البارت الثامن
ساي: صعوبات!
دخلت الأم في تلك اللحظات مع كيو و هيَ تمسك الحائط الذي بجانبها: أرى أنَّكم اهتممتم بأنفسكم.
نهضَ هاجي معيناً والدته على الجلوسِ معهم: أمي!..لم يكن عليكِ النهوض من فراشك.
جلست و هي تقول: لقد أقلقتكم بما فيه الكفاية لشيءٍ ليس ذو أهمية.
ساي: يجب عليكِ أن تهتمي بصحتك فهذا الإهمال سيزيد علَّتك سوءاً على ما هيًَ عليه.
كحت ميرنا موجهةً نظرتها لساي الذي فهم معنى حركتها و كأنها تقول له ( أنظر من يتكلَّم..)
نهضَ ساي من مكانه قائلاً لأخيه كيو: يجب علينا الذهاب الآن كيو.
مادونا محاولةً إبقائهم أكثر: الوقت ما زال مبكراً ..و أنا لم أجلس معك حتى الآن.
ابتسم لها: أشكركِ أمي لكن أظن أنَّنا سببنا الكثير من المشاكل.
نهضَ هاجي ليودعهم و عند الباب خارجاً...
تقدَّم ساي نحو سيارته و فتحَ بابها لكنه أدار رأسه قبل أن يصعد: أه..قبل أن أنسى, لم تخبرني عن الصعوباتِ التي تقصدها.
هاجي و هو يمد يديه متشابكتين شاداً بهما نحو الأعلى : ليس مهماً..كنت أود تذكيرك أنني لا أستطيع تقبل إطاعة أوامر من هم أصغر مني سناً ,فيجب عليك إقناعي قبل كلِّ أمرٍ تصدره.
أثار اهتمام هاجي ابتسامة ساي الخبيثة: لا تقلق,فأنا ماهرٌ في الترويض.
ذهب ساي و خلفه هاجي ممتلئاً بغيضه ( و كأني حيوانٌ وحشي..!! و قبل أن أنسى يجب أن ألغي عرض العمل ذاك..)
.......................
فتح كيو فمه: أخي..
أجابه ساي: أمم..
كيو: إن تلك المرأة حقاً ملاك.
ساي: أجل.
كيو: و تلك الميرنا أيضاً.
قطب حاجبيه: احفظ لسانك..يقولون الآنسة ميرنا.
كيو على نفسِ حاله: ألا تظن أنَّها أفضل من فيونيكا؟
أخذ نظرةً بسيطة لأخيه ثمَّ أبعدها: لا تنسى أنَّها مخطوبتي ..لا تتمادى عليها.
كيو: إه...مخطوبتك؟!...إنَّ هذه الخطوبة الرسمية تضحكني ....أنتَ لا تعرف من الخطوبةِ سوى اسمها.
ساي: يجب أن نتأقلم على هذا الوضع على كلِّ حال و أنتَ لا تحشر نفسك في أمور الكبار.
كيو بأسلوبٍ طفولي يغيظ ساي: كاذب ,أنتَ لم تتأقلم و لن تتأقلم على فيونيكا.
ضلَّ صامتاً لأنه يعرف أنَّ أخيه على حق فيما يقول....
كيو بعد ثوانٍ: ما رأيك ساي أن نبحث لوالدي عن زوجةٍ غنية و من عائلةٍ راقية ؟
توسعت عينيه قليلاً: ما هذه الفكرة الغبية؟
كيو موضحاً: إنَّ والدي يريد منك الزواج بتلك الفتاة لثراء عائلتها و عراقتها, فماذا لو فعل هو هذا فستسقط عنك هذه المسؤولية؟
أوقفَ ساي السيارة قائلاً: لن تدخل هذا المنزل امرأة بعد أمي.
كيو: أي أمٍّ تقصد؟
فتح ساي حزام الأمن: لا مزاجَ لي لتحمل أراجيفك..تعلم ما أقصده.
