عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي > روايات الأنيمي المكتملة

Like Tree632Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 9 تصويتات, المعدل 4.56. انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 05-16-2016, 07:48 PM
 





الفصل التاسع عشر





صاح جوني : لا أصدق ! هل هذه أنت فعلاً ؟!

فأطبقت ويندي فمه بيدها و همست : أخفض صوتك ! سيسمعك أؤلئك الرجال !

و تحدثت فلورا و عيناها مفتوحتان على اتساعهما من الدهشة : ويندي ! ما الذي حصل لك ؟!! وما هذا الشكل الجديد ؟!! تبدين مثل رجال العصابات ! لم أكن لأستطيع التعرف عليك لولا الأغنية التي اعتدنا نحن و جيسيكا ترديدها في الروضة !

ضحكت ويندي باستمتاع بالغ ، ثم قالت بابتهاج : حقاً ؟! لقد غيرت مظهري كيلا يتعرف الناس علي من جهة ، و نوع من التغير من جهة أخرى .. ما رأيكما ؟! ألا أبدو رائعة ؟!

كانت قد قصت شعرها -القصير أصلاً- و رفعت معظمه عن جبهتها لتبدو كالرجال تماماً ! هذا بالإضافة إلى طبقات من المساحيق التي وضعت لتغطي ملامحها الأنثوية ، و تظهرها أكبر سنا مما هي عليه في الحقيقة !

عبس صديقاها في عدم موافقة.. و قال جوني متهكما : رائعة ؟! لا أظنني كنت سأستخدم كلمة كهذه لوصفك !

فمطت ويندي شفتيها كالأطفال ، و قالت ببعض الاستياء : تبا ! ألا تعرفان كيف تجاملان على الأقل ؟!

فهتف جوني معنفا و قد ثار فيه الغضب : نجاملك ؟! أين تعيشين أنت ؟! الشرطة تطاردك ، و تنشر صورك في كل مكان كمشتبه أول في ارتكاب جريمة ، و أنت تجلسين هنا بلا مبالاة و كل ما يشغلك هو تصفيف شعرك ؟!

و هزت فلورا رأسها بقوة و أضافت : نعم ، جوني محق ! ماذا فعلت ليحدث كل ذلك ؟! و لماذا تهربين من الشرطة ؟! نحن نعلم أنك لم تقتلي الدكتور !


حينئذ التفت ويندي نحو الساحر الذي كان يجلس بهدوء ، و يطالعهم بنظرة غامضة ممسكا بيده كأساً من شراب قرمزي اللون ، ثم عاودت النظر إلى رفيقيها لكن بطريقة مختلفة كلياً ! فهذه المرة كانت نظراتها حادة صارمة ! قالت بنبرة قوية حازمة و هي تلتقط من الرف زجاجة من الحبوب :
سيأخذ كل منكما حبة من هذه .. ستشعران بالدوار و الغثيان ثم تفقدان الإدراك لثلاث ساعات تقريباً بعدها سيعود كل شيء كما كان ! لقد قلنا أننا سنمسح ذاكرتيكما ، لذا يجب أن تبدوا كذلك فعلاً حتى يصدقوا الأمر و يرتكوكما تذهبان !

هدر جوني قائلاً : ماذا ؟! من تظنين نفسك حتى تملي علينا ما نفعل ! نحن لن نذهب من هنا إلا و أنت معنا !

وافقته فلورا : هذا أكيد ! أنت لم تجيبي عن أسئلتنا حتى ، و تزعمين أننا أصدقاء ؟!

فتنهدت ويندي ثم فكت وثاقهما ، و قالت بنفاذ صبر : اسمعاني جيداً ! يجب أن تعودا إلى بريطانيا فوراً ! أما أنا فسألحق بكما بعد فترة ، فليس من الصواب الظهور هكذا فجأة بعد اختفاء تام و نحن نواجه أعداء لا يؤمن شرهم بأي حال ! إضافة إلى ذلك.. هناك ما يتحتم علي القيام به هنا !

و مرت فترة قصيرة من صمت ثقيل قبل أن يقول جوني حائراً : من تقصدين بالأعداء ؟! و ما هو الشيء الذي يتوجب عليك فعله ؟!

و همست فلورا و قد لاح على وجهها بعض الخوف : هل يمكن .. أن يكون رجال الشرطة متورطين في هذه القضية ؟!! <ثم اقتربت من ويندي ، و وضعت يدها على كتفها برفق و قالت بتوسل : ويندي أخبرينا أرجوك ! ألا تثقين بنا ؟!!


أطرقت ويندي رأسها.. بينما هتف جوني مستدركا أمرا ما : لحظة ! إن كان الشرطة أعداءك.. فهل يمكن أنك ...

لحظتها تبسمت ويندي ابتسامة خفيفة ، و قالت بصوت جلد : نعم ، الأمر تماماً كما خمنت ! أنا الآن أعادي العالم بأسره .. لأقف إلى جانب "ظلي" !!!
إنه ظلي كما تعلم ! و بدونه لن يكون لي وجود !!


حدقا فيها و هما لا يصدقان ما يسمعان.. و همس جوني مشدوها : أنت.. هل تقصدين أنك انضممت إليه ... إلى الكونت دراكولا ؟!!

رفعت ويندي أحد حاجبيها في تفاجؤ ، و سرعان ما قالت بمكر : جوني ! كيف علمت عن الكونت ؟! ألم تطلب مني التوقف عن التحقيق في أمره و الالتفات إلى مستقبلي ؟!!

احمر وجه المعني و كساه الارتباك : الأمر ليس.. ليس كما تظنين أيتها الحمقاء ! لدي صديق من الشرطة و هو من حدثني عنه..

فقالت فلورا بابتسامة خبيثة : لا أدري لم أشعر أنك ذلك الشرطي ؟!

- هذا ليس مهماً الآن ! لا تغيري الموضوع أيتها المزعجة ، و أجيبي عن سؤالي ! هل أصبحت فعلاً في صف العقارب ؟!


فأطلقت ويندي ضحكة قصيرة خافتة.. ثم قالت بابتسامة غامضة :
لقد أخبرتك ! أنا إلى جانب ظلي !! <سكتت لبرهة ثم عادت تقول سارحة النظرات : لقد كنت مخطئة.. مخطئة حين ظننت أني فقدته ، و بدأت ببلاهة رحلة بحث طويلة عنه بينما كان هو على الدوام متواجدا بقربي !! لكن ذلك الظلام الحالك أعمى بصيرتي ، و أوهمني أنه اختفى و أنا قبلت بذلك دون تأكد ! أما الآن و بعد أن خرجت إلى النور .. فقد عدت أبصره مجدداً !!


و تطلعت إلى وجهي صديقيها و بعد لحظات قصيرة من الصمت المطبق صاح جوني و هو لا يكاد يفهم شيئا : ما هذا بحق الله ؟!! تحدثي بوضوح ! لم أفهم أي شيء !

و ما كان منها غير أن تبسمت بحزن ، ثم قالت و دموع عينيها تلمع على ضوء الشموع :
لقد قلت لكما سابقاً في أول مرة بعد رؤيتي له .. أن صوته كان متحشرجا مبحوحا.. فهل تدركان سبب ذلك ؟!! <أمعنا النظر فيها بحيرة و فضول ، فاستطردت و دمعة تسيل على خدها : لأنه .. كان يبكي !! بكى ساعات و ساعات و هو مدفون تحت الأرض .. حتى أوشك نفسه على الانقطاع !!


و تحررت فلورا عندها من رباط الصمت : هل اكتشفت كل ذلك.. فقط من حمالة الهاتف التي أخرجناها من البئر ؟!!

هزت ويندي رأسها ببطء تنفي ذلك : لا.. لقد أكدت شكوكي فقط..

و قال جوني مبهور الأنفاس : إذن.. فشادو كان مرميا في تلك البئر ، و ليس مدفونا في الأرض كما تصورنا في البداية !!

- نعم.. لقد أوحت لي قصة البئر القديمة في قريتنا بهذه الفكرة.. لذا أرسلت إليكما لتبحثا فيها عما يمكن أن يثبت صحة توقعاتي من عدمها !

- إذن.. فأنت تعرفين الآن هوية الكونت ؟!!

جففت ويندي الدموع المتأرجحة على على أطراف جفونها ، و قالت بابتسامة باهتة : أنا لا أعلم شيئا.. لقد وجدت ظلي فقط !!

فقطبت فلورا جبينها و قالت بصوت مرتعد : لماذا تتحدثين.. هكذا ؟!! أنت.. لا يمكن أن تقصدي..

- بلى .. ذاك ما عنيته !! أنا لا أعرف الكونت ، لكني أعرف شادو !!
ذلك أنهما شخصان مختلفان !!!

نظر صديقاها إلى بعضهما و الصدمة قد خطفت صوتيهما.. و حين أفلح جوني في استعادة صوته خرج مرتعشا : لكن.. كيف ذلك ؟!!

و تحدثت فلورا بالنبرة ذاتها : من منهما إذن.. هو الذي قتل الأثرياء الخمسة ؟!!

أجابت ويندي بتأني : الكونت هو من فعل ذلك !!

فصاح جوني و رأسه يكاد ينفجر : كيف هذا ؟!! أليس شادو هو من رأيناه تلك الليلة يهدد بقتلهم ؟!!

- نعم ، كان شادو هو المهدد !! لكن الكونت هو المنفذ !!!


فسألت فلورا و قد تضاربت أفكارها : لكن لماذا ؟!! و كيف علم الكونت بالأمر بهذه السرعة ؟!! هل يعملان معاً ؟!!

و كشرت ويندي بطريقة غريبة و قالت : لا.. كل منهما يعمل لوحده ! و الكونت لم يكن يعلم .. حتى أخبره شخص أحمق دون أن يدري ، و ذلك الشخص … كان أنا !!! <بدرت عنها ضحكة ساخرة و أضافت : ما أعجب القدر ! ذهبنا إليهم لتحذيرهم لكن في الحقيقة نحن < و أنا بالذات > من كان سبب موتهم !!


حينذاك تهالك صديقاها على الأرض.. و قالت فلورا بعينين شاخصتين : مستحيل ! لا أصدق !

و أردف جوني بصدمة لا تقل عنها : لكني لا أفهم .. لم ارتكب الكونت الجرائم التي كان شادو يخطط لارتكابها ؟!!


رفعت ويندي بصرها إلى السقف و تنهدت : لا أدري ! بل إن شادو نفسه لا يدرك السبب يقينا !! لقد صعق تماماً حين سمع بموت الخمسة ، و عرف أن هناك من اقترف الجريمة مكانه !!

انتبهت فلورا لشيء في كلامها فسألت : ويندي ! هل التقيت بشادو ؟!!


أغمضت ويندي عينيها في هدوء و سكون .. لتعود بذاكرتها إلى الليلة التي التقت فيها به :


انطلقت الكلمة على لسانها دون إدراك ، و الدموع تعتصر في عينيها : شادو !!

كان الرجال المسلحون الذين جاؤوا لقتلها ممددون على الأرض بلا حراك ، و قد اختلطت دماؤهم مع بعضها !
و شادو بمسدسيه الذين لم يزل الدخان ينبعث منهما يقف أمامها !

صدمت و ارتعدت في آن واحد حين رأت وجهه الذي أضاءه نور البدر.. لم تر في حياتها كلها وجهاً خالياً من الحياة مثله ! وجه شاحب شفاف و نظرات ميتة .. كان أقرب للأشباح من البشر الأحياء !!

نطق بصوت جليدي مبحوح يخلو من المشاعر : شادو ؟! هل كنت تدعينني بهذا الاسم ؟! إنه غريب .. لكنه يلائمني كثيراً .. فأنا مجرد ظل أسود لإنسان كان موجوداً يوما ما..

و رافقت كلماته قطرات من الدموع شقت طريقها بغزارة عبر وجهها .. لم تعرف لماذا لكن صوته آلمها بشدة !
أمعن النظر فيها يستنكر بكائها ، و قال بهدوء : لماذا البكاء ؟! منذ أول مرة رأيتك فيها و أنت تبكين ! ألا يوجد شيء آخر أكثر فائدة لتفعليه ؟!! < رمى بأحد مسدسيه إليها و قال : أبقي هذا عندك ! قد تضطرين إلى استخدامه في وقت ما !

ظهر عندها ثلاثة رجال ، و أخذوا بسحب الجثث بعيداً ، و أدار شادو ظهره لها ليلحق بهم .. لكنها استوقفته بقولها : انتظر ! < وقفت على قدميها ، و اقتربت خطوتين منه ، ثم قالت و هي تمسح دموعها : أنا .. أريد الذهاب معك !!

اكتسحت الدهشة نظراته المصوبة نحوها و قال : تذهبين معي ؟!!

- نعم ، أريد أن أكون إلى جانبك !!

زاد عجبه أكثر و هو يقول : ما الذي تقولينه ؟!!

و ألحت ويندي في إصرار : أريد أن أكون في صفك ! أريد أن أكون حليفة و صديقة لك !!

فتلاشت عندها كل آمارات الدهشة من وجهه ، و كسا البرود صوته ، و بهتت عيناه أكثر : صديق ؟!! بما أنك اكتشفت هويتي وحقيقة ما حدث معي .. فإنك تعلمين دون شك .. أني قتلت آخر صديق لي !!
أنا شخص سيء ! سيء إلى أبعد الحدود ! و من الحماقة أن تطلبي صداقتي ! فلا تعلمين في أي لحظة قد أزرع رصاصة في رأسك !!


صاحت في وجهه بحنق بالغ : هذا ليس صحيحا … و إلا لماذا أنقذتني ؟!! كنت تمد يد العون لي دائماً و تساعدني ، مع أني قد أشكل خطراً كبيراً على حياتك ! لكنك لم تأبه لذلك و أنقذتني مرارا ! في هذه الليلة ! و قبلها في لندن حين سحبتني قبل أن تدهسني السيارة ، ثم حذرتني من باتون ، و طلبت مني توخي الحذر و عدم الوثوق بأحد !!

