عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي > روايات الأنيمي المكتملة

Like Tree632Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 9 تصويتات, المعدل 4.56. انواع عرض الموضوع
  #236  
قديم 08-09-2016, 05:32 PM
 


آسفة على تأخر الفصل أعزائي كنت خارج المنزل لساعات و لم أعد إلا قبل قليل..

سأنشر الفصل الآن و أعود في المساء إن شاء الله للرد على تعليقات الفصلين السابقين



رد مع اقتباس
  #237  
قديم 08-09-2016, 05:35 PM
 



الفصل التاسع و الثلاثون
ج1
*سأكمل طريقي وحيدا*





هبطت درجات السلم سريعا و حثت خطاها نحو غرفة الطعام الكبيرة .. كان موعد الإفطار حينها ، لكنها لم تجد على المائدة سوى كارولينا و سارة التي بدت نصف نائمة.

قالت إيفا باستغراب يعتريه بعض القلق : "أين إدمون ؟!"

نظرت إليها كارولينا نظرة استهجان "لم أره مطلقا هذا الصباح ، حسبته ما زال نائما !"

أطلقت إيفا زفرة عميقة و رمت بنفسها على الكرسي : "إنه ليس في فراشه ، منذ أن فتحت عيني لم يكن موجودا ! في العادة يوقظني قبل أن ينزل ، لكنه هذه المرة لم يفعل !"

ركزت عليها كارولينا نظراتها المرتابة و قد بدأ القلق يتسلل إلى قلبها .. فيما غطت سارة فمها و تثاءبت ثم قالت : "صحيح .. أين أبي ؟!"

انتفضت كارولينا و فجأة هبت واقفة : "نعم جوزيف ! لا شك أنه يعرف ! تعالي لنسأله يا إيفا !"

وقفت إيفا و هي تسأل : "و أين هو ؟!"

"إنه في مكتبه الآن !"

"لكن لم لم يأتي لتناول الإفطار ؟!"

"لقد تناوله بالفعل فقد استيقظ أبكر من المعتاد بساعتين لأجل عمل طارئ !"


تعاقد حاجبا إيفا و استغرقت في التفكير .. ما الذي يحصل ؟! ليس إدمون وحده بل حتى والده يتصرف بشكل مخالف لنظامه اليومي ! لم يبد ذلك مبشرا بالخير بالنسبة لها .. فرجال الايون لا يخالفون العادة إلا لشيء غير عادي !

كان جوزيف آيون جالسا خلف مكتبه مديرا كرسيه جانبا و محدقا في الفراغ بنظرات مهمومة . أفاقه الطرق اللحوح على بابه من شروده فعدل وضع كرسيه ، و التقط أحد المستندات أمامه متظاهرا بقراءتها ، ثم هتف بصوت خرج متكدرا رغم محاولته أن يبدو طبيعيا : "ادخل"

دلفت كارولينا خلفها إيفا و دون مقدمات سألت الأولى مباشرة : "أين ذهب إدمون يا جوزيف ؟!"

طالعها بعينيه المرهقتين لفترة من الصمت .. بعدها أجاب سريعا كمن يقرأ خبرا في صحيفة : "لقد حدثت عملية سطو واسعة على واحد من متاجر المجوهرات التابع لمؤسستنا في ليون ، فسافر إدمون إلى هناك ليشاهد ما حصل بنفسه و يقدر حجم الأضرار الواقعة و المحتملة !"

أطلقت السيدتان تنهيدة ارتياح ، و قالت إيفا معبرة عن استغرابها : "لكن ليس عليه الذهاب بنفسه إلى هناك ، كان يكفي أن يرسل سكرتيره !"

"أنت تعرفين أن إدمون يفضل القيام بهذه المهام بنفسه يا إيفا !"

أزاحت إيفا شعرها البني القصير عن وجهها بحركة مرتبكة و قالت بغير يقين : "نـ.. نعم"

أدارت كارولينا ظهرها لزوجها و تحدثت موجهة كلامها لإيفا : "هيا ، لنعد لإكمال فطورنا !"

و هما تخطوان نحو الباب فوجئتا بسارة - التي ظنتها كارولينا قد غفت فوق مائدة الإفطار - تقف مسندة ظهرها عليه و تنظر نحو أبيها نظرة شك و ارتياب.

"منذ متى وأنت هنا ؟! لم أشعر بوجودك مطلقا !" قالت كارولينا بدهشة بسيطة..
لم ترد بشيء على والدتها و بدلا من ذلك سارت نحو طاولة المكتب .. التفتت إليها أمها "ألن تأتي لتتناولي فطورك ؟!"

ردت سارة ببرود : "لقد أنهيت طعامي بالفعل !"

رمتها كارولينا بنظرة تأنيب ، لم تشك في أنها لم تلمس شيئا من الطعام لكنها ليست ذلك النوع من الأمهات الذي يضغط على أبنائه ليأكلوا ، لذلك غادرت مع إيفا دون جدال و تركت سارة و جوزيف لوحدهما.

أطالت الفتاة النظر في والدها بتمعن حتى سأل هو قاطعا الصمت بينهما : "ما بك ؟!"

حدجته بنظرة حادة "لن تستطيع خداعي كما فعلت مع أمي و إيفا يا أبي ! لذلك أخبرني الحقيقة فأنا أعلم أن الذي قلته ليس السبب وراء مغادرة إدمون !"

واجه لهجتها غير المؤدبة بهدوء و صبر "و لماذا تظنين ذلك ؟!"

"لو كان الأمر يتعلق بأمور المال فعلا ما كنت ستظهر كل هذا البؤس و الكرب ! الأمر أعمق و أشد خطورة من عملية سطو ! هل أنا مخطئة ؟!"

دفن نفسه في كرسيه الكبير و لم تخرج من فمه غير تنهيدة أسى كانت الإثبات الأقوى لصحة استنتاج سارة كما رأت هي.


*****

رفع عينيه الخاويتين إلى ساعة الجدار .. كانت الضجة التي تصدرها عقاربها هي الصوت الوحيد الذي ما زال يسمعه يتردد بين جدران منزله الخالي..
كان يخنقه هذا الهدوء المقيت الذي خيم بظلاله على كل ما حوله و ضاعف شعوره بالوحدة و الألم .. لماذا تعقب البدايات الجميلة نهايات تعيسة ؟! لم لا تدوم السعادة ؟! و لم الأحزان لا تكاد ترحل حتى تعود أشد و أنكل ؟! لم عليه أن يعيش حياة متعبة و قاسية كهذه ؟! لم يعاني ؟! لم يفقد الناس من حوله ؟!

تتعاقب الأسئلة في خاطره دون جواب يشفي غليلها أو بصيص لحلول تقترب ..

فجأة .. دفع باب غرفته و انهار السكون الذي سادها بوصول شخص دام غيابه شهورا .. ذابت الدموع المتجمدة في عيني آلويس لرؤيته مجددا ، لم يتوقع قدومه بهذه السرعة ، بل شك في أنه سيراه مرة أخرى.

أقبل إدمون عليه و تعابير وجهه تتقلب بين الخوف و الحزن و الحذر .. جثى على ركبتيه أمامه و تشبثت يداه بكتفي الصغير "آلويس !"

بدا لسانه الطليق عاجزا في هذا الموقف عن قول أي شيء غير النطق باسمه .
نظر آلويس نحوه بصمت .. لم يبك لكن دموعه تتأرجح فوق أهدابه مصرة على النزول .. مسد خاله على شعره بعطف و حنان "نحن آسفون يا آلويس ! آسفون لأنك مجبر على العيش بهذه الطريقة المؤلمة !"

أطرق رأسه الصغير بغم .. فسحبه خاله إلى حضنه الدافئ .. كان ذلك أكثر ما يحتاجه في محنته هذه.


