كوبا فيرتشف القليل من الشايِ ذي النوعية المفضلة لديه ، وبعد أنْ استشعر مداعبة تلك الرائحة الطيبة له حتى شعر بمزاجه يتحسن ، عاد يستطرد بحذر : لم تحزر ، فأنا لا أثق بالأشخاص بسهولة ، تعلم لا يمكنك الوثوق بطفل يدَّعي عشقه لتناول الخضروات بديلا للسكاكر ، هل توافقني ؟! .. أضاف بريبة : شابٌ عشريني مثلكْ لن يدفع مبلغا بتلك الضخامة فقط لاقتناء قطعة من الخزفْ إلا إن كان ينوي شيئا أو أنَّ هنالك مشكلة ما في رأسه ، اعتدتُ على قولِ رأيي بصراحة ، من حقكَ ألا تعذرني ! ..
تنهد " إيرل " بقلة حيلة بعد أن أقرَّ بهزيمته ، فهذا الرجل لن يفكر بتصديقه على الإطلاق ، ثمَّ ليكون صادقًا فتلك الخزفية كانت سبيلا فقط لوصوله إلى هذا المكان ، تململ في جلوسه قبل أن يحاول ضبط أعصابه فلم يسبق لأحد أن تحدث معه بهذا الشكل ، هتفَ مستسلما : ستون بالمائة فقط ، أما الباقي فأصدقكَ الحديث بأننيْ مهتمٌ بهذا المجال ، مجيئي هنا مبنيٌ على شيءِّ واحدْ و أظن بأننيْ سأعرفُ ذلك السبب قريبًا .. راح يتساءل بينما يتطلع إلى السيد الجالسِ أمامه بشيءِّ من الهدوء المصطنع : إلى ذلك الحينْ ، أتمنى أنْ تقبل بزيارتي لك بين الفينة والأخرى ! ..




لقد أًصبح الوضعُ أكثر إمتاعا بالنسبة إلى " إيرل " في الأيام القليلة التيْ قضاها هناك في فرنسا ،ربما يحقُ له أن يعتبرها الأفضل ، إلا أنَّ العمل باتَ مزعجا بالنسبة إليه فلا يكاد يخلد ساعة حتى ينتفضَ من مكانه مستعدا لإجراء مقابلة أو صفقة عمل ، عليه أن يسأل السيدة " لورينز " الراحة ، ويقضي ما تبقى له من سفره عاطلا ، صحيحٌ بأنه يتملص من العملْ أحيانَّا ويذهبُ لزيارة منزل السيد " ألبرتين " ، في الواقع لقد أصبح يتردد على ذلك المنزل كثيرَّا قائلا بأنه يود أن ينهل من علم السيد لا أكثر ، إلا أنه وجد في ذلك المنزلْ ملاذا عن حساباتِّ وأرقامْ أصابته بالصدَّاع والأرق أحيانا ، لا يستطيع الجزمَ بأنه تمكن من انتزاع ثقة السيد " ألبرتين " بالكامل ولكنه على الأقل لمْ يعد ينظر إليه بريبة أو شك ممَّ أراح الشابَ المثقل بالعمل ، لا يدريْ متى أصبحت علاقته معهم تخوله مشاركته لهم للوجباتِ وهمْ يتقبلون ذلك بصدر رحبْ ، إنهمْ لطيبون فعلا رغمَ حرص السيد الزائدِ على ابنته ! ..
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag

التعديل الأخير تم بواسطة غسَقْ | ; 04-26-2016 الساعة 11:12 AM
رد مع اقتباس
  #69  
قديم 04-25-2016, 07:44 PM
 



إنها نغماتٌ متتاليَّة ، واحدة تتبعها الأخرى ، لربما هيَّ مجرد أصواتٌ يسمعها البعضْ للتسلية فقط لكنه يجدُ نفسه يغوصُ بعيدا ، إنه يتناسى الكثير من الأشياء غالبَّا ، لقد كان كل شيء مثاليا ، العبقريُ الوحيدْ ، صبيُ العاشرة الذيْ يحرز المراكز الأولى دائما ، يحصل على الكثير من الجوائز ، الأصابع تشير إليه في غيرة واهتمام ، أحسَّ بأنه يملك الكثير حينها إلى أنْ بدأ يشعر بأنه لاشيءَ أمامَ ذلك الظل الذي بدأ يقتحمْ عالمه ليخبو نوره رويدا ، ما كان عليه أن يظهر ويسرق الأضواء منه ، بالرغم من أنه ما زال يحرز الكثير إلا أن ذلك الشخص يسبقه بخطوة دائما ! ، هو يعلمُ بأن اللقب الذي يحمله يساعده كثيرا إلا أنه ما زال يشعر بأنه لا شيء بدونه ، لو لم يكن من " براسيت " هل سوف يكون كذلك الشخصِ الذي صنع اسمه بنفسه دون الالتفات إلى اللقبِ الذي يحملُه ، أفرغ كومة المشاعر المضطربة في صدره حالما ضغط بأصابعه على كوبِ الشايْ بقوة ، منذ سنوات حتى الآن هو مريض بالغيرة منه ، في الوقت الذي توقفت فيه آلة التسجيل عن الدورانِ حتى بُتر صوتُ الموسيقى فجأة ، لمْ يكنْ ليشعر بكل هذا الضجر غالبا لو لم تظهر صورة ذلك الشابْ في ذهنه فجأة ، تمتم بشيءِّ من الغضبْ قبلَ أن يستدير سريعا ويرميَّ بكوبه " جونز " الذي استطاع النفاد بجسده من حرقِّ كاد يتوسمه ، ابتعدتْ أصابعه خلسة منْ على المسجلْ فيمَ سارع في الوقوف والتقاطِ أنفاسه علَّه بذلك يستطيعُ ترتيبَ بعض من الكلماتْ لتنقذه من سيده الساخط ، لا تزال ملامح " إيرل " منقبضة على نحو عجيبْ وكأنه تلقى قرارا بإقصائه قبل لحظاتْ ، وقبلَ أنْ ينفجر بالخادم المرتجف أمامه فوجئَ به يستطردُ بلا إذن وبقليل من الخوفِ ، قال : معذرة منكَ سيدي لكنْ .. هنالك شخصٌ يطلبُ رؤيتكَ !..