ثم أطرقت و أردفت بأسى : و قد كنت محقاً.. بينما كنت أنا ساذجة !
تحدثت مع الكثيرين أحببتهم ، و أعطيتهم ثقتي .. مع أنه كان يجدر بي أن أحذر و آخذ حيطتي إلا أني لم أفعل !
الجميع يكلمونني بود ، و ينظرون إلي بعطف ، و خلف ظهورهم يقبضون بقوة على خناجرهم و ينتظرون اللحظة المناسبة ليغرسوها في ظهري ! وهو .. كان منهم ! الدكتور كروست كان منهم ، أليس كذلك ؟!!

التزم الصمت و لم يحر جوابا فعادت تقول بألم :
كان قلبي ينبؤني بهذا على الدوام ! فهو لم يكن يعاملني كمساعدة أبدا ، و لم يطلعني و لو مرة على خططه أو أفعاله ! بل كان يترك لي الحرية في فعل ما أريد ، كما لو كان ينتظر مني حركة أو قولاً يمكن أن يفيده !!


ظل شادو واقفاً في محله مديراً لها ظهره بسكون.. فتحدثت ويندي وهي تمنع بصعوبة نفسها من البكاء :
أنا لا أستطيع العودة إلى أي مكان ! إنهم يريدون قتلي ، و إن رجعت إلى قريتي فسأجعل حياة أسرتي و أصدقائي في خطر محدق ! و أؤلئك المحققون لم يعد في إمكاني الوثوق بهم ! أنت وحدك من أثق به حقاً !!


فكسر حينها جدار صمته و قال دون أن يلتفت إليها : أنت عجيبة فعلاً !
لا بأس.. إن كنت مصرة على مرافقتي ، فأنا لن أمنعك لكن عليك تحمل العواقب دون تذمر !

ابتسمت ويندي بحبور و مسحت دموعها بكم قميصها : أعدك بأني سأنفذ كل تعليماتك ، و لن أكون مزعجة !


أخرج هاتفه المحمول ، و تحدث أثناء تصفحه سجل الأسماء المدونة فيه :
حسناً في هذه الحالة يجب أن نستبدلك بشخص آخر ! فمن المثير للريبة أن تختفي دون سابق إنذار ! منتحل شخصيات محترف سيتنكر بشكلك ، و يدخل بينهم ، أولاً ليجمع المعلومات عنهم وعن الدكتور كروست بشكل خاص ! و ثانياً ليقوم ببعض الحركات و الأفعال - أمليها عليه أنا - و التي سيكون الهدف منها إقناع المنظمة بعدم وجود أي علاقة بينك و بين العقارب ، حتى يطمئنوا من ناحيتك ، و تتمكنين بعدها من العودة بسلام إلى قريتك ! إذن.. هل توافقين على ذلك ؟!!

أومأت ويندي بثقة : نعم أنا موافقة !




مرت برهة من صمت مثقل بالذهول .. ثم تكلمت فلورا :
أنا لا أكاد أصدق ما يجري ! هل كان شادو من يساعدك كل هذه المدة ؟!!

أومأت ويندي في تأكيد ، فأضاف جوني متسائلا : و ما الذي ستفعلينه ببقائك معه ؟!!

شدت على قبضتها و قالت بعزم : أريد أن أنقذه من الجحيم الذي يحبس نفسه فيه !! لقد توقف الوقت عنده على الثامن من يوليو قبل أربع سنوات ، و روحه للآن لا تزال مدفونة في أعماق البئر المظلمة !!


و في لحظة فراغ ويندي من حديثها استدارت فلورا نحو رانكورت الذي قارب أن يغفو على كرسيه من الملل ، ثم قالت فجأة و هي تغطي فمها بيدها في اندهاش : لا يمكن أن يكون الساحر رانكورت هو شادو !!


و ضحكت ويندي ملء شدقيها ، و قالت ساخرة : هذا مستحيل ! ذلك الدجال لا يمكن أن يكون شادو !!

فحدجها رانكورت بنظرة تقريع حادة ، ثم قال بهدوء يواري غضبه : لا تستخفي بي يا وجه النحس ! صحيح أني لا أستطيع انتزاع الذكريات ، لكن في ميسوري اقتلاع لسانك الطويل هذا و في الحال !!

ضحكت ويندي مجدداً ثم قالت : حسناً أعترف أنك مفيد في بعض الأحيان ! فلولاك ما كنت لأستطيع إنقاذ هذين الإثنين !


بعد ذلك أخرجت حبتين من زجاجة الحبوب في يدها ، و قالت برجاء : و الآن أرجوكما ثقا بي و خذا هاتين الحبتين ! يجب أن نسرع حتى لا يشتبهوا في أمرنا !

قال جوني معترضا : لكننا لا نستطيع ترك وحدك.. هذا خطر جداً !

فحاولت ويندي طمأنته بابتسامة عذبة : لا تقلق علي ! أنا لا أريد أن أموت ! هذه المرة.. سأكون حذرة فعلاً ! وبعد أن ينتهي كل هذا.. سأعود إلى قريتي ثانية ! والآن هيا بسرعة ! فهم ينتظرون منذ مدة !

مد كل منهما يده ، و تناول حبة واحدة ، و قبل أن يسري مفعولها عانقتها فلورا بحنان و قالت برقة : سنكون في انتظارك لا تتأخري !

أما جوني فتحدث بلطف على غير عادته : اعتني بنفسك .. و عودي سالمة !

فتبسمت ويندي بمحبة و تفاؤل : أعدكما بذلك صديقاي ! شكراً لكما !


و بعد خمس دقائق..
بدأت أعراض الحبوب تظهر .. و صار الاثنان يشعران بالدوار ، و يفقدان توازنهما !
فخرجت ويندي -وقد عادت إلى دور روميو الهادئ- وجلبت أؤلئك الرجال الذين قادوا صديقيها إلى السيارة !


و إثر ساعة من الانتظار وصلت إلى ويندي رسالة من أحد جواسيس شادو و كان مفادها :
"الأرنبان بخير وهما الآن نائمان في القفص"

فضحكت ، و عرفت أن صديقيها على ما يرام و هما في هذا الوقت يستريحان في الفندق !


غدا منزل رانكورت فارغاً بعدما غادره رجال المنظمة !
فجلست ويندي في الصالة المشمسة الفسيحة ، و فتحت حقيبتها لتخرج منها صندوقا خشبيا جميلاً ، فتحت غطاءه و أدارت مفتاحه الجانبي ذهبي اللون .. لتصدر منه موسيقى جميلة هادئة تبعث على الراحة و الطمأنينة !
أغمضت عينيها و استرخت بسعادة فوق الأريكة الوثيرة.. كانت هذه الموسيقى تعجبها كثيراً !

غير أنها استمتاعها لم يدم طويلا ، فسرعان ما فتحت عينيها بإنزعاج ، و وجدت رانكورت يقف عند رأسها و يرمقها بنظرة باردة !

قالت ويندي بجفاء : ماذا ؟!

أجاب رانكورت و هو يثني ذراعيه : حسناً.. لا يعقل أن تقيمي في منزل فاخر مثل هذا دون مقابل أليس كذلك ؟! أنت الآن روميو خادمي و مرافقي ! لذا انهضي وأحضري لي كوبا من القهوة و لا تضعي السكر فيها !

ثم جلس بغرور على الأريكة نفسها و وضع ساقه فوق الأخرى ، بينما تأففت ويندي و قامت على مضض..
جلبت له كوبا مليئا بقهوة سوداء مرة ، و حين وضعته على الطاولة أمامه انتبهت إلى أنه يحمل صندوق الموسيقى بين يديه ، فانقضت عليه و انتزعته منه بسرعة خاطفة جعلته يجفل !

قال في استياء كبير : ما بك انقضضتي علي كالوحش ؟!! كنت أشاهده فقط !

و تحدثت ويندي بانزعاج طفل من آخر يلعب بألعابه : إنه شيء ثمين للغاية ! و اللمس ممنوع !

قال رانكورت ببرود : حقا ؟! من أين حصلتي عليه حتى يكون بهذه القيمة ؟!!

لاحت آمارات الأسى على وجهها ، و هي تقول : إنه لشادو !! لقد رأيته موضوعاً على المنضدة في شقته ، و حين أبديت إعجابي به قال بلا اكتراث : "يمكنك أخذه إن أردت ، كنت سأرميه على أية حال.."
لكن لماذا يرمي شيئاً جميلاً مثل هذا ؟!! إنه يعمل جيداً ، و ليس مكسورا و لا مهترءا .. فلماذا يفعل ذلك ؟!!

هز رانكورت كتفيه و قال : و ما المهم في ذلك ؟!! ربما ضجر منه فقط !

فاعترضت ويندي بحدة : لا الأمر ليس هكذا ! أنت لم تسمع صوته و هو يقول ذلك ! كان شيئاً قيما جداً بالنسبة له ، لكنه أراد التخلص منه لينسى ماضيا يتعلق به ! و في الحقيقة لهذا السبب قبلت أخذه ! فأنا أريده أن يستعيد إحساسه بالحياة ، و يستمع مجدداً إلى هذه الموسيقى الجميلة !

تنهد رانكورت : هل حقاً تظنين أن هذا ممكن ؟!! هل تحسبين أن بضع كلمات منك قد تردعه عن هدفه و تعيد إليه ما فقد ؟!! إنه الآن ليس أكثر من حطام إنسان ! يهيم في الأرض كروح تائهة !

قالت ويندي بحزم : أنا لن أستسلم مهما حصل ! ولن أتركه حتى يرجع إنساناً منتعش الروح كما كان في السابق !

- ما تريدينه لا يكون بالضرورة ما يحدث في الواقع ! على كل.. افعلي ما يحلو لك فهذا ليس من شأني !

رمقته بنظراة غاضبة و قالت بنبرة توبيخ : ألا يهمك أمره ؟!!

و تحدث رانكورت بصدق : أكذب إن قلت بلى ! إن العلاقة بيني و بينه لا تعدو أكثر من تبادل مصالح ! كلانا يستغل الآخر ليحقق مراده !

قطبت ويندي جبينها وقالت بفظاظة : وما هو مرادك أنت ؟!!

أجاب رانكورت ببساطة : أن أعيش ! كنت أعمل مع المافيا الإيطالية قبل بضع سنوات مضت ، كما أني تسترت على بعض المجرمين ، لذلك فإن الكونت يعدني عدواً له ، و يضع اسمي في قائمته السوداء ! و لأجل حماية نفسي اختبأت في إحدى القرى الإيطالية النائية ، و غيرت اسمي ، و أجريت عملية جراحية لوجهي.. كل هذا حتى أنجو بحياتي منه ! لكن و لسوء حظي فقد ولدت بنزعة غريبة ، فأنا رغم كل المخاطر لا أطيق أن أبعد نفسي عن مجرى الأحداث ، و أفوت عليها مشاهدة مباشرة للحرب المدمرة التي تحصل الآن ! لهذا السبب عدت إلى فرنسا بجنسية إيطالية متخفيا تحت ستار الفن و الأزياء !
و في إحدى الليالي .. كنت في تلك الغرفة المعتمة أقوم بآخر جلسة تحضير لي كساحر ! إذ واتتني رغبة ملحة في أن أعرف ماذا سيحدث لي و ماذا سيكون مصيري ! <ضحك ساخراً من نفسه و أردف : كم كنت بائساً وقتها ! بقيت جالساً في مكاني أنتظر الإجابة بلا جدوى .. حتى سمعت أخيرا صوتاً ما ! أنصت بكامل انتباهي لأدرك أنه كان صوت خطوات ! بعدها سمعت صوتاً لضحكة رهيبة تقترب تبعتها كلمات مرعبة : "تريد شيطانا ؟! لقد حصلت على واحد !"
و لم أكد أحرك إصبعا حتى أمسكت رأسي قبضة قوية جعلت دمائي تتجمد و جسدي يرتجف !
و عاد صوته يقول : "مثير للشفقة ! تظن أن في مقدورك معرفة ما سيحصل في المستقبل ، و أنت حتى لم تدرك تسللي إلى غرفتك ! إن كنت حقاً تريد النجاة.. فكل ما عليك هو أن تتبعني و تنفذ أوامري !"

قلت له : لكن.. هل تستطيع إنقاذي من الكونت ؟!!
أجابني بثقة و قوة : "نعم ! إن صرت إلى جانبي فلن يمس شعرة منك !"
لذلك قبلت عرضه و أصبحت في صفه ! شعرت بأنه يعني تماماً ما يقول ! و لا أظنني كنت مخطئا في إحساسي ذاك !
فالكونت قد صفح عن حياة أحدهم فورا.. حين طلب شادو ذلك منه !!

اتسعت عيناها في ذهول و قالت : مستحيل ! و.. من هو ذلك الشخص الذي كان الكونت ينوي قتله ؟!!

ابتسم رانكورت و قال : أنت !!

تضاربت أحرف كلماتها من الصدمة حينما قالت : لكن.. لماذا.. يريد قتلي ؟!!

تنهد رانكورت و أرجع رأسه للخلف : لا أعلم تماما .. هذا لغر من كثير من الألغاز التي تحيط بهذا الكونت !!



⭐⭐⭐⭐


في زاوية ما داخل غرفة واسعة مليئة بالحواسيب والشاشات الضخمة.. سحب إنزو كرسيا و جلس فوقه متربعا !
فرقع أصابعه ، و قال و هو يشتعل حماسا : و الآن.. لنبدأ العمل !


بعيداً عنه.. في مبنى ضخم في إحدى ضواحي المدينة الأقل ازدحاما.. كانت كوبرا جالسة في مكتب كبير فاره تنظر بترقب إلى المدينة تحتها عبر الجدار الزجاجي وراء المكتب !

طرق الباب ، ثم ولج إلى الداخل رجلان.. قال أحدهما و هو يضع على مكتبها علبة كحلية اللون :
هذا هو ما أردته سيدتي ! لقد استغرق صنعه وقتا طويلاً لكننا انتهينا منه أخيراً و هو جاهز للعمل في أي وقت تشائين !