****

تكفلت الشركة بإقامة جنازة لائقة للزوجين إيفرهارت حضرها آلويس و بعض أصدقاء الأسرة .. أما إدمون فمكث في فندق رخيص و لم يأت - رغم شدة رغبته بذلك - كيلا يعلم أحد بوجوده في أمستردام ، و لم يبرح مكانه حتى علم بعودة آلويس إلى المنزل بعد انتهاء الجنازة .. كان يريد لقائه بأسرع ما يمكن فخبر في غاية الأهمية و الخطورة قد وصله و أصابه بقلق شديد.

بعدما تنكر جيدا تسلل إلى داخل المنزل من الباب الخلفي ثم بخطوات خفيفة سريعة صعد إلى غرفة آلويس.

وجد الصغير جالسا على حافة سريره بملابس الحداد ، و التي أضفى سوادها بريقا لاعما لعينيه الصفراوين و رسم الكآبة و التعاسة على محياه في الوقت ذاته.

رفع عينيه الساكنتين نحو خاله بصمت .. اقترب إدمون منه و جلس قربه .. تردد كثيرا قبل أن يقول : "هل أنت .. بخير ؟!"

لم تكن هناك أية جدوى من هذا السؤال فالجواب أوضح ما يكون ، لكن غرض إدمون منه لم يكن الاستفسار بقدر كسر جدار الصمت و حمل آلويس على الكلام ، بيد أن محاولته باءت بالفشل فلم يظهر على الطفل أي رغبة بذلك.

أخذ إدمون نفسا عميقاً ثم وضع يده تحت ذقن آلويس و أدار وجهه صوبه : "استمع إلي جيدا يا آلويس ! أنت لا ذنب لك فيما حدث لذلك لا تحمل نفسك اللوم ! لقد مات السيد و السيدة إيفرهارت في حادث كثيرا ما يحصل هذه الأيام !"

تلاقت عيناه بعيني خاله .. كان كلاهما يعرف أن موت الزوجين لم يكن حادثا بل جريمة مدبرة لكن أيا منهما لم يقو على الإفصاح عن ذلك صراحة.

نطق إدمون سؤاله الأهم بعد مدة ليست بقصيرة من التردد و الصمت : "أخبرني يا آلويس .. هل سمعت السيد إيفرهارت يتحدث عن أي شيء بخصوص نقلك إلى مدرسة في ستراسبورغ ؟!"

"ربما.. لا أعلم"

"حاول أن تتذكر فلا يمكن أن ينقلك لمدرسة أخرى دون علمك !"

"كان يخبرني عن الكثير من المدارس في آن واحد لذلك لا أستطيع أن أتذكر !"

احتدت نظرات إدمون له .. كان يعلم يقينا أنه يعرف فكيف يفوت طفلا عبقريا مثله أمر بديهي كهذا ؟! إنه يتذكر كل شيء لكنه يأبى أن يجيب لسبب ما ..

تنهد إدمون تنهيدة طويلة ثم ألقى نحو الصغير نظرة حاسمة أتبعها بلهجة شديدة الجدية "آلويس ... ستعود معي إلى باريس !"

خالط الكآبة في عينيه شعور عارم بالدهشة "ماذا ؟!"

تابع بحزم "ستعود لتعيش في منزل والدتك معنا ! لم يعد في استطاعتنا إبقائك بعيدا عنا بعد كل ذلك !"

"ألم تقل أن ظهوري سيسبب الكثير من المشاكل و المتاعب لكم ؟!"

"لا ، قلت أن ذلك سيكون خطيرا عليك أنت ! لكن .. لا أظن أن هناك مكانا أقل خطرا من باريس ! لذلك ستأتي لتعيش معنا ... كابن بالتبني !" قال كلمته الأخيرة بأسف شديد "آسف حقا لذلك لكن ليس في وسعنا بعد الإعلان عن هويتك كفرد حقيقي من عائلتنا !"

"لن أعود معك ! و سأذهب لتلك المدرسة !" قال آلويس بلهجة قوية حاسمة

"ماذا ؟! لكن.."

"لقد قابلت مبعوث المدرسة في الجنازة ، أخبرني أن والدي نقل كل أوراقي إلى مدرستهم ثم أراني رسالة الموافقة التي كتبها بخط يده و ذيلها بتوقيعه الخاص و أرسلها إليهم !"

هتف إدمون باستنكار : "كل ذلك يمكن تزويره يا آلويس ! السيد إيفرهارت ما كان ليوافق على هذا دون استشارتنا ، و نحن قد رفضنا نقلك لتلك المدرسة رفضا جازما !"

قال آلويس بجمود : "و ربما يكون ذلك حقيقيا ، لا يمكنك أن تجزم !"

"لكننا لا.."

اكتسى صوت الصغير بالغطرسة و الكبرياء "أنا سيد نفسي و حين أقرر أمرا لا أنتظر موافقة من أحد ، مدرسة النجوم المضيئة هي المكان الأنسب لي لتنمية قدراتي و تطويرها ، و إن كنت لا تدري فهي تضم أفضل المدرسين في العالم و أكثرهم خبرة و احترافا !"

حاول إدمون أن يحافظ على هدوئه "أعلم ، لكن من أسسها أشخاصا مريبون و ليسوا أهلا للثقة ! هذه مجافزة خطيرة يا آلويس !"

هتف الطفل بعناد : "و إن يكن ! لن يصيبني أي مكروه فأنا قطعة نادرة بالنسبة لهم و لن يفرطوا فيّ بسهولة !"

كان وجه إدمون يحمر غيظا و حنقا رغم كل جهوده للسيطرة على أعصابه "آلويس ! تنازل عن غرورك لبعض الوقت و استمع إلي ! قد تكون أشد ذكاء مني لكني أكثر خبرة منك بكثير !"

و رد عليه الصغير بعجرفة : "أنا أعرف مصلحتي أكثر من أي شخص آخر ، و لست في حاجة للنصح !"

"يا إلهي ! لم أر طيلة حياتي شخصا متحجر الرأس مثلك !"

قال ببرود استفزازي : "عن إذنك .. أريد حزم حقائبي للسفر إلى ستراسبورغ !" و أدار ظهره لخاله بفظاظة ليتجه نحو خزانته ..

أمسك إدمون ساعده بقوة "لا تكن أنانيا ! إن كنت لا تهتم لحياتك فنحن نفعل ، أنا ، أبي ، أمي ، إيفا ، و سارة كلنا نحبك و نريدك أن تكون بيننا !"

سحب آلويس ذراعه من يد خاله و قال بأنانية مفرطة : "هذه الحياة أنا من يعيشها لذلك أنا فقط من يحق له أن يقرر بشأنها ! كوني فردا من أسرتكم لا يعني أن أصير تابعا أسير وفقا لأهوائكم و رغباتكم ! سأفعل ما أريد و ليس من حقك لا أنت و لا غيرك أن تتدخل في شؤوني أو تلقي علي أوامرك !"


أجفل إدمون للحظة كما لو أنه تلقى صفعة مباغتة ، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة أسف صغيرة : "أها .. هكذا إذن ؟! في النهاية .. لم نكن أكثر من حمقى متسلطين يقيدون حريتك !" وقف على قدميه و نظر إليه بعينين باردتين "أنا أرفع يدي عن كل شؤونك ! افعل ما يحلو لك فأنت وحدك من يملك عقلا !"

أدار ظهره و غادر المنزل غاضبا دون أن يلتفت خلفه .. عندئذ خانت ستارة البرود و القسوة آلويس و سقطت عن وجهه لتكشف الحزن المرير المتواري خلفها.
كانت الكلمات الجارحة التي نطق بها لسانه أقسى عذاب يمكن أن يتعرض له..


*****

لم يكد الليل يسدل أجنحته المظلمة فوق مدينة النور حتى عاد إدمون إلى قصر الماسة الرمادية.
دخل على أسرته في غرفة جلوسهم عابس الوجه متكدر المزاج ، و دون أن يلق أية تحية تخطى زوجته ثم أمه قاصدا أباه.

كان جوزيف يطالعه - منذ أن رآه قادما - بنظرة استنكار و ذهول ، هذا ليس ما اتفقا عليه ! إدمون ما كان ينبغي له أن يعود دون آلويس !