بطبيعة الحال لمْ يكن ليتكلمَ بشكلِ سوي والرغبة في قتله واضحة في تلك الأعين الحاقدة عليه ، استطاع " إيرل " السيطرة على أعصابه في الوقت الذي طرقت فيه كلمات السيدة " لورينز مسامعه ، تحفزه وتخبره بأنه الوحيد الذي استطاع قلب الموازينْ منذ أن أصبح جزءَّا من العائلة ، ينظر إلى الحالة الغريبة التيْ أصابت سيده فَ قبل ثوانِّ فقط كان يوشك على حفر قبره بيديه لكنه الآن يُظهر ملامحا هادئَّة أُنهكت من كثرة العملْ ، مازال يحتفظُ بانطباعه الأول عنه مجردُ شيطان بشري ، يستمتع في ممارسة تسلطه على الغير و برؤية الآخرين يعانون ، تنفس " إيرل " بعمق ليجلسَّ على أحد الأرائك محررَّا أزرار قميصه بأصابعه ، لمْ يكن يرغبُ برؤية أحدِ الآن خاصة في هذه اللحظة بالذات ، لا بد وبأنه شخص متملق لا أكثر ، وقبل أن يخبر " جونز " برغبته في صرف ذلك الزائر بعيدا حتى وجد نفسه ينظر إلى رجل خبَّ بريق عينيه واختفيْ حيثُ أبدت ملامحه تعبيرَّا بائسَّا جعلته يبدو كمن يحملُ همَّوم الدنيا كلها فوق رأسه ، ملابسه غير مهندمة رغمَ أنه يرتديْ بذلة عمل عادية ، استطاع " جونز " أنْ يعرفَ من النظرة الأولى أنَّه يوشكُ على الانهيار لولا تمسكه بخيطِّ من الأمل لاح على ملامحه اليائسة ، وبقليلِّ من الشجاعة استطاع ذلك الرجلْ أن يرفع بصره صوبَ من يجلسُ على الأريكة مقابلا له ، لا مباليَّا ، متململا في جلسته ، حيثُ بدى مغايرا لحالته قبل ثوانْ ، لم تبدو على تعابيره الاهتمام بهذا الضيف صاحبُ الزيارة المفاجئة ، بدت عروقه تنضح بالنبضِ باندفاع ولاحتْ عظامُ صدره بالعلو والهبوطْ في عملية تنفسِ سريعة ، بعض من الأنين الضعيف قبل أن يستطيع الهتاف بقليل من الكلماتِ التي سببت له ألما وُسم في صدرِهْ : لمْ أتخيل بأننيْ سأوضع في مثل هذا الموقفِ ، اعتدتُ دائما على العمل لوحديْ بدون تدخل من أحد ، أجل .. أنا ذلك النوع من الأشخاص الذيْ يفضل السير وحيدا وسط غابة معتمة ، اعتقدتُ بأننيْ وصلتُ إلى درجة احترامِ الجميع ليْ ، قمتُ بتكوين عملِ ، أصبح لي أبناء وعائلة ، منزلٌ خاصْ ، حياةٌ كاملة ، اعتقدتُ بأنني امتلكتُ كلَّ شيءْ إلى أنْ ..


اجتمعتْ الكلماتُ في حنجرته وظنَّ بأنه أخرسَ كليا لولا أنه أصبح قادرا على التنفسِ بصوتِّ مسموع ، قبضَ على أصابعه بقسوة حال تذكره لبسمة طفلته الصغيرة قبلَ خروجه من المنزلْ وحين يفكر بأنه قادمٌ لرؤية هذا الشابْ يشعر وكأن غمامة سوداء تحل عليه لتصرع أحلامه أمام عينيه ، مالذي توقعه من حفيد السيدة الأولى ؟ .. لا شيء لم يكن يجدر به أن يتخيل كفيه تمتدان إليه لتنتشلاه من حالة البؤس التي يعيشها ، هل بالغ في تخيلاته يا ترى ؟ ، انتفضت حواسه في الوقت الذي التقطت فيه مسامعه عبارة الشاب القابع أمامه : إنَّكّ وقحٌ فعلا سيد " مانويل " ! ، ألا تعتقدُ ذلك ؟! ..
ارتفع بصره صوب " إيرل " الذي احتوت القسوة تعابير وجهه إلا أنه بدى هادئا في جلوسه ، الحقد ربما يكون هو سبب لمعان عينيه ، وبجبين يلمع ابتلع السيد " مانويل " ريقه بصعوبة واضحة فيم ارتجفت مقلتيه في قلق واضح وكأنه على شفا حفرة الجنون ، هتف بصوت تجلى فيه البؤسُ الشديْد : لمْ أكنْ لأجرؤ على ذلك لو لمْ أعلمْ بأننيْ على وشك الإفلاس ، كل أموالي ضاعت مني ، أنا هالك لا محالة ، لذا .. لذا .. هرع يجثو على الأرض بلا حول أو قوة بينما يمسك رأسه بكفيه هاتفا : لم أعد أستطيع الاحتمال ، الكوابيس تراودني كل ليلة ، من فضلك فكر في الأمر مليا ، تعلم بأنني أملك عائلة لأعيلها ، طفلتي .. طفلتي ..


ظهرت عقدة منزعجة في حاجبي " جونز " حال رؤيته ل " إيرل " مفتقر الأخلاق ، ألا يجدر به أن يهرع مجيبا له ، مهما فعل هو لن يستطيع فهمه أبدا ، وجب على السيد " مانويل " التفكير ألف مرة قبل أن يطلبَ المساعدة من هذا الشخصْ ، تلك البرودة حول قلبه تمتنع حتى عن لهيبِ مشاعره ، يا لقسوته ، تنفس " إيرل " بشيء من القوة وبدى الانزعاجُ واضحا على قسماتِ وجهه هذا المرة إذ أنه وبدون أن يعطي الفرصة للرجل أمامه هتفَ بنبرته المتعاليَّة : أمثالكَ من الأشخاصْ لا يصمدون طويلا ، يُفترضُ أن تتعلمْ من الدرسِ الذي أعطيتكَ إيَّاه ، اُغربْ من هنا فحاجتك ليستْ عنديْ ولا تفكر بالقدومِ مرة أخرى لأننيْ حينها لنْ أجعلكَ تحملُ قرشًا واحدَّا في جيبكْ .. أتبع بأسلوب تعمَّد الوقاحة فيه : أملاكك وثرواتك التي كنت تتباهى بها سابقا ستصبح جميعها من ضمنِ ممتلكاتيْ ، الأثاث والقطع النفيسة باهظة الثمن إلا الخدم أخبرهم بأن سيدهم الجديد يرفض رؤيتهم فلست أرغب بتدنيس أموالي في النفقة عليهم بعد أن كانوا يعملون تحت إمرتك ..
تبسم بشيءِّ من السخرية قبل أن يردف بذات القسوة متجاهلا وطأة كلماته الموجعة : أنتَ بالفعل عديمُ الأخلاقْ ، بعد أن شعرت بأنك على وشكِ الانهيار بدأت تبحثُ عن من يمدُّ لك يد المساعدة لدرجة أنَّكَ توسَّلت من بصَّقت في وجهه يوما ، لن أنسى ذلك ما حييتْ بل وسأجعلك تدفع الثمن غاليا ، هيا اُخرج من منزليْ ! ..