كيو: ما الفرق بين أن تنادي امرأةً غريبة بأمي و بين أن تنادي زوجة أبيك بهذا...؟
صوتُ طيرانِ الطيور المنتشرةِ في السماء اعتلى بعد صوت تلك الصفعة و احمرار وجنته الصفراء: لا تقارن بين السماءِ و الأرض ..و هل النساء اللواتي سيدخلنَ لهذا المنزل سيكونون مثل والدة ميرنا و هاجي؟
وضعً كيو يده على وجنته كعادته حينَ يُصفع ,و ا الآن يشعر بهذا الألم للمرّة الثانية..لكن حرارة هذه الصفعة كانت أحرُّ بكثير من سابقاتها فقد كانت من حرارةٍ قلبه و حزنٍ عميٍق لأمِه..
هبطت يدَ ساي فوق المقعدِ الرمادي الباهت: لا تفكر بتبديلِ أمي بتلك النسوة.
..........بع
2 يوماً..........
كان ساي يمشي في الممر فالتفت لباب المكتب المجاور...
كان بابه مفتوحاً و أضواءه تطل على الجدار المقابل....
توقفت أقدامه و بدأ ينظر للباب بتأمل...
هذا الباب يحمل كثيراً من الذكريات الجميلة و المبهجة له...
أخذته ذاكرته للوقتِ الذي جلس متكئاً عليه يسمع صوت ميرنا المنكسر ...
بعد لحظات عرضت شفتاه بابتسامةٍ حزينة و نظراتٍ غريبة بين الحزن و السعادة...
أغمض جفنيه مصوِّراً ردة فعلها حين يدخل....
تنهض من فورها مؤديةً الاحترام قائلة: سيدي...
ترفع رأسها لتظهر تلك البسمة التي تشعره بالبهجة تحيط بجنانه....
من ثمَّ تسأله بصدقٍ بادٍ على معنى مشاعرها الطيبة:"هل أنت بخير ساي؟...هل كان يومك جيداً؟"...أو ربما تقول ,"هل كانت عطلتك سعيدة؟"
حرَّك قدميه النحيفتين لتتحرَّك مرَّةً أخرى و يدخل الغرفة...
وسامة هاجي كانت بادية بجلسته الرزينة و هو يشرب القهوة في كوبها الأبيض بيده اليمنى و رافعاً أوراقَ ملفاتٍ يدقق بها بيده اليسرى....
كسرت هذه الصورة تصورات ساي..( لمَ أفكر بهذا الأسلوب و أنا أعلم أنَّها لن تعود؟!)
ترك هاجي الأوراق على الطاولة : ما بك تنظر إلي بهذه النظرات العجيبة؟
ساي نافياً: ليس هناك شيء...فقط أتيت لأسأل إن كانت...
هاجي مقاطعاً: لا تقل لي أنَّك ستقول نفس الجملة مرَّةً أخرى!!!
ساي: هل هي بخير؟
هاجي : أه.. لا تمزح معي هذه المرة فقد كنت معنا البارحة.
ساي: لا تنسى أنَّنا السبب في كسر قدمها.
وقف هاجي واضعاً يديه فوق الطاولة: أجل, إنَّها في تحسن و قد قال طبيبها أنَّها ستستطيع أن تتخلى عن العكازين في الأسبوع القادم على الأغلب.
ظهرت بعض الراحةِ عليه:أنا سعيد لسماعِ هذا.
هاجي: إذاً إن لم يكن لديك شيءٌ آخر لقوله فأخرج و دعني أتم عملي.
رفع ساي صوته قليلاً: يا حبيبي..! عاملي يطردني...!
.......بعد ثلاثةِ أيام........
كانَ هاجي منهمكاً في العملِ بجد حينَ دخل ساي ينظر له : ماذا تفعل؟!
هاجي : ألا ترى ؟..أقوم بعملي بالطبع فاخرج و لا تزعجني.