انحنى إدمون مقربا رأسه من أبيه الجالس و همس في أذنه بضع كلمات على عجل ثم اعتدل واقفا.

نهض جوزيف من مقعده و اتجه برفقة ابنه صوب الباب .. قبل أن يأتيهما صوت كارولينا المتأجج غضبا : "مكانكما أنتما الاثنان !"

استدارا في دهشة ، فأردفت بنبرة آمرة : "لن تغادرا هذه الغرفة ! إن كان لديكما ما تقولانه فقولاه هنا على مسامعنا ! لسنا جواسيس أو عملاء لمنظمات إرهابية كما تعرفان ! نحن ننتمي إلى هذه العائلة مثلكما ، نحبها ، نخشى عليها و نضحي من أجلها ! ألا نستحق أن تمنحانا بعض الثقة ؟!"

تمعن فيها جوزيف بعينيه الوقورتين "ما الذي جعلك تعتقدين أن الموضوع يتعلق بالعائلة ؟!"

ردت كارولينا بثقة عظيمة "أستطيع أن أحس بذلك !"

وجه نظراته صوب سارة فأدارت الأخيرة وجهها عنه بحركة سريعة و تظاهرت بالبراءة .. ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة لم تمكث طويلا "حسنا .. لقد غلبتنا يا كارولينا !" اختلس نظرة لإدمون .. كان ممتعضا لكنه لم يبد أي علامات اعتراض لذلك فرفع والده راية الاستلام لزوجته قائلا : "لك ما شئت ، سوف نخبركم بما حصل !"


جلسوا حول طاولة الشاي المستديرة و استلم إدمون زمام الحديث .. أعلمهم بموت الزوجين إيفرهارت بعد أن اصطدمت بسيارتهما شاحنة نقل ضخمة ، ثم محاولاته العقيمة لإحضار آلويس معه و الرفض الوقح الذي أبداه الصغير لهذا الطلب بسبب رغبته في الالتحاق بمدرسة النجوم المضيئة في ستراسبورغ.

كانت تعابير وجوههن - باستثناء سارة الجامدة - تتبدل باستمرار و هن يستمعن إلى أخباره المفجعة.

سألت إيفا بعد أن فرغ زوجها من الكلام : "و ما هي هذه المدرسة ؟!"

تنهد إدمون بضيق "ليست مكانا جيدا كما يبدو ، فالقائمون عليها رجال مشبوهون !"

رفعت الجدة يدها إلى قلبها وهتفت في جزع "يا إلهي !"

خاطبها جوزيف بصوته الاشبه ما يكون بالحبوب المسكنة "لا تخافي ، لن يؤذوه فهو في غاية الأهمية بالنسبة لهم !"

تساءلت سارة : "إن كان سيذهب لتلك المدرسة المشبوهة كما تقول .. فنحن لن نستطيع مقابلته مجددا أليس كذلك ؟!" ظهرت في صوتها خيبة لم تعهد من فتاة لامبالية مثلها ، كانت تستمع كثيرا بزيارة آلويس مع أنها لم تقل ذلك صراحة.

أفزعت هذه الفكرة كارولينا "ماذا ؟! جوزيف إدمون هل هذا صحيح ؟!"

تبادل الاثنان نظرات اليأس و قلة الحيلة .. أجاب جوزيف :"لا ، لن يكون في استطاعتنا رؤيته حتى يخرج منها !"

ترقرقت الدموع في عيني الجدة "لا يمكن !"

عندها أفرغ إدمون ما يختلج في داخله من ضيق "و ماذا في مقدورنا أن نفعل ؟! إنها رغبته يا أمي ! لقد حاولت مرارا إقناعه بالمجيء معي ، لكنه أغلق أذنيه رافضا الانصات لكلامي وأصر على التحاقه بتلك المدرسة الكريهة ، و أنا لا يمكنني جره من قدميه و إحضاره إلى فرنسا كما تعلمين ! نحن في نظر العالم لا تربطنا به أية صلة و لا حق لنا في التدخل بشؤونه !"

طأطأت كارولينا رأسها و جففت دموعها "هل .. هو يكرهنا حتى يرفض العيش معنا ؟! هل اقترفنا أي سوء في حقه ؟!"

قالت إيفا بابتسامة حزينة : "لم يبد أي شعور سلبي نحونا .. أو على الأقل لم يظهر على وجهه !"

تحدث إدمون باستياء : "نحن لم نرتكب أي خطأ ! لقد اختار الدراسة في النجوم المضيئة ليطور نفسه و يزيدها غرورا و ليس لأنه يكره الحياة معنا !"

نهض من مكانه و خاطب إيفا سائلا : "أين لونا و وليام ؟!"

"إنهما نائمان"

"في هذا الوقت ؟!"

"اسأل ابنتك الغالية ! ويل مستيقظ منذ الصباح الباكر بسببها !"

تنهد إدمون و قال متمنيا "آه .. ليتني أعود طفلا لا هموم تؤرقني و لا شيء يشغلني سوى اللعب !"












رد مع اقتباس
  #238  
قديم 08-09-2016, 07:22 PM
 
السلام عليكم
البارت رائع دائماً و مفاجئ
بموت السيد و السيدة إيفرهارت
مؤسف للغاية و لكن أظن بأن قرار آلويس خاطئا
ربما بالنسبة لرأيي الشخصي لو كنت مكانه لذهبت
مع إدمون
ممممم البارت حزين و مصدم
لكن انتظر البارت الجاااااااي
الى اللقاء❤
Mygrace likes this.
رد مع اقتباس
  #239  
قديم 08-09-2016, 09:55 PM
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اميرة ماساكي مشاهدة المشاركة
هاااااااي
مرحباً صديقتي ☺
وااااو انا أشكرك على وضعك لبارتين
بدل واحد هذا راااائع و الاثنان معا رائعان
كالعادة و عائلة الآيون مضحكة جدااااً 😭😭
لكن كلما أتذكر ان هذه العائلة ستلقى حتفها في الحريق
أحس أني سابكي 😫😫😫😥😥😩😩
ممممم للأسف
وسأنظر البارت بأحر من الجمر


أهلا و مرحبا بك غاليتي ❤❤

العفووووو سعيدة جداً لأنهما أعجباك (:6

آه .. نعم هذا محزن لكن هكذا هي الحياة

شكرا من القلب على متابعتك ❤❤❤




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة miaka yuki مشاهدة المشاركة
اهلا ماي
اشتقت لك ,
اسفه لانني لم اكتب ردا البارحة
كان ذلك بسبب ظروف طارئة
بارتات رائعة انا انتظر جديدك كل يوم بفارغ الصبر .....
كما اعجبني ذكاء الويس الصغير .....

هلا و مرحبا ❤❤
تشتقلك الجنة يا رب :looove: افتقدت وجودك أيضا ❤
لا عليك كلنا نواجه ظروفا بين الحين و الآخر شكرا لعودتك ❤

أنت الأروع دون شك يسعدني حقا أنها أعجبتك (:6

لم تري إلا القليل من دهاء ذلك الصغير و هذا ما ستثبته الأحداث التالية إن شاء الله





اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اميرة ماساكي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
البارت رائع دائماً و مفاجئ
بموت السيد و السيدة إيفرهارت
مؤسف للغاية و لكن أظن بأن قرار آلويس خاطئا
ربما بالنسبة لرأيي الشخصي لو كنت مكانه لذهبت
مع إدمون
ممممم البارت حزين و مصدم
لكن انتظر البارت الجاااااااي
الى اللقاء❤



و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ❤

شكرا لك عزيزتي ❤❤ نعم الفصل كان حزينا و كئيبا .. السعادة لا تدوم كما نعرف جميعا و كذلك الحزن و الألم

إذن فلك رأي مخالف لرأي آلويس ؟! حسنا سأترك الفصول القادمة تعطيك الإجابة الفاصلة بخصوص هذا الأمر :6:

فصل الغد سيكون إن شاء الله أقل حزنا و أغزر أحداثا

و في النهاية أشكرك من كل قلبي على متابعتك و مداومتك على الرد السريع لكل فصل


كل الود و المحبة لك




رد مع اقتباس
  #240  
قديم 08-10-2016, 01:22 PM
 



الفصل التاسع و الثلاثون
ج2
*كان سر سعادتي*





رفع رأسه نحو السماء التي عكرت صفاءها مجموعة من الغيوم المتفرقة .. كانت بهذه الحال أقرب ما تكون لحاله ، هل حدث كل ذلك في الأمس فقط ؟! بدا الأمر له عند استيقاظه كما لو أن سنين طويلة قد مضت . لم يستطع أن يتقبل فكرة أن ابن أخته أصبح بعيدا عنهم .. بعيدا جدا في الواقع ، بعد كل تلك الجهود المضنية و الخطط المعقدة لحمايته و إخفائه يأتي ذلك الطفل الأناني و يهدم سنينا من التعب في لحظة واحدة !
أطلق تنهيدة مهمومة فهبت نسمات رقيقة داعبت وجهه و شعره الأحمر كأنها تحاول مواساته.