هل كان زلزالا ؟ ، استغرق " جونز " القليل من الوقت قبل أن يعرفَ بأن من ينتفضَ هو جسد هذا الرجلْ ، لابد وبأنه تحامل على نفسه كثيرا قبلَ أنْ يفكر بالمجيء ، قشعريرة غريبة استولت على " مانويل " جعلته ينتفض من مكانه سريعا وكأن تلك الكلماتِ كانت بمثابة طعنات تصيبُ تطلعاته التيْ أفنى عمره من أجل الوصول إليها ، قوة غريبة جعلته يقفز واقفا وقبل أن يستدير " إيرل " له حتى شعر بأصابع غليظة تُحكم على عنقه بقسوة مانعة إيَّاه من التقاطِ أنفاسه ، خُيِّلَ إلى " إيرل " بأن هذه الأصواتْ هيْ أنفاس الرجل المتهدجة وتلك النغزاتِ الحادة ما هيَّ إلا منْ عينيه اللتين كادتا تدميانه ، راح ذلك الرجل يهتفُ بعدة كلماتِ متوعدة لم يستطع " إيرل " فهمها بسبب انفعاله الشديد ، صرخَ جانبُ وجهه مستنجدا في اللحظة التيْ رحبَّ بها بقبضة ذلك الرجل بحفاوةْ ، إلا أن أمنيَّة " مانويل " في إيساع " إيرل " ضربا لم تتحقق بسبب ذراعيْ " جونز " اللتين راحتا تمسكانِ بجسد الرجل جاذبة إيَّاه للخروج و ليمنعه منْ ارتكابِ جريمة في حق سيده بالصغير ، بالرغم من أنه سيكون سعيدا لو رأى لصاقات الجروح على ملامحه المغترَّة المزعجة ، تنفس " إيرل " بعمقْ قبلَ أن يرميْ بجسده على الأريكة خلفه محاولا التقاط أنفاسه ، ضغط على شفتيه بقوة قبلَ أن ترتفع كفيه ممسكة برأسه في الوقت الذي أحسَّ فيه وكأن وخزاتِ من الإبر تغرس في رأسه حتى أنه بدأ يشعر ببصره يضعف قليلا ، مموها ، من غير المعقول أن تعود حالته السابقة ، فهو قد استطاع النجاة بأعجوبة ، عليه أن يحارب ليبقى واعيا ، لا ، لن يسمح لنفسه بأن يعود للعيشِ كما السابق ، لا مزيد من الدموع والصراخ لقد تخلص منهما بعد جهد جهيد ، كل ما عليه الآن ألا يجعل عينيه تغمضانْ ، إلا أنَّ لحظاتُ الألم تلك لم تمنعه من سماع هاتفه الذي اهتز بجانبه .. فجأة !..





لُندُنْ


صحيحٌ بأن الأيام الأولى كانت بمثابة العلقمِ على " جوليان " إلا أنه و بالتدريج أصبح معتادا على ما يجري هنا ، اكتشف بأن هذه الحياة ليست كما تمناها أو كما اعتقد في البداية أنها سهلة و سيستطيع التأقلم معها بكل سهولة ، بل على العكسْ هي تحتاج إلى كثير من الجَلَد والصبر ، لو فكر فيْ الأمر فسيجد بأنها ليست كحياته مع عمته فتلك الأيام كانت جحيما عليه ! ..
تحكم هذا المكان قوانين عدة ويتوجب عليه الالتزام بها إن كان يريد الحفاظ على ذلك الشيء أعلى رقبته بحسب تحذيرات السيد الأصلع " دوين " ذاك المزعج ، لم يستلطفه " جوليان " مطلقا أو بالأحرى لا يستطيع فهمه فبالرغم من أنه مرَّ أسبوع على مكوثه معه في ذات المنزلْ إلا أنَّه لا يعرفُ لمَ تقلبات مزاجه سريعة هكذا ، فأحيانا يكونُ كأيِّ أصلعِ عاديْ و نادرا ما يكون شخصا لطيفا وغالبا يًصبح ذلك الرجلَ الغامضْ ، آوه ، ذلك مرهق فعلا ، عليه أن يراقب علائم وجهه قبل التحدثِ معه ليعرفَ بأيِّ حالة هو !
القوانين المرهقة كالتالي : يجبُ عليه النهوض في الساعة الثامنة تماما ، أطباقُ الإفطار تكون فارغة ولامعة عندما ترسم عقارب الساعة الثامنة وخمس وثلاثين دقيقة ، بعد ذلك يقوم ببعض الأعمال الشاقة التي لا يعرف إن كان هنالك نفع منها ، يتوجب عليه إحضار ماء من بئر يبعد مسافة لا بأس بها عن المنزل ولذلك يتوجب عليه إهدار سبعة وعشرين دقيقة في الذهاب و أخرى في الإيَّاب ، ثم يتسلق بعضا من الأشجار القريبة ولكم يكون القفز من واحدة لأخرى عملا مرهقا بالنسبة إليه ، فعضلاته ليست بتلك المرونة فعلا ! ..
الأهمُ من هذا و ذاكْ هوَّ لمْ يمسك أو يلمح آلة للقتل في المكان ، بدأ يفكر منذ مدة أنهم ربما ينتظرون حتى يشتد قوامه ويصل إلى نصف ما يتحلون به من قوة ، ولكنه يرى بأنه قطع شوطا لا بأس به فالألم الذي يشعر به في جسده يعتبر إشارة و علامة جيدة ، حتى أنه بات يشعر باختلاف كبير ، تنفسَّ بشيءِّ من العمقْ قبلَ أن يرميَّ بجسده جالسا على الأرضية الصلبة ، هذا غير معقول ، تدريبات متواصلة ولا وقتَ مستقطع للراحة ، أفرج " جوليان " عن العديد من الأنفاسِ المتقطعة سريعا خشية أن يراه " دوين " لتؤلمه حرارة كلماته اللاذعة قبلَ أن يُتوسم ظهره من ذلك السوطِ الذي لا يغادر أصابعه !..


لمْ يكد يرفعُ كفيه نحو رأسه حتى تجمد في مكانه ولم يعد قادر على الحراك ، لماذا ؟ ، لماذا تسري تلك البرودة العجيبة في أطرافه ؟! بلْ لَِم سُلبَ القدرة على التفكير ؟! ، لقد تدربَ أيَّاما عديدة وساعات متواصلة فقط حتى يستطيع إمساكه بين أصابعه فلماذا يخافُ من صوته الآن ؟ ، صوته بدى أكثر قربا منه ، أدار رقبته يسارا وبتوجس أنزل بصره إلى حيث تستقر الرصاصة قرب ساقه اليسرى حيثُ تبعد مسافة إنشات بسيطة عنها ، ابتلع ريقه بصعوبة ، حالما التقطت أذنيه صوت الزناد خلفه ، كمن لم يجرب الحياة كمن يتشبث في آخر أمل له ، ارتجف " جوليان " وبدأ يتخبط يمينا وشمالا بمحاولات بائسة في التخلص من سيل الرصاصات التي صُوبت نحوه من مجهولْ ، مالأمر ؟ مالذي يجري معه ؟! ألمْ تجدي تدريباته السابقة نفعا ، ألا يُفترضً به الآن أن يهبَ واقفا ويتفادى تلك الرصاصات بمهارة بدلا من أن يتلوى على الأرض كسلحفاة أضاعت طريقها ، غير معقول ، لا يستطيع أن يصدق ، بعد أسبوع مضنِّ من التدريب والعمل الشاقْ لم تثمر جهوده بل وكأنه لمْ يتعلم القفز بمرونة من مكانِّ لآخر ، هذا مرعبْ ، الخوفْ ياله من شعُور ، من شأنِه أن يجعل قلبه يرتعد وكأن تنفسه على وشك الانقطاع ، تصلب في مكانه منبطحا على الأرض يحتضن قدميه إليه بينما يرفع ذراعيه ليحيطها برأسه ، فلا فائدة ترجى من لوم نفسه الآن ، إن كانت تدريباته لم تثمر فليستسلم وحسبْ ! ..
شيء غريب ، في الوقت الذي توقف فيه عن الحركة حتى توقفت معه أيضا تلك الرصاصات الطائشة ، يغمض عينيه بقوة خشية أن تخترق رصاصة غادرة ظهره ولكن لم يحصل شيء بعد مرور أكثر من ثوان ، التقط العديد من الأنفاس الضائعة قبل أن يرفع جسده ببطء ويزحف عدة خطوات للأمام إلا أنه وفور أن فعل حتى أطلقت رصاصة قريبة منه ، أطلق العديد من الشهقات الفزعة قبل أن يعود إلى حالته السابقة ، فزعا و خائفا مترقب لما قد يحصل لاحقا ، أفلتت تلك الضحكات المستمتعة من خلفه وقد بدت أكثر قربا كذلك خطوات شقت طريقها نحوه ، توقف عن تلك الأنفاس اللاهثة في الوقت الذي شعر بقدم أحدهم تضرب ظهره برفق فيم هتف صوت رجولي من خلفه بشيء من السخرية : لا أستطيع التصديق ! ، هل أنت المتدرب الجديد ؟ أنت حتى فقدت قدرتك على الوقوف قبل لحظات ! ..