ساي: ليس لديك الحق لإخراجي من هنا...إن كنت ستتعامل مع مديرك بهذا الأسلوب الفظ فلا تتصوَّر أنني سأتحملك و سأدعك تأتي للعمل.
أفلت هاجي الملف على الطاولة: أوي..أوي, بدأت بالتهديد مبكراً !... لا تكن حساساً بهذا الشكل.
اقترب منه بخطواته الواثقة: قلتُ لك أنَّني سأروضك.
ضاقت عيني هاجي بملل: لا تكرر هذه الجملة,إنَّها تُشعرني بأني حيوانٌ مفترس.
بريقٌ ظهر في عينيه: بالضبط.
تقدَّم ساي نحو النافذة الموجودةِ خلف هاجي و اسند جانبه الأيمن بالحائط بجانبها و وضع يداً على يد: هل تحسنت قدم أختك؟
أدار هاجي مقعده نحوه: أجل..تستطيع قول هذا.
ساي: أنا محرج حقاً.. لم أكن أتصور أنَّ مشاكل أخي تصل لهذه الدرجة.
حرَّك هاجي خصلاته بملامح اعتراض نوعاً ما: لا تجعل أخاك في الصورةِ دوماً و خاصَّةً حين تكون أمامه لا يجب عليك أن تتحدَّث بهذا الشكل فبمعاملتك الجافة ذلك اليوم طبيعي أن يحاول إظهار نفسه..فهو في عمرٍ حساس الآن.
بملامح طفولية :تباً,بدأت تتكلَّم مثل ميرنا.
هاجي يتقدَّم قليلاً واضعاً يده فوق قدمه: لأنَّ هذا هو الكلام العقلائي...كيو له شخصية مستقلة و تصرفاته الخاصة, و يجب عليك أن تدعه يظهر ما لديه بدلاً من إقناعه أنَّه عائقٌ و مسبب للمشاكل إنَّ جفافك المبالغ به هو ما جرَّه لتصرفاتٍ لا ترضاها ... إنَّ تعاملك له أثر سلبي ,أتفهم هذا؟
يغير منحنى نظرته لخارج النافذة: ربما تكون على حق لكني لا أريد أن يكون صورةَ مُستقبلي... فما أعانيه علَّمني أن أحفظه في طفولته ما دمت أستطيع ,صدقني هذا أفضل له.
هاجي: لا يهمني ما تمر به لكن كيو لن يكون فتىً طبيعياً...
نهضَ هاجي و ذهب واقفاً بجانب ساي: يبدوا أنَّ مشاكلك مع مخطوبتك..و هذا ما يزعجك.
ساي: كيف علمت؟ هل أخبرتك ميرنا؟
هاجي:و هل تعلم أختي ؟..واو مثير أن تعلم عن حياتك الشخصية بهذا الشكل, لكنها فتاةٌ تكتم كلَّ شيء فما بالك بأسرارِ الآخرين..السبب الذي جعلني أشك بهذا هوَ أنك لا تتكلم عنها بتاتاً و كأنما لا تعترف بها كجزءٍ من حياته و هذا غير طبيعي.
دقق بنظرته بصمت ليتأكد هاجي من ما فكر به: أظن أني أتفهمك..فأنا اخترت مخطوبتي لشعوري بأنَّها فتاةٌ تفهمني و ستكون سنداً لي في جميع الأوقات.
ساي بغرابة و مظهرٍ بارد: لديك مخطوبة!
بدأ هاجي بتحريك يده بابتسامة: إن كان لديك أنت, لمَ لا يكون لدي؟
ساي: مشكلتي ليست هيَ فقط بل لأنِّي أصبحت دمية يديرها الآخرون بتهديد أو وعيد للوصول لأهدافهم و مصالحهم دون التفكير بي..قلت لأمي هذا من قبل ,كل شيءٍ في حياتي مقرر و مخطط من الآخرين و خروج ميرنا أيضاً كان أمراً من فيونيكا.