"أراك تجلس وحيداً !"

قال جوزيف مظهرا ابتسامة ناعمة ، كان يسير بمحاذاة صف طويل من زهور الجوري الحمراء المنسقة بإتقان قاصدا البقعة التي يجلس فيها ابنه.
أدار إدمون وجهه المكروب تجاه أبيه ثم تنهد قائلا : "أردت بعض الهدوء .. لأصفي ذهني"

"هكذا إذن .."

ألقى بنفسه فوق المقعد الخشبي بجوار إدمون ، نظر في عينيه بتمعن و أضاف بصوته الهادئ : "ما الذي يشغل بالك ؟!"

"أشياء كثيرة !" كان يتحدث بلهجة ابن في سن المراهقة يشكو إلى والده مشاكله الصغيرة ، رغم كونه قد تعدى الثلاثين عاما إلا أنه مهما كبر يبقى في وجود أبيه طفلا يحتاج النصح و الإرشاد.

"و كلها تتعلق بآلويس ، أليس كذلك ؟!"

هز إدمون ببطء رأسه و العبوس يلوح فوق شفتيه "ذلك الطفل هو بحد ذاته مشكلة مستعصية !"

"لماذا برأيك اختار الذهاب إلى النجوم المضيئة يا إدمون ؟! هل تظن أن ما أخبرك به هو السبب فعلا وراء اتخاذه ذاك القرار ؟!"

"لا أدري.."

"بل تدري ! أنت أكثر شخص يفهمه و من غير المعقول ألا تدرك إن كان ما يقوله لك هو الصدق أم لا !"

دفعته اللهجة الحازمة التي خاطبه بها والده للنظر في فكرة غير مرغوبة حاول طوال الوقت إبعادها عن ذهنه ، رمى بها إثر تنهيدة عميقة : "كان كل شيء فيه يصدق كلماته ، العجرفة في صوته ، و الكبر في أنفه المرتفع تعاليا ، حتى يداه كانتا مقبوضتان بشدة من الغضب .. شيء واحد فقط كذب كل ذلك ... عيناه ! كانتا تبديان ألما و أسى لا يتوافقان بأي شكل مع ما ينطق به لسانه من كلام قاس جاحد !"

"من السهل أن يتعلم المرء كيف يكذب بلسانه و جوارحه لكن ما أصعب أن تكذب العينان !" نظر إلى إدمون بطرف عينه "إذن فأنت في أعماقك تعرف أنه لم يقل الصدق !"

طأطأ الابن رأسه بحرج .. فتغاضى جوزيف عن هذه النقطة و قال : "حسنا لا يهم ، ما يعنينا هو لماذا قبل الالتحاق بتلك المدرسة بهذه السهولة ؟! ما الدافع لذلك من وجهة نظرك ؟!"

"إن كان هناك من سبب يمكن أن يدفعه للكذب علينا بكل تلك القسوة حتى يذهب إليها ... فلابد أن يكون الإنتقام !"

اتسع بؤبؤ عينيه في ذهول "الإنتقام ؟! ممن ينتقم ؟! و لمن ؟!"

"إنه يشك - وأنا كذلك - أن الزوجين إيفرهارت لم يموتا في حادث بل جراء جريمة مدبرة !"

انتفض جوزيف و هب واقفا في صدمة "هل تعني أن مورفان قد اكتشف حقيقة أن آلويس ابنه فقتل الزوجين ليستعيده ؟!!"

قال إدمون بنبرة غير واثقة : "ربما و ربما يكون الدافع وراء الجريمة لا علاقة له بمورفان !"

"كيف ذلك ؟! من يمكن أن يرتكب جريمة وحشية كتلك للحصول على آلويس غير أبيه المجرم ؟!"

كان جواب إدمون سريعا و مفاجئا : "مدرسة النجوم المضيئة !"

زادت العقدة فوق عينيه حدة "ماذا ؟! لم قد يفعلون ذلك ؟!"

شبك إدمون أصابع يديه و أجاب : "مؤسسوا هذه المدرسة رجال مثيرون للريبة و بلا ضمير ، إنهم يجمعون العباقرة و الموهبين من كل أنحاء العالم و يضمونهم إلى مدرستهم مهما بلغت التكاليف و الصعوبات ! و آلويس كما تعلم عبقري بشكل يندر وجوده لذلك كان عليهم الحصول عليه بأية طريقة حتى لو عنى ذلك ارتكاب جريمة بشعة !"

رسمت كلمات إدمون الخوف على وجه أبيه "إن كان ما تقوله صحيحا يا إدمون .. فآلويس في خطر عظيم !"

"أجل ، إنه يريد الانتقام منهم لكنهم ليسوا بتلك السهولة التي يتصورها !" أرجع رأسه للوراء و أغمض عينيه "يا إلهي ماذا بوسعنا أن نفعل ؟! إن قمنا بأي تحرك علني سنزيد الأمر سوءا ، فلا شيء يثبت أن مورفان على علم بالحقيقة !"

فكر جوزيف مليا ثم عرض اقتراحا خطر له : "يمكننا دس جاسوس هناك لمراقبته و الإطمئنان على حاله ، ما رأيك ؟!"

قلب الفكرة في عقله جيدا ثم قال : "تبدو فكرة حسنة لكن تنفيذها لن يكون سهلا بل قد يكون خطيرا جدا إن صحت شكوكي !"

"أعلم ، لكن هل من حل آخر ؟!"

تنهد قائلا : "سأتناقش مع مارتل في الأمر !"

أحس بوالده يلكزه بمرفقه و يقول : "انظر من أتى !"

كانت لونا و وليام قادمان إليهما و حين اقتربا تركت الصغيرة يد شقيقها وأسرعت راكضة نحو أبيها والفرحة تغمرها "بابا ! بابا آد !"

فتح لها ذراعيه بحب و شوق كبيرين "أهلا أهلا بحبيبة أبيها الجميلة ! لا تتخيلين كم اشتاق بابا لك !" قفزت لتعانقه بحرارة و سعادة لا تقل عنه.

ابتسم وليام "أهلا بعودتك أبي !"

بادله والده الابتسام "شكرا لك يا وليام ! أخبرتني أمك أنك قضيت وقتا متعبا مع لوني !"

اكتسبت ابتسامته برودا حين ذكره والده بمعاناته "آه .. لقد استقيظت عند الفجر و تسللت خارجة من غرفتها ثم أتت إلى غرفتي و بقيت تهزني و تصبح فوق رأسي حتى أفقت مذعورا !"

استغرب إدمون : "لكن غرفتك بعيدة عن غرفتها !"

"نعم ، لكنها تحفظ الطريق جيدا ، ذاكرتها قوية .. لسوء حظي !"

ضحك إدمون و خاطب ابنته قائلا : "لم تتعبين أخاك معك يا لوني ؟! هاه ؟!"

غطت الصغيرة فمها بيديها لتخفي ضحكتها الماكرة ، لم يتمالك جوزيف نفسه فشارك ابنه الضحك ، لقد كان لمجيء الطفلين تأثير كبير في تحسين مزاج الرجلين خاصة إدمون.