التقطت كوبرا العلبة ، و فتحتها لتخرج منها سوارا فضي اللون مصنوع من مادة مطاطية غريبة !
قالت و هي تثبته حول معصمها : جيد ! يمكنكما الذهاب .. لكن قبل ذلك أخبراني.. كيف هو حال فأرنا الصغير ؟! و هل أفصح عن بعض ما يعرف ؟!!

قال الرجل نفسه : لا سيدتي إنه عنيد للغاية ، لم ينبس بحرف واحد !

فتبسمت كوبرا بمكر و قالت : حسناً.. إن آلويس يعرف تماماً كيف يربي كلابه !

و قامت من مقعدها و هي تقول : لنذهب إلى غرفة المراقبة !


خرجت من مكتبها يتبعها الرجلان.. إلى غرفة المراقبة حيث يجلس عدد من الأشخاص أمام شاشات كثيرة ترصد و تنقل كل ما يجري داخل المبنى !
دخلت كوبرا فنهض الجالسون احتراماً ثم عادوا إلى عملهم..
أما هي فظلت تنظر طوال الوقت إلى الشاشة التي يظهر فيها آوتنبورغ مستلقيا بإنهاك على سرير رديء في زنزانة ضيقة بلا نوافذ !


تلك الزنزانة توجد في أسفل طابق للمبنى ، و يحرسها رجلان صلبان قويا البنية !
تحرك أحدهما فجأة و التفت يميناً.. كان هناك رجل برفقة ممرضتين قادم باتجاههما.. و حين دنا من الحارسين أخرج بطاقة هويته ، و أراها لهما و هو يقول بصوت جهوري : أمرت سيدتي كوبرا بمعالجة السجين ، و تقديم الدواء له فقد رأت أن حالته تسوء كثيراً و هي تريده أن يبقى حياً !

استرق أحد الحارسين نظرة إلى داخل الزنزانة من فتحة صغيرة أعلى الباب ، ثم هز رأسه موافقا : نعم إنه يبدو مريضاً..

ثم فتح لهم الباب و تنحى جانباً.. فدخل الرجل أولاً و لحقته الفتاتان بعد ذلك !

أغلق الحارس الباب خلفهما و قال مستنكرا : ممرضتان جميلتان كهاتين للاعتناء بأسير من الأعداء ؟! لا أدري هل هو في سجن أم فندق خمس نجوم ؟!

أومأ الآخر موافقا و أضاف : نعم خصوصا الشقراء منهما ! جميلة و خجولة !

و ضحك الأول ساخراً : لكنها لا تجيد بتاتاً المشي بالكعب العالي ! بدت مضحكة جداً و هي تتمايل في مشيتها كالدجاجة العرجاء !

كانا يتحدثان بأريحية و دون أن يخفضا صوتيهما.. فتمكنت الممرضان داخل الزنزانة من سماع حديثهما كاملا !

لكزت بنية الشعر رفيقتها الشقراء و هي تكاد تختنق من الضحك ، و قالت بنفس متقطع : قلت لك.. أن ترفعي رأسك ، و تجعلي ظهرك مستقيماً و أنت تمشين ! لكنك مع هذا حصلت على معجبك الأول.. تهانينا !

شاركها الرجل الآخر الضحك ، بينما رمقتها الشقراء بنظرة مخيفة تلتهب فيها نيران الغضب و همست من بين أسنانها : سأقتلك إن لم توقفي هذا.. يا وجه الكنغر !!


لم تكترث إلسا لتهديده بل زادت ضحكاتها أكثر و هي تتذكر كيف جعلته يرتدي شعر أشقر مستعار ، و كيف صبغت وجهه بمختلف مساحيق التجميل ، ثم جلست تضحك عليه و هو يتدرب على المشي بالكعب العالي ! كان بلا شك أروع يوم في حياتها و لا يمكن أن تنساه !

رفع آوتنبورغ رأسه من الوسادة و قال مقطب الجبين : يا إلهي ألم يجد سيدي غير القط و الفأر ليرسلهما إلي ؟!! <نهض جالسا ثم التفت إلى الرجل الآخر و أضاف : آه .. لا شك أنك سيباستيان ! على الأقل شخص عاقل قد أتى !


حدق آليكسي إلى الكدمات على وجه آوتنبورغ و قال شامتا : أوه لقد أبرحوك ضرباً أيها السحلية المسكين ! يا ليت لو قطعوا لسانك أيضاً !

ضحكت إلسا و قالت : لأول مرة أتفق معك !


بعد دقائق قليلة .. سمع الحارسان صرخة عالية من داخل الزنزانة ، فأسرعا لفتح الباب ثم نفذا إليها ، و ما إن اقتربا من السرير الذي كان آوتنبورغ ممدا بجواره حتى بوغتا بضربة من الخلف على رأس كل منهما ، و سقطا على الأرض فاقدا الوعي !

قالت إلسا بمرح و هي تنفض يديها : و الآن يجب أن نغادر !

خرج الأربعة من الغرفة بعد أن تنكر آوتنبورغ بزي أحد الحراس .. و بدؤوا يقطعون الممر متجهين إلى الدرج بخطوات سريعة.. ثم فوجئوا بشخص يقف في آخر الممر و يسد طريقهم !!

تبسم و قال : لم العجلة يا أعزائي ؟!!

و كشر آوتنبورغ في تحد و إثارة : مرحباً بالأفعى !

صفقت كوبرا بيديها و قالت بإعجاب ملحوظ : خطة ذكية بالفعل ! لقد تسلل أحد رفاقكم إلى نظامنا و عبث بأجهزة المراقبة بطريقة عبقرية حقاً ! و لم يلحظ أحد شيئاً إطلاقاً ! لكن للأسف.. مهما فعلتم لن تستطيعوا خداعي أنا !

و قالت عندها إلسا مكلمة آليكسي : لا شك أننا كشفنا بسببك ! قلت لك مراراً أن تلبس التنورة !
فتحدث المعني بنظرة قاتلة جعلها تضحك في سرها : كلمة أخرى و أكون أول عقرب يقتل زميلا له !

قال سيباستيان بحماس : أنت الكوبرا إذن !

ضحكت كوبرا بغرور و هي ترفع مسدسها نحوهم : نعم أنا الكوبرا التي ستبتلع كل العقارب !!

و أخرج آليكسي من جيبه ثلاث كرات معدنية صغيرة ، و قال بابتسامة واثقة و في عينيه تلوح نظرات متعطشة للدماء : تلك العقارب الصغيرة ستمزق أحشائك و تحشو سمومها في عروقك أيتها الحية البائسة !

ثم رمى بالكرات عليها ، غير أنها تجنبتها بوثبة رشيقة ، و تبسمت في سخرية.. لكن ابتسامتها سرعان ما تلاشت ! إذ حين لامست الكرات الأرض اندفع منها بغزارة غاز أصفر اللون !!

غطت كوبرا فمها و أنفها بيدها ، و حاولت الفرار من موجة الغاز التي شقت طريقه في الجو و بدأت تنتشر بسرعة كبيرة !

قال سيباستيان : هناك طريق آخر في الجهة المقابلة لنسرع !

و انطلق الأربعة بأقصى سرعة ليعودوا من الطريق الذي جاؤوا منه !
و أسرعت كوبرا خلفهم ، و أطلقت ناحيتهم عدة رصاصات و هي تهتف :
ليس بهذه السرعة !

فاستدار آليكسي نحوها.. ثم التفت لرفاقه قائلا : اسبقوني أنتم و سألحق بكم بعد دقيقتين !
تردد سيباستيان و بدا عليه القلق ثم تنهد و قال : حسناً .. لا تتأخر !


ذهب الثلاثة.. و بقي آليكسي وحده مواجها لكوبرا.. فخلع الشعر المستعار و رماه بعيداً !
ضحكت كوبرا قائلة باستخفاف : تضحي بنفسك من أجلهم ؟!!

ابتسم آليكسي و قال : لا ، لست شهما إلى هذه الدرجة !

- حقاً ؟! ماذا تسمي هذا إذن ؟!!


رفعت مسدسها و صوبته على كتفه .. لم تكن تنو قتله إذ كانت في حاجة لأسير تستخرج منه المعلومات.. و رغم أنه كان أعزل تماما فقد ظل ثابتاً في مكانه و لم تفارقه ابتسامته الواثقة ، بل اتسعت أكثر.. حين سقط مسدس كوبرا من يدها !!

حدقت في يديها مشدوهة.. كانتا ترتعشان بشدة لدرجة أنها فقدت كل سيطرة عليهما !! و ليست يداها فحسب بل ساقاها كذلك !! و أخذت تفقد توازنها شيئا فشيئاً و تترنح حتى هوت إلى الأرض و كأنها غصن شجرة مكسور !!


تحدثت بصعوبة و علامات الدهشة تلوح في عينيها الشاخصتين : ما.. هذا ؟!! ما الذي.. فعلته.. بي ؟!!


اقترب آليكسي بخطوات هادئة و هو يقول : إنه الغاز يا عزيزتي !!

قالت بذهول : كيف ؟!! لم أستنشق منه !!

فابتسم بدهاء شديد : نعم هذا ما توقعت أن تفكري فيه ! فأي إنسان حالما يبصر غازا يتسرب فإنه يسارع إلى تغطية فمه و أنفه ! ولكن غازي هذا مميز جداً ! فمهما فعلت لن تستطيعي حماية نفسك منه ، فهو يدخل من مسامات الجلد و يسبب شللا مؤقتاً في أطراف الجسم ! وبالطبع لن يؤثر علي ، فقد دهنت جسمي بمسحوق كيميائي خاص يغلق المسامات ويمنع اختراق الجلد !


فقالت دون أن تستطيع منع نفسها من الانبهار بقدراته :
لا أصدق أنه من صنعك ! أنت.. لم تبلغ حتى العشرين من عمرك !!

قال آليكسي باعتزاز و هو يقف أمامها مباشرة :
ليس غريباً.. فأنا ملك السموم !!

ثم التقط مسدسها ، و قال و هو يتفحصه بنظراته : هيه ! مع أنني قاتل محترف إلا أنه لم يسبق لي أن حملت هذا الشيء ! إنه لا يروقني لكني مع ذلك <وجه فوهته نحو رأسها و قال بابتسامة شيطانية : لا أمانع استخدامه الآن !!

و لدهشته.. لم ترتعب كوبرا بل تبسمت في ثقة لا متناهية !!


"توقف آليكسي ! لا تفعل !"

جاء هذا الصوت من السماعة المثبتة في أذن آليكسي اليمنى ! كان المتحدث هو إنزو !

سأله آليكسي بحنق طفيف : و لماذا ؟!

- "تلك المرأة.. إنها مجنونة بمعنى الكلمة !! ذاك السوار غريب الشكل حول معصمها.. هو في الحقيقة جهاز تفجير قنابل !!!"

- ماذا ؟!!

- "نعم ، لقد عرفت بالأمر حين اخترقت نظامهم ، و عثرت على ملفات و أبحاث حوله ! هذا السوار يقيس النبض ، وإذا ما قتلتها و توقف نبضها.. سينفجر المبنى بأسره !!!"


حملق آليكسي فيها غير مصدق و قال : أنت أيها الحية المخبولة ! هل زرعت القنابل في كل أرجاء المبنى ؟!!!

أطلقت كوبرا ضحكة خافتة و قالت بنبرة مخيفة : إن كنت سأموت لا محالة ، فأقل ما يمكنني فعله هو جر أعدائي معي إلى الهاوية !!

عاد صوت إنزو ليقول : "آليكسي ! اتركها و إلحق بالباقين فلا وقت لتضيعه !"

- حسناً.. سيكون لنا لقاء آخر أيتها الحية !


ثم خلع الكعب العالي و بدأ الركض حافيا !
تنفس الصعداء و قفز في الهواء في راحة غامرة : ييه ! يا إلهي ! و أخيراً نالت قدماي الحرية ! كاد ينقصم ظهري بسبب الحذاء المريع ! كيف تستطيع تلك المخلوقات العجيبة المشي بشيء كهذا ؟!!


*****

بعد دقائق من ذلك.. عاد النظام يعمل مجدداً بعد أن نجح إنزو ببراعة في اختراقه و العبث به دون شك من رجال المنظمة !
فأدركوا -حين لاحظوا الاختلاف الهائل بين الصور الحالية و ما كانوا يشهادونه- الخدعة التي انطلت عليهم بسهولة ، و هرع رجال كوبرا و معهم بيكارت بأقصى سرعة إلى الطابق الأسفل !


حين وصلوا .. لم يجدوا سوى زعيمتهم التي كانت ممددة على الأرض الباردة !
اقترب بيكارت منها و قال في شيء من السخرية : أوه لا تزالين حية كما يبدو !

و قالت كوبرا بصوت متهالك من التعب : اصمت ! لقد تأخرتم.. كثيراً حتى اكتشفتم.. الأمر أيها الحمقى !

رد بيكارت مبتسما في مرح : اعذرينا من فضلك ! فنحن كما تعلمين لسنا في مستوى ذكائك !

و مد ذراعيه ليرفعها من الأرض.. عندها جاء أحد الرجال يركض و هو يقول : هناك سيارة إسعاف قد غادرت قبل ثوان من أمام المبنى ، و قد أرسلنا خمس سيارات خلفها ! فمن المؤكد أن أؤلئك العقارب فيها !

قال بيكارت بجدية و هو يحمل كوبرا بين ذراعيه : جيد ! استمروا في مطاردتهم حتى تمسكوا بهم جميعاً !

- حاضر !



واصلت السيارات ملاحقتها لسيارة الإسعاف.. حتى بلغوا المشفى ، فتوقفت جميعاً !
و خرج الرجال المسلحون و قاموا بمحاصرة سيارة الإسعاف ، و هم يشهرون أسلحتهم !
تقدم أحدهم و صاح : اخرجوا جميعكم ! أنتم محاصرون !