هاجي بتذمر: يبدوا أنِّي الوحيد الغريب هنا.
ساي: قلت لأمي هذا لأني كنت أحتاج أن أريح نفسي من الهموم المتكدسة قبل فترة و من الطبيعي أن تعلم ميرنا بالموضوع حيث أنَّها تعمل مساعدتي و رأت بنفسها تصرفات فيونيكا المتعجرفة .
هاجي( كفَّ عن الكذب و المراوغة فلست غبياً ليصدق هذه القصة..)
مدَّ هاجي يده و وضعها فوق كتف ساي: اعتمد عليَّ فبما أنَّ والدتنا واحدة تستطيع اعتباري أخاك الأكبر و واجب الأخ المساعدة.
نظر لهاجي ببسمة : أشكرك ..لكن ليس بيدك شيء لتفعله.
كانت نظرة هاجي تحمل معاني العزم : أوه..لا تقل هذا سترى أنَّني سأكون سبب خلاصك من المشاكل.
ساي: هذا ما تقوله ميرنا..
ضحك قليلاً: تقول أنَّها ستغير فيونيكا و سأعترف أنَّني أحبها من أعماق قلبي.
نظر هاجي له نظرةً جانبية مرحة: و هل تفعل؟
ساي منكراً: لا تعني سوى المشاكل..أود التخلص منها فقط.
هاجي بخبث: و ماذا عن ميرنا؟
بلع ريقه ما أن سمع هذا لكنه تمالك نفسه: ما الذي تريد الوصول إليه من هذا السؤال؟
هاجي: أجبني فقط.
أخذ نفساً ثم قال: فتاةٌ مميزة و رائعة في مداراة الآخرين..هذا كلُّ شيء.
أصبح هاجي جدياً فجأة: أخبرني بصدق ..هلـ ..
غيّر منحنى حديثه :... لست كميرنا تحاول إصلاح المجتمع...لكن أضمن لك بنسبة 75% أنَّ كلَّ شيء سيحل قريباً.
ساي: لنرَ..فقط أتمنى أن لا تُسقط السماء فوق رأسي عوضَ أن تبسط الأرض التي تحتي.
...........بعد عودةِ هاجي...........
ينزع حذاءه: لقد عدت.
أخرجت مادونا رأسها من المطبخ : أهلا بك..هل كان اليوم جيداً؟
هاجي: أمم..
دخل لغرفةِ الجلوس و أخذ مكانه بجانب أخته: مرحباً..هل الدروس بخير ؟
ميرنا تقلب صفحة كتابها: أجل..لكن بعض المواضيع صعبةٌ للفهم نوعاً مالأني لم أحضرها في المدرسة.
هاجي يطلُّ على الكتاب: ليست مشكلة..سأساعدك .
ميرنا: شكراً لك أخي.
هاجي بعطفٍ أخوي: لا شكر على الواجب .
تتلبك ميرنا قبل أن تفصح عن ما بداخلها: أخي...ربما لا يكون لي علاقة بما يحدث هناك الآن لكن ,كيف كان وضع المجمع التجاري؟
تمدَّد هاجي واضعاً يديه تحت رأسه: ككلِّ يومٍ مضى..لا جديد.
ميرنا تشدُّ على قبضتها قليلاً: و ماذا عن السيد شيوكي؟
هاجي: بخير..لماذا تسألين عنه؟...هل اشتقتِ له؟
ميرنا: يا لك من مزعج...كلُّ ما هناك أني اعتدت على العمل هناك و رؤيته كلَّ يوم...هذه المدة جعلتني أحس بالحنين للعمل الذي أمارسه و الأناس الذين كنت أخالطهم.
( أنا أكاد أموتُ قلقاً عليه..من يعتني به الآن و يعطيه دواءه..أعلم أنَّ ساي لا يهتم لهذه الأمور..و تلك الفيونيكا هي مخافتي الكبرى فلو ذهبت يوماً لزيارته ربما تسوء حاله..)
