09-07-2016, 07:30 AM
|
|
خرج يوسف في الصباح الباكر لتفقـد شركات والده ، بسيارته
لآداء قسماً من المهام المتعلقة بالعمل نيابةً عنه ولم يفرغ منها إلا
بحلول الساعة 1 ظهراً، فقرر حينها اطلاق قدميه طليقةٍ تتجول
بقصد أحد المطاعم لتناول وجبةٍ خفيفة فرن هـاتفه الخلوي فجأة
ليقطع حبل أفكــاره .. دس احدى يديه في جيبه ليخرج هاتفه و
يجب .. "كيف حالك .. يوسـف" "بخير .. بالكـاد أشعر بالراحة" "أتريـد حفلةٍ أخرى .. حفلة استرخــآءٍ تـام" لا يا رجل ! اكتفيت من حفلة البارحة .. يبدوا لي أن لديك الكثير من
وقت الفراغ! " "ليس تماماً ،ولكنك بخيل في تلبية الدعوات
!..على كلٍ لدي طرد عملي باسمك وصلني اليوم و للأسف لا
يمكنني أن آتي إليك" "همم ! لا عليك أسـامه، سأحضر بنفسي لإستلامه ولكن حاليـا لا
أعتقد ذلك .. ماذا عن المسـاء؟" "منــاسب .. إذن أتفقنا ،نلتقي في المسـاء .. وداعـاً" أرجع هاتفه لموضعه وأوقف سيارته
ثم ترجل منها وسـارعلى قدميه لتقود به إلـى مطعم الذكريـات ! وقف ينظر إليه مسلوب الإرادة ..
ليس لأنه حـمل ذكريـات أحبها بل لوجود مكـونهـا الرئيسي.. على زاويةٍ مطلة على النافذة جلست ساندرا هناك تحتسي قهوتها
بشرود وهي تنظر للمـارة تارة وتارة أخرى نحو كتـاب بيدها .. لم
يعلم أيراها حقا أم يتوهـم بذلك ! ولكنه أدرك في تلك اللحظة بحقيقة
مشاعره ،أراد لو يحتضِنـها و يجلس قبالتها وينظر إليها ثم
يحدثها بما في قلبـه ، فهي أمـامه على بعد بضعة ياردات فاصله
بينهما فقط ،تردد أيدخل عليها أم عساه يتظاهر بأنه لم يرها؟ تقدم
خطوةٍ لأمام فـتذكـر أنها لم تُعلمه بوجودها هنا ولو شاءت حقا
لأعلمته بذلك مُسبقا،لعل ظرف عملي طارئ كان سبب حضورها ..
عـاد إلـى سيارته محبطاً، مسدود النفس .. يصدع باله سؤالاً واحد
،ترى هل لـمستُ فؤادهــا كما لــامستـنـي هي؟ لـم يعلم
بأن شرودهـا كـان تفّكْـراً فيه لدرجة أنها لم تشعر بمرور الوقت ولم
تفقه سطرا من الكتاب الذي بيدها بل كان للتمويه فحسـب ،نظرت
لرسغِها حيث سـاعتها ،إنها الثانية ظهراً ولابد أن تكون رنــاد قد انتهت من عملها، ذهبت لتودعها لأنهـا
ستمضي بقية اليوم بجانب أبيها، جلست معها ما يقارب الساعتين ثم
عادت إلـى منزلها في الرابعة مساءاً ، صعدت إلى غرفتها ورتبت
أغراضها وحقيبتها السفرية ثم اتخذت حمـامٍ مُهدئٍ للأعصاب
وبعد مرور
ساعه ،القت بنفسها في الفراش وهي بالكاد تصــارع النـوم، لم تفـق
إلا على إثر يدين قويتين هزتها برفق وصوت رزين همس باسمها "ســاندرا أفيقـي!" نظرت ساندرا إلـى مُنبهها ثم لأبيها في تعب وهي تفرك عينيها
بكسل "نعم أبـي ..
إنها لا تزال العاشرة إلـا ربع وطائرتي ستقلع في الثانية عشر بعد
منتصف الليل" "لم أيقظك لذلك، بل لأمرٍ طارئ يخصك" القت بنظرة سريعة لوالدها الذي بدت رنة صوته مثيرة للقلق لما
فيهـا من توترٍ ملموس، عندها عدّلت عن وضعية جلوسها وصبت
كامل اهتمامها وتركيزها نحوه "مـاذا هنـاك يا أبي؟ ..لا تبدوا على
طبيعتك هل من خطب؟" "نعم ،الأمر متعلق بخطيبـك يوسـف" "مــا به يوسـف؟" "أصيب بحـادث!" لوهلةٍ ظنت أنها لم تسمع شيئاً وكأن أذنيها يرفضان تلقي المعلومة
، فشد أبيها على كتفيها يهزها بعنف خوفا عليها من وقع الصدمة
وتأثيرها وجعل يطمئنها "إنه فاقدٌ للوعي حتى الآن ولكنه لم يصب بجروح خطيره بل طفيفة
ومجرد كسرٍ بسيط في كاحله الأيسر" أخيرا عاد صوت ابنته إليها ، ضعيـف وخـافت " أبــي خذنـي
إليه ،أريـد رؤيتـه" احترم الأب رغبة ابنته المُشفقة، فحثها على أن تُجهـز نفسهـا و
تلحق به إلـى السيارةوبعد مرور ربع ساعة أصبحا في المشفــى ،
أستفسر والدها عن رقـم غرفته وفي أي طابق، بينما هي لم تقوى
على التحدث ، شعرت بأن أعصابــها على الهاويـة وهي تحاول