ففتحت أبواب السيارة ، و خرج منها ثلاثة أشخاص ! رجل بدين في الخمسينيات و كان السائق ، و مسعف عادي المظهر ، و ممرضة دميمة !

أخفض الرجل سلاحه وقال متعجبا : ما هذا ؟!! قالوا أنهم أربعة ، فتاة جميلة و ثلاثة رجال ! <سكت لوهلة ثم سأل أؤلئك الثلاثة بفظاظة : ماذا كنتم تفعلون أمام المبنى ؟!!

فأجاب المسعف الخائف بتلعثم : لقد.. لقد تلقينا اتصالا بأن هناك مريضاً في حال حرجة هناك يا سيدي ! لكن حالما وصلنا إلى المكان اتصل الشخص نفسه و اتهمنا بالتأخير ! ثم قال أنهم تدبروا الأمر ، و نقلوا المريض إلى المشفى بإحدى سياراتهم !

صاح الرجل مذهولا : ماذا ؟!! إذن فأؤلئك الشياطين.. كانوا لا يزالون في المبنى !! اللعنة ! لقد خدوعنا !!



في هذا الوقت كان العقارب الأربعة قد غادروا المبنى فعلاً !

و هم في السيارة التفت آليكسي لينظر إلى ذلك المبنى للمرة الأخيرة ، و أخرج لسانه ساخراً و قال : أغبياء و ستبقون كذلك إلى الأبد !

قال آوتنبورغ متنهدا : نعم إنهم أغبياء ، لكن تلك الحية ليست كذلك على الإطلاق !

و قال السائق : ربما تكون ذكية فعلاً ، لكنها لن تصل مهما حدث لمستوى الكونت !

أيده آوتنبورغ لكن دون اقتناع كامل : بالطبع .. لا شك في ذلك.. <أضاف و هو يلتفت نحو السائق : بالمناسبة متى وصلت إلى باريس.. يا إيريك ؟!!

أجاب إيريك بهدوء دون أن يحول بصره عن عجلة القيادة : صباح اليوم ! فغداً كما تعرف سيكون لدينا اجتماع هام !

أردف سيباستيان مؤكدا : أهم اجتماع على الإطلاق ! حيث سيلم شمل كل العقارب لأول مرة !!











رد مع اقتباس
  #102  
قديم 05-16-2016, 09:25 PM
 


السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
ارجو ان تكوني بخير و كل امورك مضبوطة و ايضا بصحة جيدة
سأبدأ اولا بالرد على ردك على ردي <<افهميلي هذه السلسلة ثم افهميني اياها ههههه
انا بخير شكرا لك ..مادمت تضعين الفصول و تردين على ردي بهذه الكلمات الجميلة
التي تسعدني على الدوام ساكون بخير عزيزتي
صراحة سر ردي السريع ..هو انني ادخل مباشرة من المدرسة و لا القي حتى التحية و اتوجه مباشرة
الى هاتفي او اي جهاز متوفر اصادفه في طريقي ...
عندما ياتي الاثنين ..ليلة الاحد سأطير من الفرحة و اردد على كل من اراهم في المنزل"غدا بارت باحثا عن ظلي"
و يوم الاثنين طباحا "مساءا بارت باحثا عن ظلي" و هكذا الى ان اجد البارت ..
و اليوم لا دراسة لان غدا تبدأ الاختبارات ..لم استطع ان ادرس ابدا ..كل ثانية احدث الصفحة ..اقصد صفحة روايتك
انتظر البارت ههههه
و انا مستعدة لهذه الصدمات لا تقلقي...و لكن اجعليها خفيفة علي لأن قلبي لن يتحمل ..هههه
اتفق معك ..اوتنبورغ ليس له تلك الجاذبية ..لا اقصد جاذبية الأرض <<اعلم انك فهمتها بالشكل الصحيح و لكنني اتفلسف احيانا..!
لا ..انا لا أنس ابدا الشخصيات ..-حدث ذلك مرة عندما نسيت اسم جوزيف لا الشخصية ..!-
و خاصة اذا كانت شخصية من شخصيات روايتك المميزة فهي سترسخ تلقائيا في ذهني
حسنا ..الكوبرا احببت ذكاءها حقا و لكنني لم احبها كشخصية امم لا اعلم كيف اصف ارجو انك فهمتي قصدي
اه الشكوك التي تحدثت عنها ..نسيتها لأسف ..او تناسيتها لانها على الاغلب ستجعلك تضحكين و تستهزئين بي مع انني
اعلم ان سلوكك الراقي لن يؤهلك لفعل ذلك
اما بالنسبة للتغير الذي طرأ على شخصيتي ، لا تقلقي فهو ايجابي اذا استثنينا ذلك الكلام الذي اصرع به اخوي و والدي كلما قارب الاثنين..لقد اشرت اليه في بداية الرد..ههههه!
لا تشكريني مجددا على المديح ..فكل هذا لا يكفيك
بل انا من يجب عليها شكرك لتلك القيمة التي تولينها لردودي البسيطة و الوقت الذي تنفقينه للرد عليها
يا الهي اخجلتني بهذا الاطراء المفاجئ ..صراحة الجميع يقول هذا خاصة عندما اقضي كل اليوم اقرأ الروايات او اشاهد الانمي و في الأخير اكون الاولى في صفي..انا احيانا اتعجب من نفسي..!!
يا الهي لا زلت تذكرين ذلك الرد ...سحقا له ! صراحة و انا انتظر وضعك البارت ..ذهبت لاعادة القاء نظرة على ردودي السابقة في روايتك و لكنني للاسف وجدتها غير مناسبة ابدا لما تقدمينه
انا خجلة منك يا فتاة ..لا تهتمي لنقدي ذاك فالخلل يكمن في انا كوني احرص على اصغر التفاصيل و الغير مهمة ايضا..!
طول ردودي لا تقلقي بشأنه ..فأنا لست ممن يقابلون العطاء بكلمة شكر في سطر فقط
فأنا لدي رواية و اعلم شعور الاحباط الذي يصيب اثر تلك الردود...اما بالنسبة للوقت فلا تقلقي
انا احفظ اماكن الحروف و اكتب بسرعة نسبيا ..لذا لا اشعر بالوقت..
شكرا لك عزيزتي مجددا على ردودك الجميلة ..اسعدتني بها ..لقد كررتها اكثر من مرة
تتنقل الى البارت الجديد..
او بالأحرى الى التحفة الجديدة المبهرة ..!
أحداث مشوقة جدا ..بارت مدهش، جميل جدا ،رائع ..!
حقا لم اعد اعلم ما أقول ..لا أعلم ماهي الكلمات التي يمكن ان تعبر عما بداخلي ..!
صحبح انني كنت اعلم ان شادو ليس الكونت ..! و لكنني لم اتوقع ابدا تلك القصة ..!
لا انكر انني شعرت بالسوء لتغيير ويندي لمظهرها ..اليغرا الاحمق يجبرها على خدمته ..سحقا له!
اه انا الى الآن لا أعلم لما طلبت ويندي من شادو ان تكون حليفته و صديقته ..!
صحيح انه انقذها في العديد من المواقف و لكن هذا ليس مبررا لتثق به لتلك الدرجة..!
الكونت الى الآن لازال المفضل عندي ..لا شادو و لا غيره سيحل مكانه..!
أهذا يعني ان ويندي ضد الكونت ..!؟ اظن انني بحاجة الى اعادة قراءة البارت ..!!
الكوبرا فعلا حية ذكية ..ذلك السوار ذو فائدة حقا ..طبعا لو اطلق عليها اليكسي
و اخيرا اوتنبورغ و تحريره من قبل سيبا و وجه الكنغر كما يناديها عزيزي اليكسي منتج السموم
او ملك السموم كما سمى نفسه ..! لا تتصورين كم اعجبني مشهد الممرضتين ..!
و اكثر ما اعجبني و شعرت انه خفيف الظل اليوم هو تأرجح اليكسي بالكعب العالي
و جملته الاخيرة "كيف تستطيع تلك المخلوقات العجيبة المشي بشيء كهذا ؟!!"
صراحة اليكسي ..لا استطيع الاجابة لانني لا ارتديه سوى في وقت قصير في الحفلات فقط!
اه شيء ارتحت له في الفصل ..ذلك المدعو اريك احببته لانه طمأنني بأن الكونت يبقى اشد ذكاءا من الكوبرا التي
لم احبها ابدا لأنها تريد التهام عقاربي.!
امنية ويندي الغريبة بان تغير شادو .. و احتفاظها بصندوق الموسيقى ذاك ...غريب مريب!
رفقا على عزيزتي لم اعد احتمل مزيدا من الصدمات
انتظر بفارغ الصبر البارت القادم ..لارى لمذا هذا الاجتماع المفاجئ لجميع العقارب و لاول مرة
اه نسيت..! لما الغى الكونت امر قتل ويندي فقط بطلب من شادو..!؟
انا حقا اقف عاجزة امام هذا البارت المدهش الذي تجاوز كل الحدود
اعذريني على الرد الغير منسق و لكنه صعب مع هذا الهاتف و لا استطيع انشاء خلفية به
ام نسي شو رأيك باسمي الجديد؟

تحياتي و فائق احترامي و اعجابي لك

Mygrace likes this.
رد مع اقتباس
  #103  
قديم 05-19-2016, 08:47 AM
 
انا متابعة جديدة للرواية وفي كل فصل اقراه يزيد اعجابي بك و انا اقرأ هذا الفصل الاخير كنت احضر كيف ساكتب ردا يليق بهذا الابداع ... الابداع المتناثر علي حسب قولك .. لكن نسيته كله عندما قرأت لم شمل العقراب 💜... حسنا شخصيتي للمفضلة هي الهر الابيض اليكسي " انه ابيض صحيح?" .. قررت ان اناده اما ايسي او هريّ الابيض " معذورة حب تملك " المهم القصة روعة روعة روعة " ولو كنتبتا روعة من الان حتي بكرة ما بتتوصف .. اخبريني ان كان لديك قصة اخري ساكون هناك في لحظات 💜 لكن اكثر ما اتمني معرفته ...ما هدف شادو ? ما الذي يريد فعله في هذه الحرب ... حرب العقراب و كوبرا والشرطة .. ما الذي يريده شادو ... ان كان الكونت قد حقق له انتقامه .. ما مساعه الجديد ?! المهم اتمني ان تقبلي مروري و اسفة علي الرد عديم الفائدة ... لكنه حقا لا يصف ما اقرأ و ما احس
دمتي بخير 💜💜
Mygrace likes this.
رد مع اقتباس
  #104  
قديم 05-19-2016, 10:25 AM
 









سلام عليكم

لك قلم لا يجابه كالعادة... عقلي يود الإسترخاء ليستوعب كل ما يجري...

فهمت جملتك الآن حيث قلتي أننا في البداية!
بالضبط، نحن،مازلنا في المقدمات...ههههه

أن تكون ويندي هي روميو!... هذا سر هذه الأنشودة الطفولية إذا...

خدعت ثانية أليس كذلك؟!

تفسير الأحداث منطقي، أن يكون شادو هو المهدد و ساقط ببئر، بينما الكونت هو المنفذ..!
لا، و الكونت ما دخله بالتلاعب بشادوا؟





ولم ويندي متمسكة به و تنعته بظلها...إلا إذا كان كلارك،أقصد وليام...!

فنحن رأينا تحذيره لها صريحا ذات مرة...

لكن لم يرى نفسه سيئ، و الأهم أنه يقول أنه قتل أعز أصدقائه..!


و هي تود إرجاع روحه مثلا...مصطلح جديد أتيت به..ههههه

فهمنا سر السحر الخرافي أيضا..لعبة جيدة..!

أما الكوبرا فهي ليست هينة لكنها كما قلت لا تستطيع مجابهته بل الكونت من ، أعجبتني خدع هذه العصابتين، و شكل سيبا الجديد...

كل يجاري الآخر، سم ثم قنبلة...دعهم يلعبون على الحبل لنرى من المنتصر..

واضح أنه الكونت في رأيي من ناحيتهما طبعا..

لن أطيل أكثر ، فإبداعك لا ينتهي بتعليق سطور...


شكرا ..
Mygrace likes this.
رد مع اقتباس
  #105  
قديم 05-23-2016, 06:28 PM
 





الفصـل العشــرون





جلست ماريان مقطبة الجبين على الأريكة الكريمية الكبيرة .. ثنت ذراعيها و زفرت في سخط .
و بدرت من باتون الذي كان جالساً على يسارها ضحكة خافتة ، فالتفت إليه بحدة و قالت : ما الذي يضحكك أيها الإنكليزي المزعج ؟!

ارتبك باتون من تعابير وجهها المخيفة ، فأنقذه رفيقه الضخم بقوله بصوته الأجش الهادئ : ليس عليك أن تنزعجي هكذا يا ماريان !

قالت المعنية تنفس عن إستيائها : وكيف لا أنزعج يا غلبيرت و أنا لم أشترك في أي مهمة حقيقية منذ انضمامي للمنظمة ؟! < أضافت بخيبة و تحسر : لكم وددت الاشتراك في المهمة الأخيرة ضد تلك الحية !

تحدث باتون بابتسامة ذات مغزى : آه ، و لكن الكونت هو من قام باختيار العقارب لهذه المهمة !
توردت وجنتاها خجلاً و مطت شفتيها كطفلة مدللة وبخت من أبويها
، ثم قالت و قد خفف حياؤها من وطئة غضبها : إنني فقط ... أرغب في أن أكون مفيدة له !

تبسم غلبيرت و هو يسترخي على ظهر الاريكة و يفرد ذراعيه فوقها : لماذا تفكرين بطريقة سلبية ؟! ألا يمكن أنه يريد أن يبقيك بأمان و لا يرغب بتعريضك للخطر ؟!

وضعت ماريان يديها على خديها الذين احمرا بشدة و تمتمت باضطراب غير مصدقة : أنا .. يهتم ... بي ؟!! < ثم شرعت تهز رأسها بعنف نافية هذا الاحتمال و هي تردد بطريقة مضحكة : لا يمكن ! لا .. هذا مستحيل !