........................
هاجي يكلِّم شخصاً بالهاتف: ...لا بأس سأعوضك...لكن يجب أن ننجح في العمل...اعتبره بدايةٌ لعملنا الجديد...
أغلق الهاتف و بدأ يحركه في يده الأخرى: ستنكشف الحقائق كلُّها... سترى نفسك بين خيارات حياتك ساي.
فكر للحظة (لكن يجب أن تعلم أمي بالموضوع...)
بعد دقائق...
الأم بدهشة: يا الهي..
ضربت فوق جبهته بخفة: لم أكن أعرف أنَّ ابني مشاكس لهذا الحد...لكن هناك مشكلة يجب أن تضيف لها...
..... بعدَ أسبوع......
ميرنا تتمشى مع صديقاتها في باحة المدرسة خارجةً منها.....
كاورو: لكن ما زالَ عليكِ أن تعتني بها لمدة.
شيهو ممسكة حقيبتها الوردية بكلتا يديها: إنَّها على حق فالعظام المكسورة تأخذ وقتاً حتى تعود كما كانت.
ميرنا بامتنانٍ و راحةٍ واضحة: شكراً على اهتمامكما ..
قطع حركتهم وقوف فتىً شاب في مثل أعمارهم معهم: مرحباً ميرنا.
نظرت له بجفاف ثمَّ قالت: مرحباً..هل هناك خطبٌ ما؟
كانت لهجة حديثها واضحةٌ بالجفافِ و البرود اللذان يحكيان انزعاجها من مجيئه....
تلعثم في البداية: أ..أن..ااا.. لمـ ...
تدارك نفسه و قال :.. لم أقصد إزعاجك..كنت أودُّ أن أقول حمداً على سلامتك..أنا سعيدٌ لأنك على ما يرامِ الآن.
لهجتها أصبحت أكثر مرونة قليلاً: شكراً لك يان .
أنزل حقيبته التي كان يضعها بيده فوق كتفه و بدأ يخرج منها شيئاً: لي لكِ شيء.
ابتعد شيهو مع كاورو لتراهما ميرنا و تنفعل: لحظة!..أين تذهبا و تتركاني وحدي.
كاورو بتلاعب بحقيبتها الصفراء: آسفة..أنا في عجلةٍ من أمري.
كاورو: و أنا أيضاً, نراكِ غداً عزيزتي.
(هذا ما كان ينقصني!!..)
يان يمدُّ بعض الدفاتر الدراسية: خذي..من المؤكَّد أنَّكِ ستلاقين صعوبة في الدروس التي لم تحضريها.
ميرنا: شكراً لك , لكن ماذا عنك؟
نظرته كانت عطوفةً بحق لكنَّها لم تكن تعني أيَّ شيءٍ لها: لا يهم..إنَّه يومٌ واحد فقط.
ميرنا بامتنانٍ لصديقها: حقاً أنت صديقٌ رائع.
ابتسم يان بخفة: أتمنى أن أكون كما تقولين.
توقفت سيارةٌ جرَّت أنظار الجميع ...
كانت السيارة غريبةٌ على هذا المكانِ قليلاً...كانت من أعلى الطرازاتِ و أفخمها ...
خرجّ منها ما أثار دهشتهم أكثر...
فتىً وسيماً في مقتبلِ العمر يقترب من بوابةِ المدرسة بخطواتٍ جريئة ...
خصلاتِ شعره المتحركة أوهمت الأعين بطيرانها تحت هبّاتِ الهواء...
رشاقةُ جسده كانت تزيد من رزانةِ تحركاته...
عيناه البريقتانِ بالأمل كانت تزيد من ثقته...
توجهت عيون الجميع نحوه و هو يتقدَّم دون مبالاة حتى توقف بجانبِ ميرنا: سعيدُ لرؤيتكِ بخير ميرنا.