انتصب " جوليان " من مكانه جالسا قاصدًا بذلك إبعاد قدم الأحمق من على ظهره ، أغمض عينيه ببطء قبل أن يرفع كفَّه ويتحسس قلبه ، ذلك جيد ، لا يزال ينبض ولم يسقطْ من مكانه ! ..
عادتْ أذنيه تلتقط تلك الضحكات الساخرة من خلفه ليدير جسده صوب الشخصِ الثانيْ والذي تطاول عليه بإهانته بهذه الطريقة ، رفع رقبته وهوَ ينظر لشخصِ طويل القامة تظهر عروق رقبته بارزة أسفل قميص صيفي أسود غير مزرر ، كما لو أن لون العسل و سواد الليل اتحدَّا بانسجام لتظهر مقلتيه الماكرتين بهذه القتامة والخبث ، يتناثر شعره متفاوت الطول حول ملامحه الإنجليزية شديدة الحدة ، تنفس بعمق قبل أن ينزل بصره إلى حيث تستكين تلك الآلة المريعة بين أصابع كفه بسهولة وكأن تلك الذراع اعتادت ثقله ليصبح جزءا منها ، تراجع ذلك الشاب – المريب – للخلف عدة خطوات قبل أن يرمي بالمسدس جانبا ويدخل كفه في جيب سرواله البلاتيني الطويل ، حدق " جوليان " فيه ببلاهة ولم يخطر له أن ينهض وينفد بجسده فقد يفكر هذا الشاب بترويعه مرة أخرى ، لكن ذلك لم يحصل ، قبض " جوليان " على ذرات التراب أسفل كفه بقوة عندما سمعه يهتف بنبرة خلت من الرفق واللطف ، نبرة لا تحمل للإنسانية معنى ، ربما يكون فحيح الأفعى هو الأقرب لها ، عاد ذلك الشعور المرعب يخط طريقه صوب قلب " جوليان " معلنا بذلك بدء سيمفونية أرهقته ، بدأت أنفاسه تعلو مع ارتجاف شفتيه أسفل مقلتيه التي راحت ترتعد خوفا من الشيء الواقف أمامه ، لقد تجاوز لقب " القاتل " بمراحل ، إنه .. إنه " وحش بشري " ، فلا أحد يملك هذه الملامح سوى شيطان لا تعرف الرحمة طريقها إليه ، انتفض جسد الشاب الواقف أمامه فور أن أشهر بوجهه خنجرا التمع إثر سقوط أشعة الشمس عليه ، تبعه صوته الذي بدى كهدير مخيف على مسامعه : دائما هناك حل بديل لفشل التصويبْ ، أستطيع انتزاع ما أريد بهذا النصل الحاد ! ..


لقد ظن بأن نهايته عند هذا الحد و توقع بأن الوقت لن يكفي ليستذكر جميع الأشخاص الذين التقاهم بحياته حتى ولو كانوا يعاملونه بسوء ، عمته .. " إيرما " .. زملاءه في الجامعة كذلك معلميه وأيضا والدته ، ضغط على شفتيه بقوة في الوقت الذي أدار عنقه صوب اليمين ينظر إلى " دوين " الذي صاح بالشاب أمامه بأن يتوقف عن المزاح ! ..
ما حصل قبل قليل كان مجرد .. مزحة ! ، إنها مزحة قاتلة ، استدار الشاب الذي دعاه " دوين " قبل قليل ب " سكُوت " ليدخل النصل إلى جيبه مرة أخرى فيم انحنى ليلتقط المسدس الذي ألقاه جانبا وابتسامته الساخرة لم تغادر شفتيه ، بقيت عيني " جوليان " معلقتين على قدمي الشاب أمامه متجاهلا اقتراب " دوين " له ، فما حصل قبل لحظات أكبر من أن يتحمله ، ما هي إلا ثوان صامتة حتى أحس بصاعقة تضرب وجنته ، اعتدل " دوين " في وقفته وأعاد كفه إلى حيث كانت من قبل في جيبي سرواله ، هتف بصوت لا يقل شراسة وغضبا : كيف لأحمق مثلك أن يظل واقفا في مكانه بلا حراك ؟ أي جنون تلبسك ؟ ما فائدة تدريباتك المتواصلة طوال الأسبوع الفائت ؟ أخبرني ، لقد بقيت ترتجف كالطفل الخائف ؟ ، لا تنتظر المساعدة من أحد فأنت وحدك قررت أن تسلك هذا الطريق ويجب عليك أن تتحمل تبعات قرارك ، لا مكان للجبناء في منزلي ، إن كنت غير قادر على التحمل فعد لتعيشَ حياتك التافهة كما اعتدتها ، جبان لا نفع منك ! ..





مع هبوط وارتفاع صدر الأصلع " دوين " اتضح بأنه بذل مجهودا لا بأس به ، لكنه لا يزال مستغربا من طريقة تدبُّر" جوليان " للأمور فما يحصل الآن يذكره بلقائه الأول معه ، فبالرغم من أنه حدَّثه عن أمر جماعتهم السريَّة وعن أهدافها ومهماتهم التي تنتهي بالقتل غالبا إلا أنه بقي هادئا بل و تناول الطعام المركون أمامه ، حالته تلك كالآن تماما ، إنه يجلس بانتصاب على الأرض وبلا حراك أيضا ، ترتجف عظام كتفيه خشية فيم احمر باطن كفيه من كثرة الضغط عليهما ، الإهانات هنا تقدم إليه على طبق من ذهب وكالأبله عليه أن يستمر في تقبلها ، بلا دفاع أو هجوم ، عليه أن يبقى مذلولا مهانا غير قادر على المطالبة بحقوقه المسلوبة ، ابتلع الأصلع " دوين " ريقه سريعا فيم عادت بسمة ماكرة مفاجئة تخط طريقها على ملامح " سكوت " الذي ظل واقفا بصمت ينظر إلى " جوليان " الذي رفع بصره صوب من أسمعه كلمات لاذعة قبل قليل ، الرغبة في القتل واضحة ، لقد اختفى بريق عينيه وحلت القتامة مكانها ، لاشيء غير الغضب والحقد ، الرغبة في إبادة أي شيء قد يقف أمامه ، هذا ما خالج " دوين " المذهولْ من التغير الذي طرأ على هذا الصبيْ ، كل شيء واضح في عينيه اللتين تكلمتا بدلا من أن يُتعب لسانه في التفوه بكلمات لنْ تنفع ، وبصمت سلبي نهض " جوليان " من مكانه ورسمت خطواته المتثاقلة طريقا صوب المنزل راغبا بذلك الاختلاء في نفسه وربما عاودت تلك الفكرة السوداوية استحلال عقله مرة أخرى !