كتم غلبيرت ضحكته ، فلكزه باتون و همس له معاتبا : هل كان عليك قول ذلك ؟! ستصاب بسكتة قلبية لمجرد تفكيرها بالأمر !

كشر غلبيرت بخبث : لم يكن هناك حل آخر ! إما أن أقول ذلك ، أو تصرعنا هذه الماريان بتذمرها خمس سنين أخرى !


و توقفوا عن الكلام عند تلك اللحظة .. فقد انضم إلى مجلسهم الصغير شخص آخر !
كان آوتنبورغ الذي ارتمى على المقعد المقابل لباتون ، و قال بينما ينظر إلى الساعة في معصمه : تبقى أقل من ساعة على بدء الاجتماع <أضاف مخاطبا باتون : هل خطبتك جاهزة ؟!

-نعم بالتأكيد !

تساءلت ماريان موزعة نظراته المستغربة بينهم : أي خطبة ؟!

أجاب غلبيرت : لقد كلف باتون -وهو الأكثر بلاغة بيننا- بكتابة خطبة يلقيها على الأعضاء في أول الاجتماع تكون أشبه بمقدمة لكلمة الكونت.

التفتت ماريان ترمق باتون بنظرة إزدراء : آه..
و واجه المعني هذا الاحتقار من طرفها بابتسامة خفيفة هادئة.

تحدث غلبيرت موجها كلامه لآوتنبورغ : إذن.. حدثنا عن تلك الكوبرا ! كيف وجدتها ؟! و أي شخصية تملك ؟!

انحنى آوتنبورغ إلى الأمام و شبك أصابعه ثم قال نصف شارد : إنها الكوبرا ! هذه الكلمة وحدها تلخص كل شخصيتها و صفاتها ! <و دار بناظريه بين ماريان و غلبيرت : قالت أنها درست في مدرسة النجوم المضيئة و كان اسمها في ذلك الحين آنجيلينا .. هل تذكرونها ؟!

عقدت ماريان حاجبيها في تفكير ثم ردت باستغراب : لا أذكر فتاة كهذه !

أجاب غلبيرت بالمثل !

فتنهد آوتنبورغ : إيريك ، سيباستيان ، و آليكسي أيضا لا يتذكرون شيئاً عنها !

و حلت مدة قصيرة من الصمت قبل أن يسأل غلبيرت : هل أخبرت الكونت بذلك ؟!

- بالطبع فعلت !

و تدخلت ماريان باهتمام : و بماذا أجاب ؟!

فأطلق آوتنبورغ ضحكة تنم عن الخيبة : و ماذا تتوقعين من الكونت أن يقول ؟؟! ابتسم فقط و ظل صامتاً ، و تركني أتخبط في دوامة لا نهاية لها من الحيرة !


"أنا أتذكرها بشكل جيد !"

خرجت هذه الكلمات الواثقة من فم إنزو الذي تسلل كاللص إلى داخل الغرفة ! كان شابا أشقر ، نحيل الجسم ، طفولي الملامح ، تتوارى عيناه الرماديتان خلف نظارة فضية مستطيلة الشكل.

قال باتون مؤنبا : ألا يمكنك أن تدخل بطريقة طبيعية بدل التسلل بهذه الطريقة ؟!
ضحك إنزو و شبك يديه خلف ظهره قائلا : رأيتكم منغمسين في نقاش ساخن ، فارتأيت أن أدخل بهدوء كيلا أقاطعكم !

قال آوتنبورغ ببرود ساخر : يا لك من مهذب !

سأل غلبيرت بحماس : قلت أنك تتذكرها ؟!!

رمى إنزو بنفسه على أحد الكراسي الخشبية اللامعة و قال متباهيا بذكائه : نعم بالطبع فإنزو العبقري لا يفوته شيء أبداً ها ها ها !

تحدث باتون : أخبرنا إذن يا سيد عبقري !

فعدل المعني من وضع نظارته و تنحنح قائلا : كان اسمها أنجلينا .. أنجلينا فقط ! لم يكن لديها عائلة أو أقارب ، و عاشت طفولتها - قبل التحاقها بالمدرسة - في ملجأ للأيتام في ميلانو ! بالمناسبة كانت معك في الفصل ذاته يا ماريان !

فاتسعت عينا ماريان و ردت متفاجئة : حقاً ؟! لا يمكنني تذكرها أبداً !

ابتسم إنزو و أضاف : من الطبيعي ألا يتذكرها أحد ، فدائما ما كانت تبدو غير موجودة ! هادئة بشكل عجيب و لا تتحدث إلى أي إنسان ، و لهذا لم يكن في استطاعة أحد أن يعرف يقيناً شيئاً عن مشاعرها أو طباعها !

تنهد آوتنبورغ و قال بكآبة : إذن لا يوجد في ماضيها ما يمكن أن يفيدنا ، مجرد فتاة مجنونة تسعى لإثبات وجودها بمحاربتنا !

قال غلبيرت متفكراً : لابد أن الكونت يعرف شيئاً ! فلطالما كان مذهلا في سبر أغوار الناس و اختراق الحواجز التي يحيطون أنفسهم بها !

قال إنزو بشكل حماسي مفاجئ : لقد رأيتها تتحدث إلى الكونت في إحدى المرات !

ففغر الجميع أفواههم ، ثم هتفوا مذهولين : ماذا ؟!!

وثبت ماريان أمامه ، و أخذت تفترسه بنظراته السوداء و هي تقول : متى ؟! أين ؟! كيف ؟! و عن ماذا ؟!!

قال إنزو بخوف وقد أجفلته بحلقتها فيه : اجلسي في مكانك أولاً ! أنت ترعبينني !

تحركت ماريان ببطء ، و عادت للجلوس في مكانها دون أن تغير من نظراتها ، عندها تنهد إنزو و استطرد : حدث هذا عندما كنا في النجوم المضيئة بالطبع ! لم يكن بالحديث الطويل ، غير أني لم أستطع سماعه أو تخمين ما دار فيه ! فأنجلينا كانت تدير لي ظهرها ، لذلك لم أتمكن من رؤية تعابير وجهها !

عندها نهض آوتنبورغ قائلاً : سأذهب إليه لعل و عسى أن يخبرنا بعضاً مما يجول في ذهنه !

قالت ماريان ببرود : الزم مكانك ! فقد طلب الكونت ألا يدخل عليه أحد قبل بدء الاجتماع إلا عند الضرورة !

دمدم آوتنبورغ متجهما : حقاً ؟!

ثم عاود الجلوس في مكانه يعبس في ضيق و انزعاج.



بعد مضي بعض الوقت ، نهض الجميع و غادروا الغرفة قاصدين قاعة الإجتماع الواقعة في طابق كبير تحت الأرض أسفل القصر تماماً.

بخطوات سريعة متواترة أخذ الخمسة يجتازون الممر العريض ذي السقف العالي و النوافذ الطويلة التي ترسل الشمس عبرها أشعتها الدافئة.

ثم توقفوا في آخر الممر أمام مصعد واسع متطور ، و بينما هم يدخلون تبعهم ثلاثة آخرون !

قال آوتنبورغ متهكما : ثلاثي المشاكل قد أتى !

قال آليكسي بابتسامته القططية : ألا تعرف السحلية كيف تبقي لسانها في فمها ؟!

- قل ما شئت ! فلست آبه بالأطفال !

- هكذا إذن أيها البالغ الذي أُشبِع ضربا و أنقذه الأطفال !

انتفخ العرق النابض في صدغ آوتنبورغ .. كان من الواضح أن يستشيط غيظا غير أنه لم يثر و كبح جماح غضبه بعد جهد جهيد .

بضغطة زر من غلبيرت بدأ المصعد يهبط ، و في غضون خمس ثوان كانوا قد وصلوا إلى الطابق السفلي.
دون تأخير شرعوا يعبرون الرواق المحفوف بجدران ناصعة البياض و المفروشة أرضه بسجاد أحمر فاخر .. حتى بلغوا أخيراً بوابة القاعة !

وجدوا أمامهم أربعة أشخاص رجلان و امرأتان ينتصبون كالتماثيل الحجرية !

قال أحدهم مخاطباً الوافدين : أرجو أن تسلمونا هواتفكم و أسلحتكم قبل دخول القاعة !

أخرج الجميع ما بحوزتهم من أجهزة اتصال و أسلحة ، ثم فتحت لهم المرأتان البوابة الكبيرة.
كانت القاعة بمقاعدها الحمراء المصفوفة بانتظام ، و سقفها العالي ذي الثريات الجميلة ، و منصتها الكبيرة أشبه ما تكون بالمسرح !

و كانت المقاعد التي يتجاوز عددها المئتين مشغولة عن آخرها تقريباً !

قال آليكسي باندهاش : مذهل ! لم أكن أتصور أننا كثيرون هكذا !

تنهد سيباستيان و تلفت حوله : يجب أن نجد مكان نجلس فيه قبل بدء الاجتماع ! لا أظننا تأخرنا لهذه الدرجة ، فالكونت لم يحضر بعد.


وهكذا تفرق الجميع .. اتجه باتون نحو المنصة بينما انتشر الباقون للبحث عن مقاعد خالية . وجد آليكسي له ولرفيقيه ثلاثة مقاعد في الصف الأخير بينما جلس آوتنبورغ ، غلبيرت ، إنزو ، و ماريان بجانب إيريك في الصفوف الأمامية.


في تلك اللحظة .. دخل الكونت !
فنهض الجميع احتراماً ، و أدوا بطريقة عسكرية منظمة تحيتهم الخاصة ! بقامة متنصبة تتوارى اليد اليسرى خلف الظهر و تلتصق اليمنى على الصدر باسطة راحتها على القلب النابض لتزيده قوة و ثباتا على العهد !

لم يجلس الكونت في المقاعد أسفل ، بل داخل مقصورة فخمة على الجانب الأيمن للمنصة.


اعتدل باتون في وقفته ثم بدأ يتكلم :

بداية أرحب بكم جميعاً في اجتماعنا الأول إخوتي و رفاقي !
لقد كنا حتى هذا اليوم متفرقين في شتى بقاع الأرض ، من بلدان مختلفة ، بلغات متعددة ، و طبقات متفاوتة ! مختلفون كثيرا ، لكن الذي جمعنا و يجمعنا هنا في هذه المنظمة شيء واحد و هو الهدف !
رغم كل الفروقات بيننا إلا أننا جميعاً و دون استثناء عانينا الظلم والطغيان ،
فكان الألم من وحد صفنا ، و جمعنا تحت راية واحدة ضد أؤلئك الذين دمروا حياتنا و اغتصبوا حقوقنا !
رمينا كل شيء جانباً ، ضحينا بكل ما نملك ، سمعتنا ، مهننا ، حياتنا العادية البسيطة فقط لنخلص هذا العالم من نفايته المتعفنة ، و ليستطيع باقي الناس العيش بسلام و طمأنينة متمتعين بكافة حقوقهم !

قد يعدنا بعض من "عبدة القانون" مجرمين أو إرهابيين ، لكن هذا لن يغير شيئاً من الحقيقة ، و لن يثنينا شبراً عن تحقيق أهدافنا ، فكل ما نبغيه هو السلام ، و ذلك لن يحدث بوجود أؤلئك الأوغاد من حيتان المال و السلطة !
و كل المتواجدين هنا يدركون ما أعني جيداً فلكل واحداً منهم قصة مؤلمة فيها من المعاناة والقسوة ما يدمي القلب والعين !
<تغيرت ملامحه فجأة و تشربت حدة و غضباً حين شرع يقول : ولقد انتهز أحدهم هذه الفرصة ، و استغل معاناتنا و رغبتنا في الانتقام ليحقق مآربه و أهدافه الشخصية ، و بعد ذلك يرمينا في سلة المهملات !
أليس كذلك ... يا آلويس ؟!!!


تلفظ بآخر كلمة مواجها الكونت بنظرة نارية !!


خيم صمت ثقيل رهيب في كل أرجاء القاعة الضخمة .. بدا الجميع مصعوقين ، متجمدين في أماكنهم دون حركة أو همسة !!

تحدثت إلسا أخيراً بوجه مبهوت شاحب : هل .. بدأت أهلوس ... أم ماذا ؟!!

صفر آليكسي و قال مبهورا و الإثارة بادية عليه : أوه كلب البحر قد أوقع نفسه في ورطة كبيرة !


و بينما الجميع غارقون في حالة من الذهول و عدم التصديق تابع باتون هجومه الشرس على الكونت : هل تريد أن تفعل بهم مثل ما فعلت بطلاب مدرسة النجوم المضيئة ؟!!
<التفت إلى الحضور و خاطبهم قائلاً : سيفعل بكم المثل ، و يحرقكم جميعاً !!


و لم يكد يطبق شفتيه حتى أصبح محاصرا من قبل العقارب الأربعة إيريك ، ماريان ، آوتنبورغ ، غلبيرت !

هدرت الفتاة بصوتها المرتعد غضبا و نظراتها مثبتة عليه بحقد : أيها الوغد الحقير سأسلخ جلدك عن عظمك !

قال آوتنبورغ بابتسامة ساخرة : هل تدرك حقاً يا باتون خطورة الموقف الذي وضعت نفسك فيه ؟!

كشر باتون في استخفاف : أعلم تماماً و لست أبالي ! يجب أن يعرف الجميع حقيقته قبل فوات الأوان ! وأنتم كذلك يجب أن تفيقوا من غفلتكم !

قال إيريك : الذي عليه الاستفاقة من غفلته و أوهامه هو أنت يا باتون !

أضاف غلبيرت : نحن العقارب حصون ! ومن يريد الوصول للكونت عليه تحطمينا أولا ! هذه هي الحقيقة التي عليك استيعابها !


"أنتم الأربعة تراجعوا !"

بمجرد سماعهم لهذا الصوت الآمر تحركت أجسادهم تلقائياً ، و تراجعوا للخلف بانحناءة مهذبة !