ربت على رأس وليام بمرح "ليت كل الأطفال كأطفالي !" قاصدا بذلك التمني طفلا واحدا..

اعترض وليام سريعا "مثلي أجل ! لكن مثل لونا لا و ألف لا ! أمنيتك البريئة هذه ستودي بالبشرية إلى حافة الانقراض يا أبي !"

صاحت لونا فيه غاضبة : "ويڤ اسمت !"

قهقه جوزيف وقال مبديا دهشته : "بدأت تنطق أخيرا يا ويل !"

أطلق الفتى تنهيدة متعبة ثم قال ببرود : "حفيدتك الكارثة تنطق الأخرس يا جدي !"


⭐⭐⭐


في مكان آخر ذو جو مقيت مغمور بالكراهية والبغض مناقض كليا لجو الحب العائلي الذي يحيط الماسة الرمادية .. فتح آلويس عينيه بعد أن أنقذه صوت المنبه من حفرة كوابيس مخيفة يسقط فيها كلما أغمض جفنيه لينام ، اعتدل جالسا فوق سريره و مرر بصره في أرجاء الغرفة .. كان زميله و شريكه فيها ما يزال غارقا في النوم .. تركه آلويس على حاله كما يفعل دوما و غادر فراشه متجها إلى الحمام ، غسل يديه و وجهه ثم رمى عنه ملابس النوم وارتدى زيه المدرسي الأنيق الذي كان السواد غالبا عليه .. وقف يطالع نفسه في المرآة ، للسعادة التي كان يعيش فيها سابقا لم يتصور أن من الممكن لعينيه الجميلتين بلون العسل الصافي أن تبدوا مهجورتين من الحياة هكذا .. حتى الابتسامة المفعمة بالثقة التي كانت تتخذ من وجهه مقرا دائما لها رحلت عنه دون أمل لعودة كما لو أنها لم تمر بشفتيه يوما.

لملم شتات نفسه و محا بقايا التعاسة و الهم من محياه ، ثم خرج لتناول الإفطار في قاعة الطعام الواسعة حيث يجتمع سائر التلاميذ هناك لتناول وجباتهم.
اتخذ مقعدا منعزلا و جلس يأكل فطوره بهدوء .. لم يكن انطوائه ناتجا عن ضعف في شخصيته أو نقص في ثقته بنفسه و إنما لكرهه العميق لهذه المدرسة التعيسة بكل ما فيها.

كان عقله النادر يملك من النباهة ما يكفي ليتوصل للحقيقة البشعة ، هذه المدرسة هي من تسبب في موت والديه بالتبني و هي من حرمه من تحقيق أمنيته في العودة لأسرته الحقيقية التي أحبها من أعماق قلبه حينما واتته أخيرا الفرصة لذلك . إنها أبعد ما تكون عن النجوم المضيئة ، حتى الحفرة المظلمة أو بؤرة الشر ربما لا تكون كافية لوصف فظاعتها كما تستحق.

أخذ كتبه من خزانته التي صفت مع خزائن أخرى في الممر ثم اتجه إلى صفه .. لم يجد هناك غير طالب واحد كان هو و آلويس ذلك الوقت الطالبين الوحيدين في المستوى السادس و ذلك لندرة وجود أطفال بهذه الدرجة العالية من العبقرية.
دخل دون إلقاء تحية و جلس على مقعده في الصف الأمامي قرب النافذة ، لم يدر وجهه مرة واحدة تجاه رفيقه و الذي كان بدوره يشمئز من النظر إليه فالعلاقة التي تجمع آلويس بزميله جاستن كانت منافسة حامية تسودها كراهية متبادلة من الطرفين.

وإثر دقائق مرت بصمت لم يقطعه أي كلام دخل معلم الأحياء و بدأت الحصة الأولى لذلك اليوم . انقضت الحصة تلو الأخرى كالمعتاد دون حدوث أية مستجدات حتى أتت حصة الرياضة ، فقد حل محل الأستاذ القديم أستاذ آخر ، كان رجلا رياضيا رشيقا مشدود العضلات لا يختلف اثنان في كونه الأنسب لتدريس هذه المادة.
و لكون آلويس و جاستن الطالبين الوحيدين في الصف تقرر جمعهما -خلال حصة الرياضة فقط - مع طلاب المستوى الخامس.

لم يظهر على آلويس أيما استياء بسبب ذلك ، فمهما بلغ غروره لن يصل إلى الدرجة التي تجعله يحتقر الناس الأدنى منه ، كما أن هذه التصنيفات لم تكن تهمه في شيء ، أما جاستن فشعر بالإهانة وأخذ الغضب يتملكه .. كيف يجرؤون على وضعه مع طلاب أقل من مستواه ؟!

نفخ الأستاذ بصفارته وهتف "اجروا أسرع ! جاستن ! أنت بطيء رفاقك يسبقونك ، هيا تنشط و حرك ساقيك !"

كز جاستن على أسنانه بغيظ ، كره هذا الأستاذ بصفارته المزعجة و توجيهاته المكررة المملة ، لكنه أسرع في الجري فهو يرفض الهزيمة في أي مجال و أمام أي شخص خصوصا آلويس.

"ابتعدوا عن طريقي أيها الحشرات !"

كان يركض محموما بأقصى طاقته حتى تمكن من تجاوز كل الطلاب و لم تعد تفصله عن آلويس سوى بضع سنتيمترات . لم يلتفت الأخير إليه كما لو أن لا أحد خلفه ، فهدفه من الجري كان ممارسة الرياضة و ليس التسابق . لكن الأمر لم يكن كذلك عند جاستن فالمنافسة بينه وبين آلويس مسألة حياة أو موت بالنسبة له ، و ظل يجري بأسرع ما أمكنه حتى تخطى آلويس و أصبح بذلك يتقدم الجميع.

أدار رأسه نحو آلويس وقال ضاحكاً بسخرية : "لقد تجاوزتك و فزت عليك أيها المغرور ! ها ها ها !"

رمقه آلويس بنظرة باردة لامبالية و لم يحاول زيادة سرعته فالأمر في رأيه أسخف من أن ينافس عليه.

صفر الأستاذ معلنا إنتهاء التمرين و حصته كذلك ، فتوقف الطلاب لأخذ استراحة حتى يلتقطوا أنفاسهم المتقطعة و يشربوا بعض المياه قبل توجههم للحصة التالية.

ألقى آلويس جسده المنهك على أحد المقاعد في الساحة وأخذت أنفاسه تسترجع انتظامها شيئا فشيئا ً.. أحس بشخص يقترب منه فرفع رأسه ليجد الأستاذ يبتسم له "كنت جيدا حقا يا آلويس !"

اتخذ له مكانا على المقعد نفسه ثم التفت نحو آلويس وأضاف : "قل لي في أي شهر ولدت ؟!"

طرح سؤاله غير المتوقع بأسلوب ودي .. لكن آلويس ألقى إليه بطرف عينه نظرة حادة يغلفها الحذر ثم أجاب حين تذكر أن كل معلوماته بما فيها ميلاده مسجلة في ملفه المدرسي : "مارس !"

هتف الأستاذ بإعجاب "حقا ؟! يقال أن المولدين في بداية السنة غالبا ما يتميزون بقدرات رياضية عالية ! هذه النتيجة استخلصت بعد دراسة العديد من الاحصائيات لكنها ليست دقيقة و لا تصيب على الدوام مع أنها تبدو صحيحة في حالتك !"

لم ينطق الفتى بأي تعليق ، هذه المعلومة بل الموضوع كله لا قيمة له عنده . كان ينتظر فقط أن ينهي الأستاذ ثرثرته و يذهب و لم يتوقع أن يطول ذلك.

"أتدري يا آلويس.." أصغى الصبي إليه ليس لاهتمامه بقدر استغرابه من تغير لهجته المفاجئ فقد غدت أكثر حميمية و دفئا "إن لي ابنا و ابنة أصغر منك بقليل ، ليسا هادئين مثلك و لا في نصف ذكائك لكنهما - رغم كونهما مشاغبين و يتشاجران دوما - أجمل شيء في عالمي و كل مناي أن أراهما سعيدين ناجحين في حياتيهما . ليس هناك ما هو أروع من العائلة يا آلويس ، عندما تتحد روابط الدم بالروح فلا قوة في العالم تستطيع قهرها !"