راقب " سكوت " ذلك الشاب الغريب وهو يغلق الباب خلفه بقوة لينتقل بناظريه صوب " دوين " الذي كان موليَّا إياه ظهره ، تنفس بعمق قبل أن يدس كلتا كفيه بجيبي سرواله ويهتف بلا مبالاة : لقد تساءلت عن السبب الذي جعل " ويليام " يولي اهتماما كبيرا إلى هذا الطفل حتى أنه جَعْلِهٍ ينضم إلينا ، لكنني الآن لم أعد مستغربا ! ..
ارتخت كتفي " دوين " للأسفل وهدأت أعصابه المشدودة فلوهلة اعتقد بأن " جوليان " قد ينقض عليه ، وبظرفِ مفاجئ رسم ملامحَّا سعيدة مطمئنة على وجهه جعلت من تجاعيده المختفية أكثر بروزا ، ليظهر صوته الفخور بكلمات قليلة : كنت أعرف بأن هذا الصبي مختلف فهو وقبل كل شيء يمتلك رغبة ونزعة قوية في داخله ! ..
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag

التعديل الأخير تم بواسطة غسَقْ | ; 04-25-2016 الساعة 08:00 PM
رد مع اقتباس
  #70  
قديم 04-25-2016, 07:57 PM
 




باريْسْ


القليل من الوقتِ فقط ، لمْ يمضِ الكثير من الوقتِ على موعد عودته إلى لندن ، كل ما يتوجبُ عليه فعلا هوَ إنهاء بعض الأمور البسيطة العالقة هنا حتى أنه وجدَ في دعوة " فانتين " اللطيفة سببا في الترويح عن نفسه قليلا ، وقدْ يُغير هذا من مزاجه الذي تعكر صباحًا ، زيارة بعض أقربائها فرصة جيدة ، ففي النهاية هو أراد التقرب أكثر من السيد " ألبرتين " وعائلته لكنه لم يتوقع بأن الأمر سيكون بهذه البساطة ، حتى وإن لم تقم " فانتين " بهذه البادرة هو كان سيخلق العديد من الفرص فقط حتى يستطيع الاندماج معهم ، منذ نشأته وهو يحاول الحصول على كل ما يريد ، ليست غلطته إن وُلدَ طماعا أو أنانيا فالسيدة " لورينز " هيَّ التيْ ربَّته على ذلكْ ! ..
نهضت " فانتين " من على الأريكة المجاورة له فور أن دلفتْ فتاة حمراء الشعر متوسطة القامة إلى الغرفة ، تعانقت الفتاتين لوقتِ طويلْ وهما ترشقان بعضهما بعباراتِ محببة تخبر فيها إحداهما الأخرى عن مدى اشتياقها لها ، بعد ذلك استدارت " فانتين " صوبَ " إيرل " وقامت بدورها بالتعريفْ بعد أن أشارت عليه هاتفة لتلك الفتاة : عزيزتيْ " بيرناديت " أُعرفكِ على ضيفنا الشابْ إنَّه السيد " إيرل براسيت " ! ..


[ وجهها مليءُ بالنمشْ ] ، ذاكِ الذي خطر ببال " إيرل " الذيْ حاول كبتَ ضحكته على تعليقه – عديم الذوقِ – الذي صدح في دواخله ، ولكنه لمْ يكذبْ فوجنتيها حتى منتصف أنفها مليئتين به ، ولربما هذا ما جعل ملامحها الفرنسية تبدو أكثر خبثا ومكرَّا ، لا يشعر بالارتياح ، انحنى بنُبْل بعد أن التقط كفها وهتفَ بلباقة عاليَّة مخفيا شعوره الحقيقي : يسرني التعرف على أقرباء السيد ، آنسة " بيرناديت " ! ..
انتصب واقفا وحالما أفلت كفها حتى شعر بأصابعها تمسك كفه مرة أخرى وتهتف بتساؤلِ غريب : أنت من لندن أليس كذلك " إيرل " ؟! ..
لقد أسقطت كلمة [ سيد ] وعبارتها تفتقر إلى اللباقة ، ما بال هذه الفتاة ؟ ، تتصرف وكأنها على معرفة بع منذ مدة رغم أنه لم يلتق بها سوى الآن ، أخفى انزعاجه ببسمة صغيرة ظهرت على شفتيه ثم أماء بإيجاب كإجابة على سؤالها ، أجبرته على الجلوس لتجلس قريبا منه وتسأل بسعادة ظهرت بين كلماتها الغريبة : عظيم ، لطالما رغبت بالذهاب إلى هناك .. أتبعت بإسهاب استغربه : " إيرل " من فضلك أخبرني كيف هي لندن ؟ لا شك بأنها رائعة ، جميع أصدقائي استطاعوا زيارتها ، إنني أغبطهم ، ماذا عن منزلك ؟ أين تسكن ؟! ، هل هي فعلا مدينة الضباب كما يُقال ؟ .. أتبعت بقليل من الضجر : لم نغادر " ديجون " منذ مدة لذا أشعر بالضجر في كثير من الأحيان ، صحيح بأنني أمتلك معارفا هنا ولكنهم مملون ومضجرون ، بالطبع لست أقصد " فانتين " أو السيد فهما رائعين بحق ! ..



هذه الفتاة .. هذه الفتاة .. ثرثارة فعلا ، استغرق ثانيتين فقطْ حتى يستطيعَ التحكمَ بملامح وجهه ومبادرة ملامحها الشغوفة بذات البسمة الصغيرة المجاملة ، لنْ يكونَ قادرا على الخوضِ في حديثِ كهذا ، فهو لم يدخل في حديثِ فعلي مع فتاة من قبل ، إلا إن كان يخصُّ العمل ، لمْ يكن يعتقد بأنهن يمتلكن ألسنة كهذه ، لهذا تكره السيدة " لورينز " مجالسَ النساء وهو لنْ يستطيع لومها إن كن جميعهن على شاكلة " بيرناديت " هذه ، تنفس بعمقْ قبل أنْ ينظم مجموعة مفرداتِ لبقة فيْ ذهنه عله يصرف هذه الفتاة عنه قليلا ، إلا انه لمْ يكد يفتح فمه حتى لمح نظرات السخطْ تعلو وجهها ، أدار رقبته إلى حيثُ تنظر صوبَ الباب حيثُ تقفُ فتاة أخرى بدت أصغر من سنها ربما قليلا ، ليست قصيرة أو طويلة ، فستانها رثُّ قليلا ، وشعرها حالكً السواد جُمع بفوضوية خلف رقبتها ، ملامح وجهها لمْ تكن واضحة بسبب خصلات شعرها التيْ هطلت على وجهها بتمرد وكياسة ، تحملُ بين كفيها صينية عليها إبريقُ الشايْ ، شعر بأصابع " بيرناديت " تحتضنُ معطفه بقوة قبل أن تردف بنبرة منزعجة آمرة : " أوديت " بحقِ الله مالذي تفعلينه بوقوفكِ كالتمثال هناك ، تعاليْ وقدمي الشايْ حالا ! ..