سكنت الأصوات حتى الهمهات الخفيضة .. ليسمع كل من في القاعة صوت خطواته الهادئة المتأنية وهو يصعد إلى المنصة.
وقف مواجها لباتون ثم أخذ يتقدم للأمام بضع خطوات .. و يصفق بيديه !

قال بابتسامة خفيفة : لقد كان هذا جميلاً حقاً يا باتون ! أم هل علي أن أدعوك باسمك الحقيقي .. جورج برنت ؟!!

صعق باتون ، و جف الدم من وجهه الذي انقلب أصفر شاحبا !
أكمل الكونت بهدوء و ثقة فيما يشبك يديه خلف ظهره : و الآن .. هل لديك شيء آخر ضدي لتقوله ؟! إني أعطيك كامل حريتك في التحدث قدر ما تشاء ، و لن يقاطعك أحد حتى تنهي كلامك !

لم يجب باتون إلا بكلمتين نفذتا من بين شفتيه بصعوبة : أنت ... لا يمكن !

كشر الكونت و ضيق عينيه قائلاً بدهاء : ما الذي لا يمكن ؟! ألا أكون غبياً يصدق إدعاءك بالوفاء و الإخلاص ؟!! أنت ذكي يا باتون لكنك اخترت الخصم الخطأ ! فأنا لست ذلك القائد المتهاون الذي يسمح لأي كان بدخول منظمته دون أن ينبش ماضيه و يعرف عنه كل صغيرة و كبيرة ! و هنا كان خطأك الفادح ، فتشارلز باتون لم يكن له أي ماض !!
أيضاً.. هناك شيء لا تعرفه عني ... أنا لا أنسى أي إنسان قابلته سيئاً كان أم جيداً !!
و عندما جئت تطلب الانضمام للمنظمة لم يأخذ الأمر مني عشر دقائق حتى استطعت كشف هويتك الحقيقة التي حاولت جاهداً التغطية عليها !


حينئذ صاح باتون حانقا : لماذا .. لماذا إذن تظاهرت بعدم معرفتي يا ابن الشيطان ؟!!

أجاب الكونت يرمقه بابتسامة مشفقة : أردت منحك الفرصة التي انتظرتها ! كنت تبذل كامل ما لديك من حيلة و ذكاء لتوهمني بصدقك و وفائك حتى تحين اللحظة المناسبة لشن هجومك علي أمام سائر أفراد المنظمة ! وأنا لم أشأ أن أفسد عليك حلمك الوردي هذا و أخيب آمالك ! فقبلت بك في منظمتي متظاهرا بتصديقك . لقد صبرت و انتظرت هذا اليوم أكثر من خمس سنوات - و أعجبني هذا منك كثيرا - فأحببت تسهيل الأمر عليك و طلبت منك كتابة خطبة كنت متأكداً أنك ستهاجمني فيها !


سقط باتون جاثيا على ركبتيه و قد شخص بصره و تلاشى صوته !

قال الكونت بصوته الرزين و ابتسامة صغيرة تعلو شفتيه : انهرت بسرعة يا صديقي مع أن الأمر لم يبدأ بعد ! يبدو أن لا شيء عندك لتضيفه ، لذلك سآخذ بالرد على هجومك ، و الذي لم تكن منصفاً فيه ! لقد اتهمتني بقتل التلاميذ في تلك المدرسة ، لكن الحقيقة - وأنت تعلمها - أنهم هم من تسبب في ذلك !!
مدرسة النجوم المضيئة لم تكن غير سجن مروع و مخبر وحشي للتجارب ، أنشأتها منظمة إجرامية عالمية قادتها أوغاد من مخلفات الحرب الثانية ، و ذلك بهدف صنع جيش من العباقرة الموهوبين لخدمتهم و تحقيق مصالحهم الجشعة و أطماعهم الدنيئة متبعين في ذلك أقسى و أفظع الأساليب ! يرسلون أتباعهم في كل مكان بحثاً عن الأطفال النادرين الذين كانوا يفضلونهم أيتاما بلا أهل و لا أقارب ، كيلا يكتشف أحد حقيقة ما يفعلونه ، و إذا ما صادف أن طفلاً ذا مستوى نادر من الذكاء ليس يتيماً و له أسرة ترعاه ، فالحل لم يكن صعباً بالنسبة لهم ، ففي غضون يوم واحد يغدو الطفل السعيد وحيداً بلا عائلة !
يجمعون الأطفال من كل مكان ثم يرسلونهم إلى تلك المدرسة التي كانت أشبه بثكنة عسكرية لألمانيا النازية ! باتون ! لقد كنت في تلك المدرسة أيضاً و بالتالي فإنك تعي جيداً ما أقوله !
الأنانية ، الطمع ، الحقد ، الانتقام ، التغطرس ، و احتقار الإنسانية هذا ما علمونا إياه في تلك التي تسمى بالمدرسة !
فماذا تتوقع من أطفال تربو منذ نعومة أظفارهم على هذه المبادئ ؟!!
تلك المذبحة التي حصلت كانت بافتعال المنظمة ! إذ خططوا لقتلي باستخدام عدد من الطلاب ، لكني كنت حذراً و واعيا جداً لما حولي فأدركت الأمر بسرعة ! كان لدي عدد من المؤيدين من بين التلاميذ ، لكن التابعين للمنظمة كانوا أكثر منا بكثير و مدعومين من كل الجهات ، لذلك تحتم علي تمزيق صفوفهم و تدميرهم من الداخل قبل الخارج ! استغرق الأمر وقتاً طويلاً و الكثير من الحيل و الخداع لكنه نجح في النهاية !
بدأ أؤلئك الطلاب يتجادلون و يتخاصمون ثم زاد الأمر ليتحول إلى كراهية شديدة و رغبة في القتل !
و اختبأت أنا و ما تبقى من رفاقي حتى انتهى كل شيء ، ثم هربنا من مدرسة الشياطين تلك بعد أن قمنا بإحراقها !
<التمع حزن طفيف في عينيه الساكنتين و هو يقول : أنا أقر بذنبي و أعترف أن ما اقترفته كان خطيئة كبيرة ! ربما كان ثمة حل أكثر صوابا من ذلك ، لكن في المواقف الحرجة قد لا ترى أمامك إلا الخيارات الخاطئة ، و أنا ذلك اليوم لم أبصر غير ذلك الحل القاسي !
باتون ! أنت تحاسبني كإنسان كامل لا يقترف الأخطاء يسعى لإحلال العدالة المنشودة !
لكني لم أدع هذا يوماً ! فالعدالة لا تحل على أيدي البشر !


استدار نحو أتباعه و صدح صوته المهيب في أرجاء القاعة : أنا لا أعدكم بعالم عادل تملؤه السعادة و الحبور خال من البؤس و الجور ، و إنما باستعادة حقوقكم المسلوبة و الانتقام من المعتدين عليكم ! لن نجعل العالم مثالياً لكن أفضل حالاً !
هذا أنا و هذه أهدافي ! فمن كان يخالفني في شيء ، أو أن ثقته بي تزعزعت قيد أنملة فليخرج الآن و أنا أعطيه الأمان !


أدار باتون رأسه بلهفة ليرقب ردة فعلهم .. لكن أحدا لم يخرج إطلاقاً !!
و بدلا من ذلك نهضت الصفوف الأولى ، ثم تبعتها التي بعدها ، و أدوا جميعاً بطريقة مبهرة التحية الخاصة !!

تكلم أحدهم و كان ألمانيا : "نحن معك أينما ذهبت أيها الكونت !"

أضاف آخر روسي : "امض في طريقك سيدي فكلنا خلفك !"

تحدث إيطالي : "سنبقى العقارب و ستظل أنت الكونت قائداً لنا حتى النهاية !"

فتبسم القائد و قال : شكراً لكم على هذه الثقة ! إذن.. أظن أن الوقت أصبح مناسباً لأطلعكم على قراري الذي جمعتكم من أجله !



******


إثر إنتهاء الاجتماع ، و قبل أن يغادر الكونت المنصة التفت للمرة الأخيرة نحو باتون و قال مبتسما : علي شكرك على هذه المقدمة إنها تماماً ما كنت أريده !

رفع باتون رأسه الثقيل و حملق في الكونت بنظرة ذاهلة !

و تابع الكونت و هو يستدير راحلاً : يمكنك المغادرة ! لست أريد قتلك فمجرد كرهك لي لا يجعلك حثالة ! و بغض النظر عن نواياك قد ساعدتني كثيرا في تحقيق أهدافي !



بعد ذلك بدقائق .. تجمع ثمان من العقارب في غرفة فسيحة هادئة يغمرها النور و الدفء و يرتفع سقفها المزخرف عاليا ، كانت المكان الأنسب ليريحوا فيها أذهانهم المرهقة و نفوسهم المضطربة بعد اجتماع مليء بالمفاجآت !

جلست ماريان أمام البيانو و عزفت بأناملها الرقيقة لحنا عذبا حزيناً.. و
ما كادت تكمل المقطوعة حتى تجمدت أصابعها فوق المفاتيح البيضاء ، فرفعتها ، و أغلقت البيانو بقوة ، و ألقت برأسها على سطحه الأسود البارد !

قطع إيريك الصمت الكئيب بصوته الهادئ : كان هذا مفاجئا حقاً ! لم أتخيل أن يحدث شيء مثله !

وافقه إنزو متجهما : أجل .. مهما حاولنا أن نفهم كيف يفكر الكونت ، و ظننا أننا أخيراً قادرون على توقع أفعاله يفاجئنا بما لا يخطر على بالنا !

ضحك آوتنبورغ ساخراً من حالهم : كم هذا مثير للشفقة ! أتباع لا يعرفون شيئاً عن قائدهم ! أخبروني و لو معلومة واحدة عنه !

تحدث إيريك : اكتشفت من الملفات السرية التي كان جدي يحتفظ بها في خزينته أن الكونت ولد في أمستردام لأسرة هولندية متوسطة الحال كان هو الابن الوحيد لها ! و قد توفي والداه بعد أن صدمتهما شاحنة لنقل البضائع قبل بلوغه السابعة من عمره !

قال سيباستيان و قد احتدت نظراته : حادث قذر مدبر كما هو المعتاد من رجال المنظمة !

قال غلبيرت في شك : رغم ذلك .. الكونت هو الوحيد ربما الذي لم يخرج مشاعره قط ! لم نره يوماً حزينا ًأو سعيداً يضحك أو يبكي !

نطقت ماريان أخيراً بعد تردد بصوت يطفح بالأسى : لا .. لقد رأيته ذات مرة يبكي !! لم يشاهده أحد سواي .. فقد خرج إلى الحديقة و اختبأ خلف الشجرة الكبيرة ليخفي دموعه !!

حملق الجميع فيها باندهاش و تفاجؤ بالغ و سأل إيريك بإهتمام نادرا ما يظهر عليه : أي يوم كان ذاك ؟!

فكرت ماريان مطولا قبل أن تجيب : في اليوم الذي سبق زيارة نائب وزير التعليم للمدرسة !

فالتفت كل الحاضرين إلى إنزو صاحب الذاكرة الحديدية مرتقبين الجواب منه ، لكنه عبس و قال باستغراب : لا أذكر أن حدثاً مهماً وقع ذلك اليوم أو قبله !

قطب سيباستيان جبينه : لا بد أن شيئاً ما قد حدث يا إنزو ! فبعد ذلك اليوم تغيرت شخصية الكونت بشكل كامل تقريبا !!

عدل إنزو من وضع نظارته و الحيرة تلوح على وجهه : نعم ، لكني لا أتذكر سماع خبر قد يكون مهماً وقتها !


صمتوا و استغرقوا في التفكير ، لكن صوتا مزعجا شتت تركيزهم ، كان آليكسي الذي نأ بنفسه عن النقاش يفتح كيسا من رقائق البطاطا المقرمشة و يلتهم ما فيه بنهم و استمتاع !
و لم يشعر إلا و ماريان تنتزع منه طعامه و عيناها تشتعلان غضباً !
فرفع عينيه الفيروزيتين إليها و سأل ببراءة : لم أنت غاضبة هكذا آنسة تنين ؟!

قالت حانقة و هي تنقر بإصبعها على جبهته مرارا : ألا يمكنك التوقف قليلاً عن الأكل و تشغيل عقلك الخامل هذا ؟!!

- لقد سمعت كل حديثكم ، و لفت انتباهي شيء ما <تبسم ابتسامته القططية الماكرة و أضاف : قلت أن الكونت خرج إلى الحديقة و اختبأ خلف شجرة فكيف تمكنت أنت من رؤيته إن لم تكوني تلاحقينه في كل مكان يذهب إليه ؟!


احمر وجهها في مزيج من الغضب و الخجل ، و جذبته من مقدمة قميصه بقوة و هي تصرخ و تقذف كلماتها المضطربة في وجهه : أحمق ! لقد كنت .. كنت مارة ... من هناك فقط .. و رأيته !


ضحك جميع الحاضرين منها ، لكن آوتنبورغ وحده من جرؤ على رفع صوته و صفق في تهكم : أظنك ستدخلين موسوعة غينيس كأصغر مطاردة في التاريخ !

صاحت ماريان و هي تحدجه بنظرة ملتهبة : أطبق فمك يا آوتنبورغ !
<ثم التفتت بحدة نحو آليكسي و رمت كيس الحلوى في وجهه قائلة : كل هذا بسبب كلامك السخيف أيها الهر المزعج !

أمسك شبيه القط الكيس بحركة سريعة ، و قال بابتسامة بريئة : أنت من طلبت إلي تشغيل عقلي !

تنهدت إلسا قائلة : يا إلهي .. لا أحد يمكن أن يسلم منك !

ابتسم آليكسي في رضا ، وضع كيس الحلوى جانباً ، و لم يأكل منه مجددا.

جلسوا في سكون و هدوء و لم يتحدثوا أكثر من ذلك ، كان كل فرد منهم غارقا في بحر ذكرياته الخاصة !