قطب آلويس جبينه بارتياب ، لماذا يقول هذا الكلام له ؟! نهض الأستاذ و قبل أن ينصرف استدار نحو تلميذه و أردف : "الأبناء أثمن كنز بالنسبة لآبائهم و هم يتمنون لهم كل الخير حتى لو كان ذلك على حساب راحتهم أو حياتهم ذاتها ! أهلك يا آلويس الأحياء منهم والأموات لا يريدون لك ما تفعله بنفسك و لا يسعدهم أن يروا ما آلت إليه حالك مهما كان الدافع قويا في نظرك !" ارتسمت ابتسامة غامضة على شفتيه حين قال جملتيه الأخيرتين ، غمز له بعينه "اعتن بنفسك ايها الصعلوك الصغير !"


ثم ولى للصغير ظهره و انصرف .. وقف آلويس يحملق في خيال الأستاذ في دهشة و ذهول ... هذه الطريقة الفظة في إبداء النصح و الحكم و تلك الشتيمة الأخيرة هي بلا أدنى شك .. له هو ! خصمه الأول و خاله الذكي المغرور بنفسه إدمون !! هل يعقل أنه من أرسل هذا الرجل ؟!


⭐⭐⭐


ضاقت عيناه الزرقاوان و هو يحدق في ابنه بتمعن يخالطه التوجس و الشك
"هل هذا ما يحصل هناك حقا ؟!"

رد إدمون و الضيق يبدو على وجهه : "نعم ، يبدو أن الأمر كما توقعته النجوم المضيئة ليست مدرسة عادية و هدفها ليس ساميا خلافا لما تظهر ! الأجواء هناك مشحونة بالحقد و العدوانية و محفوفة بالحذر و الترقب !"

فرك جوزيف ذقنه و استغرق في التفكير محاولا العثور على حل ..
"ماذا سنفعل بشأن آلويس إذن ؟! ذلك المكان خطر عليه بلا شك !"

"في الوقت الحالي لا نستطيع القيام بأي خطوة فكل ما بحوزتنا استنتاجات لا يثبتها دليل ملموس يمكن الاستناد عليه !" تنهد ملقيا بعض همومه خارج صدره "سنبقي عميلنا هناك لجمع المزيد من المعلومات عن المدرسة و مراقبة آلويس عن كثب لحمايته و ردعه عن أي تصرف متهور قد يفكر في الإقدام عليه ! هذا كل ما بوسعنا فعله الآن !"

لم تبد تلك الإجراءات كافية لإرضائه أو لتخفيف القلق الذي ينتابه لكنه أرغم نفسه على القبول بها لبعض الوقت حتى يسعه إيجاد ما هو أفضل !
"حسنا .. أظن هذا هو الخيار الأصوب ! لدينا من الأعداء الأوغاد ما يكفينا و يزيد ! كما لا أرى جدوى من الهجوم على وكر الذئاب ذاك و إثارة عدواتهم ضدنا إن كنا لا نملك ما نقاتلهم به !"

هز إدمون رأسه بشرود .. كان لكلام والده الرزين تأثير مهدئ على أعصابه جعله يقتنع أكثر بسداد خطته الحالية و يثبت عليها !
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مفاجئة "أنت على حق ، و بالإضافة إلى ذلك آلويس ليس طفلا ضعيفا أو أحمق يسهل الإيقاع به ! إنه يبدي فطنة و إتزانا مدهشا و يتعامل بقوة تجبر من حوله هناك على إحترامه و تقديره !"

تسلل إلى قلب والده شعور قوي بالفخر و الأمل ظهرت آثاره في صوته "أتدري يا إدمون .. قد يكون آلويس الصغير أوسع منا حيلة و أشد دهاء في مواجهة أؤلئك المجرمين ! من يدري ربما يهزمهم قبلنا !" خرجت ضحكته رغما عنه و هو يتخيل الأمر .. أما إدمون فزم شفتيه بامتعاض و لاح البرود في عينيه إن كان والده لا يمانع في أن ينقص من قدر نفسه فإدمون ليس مثله ، قلة في هذا العالم من يمكن لهم منافسته في ذكائه و حنكته ! هو طبعا ليس مغرورا لدرجة أن ينصب نفسه كملك للعباقرة لكنه بلا أدنى شك من أنبغ دهاة بني آدم !


⭐⭐⭐


بعد مرور سنوات كبر فيها الأطفال و تغيرت بعدها الأحوال ..


"ليس هكذا يا ويل ! أنت تبدو كالفزاعة بهذه الوقفة !"


أطلق وليام زفرة متململة و حاول تعديل وضعيته بأن أنزل ذراعه اليمنى و انحنى للأمام قليلا .. اقتربت شقيقته الصغيرة غاضبة "أمسك السيف بطريقة أفقية و اجعله موجها نحو خصمك !"

نفذ تعليماتها الشديدة دون احتجاج و هو في داخله يلعن اليوم الذي ولد فيه ليصبح شقيقا لهذه الطفلة المتسلطة.
لم يكن خصمه أو بالأحرى الطفل الذي يمثل هذا الدور أفضل حالا منه ، كان كثيرا ما ينسى النص و يرتجل من عنده حوارات ركيكة ..

زمجرت لونا باستياء : "التزم بالنص يا ليون !"

حول ليون نظره نحو وليام رفيقه في هذه البلوى .. استبكت عيناه كأنه يقول "لماذا أنا كل مرة ؟!"

تبسم وليام بسخرية مبكية "إن كنت أنت مرة كل أسبوع فأنا يوميا و لمدة أربع و عشرين ساعة مع هذه الوحش !"

التفتت نحوه لونا بنظرة محذرة كأنها قرأت ما يدور في خلده ، لكن سرعان ما اعتدل مزاجها حين طالعت نفسها في المرآة الضخمة المثبتة على الجدار .. أخيرا ستمثل دور الملكة ماري أنطوانيت أمام أسرتها و أسرة ميلارد كذلك.

جرت ثوبها الطويل - الذي صممته بنفسها خصيصاً لهذه المسرحية - فوق خشبة المسرح المسدلة ستائرها و هتفت بالممثلين المساكين الذين كانوا عبارة عن شقيقها و صديقها ليون بالإضافة لعدد من الخدم : "هيا سنرفع الستارة بعد خمس دقائق ، فليأخذ الجميع مواقعهم بسرعة !"

تفرق طاقم المسرحية كل إلى عمله .. و وقفت لونا بشموخ الملكات فوق الخشبة اللامعة و أنوار الثريا العالية تزيد حليها المزيفة بريقا.

فتحت أبواب المسرح الصغير و دلف أفراد الأسرتين إلى داخله ، تلفت كريستيان ميلارد حوله بإعجاب "جميل ! و كأنه مسرح حقيقي !"

رفع إدمون رأسه و مشى متبخترا نحو المقاعد الأمامية و قد زاده مديح كريستيان غرورا إلى غروره "طبعا سيكون كذلك فأنا من أشرف على بنائه !"

رماه كريستيان بنظرة مشبعة بالسخرية "و لهذا السبب كنت قلقا من دخوله خشيت أن ينهار فوق رؤوسنا !"

شاركته إيفا الضحك على زوجها الذي ارتفعت زاوية شفتيه مشكلة ابتسامة واثقة "تقول ذلك لأنك تحترق غيرة مني !" تصنع تنهيدة وأضاف "لا بأس انا أعذرك فقد ابتليت بمنافس لا يمكنك التغلب عليه !"

رد كريستيان متهكما : "أوه أجل صحيح ! أنت تغلبني دوما خصوصا في الصفقة التجارية مع المستثمر الكندي قبل خمسة أعوام !" ذكر ذلك عن عمد فتلك الصفقة كانت الذكرى الأسوء لإدمون فهي تعد أكبر خسارة تكبدتها المؤسسة منذ تأسيسها.