لا يدريْ إن كانت ارتجافة الفتاة بسبب نظرته المطولة لها أمْ بسبب صوتِ هذه الببغاء بجانبه ، المهم بأنها تبدو غريبة فعلا ، نهضت " فانتين " من مكانها وتقدمت سريعا صوبَ تلك الفتاة لتحملَ صينية الشايْ من بين أصابعها ثمَّ تضعها جانبًا على طاولة التقديم أمامهما ، عادت لتحتضن كفيْ الفتاة بين أًصابعها باحتواء وتردف بنبرة ظهر فيها العطف واللطف كما هيَّ كلمات " فانتين " دائما : حبيبتي " أوديت " ، هل كنتِ بخير ، لم أركِ منذ مدة .. أردفت بعد أن رفعت كفها لتتلمس خصلات شعرها وبشيء من الاستغراب تساءلت : عزيزتي مالذيْ حلَّ بشعرك ، هل قصصته لمَ يبدو متفاوت الطولْ هكذا ! ..
هل ستجيبْ ؟ ، لا يعرفْ ولكن " بيرناديت " بجانبه عادت لتجيبَ بذاتِ النبرة المنزعجة الضجرة : لا تتعبيْ نفسكْ هيَّ لن تتكلم ، فهذه الفتاة مجنونة ، لولا كونها جيدة فيْ التنظيفِ والغسيلْ وإلا فإن مكانها سيكونُ بين القمامة فيْ الشوارع !
لقد طفح الكيل ، إنها تتلكم كثيرا ونبرة صوتها مزعجة حتى أنها تكاد تثقب أذنيه ، لمَ تحدثها بمثل هذا الشكلِ قليل الاحترامْ ، فور أن لاحظت " بيرناديت " نظرات الاثنان اللذان أخذا يرمقان تبدل مزاجها بهذه السرعة حتى تبسمت بشيءِّ من الارتباك وعادت تنظر صوبَ " إيرل " هاتفة بقليل من الخجلْ : هل تريد رؤية المكان حولَ المنزلْ ، هنالكَ حديقة غنَّاء جميلة أنا دائما ما أذهبُ إليها ، أراهنُ بأنها ستعجبكْ ، ما رأيك " إيرل " ! ..


عادت لتسقط لقب السيد مرة أخرى ، ما بال هذه الفتاة بحقِ الله ، تبسم متملصا من ذراعيها المزعجتين ليقف متوجها صوب " أوديت " كما يناديها الجميع ، قام بتحيتها كما فعل مع تلك الثرثارة هاتفا بأناقة كلماته : سرَّنيْ التعرفُ بكِ آنستيْ ! ..
ملمسُ كفيها خشنٌ فعلا ، لاشك وبأنها تعملُ وتبذل الكثير من الجهد فيْ هذا المكان ، كانَ هوَّ من لمْ يبعد كفه هذه المرة لتسحبَ " أوديت " أصابعها بسلاسة وتشبكَ كفيها مع بعضها بينما تطرق برأسها محرجة للأسفل ، عادت أصابعُ " فانتين " تداعبُ شعرها مرة أخرى وتقول مازحة : إنها تخجل كثيرا ، حتى أننيْ أشكُ بأنها حادثت شبانًا من قبل ، اعذرها من فضلك سيد " إيرل " ! ..
أنكستْ رأسها لأسفلَ بقوة هذه المرة وظهر احمرار وجنتيها جليًا أسفل سواد شعرها ، ممَ جعل " فانتين " تضحكُ بخفوتْ ويكتفيَّ الأخير ببسمة مجاملة ، هذه الفتاة مختلفة عن " بيرناديت " فهي لمْ تنبس بحرف واحد منذ دخولها ، حتى أنه بدأ يشك بأنها خرساء ، إنها تبدو أكثر لطفا ورقَّة ، وإلا لما قام السيد " ألبرتين " بتسمية القطعة النادرة تلك باسمها ، لتوه فقط تنبه على ذلك ، شيءٌّ كالقيود الغليظة عاد يطوق ذراعه مرة أخرى فيدير رقبته صوب من ارتدت ملامحها ثوب الغضب وكمْ بدت الغيرة جلية بين كلماتها ، فتستطرد بشيءِّ من القوة : " أوديت " أرضية الممرات وزجاج النوافذ يحتاج إلى تلميع ، لا أحبُ وقوفكِ هكذا ، بسرعة تحركِ ! ..


عدة أنفاس ملتوية خرجت من فاه تلك الصغيرة جعلتْ من " بيرناديت " تشتعل غضبا وقبل أنْ تعود لتأمرها بحقد ولؤم مرة أخرى حتى صدح صوتٌ قاسِّ اللهجة جعل من " أوديت " ترتعد خوفا : إنك مهملة ، كيفَ ترضينْ للضيوفِ بأن يروا المنزل بمثل هذه الحالة ، عوديْ للتنظيف سريعا ! ..
ما هي إلا ثوان حتى ظهر من خلف الباب الرئيسي للمنزل جسد ضخم لرجل بملابسَ مهندمة بسيطة ، لم تختلف ملامحه عن " بيرناديت " أبدا ، ذات المكر و الحدة والغضبْ ، اقترب أكثر من مكانه وقوفهم ، وهو يرمق الفتاة بحدة شديدة لدرجة أنها اعتصرت ثوبها الرث بين أصابعها خشية ، تدخلت " فانتين " هذه المرة وبملامح قلقة استطردت بارتباك : ولكن عم " أودريك " أنا أرغب في الحديث معها قليلا ..
تبدلت ملامح وجهه سريعا فور استدارة " فانتين " له ، وظهر صف أسنانه بعد أن أفرجت شفتيه عن بسمة غريبة ، ربَّت على رأسها هاتفا بقليل من اللطف المدَّعى كما اعتقد " إيرل " : تنتظرها الكثير من الأعمال ، تنتهي بعدها تحدثينها بكل ما تريدين ، أخبرتك بأنك قادرة على زيارتنا في أي وقت ترغيبن ! ..
لم يتعبُ عضلة لسانه في نطق كلمة أخرى بعد ، فكل ما فعله هوَّ أنه منح تلك الفتاة نظرة ساخطة جعلتها تتحركُ من مكانها سريعا وتختفيْ من أمامهمْ ، معاملة قاسية هل تعامل بمثل هذه الطريقة كل يوم لا شك وبأنها تقاسيْ الأمرين ، لوهلة غريبة راح يفكر لو أن السيدة لمْ تقم بتبنيه هل كان سيُعامل بمثل هذه الطريقة الوقحة يا ترى ؟ مجرد التفكير بالأمر أصابه بالصداع هو لن يستطيع تخيل الأمر حتى ، استدار صوب السيد " أودريك " بعد أن رسمَ بسمة مجاملة على وجهه : سيد " أودريك " أعرفك بنفسي .. رفع ذلك الرجل بصره صوبَ ناطق العبارة السابقة ليردف " إيرل " معرِّفا : أدعى " إيرل براسيت " .. وبكثير من العجرفة ونبرة لها مغزى وهدف معين أضاف : إلا أن الجميع يناديني بألقاب عدة العبقري و صانع النقود لكن للحق إن رغبت بمناداتي فأفضل لقب حفيد السيدة الأولى ! ..