الضغط عليهـا، عندما أصبحت أمام باب غرفتـه جاهدت للصمود
وهي تنظر إليه عبر النـافذة، ولم تشعر بعينيها اللتان انهمرتـا
بالـدموع وجعلت تمسحها بباطن يديهّـا ، أول منْ تلقتها بالأحضان
المواسية أختـه، ثم سحبتها لوالدتها التي استقبلتها بالترحاب وجدتها
صامده كالجبال الشامخـة..أجلستها بمكانـها بجانب خطيبها
..اعترضت ساندرا حيـاءاً إلا أنها أصرت على ذلك وأردفت
قائله :" إنـه يرغب بجلوسك هنـا .. لقد طلبك أكثر من خمس
مرات دون وعـي" احمر وجه ساندراً خجلـاً مما أثـار ضحك أختـه فداعبتها "لا تقلقي ،أنـا هنـا" عبست وقطبت جبينها زمت شفتيها ثم مالبثت أن لاحظت أبيـه واقفاً
في الخلف فنهضت تحيه ، فحثها بالجلوس " لا عليكِ .. أقدر تواجدك هنا في هذه الأثنـاء ورحلتك بعد ساعةٍ
من الآن" ظهرت إمـارات الدهشة على والدته وهي تقول :" أحقـاً .. هل ستقلع
طائرتك بعد ساعةٍ من الآن؟" التفتت باتجاه الأب تطالبه " وكيف
علمت بشأن وجود ساندرا هنا بإقلاع طائرتها بعد قليل أيضاً ؟!" " أعلمني أبيها بالأمر للتو عندما استفسر عن حالة ابننا .. لم يكن
لدي معرفة بوجودها مسبقاً حتى الآن" حدقت الوالدة بساندرا تطالبها بالتأكيد "نعم خالتي ، ينبغي عليّ
السفر بعد قليل ..ولكن شأن سفرتي لا تهم " "بل تهم! ..البحث عن رحلات سفرٍ هذه الأيام شـاق .. اذهبي ابنتي
سنهاتفك ونطمئنك عليه لاحقا "وهـز الأب رأسه موافقاً زوجتـه ،إلـا
أن ساندرا أصرت على قرارها بعدم الذهـاب، فحسم صوتٌ مبحوح
وضعيف الأمر"بعد موافقة الأبويـن لمـاذا ما زلت مُصرّة على
البقــاء .. يـال عنــادك!" القت ساندرا نظرة عتـاب على صاحب الصوت ثم ما لبثت أن تحولت لقلق وكأنها تخبره أنهـا باقية لأجلـه ، فتهلل وجهه
فرحـا برؤيتها وبخوفها عليه وطبطبت ابتسامته على قلبـها تهدئه .. ومـاكان من العائلة الكريمة إلـا أن تركتهما بمفردهمـا،
حتى أبيها من جاء مُتأخراً للغرفه ثم انسحب بهدوء كالبقية
وعينيه مبتسمتين للصورة أمامه ،
ومـا أن تأكد يوسف بخلو الساحة حتى انتهزالفرصة وأمسك
بيدها اليمنى يحتضنها بين قبضتيه الكبيرتين ،
فصاحت الثانيه بهلع
" يوسـف ! ماذا تفعل دع يدي!" "ألا أملك حقـاً عليك؟" طالبها غير راغباً بتحرير يدها "ليس بعد .. لم نصبح زوجين" حررت يدها بلطف من بين قبضتيه
دون أن تواجه عينيه ..احنى رأسه ليقذف قذيفةٍ أخرى ويستمتع
بمشاهدة انفجارها "سيصبح ريثما أتماثل للشفاء واخرج من هنـا" تابع تصاعد احمرار وجهها وتورّد خديّها كفاكهة الفراولة
وجفنيها اللتان أسدلتهما خجلاً من عبارته ممـا جعله الأمرضعيفـا،
أراد أن يستمر بمضايقتها ولكنه أشفق عليها ، ها قد انفجرت القذيفة
مخلفة مشهداً يعلق بالذاكرة .. أراد أن يستغل ضعفها لصالحه ولكن
سرعان ما أفلت يدها بلطف عندما لاحظ نظرات أختـه المتوعـدة
بالنذيرعبرالنـافذة نحوه .. عدّل عن نيته وهمـس مقتضباً
" وريثمـا أتخلص من محاميك الذي بالخارج ! " وجدت ساندرا أن رنـاد تشير إليهـا بيديها على أن وضعها آمـن ، فلم
تتمالك نفسها من كتمان قهقهتها التي خرجت من أعماق قلبها
واطمأن صدر يوسف حالما علم بأن أعصابها قد هدأت ، فطلب
يحثهـا "سـاندرا عودي إلـى المنزل ووضبي أغراضك لسفرك" ارادت ساندرا الاعتراض ، فأصر
"أنـا بخير كما رأيتِ ، سأجهز حالي هنا بينمـا أنتي هنـاك، ولن
أتقبل أي أعذارٍ أخرى ..اتفقنـا" بحزمه تمكن من تغيير رأيها ، وبـاتت ساندرا الآن متجهة صوب
بوابة المغادرة، لم تشعر ساندرا براحةٍ نفسية أكثر من اليوم ، قررت
أن تعمل في قطروتستقرهنـاك بينمـا ككاتبـه صحفيه بدلـا عن
مراسلة ، فالرغبة والهدف قد لا يجتمعان معاً !
و بعد شهر وثلاثة أسابيع ستصبح زوجه ليوسف ..علمت أن هذه
الحقيقة وحدها ستشجعها بالعودة سريعا إلـى بلدهـا الحبيـب. |
|