مد إدمون شفتيه الحمراوين و ظهرت فوق عينيه عقدة حادة "حقا ؟! كنت قليل الخبرة وقتها لكني عوضت تلك الخسارة بنجاحات عظيمة لاحقا ! لكن ماذا عنك أنت ؟! كيف هو شعورك بهزيمتك النكراء أمام الحوت السمين باتاي ؟!"

ضاقت عينا منافسه واتخذ الموقف منحى الجدية "نعم ، لقد هزمني كرة الشحم ذاك ، لكنني أعد خطة كاسحة لسحقه ستطولك بعده ! انتظر فقط !"

تلاقت شرارة تحد من عينيهما ، كان كل منهما يمثل الخصم الأعظم للآخر و يفضل الموت على الاعتراف بالهزيمة أمامه.

هتفت كارولينا بنفاذ صبر : "أوه بربكما اعقلا قليلا ، أنتما تتشاجران كما لو كنتما طفلين حتى أولادكما يتصرفون بعقلانية أكثر منكما !" استدارت نحو إيفا الغارقة في نوبة ضحك تصيبها كلما شاهدتهما يتعاركان "لماذا لم تتدخلي لتوقفي جدالهما بدل الضحك يا إيفا ؟!"

حاولت الأخيرة إيقاف ضحكها و قالت : "لم يكونا ليستمعا إلي يا عمتي !"

تنهدت كارولينا فاقدة كل أمل بزوجة ابنها غير المسؤولة ، كانت دوما و منذ طفولتها تجلس لتضحك على الولدين و هما يتشاجران دون أن تحاول إيقافهما كان الاستماع للشتائم و الإهانات المتبادلة بينهما أكثر متعة و تسلية ، لكن ما إن تلمح كارولينا قادمة حتى تبدأ بالتظاهر بمحاولة تهدئتهما الفاشلة.

قال جوزيف منبها الجميع : "هيا اجلسوا يبدو أن العرض سيبدأ الآن !"


أخذ كل مكانه في المقاعد الأمامية ، كان الاستمتاع باد عليهم باستثناء شخص واحد ، ففي كل اجتماع عائلي يجب أن يوجد فرد على الأقل ينآ بنفسه بعيدا عن النقاشات العائلية و ينظر لمن حوله ببرود ، هذا الشخص النكد لم يكن سارة هذه المرة بل زوجة كريستيان مارلين ! فهي لا تحب عائلة آيون و لولا إلحاح زوجها ما كانت لتأتي.

رفعت الستارة الحمراء عن المسرح معلنة بداية المسرحية المنتظرة.

تقدمت لونا من الجمهور بابتسامة خلابة "مرحبا بكم أيها الجمهور العزيز ، نتمنى أن تعجبكم مسرحيتنا الرائعة !" انقلبت ابتسامتها البريئة لعبوس حاد و اشتعلت عيناها "لقد سهرت الليالي لأصنع لكم هذه التحفة المميزة لذا إن سمعت أي ضحكة سأرمي صاحبها بكرتونة الطماطم العفنة تلك !" و أشارت بيدها نحو كرتونة مركونة في زواية المسرح.

كانوا يخفون ضحكاتهم بصعوبة ، هتف جوزيف مداعبا حفيدته : "كما تأمر جلالة الملكة ! لقد أتقنت فعلا دور الملكة الدكتاتورية يا لوني !"

لم تكن المسرحية قد بدأت بعد لكن إيفا لم توقف ضحكها إلا بشق الأنفس ، قال زوجها ساخرا : "أراك ستقذفين بالطماطم العفنة قبل أن تبدأ المسرحية حتى !"

اعتدلت في جلستها كاتمة ضحكتها بصعوبة .. هي لن تحب طبعا أن تلطخ ملابسها الأنيقة بتلك الخضار الفاسدة.


بدأ المشهد الأول و الذي يعرض مغادرة الأميرة النمساوية أنطوانيت بلادها و قدومها إلى فرنسا كزوجة للملك لويس السادس عشر.

مشت لونا مرفوعة الرأس بتعال و ثوبها الطويل يصدر حفيفا وراءها ، نظرت لما حولها بإنبهار ممزوج بدلال مفرط "واه ما أروع هذا القصر ! إنه يناسب ملكة بمثل جمالي و روعتي !" و دارت حول نفسها متباهية بما أوتيت من جمال و ثراء.

استدارت نحو وليام الذي كان يفترض أن يكون الملك لويس و شتت شروده بهتافها المفاجئ : "أوه عزيزي لويس ، أريد إقامة حفل كبير في هذا القصر الرائع ! أريد أن يتعرف أبناء شعبك على ملكتهم الرائعة و ينبهروا بما لديها من مجوهرات نادرة فائقة الجمال و القيمة !"

تنحنح وليام ثم قال بلهجة مذيع أخبار متردد "أوه طبعا عزيزتي .. الناس يجب أن يرو .. ملكتهم الجديدة !"

رمته لونا بنظرة غاضبة ، لقد قال نصه بطريقة سيئة كما أنه أنقص منه كثيرا !
تغاضت عن ذلك الخطأ و تابعت التمثيل .. حتى وصلت إلى مشهد الحفلة ، جلست هي و وليام على كرسيين كبيرين تم تزيينهما ليظهرا كعروش الملوك .. تقريبا.
نزلت الملكة الصغيرة عن عرشها و غادرت الحفل برفقة وصيفتها التي كانت في الواقع ليون !

زادت مارلين عبوسا و انتابها شعور بالاهانة "لم يؤدي ابني دور الخادمة ؟!"

تجاهل الجميع اعتراضها ليركزوا في مشاهدة الملكة المتعجرفة و هي تعود للحفل مرة أخرى و قد استبدلت مجوهراتها بأخرى لا تقل روعة عنها .. مشت بغرور و على وجهها ترتسم ابتسامة الرضا .. حتى حدث شيء جمد الابتسامة ! إذ عن غير قصد دعس ليون على طرف ثوبها مما جعلها تتعثر و توشك على السقوط ! استدارت إليه بنظرة مفترسة تتأجج غضبا فتراجع للخلف عدة خطوات يرتجف خوفا .. لينجح لأول مرة في الظهور كوصيفة مسكينة تعاني ظلم الملكة المتكبرة !

غرق الجمهور في ضحكات مكتومة كادت تخنقهم .. التفتت لونا نحوهم بحدة لتجدهم جالسين بهدوء و كأنهم لم يضحكوا بتاتا.
عادت لتكمل المشهد و هي تحاول جاهدة تناسي الأخطاء الفادحة التي ارتكبها وليام و ليون .. ثم سادت الأجواء موسيقى جميلة هادئة تأذن لضيوف الحفلة بالرقص.

قالت كارولينا بدهشة : "هل هذه سارة من تعزف ؟!"

رد إدمون مبتسما : "نعم ، لقد رفضت ذلك أول الأمر ، لكنها وافقت على مضض بعد أن ألححت عليها !"

أبدت إيفا إعجابها "إنها تعزف بمهارة مدهشة كالمحترفين !"

ضحك إدمون بسخرية "هذا هو الشيء الوحيد الذي تجيد فعله !"

دخل كريستيان الحوار المتعلق بسارة بسؤاله "سمعت أنها ستشارك في المسابقة الوطنية للعزف على البيانو ، أهذا صحيح ؟!"

ردت كارولينا بسعادة و اعتزاز "أجل ، أستاذها يحثها دوما على المشاركة يقول أن لديها موهبة نادرة و هو واثق تماما من فوزها بالمسابقة !"

ابتسم كريستيان بود "أوافقه الرأي ! إنها مذهلة !"

رمقته زوجته العابسة بنظرة تأنيب جعلته يسكت و يلتفت أمامه .. كانت إمرأة غيورة للغاية و تنزعج لأتفه الأسباب ، لكن كريستيان لحسن حظها رجل صبور و يتحاشى إثارة غضبها بهدوئه.