صمت غريب ، صوت عقرب الثواني للساعة المعلقة على الحائط هو فقط من كان يسمع ، أن يُعرف المرء ذاته بتلك الطريقة لهو شيءٌ كافِ ليجعل الجميع يصمتون .. يحسدون ، لمْ تستطع " فانتين " فهم ما يرميْ إليه " إيرل " إلا أنها تعرف كفاية بأن هذه الطريقة لن تلقى إعجابَ السيد " أودريك " على الإطلاق ، أخذت تحدق فيه قليلا قبلَ أنْ تعود ببصرها للعمْ الذي أفرج عن ضحكة مريبة بين شفاهه المنحنيَّة بإعجابِ كبير ، بعدها مدَّ كفه صوب الشابِ هاتفا بفخر وإعجابِ كبيرين : وقوفك فيْ منزليْ لهو شيءٌ يشرفنيْ سيد " براسيت " ، أدعى " أودريك " سرنيْ لقاؤكْ ! ..
بعد مضيِّ القليل من الوقتْ عاد الجميع للجلوسِ فيْ أماكنهم بغرفة الجلوسْ ، ولازالت تلك الببغاء المزعجة تجلس جواره رغمَ انخراطها فيْ الحديثِ مع والدها و " فانتين " ، بالرغم من أنه لمْ يمض الكثير من الوقت على مجيئهم إلا أنه يرغب في الخروج من هنا سريعا ، الجلوس برفقة هذين الاثنين يخنقه فعلا ، تنفس بعمق متنبها لسؤال السيد " أودريك " له : هل ستطول مدة مكوثكَ هنا ، أيها الشابْ ! ..


الأب لا يختلف كثيرا عن ابنته ، هذا ما فكر فيه " إيرل " قبلَ أن يجيبَ بنبرة لا تخلو من الضجر رغم ملامحه الهادئة : ليس تماما عليَّ العودة إلى لندن فيْ نهاية هذا الأسبوع ! ..
عاد يشعر ب " بيرناديت " جانبه إذ أنها هتفت بقليل من الشوقْ والغبطة : في نهاية الأسبوع أيْ بعد أربعة أيام ، يا إلهيْ إنك محظوظ فعلا .. رفعت بصرها صوبَ والدها وهتفت بتضجر : ليتنا نستطيع زيارة لندن قريبا يا والدي ! ..




لُندنْ


المشاعر المضطربة في دواخله تؤلمه وتجعل تنفسه أقربُ للصعوبة من الممكن ، لقد خاطبَ نفسه مرات عديدة ليتوقف عن فعل هذا الأمر لكنه بالفعل أمر خارج عن استطاعته ، فمحاولاته البائسة تلك تعودُ إليه بالفشلْ ، نفثَ الدخانَ من فمه بعيدا ثم أرهق رقبته بالانحناء ويرميَّ سيجارة أخرى أسفل قدمه ، كم من الوقتِ يجبُ عليه الانتظار ؟ لا يعلمْ ، لقد تأخرت في العودة هذا اليومْ ، تأخرت لأكثر من عشرين دقيقة ، يأملُ بألا يحصل مكروهٌ لها ، لقد اعتاد انتظارها كلَ يومْ أسفلَ أحد الأشجار المحيطة بالمنزلِ الذي تقطنُ فيه ، وبسبب خروجه الدائم عن عمله في مثل هذا الوقتْ بدأ ذلك يزعجُ رئيسه و لربما يصفه الآن بالمزعج بدلا من لقب المدلل ، العملُ في المشفى أمر مرهقْ ويستنزفُ من يومه الكثير ، حتى أنه لمْ يعد يتذكر صوت والدته بشكل واضح ، عاد يزفر بضجر فيضربُ بقدمه الأرض بتباطؤ ، لمَ تحتم عليها أن تتأخر اليومْ ، فإن لمْ ترجع الآن قد يراه ذلك العجوز واقفا هنا ويرمقه بتلك العينين الساخطتين اللتين تجبرانه على العودة من حيثُ جاء ! ..


لقد تحققتْ أمنيته أخيرا ، هاهيَّ ذيْ ، إنها قادمة من بعيد ، تلك الفتاة المدللة التيْ تحبُ أنْ تقلقه كثيرا ، رأى بعض الأكياسِ التيْ تحملها بين أصابعه وكيسا فيه رغيفين من خبز فرنسيْ تحتضنه بذراعها الأخرى ، لا شك وبأنها ذهبت لشراء حاجيات المنزلْ ، آوه ، ياله من أحمق ! ، إنها تخرج في مثل هذا اليومِ كل أسبوع للتبضع ، لمْ يكن يتوجبُ عليه إهدار ساعة في انتظارها هنا أسفلَ شمسِ لا ترحم ، إنها فيْ ورطة فعلا ، فبالرغم من حذرها فيِّ شق طريقها إلى المنزلِ بدونِ أن تتسبب بضرر للأطعمة يعد شيئا جميلا تفخر به دائما إلا أنها هذه المرة تشعر وبأن الكيس فيْ ذراعها اليمين خفيف أكثر من المعتاد ، تباطأت قدميها عن الحركة وتمنت من أعماق قلبها أن يكونَ ما ظنته خاطئا ، أدارت عنقها صوب اليمين وحصل ما خشيته لقد كان الكيس مثقوبا والخضر التي ابتاعتها طازجة قبل لحظاتْ تقبل الأرضَ فرحا الآن خوفا من قدر به ماءٌ يغليْ ، لمح شفتيها المكتنزتين اللتين راحتا تندبان حظها التعسْ فيم تتحرك عينيها الصغيرتين في ملاحقة حبات الجزر التيْ سقطت قريبا منه ، بالرغم من صغر عمرها إلا أنها تحمل الكثير من المسؤوليات على عاتقها ، فالفتيات اللواتيْ بمثل عمرها بالطبع هنَّ لن يخرجن مرتدياتِ ثيابا بألوان غير زاهية رغم الراحة التي توفرها لها قطع الملابس تلك ، بشرتها فقدت نضرتها ومالت للشحوبِ أكثر ، الهالات السوداء أسفل عينيها وشعرها الفوضوي غير المرتبِ يضرب وجهها بخفة ، لونُ السماءُ بعد عاصفة رعدية ربما يكون ذلك أقربَ وصفِ للون عينيها المريبتين اللتين ورثتها عن والدتها روسية الأصلْ ، بالحديثِ عن عينيها هل تلك الحدقتين المتوسعتين ترقبانه فيْ استغرابْ الآن ! ..