⚫في وقت مضى قبل سنوات عديدة و في مثل هذا الوقت من النهار ، كان إيريك جالساً مع جده إلى مائدة الغداء ، تحدث العجوز إيردمان بصوته الخشن : إيريك ، جهز نفسك جيداً لأنك ستسافر معي إلى فرنسا صباح غد !

نظر الصغير إلى جده بارتباك : لماذا.. يا جدي ؟!

- ستذهب إلى مدرسة في ستراسبورغ !

اعترض إيريك بصوت خافت : و لكني أدرس في واحدة هنا بالفعل !

قال العجوز بحدة : إنها أفضل بكثير من كل المدارس هنا ، و هذا الأمر لا نقاش فيه ! أكمل طعامك ثم اصعد مع الخادمة لتجهز أمتعتك !

طأطأ إيريك رأسه و قال في خنوع : حاضر..


و هكذا مساء اليوم التالي كان إيريك واقفاً بجوار جده في غرفة مدير مدرسة النجوم المضيئة !
أخذ الفتى يتلفت حوله في توتر ، فهو لم يكن معتادا على أماكن كهذه و في بلد غير بلده أيضا !
و جفل حين تحدث إليه المدير : سنجري لك إختبارا يا إيريك وعلى إثره سيتحدد المستوى الذي ستوضع فيه !

- م.. مستوى ؟!

قال المدير مفسرا : هذه المدرسة تعتمد نظاماً خاصاً في التدريس يختلف عن باقي المدارس ، ترتيب الصفوف لا يعتمد على أعمار الطلاب بل على مستوى ذكائهم ، هناك ست مستويات مرتبة تصاعديا من الأذكى فالأذكى ، و لكل مستوى ست مراحل ، و تستغرق المرحلة الواحدة سنتين تقريباً ، و حالما يتمكن الطالب بنجاح من عبور المراحل الستة في مستواه يصبح قادراً على الالتحاق بأي جامعة في العالم مهما صعبت شروطها !


أجرى إيريك الاختبار خلال ساعة .. ثم سلم ورقة إجابته و عاد إلى مكتب المدير.
قال هذا الأخير باستحسان و هو ينظر إلى النتيجة على شاشة الحاسوب : رائع ! طفل ذكي حقا ً! لقد أضافك الحاسوب للمستوى الثالث ! تهانينا يا بني !

لسبب ما .. لم يشعر إيريك بالبهجة !
مع أن النجوم المضيئة كانت أجمل مدرسة وقعت عليها عيناه و الأكثر راحة و رفاهية ، لكنه أحس بشيء ثقيل يجثم فوق صدره منذ أن وطئت قدماه الصغيرتان أرض هذه المدرسة !
و كان ذلك الإحساس في محله ! فجمال شكل المدرسة و تطورها لم يكونا أكثر من غطاء مضلل يخفي ما فيها من قبح !
الطلاب في معظهم عدوانيون يعانون مشاكل نفسية ، و المشاعر الوحيدة التي يتبادلونها هي الحسد و الكراهية !
المدرسون رغم مهارتهم و إتقانهم لما يدرسونه إلا أنهم مثيرون للريبة بطريقة ما !

و قد أزمت شخصية إيريك الضعيفة المزعزعة الموقف فازداد الطفل وحدة و انعزالا و لم يكون أي صداقات .. حتى جاء ذلك اليوم !
كان يركض بسرعة نحو فصل العلوم قبل لحظات من بدأ الدرس ، و بينما ينعطف نحو اليمين اصطدم بثلاثة من التلاميذ كانوا يعترضون طريقه ، فوقع و تناثرت كتبه على الأرض !

جره أحدهم من قفا قميصه و صرخ غاضباً : من تظن نفسك أيها الجرو التافه ؟! ألا تعرف من نكون ؟!

قال إيريك و هو يرتجف : أنا آسف جداً ! لم أتعمد ذلك !

أتى آخر وشده من شعره و هو يزمجر : هل تعتقد أن هذا كاف ؟! طفل سخيف من المستويات الدنيا يتجرأ على الاقتراب منا نحن عباقرة المستوى الخامس ؟!

ثم رفع يده في الهواء و سدد لإيريك لكمة قوية طرحته أرضاً و أسالت الدم من فمه !

تقدم الثالث و هم بركله لكن..

"أنتم هناك ! ابتعدوا إنكم تسدون طريقي !"


التفت ثلاثتهم إلى ذلك الشخص .. و صاح الأول : لا شأن لك يا آلويس !

اقترب المعني بضع خطوات فيما يصوبهم بنظرة تحذير : أنا لا أحب أن أكرر كلامي كما تعلمون !

عض الأول على شفته و هو يكافح ليكبح جماح غضبه : حسناً ، سنذهب إلى مكان آخر..

ثم أمسك إيريك من قميصه و بدأ يسحبه معه ! لولا أن قبضة حديدية قبضت معصمه فصرخ غاضبا و متألما في نفس الوقت : ما الذي تريده بعد أيها الشيطان لقد تنحينا عن طريقك ؟!!

تحدث آلويس بصوت بقدر ما هو هادئ بقدر ما هو مرعب : أنتم الثلاثة من تسدون طريقي ، لذلك أنتم فقط من عليه الاختفاء من هنا على الفور !


قال أحد رفيقي الفتى يرمقه بنظرة احتقار : من تحسب نفسك أيها المتبجح ؟!

شدد آلويس قبضته على معصم التلميذ حتى صاح بأعلى صوته ألما : اتركني !! سوف تخلع يدي !!

تبسم آلويس و قال : إن رأيتكم هنا مجدداً فعهد علي أن أكسر أيديكم إصبعا إصبعا ! و أنتم تعلمون أن كلامي قاطع كالسيف !

صاح الفتى خاضعا و قد طفرت دموع الألم من عينيه : اترك يدي ! أقسم لك أنني لن أعود إلى هنا ولا علاقة لي بذلك التافه !

فأفلت آلويس يده و قال : سيكون هذا من مصلحتكم !


و أسرع الثلاثة و لاذوا بالفرار .. أما إيريك فظل قابعا في مكانه مأخوذا بما رأى !
التفت آلويس أمامه و واصل طريقه و هو يقول : غرفة الممرضة في آخر الرواق الأيسر ! اذهب إليها قبل توجهك للدرس !

أفاق إيريك من شروده لدى سماعه صوته البارد ، و بدأ يجمع كتبه المتناثرة بعدها وقف و قال لآلويس الذي أوشك أن يبلغ نهاية الممر : ش.. شكراً جزيلاً لك !

و انعطف الآخر يمينا دون رد .


سمع إيريك فيما بعد المزيد عن آلويس ! طالب عبقري في المستوى السادس ، من أقدم الطلاب في المدرسة و أكثرهم شهرة و تفردا ، و الأهم من ذلك أنه كان بحد ذاته سلطة مستقلة يفعل ما يشاء و لا يلتزم بقوانين المدرسة ، بل في كثير من الأحيان ما يخضع المدير والمدرسون لإرادته !


بات إيريك معجبا به بشدة و يتمنى رؤيته دوماً !
و قد تحققت أمنيته أخيراً عندما ذهب للمكتبة من أجل واجب مدرسي .. فرآه جالساً هناك وحده على إحدى طاولات القراءة يتصفح كتاباً تاريخياً عن أباطرة الرومان !

شعر إيريك بالسعادة تغمر روحه ، لكنه رغم ذلك ظل خائفا من الاقتراب ! فحينما يقارن نفسه بذلك الفتى المتميز لا يعدو أن يبدو أكثر من ذبابة صغيرة مزعجة !
كان سيعود أدراجه لكن آلويس رفع رأسه و نظر إليه مباشرة .. فلم يستطع إيريك الإنسحاب ، لأنه سيكون تصرفا فظا ، لذلك تقدم و تحدث بتوتر : م.. مساء الخير ! هل.. أزعجتك يا ترى ؟!

هز آلويس رأسه نافيا .. فتشجع إيريك و قال : هل .. هل يمكنني الجلوس معك ؟!
نظر إليه الفتى الهادئ لثوان ، لكنه عاود مطالعة كتابه دون أن ينبس بحرف ،
فاستطاع إيريك أن يدرك عدم إنزعاجه من هذا الطلب ، أخذ كرسيا على يساره و جلس يبتسم مسرورا ثم قال : شكراً لك !


ظل السكون مخيما على الجو لعشر دقائق قبل أن يتجرأ إيريك و يقول : هل.. أستطيع التحدث إليك ؟!

أغلق آلويس كتابه و إتكأ للخلف .. ففهم إيريك موافقته ، و بدأ يتكلم و وجهه لأول مرة تملؤه الحيوية و البهجة : أدعى إيريك إيردمان و أنا ألماني ! هل يمكنني التعرف عليك أيضاً ؟!

نظر إليه بذات النظرات الساكنة ثم نطق أخيراً : ليس مهماً أن تتعرف علي ! هناك سؤال واحد أريد أن أطرحه عليك ! ما الذي جاء بك إلى هذه المدرسة ؟!

فتبخرت كل السعادة من محياه و أطرق رأسه في حزن : جدي.. لقد أحضرني جدي إلى هنا !

- و أنت ؟! هل أنت مجرد دمية يتحكم فيها ؟! ألا تملك حتى الحق لتقرر مصيرك بنفسك ؟!!

قال إيريك و دموعه تعتصر في عينيه : لأنني ضعيف ! ضعيف جداً !

قال آلويس بحزم : أنت من اخترت أن تكون كذلك !

حدق فيه مصدوما و أخذ للمرة الأولى في حياته يعبر عما يجول في خاطره : أنا.. أنا لم يكن لي يوماً أسرة أو أصدقاء ! كان الجميع يعاملني مثل أؤلئك الفتيان الثلاثة ! كنت في نظرهم مجرد حمل ثقيل يتمنون التخلص منه بأي طريقة ! أبي ، أمي ، جدي ، و الجميع !

لم تظهر على وجه آلويس أي علامة تدل على الشفقة أو التأثر ، و قال بشيء من الصرامة :
لم يكن أحد يكرهك بقدر ما تفعل أنت نفسك ! كيف تريد من الآخرين أن يعترفوا بك إن كنت أنت ذاتك تحتقر وجودك ؟! تمقت نفسك فقط لأنك ولدت في هذه الحياة ، و تلقي عليها باللائمة في أشياء لا ذنب و لا علاقة لها بها ! إن مجرد وجودك في هذه المدرسة يؤكد على موهبتك وتفردك عن باقي الأطفال ! أنت تملك من الذكاء و المواهب ما يفوق تصورك !
إعترف بنفسك أولاً ، أحبها ، طورها ، كن أنت أول من يدعمها و يشجعها ، و لا تنتظر أن يفعل هذا أحد سواك !
فحب العالم بأسره لن يغني عنك شيئاً ما لم تكن أول من يمنح نفسك هذا الحب !

ثم نهض و ترك خلفه إيريك و قد تجمد في مكانه و عبارات آلويس تتردد في رأسه ! كلمات عفوية بسيطة .. استطاعت أن تغير كيان إيريك مئة و ثمانين درجة !



في شرق روسيا و تحديداً في سان بطرسبورغ توقفت حافلة الروضة أمام أحد المنازل و نزل طفل صغير ذو أربعة أعوام .
عبر حديقة منزله المغمورة بالثلج و مد ذراعه القصيرة ليمسك مقبض الباب و يفتحه .. و عندما عبر للداخل ألفى بيته مظلما ساكنا من كل حركة أو صوت.

نادى بصوته الناعم بينما يتجول في أرجاء المنزل : أمي ! أمي ! أين أنت ؟!


"لقد سافرت أمك يا آليكسي !"


هكذا قال الرجل الذي خرج لتوه من غرفة المعيشة !

رفع آليكسي رأسه و تمعن في وجهه غير المألوف متسائلا : من أنت ؟!


خطى الرجل نحوه و قال : أنا الدكتور بارانوفسكي زميل والدتك آنا في العمل !
سأل آليكسي بحزن : قلت أن أمي سافرت ؟!

- نعم.

- لكن لم لم تأخذني أمي معها ؟!

قال بارانوفسكي محاولا طمس ابتسامته الخبيثة : اوه إنها رحلة شاقة للغاية و طفل صغير مثلك لا قدرة له على احتمالها ! بالإضافة إلى ذلك فأمك قد جهزت مفاجأة جميلة من أجلك قبل ذهابها !

فتح آليكسي عينيه الجميليتين على اتساعهما : مفاجأة ؟!

- نعم ستذهب إلى مدرسة للعباقرة من أفضل و أرقى المدارس في العالم !

فعبس الطفل و تجمعت الدموع في مقلتيه : لكني لا أريد المغادرة دون أمي !

وضع بارانوفسكي يديه على كتفيه الصغيرين و قال بطيبة زائفة : ألا تريد لها أن تكون فخورة بك ؟! حتى أمك الذكية لم تكن تحلم بدخول هذه المدرسة !

تردد الصغير .. ثم قال فجأة : أريد الإتصال بها قبل ذلك !

ارتبك بارانوفسكي للحظات ، ثم التمعت في ذهنه فكرة فقال : لا تستطيع ذلك ، فهي الآن في عمق الغابات الأفريقية حيث لا تصل تغطية شبكات الإتصال ! لكن قد تستطيع أن ترسل لك رسالة نهاية كل أسبوع !

أشرق وجه آليكسي بابتسامة جميلة : حقاً ؟!

- نعم ، هذا وعد !


و التحق آليكسي الصغير بالمدرسة وتم وضعه بعد الاختبار في المستوى الخامس !
كان الأصغر في صفه سنا و حجماً ، و كان زملاؤه لغيرتهم يسخرون منه وينعتونه بالدمية الروسية أو القط القبيح !
و رغم كل ما يملك من عبقرية إلا أنه كان طفلاً صغيراً ولا يجيد الاعتناء بنفسه ، فهو لا يعرف كيف يعقد رباط حذائه ، أو يصفف شعره ، أو يعدل ربطة عنقه الصغيرة ، و كان الطلاب يستغلون هذا العيب فيه و يضحكون منه ساخرين كلما مر بجانبهم !