دهشةُ الجميع لم تكن توصف و هم يرون شخصاً بمثلِ ثراءه يقف و يتحدث مع ميرنا من بين جميع الفتيات....
نظراتهما الملتقيان شدَّت الجميع لانتظار ما سيحدث بينهما بفضول....
نظرات ساي التي تركزت عليها و كأنَّه نسي العالم أوقفتهم دون حراك.....
لكن هذا لم يدم فصرخةُ ميرنا قد وضعت علاماتِ التعجب و التساؤلِ بدلاً عن هذا: أيها الأحمق الغبي... ما الذي أتى بك إلى مدرستي؟!..
ساي ببعضِ التعجب المصطنع البريء:لقد أتيت لرؤيتكِ فقط.
ميرنا ترفع حقيبتها و تضربه به: هنا!!
يمسكك ساي حقيبتها قائلاً ببلاهة: العنف ليس من سماتِ الفتيات فدعي هذه الحقيبة الحديدية جانباً.
تشيح ُ ميرنا بوجهها مع غضبٍ واضح: تباً.
سأل يان باستفسار: من هذا الفتى ميرنا؟
كانت تبدي لهجتها المنزعجة أكثر الآن: مدير أخي في العمل.
يان بحدة مغبّنة: لماذا هوَ هنا الآن؟
ساي مدركٌ أنَّها لا تود التحدث عنه: لقد كان أخي هو سبب الحادث الذي أصابها..لذا أتيتُ لأطمئن عليها.
نظرته كانت حادة و غاضبة حين قال: إذاً لدى ميرنا حق..المدرسة ليست مكاناً مناسباً لمجيئك.
ابتعد مع نظرات ساي الملاحقةِ له: يبدوا أنَّ هناك من انزعج لمجيئي غيرك.
قال ساي بعد لحظات: هل تمانعين إن أوصلتك؟
تتقدَّم ميرنا عنه: و هل تظن أني سأعود للمنزل مشياً على الأقدام و سيارةُ تحت الطلب لدى الباب؟
ساي يذهب خلفها و يتقدَّم ليفتح باب سيارته لها منحنياً: تفضلي بالدخول يا آنسة.
ميرنا تصعد: كفَّ عن هذا التصرف؟...أستطيع الصعود وحدي.
اعتلى صوت إحدى الفتيات هناك: يا لها من وقحة!...تتصرَّف و كأنه خادمها.
ترك ساي ميرنا و اتجه نحو الفتاة: خدمتها تروقني..هل من مشكلة؟
أحسَّت الفتاة بإحراجٍ شديدٍ قد ملأ ها و كلُّ من هناك ينظر لها و للموقف الذي وضعت نفسها به و ضلَّت جامدة حتى عودةِ ساي لسيارته كأنَّ على رأسها الطير......
....................
ميرنا: ما كانَ عليكَ المجيء....وضعتني في موقفٍ صعب .
ساي: لمَ.. أ لِأجلِ ذاك الفتى؟
...: من؟!..لا تقل لي أنَّك تقصد ذاك الفتى الساذج يان.
....: كان واضحاً أنَّه يهتم لأمرك....ألا تبادلينه الشعور؟
....: أستطيع القول أنَّه صديقٌ حقيقي..لكن هذا كلُّ ما في الأمر.
....:يبدوا فتىً جيداً...ربما عليك تقبل اقترابه منكِ برحابةِ صدر.
وضعت يدها تحت حنكها: أسد لي خدمة و أقفل فمك...يان معتادٌ على التطفل عن جميع من يراهم في صفحاتِ حياتي الشخصية ... و اطمئن...تلك الفتاة التي رددت عليها هيَ الفتاةِ الأسوأ في المدرسة ستجعلني محط سخريتها و كناياتها منذ الغد..
حاول ساي تبرير نفسه: أوكي..لن أتكلَّم عنه .