أفلت حبات الخضر التي نعمت بدفء صدره قبل لحظات لتتناثر أخيرا على طاولة خشبية يدوية الصنع ، المنزل بالفعل يبدو فضل حالا رغم منظره لخارجي ، فبوجود تلك الأشجار المحيطة به يعتقد الناظر إليه من الوهلة الأولى بأن لا أحد يسكنه سوى الأشباح الطيبة ، تنبه لصوتها المبحوح الذي خرج في تساؤل منهك : علمت بأني رأيتك في مكان ما قبل الآن ، أذكر ذات مرة بأني رأيتك تخرج من الباب الخلفي للملجأ وعندما سألت السيدة " ليونيل " أخبرتني بأنك طبيب .. أتبعت في سرور بينما تملأ الإبريق ماءً وتضعه على النار : إنني بالفعل أغبط حسك الشريف بالمبادئ والقيم فاهتمامك بصحة أولئك الأشقياء الأطفال بدون مقبل لهو مدعاة للفخر يا سيد ! ..
لم تمد تخرج الكلمات من فاه الصغيرة المسكينة بسلاسة حتى شعرت بلون الاسوداد ينهال على مجال رؤيتها بلا استئذان مم جعل توازنها يخف تدريجيا ، تماسكت قليلا و في آخر لحظة حينما أمسكت بطرف الطاولة أمامها ، تنفست بعمق وأغمضت عينيها بقوة علها تسترد وعيها مجددا ، ارتجاف ساقيها منعها من الوقوف والحال التيْ كانت فيه قبل لحظات أفقدها مقدرتها عن السمع ، ذلك بات يحصل معها كثيرا في الآونة الأخيرة ، وعدم فقدنها لوعيها هذه المرة لهو شيءٌ يجب عليها أن تفخر به ، شعرت بذراع صلبة تحيط كتفيها بقوة حيثُ ساعدتها كثيرا في الوقوف ، إضافة إلى ذلك شعرت بأصابع غريبة عنها تضغط على جبينها بخفة ، مالأمر ؟ مالذي يحصل ؟ إنها بلا شك ستفقد وعيها الآن ، شعرت بذلك الشاب الطبيب يساعدها على الجلوسْ فيمَ بذلك استردت القليل من سمعها الراحلْ ، وسمعته يهتفُ بنبرة قلق واضحة : " إيرما " ..هل أنتِ بخير ؟ هل تسمعين صوتيْ ؟ إن كنت تفعلين فرجاءَّ أجيبيْ بإيماءة من رأسكْ ! ..


تعلقت عينيها على صاحبِ الملامح القلقة الذي تلتقيه لأول مرة ، وبالرغم من أن الوقت غير مناسبْ راحت تتساءل باستغرابِ عن قلقه المفاجئْ ، حركت رأسها بإيماءة تعني أجلْ و لا تدريْ إن كان ذلك الخطِ المستقيم على شفتيه ابتسامة أم لا ، استقام فيْ وقفته بعيدا عنها ، بعدها التقط ذراعها برفق وراح يقيسُ نبضها بأطراف أصابعه ، بينما تعانقُ عينيه الساعة الملفوفة حولَ معصمه بقلق ، بدأ تنفسها ينتظم أخيرا رغم الدوار البسيط أعلى رأسها ، لكم ترغب بكأس من الماء الدافئ الآن ، ابتعدت أصابعه عن ذراعها ليرفع كفه صوب جبينها ليعلم إن كانت تشعر بالبرد أم لا ! ..

أنزل بصره برفق صوب ملامحها التي تلونت باستغراب خائف فيم تحيط بأصابعها النحيلة معصمه برفق ، لتوه استوعب بأنه أقحم نفسه في مشكلة الآن ، مالذي يتوجب عليه فعله الآن ، أفلتت معصمه بتعب بينما رفعت بصرها صوب ملامح هادئة بثت الخوف والرهبة إلى قلبها ، حتى أنها شعرت بسبب تلك النظرتين الحادتين بثقل كبير يعلو لسانها منعها من طرح سؤال يحيرها ، أرادت أن تعرف فقط لمَ هو يعرف باسمها ؟ لمَ نظرة القلق في عينيه ؟ لمَ هو كان وقفا بالقربِ من منزلهم رغمَ أنه يقبع بعيدا عن الملجأ ؟! ..

شعورها بالخوفِ الآن لن يجدي ، لكنها مع ذلك فقدت القدرة عن الحديثْ ، لا تملك سوى النظر إلى زبرجديتيه الحادتين بخوفْ ، تتمنى أن ينتهي هذا الأمر على خير ، شعرت بحركة قريبة من الباب الرئيسيْ للمنزل لتدير عنقها بوجلْ صوب من وضع كومة حطبِ على الأرضْ قريبا من باب المطبخ بينما يظهر صوته المتعبْ من خلفِ ملامحه الباسمة فيْ بهجة : " إيرما " أينَ أنتِ ، سوف يعد لك والدك أطيب طعام هذا اليومْ ! ..

يقف بالقربِ من باب المطبخْ ، يرقبُ فتاته الغالية تنظر إليه بنظرة غريبة وكأنها تستغربُ وقوفه الهادئ هناك ، رفع كفه بإرهاقْ فيمسح قطرات العرق من على وجهه بمنشفة كانت متدلية حول عنقه على كتفيه العريضين ، ظهر صوته متسائلا في تعجبْ واضح : حبيبتي الصغيرة ؟ ..
هل ذلك الشابْ غير مرئيِّ أما ماذا ؟ أدارت عنقها سريعا أمامها لتفاجأ بأن ذلك الشابْ قد اختفى من مكانه ، غير معقول أين ذهب ، لم يدم استغرابه ذلك طويلا عند رؤيتها للباب الخلفي في المطبخ مفتوح على مصراعيه ، ولكن لماذا ؟ ، لماذا توجبَ والدها المجيءُ في هذه اللحظة ؟ لماذا توجبَ على ذلك الشابِ أن يهربْ ؟ هنالك الكثير من الأشياء التي يجبُ أن تسألها عنه ، أفاقت من تساؤلاتها الغريبة تلك حالما صدح الإبريق يصرخ باستنجاد أعلى لهيبِ نار أوجعه ! ..




تمًَّ البارت الثامن
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم

Sleeping Beauty | Ghasag
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أنصت لترانيم الأمل و انسجم مع صيحات الألم ترانيم الأمل | Corsica مدونات الأعضاء 48 12-04-2015 12:04 PM
سيبقى الأمل .. لننسى الألم رنا حسن نثر و خواطر .. عذب الكلام ... 0 06-14-2012 05:16 PM
قبل أن تيأس ..الأمل الأخير حمزه عمر نور الإسلام - 1 12-02-2007 10:52 PM


الساعة الآن 11:44 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011