وصل إلى سمع إدمون صوت خطوات خافتة خلفه ، فأدار رأسه ليجد كبير الخدم القدير إدوارد يعبر بخفة من بين الكراسي حتى يصل إليه .. سأل إدمون : "ما الأمر يا إدوارد ؟!"

أحنى الرجل ظهره باحترام و أجاب بصوت مهذب منخفض النبرة : "لديك زوار سيدي !"

التفت جوزيف بدوره و إدمون يستفهم باستغراب : "زوار ؟! من يكونون ؟!"

"إنهما السيدان ريستارك و بيفورت سيدي !"

اكتسى صوت إدمون بالسخرية "آه الأخرقان !"

نهض من مكانه .. انتظره إدوارد بأدب حتى تقدمه ثم سار خلفه بقامته المنتصبة ككبير خدم محترف.

فوق المسرح وقفت لونا تراقب أباها و هو يخرج .. بدت الخيبة عليها لرؤيته يغادر قبل إنتهاء مسرحيتها لكن ذلك الشعور المحبط لم يدم .. صاحت فجأة "وقت مستقطع !"

لم يتمالك الحضور أنفسهم من الضحك ، قالت إيفا و قد ازرق وجهها "هل هذه مسرحية أم مباراة كرة سلة ؟!"

نزلت أنطوانيت الصغيرة من خشبة المسرح و خرجت خلف أبيها تاركة المسرحية بممثليها و جمهورها في حالة دهشة.


سار إدمون عبر الفسحة الواسعة للقصر متجاوزا النافورة الضخمة ذات التماثيل الغريبة متقنة الصنع و هبط المدرج الجميل المحفوف بشتائل الأزهار متعددة الألوان .. الشيء الوحيد الذي بدا دخيلا على جو الحديقة الجميل و غير متلائم معها هم أؤلئك الزوار غير المرغوب فيهم.
تعالت أصواتهم الساخطة مفسدة على العصافير تغاريدها الحسنة .. صاح ريستارك و وجهه النحيل محمر غضبا : "من تحسب نفسك يا آيون حتى تحشر أنفك في أعمالنا ؟!"

ثنا إدمون ذراعيه و أصغى السمع لاحتجاجاتهم الفظة و هو يرسم على وجهه ابتسامة ماكرة تفيض سخرية و استخفافا . كان هناك مراهق صغير يقف خلف بيفورت ، كان منشغلا بتمتيع ناظريه بجمال الحديقة و سحرها دون أن يأبه بصياح الرجلين .. بدا كأنه قد جاء معهما عن طريق الخطأ !

تقاطع مع كلامهم نباح كلب أسود مخيف الشكل .. ارتعدوا للوهلة الأولى ، لكنهم استعادوا شعورهم بالأمان حين رأوا الحبل المتين الذي يقيده.

صرخ بيفورت متابعا ما بدأه رفيقه : "اسمع جيدا يا آيون إنني أحذرك و للمرة الأخيرة من التدخل في شؤوننا !"

عاد صوت النباح مجددا .. و ضحك إدمون ملء فمه.

زمجر ريستارك و أسنانه تصطك ببعضها غيظا "ما الذي يضحكك أيها الحقير ؟!"

فض إدمون عقدة ذراعيه و أشار نحو الكلب "نوار يبدو مهتما و متلهفا أكثر للانضمام لحديثكم الفارغ ، لقد مضى زمن طويل منذ أن التقى بحيوانات من ذات جنسه لذلك .. " أدار ظهره لهم ملوحا بيده "أتمنى أن تستمتعوا مع بعضكم !"

للمرة الأولى سمع صوت الرفيق الثالث .. ضحك حتى دمعت عيناه ! رماه الرجلان بنظرة شرسة ، لكنه لم يبد أي خوف و تابع ضحكه.

تقدم بيفورت و قد تجاوز غضبه كل الحدود ، صاح بأقسى صوت عنده : "عليك اللعنة أيها النذل كيف تجرؤ على إهانتنا ؟!"

التفت إدمون إليهم بنصف استدارة ، و ابتسامته المغرورة لم تبرح مكانها .. لم يكد ينطق حتى وصل إلى مسامعهم صوت غاضب
"من هناك ؟!"

تحولت أنظار الأربعة نحو الملكة الصغيرة و هي تسير إليهم و قد اكتست قسمات وجهها الجميل بالاستياء و الحنق .. نظر إليها بيفورت نظرة كره و اشمئزاز و قال مخاطبا إدمون : "هل هذه هي ابنتك ؟!"

كانت لونا من رد و كان ردها متغطرسا : "أجل أنا الملكة ابنة الملك ! من تكون أنت أيها المتشرد ؟!"

فغر بيفورت فاه في دهشة ما لبث أن حل الغضب مكانها أما المراهق فشارك إدمون الضحك باستمتاع حقيقي.

عادت لونا لتقول قبل أن تسنح لبيفورت أو لرفيقه الفرصة للكلام : "من الذي أتى بكم لقصري ؟! هل أنتم جائعون ؟! أليس لديكم خبز ؟! كلوا العشب مع الحمير إذن ليس لدينا ما نطعمكم إياه !"

نظر بيفورت إلى صاحبه و قد ألجمت الطفلة المتعجرفة لسانهما .. ضحك إدمون حتى كاد صوته ينقطع "هذه هي ملكتي الرائعة !"

صاح ريستارك بازدراء : "كنا سنعرف ذلك حتى لو لم تقل ، فهي وقحة و كريهة مثلك أنت !"

مسح المراهق دموعه و التفت نحو أبيه دون أن ينقطع ضحكه "لقد مسحوا أرضية حديقتهم كلها بكرامتك يا أبي ! و لا أظن أن شيئاً تبقى منها ! هل تريد أن أعيرك بعضا مما لدي حتى تستطيع الخروج من هنا بماء وجهك ؟!"

التفت إليه والده بعينين تقدحان شرا ، كان يمسك نفسه بصعوبة من ضربه "تضحك على أبيك أيها المعتوه ؟!"

صاحت لونا آمرة : "اخرجوا من قصري حالا !"

نظر الرجلان نحوها بحقد مشتعل .. قال بيفورت من بين أسنانه : "لن نخرج حتى نصفي حسابنا مع والدك لذا ابتعدي و دعينا ننهي كلامنا أيتها الطفلة الوقحة !"

عقدت لونا حاجبيها بغضب "كيف تجرؤ على إهانتي في قصري أيها القرد الغبي ؟! سأريك !"

استدارت و اتجهت نحو الجهة الأخرى .. توقفت أمام الكلب نوار الذي أخذ يهز ذيله بسعادة ثم التفتت نحو الرجلين بنظرة متوعدة "إن لم تغربوا عن وجهي الآن سأفك قيد نوار و أجعله يمزقكم إربا إربا !"

سيطر الخوف على موقفهم ، تراجعوا للوراء برعب ثم هتف ريستارك مستغيثا : "أوقف ابنتك المجنونة يا آيون !"

نحنى الأب نفسه جانبا و قال : "إنها ملكة القصر و لا كلام بعد كلامها !"

أمسكت لونا القيد لتعطيهم بذلك الإنذار الأخير .. فما كان منهما إلا أن ركضا نحو سيارتهما بأسرع ما يستطيعان و هما يصرخان : "سحقا لك ! سحقا لكم جميعا أيها الآيون !"

أما بيفورت الابن فسار على مهله خلفهما و هو يضحك كما لم يفعل من قبل ، بدا مسرورا تماما بسيل الإهانات الذي تلقاه والده و رفيقه.

بعدما رآهم يركبون سيارتهم و يغادرون القصر .. هرول نحو ابنته الصغيرة ، ضرب كفه بكفها و ابتسم لها بفخر "أحسنت جميلتي !"

بادلته الابتسام و قالت : "في المرة القادمة لا تخرج حتى تسدل الستارة ، اتفقنا ؟!"

ضحك و رفع إبهامه بانتصار "أجل ، اتفقنا !"

أمسك يدها و سارا معا عائدين إلى المسرح الصغير.











رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:16 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011