ميرنا: لم تقل لي لمَ أتيت؟
ضلَّ يقود بصمت و حين رأت هي هذا لم تصر بل انحنت لشيءٍ آخر: هل تمانع أن أزور المجمع اليوم؟
ساي بلطف: مرحَّبٌ بكِ دوماً.
ميرنا: إذاً دعنا نذهب للمنزل معاً و نتوجه بعدها للمركز التجاري.
رفع رأسه نحوها بابتسامة: لا بأس...تحت طلبكِ آنستي.
بادلته الابتسامة و عادت لصمتٍ قبل أن تقول: هل من جديدٍ مع فيونيكا؟
ساي: أتت عدَّةَ مرَّاتٍ لزيارتي بعد علمها بخروجك...لكنَّها ما زالت تتحدَّثُ عنكِ بطيش.
لم تكن ميرنا قد استسلمت و قالت بلهجةِ تحدي: لا زلت اعتقد أنِّي قادرة على تغييرها.
ساي بسخرية: حظاً موفقاً.
نظرت له نظرةٌ جانبية باغتياظٍ مصطنع: ستندم على سخريتك مني.
ذهبا للمنزل و كما كان القرار ذهب الجميع معا للمجمع التجاري....
ذهب هاجي لمكتبه و ذهبت ميرنا مع ساي...
ميرنا : يبدو أنَّك بدأت بإهمالِ مكتبك..لا تقل لي أنَّ الاجتماعات المهمة تحدث هنا و هو بهذه الفظاعة.
ساي: يجب أن تدخلي مكتب أخيكِ لتري الفرق.
كانت تشبك يديها من خلف ظهرها و هي تمشي بطفولة و هو ينظر لتصرفاتها بحنية :كان يوماً مكتبكِ.
ميرنا: أما زلتَ متضايقاً؟
ساي: لست منزعجاً منكِ...لكني أتذكر تلك الأيام كثيراً أحس و كأنَّه مضى عليها سنين الدهر.
تقدَّمت ميرنا نحو المقعد الذي تختاره عادةً للجلوس و وضعت يدها فوقه محركتاً أناملها عليه: حدث الكثير منذ أن جلست على هذا المقعد لأوَّلِ مرَّة.
أرادت أن تبقى هكذا مخفيةً ما تخفيه من حزنٍ خلفه بكون ظهرها في اتجاهه....
بقيت لحظاتٍ تحاول رسمِ ابتسامةٍ زائفة ثمَّ واجهته بجسدها: لم تخبرني لماذا أتيت اليوم لمدرستي؟..ظننتُ أنَّك تحمل أخباراً مهمة فقلقت نوعاً ما.
خطى نحوها بخطواتٍ اختلفت في عينيها...لم تكن خطواته هي التي تقترب فقط بل هناك شيءٌ آخر..شيءٌ بداخله يقترب أكثر باقتراب قدميه المملوءتين وضوحاً و صراحة....
وصل لها قائلاً: بلهاء..لماذا يجب أن أقول لك كلَّ شي لتفهمي؟
صوتها لم يكن يخرج جيداً للشعور الغريب الذي انتابها: أنا فقط أردت أن أعلم ماذا هناك.
...: متأكدة من رغبتك بذلك.
بقي يتأمل فضول عينيها قبل أن يحني رأسه بجانبِ أذنها : شوقٌ لم أقاومه لرؤيتكِ تقفين أمامي بقدميكِ هاتين, لم أستطع الانتظار ...أردت أن أرى خطواتك المتوجهة نحوي....أردت أن أخطوا بخطواتك و أتقدم بتقدمك...أردت أن تقفي بجانبي كما تفعلين الآن .. تلك الخطوات, ليست خطواتاً فقط ..بل هي ما جمعتني بك ...هي بداية سماعي لصوتك..هي بدأ سعادتي بوجودك ...هي من أتت بك لهذا المكتب مراتٍ عديدة لتزيلي شجوني المتكدسة بابتسامةٍ تقصدين بها إبهاج فؤادي... هيَ من أثبتت لي وجود إنسانٍ يقلق لبشرٍ مثله بإنسانية و نيةٍ صادقة.... هي التي أظهرتكِ لي يا سحر قلبي.