و بينما هو ذات مرة يهبط الدرج تعثر برباط حذائه المتهدل و سقط أرضاً .. لم يتأذى وجهه لكن ركبته اليمنى تورمت ، و أصيبت يداه ببعض الخدوش !
حاول النهوض و الوقوف على قدميه .. لكنه لم يفلح ، عندئذ اقترب منه شخص ما و سأل بقلق : هل أنت بخير ؟!

نظر آليكسي إلى الفتى أسود الشعر أدعج العينين و الذي يكبره بخمس سنوات لكنه لم يرد..
فتقدم الفتى الغريب أكثر ، و كشف ركبة آليكسي ثم قال : يا إلهي إنها متورمة ! لكن لا تقلق لن يكون الأمر خطيرا !


أدار ظهره للصغير و مد يديه له قائلا : هيا سأحملك على ظهري إلى غرفة الممرضة !
و بعد للحظات من التردد .. تحرك آليكسي و لف ذراعيه حول عنقه فحمله الفتى إلى غرفة الممرضة.

هناك و بعد معالجة إصابته.. نظر الفتى إلى حذاء آليكسي ذي الرباط المفكوك ، ثم اقترب باسما و على دهشة من الطفل قام بشد الرباط جيداً و هو يقول : إذن فهذا كان سبب سقوطك من الدرج ! يبدو أنك لا تجيد ربطه !

أومأ آليكسي ببطء ، فربت الفتى على رأسه بحنو و دفء : أدعى سيباستيان لاكلير ! و أنا طالب في المستوى الرابع ! ما اسمك أنت ؟!

- آليكسي .. آبراموف !

ابتسم سيباستيان بمحبة : حسناً يا آليكسي سآتي إلى غرفتك صباح كل يوم ، و أربط لك حذاءك كيلا تتعثر ثانية ! ما رأيك ؟!

أمعن الطفل النظره فيه متعجبا : و لماذا تفعل شيئاً كهذا من أجلي ؟!

قال سيباستيان مواريا حزنه خلف ابتسامة لطيفة : قبل مدة ليست بطويلة .. كان لدي أخ صغير في مثل سنك ! أنت لا تشبهه في شكله بتاتاً ، لكن لا أدري أحسست أنك تشبهه ، حين رأيتك تسقط .. لمحت فيك أخي الصغير المحبوب.

سأل آليكسي : و أين هو شقيقك الآن ؟!!

أشاح سيباستيان ببصره و قال : آه .. لقد مات ! <ثم عاود النظر إلى آليكسي و قال بارتياب : هل.. أزعجتك بكلامي ؟!

هز آليكسي رأسه نافيا ، فتهلل وجه سيباستيان : جيد ! و الآن هيا يجب أن آخذك إلى غرفتك لترتاح !

و حمل آليكسي على ظهره للمرة الثانية ، و لم يتركه حتى أجلسه على سريره و أحضر له عصيراً منعشا !

و منذ ذلك اليوم أصبح سيباستيان يزور آليكسي كل صباح ، يمشط شعره ، و يرتب هندامه ، و يربط حذاءه بإحكام !

حتى جاء آليكسي في أحد الأيام يركض إلى فصل سيباستيان ، و حالما رآه الأخير نهض من مقعده و اتجه نحوه .. قال آليكسي بفخر و ابتهاج : انظر يا سيبا ! لقد ربطت حذائي بنفسي !

تبسم سيباستيان و ربت على رأس الصغير بلطف قائلاً : أحسنت يا آليكسي !

فقال بعض زملاء سيباستيان و هم يضحكون باستهزاء : هل أصبحت تربي القطط المتشردة يا سيباستيان ؟!!

رمقهم المعني بنظرة ازدراء حادة و قال ببرود : أولاً أنا أحب القطط ! ثانياً إن سمعتكم مرة أخرى تنعتونه بالقط المتشرد سأحطم أسنانكم !

ثم أمسك يد آليكسي و خرجا معا من الفصل ..
قال الصغير مغتما : جميعهم يقولون أني قبيح و أشبه القطط !

قال سيباستيان و قد بدا عليه الحنق : لا تكن أحمق يا آليكسي ! القطط رائعة و أنت لا تشببها لأنك قبيح بل لأنك جميل للغاية و ذو شكل فريد !

تعجب آليكسي : حقاً ؟!

- بالطبع ، فأجمل الأشياء أكثرها ندرة ! و أنا لم يسبق لي أن رأيت أحداً بنفس لون شعرك أو عينيك ! أنت قط جميل مميز جداً ! و يجب أن تكون فخورا بهذا !

غمر قلب آليكسي الصغير شعور رائع لم يسبق له أن جربه من قبل ، ثم تبسم و كانت هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها ابتسامته القططية !
ضحك سيباستيان و بعثر بيده شعر آليكسي الثلجي في مرح !


بعد مرور أسابيع .. و إثر انتهاء الامتحانات النصفية تم استدعاء آليكسي إلى غرفة المدير.
كان الدكتور بارانوفسكي هناك ، فقال بانبهار حين وقعت عيناه على آليكسي : أوه آليكسي الصغير ! لا يمكنك أن تتخيل كم أن والدتك فخورة بك ! لقد حصلت على أعلى علامة في امتحان الكيمياء و الذي كان شديد الصعوبة ! و أثنى عليك معلمك ، و قال أنك دائما ما تذهله بعبقريتك في هذه المادة ، لا شك لدي أنك ستغدو عما قريب من أعظم الكيميائيين في العالم !

قال آليكسي دونما اهتمام : أنا أحبها فقط..

ثم استدار ليغادر ، لكن قبل أن يفتح الباب ، نطق كلماته التي ستظل عالقة في ذاكرة بارانوفسكي إلى آخر عمره : سأصبح كيميائيا .. و عندها سأصنع سما من أجلك ! انتظر ذلك فقط !

و انصرف مغلقا الباب وراءه بهدوء !
بدت الدهشة على بارانوفسكي و المدير .. لكن سرعان ما ضحك الأول و عاد يواصل حديثه مع الرجل الآخر بصورة طبيعية ، فهي في النهاية ليست أكثر من كلمات تفوه بها طفل صغير ! أو هذا ما حاول بارانوفسكي إقناع نفسه به !


حينما سمع سيباستيان بالأمر أسرع متجهاً إلى غرفة آليكسي .. و عند دخوله الغرفة وجده مستلقيا على سريره باسطا ذراعيه و قد تناثرت حوله عشرات الأوراق !

سأله سيباستيان بقلق : هل أنت بخير يا آليكسي ؟!

أجاب آليكسي دون أن يرفع رأسه : نعم..

فاقترب سيباستيان و جلس على السرير بجواره و قال متسائلا : ما هذه الأوراق المبعثرة حولك ؟!
عندها جلس آليكسي و شرع يجمعها و يقول : آه هذه ؟! إنها رسائل سخيفة كتبها شخص مغفل يظن نفسه ذكياً بما يكفي ليكون أمي !!


فتح سيباستيان عينيه على اتساعهما و قال مصدوما : أمك ؟!!

رد المعني بعينين شاردتين : في آخر مرة رأيتها كانت قلقة مشغولة البال.. لابد أنها اكتشفت شيئاً خطيرا عن ذلك المختبر الذي تعمل فيه ! أنا أعلم.. و منذ زمن أنهم قتلوها ! و لن أتركهم يفلتون بفعلتهم هذه ما حييت !! س...

فقاطع سيباستيان كلامه بقوله حازما : إياك أن تتصرف بتهور يا آليكسي ! <التفت إليه الصغير باستغراب فأكمل بشكل مفاجئ : لقد قتلوا أخي الصغير كذلك ! كان عليلا ضعيف الجسم منذ ولادته ، كنا أنا و هو نعيش في ملجأ للأيتام بعد وفاة والدينا ، و مع هذا كنت سعيداً جداً بمجرد وجوده معي ، كان أثمن شيء لدي في الدنيا و كانت ابتسامته أجمل ما تبصره عيناي ، لكن كل شيء تلاشى بعد مجيء أؤلئك الأوغاد ! كانوا يريدون ضمي إلى مدرستهم و قد رفضت ذلك فوراً فلم أكن أريد ترك أخي ! و بسبب ذلك و بعد ثلاث أيام فقط من قدومهم بدأت صحة أخي تسوء ... و أظنك تعرف باقي القصة ..<نظر إلى آليكسي وعيناه السوداوان تغرقان في بحر من الألم : لقد فقدت أخاً غاليا على قلبي ولا أريد أن أخسر آخراً ! <وضع يده برفق على كتف آليكسي : أنا أعدك أخي الصغير يا آليكسي !


كلماته الصادقة المملوءة بالحب أشعرت آليكسي بدفء أذاب دموعه التي تجمدت في عينيه منذ رحيله عن منزله !
وثب نحو سيباستيان الذي أخذه بين ذراعيه بحنان ، و أخرج الصغير كل ما في قلبه من حزن و مرارة عبر عبرات انهمرت على وجهه بغزارة !

مسد سيباستيان على شعره بعطف و قال : نحن لن نسكت يا آليكسي و سيدفع أؤلئك المجرمون الثمن غالياً ! لكن سنستمر في تمثيل دور المنصاعين لهم حتى تحين الفرصة المناسبة للانتقام منهم !



أما عن ماريان ، غلبيرت ، إنزو فلم يكن ماضيهم مؤلماً كالثلاثة السابقين !
ماريان و غلبيرت كانا في يعيشان منذ ولادتهما في ملجأ للأيتام في العاصمة البلجيكية بروكسل ، أما إنزو فلم يكن له أقارب غير عم عجوز سكير ، و قد وافق من فوره على إرسال إنزو للمدرسة لقاء مبلغ ضخم من المال !

تم قبول ماريان في المستوى الثالث -مع إيريك- و غلبيرت في الثاني ، أما إنزو فتم وضعه مع آلويس و ثلاثة آخرين في المستوى السادس !

كان كل شيء في المدرسة يسير بالشكل المعتاد إلى أن أتى ذلك اليوم !

كان المسؤولون عن المدرسة و ممولوها من بينهم العجوز إيردمان ، السيد باتاي ، و البروفيسور كابوستين في زيارة للمدرسة لتفقد أوضاعها و الاطلاع على مستوى الطلاب فيها.
و أول من تشرف بزيارتهم كان الطلاب الخمسة في المستوى السادس !
دخلوا عليهم أثناء شرح المعلم لدرس في الرياضيات ، فقطع المعلم الدرس و قدم لهم التحية بكل ما أمكنه من احترام و تقدير !

و نهض الطلاب مظهرين أو متصنعين الاحترام .. إلا طالباً واحداً !

نظروا باستنكار إلى آلويس الذي بقي جالساً في مكانه يضع ساقه فوق الأخرى و يرمقهم بنظرة إزدراء !
التفت نحو معلمه و قال بلهجة موبخة : لماذا توقفت عن الشرح ؟!!

حملق فيه المعلم مشدوها ، فنهض آلويس قائلاً : إن كنت ستوقف الدرس فأنا مغادر !

واتجه نحو الباب ليخرج لكن كابوستين أمسك ذراعه قائلا بغضب : لا تبدو ولدا مهذباً أيها ال…

بحركة عنيفة أبعد آلويس يد كابوستين ، ثم جذب ذراعه بيده اليسرى و قام بليها و هو يقول بلهجة مرعبة : هل تقصد أن "حشرة" مثلك يمكن أن يعلمني التهذيب ؟!!

صرخ كابوستين و تلوى من الألم ، بينما كان الاثنان الاخران يراقبان باندهاش ولا يكادان يصدقان !
ترجاه معلمه قائلاً : آلويس ! اهدأ أرجوك ! اتركه و سأكمل الدرس حالاً !

لم يتنازل حبا لكابوستين و لا خشية من آلويس ، بل خوف طرده من وظيفته إن حدثت مشكلة أثناء حصته !

أفلت آلويس ذراع كابوستين و قال : حسناً و يجب أن يخرج هؤلاء المتطفلون أيضاً !
قال المعلم خاضعا : نعم ، نعم !

و نظر إلى الرجال الثلاثة متوسلا ، فتمتم العجوز إيردمان و لم يكن قد أفاق من ذهوله بعد : حسنا.. سنذهب !


و قاد رفيقيه إلى الخارج .. و ما كادوا يعبرون الرواق حتى صاح كابوستين متحسسا ذراعه : عليه اللعنة ابن الشيطان ذاك !!

تحدث باتاي بغضب : لا أصدق أنه سخر منا و طردنا من أملاكنا !

قال العجوز إيردمان بعينين جاحظتين شاردتين : إنه.. هو !! هو بعينه !! لقد نجحنا !!

حملق فيه رفيقاه مستفهمين فأردف بصوت مرتعد : لقد كنت أحلم أكثر من أربعين سنة أن أرى هتلر مجدداً ! وها قد تحقق مناي !! بل لا أبالغ إن قلت أن ذلك الفتى سيتفوق عليه حتماً !!

فقال كابوستين متناسيا ما حدث له قبل لحظات : هذا رائع إذن !

صاح العجوز في وجهه : ليس رائعاً ! ألا تفهم ؟! ألا يمكنك أن ترى ؟! هذا الفتى إن ظل حيا سيدوس على جماجمنا !!


و هكذا... جاءت خطتهم بتكليف عدد من الطلاب باغتيال آلويس !
و الذي انحاز لجانبه بعض التلاميذ من بينهم إيريك ، إنزو ، آليكسي ، سيباستيان ، ماريان ، غلبيرت و ذلك لأنهم رأوا في آلويس القائد الواعد الذي وحده من يستطيع دحر أعدائهم و الانتصار عليهم !
و قد قتل أغلب أؤلئك الطلاب بسبب عدم التزامهم بتعليمات آلويس وتهاونهم بالخطر الذي يحيط بهم !

وفي النهاية لم ينج من تلك المدرسة إلا السبعة الأقوى والذين سيكونون بعد بضع سنوات الأساس الذي ترتكز عليه منظمة العقارب !!












رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:36 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011