طرق هاجي الباب قائلاً: أحم...أظن أنَّ الوقت غير مناسب للمجيء ,سأذهب الآن ,لكن نصيحةً مني أغلقوا الباب رجاءً.
رفع ساي رأسه بهدوء خلفه إحراجٌ لم يشعر به من قبل: ليس من شيءٍ مهم هاجي..أدخل.
هاجي مشيراً إلى أخته: أجل...هذا واضحُ على وجهها...تكادُ تسقط أرضاً...
هاجي ينظر لأخته: ما بك؟...ما الذي فعله لك هذا الفتى؟ ..و كأنك رأيت غولاً!
ميرنا ابتعدت للخلف جالسة على المقعد بدهشة .. ( ما الذي قاله تواً؟!..سحر... ماذا؟!!!.. غول!...لو كان غولاً لهربت على الأقل...)
ساي ينظر لها لحظة: أوه.
يبتعد عنها ذاهباً لمقعده المخصصِ له جالساً واضعاً أنامله اليسرى فوق الطاولة و مبسطاً يده الأخرى على المقعد: ما لديك؟
هاجي: بعض الملفاتِ الغريبة التي لم ائلفها.
ضيقت ميرنا عينيها باستفسار طرأ عليها: غريبة.
هاجي متقدماً نحوهما: هذه هي الملفاتِ التي أقصدها.
أخذ ساي الملفات من يده: لأيِّ الشركاتِ هي؟
هاجي: إنَّها لِ....
يقاطعه صوت اتصالٍ هاتفي....
يخرج ساي هاتفه من جيبِ بنطاله ناظراً للرقم المسجل: رقمٌ غريب.
أدار هاجي نفسه : لن أزعجك...أنا أيضاً لدي الكثير لأنجزه.
ساي: أه.
يرفع ساي السماعة: ساي شيوكي هنا.
كان من الواضح أن الصوت غريبٌ عليه و خاصة حينّ قال: عفواً ,من معي؟
تبادل الأخوين النظرات المستفسرة....
نهض فجأةً ساي و قد خطف لونه: ماذا؟!
نهضت ميرنا لتذهب واقفةً بجانبه: ماذا حدث؟!
ساي مازال يكلِّم المتحدث على الهاتف: ماذا تريدُ مني؟...مستحيل..هذا كثير!!!
قطع ساي المكالمة و جلس دون حواسٍ منه....
نظرات هاجي بدأت تعي ما يحدث: يبدوا أنَّ هناك مشكلة.
ضلَّ صامتاً حتى قالت ميرنا: أقلقتنا ساي..من كان المتصل؟
أجابها ساي بهمسٍ وضح معناه و هو ينظر لهاجي المقابل له: كيو...
ازدادت خوفاً و أحسّت أنَّ قلبها انقبض: ما به كيو؟!
...: اختطف كيو.
وضعت يدها مقبوضةً أمام صدرها بدهشة: ماذا قلت؟!!
كانت الحيرة واضحة عليه: يريد أن أدفع له ثمان مليار دولار...!!
خطت للخلفِ خطوة بملامح تفهم فقدانها للحواس بما حولها من هول ما سمعته: دولار!!!مستحيل..هذا أكثر من ميزانية هذا المكان!
ساي: بل حتى و لو بعت هذا المجمع و أخذت مساعدة والدي لن أجمع أكثر من نصف المبلغ.
هاجي: هل قرر وقت الدفع؟
بدا شاحباً و هو يقول: بعد ثلاثةِ أيام.
رفع يده تحت حنكه: فرصةٌ قليلة.
ميرنا بنظرةٍ حزينةٍ مواسية: أتمنى أن يكون على ما يرام.
نهض ساي ببطء و ذهب لبراد المياه ليشرب كأساً: أتمنى هذا.
/COLOR]